في الواجهةمقالات قانونية

الادلة الجنائية الحديثة: الطب الشرعي على ضوء مشروع القانون 77.17

 

عبد العظيم بخاخ طالب باحث بسلك الماستر

تقديم عام :

مع تطور الجريمة وتعدد الوسائل المستخدمة في إيذاء الإنسان جسداً وسلوكاً، قصداُ أو عن غير قصد، فقد تطورت سبل التحقيق وسبل الجريمة والبحث فيها. وهو ما حفز العديد من المختصين ومنه الأطباء إلى بعث البحث العلمي وتوجيهه إلى العديد من العلوم والاختصاصات الطبية التي تساعد على مكافحة الجريمة والكشف عنها والوصول إلى مرتكبيها.

وقد فرض التطور العلمي الهائل ضرورة الاعتراف سائر هذه الاختصاصات، كما فرض ضرورة إثراء كل منها للأخرى  لتلبية الاحتياجات المتزايدة المطلوبة من المختصين بالاستمرار في هذه المجالات ومع تطور هذه العلوم فقد تطورت العلاقة التاريخية المتبادلة بين الطب والتشريعات إلى نشأة اختصاص طبي مستقل بذاته أطلق عليه اسم “الطب الشرعي”.

ولقد عرف بعض الباحثين هذا الطب بأنه “علم من العلوم المساعدة لعلم الإجرام  الذي يهتم بتسبيب الجريمة عن طريق العلوم الإنسانية، وهو إذا يربط السلطات القضائية والطب الشرعي”.

أخذ هذا العلم مسميات مختلفة في كثير من الدول، منها على سبيل المثال:

الطب القضائي، الطب الجنائي، الطب العدلي…، كما نجده أيضا في المسميات الأجنبية:

Médical jurisprudence ; légal Médical ; forensic Médical …

وتتجلى أهمية الطب الشرعي في المعرفة الفنية في تقديم الأدلة المادية المحسوسة والملموسة بتقارير طبية شرعية لمعاونة  ومساعدة رجال القضاء.

وبالرجوع إلى التشريع الجنائي المغربي،  فإنه لم يتحدث عن الطب الشرعي منذ صدور قانون المسطرة الجنائية، كعلم مستقل بذاته يمكن أن يساهم في تحصيل الوثائق والحقائق والنتائج التي تهدف إلى تحقيق المحاكمة العادلة، بل  أكثر من ذلك لم يرد مصطلح الطب الشرعي في ق.م.ج. باستثناء مسودة ق.م.ج. الجديدة في بعض موادها.

ونظراً للتطور الحاصل على مستوى التحقيق الجنائي العالمي، وبعد تشكيل مجموعة من الندوات نذكر منها مثلاً، الندوة الجمهورية التي انعقدت بمدينة فاس يومي 9 و10 نونبر 2012 حول موضوع ” تحديث السياسة الجنائية وتطوير العدالة الجنائية وتعزيز ضمانات المحكمة العادلة” تم خلالها مناقشة واقع وأفاق   ممارسة الطب الشرعي بالمغرب من طرف مختصين وأطباء وقانونيين وحقوقيين وهيئات مهنية، فقامت وزارة العدل بإحداث مشروع قانون ينظم ممارسة الطب الشرعي وقم 06.14 سنة 2014.

وأحالت الحكومة على مجلس النواب في وقت سابق مشروع قانون رقم 17.77 المتعلق بممارسة مهام الطب الشرعي، بعد المصادقة عليه في مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 20.09.2018، وإدخال تعديلات على المشروع الأول 06.14 الذي أعدته وزارة العدل والحريات والمشار إليه سابقاً.

وكما أشرنا أنفا، يأتي هذا المشروع في ظل الخصاص الذي يعرفه المغرب في مجال الطب الشرعي والذي سبق لوزارة العدل نفسها أن أشارت إليه عند تقديمها لمشروع قانون 06.14، إذ أكدت أن الجزء الأكبر من التشريعات الطبية المأمور بها من طرف القضاء يمارس أطباء ليس لهم تخصص طبي معترف به في هذا المجال.

بعد هذا التقديم الذي كان لابد منه، يمكننا طرح الإشكالات التالية:

  • ما هي المستجدات التي جاء بها مشروع قانون 17.77؟

هذا الإشكال يحيلنا على إشكالات فرعية؛

  • ما هو المركز القانوني للطبيب الممارس للطب الشرعي؟
  • كيف يتم انتداب الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي؟
  • وما دور المسؤولية التأديبية والجنائية للطبيب الشرعي عند الإخلال بالالتزامات الموكولة إليه؟

للإجابة على هاته الإشكالات، ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى محورين:

-المحور الأول: المركز القانوني للطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي.

-المحور الثاني: علاقة الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي بجهاز القضاء.

 

 

 

المحور الأول: المركز القانوني للطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي

أطلق علو الطب الشرعي في القديم اسم “الأموات” لكون جزء من نشاطه يتمثل في معاينة الوفاة وتشريح الجثث، وربما هذا هو ما يميزه عن التخصصات الطبية الأخرى والتي يبقى هدفها الأول والأخير هو العلاج أو الوقاية من الأمراض.

من أجل هذا جاء مشروع قانون 17.77 لتحديد الأشخاص المخول لهم ممارسة مهام الطب الشرعي وتحديد مهامهم حقوقهم وواجباتهم، وهذا ما سنتطرق إليه في هذا المحور؛ فقد نصت المادة 4 من هذا القانون على أنه يمارس مهام الطب الشرعي:

-الأطباء المتخصصون في الطب الشرعي المقيدون طبقا للتشريع الجاري به العمل بهذه الصفة في جدول الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء.

-الأطباء العاملون بالمكاتب الجماعية لحفظ الصحة وبالمرافق الصحية التابعة لقطاع الصحة الحاصلون على شهادة خاصة للتكوين في إحدى مجالات الطب الشرعي.

– الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة، المحدثة طبقا للتشريع الجاري به العمل شريطة أن يكون الأشخاص الممارسون لمهام الطب الشرعي بها من الحاصلين على دبلوم التخصص في الطب الشرعي طبقا للبث الأول من هذه المادة.

ولقد حدد نفس المشروع مجال ممارسة المهام المخولة للطبيب الممارس للطب الشرعي في المادة 3 منه التي تنص على:

  1. الفحص السريري للأشخاص المصابين جسمانيا أو عقليا بغرض وصف الإصابات، وتحديد طبيعتها وأسبابها، وتقييم الأضرار البدنية الناتجة عنها، وتحديد تاريخ حدوثها والوسيلة المستعملة في احداتها، وتحرير تقارير أو شهادات طبية، وذلك حسب الحالة بشأنها.
  2. إبداء الرأي الفني في الوقائع المعروضة على القضاء والمتصلة بمجال اختصاصه، لاسيما فيما يتعلق بفحص وتحديد الآثار الملاحظة على أجسام الضحايا الناجمة عن الجرائم.
  3. تقرير السن بناء على انتداب الجهات القضائية أو بناءً على طلب من كل ذي مصلحة أو في الأحوال التي ينص عليها القانون.
  4. فحص أو أخذ عينات الأشخاص الموضوعية رهن الحراسة النظرية، أو المحتفظ بهم أو المودعين بمؤسسة لتنفيذ العقوبة، لتحديد طبيعة الإصابات اللاحقة بهم وسببها وتاريخها.
  5. معاينة وفحص وتشريح الجثث والأشلاء لبيان طبيعة الوفاة، وسببها وتاريخها والمساهمة، عند الاقتضاء في تحديد هوية المتوفى، ووصف الجروح اللاحقة به ومسبباتها.
  6. حضور عملية استخراج جثث الأشخاص المشتبه في وفاتهم من القبور ومعاينتها.
  7. الانتقال لإجراء معاينات وأحذ العينات المفيدة للبحث.
  8. رفع العينات العضوية على الأجسام بما فيها المواد المنوية والدموية والشعر والعينات النسيجية، وإبداء الرأي بشأنها إلى القضاء.
  9. إعطاء التفسير الطبي لنتائج الفحوص والتحليلات لمختلف العينات العضوية وكذا مختلف المواد كالمخدرات والسموم والإفرازات الجسمية ومخلفات إطلاق النار، والتي تم إنجازها من طرف مختبرات معتمدة ومنتدبة.
  10. القيام بكل مهمة أخرى يمكن أن يكلف بها من قبل الجهات القضائية المختصة المتصلة بطبيعة مهامه.

كما قد خول هذا المشروع للطبيب الممارسة لمهام الطب الشرعي مجموعة من الحقوق والواجبات، حيث يتمتع الطبيب بكامل الاستقلالية في إيذاء أرائه الفنية بشأن المهام الموكولة إليه، كذلك عليه أن يبتسم بالحياء والتجرد والنزاهة ومبادئ الشرف وما تقتضيه أخلاقيات المهنة، وما يمليه عليه الضمير المهني لإبراز الحقيقية والمساهمة في تحقيق العدالة.

ويخضع الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي لمراقبة الجهة القضائية التي انتدبته لتقديم جميع التوضيحات المطلوبة منه بشأن النتائج والخلاصات التي توصل إليها.

كما يلتزم بواجب كتمان السر المهني في المهنة الموكولة إليه، ويجب الإشارة إلى أنه يمنع على الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي ومباشرة المهنة المسندة إليه إذا كانت لديه مصلحة شخصية أو مهنية تتنافى مع إنجازها، كما يمنع عليه القيام بفحص أو تشريح جثة شخص كانت تربطه به علاقة في إطار الطب العلاجي أو الوقائي.

بعد التطرق إلى المركز القانوني للطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي، يمكننا طرح الإشكال التالي:

  • ما هي علاقة الطبيب الشرعي بجهاز القضاء؟ وما هي المسؤولية الجنائية التي قد بتعرض لها في حالة الإخلال بواجباته المهنية؟

هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال المحور الموالي.

المحور الثاني: علاقة الطبيب الشرعي بجهاز القضاء

إن الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي تربطه علاقة وطيدة بجهاز القضاء يبتدأ من انتدابه إلى حدود تقديمه للتقرير النهائي.

فانتداب الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي يتم من طرف النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو هيئة الحكم كل في حدود اختصاصه المحددة بمقتضى القانون، وهذا ما نصت عليه المادة 12 من مشروع القانون 17.77، كما نصت على نفس مقتضى المادتين 73 و74 من ق.م.ج، حيث نصت المادة 74 على أنه: “…يتعين على وكيل الملك إذا طلب منه إجراء فحص طبي أو عاين بنفسه أثار تبرز ذلك، أن يخضع الشخص المستجوب لذلك الفحص.

إذا تعلق الامر بحدث يحمل أثاراً ظاهرة العنف أو إذا اشتكى وقوع عنف عليه، وجب على ممثل النيابة العامة وقبل المشرع في الاستنطاق  إحالته على فحص تجربة طبيب، ما يلاحظ على هذه المادة هو أن المشرع نص على أن الفحص يجريه الطبيب فقط، ولم يحدد بالضبط هل طبيب شرعي أو أي طبيب كان.

كما نصت المادة 77 من قانون المسطرة الجنائية على أنه: “…يمكن لممثل النيابة العامة أن ينتقل إلى مكان العثور على الجثة، إذا رأى ضرورة لذلك وأن يستعين بأشخاص لهم كفاءة لتحديد ظروف الوفاة، أو أن يختار من بين ضباط الشرطة القضائية من ينوب عنه للقيام بنفس المهمة.

يجوز لممثل النيابة العامة أيضا أن ينتدب أهل الخبرة للكشف عن أسباب الوفاة؛ هذه المادة عرفت تعديلات بمقتضى مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية والتي أشار فيها المشرع ولأول مرة لمصطلح الطبيب الشرعي والتي جاء فيها، “يمكن لضابط الشرطة القضائية بعد موافقة النيابة العامة، انتداب طبيب شرعي من أجل الانتقال إلى مكان الجريمة والقيام بالمعاينات وأخذ العينات الضرورية.

هذا المقتضى تطرقت له المادة 14 من مشروع القانون 17.77، حيث خول للسلطات القضائية المختصة انتداب طبيب ممارس للطب الشرعي من أجل الانتقال إلى مكان الجريمة والقيام بالمعاينات الضرورية  وأخذ العينات.

كما يمكن لضباط الشرطة القضائية، بعد موافقة النيابة العامة أو قاضي التحقيق والاستعانة بطبيب ممارس للطب الشرعي من أجل الانتقال إلى مكان الجريمة إذا تعلق الأمر بحالة التلبس، أو إذا كانت حالة الاستعجال تقتضي ذلك.

نفس الأمر نصت عليه المادة 77 من مشروع ق.م.ج في فقرتها الأخيرة بأنه يمكن لممثل النيابة العامة أيضا انتداب طبيب شرعي لأخذ العينات والكشف عن أسباب الوفاة وملابساتها.

ويتعين على الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي الاستجابة لأوامر الانتداب ولطلبات الاستعانة الموجهة إليه حسب الحالة، من طرف السلطات القضائية المختصة أو ضباط الشرطة القضائية، وهذا المقتضى يجد سنده في المادة 15 من م.ق 17.77.

كما أجاز المشرع المغربي لقاضي التحقيق اتخاذ نفس الإجراءات بمقتضى المادة 88 من ق.م.ج، حيث يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر في أي وقت باتخاذ جميع التدابير المفيدة وأن يقرر إجراء فحص طبي أو يكلف طبيباً للقيام بفحص طبي نفساني، وهذا تماشياً مع قوانين المقارنة، فقد أجازت المادة 81  من قانون الإجراءات الجنائية الألماني على القيام بإجراءات اختيارات الفحص البدني الإجباري، شريطة أن يقوم بذلك طبيب مختص مؤهل ومقيد بجدول المحكمة، وهذه الاختيارات تشمل كافة الاختيارات الطبية التي تجري لغرض إثبات أو نفي التهام، كسحب بعض العينات من الجسم (الدم، البول…) أو استقطاع بعض الأنسجة.

ما يجب الإشارة إليه أن السلطة القضائية تنتدب الطبيب الشرعي لإجراء تشريح طبي في حالات حددتها المادة 18 من ق 17.77 وهي كالتالي:

  • الوفاة الناتجة عن الاعتداء الجنسي
  • الوفاة الناتجة عن التسمم
  • الوفاة التي تقع في أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية أو الاحتفاظ أو الاعتقال أو بمؤسسات تنفيذ العقوبة أو التدابير الوقائية أو مركز الإيداع.
  • الوفاة الناتجة عن الانتحار أو عند الشك فيه.

ويتم إشعار أحد أقرب الهالك من طرف ضابط الشرطة القضائية أو النسابة العامة أو قاضي التحقيق بعملية التشريح المأمور بها لحاجيات البحث أو التحقيق، ويضمن هذا الإشعار في المحضر المنجز بموجب المادة 20 من نفس القانون.

بعد إجراءات عملية التشريح من طرف الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي، يتعين عليه إعداد تقرير يضمن فيه مجموعة من البيانات المنصوص عليها في المادة 24 من مشروع القانون 17.77 ويوقعه ويحيله في ثلاث نسخ إلى الجهة القضائية التي انتدبته، ويسلم نسخة منه بإذن من هذه الأخيرة، إلى ضابط الشرطة القضائية ويحتفظ بنسخة منه بالمصلحة التي يعمل بها، وهذا ما جاءت به أيضا مسودة قانون المسطرة الجنائية في مادتها 77.

وإذا تم انتداب أكثر من طبيب ممارسة للطب الشرعي للقيام بنفس المهمة، فإن التقرير المذكور يوقع من طرف جميع الأطباء الممارسون للطب الشرعي المنتدبين الذي أنجزوا بهده المهمة، مع مراعاة المقتضيات المنصوص عليها في المادة 206 من ق.م.ج، والتي تنص على أنه ” إذا تعدد الخبراء المعنيون وحدث أن اختلفت آراؤهم  أو كانت لهم تحفظات في شأن النتائج المشتركة بين كل واحد منهم رأيه في التقرير المشترك مع إبداء  تحفظاته المعللة.

ولقد رتب المشرع المغربي مسألة على عائق الطبيب الممارس لمهام الطب الشرعي، فيها ما هو تأديبي ومنها ما هو زجري؛ فالطبيب المنتدب الذي يرتكب خطأ مهنيا، يتعرض للمتابعات والعقوبات التأديبية من طرف الهيئات المختصة، كما يتعرض للمسؤولية التأديبية في حالة كل إخلال غير مبرر في تنفيذ الانتدابات القضائية الموجهة إليه أو كل تأخير عمدي وغير مبرر في إنجازها، وهذه المسؤولية تجد سندها في المادة 31 من مشرع القانون 17.77.

كما أنه كل من استعمل صفة طبيب ممارس للطب الشرعي أو زاول مهامه المحددة في هذا القانون دون أن يكون مخولا له ذلك، يعتبر منتحلاً لصفة نظمها القانون،  ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 381 من القانون الجنائي، الذي ينص على أن “من استعمل أو ادعى لقباً  متعلقاً بمهنة نظمها القانون… يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وغرامة مالية من 2000 إلى 5000 درهم، وبإحدى هاتين العقوبتين فقط، ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد”.

كما يعتبر مرتكبا لجريمة شهادة الزور ويعاقب بالعقوبات المقررة لها في ق.ج كل طبيب ممارس للطب الشرعي منتدب بمقتضى مقرر قضائي، قدم رأيا كاذبا أو ضمن تقريره وقائع يعلم أنها مخالفة  للحقيقة أو أخفاها عمداً، كما يعتبر مرتكبا لجريمة إفشاء السر المهني  ويعاقب بالعقوبات المقررة لها في مجموعة ق.ج كل طبيب ممارس للطب الشرعي منتدب بمقتضى مقرر قضائي أخل بواجب كتمان السر المهني، وهذا ما نصت عليه المادة 36 من مشروع القانون 17.77 من نفس المقتضى نص الفصل 4 من قانون السلوك الطبي المغربي الذي جاء فيه ما يلي: “يلزم الطبيب بالكتمان المطلق لكل ما يصل إلى عامه أو يتوصل إليه خلال مزاولته لمهمته نظراً للثقة التي يضعها فيه المريض”.

وينبغي لمسألة الطبيب جنائيا، أن يتوفر لديه القصد الجنائي، أي أن يكون عالما بأن ما تضمنته الشهادة الطبية أو البيان أو التقرير الطبي، هو مجرد كذلك، كما ينبغي أن يكون عمله صادراً عن إرادة واختيار، أما إذا كان تحت تأثير الضغط والإكراه، فإن الجريمة لا تتحقق، وهكذا جاء  في المادة 33 من م.ق 17.77؛ “يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين وغرامة مالية من1200 إلى 5000 درهم، وبإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل شخص عرقل أو حاول عرقلة عمل طبيب الممارس للطب الشرعي المنتدب من قبل الجهة المختصة في إطار المهمة الموكولة إليه.

خاتمة

إن تطوير نظام العدالة الجنائي يحتاج إلى مجموعة من الآليات المساعدة والتي لا شك في أن الطب الشرعي يعد من بين أهم هذه الآليات، وهذا ما يتطلب تنظيم هذا التخصص الطبي، وهو ما يستلزم تضافر جهود مختلفة القطاعات المعنية للنهوض به وايلائه الأهمية التي يستحقها، وهذا ما يجعل الحاجة أيضا في الوقت الراهن تدعو أولاً إلى تنظيم مهنة الطب الشرعي ليصبح تخصصاً قائم الذات، ثن ثانياً التفكير في إرساء مؤسسة  وطنية تسهر على تسييره حتى يصبح هذا التخصص الطبي في خدمة نظام العدالة الجنائية,

وبالتالي فإن مشروع هذا القانون 17.77 يعتبر خطوة جد هامة في الحقل التشريعي من أجل تنظيم الطب الشرعي ببلادنا، وذلك حتى يكون في خدمة نظام العدالة ككل.

وقد خلصنا في دراسة هذا الموضوع إلى تقديم بعض التوصيات، وهي كالتالي:

  • ضرورة التسريع في إصدار مشروع القانون 17.77.
  • القيام بمجموعة من الندوات على المستوى الوطني والمحلي حول أهمية الطب الشرعي في تحقيق العدالة.
  • تدريس قانون الطب الشرعي لطلبة كلية الحقوق.
  • دعم جهاز الطب الشرعي بكافة الإمكانيات البشرية والمالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى