حوكمة تدبير الموارد المائية رافعة استراتيجية للتنمية المستدامة – ذ: الزكراوي محمد
إعداد وتقديم ذ: الزكراوي محمد
حوكمة تدبير الموارد المائية رافعة استراتيجية للتنمية المستدامة
تحظى قضايا سياسة الموارد المائية بإهتمام متزايد من قبل الحكومات في جميع أنحاء العالم، وذلك بسبب التزايد المهول و الحاد على مستوى نقص مخزون المياه .
و بالنظر إلى أهمية موضوع تدبير إدارة المياه و دورها في تحقيق تنمية مستدامة و الاستجابة لمتطلبات وتحقيق النموذج التمنوي الجديد بكل مقوماته وأبعاده ، فقد حظى قطاع الماء بالمغرب بإهتمام خاص من السلطات العمومية، بحيث يحتل مركز انشغال السياسات الاقتصادية نظرا لدوره المهم في ضمان تلبية الحاجيات من المياه، و مواكبة التطور في توفير الأمن المائي للمملكة ومواكبة تنميته، إلا أنه بالرغم من المنجزات الهامة التي حققتها بلادنا في قطاع الماء، فإن هذا القطاع، مازال يواجه عدة إكراهات تتمثل في انخفاض الواردات المائية، وتفاقم حدة الظواهر القصوى نتيجة التغيرات المناخية، في مقابل ارتفاع الطلب والاستغلال المفرط للثروة المائية الجوفية بالإضافة إلى ضعف تثمين المياه المعبأة، وتلوث الموارد المائية الناجم عن التأخر الحاصل على مستوى التطهير السائل وتنقية المياه العادمة.
ولا شك أن هذا الواقع المؤلم يطرح علينا تساوءلات عدة لما ينطوي عليه من خطورة إذ كيف يمكن تعميم التزود بالماء ؟ وكيف نواجه الآثار التدميرية لتقلبات الطقس؟ وكيف نحسن التعامل مع تدبير المياه من اجل ضمان حماية ناجعة في ترشيد إدارة المياه وعقلنة إستغلالها؟.
تلكم أسئلة سنحاول الإجابة عنها من خلال التطرق إلى واقع سياسة الحكومة في تدبير إدارة المياه ، و إبراز مكامن الاكراهات التي تعترض سبيل رشادة وحكامة المياه ببلادنا ، تم اخيرا محاولتنا في رصد بعض الحلول و المقترحات اللازمة من أجل عقلنة تدبير السياسات العمومية في مجال إدارة المياه.
المبحث الأول: واقع سياسة المغرب في تدبير المجال المائي
تجلى سياسة الدولة في المجال المائي من خلال مخططاتها في تعاملها مع موارد المياه، بداية برسم الاتجاهات، وتدقيق الاختيارات والمواقف، وإعلان الفلسفة المتبعة في تنظيم المجال المائي مع التحكم في استعمال الماء، دون تبذير، ولا شك أن تحقيق ذلك، بستلزم من الدولة التعرف على الموارد المائية الجوفية والسطحية، وإنجاز المنشآت الضرورية لتسخير المياه للحاجيات عن طريق انجاز السدود، وآلاف الآبار والأثقاب، واعتماد أسلوب التشاور والحوار بإحداث هيئة المجلس الأعلى للماء تحت الرئاسة السامية لمناقشة اختيارات المغرب في القطاع المائي، زيادة على البحث المتواصل لمعرفة المعطيات المناخية والانتفاع منها باستعمال أحدث العلوم والمعارف والاهتمام بالبحوث والتجارب لرصد فترات الجفاف عبر تاريخ المناخ في المغرب، مع القيام ببرنامج للبحث عن الأمطار الاصطناعية لتعزيز الاحتياط من الماء، وإنشاء مراصد مختصة بقصد البحث،وإنعاش التطور الاقتصادي والاجتماعي بالمناطق الجافة ارتباطا بتعبئة المياه، والاستفادة من التجارب والبحوث والتقنيات للإسهام في حل المشاكل المتعلقة بالماء على صعيد دول العالم.
وفي هذا السياق ووعيا بأهمية تدبير وإدارة المياه وترشيد استعمالها، عمل جلالة الملك في كثير من المناسبات، على إعطاء توجيهاته السامية للحكومة قصد استكمال البرنامج الوطني الأولوي المتعلق بالماء وتدبيره، الذي يهدف إلى تأمين تزويد المراكز التي تعرف خصاصا مزمنا في الماء، وذلك من خلال إعطاء الأولوية لتنمية العرض المائي لاسيما من خلال بناء السدود
و تدبير الطلب وتثمين الماء خاصة في القطاع الفلاحي، عبر تقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالوسط القروي، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء،
وتتجلى سياسة الدولة في هذا الصدد في تفعيل آليات التواصل التواصل والتحسيس من أجل ترسيخ الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استعمالها، وقد مكنت الجهود التي تبذلها بلادنا في هذا الصدد من تطوير خبرة عالية تعد مرجعا عالميا في مجال إدارة و تدبير الموارد المائية، من خلال نجاحها في التحكم في سياسة تدبير الموارد المائية عن طريق تعبئتها، عن طريق إنشاء منشآت كبرى لتخزين المياه، ونقلها من مناطق الوفرة إلى أماكن الاستعمال، وتبني سياسة التخطيط على المدى البعيد التي أطلقت مع بداية الثمانينات، حيث مكنت متخذي القرار من تدبير استباقي لندرة المياه، و بالتالي تمكين السلطات العمومية من رؤية بعيدة المدى ، بالإضافة إلى تطوير الكفاءات التقنية و البحث العلمي.
ولا شك أن وضع الإطار التشريعي الملائم المصحوب بترسانة قانونية مهمة خاصة قانون 10-95 كما تم تتمينه وتعديله، قد ساهم و أرسى لقواعد التدبير المندمج و التشاركي واللامركزي للموارد المائية عن طريق إحداث وكالات الأحواض المائية ووضع الآليات المالية لحماية الموارد المائية والمحافظة عليها.
المبحث الثاني: تدبير ندرة وهشاشة الموارد المائية بين متلازمة الاكراهات الواقعية و ورهانات المستقبل
إن حرص جلالة الملك على النهوض بالأوضاع الاجتماعية، ورفع التحديات الاقتصادية، لا يعادله إلا عملنا على الحفاظ على الموارد الاستراتيجية لبلادنا وتثمينها وفي مقدمتها الماء، اعتبارا لدوره الرئيسي في التنمية والاستقرار، لقوله تعالى: ” وجعلنا من الماء كل شيء حي”. صدق الله العظيم.
وعليه فإن إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة، منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولمواجهة هذا الوضع، عملت الحكومة تحت إشراف الإرادة الملكية السامية باتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية، فالمخطط الوطني للماء، يجب أن يعالج مختلف الإشكالات المرتبطة بالموارد المائية خلال الثلاثين سنة القادمة، كما أن الحكومة والمؤسسات المختصة، مطالبة باتخاذ تدابير استعجالية، وتعبئة كل الوسائل لمعالجة الحالات الطارئة، المتعلقة بالنقص في تزويد السكان بالماء الصالح للشرب، وتوفير مياه سقي المواشي، ولهذه الغاية، اصبحت الضرورة تستدعي
إحداث مجالس استشارية على صعيد الأحواض المائية يمنح لها صلاحية دراسة وبإبداء الرأي حول المخطط التوجيهي للتدبير المندمج لموارد المياه، وكل القضايا المتعلقة بتدبير موارد المياه على صعيد الحوض، مع صرورة وضع إطار قانوني لتحلية مياه البحر يتضمن مقتضيات تحدد الأشخاص المكلفين بإنجاز مشاريع تحلية مياه البحر، وضبط نظام الامتياز الذي تخضع له هذه المشاريع، كما أن إجبارية توفر التجمعات الحضرية على مخططات مديرية للتطهير السائل تأخذ بعين الاعتبار مياه الأمطار وضرورة استعمال المياه المستعملة، وكذا تجهيزها بشبكات للتطهير السائل ومحطات لمعالجة المياه المستعملة، يستلزم إخضاع الصب في هذه الشبكات للترخيص، كما أن وضع إطار للتدبير التشاركي لموارد المياه من خلال سن قواعد تحدد مسطرة إعداد هذه العقود التدبير التشاركي وحقوق والتزامات الإدارة، والمؤسسات العمومية، سيؤدي بمستعملي الماء المنخرطين في هذه العقود، الى الأخذ بعين الاعتبار معايير ومستلزمات الحكامة الجيدة في تدبير الموارد المائية، عبر ٱلبة تتبع ومراقبة استعمال المياه موضوع العقد، ولبلوغ الغابات و المقاصد الهادفة إلى الحفاظ على الموارد المائية ببلادنا ،يجب كذلك وضع إطار قانوني متكامل للوقاية والحماية من الفيضانات، يشمل الجوانب المتعلقة بتحديد المناطق المهددة بالفيضانات، وبنظم الرصد والمراقبة والإنذار، وبإحداث لجن على المستوى الوطني والجهوي مكلفة بتدبير أحداث الفيضانات وتنسيق أعمال التدخل والإنقاذ، كما أن وضع أنظمة معلوماتية تتعلق بالماء على صعيد الحوض المائي وعلى الصعيد الوطني سوف تمكننا من التتبع المنتظم للماء وللأوساط المائية والنظم البيئية وعملها، وكذا المخاطر المرتبطة بالماء، وفي الأخير ننبه الى أهمية و ضرورة
تبسيط مساطر الترخيص باستعمال الملك العام المائي لاسيما عبر دمج مسطرتي الترخيص بحفر الآبار وجلب الماء في مسطرة واحدة ودمج مسطرتي تحديد حافات مجاري المياه والضفاف الحرة لهذه المجاري في مسطرة واحدة مما سيقلص من آجال ومصاريف البث في الملفات، بالاضافة الى أهمية تعزيز نظام المراقبة والجزاءات في حال الاستغلال المفرط، لاسيما من خلال تعزيز شرطة المياه وتشجيع المراقبة بصور الأقمار الصناعية، الى جانب
تعزيز مسؤولية وكالات الأحواض المائية في مجال إدارة طبقات المياه الجوفية وتعميم العقود المتعلقة بهذه الأخيرة،و ضمان الاستخدام الممنهج للموارد المائية البديلة سواء التقليدية منها وغير التقليدية قصد التخفيف من الضغط على المياه الجوفية عبرإعادة حقن المياه المستعملة بعد معالجتها بطبقات المياه الجوفية الساحلية المستخدمة في الري و تعويض المياه التي يجلبها كل من المكتب الوطني للماء الصالح للشرب والشساعات من طبقات المياه الجوفية بالمياه السطحية.
المبحث الثالت: دور وأهمية حوكمة المياه في تحقيق التنمية المحلية المستدامة
يعتبر مفهوم الحوكمة المائية أحد المفاهيم التي تشكل أهم أداة لإدارة وتسيير الموارد المائية بشكل مستدام، حيث يجمع بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي، الاجتماعي والبيئي. ذلك أنه يعمل على إشراك جميع الفاعلين في مجال المياه في عمليات اتخاذ القرار وتسيير و إدارة الموارد المائية، محترما في ذلك جميع مبادئ الحوكمة: الشفافية، المشاركة، المسؤولية، الفعالية، العدالة و المساواة والإنصاف..الخ. حيث تهدف الحوكمة المائية لتحقيق التنمية الاقتصادية التي تطمح إليها الدول من خلال إنعاشها للمجالات الاقتصادية المختلفة: الفلاحة، الصناعة والسياحة، آخذة بعين الاعتبار التنمية الاجتماعية التي تضمن العدالة والمساواة في استفادة جميع أفراد المجتمع من خدمات الإيصال بالمياه العذبة والصرف الصحي، مع احترام للنظم البيئية من خلال محاربة جميع أشكال التلوث والاستنزاف، وذلك كله بإشراك لجميع الفاعلين في مجال المياه من مستخدمين، مسئولين وأصحاب قرار، شركات ومؤسسات ناشطة في مجال المياه خاصة كانت أو عامة.
وفي هذا السياق الدولة من خلال سياساتها في تدبير الموارد المائية إلى تحقيق الحكامة الجيدة والتدبير المتكامل والمستدام للموارد المائية، وذلك بالتركيز على أهمية الإلتقائية والتكامل بين مختلف المتدخلين لضمان الكفاءة والاقتصاد والاستدامة في استخدام المياه، لا سيما في تنزيل مضامين الخطة الوطنية للمياه، التي تشكل الإطار المرجعي للسياسة المائية الوطنية، وإدارة الأحواض المائية التي تعرف عجزا هيكليا حادا، وتحديث وإعادة تأهيل المنشئات المشتركة متعددة الأغراض المبرمجة في البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، وكذا تنسيق تنفيذ مشاريع السدود الكبرى التي تم إطلاقها أو برمجتها.
و تفعيلا لذلك ، وُضعت الحكومة منهجية لصياغة خطة تدبير تستجيب لمعايير التوجيه-الإطار المذكور وتطبيقها على الحوض المائي لنهر سبو، ولقد تم استثمار الأعمال المنجزة في هذا الحوض المائي من خلال صياغة دليل عملي وتبادل الخبرات والتجارب والأفكار بين الفرق العاملة في عدة أحواض بما يتيح تنفيذ هذه الخطة في الأحواض المائية المغربية الأخرى.
إن إشكالية حوكمة تدبير المياه، تتطلب بناء حكامة جهوية لتدبير المياه تضم جميع الفاعلين داخل الجهات، وتنمية المعرفة، وتربية الناشئة على حسن استعمال المياه،على أساس أن التدبير المندمج و المعقلن للموارد المائية وإعادة استعمال المياه المعالجة، أصبح من التحديات المطروحة ضمن استراتيجية تثمين المياه والتي يجب أن تأخد بعين الاعتبار ضرورة عقلنة تدبير الموارد المائية بالنسبة للأنشطة التي تعتمد على المياه بشكل كبير سواء الفلاحية أو الصناعية، وربط إشكالية تدبير المياه بالتغييرات المناخية، ذلك أن الغاية المرجوة من أجرأة حكامة رشيدة لتدبير سياسة إدارة المياه، هي المساهمة في الحد من الآثار السلبية لنذرة المياه، والحفاظ على الماء كمورد حيوي، و ترشيد استعمال الماء الصالح للشرب وإعادة استعمال المياه العادمة بعد معالجتها، من خلال إنجاز دراسة تحليلية حول وضعية المياه العادمة بمدن المملكة، والإطار القانوني المنظم لمجال تدبير المياه. كما تهدف إلى تحسيس الساكنة وتقوية قدرات فعاليات المجتمع المدني في المجال الترافعي والعمل على خلق لجان متعددة الفاعلين تقوم بتتبع ومراقبة تلوث المياه يربوع المملكة.
المراجع:
* الخطاب السامي لجلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة
* خطاب جلالة الملك الحسن الثاني بتاريخ 18 فبراير 1987 أعضاء المجلس الأعلى للماء
* الخطاب الملكي الموجه للمؤتمر الدولي السابع للموارد المائية
* الخطاب الملكي السامي بتارخ 26 ماي 1988
* احمد بن : كتاب دور وأهمية حوكمة المياه في تحقيق التنمية المحلية المستدامة
* بحث لمريم كفي و ساهم ساري حول آليات حوكمة المياه كمدخل لتحقيق الأمن المائي في ظل التنمية المستدامة -حالة الدول العربية-
* أية حكامة لتدبير ندرة وهشاشة الموارد المائية؟” ندوة لإطلاق مشروع “المياه الخضراء” بتنظيم من مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية
* موقع وزارة التجهيز والماء حول السياسة المائية بالمغرب
#إعداد وتقديم الاستاذ الزكراوي محمد