اعداد المجلةسلسلة الابحاث الجامعية و الأكاديميةفي الواجهة

سلسلة الابحاث الجامعية و الاكاديمية – العدد 25 – أكتوبر 2019 – اندماج شركات المساهمة كآلية للتركيز الاقتصادي

25

لقد كان لتطور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واتساع المجالات الصناعية والعلمية بالغ الأثر للبحث واكتشاف الشكل القانوني الذي يكون بمقدوره استيعاب ومواكبة المشاريع الكبرى والعمل على تحقيق الرهانات المطروحة، والتي تؤهل القطاع الخاص للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، ولتجاوز البنيات العتيقة، التي لم تستطع مجاراة التحولات الاقتصادية الكبرى، وذلك من حيث القدرة على تجميع رؤوس الأموال الكافية والضرورية لإنجازها[1].

وبذلك فإن التقاطع بين الاقتصادي والقانوني شكل تحولاً هاماً في المفاهيم القانونية، كما أن الحضور الوازن والتأثير الفعال للعامل الاقتصادي في إقرار توازن المجتمعات ألقى بظلاله على مجال الاشتغال القانوني[2].

وهكذا، أدت المتغيرات الاقتصادية التي ظهرت في ظل العولمة إلى قلق الشركات التجارية على مستقبلها الاقتصادي في البقاء، والقدرة على المنافسة، مما حذا بهذه الشركات إلى البحث عن تركيز اقتصادي لمواجهة تلك المتغيرات، حتى أصبح الاقتصاد الحديث يتميز بظاهرة التركيز[3].

ويعتبر الاندماج شكلاً من أشكال التركيز الاقتصادي[4]، وأكثرها شيوعاً، حيث يقوم على فكرة التكامل والتوحد بين الشركات، وقد يتم باعتماد تجميع الشركات. إلا أنه لا يمكن مقاربة عملية الاندماج كظاهرة اقتصادية دون الحديث عن شركة المساهمة ودون التطرق إلى قوانينها التي تحدد طبيعة العلاقة القائمة بينها وبين مختلف المصالح المرتبطة بها.

ولم يكن الشرع المغربي، قبل صدور قانون شركات المساهمة[5]، ينظم الاندماج إلا جزئياً من خلال الفصول 44 إلى 48 من القانون التجاري الملغى لسنة 1913 التي كانت تؤطر عمليات الاندماج المتعلقة بشركات التضامن وشركات التوصية، بالإضافة إلى إشارة مقتضبة بظهير 11 غشت 1922 المطبق لقانون 26 يوليوز 1867 الفرنسي بالمغرب، وكذا بالفصل 754 من قانون الالتزامات والعقود[6] .

ونتيجة لهذا القصور تدخل المشرع التجاري على مرحلتين من أجل تنظيم عمليات الاندماج؛ في مرحلة أولى تم ذلك بواسطة قانون شركات المساهمة الذي جاء بتنظيم مفصل لعمليتي الاندماج والانفصال تم تضمينه بالباب الثاني من القسم الثامن منه، وذلك بمقتضى المواد من 222 إلى 242 منه، وتم التمييز في إطاره بين الأحكام العامة وخصصت لها المواد من 222 إلى 229، وبين الأحكام الخاصة بشركات المساهمة وخصصت لها المواد من 230 إلى 240. وفي مرحلة ثانية تم التدخل بواسطة قانون 78.12 المغير والمتمم لقانون شركات المساهمة والذي عمم بعض القواعد المتعلقة بالمراقبة والإعلام الخاصة بالاندماجات التي تتم بين شركات المساهمة، على الاندماجات التي تتم بين أنواع الشركات الأخرى، وذلك من خلال المادة 226 المكررة[7].

وبالرجوع إلى المادة الأولى من قانون 05.96[8] نجدها تحيل على المواد من 222 إلى 229 من قانون 17.95 والمتعلقة بعملية الاندماج.

وتجب الإشارة إلى أن هذه الأخيرة لم تنظم فقط في قانونا الشركات وإنما هناك قوانين أخرى نصت بدورها على عملية الاندماج من أهمها؛ قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها[9]، والذي نص في مادته 26 على إمكانية اندماج مؤسستي ائتمان أو هيئتين معتبرتين في حكمها أو أكثر، بالإضافة إلى قانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة[10] وغيرهما من القوانين.

ويمر الاندماج بمراحل تبتدئ بمرحلة تمهيدية أو مرحلة المفاوضات التي يتم فيها إزالة كافة العراقيل ومعالجة كافة المشاكل والصعوبات التي قد تواجه العملية، فتحظى هذه المرحلة بالأهمية بما كان، إذ أن آثارها قد تمتد إلى مجموع الأطراف المرتبطة بالشركات محل الاندماج؛ نذكر على وجه الخصوص المساهمين والأجراء، ثم الدائنين والشركات المنافسة لهذه الشركة، بل الأكثر من ذلك قد يمتد آثارها إلى الشركة نفسها والأجهزة المسيرة لها.

لذلك كله يعتبر الاندماج سيفاً ذو حدين، يتطلب ضرورة توجيهه في الاتجاه الصحيح، الذي يحقق حماية أفضل لكافة المصالح التي يمكن أن تتضرر، ومن هذا المنطلق تحدد الإشكالية الأساسية لهذا الموضوع والمتمثلة في؛ مدى نجاعة التأطير القانوني لعملية الاندماج في توفير الحماية القانونية لمختلف المصالح المرتبطة بالشركات موضوع الاندماج؟

يترتب عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات نذكر أهمها في؛ ما هو النظام القانوني لعملية الاندماج؟ وما هي الإجراءات التي تمر منها هذه الأخيرة؟ وهل تمكن المشرع من تحقيق حماية المصالح المهددة بهذه العملية؟

لدراسة هذه الإشكاليات والتساؤلات ارتأينا تناول موضوع اندماج شركات المساهمة كآلية للتركيز الاقتصادي من خلال التوقف عند خصوصيات الاندماج وتتبع المراحل التي تمر منها عملية الاندماج وذلك من خلال الإطار القانوني المنظم لها، لنتناول بعد ذلك آثار هذه العملية على مختلف الأطراف المرتبطة بالشركات محل الاندماج. وكل ذلك من خلال الشكل الآتي؛

الفصل الأول: النظام القانوني لاندماج شركات المساهمة.

الفصل الثاني: آثار الاندماج على المصالح المرتبطة بالشركة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى