ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير بواسطة التزوير على ضوء الرسالة الملكية المؤرخة في 30 دجنبر 2016.
خالد الغزالي /باحث في القانون العقاري
ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير بواسطة التزوير
على ضوء الرسالة الملكية المؤرخة في 30 دجنبر 2016.
يحتل العقار مكانة مهمة داخل النسيج الاقتصادي والاجتماعي ،إذ يشكل البنية التحتية لقيام أي مشروع استثماري ، لذلك عمد المشرع إلى ضبط هذا الوعاء لحماية المتعاملين به وضمان استقرار الملكية العقارية .
نظرا لما تتعرض له الملكية العقارية في أواخر هذه الحقبة من اعتداءات وسطو وغصب الذي اعتبرها القانون خرق لأهم مبدآ من المبادئ الدستورية وهو حق الملكية طبقا لمقتضيات الفصل 35 من دستور المملكة سنة 2011 الذي ينص ” يضمن القانون حق الملكية …”، على اعتبار أن العقار جزء من مظاهر سيادة الدولة.
ولذلك جاءت الرسالة الملكية السامية المؤرخة في 30 دجنبر 2016 لتدق ناقوس الخطر وتحذر من آن جرائم الاستيلاء على عقارات الغير بلغت حد الظاهرة الخطيرة حيث جاء فيها ” فقد أصبح الاستيلاء على عقارات الغير ممارسة متكررة يدل عليه عدد القضايا المعروضة على المحاكم آو تعدد الشكاوى المقدمة حولها والأخبار المتواترة التي توردها الصحافة بشأنها ،وأضحى يجسد وجود ظاهرة خطيرة تتفشى بشكل كبير وتستدعي التدخل الفوري والحازم لها تفاديا ما قد ينجم عنها من انعكاسات سلبية على حق الملكية.
وجهت هذه الرسالة إلى السيد وزير العدل والحريات الذي سار وزير العدل فقط على اعتبار انه المسؤول عن قطاع العدل وان هذه الظاهرة تفشت بعدما كانت حالات معزولة .
بحيث يمكن تعريف الاستيلاء على عقارات الغير الذي أصبح ظاهرة منتشرة بأنه “تلك العملية التي يقوم فيها المستولي بإعداد وثائق تفيد التملك سواء كانت هذه الوثائق مزورة أو تم تأسيسها مستغلا في ذلك ثغرات تشريعية بهدف تملك عقار مملوك للغير والإثراء على حسابه بدون وجه حق.
الأمر الذي اتضح معه آن الاستيلاء على عقارات الغير لم يأخذ الصورة النمطية التي تعتمد على القوة أو العنف بل هذه الواقعة استفحلت ليصبح هذا النشاط الإجرامي الذي يستهدف الملكية العقارية وسائل في التزوير وكالات بأسماء المالكين الحقيقيين وأحيانا بطائق هوياتهم ،تزوير رسوم الاراثة أو عقود الوصايا بالمغرب أو الخارج واستغلال مسالة التذييل بالصيغة التنفيذية ،بل وحتى الالتفاف على بعض النصوص القانونية الأمر الذي وجب معه ايجاد تدابير قضائية زجرية تنظيمية وتشريعية آنية ومستعجلة للحد من الظاهرة
أن موضوع الاستيلاء على عقارات الغير بواسطة التزوير هو بحد ذاته إشكالية يجب إيجاد حل لها خاصة وان أفعال الاستيلاء على أملاك الغير أضحى ظاهرة مشينة تسيء إلى النظام العقاري المغربي ،لكونها تمس بأسمى الحقوق دستوريا وهو حق الملكية
سنعالج هذه الإشكالية من خلال تساؤلين التالين :
-ماهي أسباب الاستيلاء على عقارات الغير؟
-وما الوسائل التي يلجا إليها المستولون للسطو على عقارات الغير ؟
تتنوع ملكية العقار بالمغرب بين العقار غير محفظ وعقار محفظ،فالأول تحكمه مقتضيات القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد به نص وإلا يلجأ الى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي (المادة 1 من مدونة الحقوق العينية )،بينما الثاني العقار المحفظ تحكمه مقتضيات ظهير غشت 1913 كما وقع تغييره وتتميه بالقانون 14.07،مما أفرزت هذه الأنظمة القانونية المؤطرة للعقار ثغرات قانونية يستعملها ذوي النيات السيئة للسطو على عقارات الغير ،كما يتعين البحث عن مظاهر قصور القضاء في تعامله مع القضايا المعروضة عليه والمرتبطة بذلك.
الأسباب القانونية :
فالقانون أحيانا يساعد على السطو والاستيلاء على عقارات الغير ،وذلك من خلال النصوص القانونية المتفرقة المرتبطة أساسا بتعدد الأنظمة العقارية والتوثيقية ،سواء تلك المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية ،أو المتعلقة بتوثيق التصرفات العقارية .وكذا الدعاوى التي يكون موضوعها ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير آو تشطيب ،دون إغفال ما يتعلق بالزجر والعقاب للفئات المهنية و حق الاطلاع على المعلومات أو المصادقة من قبل القنصليات.
ولعل هذا هو السبب الذي أكدت عليه الرسالة الملكية السامية حينما دعت إلى ضرورة ابتكار إجراءات ” تتضمن معالجة أي قصور قانوني أو مسطري من شأنه أن يشكل ثغرات تساعد على استمرارها.
وعليه فان القانون نفسه يحمل في طياته ثغرات تساهم بشكل أو بأخر في استفحال هذه الظاهرة.
-الأسباب القضائية :
تعد السلطة القضائية هي تلك السلطة المختصة بتفسير القانون وتطبيقه على المنازعات التي تفرض عليها،ومن هنا تستمد وظيفتها التي تمكن في العملية القضائية التي تقتضي الاستقلالية والحياد.ويمكن مقاربة هذه السلطة بصورة عامة انطلاقا من مجموع القرارات والأحكام المتخذة تنفيذا للنصوص القانونية ووفق إجراءات مسطرية معلومة .ومع أن الاختصاص المرجعي للسلطة القضائية هو السهر على احترام وتنفيذ القانون .فان المهام الموكولة إليها خاصة في ظل الأنظمة الديمقراطية تترجم أساسا في ضمان حقوق الأفراد والجماعات وصيانة الحريات العامة والخاصة ،والسهر على تقيد الجميع بمبادئ سيادة القانون وخضوع الكل لأحكامه في إطار دولة الحق والقانون .
وكل ذلك لتوفير الأمن القضائي ينبغي تأهيل مهنية .كما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش والذي جاء فيه : “يتعين على الجميع التجند لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء .لتعزيز استقلالية الذي نحن له ضامنون .هدفنا ترسيخ ى الثقة في العدالة ،وضمان الأمن القضائي ،الذي يمر عبر الأهلية المهنية والنزاهة والاستقامة وسيلتنا صيانة حرمة القضاء وأخلاقياتة ومواصلة تحديثه وتأهيله .”
وعليه فالفصل 117 من دستور المملكة 2011 الذي ينص على انه “يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ،وتطبيق القانون “، غير أن استفحال ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير أصبح يطرح اليوم عديد التساؤلات حول تعامل القضاء مع القضايا المعروضة عليه ،وتتبعه لها ،وطول إجراءاتها ، قد جاءت الرسالة الملكية السامية لتؤكد على أن “… استمرار التشكي بشان نفس الموضوع لهو دليل على تواصل استفحال هذه الظاهرة .ومؤثر على محدودية الجهود المبذولة لمكافحتها لحد ألان ، أن على صعيد ما يلاحظ من فتور في تتبع معالجتها القضائية ،أو على مستوى ما يتبن من قصور في تدابير مواجهتها الوقائية …”.
–التزوير كوسيلة الاستيلاء على عقارات الغير .
كما اشرنا سابقا بان هناك عوامل قانونية وقضائية تساعد على السطو على عقارات الغير ،بينما هناك وسيلة التزوير في المحررات أساس التفويت ،كتزوير المحررات العرفية أو العقود الرسمية المحررة في الخارج وتذييلها بالصيغة التنفيذية واستعمالها كآلية الاستيلاء على عقارات الغير .
-التزوير في المحررات
المقصود بالتزوير هو تغيير الحقيقة الذي يقوم به المزور إذ أن هذا التغيير لا يعني أن تكون كل البيانات كاذبة بل انه إذا كان في المحرر بيان واحد مخالف للحقيقة كان كافيا لقيام التزوير .
كما عرف القانون الجنائي التزوير في المحررات من خلال المادة 351 والتي نصت على أن ” تزوير الأوراق هو تغيير الحقيقة فيها بسوء النية ، تغييرا من شانه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون “.
وعليه فان التزوير في المحررات يقوم على عناصر أساسية أولها تغيير الحقيقة بإحدى الطرق المرسومة قانونا في محرر او توافر القصد الجنائي لدى الفاعل واحتمال حدوث الضرر للغير .وقد حدد القانون أنواع المحررات التي يرد عليها فعل التزوير مقسما إياها إلى محررات رسمية وأخرى عرفية .
-التزوير في المحررات الرسمية .
أن الورقة الرسمية حسب مقتضيات الفصل 418 من قانون الالتزامات والعقود هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد ،وذلك في الشكل الذي يحدده القانون كما يدخل ضمن الورقة الرسمية الأوراق المخاطب عليها من القضاة محاكمهم والأحكام الصادرة عم المحاكم المغربية والأجنبية .
أوكل كل من القانونين 32.09 المتعلق بالثوتيق العصري و القانون 16.03 المتعلق بالخطة العدالة مهمة التحرير العقود والمشرع أضفى بحكم القانون على أعمالهم الصفة الرسمية ،إلا أنها يمكن أن تكون محلا للتزوير ،وبالتالي استعمالها كوسيلة للاستيلاء على عقارات الغير ،خاصة وان جريمة التزوير لا يمكن أن تطال محررا دون الأخر .كما لايشترط في جريمة التزوير محرر رسمي ان تكون العبارة المضافة موقعا عليها ممن قصد نسبتها إليه ،بل يكفي أن تكون موهمة بذلك .
نظرا للخطورة التي قد تترتب عن تزوير المحرر الرسمي ،وتأثير ذلك على المصلحة العامة ،وفقدان الثقة الأفراد في هذا المحرر ،إذا لم تكن هناك حماية قانونية تضرب بقوة على الأيادي التي تعبث به وتستعمله لزعزعة استقرار المعاملات العقارية بين الأفراد ،الأمر الذي الذي ألزم على مشروع قانون التحفيظ العقاري أن يحيل بمقتضى هذا الأخير على القانون الجنائي ،بخصوص جرائم النزوير والتحريف وباقي الجرائم ،وذلك من خلال الفصل 107 من ظ.ت.ع كما عدل وتمم بالقانون 14.07 الذي جاء في مقتضياته ما يلي ،تطبق أحكام القانون الجنائي على من :
1-يقوم عن علم وبقصد جلب ربح غير مشروع آخر ،بتزوير آو تزييف آو تحريف الرسوم العقارية …،أو يستعمل مستندات مزورة أو مزيفة أو محرفة على كيفية المذكورة.
2-يقترف زورا في المحررات المقدمة بقصد التقييد أو التشطيب ،أما بتزييف كتابات او توقيعات ،واما بخلق أشخاص وهميين أو بصطناع اتفاقات أو تصرفات آو ابراءات ،أو ادرج ذلك في تلك السندات بعد تحريرها بإضافة أو تزييف شروط او تصريحات أو وقائع كان غرض تلك المحررات تثبتها.
فالمشرع المغربي تدخل من الناحية الجنائية لحماية المتعاقدين من التزوير في المحررات ،بوضعه عقوبات قاسية تطبق في حق مرتكب هذا الفعل سواء كان شخصا عاديا أو موثقا أو عدلا ،وهذا ما أكده القضاء في عدة أحكام حيث جاء حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط ما يلي :”ارتكاب الضنين لجنح التزوير في شهادة والتوصل بغير حق إلى تسلمها واستعمالها ومنح شهادة تتضمن وقائع غر صحيحة واستعمالها عن علم ،الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصلين 360 و361 من القانون الجنائي ….” .إلى جانب التزوير الصادر عن الأشخاص العاديين ، هناك التزوير المرتكب من طرف العدول والموثقون الناتج عن غياب الضمير المهني والطمع المادي ،حيت جاء في قرار اخر صادر عن محكمة الاستئناف بفاس ما يلي :”بمؤاخذة العدل لمخالفات عدم التحلي بالأمانة والوقار والحفاظ على شرف المهنة وعدم التحلي بالمروءة وحسن السلوك أثناء مزاولته مهام خطة العدالة ،وارتكابه أفعال جنائية مخلة بالواجبات المفروضة على العدل أثتاء مزاولته لعمله حكم بسببها بحكم جنائي نهائي ، كما توبع بجناية التزوير في محرر رسمي واستعماله ،والمشاركة في تزوير وثائق إدارية واستعمالها والتحريض على الدعارة والسكر العلني ،حيت أدين من اجل التزوير في محرر رسمي بعشر سنوات سجنا نافذا ،كما تم عزله من مهام خطة العدالة لارتكابه خطا مهنيا خطيرا ومخالفة توثيقية جسيمة…”.
يتضح أذن أن المشرع المغربي قد شدد بخصوص ارتكاب جريمة التزوير أو النصب من طرف الموثقين ،ومفاد ذلك راجع الى أن الدولة لما عينتهم لمزاولة عملهم وضعت ثقتها فيهم ،والذي ينتقل مباشرة إلى الأفراد الذين بدورهم يضعون ثقتهم في تصرفات ونصائح الموثقين ،ويرون فيهم حماة لحقوقهم وأقوالهم،لذلك كان لابد آن يقابل كل إهدار لهذه الثقة أو استخفاف بالمسؤولية بتشدد القضاء وبإصدار عقوبات رادعة حفاظا على سمعة مؤسسة التوثيق .
-التزوير في المحررات العرفية
تعد كل ورقة عرفية التي يقوم بتحريرها من لهم مصلحة فيها بغير تذخل موظف عمومي ،بمعنى أن المحرر العرفي هو كل محرر غير رسمي لم يتذخل في تحريره موظف ما بحكم وظيفته (إذ لا مانع من أن يحرره موظف بصفته الشخصية كأي شخص يطلب إليه تحرير محرر ).أو بعبارة أخرى هو كل محرر لا يعود الاختصاص في تحريره الى طوائف الأشخاص المذكورين في الفصلين 252و353 من قانون الجنائي المغربي .
ويمكن أن تكون هي الأخرى محلا للتزوير ،سواء بالطرق المادية أو المعنوية الأمر الذي فرض على المشرع ان يضع نصوص تجريمية وعقابية في القانون الجنائي للحد من هذه الجرائم حيث نص الفصل 358 من ق.ح على انه “من ارتكب بإحدى الوسائل المشار إليها في الفصل 354 تزويرا في محرر عرفي ،أو حاول ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم .
وهكذا فان التزوير في المحررات العرفية يعد بمثابة السبب في الاستيلاء على عقارات الغير ،خاصة وانه ابسط انواع التزوير لسهولة حصوله ،كما انه يلزم لقيامه الأركان العامة للتزوير وحسب من ركن مادي يتمثل في تغيير للحقيقة في محرر مع توافر قصد جنائي والضرر مع ضرورة أن يكون محل الجريمة محرر عرفي.
وعموما فانه يلاحظ أن عقوبة تزوير مرر رسمي اشد من تلك المتعلقة بالمحرر العرفي ،لذلك فالمشرع المغربي يجب أن يفرد نصوص خاصة توحد عقوبة تزوير المحررات العقارية ،نظرا للأهمية الكبرى التي يحظى بها العقار من جهة ،وأهمية التصرفات التي تثبتها من جهة أخرى حفاظا على استقرار المعاملات وتحقيق الأمن العقاري .
ولهذا ندعو القضاء المغربي إلى الحكم بأقصى عند البت في قضايا تزوير محررات رسمية سواء كانت عرفية استعملت لاتبات تصرفات عقارية وهمية ،لأننا نلاحظ لا يتشدد في العقاب في هذا الإطار .
-مسألة التذييل بالصيغة التنفيذية
نظرا لتعدد العلاقات التي تربط بين المغرب وباقي الدول لاخرى ،فقد كان من طبيعي أن تنشأ عقود ذات صلة بالمعاملات العقارية يتم تحريرها في بعض الدول الأجنبية ،وتستدعي تنفذها داخل التراب الوطني إلا بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية من قبل القضاء وفق ماهو منصوص عليه بالفصل 432 من قانون المسطرة المدنية .
وهكذا فان مسألة التذييل بالصيغة التنفيذية للعقود المبرمة بالخارج قد تكون مناطا للسطو على ممتلكات الغير العقارية منها بالخصوص .
لذا وجب إعادة النظر في هذا الإجراء ،إذ كيف يمكن لقاضي في محكمة ابتدائية معينة التأكد من سلامة وصحة وثيقة معدة من موثق أجنبي مثلا والتحري من مصدقيتها،والأجدر هو تخويل هذا الاختصاص كإجراء قبلي على الأقل للقنصليات المغربية في الخارج خصوصا وأنها تكون ذات اختصاص في الدولة التي أنجز او حرر العقد فوق ترابها الوطني
وحبذا لو تخذ المشرع تعديلا يرمي إلى تنظيم مسألة الذييل فيما يتعلق بالمسائل العقارية في ظهير التحفيظ العقاري نظرا لخصوصية هذا المجال بشان مدونة الأسرة في ذلك .