ضعف الرقابة على قطاع النقل الطرقي
Weak oversight of the road transport sector
?الدكتور : يوسف كبيطي
دكتور في الحقوق أستاذ زائر بكلية الحقوق طنجة باحث في تشريعات الاستهلاك
ملخص
لقد عرف ميدان النقل تطورا سريعا،ونجم عن هذا التطور سرعة في وتيرة المعاملات والعلاقات الاجتماعية والتجارية والاقتصادية في جل دول المعمور،غير أن هذا التقدم الهائل في ميدان المواصلات صاحبته بعض النتائج السلبية المتمثلة في الأضرار اللاحقة بأفراد المجتمع بصفة عامة والمسافرين على وجه الخصوص،منها ما يرتبط بالجانب البيئي،ومنها ما له صلة بضمان سلامة المسافرين،ومنها ما يتعلق بارتفاع سعر التذاكر،وهذا ان دل على شيء انما يدل على الفراغ التشريعي الذي يعاني منه هذا القطاع الحيوي والذي يعد من الضروريات التي لا يستغني عنها الفرد في حياته اليومية،لذلك حاولنا قدر المستطاع التطرق لبعض النقط التي من شأنها أن تعزز الحماية المنشودة للمسافرين باعتبارهم الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية.
Abstract
The field of transportation has witnessed a rapid development, and this development has resulted in a rapid pace in the pace of transactions and social, commercial and economic relations in most countries of the world. What is related to the environmental aspect, including those related to ensuring the safety of travelers, including those related to the high price of tickets, and this indicates something, but rather indicates the legislative void experienced by this vital sector, which is one of the necessities that the individual cannot dispense with in his daily life, so We tried as much as possible to address some points that would enhance the desired protection for travelers as they are the weak party in the contractual relationship.
مقدمة :
يعتبر النقل من أهم الخدمات العمومية التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية، وقد ظهر تلبية للحاجيات المتزايدة للإنسان في جميع الميادين،بحيث يعد أهم وسيلة لتنقل الإنسان من مكان لآخر، ويعتبر كذلك من الدعائم الأساسية التي يرتكز عليها النشاط الاقتصادي في العصر الحديث، الذي أصبحت فيه الحركة ضرورية، لهذا يمكن اعتبار النقل أحد أهم المعايير التي يقوم على ضوئها مدى تقدم الدول ونهوضها، وبالتالي فالنقل يعتبر وسيلة من وسائل الاتصال في عصرنا الحالي.
ومما لا شك فيه بأن السفر أصبح يشكل جزء لا يتجزأ من حياة الكثير من الناس، بحيث أصبح البعض يتنقل عدة مرات كل سنة أو يوميا بسبب ظروف العمل أو قصد الاستجمام أو السياحة…، وقد يواجه هذا المسافر العديد من العقبات التي تؤثر على رحلته أينما كانت وجهته،من قبيل تأخر الرحلات عن المواقيت المحددة لها،فقدان الأمتعة أو حتى عدم توفر مقعد له على الرغم من أداء ثمن التذكرة ،بالإضافة الى الارتفاع الصاروخي لثمن التذاكر دون احترام المعايير التي تستند عليها الزيادات.
وعلى اعتبار أن دراستنا تتمحور حول ضعف الرقابة على قطاع النقل فيمكننا القول أن المشرع المغربي قد تناول عقد النقل ضمن القسم السادس من الباب الأول في القانون التجاري[1] المعنون بعقد النقل وبالضبط ضمن مقتضيات المادة 443 من ق.ت.م.
و بالرغم من التنظيم الذي حظي به هذا العقد، حيث خصص المشرع ما يقارب 44 مادة منها ما يتعلق بنقل الأشياء ومنها ما يرتبط بنقل الأشخاص،الا أن هذا التنظيم ما زال ينقصه الكثير من الاجراءات التي من شأنها أن تحقق الحماية الفعالة للمسافر (المستهلك) باعتباره طرفا ضعيفا في العلاقة التي تربطه بشركات النقل،ومن هنا يمكن طرح الاشكالية التالية : الى أي حد استطاع المشرع من خلال نظرية استغلال الضعف والجهل حماية المستهلك في عقد النقل الطرقي؟ وهذا ما سنحاول تناوله في هذا الموضوع نظرا لما يعرفه هذا القطاع الحيوي من اختلالات وخروقات في ظل غياب المراقبة أو تقنين القطاع من قبل الجهات الوصية،بحيث سنتناول نظرية الاستغلال والضعف في (المبحث الأول) فيما سنخصص (المبحث الثاني) لمحدودية الضبط الاقتصادي في تكريس حماية فعالة للمستهلك.
المبحث الأول : نظرية استغلال الضعف والجهل في عقد النقل الطرقي
يشكل النقل بمختلف أشكاله، البري والبحري والجوي، وبصنفيه نقل البضائع والأشخاص، قطاعا إستراتيجيا تراهن عليه جميع الدول للنهوض بمؤهلاتها الاقتصادية والاجتماعية، ورغم أهمية جميع هذه الأشكال الا أننا سنقتصرعلى النقل الطرقي في شقه المتعلق بنقل الأشخاص.
وهكذا نجد المشرع المغربي عرف عقد النقل في المادة 443 من مدونة التجارة واعتبره: « اتفاقا يتعهد بمقتضاه الناقل مقابل ثمن بأن ينقل ضمن العقود التبادلية التي ترتب التزامات متقابلة في ذمة طرفيه هما الناقل من جهة والراكب أو المسافر من جهة أخرى، فإذا كان الالتزام الرئيسي الملقى على عاتق هذا الأخير هو أداء ثمن النقل، فإن الناقل يتحمل عدة التزامات، من بينها على الخصوص الالتزام بضمان سلامة المسافر وسلامة أمتعته وإيصاله إلى المكان وفي الوقت المتفق عليهما تحت طائلة إثارة مسؤوليته المدنية في حالة إخلاله بهذه الالتزامات.
وما تجدر الاشارة اليه هو أن المادة 443 من م.ت على الرغم من تضمنها لكل ما من شأنه أن يضمن سلامة المسافر الا انها لم تتناول ثمن التذكرة الذي يعد مقابلا للخدمة المقدمة،وهو الشيء الذي يستغله المهنيون (أرباب حافلات النقل) ليفرضوا الأثمنة التي تناسبهم دون مراعاة للمستهلك،ضاربين عرض الحائط الأسعار التي سبق وان تم تحديدها من قبل الجهات الوصية على قطاع النقل،وهذا يعد في حد ذاته استغلالا لضعف الرقابة على القطاع من جهة ولجهل المستهلك (المسافر) بحقوقه من جهة ثانية.
ومن الأسباب التي دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع ترجع بالأساس إلى أهميته، ولكون الكتابة في هذا المجال لم تحضى باهتمام كبير من طرف الباحثين مقارنة بالأبحاث الغزيرة في ميدان أثر أو تأثير فيروس كورونا في جل المجالات، إضافة إلى أن هذا الموضوع له علاقة وطيدة بما أصبح يعرفه قطاع النقل الطرقي من خروقات سواء ما يرتبط بارتفاع أسعار التذاكر من جانب أو الحمولة و الحالة التقنية للعربات المستخدمة … من جانب آخر .
المطلب الأول : نظرية استغلال الضعف والجهل [2]
ان العلاقة التعاقدیة القائمة بين شركات النقل والمسافرين (المستهلكين) ينبغي أن تقوم على مبدأ التوازن العقدي الذي یوفر نوعا من المساواة بین اطرافه ، سواء من حیث الحقوق و الالتزامات او من حیث مضمون و شروط وأحكام العقد ذاته، فاذا اختل هذا التوازن العقدي نكون بصدد الضعف التعاقدي الذي ینشأ عن عدم وجود مساواة فعلیة بین طرفي العقد سواء من حیث التزامات و حقوق كل منهما او من حیث احكام و شروط العقد ذاته،بمعنى ان یوجد احدهما في مركز ضعیف من الناحیة الواقعیة في مواجهة المتعاقد الاخر،هذا الضعف عندما یمس إرادة المتعاقد نصبح بصدد إرادة قویة تقابلها إرادة ضعیفة ، و قد تكون منعدمة الشيء الذي ینعكس في الغالب على مضمون العقد و شروطه .
و تختلف مظاهر الضعف التعاقدي تبعا لاختلاف اسبابه التي قد تكون نابعة من الشخص المتعاقد ذاته، كما في حالات انعدام الاهلیة مثلا و هذا ما یسمى بالضعف الذاتي،كما قد تكون هذه الاسباب خارجة عنه ،فنكون بصدد ضعف نسبي ناتج عن ظروف و ملابسات احاطت بالمتعاقد تجعله مجبرا على قبول ما یفرضه علیه الطرف الثاني و في هذه الحالة لا یكون امامه خیار آخر.
كما قد ینتج هذا الضعف عن عدم تساوي المتعاقدین من حیث الدراية و الخبرة اي ان المتعاقد لیست له دراية و معرفة كاملة بالشيء محل التعاقد ، و یسمى هذا الضعف بالضعف المعرفي .
و في هذا الاطار میز الفقه بین نوعین من الضعف الذي یعتري احد المتعاقدان اولهما الضعف الملازم او الذاتي ،و الثاني ضعف نسبي و هناك نوع ثالث و هو الضعف المعرفي
بحيث يجد المسافرون صوب وجهات مختلفة من المغرب، بغية قضاء عطلة (عيد الأضحى أو الأعياد الدينية والوطنية – عطلة الصيف…)، أنفسهم في دوامة من الأسعار المرتفعة، تصل إلى الضعف أحيانا دون قدرتهم على فعل اي شيء لحاجتهم الماسة لوسائل النقل من اجل الوصول الى وجهتهم المعلومة.
وككُل سنة تتجدد معاناة المسافرين (المستهلكين ) مع أسعار تذاكر حافلات النقل الطرقي وسيارات الأجرة الكبيرة ، إذ ترتفع ثمن التذاكر بشكل صاروخي دون مراعاة لوضعية المستهلكين من جهة ولغياب الرقابة على القطاع من جهة اخرى بحيث يجد ” المهنيون ” (شركات النقل) راحتهم في تحديد أسعار غير قانونية، خاصة في الخطوط التي تعرف إقبالا شديدا بمناسبة سفر الناس لقضاء عطلة العيد مع ذويهم.
وما يجري يعد انتهازا للفرصة واستغلالا لعنصر ضعف الرقابة على قطاع النقل الطرقي بالمغرب، مشيرين إلى أن الناقل يفرض السعر الذي يشاء، ولا يهتم بتاتا بالمستهلكين اللذين يبقى همهم الوصول الى وجهتهم المعلومة على الرغم من تضررهم من الأثمنة الخيالية التي تعرفها التذاكر في المناسبات والأعياد الدينية والوطنية،لظروف العمل أو لغايات ملحة.
وما زاد الطين بلة ارتفاع أسعار التنقل عبر وسائل النقل مع التدابير الحكومية الجديدة للحد من انتشار فيروس ” كورونا ” ، خاصة سيارات الأجرة الكبيرة والحافلات والنقل المزدوج بحيث أقرت الحكومة مجموعة من التدابير، من بينها “عدم تجاوز 50 في المائة من الطاقة الاستيعابية لوسائل النقل العمومي” دون وضع لائحة تخص نسبة الزيادة في تذاكر السفر مما يساهم في فسح المجال لشركات النقل بتحديد الأثمان التي تناسبها دون مراعاة لوضعية الزبناء باعتبارهم الحلقة الأضعف في العلاقة التعاقدية.
المطلب الثاني : الطرف الضعیف في اطار نظریة الاستغلال
الاستغلال هو نظام قانوني مفاده ان یعمد شخص الى الاستفادة من حالة الضعف الذي یوجد فیه شخص آخر ، فیجعله یبرم عقدا ینطوي على تفاوت شدید بین ما یأخذه و ما یعطیه فیؤدي الى غرم فادح ،و على ھذا فللاستغلال عنصران عنصر مادي و عنصر نفسي[3] :
1 – العنصر المادي : هو اختلال التعادل و التوازن بین ما یحصل علیه المتعاقد من فائدة بموجب العقد و بین ما یتحمله من التزامات ، و هذه القیمة تقدر باعتبار حال المتعاقد اي ظروفه الشخصیة وقت التعاقد.
حیث ان عدم التعادل هذا لم یرمز الیه المشرع برقم معین ، انما ترك تقدیره للقاضي بالنظر الى ظروف المتعاقد و قیمة محل التعاقد و كذا شروط العقد،ذلك ان ما یهم هو عدم التعادل الفادح و هو ما یعبر عنه المشرع الجزائري في المادة 90 من القانون المدني الجزائري على انه “اذا كانت التزامات احد المتعاقدین متفاوتة كثيرا في النسبة مع ….[4]”
2 – العنصر النفسي : هو استغلال احد المتعاقدین لما في المتعاقد الاخر من نقص ذهني، فالمادة 90 تنص على “….و تبین ان المتعاقد المغبون لم یبرم العقد الا لان المتعاقد الآخر قد استغل فیه طیشا بینا او هوى جامحا .”
وقد ذكرت المادة هاتین الحالتین على سبیل الحصر مضیقة بذلك للدائرة التي یطبق فیها الاستغلال،فقصرتها على حالة الطیش و الهوى و اشترط ان یكون الطیش البین و الهوى الجامح ، و استبعد استغلال الحاجة و عدم الخبرة من نطاق تطبیق الاستغلال رغم مالها من اهمیة كبيرة في العمل و رغم انها مأخوذة في الاعتبار في اغلب التشریعات المقارنة و في رأینا انه لو تم التنصيص على عنصري استغلال الحاجة و عدم الخبرة ، كان ذلك سیوفر قدرا كبيرا من الحمایة للمستهلك خاصة في حالة استغلال عدم خبرته وقت إبرام العقد التي تعتبر تخلفا لمعرفته في نطاق المعاملات .
ان عدم الخبرة یعد حالة من الضعف الذي یعتري المستهلك ، ویظهر و یتحقق ، اذا ما التزم بشروط لم یفهمها او یدركها بدقة مثلا عند إبرام عقود البیع الواردة على منتجات صناعیة او تكنولوجیة معقدة كأجهزة الكمبیوتر، فهنا یتعذر على المستهلك البسیط و العادي فهمها او إدراك مداها،فیستغل المتعاقد الاخر جهله و عدم خبرته الفنیة فیدفعه الى ابرام مثل هذه العقود محققا من ورائه ارباحا طائلة .
ان القضاء في مصر يأخذ بهذا الرأي في ظل التقنین المدني السابق مقررا ان استغلال عدم الخبرة یعیب الرضا فقضى بان ” رضا المشتري یعتبر معیبا بالنسبة الى الشيء اذا استغل جهله و عدم خبرته الفنیة و ذلك بجعله یشتري كمیات كبیرة من احد المنتوجات الصناعیة الجدیدة لا تتناسب بشكل معقول مع صفته كمالك بسیط من الملاك الزراعيين …” و بالتالي فان الاخذ بفكرة استغلال عدم الخبرة یساهم في دعم الحمایة القانونیة للمستهلك ،ذلك ان نظام الاستغلال هو نظام مرن سواء فیما یتعلق بشروط تحققه او الجزاء المترتب علیه .
ولقد تناول المشرع هذه النظرية في المادة 59 والتي جاء فيها ” يقع باطلا بقوة القانون كل التزام نشأ بفعل استغلال ضعف أو جهل المستهلك مع حفظ حقه في استرجاع المبالغ المؤداة من طرفه وتعويضه عن الأضرار اللاحقة “.
المبحث الثاني : محدودية الضبط الاقتصادي في تكريس حماية فعالة للمستهلك
إن نطاق الحماية اللازم توفيرها للمستهلك فيما يخص الشروط التعاقدية التي يفرضها المحترف،استنادا لكونها مألوفة ومعتادة في معاملاته مع غيره من المهنيين في التخصص المهني المشابه،يمكن تحديده من خلال الاجابة عن السؤال التالي:
هل تعتبر كل الشروط التي قد يفرضها المهني المحترف على المستهلك ملزمة الاتباع من قبله،بحكم كونها جزءا من العقود الأساسية لهذا المهني؟أم يلزم حماية المستهلك منها واعتبارها كأن لم تكن،بحجة إخلالها بالتوازن العقدي بين طرفي العلاقة القانونية،وذلك نتيجة لاشتراطها من قبل المهني المحترف الطرف القوي اقتصاديا وفنيا على الطرف الضعيف؟
إن الاجابة عن هذا التساؤل،تفرض علينا تقسيمه الى شقين :
+ الشق الأول والمتمثل في الغاية من إيجاد نوع من الحماية للمستهلك اتجاه المحترف،والتي تقوم على أساس إعادة التوازن للعلاقة القانونية التي تربط بينهما،وبما يمنع تضرر المستهلك وجلب منافع للمهني على حسابه،ولهذا فإذا انتفى الاختلال أو التجاوز في حدود المساواة بين المستهلك والمحترف،فليس هناك أي داع لإيجاد أو توفير الحماية للمستهلك،حتى وإن توافرت فيه شروط اكتساب صفة المستهلك.
+ الشق الثاني والمتمثل فيما إذا كان بإمكان المهني المحترف الاستناد من حيث الأصل في مدى إلزام المستهلك بالشروط المألوفة لديه ووجوب اتباعها من قبل المستهلك،لكونها نابعة من الأعراف التعاقدية التي تحكم حرفته أو تجارته مما يقتضي معه الأخذ بحكمها،واعتبارها بحكم القانون جزءا مكملا لما يبرمه من عقود أيا كان طرفها الآخر ،فإن هذا الأصل تعترضه صعوبتين اثنتين :أولهما أن الأعراف التي يستند عليها إيجاد هذه الشروط هي أعراف خاصة بفئة معينة هي فئة التجار[5].
وهو الأمر الذي يفهم منه عدم افتراض علم الكافة،ومن ثم إمكانية القول بجهل المستهلك بمعظم هذه الأعراف إن لم يكن بكلها،ويزداد الأمر تعقيدا إذا كان عديم الخبرة بالأمور التجارية لتعقدها وصعوبة استيعابها.
وثانيهما أن هذه الأعراف في غالبها قد وضعت لمصلحة المهنيين من حيث مضمونها،ومن ثم فإن الشروط التي تنتج عنها قد تتضمن في جوهرها،ما يمنح من وجدت لأجله ميزة معينة كالتقليل من التزاماته،أو الاعفاء منها أو زيادة حقوقه اتجاه من يتعاقد معه،بمعنى أن حماية المستهلك من هذه الشروط لا تمتد في نطاقها إلا على الشروط التي يجهلها المستهلك ولا يعلم بها،والشروط التي تحمل في مضمونها تعسفا أو إجحافا.
وفي التشريع المغربي يجد المتأمل في إصدار قانون حرية الأسعار والمنافسة[6]،أن التفكير في حتمية وضع قانون فعال لضبط العلاقة القانونية الرابطة بين المستهلك والمهني تستوجب ضرورة معاينة واقع الممارسات العملية التي فرضتها المنظومة الاقتصادية الدولية المعاصرة،تحت تأثير الدوافع الشخصية والموضوعية لواضعي القواعد القانونية المنظمة للرابطة العقدية بين كل من المهني والمستهلك.
المطلب الأول : مؤثرات الضبط الاقتصادي على العقد الاستهلاكي
إن فرضية القول بتأثير الدوافع الاجتماعية والفلسفية في صياغة النصوص القانونية،ودورها في الحد من التجاوزات ومظاهر التعسف التي قد تعرقل استقرار المعاملات،وتؤدي إلى اضطراب في توازن القوى ما بين الفاعلين الاقتصاديين المعنويون منهم أو الأشخاص الذاتيين،خصوصا إذا وقفنا على أن هدف قانون المنافسة هو إنعاش السوق،والدفاع عن المصالح التجارية العليا للمقاولات،في حين أن غاية قانون الاستهلاك هو التوفيق ما بين القواعد القانونية التي يحكمها هاجس حماية المنافسة والقواعد الأخرى التي تهدف الى تقويم وضعية المستهلك باعتباره الحلقة الأضعف في جميع الروابط القانونية بمناسبة تنفيذ عقود الاستهلاك.
ونلاحظ أن اهم خاصية تتميز بها العلاقة الرابطة بين المستهلك والمحترف هو طابع عدم التوازن بينهما،استنادا على جهل الطرف الضعيف عقديا بأصول حرفة وتجارة الأخير الذي يكون متمكنا فيها.
وهو الأمر الذي يجعل من إرادتيهما غير متكافئة،مما يقتضي معه اعادة هذا التوازن من خلال إعلام المستهلك بما قد يجهله،وبما يجعل من إرادته مساوية لإرادة المحترف من حيث القوة في مدى كونها محيطة بكل مضمون العقد المزمع إبرامه،لكي تعد إرادة صحيحة ومستندة على رضا غير معيب[7].
وعليه فإنه لا يكفي بوجود الرضا وصحته أن يعلم كلا الطرفين بما ورد بنص العقد ذاته فحسب،وإنما لابد من إحاطة هذا الرضا بكل ما يدخل حكما في العقد،ذلك أن نطاق هذا الأخير [8] لا يقتصر في مضمونه على ما ورد فيه حصرا،وإنما يمتد ليشمل أيضا كل ما يعد من مستلزماته تبعا لما يحدده القانون أو العرف أو قواعد العدالة،من التزامات وحقوق على أطرافه،وبحسب طبيعة كل التزام[9] تعاقدي والمراكز العقدية والقانونية لأطرافها.
وانطلاقا من هذه المحددات،يمكن اعتبار أن الشروط العقدية بمختلف صفاتها في العقد المبرم بين الطرفين،تمثل جزءا من هذا العقد الرابط بين المهني والمستهلك،حتى ولو لم يعلم بها هذا الأخير،ومن ثم نفترض تحقق القبول الضمني بشأنها،ولهذا يعد الجهل بها أمرا معفيا من الالتزام بها.
والملاحظ أن الشروط العقدية المألوفة والمضمنة في العقد،والتي تتوافر فيها صفة الاعتياد،قاصرة على نطاق من يتعامل بها وهم المهني المحترف ومن يحترف بذات تجارته،لأنها وليدة أعراف مهنية خاصة،ومن ثم فإن افتراض علم الغير بها أمر محل نقاش جدي،ويبقى محل نظر.
إن هذه الشروط وإن ارتقت بفضل الأعراف التجارية إلى مرتبة دخولها في نطاق العقد،إلا أن مسألة اشتراطها من قبل أشخاص يملكون بفضل تخصصهم القوة الاقتصادية والفنية التي تتيح لهم صياغتها بشكل يؤول لمصلحتهم دون مصلحة الطرف الآخر،يجعله في أمس الحاجة إلى نوع من الحماية القانونية لمصلحته بغية إعادة التوازن للعقد [10].
المطلب الثاني : مؤثرات الضبط الاقتصادي على حقوق المستهلك
إذا كان نطاق حماية المستهلك من الشروط التعاقدية المخلة بالتوازن العقدي أو التي تهدد حقوق المستهلك،يتحدد مبدئيا من خلال الالتزام بإعلام المستهلك بوجودها.
والتساهل مع هذه المسألة يجعل من هذه الحماية قاصرة على تحقيق الغاية المقصودة منها في إعادة التوازن العقدي[11].
فالشروط الموضوعة في العقد،وإن علم بها المستهلك قد تضم في محتواها ما يكون مجحفا بحقه بسبب تنصيصها على التزامات إضافية تثقل كاهله،أو تكرس ميزات أخرى ينتفع بها المهني المحترف على حساب المستهلك،الشئ الذي يتسبب في امتداد نطاق هذه الحماية إلى الشروط التي يصطلح عليها ” بالتعسفية ” والتي يمكن أن توصف بأنها المظهر الأكثر إخلالا بالمساواة أو التوازن العقدي بين الطرفين،مقارنة مع الشروط التي لا يعلمها في جميع مراحل العقد المبرم.
ونرى بأن الشرط الذي يضر بمركز الطرف الضعيف عقديا – في عقود الاستهلاك – هو : ” الشرط الذي يترتب عليه بكيفية واضحة عدم التوازن التعاقدي،والذي يفرضه على المتعاقد الاخر الذي لا خبرة له،أو ذلك المتعاقد المتواجد في وضعية عدم المساواة الفنية أو القانونية أو الاقتصادية في مواجهة المهني[12].
وبصيغة أخرى هو بند في العقد يؤدي الى اختلال توازنه،ناتج عن اشتراطه من طرف قوي،بهدف تحقيق ميزة فاحشة له على حساب الطرف الآخر دون مراعاة الضوابط التعاقدية “.[13]
وهو بهذا الوصف،ذلك الشرط الذي يدرجه المحترف عند التعاقد مع المستهلك بمناسبة عقد استهلاكي،ويؤدي إعماله إلى عدم التوازن في الحقوق والالتزامات المنصوص عليها “.
وتجدر الاشارة إلى أن قانون الاستهلاك الفرنسي المؤرخ سنة 1993 قد نص في المادة 132/1 منه والمقابلة لنص المادة 35 من قانون 1978 على ما يلي :
” تكون الشروط تعسفية في العقود التي تبرم بين المهنيين وغير المهنيين أو المستهلكين،إذا كان موضوعها أو من آثارها،إحداث اختلال بين حقوق والتزامات الأطراف في العقد[14].
أما التوجيه الذي أصدره الاتحاد الأوربي المتعلق بمنع الشروط التعسفية في عقود الاستهلاك،المؤرخ في 21/04/1993، والذي عرف الشرط التعسفي في المادة 3/1 منه بأنه : ” الشرط الذي يؤدي إلى عدم توازن ظاهر في غير صالح المستهلك،بين حقوق الأطراف والتزاماتها الناجمة عن العقد[15]،والعنصر الآخر المرتبط بفكرة الابتعاد عن اعتماد تعريف معين،والاكتفاء ببيان الصور التي يمكن أن يظهر أو يعد فيها الشرط تعسفيا،وذلك بإيضاحها لنماذج هذه الشروط،بحيث يكون ما يرد ذكره منها في العقود تعسفيا،وظاهرا بشكل جلي.
أما الأسلوب الآخر فيتمثل في مجرد الإتيان بما يفيد أثر وجود الشرط التعسفي في العقد،سواء بإبطال العقد كله أو إبطال الشرط[16] فقط،وذلك حسب كل حالة على حده من دون الولوج في تفاصيل هذه الشروط أو تعريفها أصلا،كقانون حماية المستهلك التونسي لسنة 2002 وقانون حماية المستهلك المصري لسنة 2006 وقانون حماية المستهلك المغربي لسنة 2011[17].
وأيا كان الأسلوب الذي تتبعه هذه التشريعات فالملاحظ أن الغاية التي تهدف اليها تبقى موحدة وهي حماية المستهلك من مضمون هذه الشروط والتي يتوقف تحديدها على توافر عنصرين فيها :اولهما ان تكون ناجمة عن استغلال قوة أو نفوذ اقتصادي وثانيهما الميزة الفاحشة التي تمنح لصاحب هذه القوة أو النفوذ والتي يتأتى عن تطبيقها حدوث الاختلال في التوازن العقدي[18].
والملاحظ أنه ليس كل شرط يفرضه المهني المحترف بحكم ما يمارسه من أعمال تجارية يعد تعسفيا لمجرد صدوره منه،كما أنه لا يمكن افتراض خاصية “التعسفية في تنفيذ عقد ما بسبب ورود شرط يمنح ميزة لأحد أطرافه شرط اخر يمنح ميزة مقابلة للطرف الاخر،بمعنى ضرورة النظر الى العقد[19] ككل،بوصفه كيانا واحدا يتضمن عدة شروط لا تتجزأ،والأخذ بما تحدده هذه الشروط من التزامات متقابلة في مجموعها للقول بتعسفية الشرط لإخلاله بالتوازن العقدي[20].ويبدو أن الأخذ بهذا القول الأخير [21] على إطلاقه أمر محل نظر،ذلك أنه لا يمكن نفي صفة التعسفية عن الشروط المألوفة دائما،بسبب عنصر الاعتياد على إدراجها في عقود معينة،أو افتراض هذه الصفة دائما في المعاملات التعاقدية[22].
فالشروط المألوفة هي في الأصل،شروط لا تتعدى في مضمونها تأكيد محتوى العقد أو ملائمته،وإن كانت تمثل المثال الأبرز للشروط التي جرى بها العرف أو العادة،أو التي تكون لمصلحة أحد المتعاقدين.
ويسري عليها ما يسري على أي شروط عادية،عامة أو خاصة،يتم إدراجها في أي عقد من العقود،من حيث إمكانية القول بصحتها أو إبطالها لوحدها أو إبطال العقد بسببها إن كانت هي الدافع إلى إبرامه،متى كانت هذه الشروط مخالفة للنظام العام[23].
وتجدر الاشارة على أن أحد المتعاقدين،وهو غالبا ما يكون المهني المحترف،قد اعتاد وضع جملة من الشروط في عقوده لتنظيم أعمال تجارته،وإن أدى إلى إمكانية القول بتوافر عنصر النفوذ الاقتصادي من قبل واضعها في العقد.
إلا أنه لا يعني مطلقا القول بإلزامية إجحاف مضمونها للمستهلك،ومن ثم افتراض طابع التعسفية فيها،إلا أنه يمكن اعتبار الاعتياد في الشروط أو اعتياد إدراجها من قبل المهني المحترف سببا معفيا من البحث عن العنصر الأول من عناصر الشروط التعسفية،وكافيا في وجوده لافتراض وجود هذا العنصر،مما يقتضي معه البحث عن العنصر الثاني فقط والمتمثل باحتواء الشروط على ميزة معينة.
والذي يمكن ملاحظته،هو أنه بتوافره يمكن القول عندها بلزوم حماية المستهلك من هذه الشروط –رغم كونها مألوفة- لتعسفها،كالشروط التي تؤدي الى التضليل بالمبيع من خلال تمكينها للطرف الاخر بتعديل أوصافه قبل تسليمه من قبل البائع،أو الشروط التي تعفي المهني من المسؤولية عن التأخير في تسليم المبيع أو هلاكه قبل التسليم.
وأيضا الشروط التي يمكن له بموجبها إنهاء العقد أو فسخه[24] بإرادته المنفردة دون أي مبرر قانوني،او التي تقلل من حقوق المتعاقد الاخر في المقابل،بمعنى أنه لا يمكن أن يعد كل شرط مألوف شرطا تعسفيا والعكس صحيح أيضا.
خاتمة :
لقد حاولنا من خلال هذا المقال تسليط الضوء ولو جزئيا، على موضوع ضعف الرقابة على قطاع النقل الطرقي من خلال طرح بعض الإشكالات التي يثيرها،والمتمثلة بالأساس في غياب الرقابة من جهة وجهل المستهلك بحقوقه من جهة أخرى وخلصنا الى بعض الاقتراحات التي من شأنها أن تعزز حماية المستهلك وتساهم الى حد ما في ضمان حقوقه من قبيل :
* تشديد الإجراءات الرقابية والزجرية في حق المخالفين
* وضع حد لمظاهر الفوضى والارتباك الملحوظ خلال الأعياد والمناسبات الدينية والوطنية،عن طريق المقاطعة .
* ضرورة التحلي باليقظة ورفض السلوكات التعسفية التي دأب على اعتمادها بعض أرباب، ومستخدمي حافلات النقل الطرقي لاستنزاف الجيوب، وتحقيق أرباح لا مشروعة على حساب المصالح الاقتصادية للمواطنين.
* وعي المستهلك بحقوقه واللجوء الى القضاء في حالة تضرره كأحد الآليات المساهمة في الحد من السلوكات المهيمنة والتعسفية
[1] القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة ،الجريدة الرسمية عدد 4418 بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 )3 أكتوبر 1996)، ص 2187.
يوسف كبيطي : أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص،جامعة عبد المالك السعدي-كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة،الموسم الجامعي 2020-2021 ص 338.[2]
يوسف كبيطي : أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص،م س ص 339-340.[3] [3]
إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين متفاوتة كثيرا في نسبة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد من[4]
فائدة بموجب العقد أو التزامات المتعاقد الآخر ، وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد و يجب أن ترفع دعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد ، إلا كانت غير مقبولة…
[5] Barreet Olivier,les contracts Portent sur le fond de Commerce,LGDJ,éd Delta,2001,P :34
القانون 06-99 الصادر سنة 2000 والذي تم تعديله وتتميمه بموجب القانون 104-12 الصادر سنة 2014.[6]
أمينة ناعمي : أحكام الشرط في القانون المدني المغربي على ضوء الفقه والاجتهاد القضائي،دراسة مقارنة ،دار الآفاق المغربية للنشر[7]
والتوزيع ،السنة 2009 ص :31.
يتماشى ومقتضيات المادة 1135 من القانون المدني الفرنسي .[8]
محمد حسين منصور :شرط الاحتفاظ بالملكية،دار الجامعة الجديدة للنشر ،السنة 2003 ص : 12.[9]
حماية المستهلك من الشروط التعسفية ،المجلة المغربية للاقتصاد والقانون،عدد 3 يونيو 2001 ص : 95.[10]
المادة 3 من قانون 31.08 المتعلق بتدابير حماية المستهلك.[11]
نص المشرع المغربي في المادة 15 من القانون 31.08 على ما يلي : ” يعتبر شرطا تعسفيا في العقود المبرمة ما بين المورد والمستهلك كل [12]
شرط يكون الغرض منه أو يترتب عنه اختلال كبير بين حقوق وواجبات طرفي لعقد على حساب المستهلك.
ذهبت محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها إلى وصف الشرط التعسفي إذا كان : “من شأن محله أو أثره إلغاء أو تخفيض حق[13]
المستهلك في التعويض في حالة عدم وفاء المهني بأحد التزاماته أيا كانت “Cass .civ.1er.25.janvier.1989
– أورده حسن عكوش: المسؤولية المدنية في القانون المدني الجديد،مطبعة القاهرة الحديثة،الطبعة الأولى 1957،ص 84.
– وفي هذا الإطار جاء في قرار لمحكمة النقض – المجلس الأعلى سابقا –
“لا يعيب القرار عدم تنصيصه على مهن الأطراف طالما عرف بأسمائهم الشخصية والعائلية بالشكل الذي ينفي عنهم كل جهالة”.
– قرار محكمة النقض،عدد 812 المؤرخ في 06/09/2012 ملف تجاري عدد 353/3/2/2012 منشور بمجلة المحاكم المغربية،2013 عدد 141 ص : 196.
[14] C Champaud : Contribution a la définition du Droit économique, éd , Dalloz 1967 ,P :125
[15] F C janet : Aspect de droit économique , éd ,Dalloz ,1961,P : 33.
ينص المشرع المغربي في المادة 19 من القانون 31.08 على ما يلي : ” يعتبر باطلا ولاغيا الشرط التعسفي الوارد في العقد المبرم بين [16]
المورد والمستهلك”.
– ( انظر المواد 48،59،98،150 = البطلان )
المادة 18 من القانون 31.08 المتعلق بتدابير لحماية المستهلك.[17]
ينص المشرع المغربي في المادة 9 من القانون 31.08 على ما يلي : ” فيما يتعلق بالعقود التي يحرر جميع أو بعض شروطها المقترحة على [18]
المستهلك كتابة،يجب تقديم هذه الشروط وتحريرها بصورة واضحة ومفهومة،وفي حالة الشك حول مدلول أحد الشروط ،يرجح التأويل الأكثر فائدة بالنسبة للمستهلك”.
أشار قرار لمحكمة استئناف باريس صادر في 22/05/1986 الى ما يلي ” إن الشرط لا يعد تعسفيا إلا ابتداءا من الوقت[19]
الذي أصبح فيه مألوفا ومعتادا عموما في العقد “.
جاء في قرار لمجلس الدولة الفرنسي الصادر في 12/01/2001 ما يلي : ” إن الطابع التعسفي للشرط يتم تقديره ليس بالرجوع الى[20]
هذا الشرط بحد ذاته،ولكن بالرجوع الى مجموع الاشتراطات التي يتضمنها العقد”.
المادة 17 من القانون 31.08[21]
انظر مقتضيات المادة 8 من القانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير حماية المستهلك.[22]
المادة 24 من القانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك.[23]