حالات بطلان حكم التحكيم في النزاعات الناشئة بين أطراف العلاقة البحرية على ضوء قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي – احمد بنمامين باحث في سلك في الدكتوراه ـ كلية الحقوق وجدة
حالات بطلان حكم التحكيم في النزاعات الناشئة بين أطراف العلاقة البحرية على ضوء قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي
Cases of invalidity of the arbitration award in disputes arising between the parties to the maritime relationship in light of the Moroccan Law on Arbitration and Contractual Mediation
الباحث : احمد بنمامين
باحث في سلك في الدكتوراه ـ كلية الحقوق وجدة
ملخص
يعد التحكيم وسيلة فعالة لحل النزاعات بين أطراف العلاقات البحرية، سواء داخل الدولة أو بين دول مختلفة، ويعتبر من أهم الوسائل البديلة لحل المنازعات من خلال إصدار حكم فيها حائز على قوة الشيء المقضي به كما يعد نظامًا مزدوجًا يجمع بين العناصر الاتفاقية والقضائية، حيث يُعتبر المحكم بديلاً للقاضي في فصل المنازعات وإصدار قرار قانوني قابل للطعن، لذا يستخدم التحكيم بشكل واسع في العلاقات البحرية، وتتطلب هذه العلاقات خبرة فنية في المسائل البحرية والقوانين والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
وتحظى حالات بطلان حكم التحكيم بأهمية كبيرة لضمان تحقيق العدالة وتصحيح الأخطاء، حيث يجب على المحكم البحري أن يصدر قراره وفقًا لاتفاق التحكيم، مع مراعاة النقاط التي تطرحها هذه الاتفاق، مع اقتصار الحكم على المسائل المشمولة بالاتفاق وعدم التدخل في قضايا خارج نطاق اتفاق التحكيم لتجنب طعن الحكم بالبطلان، وفي هذا الصدد حدد القانون المغربي حالات وأسباب الطعن في بطلان حكم التحكيم، وستركز هذه الورقة على دراسة حالات بطلان حكم التحكيم في النزاعات الناشئة بين أطراف العلاقة البحرية على ضوء قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي، من خلال استعراض دور التحكيم في تسوية المنازعات البحرية، وتسليط الضوء على الطبيعة الخاصة لمنازعات التحكيم البحرية و دورها في العلاقات البحرية، مع التركيز البحث على اوجه بطلان حكم التحكيم البحري، كما يسلط الضوء على الحالات التي يمكن فيها الطعن في الحكم التحكيمي والأسباب التي قد تؤدي إلى بطلانه
الكلمات المفتاحية: التحكيم في النزاعات الناشئة بين أطراف العلاقة البحرية، الاتفاق بين أطراف التحكيم، التحكيم البحري، التجارة البحرية والعقود البحرية، محكمين ذوي الخبرة البحرية، بطلان حكم التحكيم، الطعن بالبطلان للحكم التحكيمي.
Abstract
Arbitration serves as a highly effective method for resolving disputes within maritime relations, whether they occur domestically or across international borders. It stands as one of the most crucial alternative dispute resolution mechanisms, rendering judgments that possess the same authority as court judgments. This dual system amalgamates convention and judiciary elements, wherein the arbitrator acts as an alternative to a judge, delivering legally binding decisions subject to appeal. Consequently, arbitration finds widespread use in maritime relations, necessitating a profound understanding of maritime matters, technical expertise, and familiarity with relevant international laws and treaties.
The significance of cases involving the invalidity of arbitration awards cannot be understated, as they play a pivotal role in ensuring justice and rectifying errors. Maritime arbitrators must adhere to the arbitration agreement while taking into account its stipulations, confining their judgment to the issues covered by the agreement. Avoiding interference in matters beyond the scope of the arbitration agreement is vital to prevent potential challenges to the award’s validity. In this context, Moroccan law precisely outlines the cases and reasons for contesting the validity of arbitration awards.
This article aims to delve into the cases of arbitration award invalidity in disputes arising within maritime relationships, focusing on the Moroccan Law on Arbitration and Contractual Mediation. The study will explore the role of arbitration in settling maritime disputes and highlight the distinct nature of such disputes. Special attention will be given to aspects related to the invalidity of maritime arbitration awards, including the cases where these awards can be challenged and the reasons that may lead to their nullification.
Keywords: arbitration in disputes arising between the parties to the maritime relationship, agreement between the parties to arbitration, maritime arbitration, maritime trade and maritime contracts, arbitrators with maritime experience, invalidity of the arbitration award, appeal against the invalidity of the arbitration award.
المقدمة
يعتبر التحكيم من الوسائل الراهنة للفصل بين أطراف متنازعة سواء كانت هيئات أو مؤسسات خاصة أو عامة في نفس الدولة، أو بين هيئات وشركات عالمية موجودة داخل الدولة وتدخل في نزاع خارج وداخل دول أخرى، أو بين دول تتنازع على مناطق النفوذ الخاصة بكل دولة على حدة.
فالتحكيم اذن نظام خاص يتم بمقتضاه الاتفاق بين أطرافه على فض جزء أو كل منازعاتهم الناتجة عن علاقة قانونية محددة من اختصاص قضاء الدولة لعرضها امام انظار أشخاص عاديين، ويعتبر من أهم الوسائل البديلة لحل المنازعات من خلال إصدار حكم فيها حائز على قوة الشيء المقضي به[1]..
والتحكيم بهذه الصورة يعد نظاما مركبا بطبيعة مزدوجة، حيث هو عمل اتفاقي في مصدره، وقضائي في وظيفته، فالمحكم على الرغم من أنه ليس بقاض إلا أنه يقوم بذات الوظيفة المنوطة بالقاضي عبر الفصل في المنازعات المعروضة عليه بإصدار حكم فيها، وتكييف بعض القرارات الصادرة في هذه المنازعات بأنها أحكام، يعني قابليتها للطعن فيها بطرق الطعن القانونية شأنها شأن الأحكام القضائية.
وينتشر في عصرنا الحاضر اللجوء للتحكيم لحل المنازعات المتعلقة بالعلاقات البحرية، حيث يتفق أطراف تلك العلاقات على أن المنازعات الحالة أو المستقبلية التي قد تنشأ عنها اللجوء إلــى محكمين من إختيارهم ومن المشهود لهم بالكفاءة والخبرة في المجال البحري ليفصلوا فيها بأحكام تحكيمية ملزمة.
والتحكيم البحري نظام قانوني لحل المنازعات البحرية معروف منذ أقدم العصور، حتى يمكن القول أن جذوره تمتد إلى عصور روما القديمة في القرن السابع قبل الميلاد[2]، وقد احتل التحكيم البحري مكانة سامية كوسيلة بديلة لحل المنازعات البحرية في العصور الوسطى نظراً لإزدهار التجارة البحريـــة بــين الشعوب المختلفة وقيام موانئ هامة على بحر الشمال وبحر البلطيق وتدوين أهم قانونين بحريين عرفيين وهما قنصلية البحر وهي مدونة فـــي برشلونة في القرن الحادي عشر للميلاد ومجموعة أوليرن التي وضعت عام 1200 للميلاد لتضم أحكام القضاء الصادرة في الموانئ الفرنسية ويشهد بإنتشار حل المنازعات البحرية بواسطة التحكيم البحري في العصر الوسيط للأحكام البحرية الصادرة في ميناء مرسيليا الفرنسي عام 1248 أو التي ما زالت موجودة في فرنســـــا حتى الآن[3].
ولا يكاد عقد من عقود التجارة البحرية يخلو من شرط التحكيم، وتبرز أهميته في مجموعة من الاعتبارات أهمها، عامل السرية وذلك لتجنب المنافسة والمضاربة أو تأثير الغير من المتعاملين معهم أو الموانئ أو الوكالات البحرية إذا ما تم خروج هذه المنازعات للعلن في حالة اللجوء للقضاء العادي، ناهيك عن سرعة البث في النزاعات الناشئة بين أطراف العلاقة البحرية إذا ما قورن بالمسطرة القضائية.
هذا اضافة لما يميز التحكيم في العقود البحرية من خصوصية فنية وتقنية مرتبطة بطبيعة المسائل موضوع النزاع في العلاقات البحرية التي ترجع في حلها الى ما استقر عليه العرف البحري، سواء في مجال النقل البحري والشحن والتخزين والتفريغ، وعقود الإنقاذ والمساعدة البحرية، أو التأمين البحري وبناء السفن وعقود التجارة وضمان البضائع، والتعويض عن الإتلاف والهلاك أو التأخير عن نقل البضائع، وهي القضايا التي تتطلب محكمين يمتلكون الخبرة الفنية الكبيرة والإلمام بالمسائل البحرية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية المنظمة للعقود البحرية بما فيها أعراف التجارة البحرية وقواعد العدالة والإنصاف المعمول بها في هذا الشأن.
وفي سبيل ذلك نجد أنه كي يتسنى للشخص أن يكون محكما لا بد من توفر عدة شروط لضمان أعلى درجة من التخصص والكفاءة، ومن بينها أن يكون المحكم ممارسا لفرع من فروع التجارة البحرية لمدة تكفي للإلمام بخباياها، وعلى الرغم من الاختلاف في تحديد هذه المدة إلا أن الاجماع ينعقد على أن لا تقل عن عشر سنوات[4].
ولكن على جانب آخر فإن المحكم البحري له أخطاء مثله مثل سائر الأشخاص وما ينتابهم من خطأ ونسيان أو سوء تصرف إلى غير ذلك من خطأ، فإذا ما كان الحكم البحري يحوز حجية الأمر المقضي وإذا كان المحكم البحري يستنفد ولايـــة القضاء بالنسبة لموضوع النزاع المعروض عليه وذلـــك فـــور صدور الحكم فلا شك من أنه هناك حاجة ماسة إلى وجود وسيلة للطعن على هذه الأحكام كي تصحح تلك الأخطاء وتــرد الأمور إلى طبيعتها وإلى سيرها المعتاد[5].
فالمحكم البحـــري عند قيامـــه بالفصل في النزاع التحكيمي، لابد أن يراعــــــى فـــــي حكمـــــه أن يكون متوافقاً ومتطابقاً مع ما ورد في اتفاق التحكــيم، ســــواء مـــن تحديد موعد لإصدار الحكم أو لكيفية صدوره وأن يصدر ذلك الحكم بخصوص الموضوعات أو النقاط التي يثيرها الاتفاق التحكيم، فلا يغفل في الوقت ذاته أن يفصل في نقاط تدخل في نطاقه ولا يقوم بالفصل في نقاط تخرج عن هذا النطاق وألا تعرض ذلك الحكم لخطر الطعن عليه بالبطلان[6].
لذا نلاحظ بأن المشرع المغربي قد حصر الحالات والأسباب التي يمكن أن تكون محلا للطعن في بطلان حكم التحكيم، لكون الاخير هو النتيجة النهائية للعملية التحكيمية الذي تنتهي بموجبه إجراءات التحكيم بحكم يحسم النزاع وينهي الخلاف، وعليه فإننا سنتناول أسباب وحالات بطلان حكم التحكيم في ضوء القانون المغربي.
تتجلى أهمية البحث في دراسة أسباب حالات الطعن ببطلان التحكيم كضمانة من أهم ضمانات التحكيم باعتباره وسيلة بديلة من وسائل فض النزاعات والتسوية في العلاقات البحرية والعقود البحرية، عن طريق كفالة حق الأطراف المتنازعة في الطعن في حكم التحكيم، والإجراءات المتبعة في ذلك والآثار الناجمة عن الحكم به، وتبيان أهمية اللجوء إلى التحكيم باعتباره حلاً يختصر للوقت ويخفف من الرسوم وله طابع الإلزامية وقوة الشيء المقضي به.
المبحث الأول: ماهية حكم التحكيم في المنازعات البحرية.
إن هيئة التحكيم سلطة متمتعة بإصدار العديد من القرارات والأوامر المتعلقة بسير إجراءات التحكيم، كالأوامر المتعلقة باتخاذ تدابير تحفظية تجاه أحد الخصوم، وذلك قبل أن تصدر الهيئة حكمها المنهي للخصومة، فمنها ما يتعلق بإدارة العملية التحكيمية، ومنها ما يتعلق بالفصل في جزء من موضوع النزاع، وتعتبر القر ارت المنهية للخصومة الصادرة عن هيئة التحكيم أحكاماً تحكيمية، و التي يمكن تنفيذها جبرا على المدين في حال امتناعه عن تنفيذها، كما يمكن الرجوع عليها عن طريق دعوى البطلان، ولا تقبل دعوى البطلان الا ضد حكم التحكيم دون غيره من القرارات الصادرة عن هيئة التحكيم أو الجهات المشرفة على التحكيم عندما يكون هذا التحكيم مؤسسياً.
وعليه فسيتم في هذا المبحث الحديث عن مفهوم حكم التحكيم، وأنواعه، والمتطلبات والشروط الأساسية لصدور حكم التحكيم.
المطلب الأول: مفهوم حكم التحكيم
تحديد مفهوم حكم التحكيم تظهر أهميته من خلال معرفة أي القرارات أو الأحكام الصادرة عن المحكم والموصوفة بأنها أحكام تحكيمية، وغيرها من القرارات الإجرائية التي تفصل في المواضيع الإجرائية، وتتجلى أهمية تحديد هذا المفهوم في معرفة الأثر المترتب على وصف القرار الصادر عن المحكم او الهيئة التحكيمية وتمييزه عن القرارات ذات الطابع الإجرائي.
بحيث سنناقش محاولة كل من الفقه والقضاء إضافة الى القانون تحديد مفهوم حكم التحكيم.
- المفهوم الفقهي والقضائي لحكم التحكيم
ان عدم وجود تعريف مانع جامع لمفهوم حكم التحكيم، أدى الى ظهور اتجاهين وانقسمت آراء كل منهما بين التوسع من نطاق حكم التحكيم، فيما تبنى الاتجاه الثاني التضييق من نطاق حكم التحكيم، وسنقوم بالبحث في كل منهما على النحو الآتي:
الفقرة الأولى: الاتجاه الموسع لحكم التحكيم
ويرى أصحاب هذا الاتجاه بتوسيع نطاق الحكم التحكيمي لدرجة أنه لا يقتصر فًقط على الأحكام التي تفصل في المنازعة على نحو كلي، بل وأيضا تلك التي تفصل في أحد عناصر هذا النزاع كالقرارات المرتبطة بالفصل في اختصاص المحكمة، أو تحديد القانون الواجب التطبيق، أو البث في صحة العقود، فإنها تعتبر أحكام تحكيمية حقيقية.
ويعرف الأستاذ فيليب فوشار حكم التحكيم على أنه أي قرار يصدر عن هيئة تحكيم ويفصل بشكل نهائي في المنازعات المعروضة عليها كليًا أو جزئيًا سواء تعلق ذلك بمسألة موضوعية أو مسألة من مسائل الاختصاص أو بمسألة إجرائية أفضت إلى انتهاء إجراءات التحكيم. وتنتهي وجهة النظر هذه إلى أنه لا يشترط في قرار التحكيم أن ينهي النزاع بالكامل، بل يمكن أن يصدر حكم التحكيم فيا يتعلق بمسألة جزئية كاختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع أو القانون الواجب التطبيق، أو صحة العقد محل التحكيم مثل هذه القرارات تعد أحكام تحكيم[7].
كما عرفه الأستاذ (E. Gaillard) بأنه: “القرار الصادر عن المحكم الذي يفصل بشكل قطعي، على نحو كلي أو جزئي في المنازعة المعروضة عليه سواءً تعلق هذا القرا ر بموضوع المنازعة ذاتها أم بالاختصاص أم بمسألة تفصل بالإجراءات، أدت بالمحكم إلى الحكم بإنهاء الخصومة[8].
الفقرة الثانية: الاتجاه المضيق من نطاق حكم التحكيم
هذا الاتجاه هو معاكس للاتجاه السابق ويتبنى الدفاع عنه جانب من الفقه السويسري [9]، هذا الأخير يرى أن القرارات الصادرة عن محكمة التحكيم حتى تلك المتصلة بموضوع المنازعة والتي لا تفصل في طلب محدد، لا تعتبر أحكامًا تحكيمية إلا إذا انهت بشكل كلي أو جزئي منازعة التحكيم، فوفقًا لهذا الاتجاه من الفقه فإن القرارات التي تفصل في المسائل المتصلة بالموضوع كصحة العقد الأصلي أو بتحديد قانون معين يجب تطبيقه أو كونها مختصة أو غير مختصة لا يعد ذلك من قبيل أحكام التحكيم، وبالتالي لا يجوز الطعن فيها بالبطلان استقلالاً عن الحكم التحكيمي الصادر في موضوع المنازعة.
وتعرض هذا الرأي للنقد كذلك، على اعتبار أن هذا الرأي يستند إلى مفهوم ضيق في دعوى التحكيم وأن قرار هيئة التحكيم في الاختصاص وغيرها من المسائل يجب اعتبارها حكم تحكيم قابل للطعن عليه بالبطلان مثل باقي أحكام التحكيم [10]، إن وضع تعريفً جامعً مانعً لحكم التحكيم يشكل صعوبة حقيقة امام الفقه، الشيء الذي انعكس على عدم وجود قاعدة موحدة في قوانين التحكيم للدول، فمن جانبنا ينبغي أن نؤكد على تأييدنا لمفهوم حكم التحكيم في معناه الواسع لما فيه من ضمان لأطراف التحكيم في حفظ حقوقهم وتحقيق الهدف من اللجوء للتحكيم.
- المفهوم القانوني لحكم التحكيم:
إن معظم الأنظمة القانونية المعاصرة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية اهتمت بنظام التحكيم ونظمته، وأقرته في كثير من أنظمتها القانونية، إلا أننا نجد أن معظم هذه التشريعات الوطنية والمعاهدات الدولية لم تحدد المقصود بحكم التحكيم ولم تضع تعريف محدد له.
على عكس القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية. الذي أورد الباب الأول بعنوان “التعريف و القواعد العامة” حيث جاء في المادة الأولى منه ” يراد في مدلول هذا القانون بما يلي:» -… الحكم التحكيمي» : الحكم الذي يصدر عن محكم أو هيئة أو مؤسسة تحكيمية ؛”
وهذا التعريف الذي تبناه المشرع المغربي يتماهى مع الاتجاه الموسع لحكم التحكيم، كما أن المشرع أفرد الفصل الثاني من الباب الثاني من قانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية بالشروط والإجراءات المتعلقة بحكم التحكيم.
و قد تبنت محكم الاستئناف بباريس أيضا التعريف الموسع لحكم التحكيم في حكمها الصادر في 2/3/1994 في قضية SARDISUD بقولها “يقصد بأحكام التحكيم أعمال المحكمين التي تفصل بشكل حاسم كليا أو جزئيا في النزاع الذي عرض عليهم سواء كان هذا الحكم في الموضوع أو الاختصاص”.
بينما غالبية الانظمة القانونية للتحكيم للدول اشتملت على شروط إصدار حكم التحكيم وإجراءاته أكثر من كونه تعريف للمصطلح، إلا أن اتفاقية نيويورك 1958 بشأن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية تضمنت نصًا في المادة الأولى من البند الثاني، يُعرف حكم التحكيم حيث جاء فيه:
” لا يقتصر مصطلح قرارات التحكيم على القرارات التي يصدرها محكمون معينون في لكل قضية، بل يشمل أيضًا القرارات التي تصدرها هيئات تحكيم دائمة تكون الأطراف قد أحالت الأمر إليها “، وحيث أن هذا التعريف لا يمكن اعتباره تعريف جامعا مانعا إذ أن الملاحظ أن هذه الاتفاقية قد وسعت نطاق الأحكام والقرارات التحكيمية فقط.
وقد كان هناك اقتراحا أن يتضمن القانون النموذجي (قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي) تعريفاً لمصطلح “حكم التحكيم، ولكن لم تتم الموافقة عليه، وكان التعريف المقترح هو ما يلي: “يقصد بحكم التحكيم القرار النهائي الذي يفصل في كل القضايا التي تمت إحالتها إلى محكمة التحكيم وأي قرار آخر لمحكمة يحسم بشكل نهائي أي مسألة جوهرية أو مسألة اختصاصها أو أي مسألة أخرى تتعلق بالإجراءات، شرط أن تصف محكمة التحكيم في الحالة الأخيرة القرار الذي نتوصل إليه بأنه حكم [11].
المطلب الثاني: طبيعة منازعات التحكيم البحرية
مما لا شك فيه أن منازعات التجارة البحرية تتنوع حسب اختلاف العلاقات البحرية، لذا سنعالج في الفقرة الأولى ماهية هذه المنازعات، وفي الفقرة الثانية دولية منازعات التحكيم البحري، أما في الفقرة الثالثة سنسلط الضوء على الطبيعة التجارية لهذه المنازعات.
الفقرة الأولى: ماهية المنازعات البحرية المعروضة على التحكيم البحري
تتنوع المنازعات البحرية الناشئة في إطار المعاملات البحرية سواء أكانت بين الأشخاص الخاصة أو بينهم وبين أحد الأشخاص المعنوية العامة، ونذكر منها على سبيل المثال المنازعات التي قد تنشأ عن عقود النقل البحري سواء تم هذا النقل بسند شحن أم تم بمشارطة إيجار والمنازعات الخاصة بالتصادم البحري والمساعدة البحرية والإنقاذ ومنازعات تسوية الخسائر المشتركة وكذلك المنازعات الناشئة عن عقود التأمين البحري، وبصفة عامة كافة المنازعات الناشئة عن المعاملات البحرية الخاصة[12]، فالمنازعات التي تكون محلا للتحكيم البحري لا يمكن حصرها وتختلف باختلاف العلاقات البحرية فهي كثيرة ومتنوعة وبعيدة عن الحصر.
وقد ورد في قانون التحكيم الفيدرالي الأمريكي 1925 في المادة الأولى التي عرفت المنازعات البحرية التي تحل منازعاتها وفقا لهذا القانون بأنها: مشارطات إيجار السفن وعمليات النقل البحري بموجب سند شحن والاتفاقات الخاصة باستعمال الرصيف البحري للسفن وإصلاحها والتصادم البحري وأي موضوع من موضوعات التجارة الدولية التي تدخل عند الاقتضاء في اختصاص القضاء البحري هذا وقد اجتهدت بعض مراكز التحكيم البحري في لوائحها إلى تحديد العلاقات البحرية التي تعرض منازعاتها على التحكيم البحري.
وعموما يمكن تحديد ماهية المنازعات البحرية المعروضة على التحكيم البحري بأنها المنازعات الناشئة عن العقود البحرية وتلك الناشئة عن الحوادث البحرية، وبصفة عامة كافة المنازعات الناشئة عن التعاملات البحرية الخاصة، سواء كانت تلك المنازعات قائمة أو حالة أو كانت منازعات مستقبلية ومحتملة، وتتم أغلب التحكيمات البحرية لدى جمعية المحكمين البحريين بلندن[13].
الفقرة الثانية: دولية منازعات التحكيم البحري
اكتسب التحكيم البحري أهمية كبيرة في منازعات التجارة الدولية الناتجة عن التبادل التجاري بين الدول، حيث يتم النقل البحري غالبا بين مينائي الشحن والتفريغ في بلدين مختلفين، وحتى السفينة الناقلة قد تحمل علم دولة ثالثة بل إن أطراف العقود البحرية من مجهز ومستأجر وشاحن ومرسل إليه قد ينتسبوا لدول متعددة، وهنا تُثار مشكلة تنازع القوانين ويمكن اعتبار التحكيم وطنيا أو داخليا إذا تم داخل نظام قانوني واحد لدولة معينة ويكون دوليا إذا ارتبط بعدة أنظمة قانونية لعدة دول وتكمن أهمية تلك التفرقة في تحديد القانون الواجب التطبيق ونذكر العناصر المتعددة التي تثير تنازع للقوانين للبحث فيها عن القانون الواجب التطبيق من بينها الجنسية أو محل إقامة أو مقر عمل الأطراف وجنسية المحكم أو المحكمين، ومكان التحكيم ومكان تنفيذ حكم التحكيم [14]،والقانون الواجب التطبيق على الإجراءات أو على الموضوع ومكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه أو موقع المال أو مكان حدوث الضرر وهذه المعايير المختلفة اعتمدها الفقه التقليدي فهو لم يستقر على معيار محدد بذاته [15] للتفريق بين التحكيم الداخلي و التحكيم الدولي ، اما المعيار الذي اتجه اليه الفقه الحديث هو المعيار المرتبط بطبيعة النزاعات الاقتصادية ، فالتحكيم الدولي هو الذي بتعلق بالنزاعات الناتجة عن معاملات التجارة الدولية و دورها في إضفاء صفة الدولية على التحكيم .
وما ذهب إليه القانون رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية في المادة 71 منه حيث جاء فيها “يعتبر دوليا، حسب مدلول هذا الباب، التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية، والذي يكون لأحد أطرافه على الأقل موطن أو مقر بالخارج” ونلاحظ ان المشرع المغربي أخذ بإعمال المعيار الاقتصادي في العقود المتصلة بمصالح التجارة الدولية شريطة أن يكون لأحد أطراف النزاع موطن او مقر بالخارج رابطا ذلك بمحل إقامة أحد الأطراف (المعيار القانوني).
اما المشرع الفرنسي ربط معيار التحكيم الدولي بموضوع النزاع (المعيار الاقتصادي) لإضفاء صفة الدولية عليه، حيث تنص المادة 1492 من المرسوم 12/05/1981 المتعلق بالتحكيم الدولي على أنه ” يعتبر دوليا التحكيم الذي يضع في ميزان مصالح التجارة الدولية”، وتفسر المحاكم الفرنسية النص السابق بأنه يعني انتقال الأموال عبر الحدود بين الدول، حيث اعتبرت محكمة النقض الفرنسية الشرط التحكيمي دوليا لأنه وارد على عقد تصدير بضاعة من فرنسا الى إيطاليا[16]، إلى ذلك اعتبرت محكمة استئناف باريس ان الشرط التحكيمي دوليا بالنسبة للشرط التحكيمي الوارد في العقد المبرم بين شركة ليبية و أحرى سويدية يتعلق ببناء وتسليم ثلاث ناقلات نفطية الى ليبيا في السويد [17].
الفقرة الثالثة: تجارية منازعات التحكيم البحري
يُعد التحكيم البحري أحد فروع التحكيم التجاري الدولي وهو منظم بالقوانين والمعاهدات الدولية المنظمة للتحكيم التجاري الدولي بصفة عامة، في فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية مع وجود أحكام خاصة به في قوانين بعض هذه الدول وتُعد القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية هي الشريعة العامة المنظمة للتحكيم في المنازعات البحرية.
ويسود العالم الآن معيارا قانونيا وفقهيا وقضائيا بشأن تحديد فكرة “التجارية في التحكيم” وهو معيار واسع يشمل فضلا عن العلاقات التجارية التقليدية عمليات التبادل والإنتاج والأنشطة المتعلقة بالتشييد والبناء والأنشطة الاستثمارية وعمليات تقديم الخدمات وغيرها من الأنشطة ذات الطبيعة الاقتصادية، ووفقا لهذا المعيار يعتبر تجاريا كل تحكيم دولي يفصل في نزاع ذي صفة اقتصادية وهذا المعيار يأخذ به القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي 1985، حين قرر وجوب تفسير مصطلح “تجاري” تفسيرا واسعا بحيث يشمل كل المسائل الناشئة عن جميع العلاقات ذات الطبيعة التجارية تعاقدية كانت أو غير تعاقدية، وبهذا المعيار أيضا المشرع المغربي كما اشرنا الى ذلك سابق، وكذلك قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 حيث نص عليه صراحة في مادته الثانية.
ولعل الفكرة في توسيع مفهوم التجارية في التحكيم جاءت لتنسق مع اللغة السائدة الآن من توسيع دائرة العلاقات المتصفة بالطابع التجاري الدولي، لتشمل غالبية العلاقات البحرية المعروضة نزاعاتها على التحكيم ويضفي هذا المعيار صفة التجارية على معظم التحكيمات البحرية، بحيث يخرج منها التحكيمات البحرية الداخلية البحتة والمنازعات البحرية بين الدول بعضها البعض في إطار التحكيم الدولي العام.
المبحث الثاني: طبيعة بطلان حكم التحكيم البحري
سنتناول في هذا المبحث طبيعة بطلان حكم التحكيم في المطلب الأول و في المطلب الثاني سندرس حالات الطعن ببطلان الحكم التحكيمي والتي حصرها المشرع المغربي في المادة 82 التي تحيل على المادة 80 من القانون رقم 95.17.
المطلب الأول: طبيعة بطلان حكم التحكيم البحري
لقد وازن المشرع المغربي بين وسيلة فض النزاعات عن طريق التحكيم التي تستوجب ضرورة سرعة الفصل في النزاعات وبين إصلاح ما قد يشوب هذه الأحكام من أخطاء، لذا نص صراحة أن حكم التحكيم في التحكيم الدولي لا يجوز الطعن عليه بطريقتين من طرق الطعن وهما، الطعن بالاستئناف الذي يرتبط بالأمر القاضي بمنح الاعتراف أو الصيغة التنفيذية حسب ماورد في المادة 80 من القانون رقم 95.17 ، والطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي الصادر بالمملكة المغربية وجعل نفس أسباب الطعن لكليهما من خلال ما جاء في كل من المادتين 80 و82، و ما يهمنا في هذا الجانب هو الطعن بالبطلان في حكم التحكيم المرتبط بالتحكيم الدولي و الصادر بالمملكة المغربية.
والبطلان هو الجزاء الذي يقع على إجراء معين يبطله كلياً أو جزئياً إمـا بسبب إغفال عنصر يتطلب القانون توافره في الإجراء، وإما لأن الإجراء قد يؤثر بطريقة غير سليمة[18].
كما یرى آخرون أن البطلان هو الإجراء الذي يقرره قانون الإجراءات الجنائية لمخالفة الشروط والقواعد التي أوجب القانون اتباعها أو بمعنى آخر الجزاء الإجرائي لمخالفة قاعدة معينة لم ينص القانون على بطلانها إذا انتهكت، أو هو الجزاء الذي يستهدف كل عمل إجرائي لا يتوافر فيه عنصر من العناصر الجوهرية التي يتطلبها القانون[19]،وهو وسيلة من وسائل حماية العدالة وهيمنتها في كل مراحل الدعوى، وبه تتحقق الطمأنينة وذلك من خلال الرقابة على ما يقوم به القاضي من أعمال إجرائية، كما يمكننا القول بأنه الدرع الواقي للأعمال الإجرائية، وهو وصف يلحق بالعمل القانوني ينظمه المشرع أو تقضي به المحكمة بغير نص، إذا افتقد أحد الشروط الشكلية او الموضوعية في العمل القانوني المطلوبة لصحته قانونًا، والبطلان يأدي لعدم فاعلية العمل القانوني وافتقاده لقيمته القانونية المفترضة في حالة صحته.
فدعوى البطلان تعتبر وسيلة لمراجعــة أحكام التحكيم المعيبــة وذلك مشروط بتوافر أحد أسباب البطلان المنصوص عليها على سبيل الحصر والتي سنتناولها في مطلبنا الثاني، كما أن دعوى البطلان لا تعتبر جزء أو مرحلة من مراحل الخصومة فهي تخرج عن إرادة أطراف التحكيم باعتبار أنها ترفع أمام محاكم الدولة المختصة والتي خصها المشرع المغربي في المادة 83 حيث ترفع دعوى البطلان أمام محكمة الاستئناف التجارية المختصة التي صدر الحكم التحكيمي في دائرة نفوذها، ويقدم هذا الطعن بمجرد صدور الحكم التحكيمي، أو خلال خمسة عشر 15 يوما من تاريخ تبليغه، وحسب نظرنا نعتبر أن الأجل الذي حدده المشرع كان موفقا لانه ينسجم مع فلسفة التحكيم البحري القائمة على السرعة في الفصل في النزاعات، حيث يمكن لمقدم الطعن بالبطلان ان يطعن في الحكم التحكيمي مباشرة بعد صدوره، وهذا بخلاف بعض التشريعات المقارنة التي جعلت المدة المحددة لممارسة الطعن بالبطلان طويلة مما يتعارض مع ميزة السرعة التي ينبغي أن تتجسد كذلك في الأجل القانونية على مستوى التحكيم البحري، كالتشريع المصري الذي حدده في 90 يوما التالية لإعلان المحكوم عليه بحكم التحكيم بدليل المادة 54 في فقرتها الأولى، ثم القانون الفرنسي الذي حدده في 30 يوما المادة (1486)، وينتج عن انتهاء أجل الطعن بالبطلان سقوط الحق في ممارسة هذا الطعن، وهذا ما يجعل الحكم التحكيمي محصنا ويكون قابل للتنفيذ، ولا يكون لرفع دعوى البطلان أثر في وقف تنفيذ الحكم التحكيمي [20].
فالقاضي ينظر في دعوى البطلان والتي تنصب على الحالات المنصوص عليها في المادة 80 من قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي مالم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، ونلاحظ ان المشرع المغربي قد منح الأطراف سلطة الاتفاق على إلغاء دعوى الطعن البطلان.
المطلب الثاني: حالات الطعن بالبطلان للحكم التحكيمي
تتسم أحكم التحكيم بميزة سرعة الفصل في المنازعات إلا أن هذا لا يعنى الاعتراف بأحكام التحكيم وهي مشوبة بخطأ، لذا حدد المشرع أسبابًا على سبيل الحصر لرفع دعوى بطلان حكم التحكيم، ومن ثم فلا يجوز الطعن على أحكام المحكمين بالبطلان بغير هذه الأسباب، فالملاحظ أن أسباب الطعن تنصب هنا على الناحية الشكلية دون الموضوعية أي لا يمس ما تم الفصل فيه من قبل المحكمين وإذا حدث وتم الطعن في الموضوع على المحكمة التي تنظر الطعن أن تحكم برفض الدعوى، كرفع دعوى بطلان تأسيساً على سوء تفسير نصوص العقد أو نصوص القانون الواجب التطبيق طبقاً لاتفاق الأطراف، وذلك لأنها ليست من بين الأسباب التي أوردها المشرع على سبيل الحصر في المادة 80 من قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي، مما تقدم سنتناول في هذا المطلب حالات الطعن بالبطلان للحكم التحكيمي.
حدد المشرع المغربي أسباب الطعن بالبطلان في حكم التحكيم الدولي من خلال المادة 82 التي تحيل على المادة 80 من قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي حسب الحالات الآتية:
الفقرة الأولى: إذا صدر الحكم التحكيمي في غياب اتفاق التحكيم، أو إذا كان اتفاق التحكيم باطلا، أو إذا صدر الحكم بعد انتهاء أجل التحكيم
من البديهي أن اختصاص هيئة التحكيم بالنظر في النزاع يقوم على وجود اتفاق تحكيم صحيح، وإذا لم يكن هناك اتفاق أو تعرض اتفاق التحكيم لسبب من الأسباب التي يترتب عليها بطلانه أو انقضائه، فإن حكم التحكيم في هذه الحالة يكون عرضه للطعن عليه بدعوى البطلان، ومن ثم يمكن رفع دعوى البطلان لإبطال الحكم التحكيمي.
- غياب اتفاق التحكيم
يترتب عن اتفاق التحكيم أثران سواء اتخذ شكل شرط تحكيم أو مشارطة تحكيم أو تحكيم بالإحالة أحدهما سلبي والآخر إيجابي. يتمثل الأثر الايجابي في منح الاختصاص لهيئة التحكيم، إما الأثر السلبي فهو منع المحكمة المختصة من سماع الدعوى ما دام شرط التحكيم قائمًا[21].
وتتحقق حالة عدم وجود اتفاق التحكيم متى ما ثبت عدم تحقق التراضي أي عدم وجود تلاقي إرادتين؛ كما لو صدر الايجاب وقوبل بالرفض أو بالصمت أو بقبول تضمن تعديلا لم يحظ بقبول الطرف الاخر، تفترض هذه الحالة أن شخصًا ما يلجأ إلى التحكيم دون أن يكون هناك ثمة اتفاق بينه وخصمه على اللجوء للتحكيم في حال حدوث نزاع بينهما، قد يتصور للوهلة الأولى أنه يصعب حدوث مثل هذه الحالة، إلا أن الذي يحث عمليا أن هناك حالات يمكن أن تقع في مثل هذه الوضعية، سنتعرض لبعضها.
الحالة الأولى: أن يكون هناك شخصًا تربطه بشخص آخر اتفاقات متعددة وعقود متتابعة وعلاقات متشابكة يتضمن بعضها شرط اللجوء للتحكيم، والبعض الآخر لا يتضمن مثل هذا الشرط. ينشأ الخلاف في مثل هذه الحالة حول ما إذا كان اتفاق التحكيم يسري على العقد محل النزاع أم لا، ويحدث كذلك أن يكون هناك مخاطبات، أو خطابات نوايا ويدعي أحد أطراف التحكيم بأنها تشكل اتفاق تحكيم، في حين أن المدعى عليه يعتبر هذه الأوراق تتعلق بمرحلة المفاوضات ولم تصل إلى مرحلة اتفاق تحكيم ملزم[22]، وتفصل هيئة التحكيم في الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم.
الحالة الثانية: يقع في حال كان هناك اتفاق تحكيم ويدعى الطرف الرافض للجوء للتحكيم أن الاتفاق قد فسخ باتفاق الأطراف هذه الحالة لا تثير صعوبة تذكر، فإذا ما ثبت أن اتفاق التحكيم قد فسخ فيكون الحكم قابلا للطعن عليه بالبطلان.
الحالة الثالثة: هو أن يثور الخلاف حول طبيعة الاتفاق من حيث إنه اتفاق تحكيم أو وساطة أو اتفاق على اللجوء إلى خبرة فنية.
الحالة الرابعة: أن يكون العقد محل النزاع قد تم تنفيذه بواسطة شخص غير الشخص الذي وقعه وثار النزاع حول سريان اتفاق التحكيم عليه، في هذه الحالة يكمن الخلاف حول مسألة امتداد اتفاق التحكيم لمن لم يكن طرفًا فيه[23]. تظهر هذه الحالة في الواقع العملي كثيرًا، كأن يحدث أن يتنازل شخص عن عقد متضمن لشرط تحكيم للغير فيثور الخلاف حول ما إذا كان هذا الغير يعد طرفًا في اتفاق التحكيم رغم عدم مشاركته في إبرام هذا العقد، يكمن حل هذه المسائل في تحديد المقصود بالطرف في اتفاق التحكيم هذا الاخير لا يقتصر مفهومه على الشخص الذي وقع الاتفاق، بل يمتد ليشمل من ساهم في تنفيذ العقد مع علمه بوجود اتفاق تحكيم، فإرادة الشخص وسلوكه هما الفيصل في اعتباره طرفًا في الاتفاق من عدمه.
سؤال آخر يثار هنا وهو ما هو الحكم لو بدأت إجراءات خصومة التحكيم وحضر طرفا النزاع أمام هيئة التحكيم دون أن تثار مسألة عدم وجود اتفاق تحكيم ولم يتم التحفظ على اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع، هل حضور طرفي النزاع أمام هيئة التحكيم دون أن يدفع بعدم وجود اتفاق تحكيم يصحح هذا العيب؟ يرى جانب من الفقه بأنه إذا ما حضر طرفا النزاع أمام هيئة التحكيم دون أن تثار مسألة عدم وجود اتفاق تحكيم ولم يتم التحفظ على اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع، فإن هذا العيب يزول. ونحن من جانبنا لا نؤيد هذا الرأي لعدة أسباب منها، كما هو معلوم أن المشرع المغربي اعتبر اتفاق التحكيم من العقود الشكلية[24]، حيث اعتبر الكتابة شرط لصحة اتفاق التحكيم وليست شرطًا لإثباته. ورتب البطلان كنتيجة لتخلف الكتابة في شرط التحكيم المادة 7 من قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي.
وبالتلى اتفاق التحكيم يعد شرطا ضروريا لوجود وصحة الحكم التحكيمي، ذلك أن الحكم التحكيمي الغير المرفق باتفاق التحكيم لا يعتبر حكما ويكون هو والعدم سواء.
- إذا كان اتفاق التحكيم باطلا
اتفاق التحكيم لا يعدو أن يكون عقد مثله مثل أي اتفاق آخر من اتفاقات القانون الخاص يجب أن ينعقد صحيحًا حتى يرتب آثاره، يستلزم ذلك توافر الأركان اللازمة لانعقاد العقود وهي الرضا والمحل والسبب والأهلية، كما يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا [25]، وكما هو معلوم فإن العقد يبطل لفقده لأحد أركانه[26]، ويجب أن يكون اتفاق التحكيم نتيجة التقاء إيجاب وقبول المتعاقدين على اختياره كوسيلة لفض المنازعات، وهو ما يسمى بالرضا. مع ضرورة خلوه من العيوب كالغلط والإكراه والتدليس، يجب كذلك أن تتوافر باقي أركان اتفاق التحكيم من محل وسبب وأهلية وكتابة ومحل التحكيم أي موضوع العقد الذي ورد التحكيم كبند من بنوده، أو ما ثار النزاع بشأنه في حال إذا ما كان الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم لاحقا لنشوء النزاع، حيث يجب أن يكون موضوع النزاع قابلا للتحكيم.
ويجب أن يتم تحديد موضوع النزاع الذي يحال إلى التحكيم تحديدًا دقيقًا وإلا كان باطلا[27]، فإذا تم الاتفاق على التحكيم قبل حدوث النزاع يتم تحديد موضوع النزاع في بيان الدعوى الذي يرسله المدعي إلى المدعى عليه وإلى هيئة التحكيم، وإذا تم الاتفاق بعد حدوث النزاع يجب تحديد الموضوع في ذات الاتفاق قبل البدء في مباشرة الإجراءات.
وعليه، فإن المشرع المغربي بين أنه لا يجوز أن يبرم اتفاق التحكيم في المسائل المتعلقة بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية الخارجة عن دائرة التعامل[28]، او المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات الترابية أو غيرها من الهيئات المتمتعة بامتيازات السلطة العمومية[29].
- صدور الحكم بعد انتهاء أجل التحكيم
إن المقصود بانتهاء مدة اتفاق التحكيم، يظهر جليا من تطبيقات هذه الحالة ان يكون اتفاق التحكيم – شرطا او مشارطة – قد نص على ان تبدأ اجراءات التحكيم خلال مدة معينة من واقعة معينة او من قيام المنازعة او من الاتفاق، بحيث إذا بدأت بعد انقضائها سقط اتفاق التحكيم واسترد كل من الطرفين حقه فى الالتجاء الى قضاء الدولة، ومن امثلة ذلك ان ينص عقد شحن بحري على شرط تحكيم ويوجب أن يتم تقديم طلب التحكيم خلال مدة معينة من التفريغ النهائي للشحنة.[30]
ويلاحظ انه إذا تعلق الأمر بشرط تحكيم وارد في عقد بين الطرفين يتعلق بالمنازعات التي قد تنشأ عن هذا العقد، فانه يجوز بعد انتهاء العقد استخدام شرط التحكيم الذي يتضمنه بالنسبة لأثار العقد التي نشأت عن هذا العقد قبل انتهائه أو التي تمتد بعد انتهائه.
كما يدخل في هذه الحالة تجاوز إجراءات التحكيم للمدة التي اتفق الطرفان على وجوب صدور حكم خلالها، وإذا انتهت المدة سقط اتفاق التحكيم بسبب انقضاء المدة وبدأت الخصومة، فللمحكم ضده التمسك بسقوط اتفاق التحكيم وانقضاء مدته أمام هيئة التحكيم، فإذا رفضت هيئة التحكيم هذا الدفع رغم انقضاء المدة وفصلت في النزاع، فيكون من حقه أن يتمسك بانقضاء المدة وأن يتمسك بهذا السقوط والطعن ببطلان حكم التحكيم التجاري البحري الذي سوف يصدر بناء على اتفاق انقضت مدته.
الفقرة الثانية: إذا تم تشكيل الهيئة التحكيمية أو تعيين المحكم المنفرد بصفة غير قانونية
ويثار هذا الاشكال عندما يتم تشكيل هيئة التحكيم تشكيلا مخالفا للقانون[31]، كأن تكون هيئة التحكيم، قد شكلت بعدد زوجي مخالفة لقاعدة وترية عدد المحكمين قانوناً[32]، أو إذا لم يتوفر في المحكم ما يجب توافره من شروط لقبوله مهمة التحكيم، كأن يكون قاصرا أو محجورا عليه كالمجنون أو السفيه أو المعتوه[33]، أو محروماً من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة، أو إذا لم يفصح عند قبوله لمهمته عن أية ظروف تثير الشك حول عدم استقلاله أو حيادته أو إذا لم ينح المحكم الذي طلب رده من صاحب الشأن[34].
وإذا لم تراع القواعد التي نص عليها القانون أو اتفاق الطرفين بشأن تعيين أو تشكيل هيئة المحكمين كان التحكيم باطلا[35]،لأن تشكيل الهيئة التحكيمية يعد مخالفة لإرادة الأطراف[36]، الشيء الذي يعرض حكم التحكيم التجاري البحري الصادر عن هذه الهيئة للطعن بالبطلان، وفي هذا المنوال حدد المشرع المغربي في المادة 24 من قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي، قيام أحد أسباب التجريح في شخص المحكم.
الفقرة الثالثة: إذا بثت الهيئة التحكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها
من الثابت أن حكم التحكيم ينبغي ألا يخرج عن اتفاق الخصوم، وبذلك على هيئة التحكيم ألا تفصل في أي نزاع حول أي موضوع لا يشمله اتفاق التحكيم، لذا نص المشرع المغربي صراحة في المادة 80 ان من بين حالات القابلة للطعن بالبطلان” إذا بتت الهيئة التحكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها”[37] فيجعل الحكم التحكيمي عرضة للطعن عليه بالبطلان من قبل أي من الطرفين، فهيئة التحكيم أولًا وأخيرًا تستمد سلطتها في البث في المنازعات المعروضة عليها من إرادة الأطراف.
ويرجع تبرير اعتبار تجاوز المحكم لحدود اتفاق التحكيم سبباً لبطلان حكم التحكيم، أن التحكيم طريق استثنائي لفض المنازعات، قوامه الخروج عن طريق التقاضي العادي، وما تكفله من ضمانات، فالمحكم ليس قاضياً فلا يجوز تبعاً لذلك إخضاعه لقاعدة “أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع”[38].
وخروج المحكم على اتفاق التحكيم قد يتعلق بالشكل أو بالموضوع، فمن حيث الشكل، يشمل بشكل خاص إجراءات التحكيم المتفق عليها بين الأطراف، بما فيها اتفاقهم على القانون المطبق على النزاع، أما من حيث الموضوع، فهو يشمل حالتين:
فصل المحكم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم من جهة، فإذا كان بالإمكان فصل أجزاء الحكم التحكيمي المتعلقة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الغير خاضعة له فلا يطال البطلان إلا الجزء الأخر الغير خاضع للتحكيم،
وتجاوز المحكم لطلبات الخصوم من جهة أخرى، ويمكن أن يضاف إليها أيضاً حكم المحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبه الخصوم، أما إذا كان الفصل غير ممكن فيطال البطلان حكم التحكيم بأكمله.
الفقرة الرابعة: إذا لم تحترم حقوق الدفاع
إن كافة دساتير العالم جعلوا حق الدفاع ضمانة من الضمانات الأساسية و المكفولة ، و هذا ما نص عليه الدستور المغربي في الفصل 120 على أن ” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول، حقوق الدفاع مضمونة أمام الجميع”، و حق الدفاع يعني إعطاء الفرصة لكل طرف بأن يقدم ما لديه من أقوال وأدلة إثبات، وتقديم الشهود وطلب الخبراء، وتبادل اللوائح، وتقديم كل ما يستطيع تقديمه من الأمور التي تجعل كل طرف في وضع يستطيع أن يدافع عن نفسه بكافة الوسائل التي يمكنه تقديمها إلى القضاء، وإعطاؤه الوقت الكافي لتقديم هذه الأمور[39]، وهو ضمانة أساسية لحسن العمل القضائي، فليس هناك من هو أقدر من الخصوم على تزويد القاضي بوسائل اكتشاف حقيقة الدعوى[40].
و نص المشرع المغرب في قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي على احترام هذا المبدأ في الباب الثاني المتعلق بالتحكيم الداخلي في المادة 33 الفقرة الأخيرة ” يعامل أطراف التحكيم على قدم المساواة، وتُهيأ لكلٍّ منهم فرصة كاملة ومتكافئة لعرض النزاع ودفوعه، وتحديد مطالبه وممارسة حقه في الدفاع” و في الباب الثالث المتعلق بالتحكيم الدولي في الفقرة الثانية من المادة 75 نصت على أنه” تحترم في جميع الأحوال القواعد المتعلقة بحقوق الدفاع وبمعاملة أطراف التحكيم على قدم المساواة” و إذا لم تحترم حقوق الدفاع، فإن الحكم التحكيمي معرض للطعن عليه بالبطلان كما هو محدد في المادة 82 التي تحيل على المادة 80 من هذا القانون.
وعليه فأن احترام حقوق الدفاع بما في ذلك مبدأ المواجهة يتطلب أن أية مسألة متصلة بالواقع أو القانون تقوم محكمة التحكيم بإثارتها من تلقاء نفسها، يجب أن يقوم الأطراف بالتعرض لها والتعليق عليها ومناقشتها[41].
الفقرة الخامسة: إذا كان الاعتراف أو التنفيذ مخالفا للنظام العام الوطني أو الدولي
جعل المشرع المغربي الحكم التحكيمي الصادر بالمملكة المغربية أو الاعتراف بالحكم التحكيمي او التنفيذه معرض للطعن عليه بالبطلان إذا مخالفا للنظام العام الوطني أو للنظام العام الدولي، كما هو مبين في المادة 82 التي تحيل على المادة 80 من هذا القانون و قي المادة 77 التي تنص على أنه “يمنح الاعتراف والتذييل بالصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية الدولية في المغرب ما لم تكن مخالفة للنظام العام الوطني أو الدولي”، خلافا لبعض التشريعات المقارنة التي نصت على عدم مخالفة الحكم التحكيمي للنظام العام الدولي فقط دون الأخذ بالاعتبار النظام العام الوطني، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر المادة 1489 من القانون المدني الفرنسي.
و الثابت الآن في إطار التحكيم التجاري الدولي أن النظام العام الدولي، الذي يتدخل في سياق التحكيم الدولي سواء أمام قاضي البطلان أو قاضي التنفيذ، يختلف عن النظام العام الداخلي سواء من حيث مضمونه أم من حيث نطاق تدخله، ويتكون مضمون النظام العام الدولي من جميع القواعد والمفاهيم والاعتبارات الأساسية المتعلقة بالمصالح العامة الاقتصادية العليا السائدة في المجتمع الدولي، والتي تحكم سلامة وأمن العلاقات التجارية وتضمن تطورها، مثل القواعد المتعلقة بمكافحة الرشوة والفساد والقرصنة واستثمار النفوذ والاحتيال وسوء النية في التعاملات، من ناحية, وتلك التي تقوم عليها العدالة التحكيمية، ولاسيما احترام حق الدفاع بجميع أشكاله ومستلزماته من جهة أخرى، أما من حيث نطاق تدخله فإنه والحالة هذه يكون ضمن مساحة أضيق من نطاق تدخل النظـــام العـــام الوطني.
وفي ظل غياب مفهوم محدد للنظام العام الوطني لاختلاف طبيعته والمجال الذي يعمل فيه، فإن جل التشريعات تركت للقاضي سلطة واسعة لاكتشاف ما يعد مخالفا للنظام العام في دولته أو مجتمعه، ليقضي ببطلان ما اتفقت عليه الأطراف، من خلال تحديدها للحقوق والتصرفات التي لا يجوز الاتفاق عليها، وهو النهج الذي أعتمده المشرع المغربي[42].
لهذا فإن المحكم يجد نفسه بين مهمتين الاولى الالتزام باحترام إرادة الأطراف باعتباره جزءا لا يتجزأ من النظام الذي أنشأه العقد، والثانية الالتزام بتطبيق النصوص الآمرة ولو على حساب إرادة الأطراف، وبالتالي فإن المحكم يجد نفسه في وضعية محيرة بين الطبيعة الاتفاقية و الطابع القضائي لهذه المهمة، لكن القضاء الفرنسي كان واضحا بهذا الخصوص، إذ في جاء في قرار صادر عن محكمة باريس[43]” بأن المحكم يتمتع بسلطة تطبيق القواعد الآمرة في الدعوى…”، ما يعني أن المحكم له سلطة البت في كل نزاع يعرض عليه من حيث مخالفته أو عدم مخالفته للنظام العام، وهذا من شأنه أن يجنب الحكم التحكيمي من عواقب عدم اعترافه وبالتالي عدم تنفيذه من قبل القضاء.
أن المحكم يبقى حريصاً على عدم تعريض حكمه للإبطال أو لعدم التنفيذ بسبب مخالفة النظام العام الوطني، لذلك فإنه يعمل دوماً على الأخذ بالحسبان، ليس فقط اعتبارات النظام العام في مكان التحكيم، بل في البلد الذي يمكن أن يتم فيه تنفيذ حكم المحكمين أيضاً، وهو غالباً قانون موقع المال الذي يمكن أن يضمن أكثر من غيره حقوق المحكوم له، كما أنه يجد نفسه ملزماً أيضاً أن يأخذ بالحسبان متطلبات النظام العام الدولي الذي يقوم على اعتبارات أخرى تهم المجتمع الدولي الاقتصادي، وتتجاوز اعتبارات النظام العام الوطني ولكنها لا تستوعبها جميعها، ومنها مثلاً محاربة الاتجار بالمخدرات والقرصنة والفساد التي يكون من الصعب على المحكم تجاهلها عند إصدار قراره.
ونخلص في الأخير، إلى أنه من أجل التشجيع اللجوء الى مؤسسات التحكيم على المستوى الوطني لتسوية المنازعات التجارة الدولية والبحرية خصوصا، والتي أضحى المغرب بفعل التزاماته الدولية عضوا فاعلا فيها، كان على المشرع المغربي أن يقتصر على ضرورة إحترام المقررات الأجنبية للنظام العام الدولي، وذلك لتمييزه بميزتي الليونة واليسر اللتان تتماشيان مع طبيعة ومتطلبات مصالح التجارة الدولية وعلى الخصوص التجارة البحرية التي تقوم على عنصر السرعة[44].
الخاتمة
وفي الختام، إن دراسة حالات بطلان حكم التحكيم في النزاعات الناشئة بين أطراف العلاقة البحرية على ضوء قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي، في ورقة بحثية قد تكون غير متكاملة وخصوصا أن الموضوع متشـابك و متشعب وفيه العديد من التفاصيل والفرضيات، ولكن ما نسعى إليه جاهدين أن نبين ان قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي في صيغته الحالية متطور ملائم لمنازعات التحكيم البحري، فهو حصن احكام التحكيم بحصر أسباب بطلان حكم التحكيم التجاري البحري، وهذه الحصانة تجعل أحكام التحكيم في مرتبة تسمو على مرتبة أحكام القضاء التي تكون قابلة لاستئنافها، وهي إحدى الضمانات الهامة للمحتكمين في مواجهة المحكمين، كما ندعو الى وضع تشريع جديد ينظم العلاقات التجارية البحرية و خصوصا عقود النقل البحري المرتبطة بالتجارة الدولية، و يتماشى مع التطورات الحديثة علما ان المغرب موقع اتفاقيتين مهمتين الاولى اتفاقية هامبورج 1978 والثانية اتفاقية روتردام 2008 هذه الأخيرة لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
المراجع العربية:
- أحمد أبو الوفا، نظرية الدفوع في قانون المرافعات، الإسكندرية، منشأة المعارف،1988.
- أحمد فتحي سرور، نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية رسالة دكتوراه، بالقاهرة، 1959.
- أحمد هندي، تنفيذ أحكام المحكمين، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، ،2001 .
- أشرف الرفاعي، النظام العام و القانزن الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، لسنة 2003.
- براهيم رضوان الجغيبر، بطلان حكم التحكيم، دار الثقافة للنشر و التوزيع، عمان، لسنة 2009.
- حفيظة السيد الحداد، مدى اختصاص القضاء الدولي في باتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية في المنازعات الخاصة بالدول المتفق بشأنها التحكيم، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية،1996.
- حفيظة السيد الحداد – الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم الصادرة في المنازعات الخاصة الدولية – دار الفكر الجامعي -سنة 1997.
- محمد بهجت عبد الله، مسؤولية الناقل البحري للبضائع في اتفاقية هامبورغ، دار النهضة العربية، 1992.
- محمد عبد الفتاح ترك، التحكيم البحري، دار الجامعة الجديدة للنشر، 2005.
- منير عبد المجيد، التنظيم القانوني للتحكيم الدولي والداخلي، منشأة المعارف الإسكندرية، السنة 1997.
- محمد خالد القاضي، موسوعة التحكيم التجاري الدولي في منازعات المشروعات الدولية المشتركة مع إشارة خاصة لأحداث أحكام القضاء المصري، دار الشروق، الطبعة الأولى، .2002
- مصلح أحمد الطراونة، الرقابة القضائية على الأحكام التحكيمية القانون الأردني _ دارسة مقارنة _الطبعة الأولى، دار وائل للنشر، عمان، الأردن، 2010 .
- نبيل إسماعيل عمر، حكم التحكيم في المواد التجارية الوطنية والدولية، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، 2004.
- هشام صادق، مشكلة خلو إتفاق التحكيم من تعين أسماء المحكمين، طبعة 1987.
- شرف محمد خليل حماد، التحكيم في المنازعات الإدارية واثاره القانونية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية،.2010
- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، القاهرة، دار النهضة العربية، 1987، ج5.
- علي بركات، الطعن في أحكام التحكيم، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003.
- عبد الحميد الأحدب، موسوعة التحكيم، التحكيم الدولي، الطبعة الثالثة، الكتاب الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2008.
- فتحي والي، التحكيم في النظرية والتطبيق منشأة المعارف الاسكندرية، الطبعة الأولى 2007.
- -رضا السيد عبد الحميد، تدخل القضاء في التحكيم بالمساعدة و الرقابة، ضمن كتاب مسائل في التحكيم، دار النهضة العربية الطبعة الثانبة، 2007.
- لؤي عبد الله نوح، مدى مشروعية المراقبة الالكترونية في الاثبات الجنائي، الطبعة الأولى، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، 2018.
الاطروحات الرسائل الجامعية
- عامر بطانية، دور القاضي في التحكيم التجاري الدولي، رسالة دكنوراه، جامعة عمان العربية للداراسات العليا.
- طلال عبد المنعم الشواربى، خصوصية التحكيم في المنازعات البحرية “دراسة مقارنة”، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس.
- فاطمة الزهراء السغداني، القاضي الوطني والتحكيم التجاري الدولي، بحث نهاية تكوين للملحقين القضائيين2017.
المجلات:
- القرشي، زياد أحمد حميد. حالات بطلان حكم التحكيم المتعلقة باتفاق التحكيم : دراسة تحليلية مقارنة بين نظام التحكيم السعودي و قانون التحكيم الإنجليزي، 2014.. مجلة الحقوق، مجلد. 11، عدد 1.
القوانين والاتفاقيات
- قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي (1985)
- قانو اتفاقية نيويورك لسنة 1958.
- ن رقم 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية.
- قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994.
المراجع الأجنبية:
- Paris 21 fév. 1980, Rev. arb. 1980, p.524 note Jeantet.
- J.Healy.An Introduction to the Federal Arbitration Act , J. Mar. L & Com, vol.13,No.2, January 1982.
- General National Maritime Transport Company C/ Société Gotaverken Arendal AB Revue de L’arbitrage 1980.
- Lalive, Poudret, Reymond: Le droit de l’arbitrage interne et international en suise, payot lausanne, 1989.
- Basedow, V. Magnus and R. Worlfrun, The Hamburg Lectures on Maritime Affairs 2007 & 2008, Springer-Verlag, Heidelberg, Berlin, 2010.
- Alexander “the stricture of arbitration awards in England the III rd. C.M.A Santa marguerite Italy, 1976.
- Gaillard: << Arbitrage commercial international. Sentence arbitral » J. CI. Dr. Inter. Fasc 586-9-2
- Tetley “Arbitration and the choice of law. The X. th. 1.C.M.A Vancouver, 1991
[1] – القرشي، زياد أحمد حميد. حالات بطلان حكم التحكيم المتعلقة باتفاق التحكيم: دراسة تحليلية مقارنة بين نظام التحكيم السعودي و قانون التحكيم الإنجليزي، 2014،. مجلة الحقوق، مجلد. 11، عدد 1، ص336.
[2] – د. محمد بهجت عبد الله، مسؤولية الناقل البحري للبضائع في اتفاقية هامبورغ، دار النهضة العربية، 1992، الصفحات 152 – 154.
[3] – W. Tetley “Arbitration and the choice of law. The X. th. 1.C.M.A Vancouver, 1991, p. 1.
[4] – J. Basedow, V. Magnus and R. Worlfrun, The Hamburg Lectures on Maritime Affairs 2007 & 2008, Springer-Verlag, Heidelberg, Berlin, 2010, pp152-156.
[5] – د. طلال عبد المنعم الشواربى، خصوصية التحكيم في المنازعات البحرية “دراسة مقارنة”، رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، 2015، ص 512
[6] – Alexander “the stricture of arbitration awards in England the III rd. I.C.M.A Santa marguerite Italy, 1976, p. 4.
[7] – د. نبيل إسماعيل عمر، حكم التحكيم في المواد التجارية الوطنية والدولية، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، 2004، ص 171-172
[8] – E. Gaillard: << Arbitrage commercial international. Sentence arbitral » J. CI. Dr. Inter. Fasc 586-9-2 n° 7.
[9] – Lalive, Poudret, Reymond: Le droit de l’arbitrage interne et international en suise, payot lausanne, 1989, p: 405 et 406, Cité par E.Gaillard, op. cit p: 7.
[10] – نبيل إسماعيل عمر، حكم التحكيم في المواد التجارية الوطنية والدولية، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، 2004، ص197
[11] – د. حفيظة السيد الحداد – الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم الصادرة في المنازعات الخاصة الدولية – دار الفكر الجامعي -سنة 1997م، ص 16
[12] – د. محمد عبد الفتاح ترك، التحكيم البحري، دار الجامعة الجديدة للنش، 2005. 343.
[13] – N.J.Healy.An Introduction to the Federal Arbitration Act , J. Mar. L & Com, vol.13,No.2, January 1982, p.224.
[14] – ويأخذ قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 ضمن المعايير الدولية الواردة فيه المعيار المستمد من موضوع النزاع فيقرر في المادة الثالثة منه أن التحكيم يكون دوليا إذا كان موضوع اتفاق التحكيم متعلق بأكثر من دولة واحدة دون تعليق وجود هذا الارتباط على إرادة الطرفين.
[15] – د.هشام صادق ، مشكلة خلو إتفاق التحكيم من تعين أسماء المحكمين، طبعة 1987،ص 52.
[16] – Paris 21 fév. 1980, Rev. arb. 1980, p.524 note Jeantet.
[17] – (1) General National Maritime Transport Company C/ Société Gotaverken Arendal AB Revue de L’arbitrage 1980, p.524, note Jeantet.
[18] – لؤي عبد الله نوح، مدى مشروعية المراقبة الالكترونية في الاثبات الجنائي، الطبعة الأولى، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، 2018 ص 210.
[19] – د. أحمد فتحي سرور، نظرية البطلان في قانون الإجراءات الجنائية رسالة دكتوراه، بالقاهرة، ص 11 وما بعدها 1959.
[20] – د. محمد خالد القاضي، موسوعة التحكيم التجاري الدولي في منازعات المشروعات الدولية المشتركة مع إشارة خاصة لأحداث أحكام القضاء المصري، دار الشروق، الطبعة الأولى، .2002 ، الصفحة 493.
[21] – د. أحمد أبو الوفا، نظرية الدفوع في قانون المرافعات، الإسكندرية، منشأة المعارف،1988، ص 864.
[22] – د. فتحي والي، التحكيم في النظرية والتطبيق منشأة المعارف الاسكندرية، الطبعة الأولى 2007، ص 574
[23] – أحمد هندي، تنفيذ أحكام المحكمين، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، ،2001 ص 34 وما بعدها.
[24] – المادة: “اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية، تعاقدية أو غير تعاقدية. يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم.”
[25] – المادة 3 من قانون قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي.
[26] – عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، القاهرة، دار النهضة العربية، 1987، ج5 ، ص 170 .
[27] – المادة 5 من قانون قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي.
[28] – المادة 15 من قانون قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي.
[29] – المادة 16 من قانون قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي.
[30] – فتحي والي المرجع السابق، ص 578
[31] – د. علي بركات، الطعن في أحكام التحكيم، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003، ص 55
[32] – المادة 20 من قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي: “تتشكل الهيئة التحكيمية من محكم واحد أو عدة محكمين، تكون للأطراف حرية تحديد عددهم وإجراءات تعيينهم، بمن فيهم الرئيس، إما في اتفاق التحكيم وإما بالاستناد إلى نظام التحكيم الموضوع للمؤسسة المختارة. فإذا لم يتفق الأطراف على عدد المحكمين كان العدد ثلاثة، مع مراعاة أحكام المادة 22 بعده. إذا تعدد المحكمون، وجب أن يكون عددهم وترا، وإلا كان التحكيم باطلا.”
[33] – حفيظة السيد الحداد، مدى اختصاص القضاء الدولي في باتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية في المنازعات الخاصة بالدول المتفق بشأنها التحكيم، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية،1996، ص 464.
[34] – د. أشرف محمد خليل حماد، التحكيم في المنازعات الإدارية واثاره القانونية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية،2010 ، ص 237
[35] – د. مصلح أحمد الطراونة، الرقابة القضائية على الأحكام التحكيمية القانون الأردني _ دارسة مقارنة _الطبعة الأولى، دار وائل للنشر، عمان، الأردن، 2010 .
[36] – د. عبد الحميد الأحدب، موسوعة التحكيم، التحكيم الدولي، الطبعة الثالثة، الكتاب الثاني، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2008، ص 582
[37] – هذا ما نصت عليه المادة 1/5/ج من اتفاقية نيويورك لسنة 1958.
[38] – د. رضا السيد عبد الحميد، تدخل القضاء في التحكيم بالمساعدة و الرقابة، ضمن كتاب مسائل في التحكيم، دار النهضة العربية الطبعة الثانبة ، 2007،ص 128.
[39] – د براهيم رضوان الجغيبر، بطلان حكم التحكيم، دار الثقافة للنشر و التوزيع، عمان، لسنة 2009، ص 175.
[40] – د أشرف الرفاعي، النظام العام و القانزن الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، لسنة 2003 ص 77.
[41] – د عامر بطانية، دور القاضي في التحكيم التجاري الدولي، رسالة دكنوراه، جامعة عمان العربية للداراسات العليا، ص 145.
[42] – المادة 16 من من قانون قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي.
[43] – منير عبد المجيد التنظيم القانوني للتحكيم الدولي والداخلي، منشأة المعارف الإسكندرية، السنة 1997، الصفحة 95
[44] – فاطمة الزهراء السغداني ، القاضي الوطني والتحكيم التجاري الدولي، بحث نهاية تكوين للملحقين القضائيين2017، الصفحة 81-82.
للاطلاع على اصدار المجلة كاملا
اضغط هنا
للتوثيق اسفله