حقيقة صلاحيات القاضي المتتبع لاجراءات التنفيذ في ضوء قانون المحاكم التجارية
حقيقة صلاحيات القاضي المتتبع لاجراءات التنفيذ في ضوء قانون المحاكم التجارية
الأستاذ المهدي شبو
قاضي بالمحكمة التجارية بمراكش
" انفذ إذا تبين لك، فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له".
عمر بن الخطاب من رسالته إلى ابي موسى الاشعري عندما ولاه قضاء مصر
مقدمة
تنحصر مهمة السلطة القضائية في امرين أساسيين : الأول : تهيئة سند قابل للتنفيذ للدائن، والثاني تمكينه من اقتضاء حقه من مدين جبرا عنه، ذلك بالالتجاء بما يعرف في نظرية التنفيذ بالتنفيذ الجبري، وهو الذي تجريه السلطة العامة تحت اشراف القضاء ورقابته، بناء على طلب دائن بيده سند مستوف لشروط خاصة بقصد استيفاء حقه الثابت في السند من المدين قهرا عنه(1).
والسند التنفيذي المجسد في الحكم أو الامر القضائي، مهما ابدع القاضي في صياغته وتعليله، لا يكون له وقعه في نفسية المتقاضي، ولا يحس انصافه الا إذا عرف طريقه إلى التنفيذ.
ولتحقيق فلسفته في ايصال الحقوق المقضى به إلى اصحابها، يقوم التنفيذ على مبادئ اساسية اهمها البساطة،المرونة والسرعة.
وهذه الأخيرة، ان كانت ضرورية لتنفيذ الاحكام الصادرة في جميع القضايا كمبدا، فانها حيوية في الدعاوى التجارية، لان دعم الائتمان باعتباره روح التجارة، يقتضي الاسراع بتمكين المقاولة الدائنة من تحصيل مستحقاتها، تفاديا لكل ما من شانه انم يؤثر على مركزه المالي وبالتالي على النسيج الاقتصادي الوطني . من هذا المنطلق اهتم القانون المحدث للمحاكم التجارية بتنفيذ الاحكام والقرارات الصادرة عن هذه المحاكم، واحدث لاول مرة في القانون المغربي ما يعرف بالقاضي المكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ.
والمؤسسة الجديدة على اهميتها الكبيرة، لم تقع الإشارة إليها في القانون المحدث، الا بكيفية عرضية عند الحديث عن تكوين المحكمة التجارية، حيث اوجبت الفقرة الأخيرة من المادة 2 ان " يعين رئيس المحكمة التجارية باقتراح من الجمعية العمومية قاضيا مكلفا بمتابعة إجراءات التنفيذ". ونتيجة للاقتضاب الشديد الذي ميز موقف المشرع بصدد تنظيمه لهذه المؤسسة، وعدم اشارته بالمرة إلى اختصاصات القاضي المتتبع وطبيعتها، فتحت المقتضيات الجديدة المجال لجدل بين الممارسين حول حقيقة دور قاضي متابعة إجراءات التنفيذ. فما هي العوامل التي قادت إلى خلق هذه الوظيفة ( المبحث الأول) وما هي صلاحيات القاضي المتتبع لاجراءات التنفيذ في ظل قانون المحاكم التجارية ( المبحث الثاني).
المبحث الأول
العوامل الداعية إلى احداث مؤسسة القاضي المكلف بتتبع إجراءات التنفيذ
كانت معضلة تنفيذ الاحكام القضائية، ولا تزال محط اهتمام من مختلف الفاعلين المتدخلين في عملية الانتاج القضائي، فهيئات الدفاع لا تفوتها فرصة الا وتطالب بتنفيذ الاحكام القضائية الصادرة باسم جلالة الملك الحاملة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) حمد ابو الوفاء، إجراءات التنفيذ في المواد المدنية والتجارية، منشاة المعارف بالاسكندرية،الطبعة
العاشرة1991 – ص: 18.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للصيغة التنفيذية، سواء في مواجهة الخواص أو الدولة ومؤسساتها العمومية، وتكاد لا تخلو أية جريدة وطنية من شكاية أو شكايات من المتقاضين، تندد تارة بالتماطل وتطالب طورا بالتعجيل بالتنفيذ، والدولة بدورها ما فتئت تبحث عن الحلول الناجعة لحل والتخفيف من حدة هذه المعضلة اقتناعا منها بخطورتها وتاثيرها على سمعتها وهيبتها في الداخل والخارج، وفي هذه النقطة بالذات وعلاقة بالقضاء التجاري، نبه صاحب الجلالة منذ ستة عشر سنة(2) خلق إلى خطورة هذه الوضعية بقوله " اخيرا هناك قضايا تجارية مهمة إذا لم تنفذ بسرعة وقع التماطل ووقع الكساد ووقع اكثر من هذا السمعة القبيحة للبلد، لان المغرب لا يتعامل داخل حدوده فقط".
والحقيقة ان مشروع القانون المحدث للمحاكم التجارية، كما قدمته الحكومة إلى مجلس النواب، لم يتضمن اية قواعد خصوصية تهم تنفيذ احكام ومقررات المحاكم التجارية، واكتفى بالاحالة على القواعد العامة لقانون المسطرة المدنية في شان التنفيذ الجبري للاحكام، الا ان المناقشات في لجنة العدل والتشريع وفي الجلسة العامة بمجلس النواب(3)، اتجهت إلى ان رواسب ازمة التنفيذ الجبري للاحكام بالمغرب (المطلب الأول) لا يمكنها الا ان تفضي إلى تخصيص المحاكم التجارية بقواعد خاصة في التنفيذ، تفعيلا لدورها المنشود في تنشيط الحياة الاقتصادية وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : رواسب ازمة الرقابة القضائية على التنفيذ الجبري ?لاحكام في القانون المغربي
مما لا مراء فيه ان تحقيق التنفيذ لوظيفته في تمكين اصحاب الحقوق منها، يتوقف على فعالية الأجهزة المشرفة على سيره ومراقبته، لذلك اجمعت تشريعات المسطرة على ان اسناد مهمة الاشراف والرقابة على سير عملية التنفيذ للقضاء. لانه إذا كانت الاحكام تصدر باسم الدولة(4) بتدخل هيئاتها المتخصصة، فيجب أيضا ان تنفذ الاحكام باسمها وبتدخل تلك الهيئات المتخصصة ف(5). وإذا كان الامر كذلك في التشريعات المقارنة، فما هو الوضع في قانون المسطرة المدنية المغربي ؟
بخصوص الاشراف على عملية التنفيذ، كرس ظهير28 شتنبر1974 رئيس المحكمة الابتدائية قاضيا للتنفيذ في دائرة نفوذ محكمته، بمنحه الاختصاص بالبت في الصعوبات الوقتية في التنفيذ طبقا للفصلين 149 و486 من ق م م والاشراف على عملية التنفيذ، واصدار مختلف الاوامر والقرارات الولائية المتعلقة بها(6).
واسناد هذه الوظيفة لرئيس المحكمة على وجاهته من الناحية النظرية، باعتباره اقدم القضاة واكثرهم خبرة وتمرسا، يبقى منتقدا من الناحية العملية لتعدد مهامه، فهو قاضي المستعجلات، ويختص بقضايا الامر بالاداء والاوامر المبنية على طلب، والحجوزات بمختلف انواعها، بالاضافة إلى مهام ادارية بحتة تتصل بالتسيير اليومي للمحكمة. هذه الوضعية ساهمت إلى جانب غموض النصوص القانونية بخصوص السلطة الولائية لرئيس المحكمة في هذا المجال، في جعل مهمة الاشراف الفعلي على التنفيذ بيد كتابة الضبط في شخص رئيس مصلحتها، الذي اصبحت له هيمنة شبه تامة على توجيه عملية التنفيذ، واصبح تدخل رئيس المحكمة باعتباره قاضيا للتنفيذ قاصرا اما على الحالات المحددة قانونا، أو عندما تعترض التنفيذ بعض العوارض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2) من الخطاب الملكي الذي القاه صاحب الجلالة في اجتماعه بكبار رجال القضاء والمحاماة وبعض العدول بالقصر
الملكي بالرباط يوم الاربعاء 31 مارس 1982.
3) في هذا الصدد ا انظر عبد الكبير طبيح، " لنجعل من المحاكم التجارية آلية لتشجيع الاستثمار الخارجي
والداخلي"، جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 4937، بتاريخ 15 فبراير1997، ص 2.
4) في القانون المغربي تصدر الاحكام باسم جلالة الملك باعتباره رمز الدولة، الفصل 81 من الدستور.
5) احمد ابو الوفاء، مرجع سابق، ص 29.
6) الفصول 440-448-450-478 من ق م م، على سبيل المثال لا الحصر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورغم ارتباط رئيس مصلحة كتابة الضبط عضويا بالجهاز القضائي ومرفق القضاء، يمكن القول ان مهامه في هذا النطاق تكرس هيمنة موظف اداري على التنفيذ، في وقت كان حريا اسناد هذا الاختصاص لعضو متمرس في القضاء الجالس.
ومما يستدعي الانتباه ان قانون المسطرة المدنية لسنة 1974، لان اقتبس من قانون المسطرة المدنية الفرنسي الجديد الصادر في 5 يوليوز1972 بعض من مؤسساته، كاختصاص الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف باعتباره قاضيا للمستعجلات، فانه لم يلتفت مع الاسف لمؤسسة قاضي التنفيذ التي عرفت اولى تطبيقاتها في فرنسا مع القانون الجديد.
ولقد ابرز الواقع العملي سيما في المحاكم الكبرى بالمملكة الحاجة إلى تكليف قاض بمباشرة الاشراف على التنفيذ، وفي هذا الاطار تأتي تجربة المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء قبل التقسيم اوائل الثمانينات على عهد رئاسة السيد محمد بناني، اذ وقع تكليف قاض بمتابعة التنفيذ. وقد قيل الكثير من هذه التجربة، ونعتقد ان هذه التجربة التي لم يكتب لها الاستمرار على اهميتها وريادتها انذاك، كانت تفتقد إلى الرؤية والتصور الواضح لمهام قاضي التنفيذ، لانها جاءت في ظروف معينة تميزت بتكاثر الانابات القضائية الموجهة من مختلف محاكم المملكة إلى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء قصد تنفيذ الاحكام الصادرة في مواجهة شركات التامين المتواجدة بالدار البيضاء في مجالي حوادث الشغل وحوادث السير. فلإسباغ الشفافية على العملية، وتنفيذ الاحكام بحسب الترتيب والاسبقية في تاريخ الورود، وقع تكليف قاض بهذه المحكمة، قد مدد اشراف هذا القاضي فيما بعد إلى مختلف الملفات التنفيذية، بالاضافة إلى مراقبة اعوان التنفيذ، واعطت التجربة نتائج مشجعة، الا انها توقفت مع الاسف خاصة بعد تقسيم المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء.
الا ان المحطة التي تستدعي التوقف عندها هي مشروع قانون احداث محاكم الأعمال(7)، الذي نص لاول مرة في القانون المغربي على تعيين قاض للتنفيذ بالمحكمة تقترحه الجمعية العمومية ( المادة 39 من المشروع)، حددت له اختصاصات واضحة تتركز فيما يلي :
أولا : البت بوصفه قاضيا للامور المستعجلة في الصعوبات الوقتية واجراءات التنفيذ.
ثانيا : الاشراف على إجراءات التنفيذ، ويعرض عليه في هذا الصدد كل ملف عقب كل اجراء ويدون به ما يصدره من قرارات وأوامر ( المادة 40).
ولا تقتصر جدة هذا المشروع في نظرنا في تاسيسه لمؤسسة قاضي التنفيذ فحسب، بل في اسناده اليه الفصل في المنازعات الوقتية. بالاضافة طبعا إلى الاشراف ومراقبة إجراءات التنفيذ، متاثرا في ذلك بالتشريعات الرائدة في هذا المجال وعلى راسها قانون الإجراءات المدنية والتجارية المصري لسنة 1968(8)، وان كان المشرع لم يساير نهج هذا القانون في تخصيص قاضي التنفيذ بالبت في الصعوبات الموضوعية في التنفيذ.
ومما يؤسف له أيضا ان مشروع قانون احداث المحاكم التجارية تجاهل كلية هذا العمل، واحال في صياغته الأولى التي قدمتها الحكومة إلى مجلس النواب على القواعد المتعلقة بالتنفيذ الجبري في قانون المسطرة المدنية،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7) اعد هذا المشروع على عهد تواجد الدكتور محمد الادريسي العلمي المشيشي على راس وزارة العدل سنة 1994،
راجع نصه الكامل بمجلة الاشعاع، العدد 11، ص. 221 وما بعدها.
8) حسب المادة 275 من قانون المرافعات المصري، يختص قاضي التنفيذ دون غيره بالفصل في جميع منازعات التنفيذ الموضوعية، والوقتية أيا كانت قيمتها، كما يختص باصدار القرارات والاوامر المتعلقة بالتنفيذ، ويفصل في منازعات التنفيذ الوقتية بوصفه قاضيا للامور المستعجلة، وقد ورد في المذكرة الايضاحية لهذا القانون " يهدف نظام قاضي التنفيذ الذي استحدثه المشرع إلى توفير اشراف فعال متواصل للقاضي على إجراءات التنفيذ في كل خطوة من خطواته وعلى القائمين به في كل تصرف يتخذ منهم …. ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحتى وان وقع تدارك هذا النقص في الصياغة النهائية(9)، بالنص على تكليف قاض بمتابعة إجراءات التنفيذ، فان مهام القاضي المتتبع اختزلت في وظيفتي الاشراف والرقابة على التنفيذ، وافتقدت المؤسسة ذلك الوضوح الذي تميزت به في نطاق مشروع قانون احداث محاكم الأعمال.
المطلب الثاني : تفعيل نظام التنفيذ امام المحاكم التجارية
لسنا في حاجة إلى التذكير بما تكتسيه الفعالية في تنفيذ الاحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم التجارية من اهمية بالغة، فاذا علمنا ان الهدف الأساسي من احداث محاكم تجارية، هو اعطاء القضايا التجارية ميكانيزمات خاصة تتسم بالفعالية والسرعة في البت والتنفيذ، أمكننا تصور الحاجة الملحة إلى تمييز هذه المحاكم، بقواعد خاصة في مجال تنفيذ الاحكام، ولاعطائها الوسائل القانونية والبشرية التي تمكنها من تجاوز كل مظاهر ازمة التنفيذ السابقة، كان من الضروري تنظيم عملية الاشراف والرقابة على التنفيذ باسنادها إلى قاض متفرغ يتمتع بصلاحيات تجد سندها في القانون.
وحسب بعض الممارسين(10)، ممن ساهموا في مناقشة القانون المحدث للمحاكم التجارية، في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والوظيفة العمومية بمجلس النواب، فان الهدف من النص على قاضي متابعة التنفيذ كمكون من مكونات المحكمة التجارية، جاء لسد الفراغ الذي احدثه القانون المنظم للاعوان القضائيين الذي نقل مهمة التنفيذ من موظف تابع للدولة ومضمونة اعماله بضمانة هذه الأخيرة، ويمكن الرجوع عليها بسبب الاخطاء أو اختلاس المبالغ المنفذة من طرفه، إلى شخص يقوم بعمل حر لا تعير الدولة مسؤولية لا على اخطائه ولا على تقصيره..
اما الدافع الاجرائي فهو كون تسيير عملية التنفيذ ومراقبتها انفصلت عن المتابعة المباشرة التي كانت تقوم بها المحكمة عندما كان التنفيذ يقوم به موظفون تابعون للمحكمة، فكان الغرض من احداث قاضي التنفيذ ان يباشر ويراقب عمليات التنفيذ وكذا الاعوان القضائيين.
ومن جهتنا، نرى ان احداث هذا النظام حقق الغاية المرجوة من مختلف الفاعلين القانونيين، بتركيز صلاحيات الرقابة التامة على التنفيذ بيد قاض متمرس، مما سيصبغ على العملية الشفافية اللازمة، ويمكن بالتالي هذه المحاكم من اعطاء قوة التنفيذ لاحكامها بالسرعة المتناسبة مع روح التجارة القائم على دعم السرعة والائتمان، كما يترجم ارادة الدولة في جعل المحاكم التجارية قاطرة لاصلاح القضائي الشامل(11).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9) للاشارة، فالفرق البرلمانية التي تقدمت بتعديلات تهم احداث مؤسسة قاضي التنفيذ، هي فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية وفريق التجديد والتقدم التي اقترحت احداث هذا النظام تحت اسم قاضي التنفيذ، فيما استعمل مقترح فريق التجمع الوطني للاحرار لفظة القاضي المكلف بتتبع اجراءات التنفيذ، للمزيد من التفاصيل حول التعديلات المقترحة من مختلف الفرق البرلمانية، انظر كتاب المحاكم التجارية، منشورات المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية، سلسلة نصوص ووثائق، الطبعة الاولى، 1997، ص 25 وما بعدها.
10) عبد الكبير طبيح، " لنجعل من المحاكم التجارية آلية لتشجيع الاستثمار الخارجي والداخلي " جريدة الاتحاد الاشتراكي"، عدد 4911، بتاريخ 20 يناير1997، ص 7.
11) اعتبر السيد وزير العدل ان الإرادة تتجه إلى جعل المحاكم الإدارية والتجارية بمثابة القاطرة التي ستقود الجهاز القضائي إلى الأعلى.
" Des locomotives qui tireront la justice vers le haut", Omar Azziman, propos accordé à l'économiste, n° 305, jeudi 20 novembre1997, p.12.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الثاني
اختصاصات القاضي المتتبع لإجراءات التنفيذ في ظل قانون المحاكم التجارية
بالرجوع إلى الاشارة التشريعية الوحيدة إلى مؤسسة القاضي المتتبع لاجراءات التنفيذ في قانون رقم 53.95، والمتمثلة في الفقرة الأخيرة من المادة 62، نجدها تلزم رئيس المحكمة في بداية كل سنة قضائية، بتعيين قاض تقترحه الجمعية العمومية، يكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ. ولم تتضمن المادة لاية اشارات تهم معايير الاختيار من اقدمية ودرجة وضرورة التمرس بمساطر معينة، ووكلت المجال للسيد الرئيس بمساعدة من الجمعية العمومية، لاختيار من يأنس فيه الكفاءة والاستعداد اللازم.
وقد افضى الاقتضاب الذي تعامل به المشرع مع المؤسسة، واغفاله كلية الاشارة إلى اختصاصات القاضي المتتبع للتنفيذ عن حديثه عن تنفيذ احكام واوامر المحاكم التجارية ( المادة 29) إلى احاطة صلاحياته بنوع من الغموض، مما فتح المجال للتساؤل من جهة عن الحدود الفاصلة بين اختصاصات القاضي المتتبع للتنفيذ، واختصاصات رئيس المحكمة التجارية بوصفه قاضيا للتنفيذ (المطلب الأول)، ومن جهة أخرى حول مضمون وحدود صلاحيات قاضي متابعة إجراءات التنفيذ ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : الحدود الفاصلة بين اختصاصات القاضي المتتبع لاجراءات التنفيذ واختصاصات رئيس المحكمة التجارية بوصفه قاضيا للتنفيذ.
كما اسلفنا، كرس قانون المسطرة المدنية رئيس المحكمة الابتدائية قاضيا للتنفيذ في حدود الدائرة القضائية لمحكمته، ويتضح ذلك من خلال منحه صلاحيات البت في الصعوبات الوقتية في التنفيذ طبقا للفصلين 149 و436 من ق م م ومن اعطائه الاختصاص باصدار بعض الاوامر والقرارات المتعلقة بسير التنفيذ. ولما كان القانون المحدث للمحاكم التجارية في مادته 20 قد نقل جميع الاختصاصات التي يمارسها رؤساء المحاكم الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية إلى رئيس المحكمة التجارية دون استثناء، فقد وقع التساؤل عن امكانية حدوث تداخل في الاختصاص بين رئيس المحكمة والقاضي المتتبع لاجراءات التنفيذ، ومما زاد من اللبس ان كثيرا من الاقلام التي تصدت إلى القراءة الاولية لقانون 53.95 تحدثت عن الفتح الذي احدثه المشرع في القانون المغربي بخلق مؤسسة قاضي التنفيذ.
لكن وكما يدل عليه اسمه، كما ورد في القانون : القاضي المكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ le magistrat chargé du suivi des procédures d'excution، فليس مقصود المادة الثانية من قانون رقم 53.95 احداث مؤسسة قاضي التنفيذ، لان هذه الأخيرة كما هي متعارف عليها في التشريعات المقارنة، تقتضي منح القاضي بالاضافة إلى الاشراف على عملية التنفيذ واجراءاته، صلاحيات البت في الصعوبات الوقتية، واحيانا في الصعوبات الموضوعية، كما في قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري. ولهذا نعتبر ان القاضي المتتبع لاجراءات التنفيذ يختص بمباشرة والاشراف على التنفيذ لا غير، ولم ينزع البتة من رئيس المحكمة التجارية اختصاصاته القانونية كقاضي للتنفيذ.
امام هذه الوضعية يثور اشكال جوهري مؤداه ان القاضي المتتبع للتنفيذ، وهو يباشر مهامه، قد يحتاج لتدليل بعض الصعوبات إلى اصدار بعض الاوامر القضائية الداخلة في صميم اختصاص رئيس المحكمة كقاضي للتنفيذ، واحيانا تعترض التنفيذ صعوبات قانونية، فهل سيتولى البت فيها أم سيحيلها على رئيس المحكمة ؟
ما لمسناه في الواقع العملي ان بعضا من القضاة المكلفين بمتابعة إجراءات التنفيذ امام المحاكم التجارية، كثيرا ما يتصدون لاصدار بعض الاوامر المرتبطة بالتنفيذ العائد الاختصاص بشانها لرئيس المحكمة كالحجز التحفظي اثناء عملية التنفيذ ( الفصل 440 من ق م م) وتحديد الغرامة التهديدية (الفصل 448 من ق م م) والاذن بفتح الابواب والغرف ( الفصل 450) وتحديد تاريخ جديد للسمسرة (الفصل 478 من ق م م).
والظاهر ان هذا التوسع في اختصاصات القاضي المتتبع لاجراءات التنفيذ، وان كان لا يستند إلى نص القانون، فانه يجد سنده في اعتقادنا في فكرة النيابة وتفويض الرئيس لبعض من مهامه إلى نوابه، علما ان اغلب القضاة المكلفين بهذه المهمة مرتبون في الدرجة الثانية بمرتب نواب الرئيس(12)، مما يفتح لهم المجال كذلك للبت في الصعوبات الوقتية في التنفيذ، لكن ليس كقضاة مكلفين بمتابعة التنفيذ، بل كقضاة للمستعجلات يستمدون نيابتهم من الرئيس باعتبارها نواب له. وبذلك فهم يمارسون واقعيا اغلب صلاحيات قضاة التنفيذ في التشريعات المقارنة، وهو ما يبرز مرة أخرى اسبقية الممارسة على القانون.
ولا يسعنا الا ان نثمن هذا الاتجاه الواقعي،لانه يساهم في تجميع مختلف الاختصاصات المرتبطة بالتنفيذ في يد قاض مختص يتمتع بنظرة شمولية لعملية التنفيذ داخل المحكمة. على ان هذا العمل على مستوى المحاكم التجارية، لا يمنعنا من التساؤل عن حقيقة صلاحيات القاضي المتتبع للتنفيذ في ضوء قانون المحاكم التجارية.
المطلب الثاني : مضمون وحدود صلاحيات القاضي المكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ
لان نص القانون المحدث للمحاكم التجارية، على ضرورة تكليف قاض لتتبع إجراءات التنفيذ، فانه اغفل بيان وتحديد اختصاصاته، لا في المادة الثانية مصدر انشائه، ولا في المادة 23 المنظمة لتنفيذ احكام واوامر المحاكم التجارية، مما يجعل هذا القاضي لا يستند في اختصاصه على قواعد واضحة ومحددة، ولا تسعنا في ابراز وتحديد صلاحياته، الا التسمية التي وصفه بها المشرع من جهة، وبعض المناقشات التي دارت في الموضوع بمجلس النواب من جهة ثانية.
والراجح عندنا ان قاضي متابعة إجراءات التنفيذ يمارس ثلاثة اختصاصات رئيسية هي :
أولا : الاشراف والرقابة الدائمة على عملية التنفيذ، وتتجسد هذه الوظيفة في عدة مهام منها المراقبة الدورية للسجلات التي يلزم قسم التنفيذ بمسكها(13)، وتتم بالاطلاع على التدوينات المضمنة بها، ومراقبة احترام الإجراءات والتقيد بالاجال المعقولة لانجازها، وتبرز مراقبة القاضي أيضا في السهر على احترام الإجراءات القانونية المتعلقة بالبيوعات عن طريق المزاد، خاصة الإجراءات الشكلية وقواعد الشهر، وحسب البعض(14)، فان قاضي متابعة إجراءات التنفيذ يتعين عليه ان يطلع على جميع الملفات التنفيذية عقب كل اجراء، ويمكنه ان يدون فيها ما يصدره من قرارات واوامر. وهذا المعطى نظري، ويصعب التقيد به على ارض الواقع، لان اعطاء القاضي المتتبع سلطة الاشراف المطلق على التنفيذ في كل جزئياته، سيكون فيه ارهاق له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
12) تقضي المادة 2 من قانون 53.95 انه " تتكون المحكمة التجارية من :
– رئيس ونواب للرئيس وقضاة …" وحسب الفصل2 من النظام الأساسي لرجال القضاء، كما وقع تعديله وتتميمه بموجب قانون رقم 5.98 الصادر الامر بتنفيذه بموجب ظهير22 سبتمبر1998، فان رئيس المحكمة التجارية مرتب في الدرجة الأولى بمرتبة مستشار بالمجلس الأعلى نوابه في الدرجة الثانية بمرتبة مستشار بمحكمة الاستئناف والقضاة في الدرجة الثالثة بمرتبة قاض في محاكم اول درجة.
13) وهي على العموم سجل الحجز التنفيذي، سجل العقود المختلفة، سجل الحجز لدى الغير وسجل الاحتجاج بعدم الوفاء وسجل الانابات القضائية،
14) هذا الاتجاه هو ما سارت عليه المذكرة الايضاحية لقانون المرافعات المصري اكما اسلفنا وكذلك الشان بالنسبة لمشروع قانون احداث محاكم الاعمال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمعقول في نظرنا ان يكون هنالك تعاون بين كتابة الضبط والقاضي، بحيث لا ترفع إليه الا الملفات الهامة التي تحتاج إلى تدخله، علما ان تبقى له طبعا المتابعة المستمرة لسير الملفات التنفيذية من خلال السجلات.
ثانيا : البت في الصعوبات المادية التي تعترض التنفيذ، وهي كثيرة ومنها ان يتنقل عون التنفيذ مثلا إلى محل التنفيذ ويجد امتناعا أو يلقى مقاومة مادية أو تعد من المنفذ عليه بان حاول تعطيل التنفيذ أو تاخيره. في هذه الحالة يتعين على المنفذ ان يرجع إلى القاضي المتتبع للتنفيذ، اما لاتخاذ بعض الوسائل التحفظية لمنع التبديد والاختلاس، أو لطلب استعمال القوة العمومية من وكيل الملك المختص لتدليل الصعوبة المادية المعترضة للتنفيذ.
ثالثا : مراقبة الإجراءات التي ينجزها اعوان التنفيذ والاعوان القضائيون
وتعتبر هذه الوظيفة، كما اسلفنا، من اهم الاسباب التي قادت إلى احداث هذه المؤسسة، وإذا كانت مراقبة اعوان التنفيذ التابعين للمحكمة التجارية لا تثير اشكالات مهمة بحكم تبعيتهم العضوية لهذه المحكمة، فان القاضي المتتبع من الطبيعي ان لا يراقب اعوان التنفيذ التابعين للمحاكم الابتدائية المنابة لتنفيذ بعض احكام المحاكم التجارية في نطاق الانابات القضائية، علما ما دابت عليه كثير من المحاكم التجارية بالمغرب من انابة بعض المحاكم الابتدائية المتواجدة بالمناطق الداخلة في دائرة نفوذها لتبليغ أو تنفيذ بعض الاحكام لا يستند على اساس قانوني، لان المبدا انه انابة في دائرة الاختصاص الترابي للمحكمة(15).
وتعترض مراقبة الاعوان القضائيين صعوبات عدة، بعضها قانوني والبعض الاخر واقعي، فاما الصعوبات القانونية، فتتركز بالخصوص في ان هؤلاء لا يمكنهم ان يخضعوا من الناحية المبدئية لمراقبة القاضي المتتبع ما دام ان الاختصاص موكول لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية(16)، فضلا على ان المشرع ساكت عن تنظيم علاقة التنسيق بين القاضي ووكيل الملك في مجال المراقبة.
اما الصعوبات العملية فمردها اتساع دائرة الاختصاص الترابي للمحاكم التجارية، اذ لا يمكن لقاضي متابعة إجراءات التنفيذ مراقبة الإجراءات التي ينجزها الاعوان القضائيون المتواجدون بمختلف المحاكم الابتدائية الواقعة في مناطق دائرة نفوذ المحكمة التجارية، بل قد تثار صعوبات في التنفيذ في مناطق نائية ويصعب اطلاع القاضي المتتبع عليها لاتخاذ الإجراءات اللازمة بشانها.
خاتمة
كتقييم أولي لهذه المؤسسة، لا يمكننا الا ان نسجل ارتياحنا لاقرارها كمكسب هام للمتقاضي المغربي، من شانه ان يلطف من حدة ازمة التنفيذ ويساهم بالتالي في تفعيل هذا النظام، مما سيقوي بدون شك الثقة بالعدالة وأجهزتها، الا ان تحقيقها للغاية المتوخاة من احداثها لن يتاتى، في اعتقادنا، الا بتطويرها وتفعيلها عن طريق :
– الحرص على ان ينتدب للقيام بمهامها القضاة الاكفاء، ممن تمرسوا لمدة طويلة بالقضايا المدنية والاستعجالية، مع امكانية انتداب اكثر من قاض في المحاكم الكبرى، وتحريرهم من ممارسة العمل القضائي عند الاقتضاء، ضمانا لتفرغهم التام الذي تفرضه كثرة القضايا ودقة مساطر التنفيذ وتشعبها وصعوبتها.
– توسيع صلاحيات القاضي المتتبع للتنفيذ بخلق قاضي تنفيذي تكون له الولاية العامة في الفصل في جميع منازعات التنفيذ، مما سيساهم في جمع سلطات القضاء بصدد منازعات التنفيذ في يد قاض واحد، ويخفف العبء على رؤساء المحاكم، ويحقق التخصص الذي اصبح حتمية في عصرنا الحالي.
تمديد هذه المؤسسة إلى جميع المحاكم عن طريق التنصيص عليها في قانون المسطرة المدنية باعتباره الشريعة العامة المسطرية.
– اعادة النظر في القانون المنظم للاعوان القضائيين بتحديد المسؤوليات فيما يتعلق بالمراقبة نجعلها بيد قضاة التنفيذ مع تنظيم علاقتهم بوكيل الملك فيما يتعلق بالتاديب.
تلافي مختلف مواطن القصور في قواعد التنفيذ الجبري للاحكام الواردة في قانون المسطرة المدنية بتعديلها بما يحقق السرعة والفعالية في التنفيذ.
– القضاء على اسباب البطء في تصفية ومعالجة الملفات التنفيذية بمكننة جهاز كتابة الضبط واستعمال المعلوميات.
وإذا نحن حققنا كل هذا، سنضمن بدون شك لمؤسسة التنفيذ الفعالية اللازمة لتادية مهمتها على احسن وجه، وسنعيد للمتقاضي ثقته في العدالة، وقبل كل ذلك، سنكون قد كسبنا رهان اعادة الاعتبار للعدالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
15) المبدأ يكرسه الفصل 439 من ق م م الذي ينص " يتم التنفيذ ضمن الشروط المقررة في الفصلين 433 و434 غير انه يمكن لكتابة ضبط المحكمة التي اصدرت الحكم ان تنيب عنها كتابة ضبط المحكمة التي يجب ان يقع في دائرتها القضائية".
16) تقتضي المادة 18 من قانون رقم 80.41 باحداث هيئة للاعوان القضائيين وتنظيمها انه " يراقب وكيل الملك أعمال واجراءات الاعوان القضائيين الممارسين في دائرة اختصاص.
وترمي هذه المراقبة إلى التحقق على الخصوص من صحة الإجراءات وسلامة تداول القيم والاموال التي باشرها العون…".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الإشعاع، عدد 19، ص47.