مقدمة:
عد الأحزاب السياسية من أهم التنظيمات السياسية داخل الدولة، حيث اكتسبت هذه القوة عبر تاريخها، حيث إن فكرة الحزب السياسي تطورت بتطور مفهوم الدولة وبتطور الحياة البرلمانية[1] ذلك أن نشأة الأحزاب السياسية مردها إلى التغيرات المؤسسية والسياسية التي مرت منها الدول الأوروبية خلال القرن التاسع عشر حيث ظهرت الأنظمة البرلمانية والديمقراطية التي تعكس بشكل كبير إرادة الشعب[2]، وفي هذا الصدد يذهب خوريس دفرجيه إلى أن تاريخ ظهور الأحزاب السياسية يرجع إلى سنة 1850 حيث لم يعرف العالم أحزابا سياسية باستثناء بلد واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية[3].
وقد تمت هذه النشأة عندما بدأت البرجوازية تؤكد ذاتها سياسيا وذلك في شكل متزامن مع اضمحلال العلاقات الإقطاعية، حيث إن أعضاء البرلمان كانوا يجتمعون بصفة تلقائية داخل البرلمان تحكمهم في ذلك ميولاتهم السياسية، الأمر الذي أدى تدريجيا إلى إنشاء الفرق البرلمانية في شكل موازي مع إنشاء هذه الشخصيات السياسية اللجان على مستوى الأحياء من أجل المساهمة في إحياء الحملات الانتخابية، إلا أنها كانت تنفض بمجد انتهاء العملية الانتخابية وفي النادر من الأحيان تستمر بعض هذه اللجان قائمة وتعمل على ربط العلاقة مع الناخبين، إلا أن مسألة تعميم الانتخاب عجلت بمسألة إعادة هيكلت هذه اللجان وذلك بعد تجميعها يولد ما أصبح يعرف بأحزاب الأطر[4].
ولم يكن ليستقر الأمر على هذا الحال، بل وكرد فعل على هذه الخطوة من جهة وبدافع احتكار أصوات الطبقة العمالية من جهة ثانية، ظهرت أحزاب تسمى بالأحزاب الجماهيرية[5].
أما في السياق المغربي، فنجد الأمر يختلف بشكل جذري، حيث إنه لم يكن قبل سنة 1930 أي تنظيم سياسي بمفهومه الحالي، ولم تتم هذه الإرهاصات إلا سنة 1930 وبالضبط في 23 غشت أحدثت النخبة المثقفة بالمغرب تنظيما سريا هدفه مكافحة الاستعمار، وفي تطور الأمر إلى ميلاد الحزب الوطني الذي خرج من رحم الحركة الوطنية سنة 1937 ثم تحول إلى حزب الاستقلال 1943.
إن هذا التباين الصارخ من حيث نشأة وبروز وتطور الحزب السياسي، سيفضي في النهاية إلى إشكالية التعريف التي لم تكن سهلة بين مختلف الباحثين في علم السياسة، الذين تعددت منطقاتهم الفكرية بتنوع الأنظمة السياسية لبلدانهم.
ومن أهم التعريفات التي جاء بها الفقه في هذا المجال تذكر تعريف “بنيامين كوتستانت” الذي يعرف الحزب “بأنه جماعة من الناس تعتنق مذهبا سياسيا واحدا” في حين يذهب كلسن إلى أن الحزب هو تنظيم يضم مجموعة من الأشخاص يعتنقون أفكارا سياسية واحدة، تعمل على ضمان تأثيرهم الفعال في إدارة الشؤون السياسية في الدولة”[6]
إذا كان هذا هو الاتجاه الذي سماه الفقه الغربي، فإن الفقه الغربي بدوره لم يذهب بعيدا عما تقوم مع بعض الفروق حيث نجد الأستاذ محمد الحاج يعرف الحزب على انه ” جهاد يضم في عضويته أشخاصا يعتنقون نفس الأفكار السياسية بشأن قضايا المجتمع الذي ينتمون إليه، ويعملون على التعريف بها والنضال من أجل تطبيقها في حالة وصولهم إلى السلطة أو الاشتراك فيها أو في التأثير على قرارتها”[7]
وإذا كان الفقه قد أبدى تعريفه للحزب بما تقدم، فإن للمشرع أيضا كلمته التي تعد كلمة فاصلة، ليس بخصوص التعريف فقط ولكن لحسم الجدل القانوني حول الحزب عن طريق تنظيمه عن طريق القوانين.
فإذا كان المغرب عرف بعض التنظيمات الحزبية قبل سنة 1958 فإن انشغالها ظل دون سند قانوني ولم يتم هذا التنظيم إلا عن طريق ظهير 15 نونبر 1958 والذي جاء للاستجابة لطلب ملح وهو سد فراغ قانوني مهم، ومن أهم مضامينه تنصيص على التعددية الحزبية.
وقد سار في نفس المنحى أول دستور للمملكة الصادر سنة 1962 و1970 و1992 و 1996 وكذلك في الدستور الأخير لسنة 2011 ، حيث إنه من المهم الإشارة إلى أن هذا الزخم من التعديلات الدستورية انعكست على القوانين المؤطرة لأحزاب السياسة، حيث إن القانون المذكور “ظهير 1958” عرف بدوره تعديلات عدة ليتلاءم مع مستجدات الوضع الداخلي والسياق العالمي وليواكب دينامية العمل السياسي.
لقد تجلت هذه التعديلات في تعديل 10 أبريل 1973 ثم تعديل سنة 2002 وتعديل سنة 2006 الذي تم الاحتفاظ به حتى وضع دستور 2011 الذي ارتقى بتنظيم الأحزاب عن طريق القانون العادي إلى وضع متقدم حيث نص الفصل 7 من الدستور الجديد على أن تنظيم الأحزاب السياسية سيتم عن طريق القانون تنظيمي وهو ما تجلى في القانون التنظيمي رقم 29.11.
إن الحديث عن الحزب السياسي لا يتأتى إلا بربطه بمسألة الديمقراطية، حيث أنه أحد الوسائل لتحقيق هذه الغاية الفاضلة “والسامية” الأمر الذي يجعلنا أمام إشكال مهم ويتجلى في القول: ماهي معالم الديمقراطية في الإطار الدستوري والقانوني المنظم للأحزاب السياسية بالمغرب؟؟
وقبل الإجابة على هذا الإشكال سنعتمد على جواب مؤقت كفرضية تنتظر الحسم بشأنها وتتمثل في القول أن الدستور الجديد والقانون التنظيمي الخاص بالأحزاب السياسية قد استطاعا إعادة الاعتبار للحزب السياسي عن طريق التأكيد على عدة قيم ديمقراطية متعارف عليها عالميا.
وفي انتظار إثبات أو نفي هذه الفرضية سنحاول تحليل الموضوع عن طريق المنهج القانوني والتاريخي والاستنباطي وإجمالا عن طريق التقسيم التالي:
المبحث الأول: الحزب السياسي بالمغرب بين تطور النص الدستوري والقانون التنظيمي.
المبحث الثاني: أهم مضامين القانوني التنظيمي للأحزاب السياسية.
المبحث الأول: الحزب السياسي بالمغرب بين النص الدستوري والقانون التنظيمي
إن الحديث عن الإطار القانوني المنظم للأحزاب السياسية في المغرب لا يتأتى إلا عن طريق التطرق للنص الدستوري (المطلب الأول) ثم التطرق إلى هيكل القانون التنظيمي المنظم للأحزاب السياسية بالمغرب (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الحزب السياسي تطور على ضوء الدستور الجديد
لعله من الأكيد أن الدستور وانطلاقا من كونه القانون الأساسي للدولة يعد أهم معالم السلطات والصلاحيات، وكذلك الحقوق والواجبات وإن بشيء من الاقتضاب، حيث غنه لتتبع أمر كهذا لابد من الرجوع خطورة إلى الوراء (الفقرة الأولى) بهدف الحكم على ماهو موجود اليوم هل هو تقدم أم تراجع (المطلب الثاني).
الفقرة الأولى: التطور التاريخي لتنظيم الحزب السياسي بدساتير المملكة
لقد أكد الدستور الأول للمملكة على مبدأ التعددية الحزبية وحرية الانخراط في هذه التنظيمات حيث نص في الفصل الثالث على أن ” الأحزاب تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم” كما أن نظام الحزب الوحيد”وينص الفصل التاسع على ما يلي: غير مشروع الأمر الذي ينغني بتبني التعددية الحزبية أما الفصل.
” يضمن الدستور لجميع المواطنين:
….حرية الانخراط في أية منظمة نقابية أو سياسية حسب اختيارهم”.
كما أن هذه الحرية لا يمكن أن يحد منها سوى القانون، وهكذا نلاحظ أن المشرع الدستوري لم يستفيض في الحديث عن الحزب ولا دوره السياسي بل أورد العبارة على سبيل الإجمال دون دخول في التفاصيل.
وهذا الأمر الذي يمكن لمسه من خلال دستور 1970[8] إلى جعل الأحزاب السياسية في نفس السلة” مع المنظمات النقابية والعرف المهنية حيث نص على ان “الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمجالس الجماعية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم..” وهو أمر لا يساير وضع الحزب باعتبار مهمته تختلف عن النقابات بالإضافة إلى عدم التنصيص على أهم أدوار الأحزاب السياسية وهي مسألة ممارسة السلطة حيث بقي هذا التحفظ عن ذكرها قائما.
وهكذا لم يضف دستور 1972 جديدا بل أكد على ما جاء به الدستور الذي سبقه، وفي نفس النهج سار دستور 1992 ودستور 1996 وفي نفس الفصل على التوالي وهو الفصل التالي مع الاحتفاظ بعبارة ” الحزب الوحيد غير مشروع”.
الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الجديد الذي آتى به دستور 2011.
الفقرة الثانية: وضع الحزب السياسي في دستور 2011
لقد خصص دستور 2011[9] للحزب فصلا “طويلا يتكون من سبع فقرات وهو الفصل السابع احتفظ الدستور للحزب السياسي بمهامه التقليدية المنصوص عليها في الدساتير السابقة الذكر ورتباها كالتالي:
- تأطير المواطنين
- تكوينهم سياسيا
- تعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وتدبير الشأن العام.
- المساهمة في التعبير عن إرادة الناخبين.
- المشاركة في ممارسة السلطة على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية.
الفصل 10:
إن الدستور الجديد تميز عن الدساتير السابقة بتوضيح مهمة الحزب السياسي بشكل مفصل وتميز كذلك بذكر مستجد مهم وهو ” المشاركة في ممارسة السلطة” حيث إن هذا الاعتراف أخيرا من شأنه تحميل هذه الأحزاب مهام وأعباء ثقيلة من أجل الرقي بأداء المؤسسات الدستورية والسياسية للدولة.
إن مسألة المشاركة “تطرح المسألة للتأمل، فمع من تتم هذه المشاركة، إذا كانت الأحزاب صرفها من هو الطرف الآخر إذن؟
إن الجواب يوحد بالفصل الثاني من الدستور الذي ينص على أن الأمة تختار “ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم” أي أن الأحزاب ستكون شريكا في ممارسة السلطة داخل المؤسسات المنتخبة ينما المؤسسات الغير منتخبة تكون بعيدة عن تأثير الحسابات السياسية للأحزاب.
ثم إن الدستور الجديد أكد على عدم إمكانه تأسيس الأحزاب على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان”[10] أو لمس بالثوابت للدولة[11].
كما أن دستور فاتح يوليوز الجديد تحدث عن إلزامية تقيد الأحزاب السياسية بمسألة الديمقراطية خاصة في مجال التسيير وأحال على قانون تنظيمي تناط به مهمة تنظيم هذه الجوانب خاصة وكل ما يتعلق بالأحزاب السياسية بشكل عام وهو الأمر الجديد أيضا ضمن الدستور الحالي ولم يفوت المشرع الدستوري الإشارة إلى ضمانه مهمة للأحزاب السياسية وتتعلق بعدم إمكانية حلها من طرف السلطات أو حتى توقيفها إلا بمقتضى ممرر قضائي[12].
إن حصيلة هذه المستجدات تعطينا فكرة عن التوجه الذي أصبح المشرع الدستوري يحدده للحزب السياسي حيث أعاد له الاعتبار الأمر الذي يجعلنا نتساءل ليس عن هذا لتفاض الأحزاب لهذا الإشارة من عدمه، ولكن أيضا عن مدا استجابة القانون التنظيمي لفلسفة المشرع الدستوري تجاه الأحزاب السياسية؟
المطلب الثاني: هيكلة القانون التنظيمي للأحزاب السياسية
لقد جاء القانون التنظيمي المنظم للأحزاب السياسية كاستجابة لما تضمنه الدستور الجديد في فصله السابع، حيث إن هذا القانون حاول تنزيل أهم مضامين الوثيقة الدستورية المتعلقة بالأحزاب السياسية، وجدير بالذكر أن القانون التنظيمي المذكور قد جاء مفصلا ومهيكلا بشكل جيد، حيث يتضمن سبعة أبواب والأبواب تنقسم إلى فروع ثم تنقسم هذه الأخيرة إلى مواد. وصل عددها إلى 72 مادة[13].
لقد جاء الباب الأول بعنوان “أحكام عامة” وتضمن المواد 1 إلى 4 فيما تضمن الباب الثاني من المادة 5 إلى المادة 23 وقد ورد بعنوان “تأسيس الأحزاب السياسية والانخراط فيها” ثم إن الباب الثالث جاء بعنوان “مبادئ تنظيم الأحزاب السياسية وتسيرها وجمع المواد 24-25-26-27 و28.
أما الباب الرابع فقد كان عنوانه هو “نظام تمويل الأحزاب السياسية وكيفية مراقبته” وتمم تضمين مقتضياته في المواد من 30 إلى المادة 49 في حين كان الباب الخامس بعنوان “اتحادات الأحزاب السياسية واندماجها” وتشمل من المادة 50 إلى 59، فيما تم تخصيص الباب السادس “للجزاءات” من المادة 60 حتى المادة 70 ثم أخيرا تخصيص الباب السابع والأخير إلى 4 أحكام انتقالية” بحيث تضمن مادتين هما 71 و 72.
المبحث الثاني: أهم مضامين القانون التنظيمي للأحزاب السياسية
إن الحديث عن الأحزاب السياسية في الجانب القانوني المؤطر لعملها، لا يكتمل بعد الحديث عن النص الدستوري إلا بالنفوذ إلى أهم مضامين القانون التنظيمي الخاص بها والذي يمكن تحديد مضمونه في عنصرين أساسيين وهما المتعلقان بتأسيس الأحزاب وأهم مبادئ تنظيمها (المطلب الأول) ثم تمويل ومراقبة مالية الأحزاب والمسؤوليات الملقاة على عاتقها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تأسيس الأحزاب السياسية واهم مبادئ تنظيمها
في هذا الإطار سنتعرض إلى ثلاثة عناصر وتتمثل في تأسيس الأحزاب والانخراط فيها (الفقرة الأولى) ثم أهم المبادئ التي تنظم الأحزاب (الفقرة الثانية) ونختم المطلب بالمقتضيات المتعلقة باتحاد الأحزاب واندماجها (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: تأسيس الأحزاب والانخراط فيها
لقد حدد القانون التنظيمي[14] للأحزاب السياسية مفهوم الحزب بأنه تنظيم سياسي دائم، يتمتع بالشخصية الاعتبارية، يؤسس طبقا للقانون بمقتضى إنفاق بين أشخاص ذاتيين يتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية، يتقاسمون نفس المبادئ ويسعون إلى تحقيق نفس الأهداف.[15]
وقد حدد هذا القانون كيفية تأسيس الأحزاب السياسية انطلاقا من وضع شروط في الأشخاص المؤسسين لها كتوفرهم على الجنسية المغربية وبلوغ سن الرشد القانون 18 سنة وان يكونوا متمتعين بالحقوق المدنية والسياسية[16].
وقد حددت المادة 4 إجراءات تأسيس أي حزب سياسي وتتمثل وضع الأعضاء المؤسسين وعن طريق مفوض قضائي ملفا لدى السلطات المكلفة بالداخلية مقابل وصل مؤرخ ومختوم يسلم فورا ويتضمن ما يلي:
1- تصريح بتأسيس الحزب يحمل التوقيعات المصادق عليها لثلاثة أعضاء مؤسسين يبين فيه:
- الأسماء الشخصية والعائلية لموقعي التصريح وتواريخ ومحلات ولادتهم ومهنهم وعناوينهم.
- مشروع تسمية الحزب ومقره المركزي بالمغرب ورمزه.
2- ثلاثة نظائر من مشروع النظام الأساسي للحزب ومشروع برنامجه.
3- الالتزامات مكتوبة في شكل تصريحات فردية ل 300 عضو مؤسس على الأقل بعدد المؤشر التأسيسي للحزب داخل الأجل المشار إليه في المادة 9 وهو أجل سنة.
تبدأ من تاريخ الإشعار…
كما حدد القانون إلزامية القيام بتصريح وتحديد الزمان والمكان قبل عقد المؤتمر التأسيسي للحزب[17] وذلك لدى السلطات الإدارية المحلية التابع لدائرة نفوذها مكان الاجتماع وذلك مقابل وصل مؤرخ ومختوم سليم فورا وذلك قبل انعقاد المؤتمر المذكور 70 ساعة على الأقل[18]، ثم بعد المصادقة على المؤتمر لغرض إيداع ملف لدى السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية. في انتظار المصادقة على النظام الداخلي خلال أجل 6 أشهر الموالية لتأسيس الحزب[19]
أما فيما يخص مسألة الانخراط في هذه الأحزاب فإن القانون قد حدد مهمتها بشكل واضح يتجلى في تأطير المواطنين وتكوينهم، تشجيع انخراطهم في الحياة الحزبية إلا أن القانون قد نص ولأول مرة موازاة مع الدستور على أنه ” لا يمكن لعضو في أحد المجلسي السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات تحت طائلة تجريده من عضويته في المجال أو الغرف المذكورة[20].
إن إقرار الدستور لهذا الأمر وتأكيده في هذا القانون التنظيمي أمر إيجابي حيث ومع سريانه حيز التطبيق أعطى أكله ومكن من تفادي العديد من عمليات الترحال السياسي التي أفقدت العمل السياسي الكثير من مصداقيته.
فيما أبقى على بعض الفئات من المجتمع لخصوصيتها تأسيس أو العمل داخل الأحزاب السياسية وهي كالتالي:
1- أفراد القوات المسلحة الملكية وأعوان القوات العمومية.
2- القضاة وقضاة المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات.
3- رجال السلطة وأعوان السلطة[21].
الفقرة الثانية: أهم مبادئ تنظيم الأحزاب السياسية وتسيرها
إن من أهم المبادئ الدستورية التي أكد عليها القانون التنظيمي للأحزاب السياسية الواردة في المادة 25 هي: مبدأ دمقرطة تسيير الأحزاب السياسية وضرورة إتاحة الفرصة لكافة الأعضاء بالمشاركة الفعلية داخل أجهزة الحزب، وذلك في إطار مراعاة الحكامة الجيدة ومبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة، كما نبت المادة 26 على أن كل حزب “يعمل….على توسيع وتعميم مشاركة النساء والشباب في التنمية السياسية للبلاد”.
ولهذه الغاية يسعى كل حزب سياسي لبلوغ نسبة الثلث لفائدة النساء داخل أجهزته المسيرة وطنيا وجهويا في أفق التحقيق التدريجي لمبدأ المناصفة..”
كما يتعين على كل حزب سياسي أن يحدد داخل نظامه الأساسي نسبة الشباب الواجب إشراكهم في الأجهزة المسيرة للحزب”[22]
وتجدر الإشارة بهذا الخصوص إلى أن المشرع قد استعمل لفظين مختلفين حين الحديث عن الشباب والنساء حيث إنه حين الحديث عن النساء استعمل المشرع مصطلح “يسعى” كل حزب الأمر الذي يعني اتحاد وسائل دون ضمان النتائج، أما عند الحديث عن الشباب فقد استعمل مصطلح “يتعين” الأمر الذي يفيد بإلزامية الأمر وهذا ما يجعلنا نتساءل عن السر في هذا التباين الدلالي؟.
وبالإضافة إلى الشروط والمقتضيات التقليدية للحزب كالاسم والرمز…فقد نص القانون الجديد على بعض المستجدات ضرورة إحداث مل حزب على اللجان التالية:
- اللجنة المكلفة بمراقبة مالية الحزب.
- اللجنة المكلفة بالتحكيم.
- لجنة المناصفة وتكافئ الفرص.
- لجنة الترشيحات.
- اللجنة المكلفة بالمغاربة المقيمون بالخارج[23]
الفقرة الثالثة: اتحادات الأحزاب السياسية واندماجها
لقد حدد القانون التنظيمي الجديد الخاص بالأحزاب السياسية إمكانية الانتظام في إطار اتحادات تتمتع بالشخصية الاعتبارية بهدف العمل جماعيا من أجل تحقيق غايات متقاسمة فيما بينها إلا أن الاتحاد لا يعد حزبا سياسيا ولا يستفيد من التمويل العمومي.[24]
وقد نص القانون المذكور على إمكانية الاندماج بين مختلف الأحزاب السياسية إما في إطار حزب قائم أو في إطار جديد يتم تأسيس لهذه الغاية بعد المصادقة على القرار داخل المؤتمرات الداخلية للأحزاب المعنية…
المطلب الثاني: تمويل ومراقبة مالية الأحزاب والضمانات المخولة لها
تطرح مسألة التمويل ومالية الأحزاب العديد من التساؤلات والإشكالات فإذا كان من حق هذه الأحزاب الحصول على دعم عمومي في المراقبة لصرف هذه الأموال تبدوا أمرا حتميا (الفقرة الأولى) إلا أن القانون حدد ضمانات مهمة لهذه الأحزاب تتعلق أساسا بالاحتكام إلى القضاء في حالة الخلاف (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تمويل ومراقبة مالية الحزب
تنقسم التمويلات التي تتلقاها الأحزاب السياسية إلى أموال خاصة وأخرى عامة تصدرها الدولة.
فحسب المادة 31 فإن الأحزاب السياسية تستفيد من تحصيل واجبات الانخراط لأعضائها ثم الهبات والوصايا شريطة ألا تتعدى 300.00 درهم في السنة لكل متبرع أو واهب ثم حصيلة الأنشطة الاجتماعية والثقافية للحزب وعائدات استثمار أموال الحزب ثم الدعم المخصص من الدول للأحزاب المساهمة في تغطية المصاريف من أجل تدبير أمور الحزب وذلك بشكل سنوي.
وقد حددت المادة 32 شروط هذا الدعم المقدم من طرف الدولة وتتجلى هذه الشروط في:
أ- تخصيص حصة سنوية جزافية لجميع الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة التشريعية والتي غطت نسبة 10 في المائة على الأقل من عدد الدوائر الانتخابية..
ب- تستفيد من مبلغ جزافي يعادل السالف الذكر الأحزاب التي حصلت على نسبة 3 في المائة دون أن تصل إلى نسبة 5 في المائة من عدد الأصوات المعبر عنها في الانتخابات برسم مجموع الدوائر في الانتخابات التشريعية.
ج- يخصص دعم سنوي للأحزاب السياسية التي حصلت على نسبة 5 في المائة على الأقل من عدد الأصوات المعبر عنها في الانتخابات المذكورة.
ورغم أن المشرع ذهب مذهبا يؤكد إيلاءه بالعناية الواضحة [25] تجاه الأحزاب السياسية إلا ان الواقع الحال يدعونا إلى مسألة إلقاء النظرة على مراقبة تمويل هذه الأحزاب.
فالقانون التنظيمي حدد الحدود التي لا ينبغي أن تتعداها كل الأحزاب السياسية أثناء بحثها عن تمويل جيد يحضر عليها تلقي أي مساعدات من الجماعات الترابية أو أي شخص اعتباري من أشخاص القانون العام الشركات التي تملك الدولة أو الجماعات الترابية كل أو جزء من رأسمالها[26].
وفي ذات الإطار يحضر على الأحزاب السياسية أموال أجنبية بصفة مباشرة أو غير مباشرة[27] كما يتوجب على الأحزاب مسك محاسبة وان تودع أموالها لدى المؤسسات البنكية وباسمها الخاص[28] كما تقوم بحصر حساباتها سنويا ويشهد بصحتها خبير محاسب مقيد بجدول هيئة الخبراء المحاسبيين[29].
وتخضع في هذا إلى رقابة المجلس الأعلى للحسابات حيث تنص الفقرة الرابعة من الفصل 147 من الدستور لسنة 2011 على ما يلي: ” تناط بالمجلس الأعلى للحاسبات مهمة مراقبة وتتبع…وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية”.
ولهذه الغاية توجه الأحزاب السياسية للمجلس الأعلى للحاسبات في 31 مارس من كل سنة على أبعد تقدير الوثائق والمستندات التي تنبث صرف النفقات المنجزة برسم السنة الماضية.
وقد أثبت الواقع العملي قصور العديد من الأحزاب السياسية عن الاستجابة لهذا الأمر[30] رغم تأكيد مجلس الأعلى للحسابات دعوته لهاته الأحزاب بتصحيح مسار محاسباتها حيث إن هذا الأمر لم يقتصر على الأحزاب الصغيرة بل إن الأمر امتد إلى أحزاب نافذة الأمر الذي أثار الرأي العام بشكل لافت[31].
الفقرة الثانية: الضمانات القانونية الممنوحة للأحزاب السياسية
إذا كان الهدف من القانون هو ضبط العلاقات وتحديد الحقوق والواجبات فإن هذا العنصر الأخير أي تحمل الأحزاب لواجباتها يظل أمرا حتميا حيث يحضر على الأحزاب السياسية ما يلي:
- اتخاذ أجهزة الحزب لقرار أو إجراء أو دعوة للقيام بعمل مخل بالنظام العام ولذلك فإن المشرع حدد ضمانات للأحزاب السياسية رغم خطورة هذا الفعل حيث إنه لم يبح للسلطات بالتدخل في حل الأحزاب السياسية أو توقيفها بل إن القانون التنظيمي أحال الأمر على القضاء الإداري بطلب من السلطات الحكومية المكلفة بالداخلية، حيث يبث رئيس المحكمة الإدارية بالرباط بصفته قاضي المستعجلات في الأمر خلال أجل ثمانية أيام[32] ثم إن الضمانات التالية تتجلى في عدم إغلاق الحزب مؤقتا أقل من شهر واحد وألا تتعدى أربعة أشهر حيث بانصرام هذا الأجل يعود الحزب المعني بالأمر إلى ممارسة أعماله ومباشرة كافة حقوقه[33].
- ثم إنه في جميع الأحوال تختص المحكمة الإدارية بالرباط بالنظر في طلبات التصريح بالبطلان وطلبات الإبطال…وطلبات الحل.
خاتمة:
إن حاصل القول يتجلى في عدة ملاحظات تم استنتاجها من خلال هذه الدراسة وتتجلى فيما يلي:
أولا: لقد عرف المغرب أحزابا قوية بقوة الواقع رغم غياب أو ضعف الإطار القانوني المؤطر لأعمالها، وواجهت أجواء سياسية معقدة وحاسمة.
ثانيا: أنه بالموازاة مع التأطير القانوني للأحزاب السياسية كانت هذه الأخيرة تتأرجح بين الفعل ورد الفعل وقلما كانت تقود المعارك السياسية بل إنه في بعض الأحيان تظل تابعة أو حتى متفرجة.
ثالثا: إن ارتقاء المشرع الدستوري بالمكانة المخولة للأحزاب السياسية وتغيير نظرة السلطة لها من خصم إلى شريك في ممارسة السلطة لم ينعكس على واقع الأحزاب حيث إن ممارستها السياسية بعد دستور 2011 تضمنت العديد من ممارسات التي تدعف موقف الفاعل الحزبي أكثر من تقويته وتجعله يبدوا في نظر متتبع عاجزا رغم المساحة المخولة دستوريا وقانونيا ليكون أرقى مما هو عليه.
رابعا: عدم الاستجابة للقانون التنظيمي الذي يضل حبرا على ورق ما لم يتم تفعيل:
- مسألة اندماج الأحزاب لتفادي التشتت الحزبي
- احترام القانون في مسألة التمويل ومسك المحاسبة وتفعيل الشفافية
- الارتقاء بالخطاب العمومي وإدراك حقيقة أن المواطن الأمس ليس هو مواطن اليوم المتتبع والذي يعي ما يقع حوله.
[1] محمد الحاج قاسم: القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية – مفاهيم الأساسية والنظم السياسية – دار النشر المغربية الطبعة الخامسة 2013،ص118
[2] محمد الحاج قاسم: القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية – مفاهيم الأساسية والنظم السياسية – مرجع سابق ص118.
[3] محمد الحاج قاسم: القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية – مفاهيم الأساسية والنظم السياسية – مرجع سابق ص118
[4] رقية المصدق: القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الجزء الأول دار تبقال للنشر الطبعة الثانية 1990 ص125.
[5] رقية المصدق: القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الجزء الأول مرجع سابق ص125.
محمد الحاج قاسم: القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية – مفاهيم الأساسية والنظم السياسية – مرجع سابق ص119.[6]
[7] محمد الحاج قاسم: القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية – مفاهيم الأساسية والنظم السياسية – مرجع سابق ص120.
[12] راجع الفصل 9 من دستور 2011.
[13] والجدير بالذكر أن القانون المذكور يختلف عن سابقه رقم الذي كان يضم فقط
[14] القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية.
[15] حسب مادة 2 من نفس القانون التنظيمي
[16] حسب مادة 2 من نفس القانون التنظيمي
[17] حسب مادة 10 من نفس القانون التنظيمي
[18] حسب مادة 11 من نفس القانون التنظيمي
[19] حسب مادة 12 من نفس القانون التنظيمي
[20] حسب مادة 20 من نفس القانون التنظيمي
[21] حسب مادة 23 من نفس القانون التنظيمي
[22] حسب مادة 26 من نفس القانون التنظيمي
[23] حسب مادة 29 من نفس القانون التنظيمي
[24] حسب مادة 50 من نفس القانون التنظيمي
[25] تجدر الإشارة إلى أن الدولة تساهم في تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية أيضا سواء جماعية والجهوية والترابية أنظر مواد من 34-37 من نفس القانون التنظيمي
حسب مادة 38 من نفس القانون التنظيمي [26]
حسب مادة 38 من نفس القانون التنظيمي [27]
حسب مادة 41 من نفس القانون التنظيمي [28]
حسب مادة 42 من نفس القانون التنظيمي [29]
أنظر تقرير المجلس الأعلى للحسابات الخاص بفحص مالية الأحزاب السياسية المغربية لسنة 2014 على الموقع التالي: [30]
[31] انظر ما كتبته الصحف بشأن ما عرفته مالية الأحزاب السياسية بالمغرب من خروقات
[32] حسب مادة 60 من نفس القانون التنظيمي
[33] حسب مادة 61 من نفس القانون التنظيمي