في الواجهةمقالات قانونية

قراءة في القانون رقم 24.17 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر

قراءة في القانون رقم 24.17 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر

 

 

   من إعداد: ابراهيم الغندور

دكتور في القانون الخاص

 

 

مقدمة

إن الحديث عن ظاهرة الاتجار بالبشر تكشف بالضرورة عن صورة صريحة من صور انتهاك حقوق الإنسان، التي نصت عليها الدساتير الوطنية والمواثيق الدولية، وتحولت إلى ظاهرة عالمية تفرض نفسها على الأجندة الدولية وصارت موضوعا لاجتهادات عديدة تسعى إلى دراسة أبعادها ومسبباتها وسبل التصدي لمخاطرها واحتواء تداعياتها والتي تعاني منها الكثير من بلدان العالم[1].

وعلى المستوى الوطني فإن تزايد خطورة هذه الجريمة وتطور أساليبها أدى إلى إعادة التفكير في البناء التشريعي لها على اعتبار أن القانون الجنائي المغربي لم يكن ينص إلا على بعض صور هذه الجريمة، حيث ان المغرب قد انخرط في دينامية المنتظم الدولي والإقليمي الهادفة إلى مكافحة الظاهرة وصادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية[2]، وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المكمل لهذه الاتفاقية[3]، وإصدار الوطني لحقوق الإنسان تقريره 2013 والذي أوصى بضرورة اعتماد مقاربة المجلس حقوقية لمعالجة شؤون المهاجرين واللاجئين وضحايا الاتجار بالبشر.

وما يفسر هذا الاهتمام الغير مسبوق بجريمة الاتجار بالبشر في المغرب هو ما كشفت عنه الدراسة التي قامت بها وزارة العدل والحريات من خلال معطيات صادمة حول الاتجار بالبشر في المغرب حيث يتم تسخير المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء في الدعارة والتسول. كما أكدت الدراسة أن المغاربة والمغربيات بشكل خاص، تنصب عليهن شبكات تسخرهن في ممارسات غير مشروعة في الخليج وحتى في أوروبا حيث أكدت الدراسة بأن تشديد المغرب لإجراءات العبور خاصة إلى دول الخليج قد دفع بالشبكات المتحكمة في هذه التجارة إلى اختيار بلدان عبور مثل تونس وتركيا.

فمن خلال هذه المعطيات يتضح جليا على أن المغرب أصبح فضاءا رحبا للاتجار في البشر بكل تجلياته، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر حول الوضعية القانونية لظاهرة في ظل عدم وجود آليات زجرية لشبكات الاتجار بالبشر ووسائل الدعم والتأهيل لضحايا هذه الجريمة التي بدأت تأخذ منحى تصاعدي وهو ما أدى اعتماد مشروع قانون خاص بمكافحة الظاهرة وكذا اعتماده ضمن مشروع القانون الجنائي الجديد.

حيث تزداد خطورة هذه الجريمة بكونها تستهدف على وجه الخصوص النساء والأطفال الذين يقعون ضحية مجرمين يستغلون أوضاعهم الصعبة أسوء استغلال.

مما يجعل جريمة الاتجار بالبشر من أخطر الجرائم التي تستهدف كرامة الإنسان وحقوقه وتتخذ صورا متعددة أهمها استغلال الأشخاص في العمل القسري أو استغلالهم جنسيا في أوضاع شبيهة بالعبودية والنخاسة وهي ممارسات كان الإسلام سباقا إلى نبذها وتحريمها وفي هذا السياق تأتي مقولة عمر بن الخطاب الشهيرة التي استعملت في العديد من الحملات التحسيسية ضد الاتجار بالبشر في الدول العربية “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.

إن عملية المتاجرة بالإنسان، تعني تحويل الحياة الإنسانية –التي كرمها الخالق العظيم-إلى سلعة تتداول بين الناس على مختلف أجناسهم وانتماءاتهم وحالة من حالات الرق والعبودية المستحدثة، وهي بلا شك تشكل انتهاكا فاضحا لمبادئ وقيم حقوق الإنسان، وتحديا للسلم الاجتماعي والأمن الإنساني في العصر الحديث، الذي أضحى يطلق عليه “عصر حقوق الإنسان”.

وحيث تزداد هذه الجريمة خطورة عندما ترتكب في إطار شبكات إجرامية منظمة. وعندما تصبح ذات طابع عابر للحدود الوطنية وكذا عندما تستهدف ضحايا مجتمعين أو ضحايا من النساء والأطفال والمهاجرين وغيرهم من الفئات الهشة.

فقد انخرط المغرب في دينامية المنتظم الدولي والإقليمي الهادفة إلى مكافحة الظاهرة. وصادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (تم التوقيع عليها في 13 دجنبر 2000 والمصادقة عليها بتاريخ 19 شتنبر 2002)، وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المكمل لهذه الاتفاقية (تمت المصادقة عليه في مجلس وزاري في 7 ماي 2009، واستكملت إجراءات الانضمام إليه بتاريخ 25 أبريل 2011).

كما إنه في إطار وفاء المغرب بالتزاماته الدولية، وتفعيلا لمقتضيات الدستور المغربي الذي نص على ضرورة التصدي لكافة انتهاكات حقوق الإنسان، وضمان ولوج ضحايا الأفعال الإجرامية لحماية قضائية منصفة وتوفير حماية خاصة للفئات الضعيفة والهشة، وتنزيلا للسياسة الوطنية للهجرة[4]،  تمت المصادقة على قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 27.14  الذي أتى من أجل إزالة الإبهام عن آليات مكافحة الاتجار بالبشر في المغرب، حيث تضمن تعاريف عامة وأحكاما مسطرية وزجرية وحمائية إضافة إلى تدابير مؤسساتية كل هذا يهدف الى التأسيس لسياسة جنائية في مجال مكافحة الاتجار بالبشر قادرة على تحقيق أهدافها سواءا فيما يرتبط بالتجريم والعقاب أو فيما يخص الوقاية إضافة إلى حماية الضحية.

ومن خلال ما سبق يمكن التطرق الى الموضوع عبر عبر الاتي :

  • المبحث الأول: التجريم والعقاب وفق قانون 27.14
  • المبحث الثاني: الحماية المؤسساتية لضحية الاتجار بالبشر وفق قانون 27.14

 

 

 

المبحث الأول: التجريم والعقاب وفق قانون 27.14

يتوقف تحديد ملامح القانون الجنائي في بلد ما على سياسته الجنائية فيما يتعلق بالتجريم والعقاب والوقاية من الجريمة[5]، مما توجب معه ضرورة الاهتمام التشريعي بمجال مكافحة الاتجار بالبشر حيث حاول المشرع المغربي من خلال قانون رقم 27.14 وضع أسس هامة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر وذلك من حيث اعتماده على أحكام مسطرية وقواعد موضوعية وتدابير حمائية.

كما يهدف هذا القانون إلى معالجة بعض ملامح السياسة الجنائية من خلال سياستي التجريم (المطلب الأول) والعقاب (المطلب الثاني) التي أتى بها من أجل حماية المجتمع والإنسان من آثار هذه الجريمة،

المطلب الأول: التجريم في قانون 27.14

جاء المشرع الجنائي  المغربي في القانون رقم 27.14 بتعريف  لجريمة الاتجار بالبشر وهو في الحقيقة ليس بتعريف للجريمة بقدر ما هو رصد لصورها ،حيث ينص الفصل 1-448 على انه :

“يقصد بالاتجار بالبشر تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك، بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصوص على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.

لا يشترط استعمال أي وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه لقيام جريمة الاتجار بالبشر تجاه الأطفال الذين تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة بمجرد تحقق قصد الاستغلال.

يشمل الاستغلال جميع أشكال الاستغلال الجنسي، لا سيما استغلال دعارة الغير والاستغلال عن طريق المواد الإباحية بما في ذلك وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي، ويشمل أيضا الاستغلال عن طريق العمل القسري أو السخرة أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو نزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية أو بيعها، أو الاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية على الأحياء، أو استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية أو في النزاعات المسلحة.

لا يتحقق هذا الاستغلال إلا إذا ترتب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية، بأي وسيلة كانت ولو تلقى مقابلا أو أجرا عن ذلك.

يقصد بالسخرة في مفهوم هذا القانون جميع الأعمال أو الخدمات التي تفرض قسرا على أي شخص تحت التهديد، والتي لا يكون هذا الشخص قد تطوع لأدائها بمحض اختياره. ولا يدخل في مفهوم السخرة الأعمال المفروضة لأداء خدمة عسكرية إلزامية، أو نتيجة إدانة قضائية، أو أي عمل أو خدمة أخرى تفرض في حالة الطوارئ.”

من خلال تحليل مضامين هذا الفصل يتبين أن المشرع المغربي اعتماد تعريف واسع وشامل للاتجار بالبشر عملا بالتوجه المعتمد عليه دوليا، ويتماشى مع أحكام المادة 3 من البروتوكول الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة والاتفاقية وسائر الصكوك الدولية؛

كما أن المشرع الجنائي المغربي قد عمل على توسيع نطاق الاستغلال ليشمل جميع الظواهر الجديدة المرتبطة به وفقا لأحكام المادة 5 من القانون النموذجي لمكافحة الاتجار بالبشر.

يلاحظ على ان تعريف السخرة في هذا القانون وتجريم الأفعال المرتبطة بها يتناسق مع التعريف الوارد في اتفاقية منظمة العمل الدولي.

اما بالنسبة للمشرع الفرنسي فقد عرف الاتجار بالبشر بأنه تجنيد شخص او نقله أو ترحيله أو ايوائه او استقباله لغرض استغلاله في واحدة من الحالات التالية:

إما بواسطة استخدام التهديد او الاكراه او العنف او طرق التدليس تجاه الضحية، او اتجاه عائلته او أي شخص أخر له علاقة معتادة بالضحية،

إما إذا كان مرتكب الجريمة أحد أصول هذا الشخص الشرعية أو الطبيعية أو بالتبني، أو بواسطة شخص أخر له سلطة عليه أو تعسف في استعمال السلطة المخولة له،

أو عن طريق استغلال حالة الضعف بسبب السن أو المرض أو العجز أو إعاقة جسدية أو عقلية أو في امرأة حامل سواء أكان حملها بينا أو معروفا لدى الجاني أم لا،

سواء بمقابل أو عن طريق مكافأة أو أية امتيازات أخرى أو الوعد بمنح مكافأة أو امتياز… [6].

ومن خلال ما سبق فأركان جريمة الاتجار بالبشر يمكن إجمالها في ما يلي:

الركن المادي:

ويتكون الركن المادي للاتجار بالبشر من عدة أفعال إجرامية:

أولا: التجنيد

ويتجلى في جمع عدد من الأشخاص لإلحاقهم العصابات الاجرامية المسلحة أو بغرض استخدامهم في الدعارة أو السخرة…. لأن مفهوم التجنيد وفق هذا القانون لا يتطلب بالضرورة التجنيد للأعمال العسكرية حيث لا يتطلب في الطفل المجند أن يكون من رعايا دولة معينة.

ثانيا: الاستدراج

هذا الفعل اعتمده المشرع المغربي في إطار توسيع مجال التجريم في قانون مكافحة الاتجار بالبشر حيث إن البرتوكول الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر لم ينص على هذا المصطلح بالضبط في مادته الثالثة وهو أمر يحسب للمشرع المغربي، كما أن هذا المصطلح قد اقتبس من الاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة الرقيق الأبيض[7]، التي جعلت الاستدراج وسيلة من وسائل التجنيد، فمكاتب التوظيف التي تضع إعلانات بأنها توفر وظائف جيدة وبرواتب مغرية مع ساعات عمل محدودة تستدرج الفتيات اللواتي يحلمن بتحسين أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية، فيتوجهن إلى هذه المكاتب، ومن ثم إلى أماكن العمل الموعود ، ويفاجأن بواقع مختلف عن الواقع الذي وعدن به حيث يرغمن على تعاطي الدعارة أو القيام بأعمال أخرى غير مشروعة.

ثانيا: النقل

يتحقق فعل النقل المكون للركن المادي لجريمة الاتجار بالبشر عندما يتم هذا الفعل رغما عن إرادة المجني عليه كأن يقوم مجموعة من الجناة بنقل الضحايا الى مكان ما بواسطة التهديد بالقوة، كما لا يشترط في فعل التنقيل وجود واسطة نقل معينة حيث يستوي التنقيل بواسطة سيارة أو حافلة او ….

ثلتا: التنقيل او الترحيل

التنقيل هو تقريبا مطابق لفعل النقل خاصة وان هذا الأخير يتم رغما عن إرادة الضحية مما يثير الاستغراب حول أراد هذا التعبير في القانون 27.14 لان معنى التنقيل هو النقل الاجباري ومن الاجدر رفع الالتباس وحذف هذه العبارة والاكتفاء بتعبير النقل

رابعا: الايواء

يمكن القول بان الايواء عبارة عن قيام الجاني بتدبير مأوى للضحية ويتخد منه مبيتا يقضي فيه أوقاته كما يتحقق فعل الايواء بإخفاء الضحية عن أنظار الناس والسلطات

خامسا: الاستقبال

يفيد الاستقبال من الوهلة الأولى معنى الايواء، لكن إذا تعمقنا أكثر نجد أن فحوى الاستقبال يبين أنه مختلف عن الايواء لان الايواء يفترض إبقاء الضحية في مكان معين، أما الاستقبال فقد لا يفيد هذا المعنى، فقد يتحقق فعل الاستقبال دون اشتراط إبقاء الضحية في مكان معين، فالجاني المستقبل هو بدوه قد يقوم بتسليم الضحية للشخص أخر وبالتالي ففعل الاستقبال يستدعي ضرورة وجود أكثر من جاني مما يعني توفر المشاركة أو المساهمة في الاتجار بالبشر المسلم والمستقبل والمسلم له

سادسا: الوساطة

حيث جرم المشرع المغربي كل وسائل الوساطة في ارتكاب الاتجار بالبشر

وسائل ارتكاب جريمة الاتجار بالبشر:

التهديد بالقوة

استعمال القوة

القسر

الاختطاف

الاحتيال

الخداع

استغلال السلطة

استغلال حالة استضعاف

إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر

غرض الاستغلال

استغلال دعارة الغير

سائر أشكال الاستغلال الجنسي

السخرة

الخدمة قسرا

الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق

الاستعباد

نزع الأعضاء (البشرية).

المطلب الثاني: العقاب في القانون رقم 24.17

يمكن القول بأن سياسة العقاب التي نهجها المشرع الجنائي في القانون رقم 24.17 تتميز بما يلي :

أولا: صرامة المشرع في مجال العقاب

التنصيص على تدابير زجرية (عقوبات وغرامات مالية) وتشديدها على المجرمين والشبكات الإجرامية خاصة عند اقتران الجريمة بظروف خاصة، شخصية وموضوعية؛ حيث نلاحظ أن المشرع الجنائي شدد من العقوبات،

بالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي يلاحظ بأن المشرع قد اعتمد أسلوب مشدد في العقاب ضد مرتكب جرائم الاتجار بالبشر، حيث أقر على أنه ودون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد، يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة من 500 إلى 10000 درهم كل من ارتكب الاتجار بالبشر[8].

هذا التوجه الذي تبناه المشرع الجنائي المغربي صار عليه المشرع الإماراتي الذي اعتبر كذلك أن أقل مدة يمكن الحكم بها على مرتكب الاتجار في البشر في الأحوال العادية في خمس سنوات[9].

فيما عاقب المشرع الجزائري مرتكب جريمة الاتجار بالبشر بعقوبة تتراوح بين ثلاث سنوات إلى عشر سنوات وبغرامة من 1000.000 إلى 20000.000[10].

أما المشرع المصري فقد عاقب في قانون مكافحة الاتجار بالبشر على هذه الجريمة بالسجن المشدد، وبغرامة لا تقل عن 50000 جنيه[11].

في حين يلاحظ بأن المشرع الفرنسي قد عاقب من خلال القانون الجنائي من يرتكب الاتجار بالبشر بالحبس لمدة سبع سنوات وبغرامة مائة وخمسين ألف يورو[12].

كما تشدد المشرع المغربي في الفصل 4-448 العقوبة على مرتكب الاتجار بالبشر وجعلها من 20 الى 30 سنة وغرامة من 200 الى 2000.000، إذا ارتكبت الجريمة ضد قاصر دون الثامنة عشر؛

كما شدد من العقوبة كذلك وجعلها من عشرين إلى ثلاثين سنة وغرامة من 1.000.000 إلى 6.000.000 درهم عن جريمة الاتجار بالبشر، إذا ارتكبت الجريمة بواسطة عصابة إجرامية أو في إطار عابر للحدود الوطنية خاصة إذا ارتكبت ضد مهاجر أو للاجئ في الفصل 5-448وترفع السجن المؤبد إذا ارتكبت الجريمة بواسطة التعذيب أو أعمال وحشية.

إضافة الى ذلك فقد نص المشرع الجنائي على عقاب المحاولة كالجريمة التامة في كل الجرائم الواردة في هذا القانون الفصل 11-448.

  • بالنسبة للشخص المعنوي:

فقد عاقب المشرع الجنائي الشخص الاعتباري بغرامة من 1.000.000 إلى 10.000.000 درهم، إذا ارتكب جريمة الاتجار بالبشر دون الإخلال بالعقوبات التي تطبق على الشخص الذاتي الذي يمثله أو يديره أو يعمل لحسابه.

علاوة على ذلك، يجب على المحكمة الحكم بحل الشخص الاعتباري وبالتدبيرين الوقائيين المنصوص عليهما في الفصل 62 من هذا القانون (المصادرة للأشياء التي لها علاقة بالجريمة مع اغلاق المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة).

ثانيا: العقاب في الجرائم ناتجة عن الاتجار

حيث عاقب المشرع الجنائي المغربي بعدة جرائم متعلقة بجريمة الاتجار بالبشر وهي كالاتي:

  • جريمة عدم التبليغ بارتكاب الاتجار بالبشر أو الشروع فيها مع العلم بذلك: حيث أقر بهذه العقوبة في الفصل 7-448 سنة على خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم مع إمكانية الإعفاء من هذه العقوبة إذا كان من امتنع عن التبليغ زوجا لمرتكب الجريمة أو كان من أحد أصوله أو فروعه
  • المنع من تقديم الشهادة او التبليغ نص الفصل 8-448 على عقوبة كل من استعمل العنف أو التهديد باستعماله أو وعد بمنفعة لمنع شخص من الإدلاء بشهادته أو تقديم أدلة، أو حرضه على الإدلاء بشهادة زور، أو على الامتناع عن تقديم أدلة، أو على تقديم إقرارات أو تصريحات أو أدلة غير صحيحة تتعلق بجريمة الاتجار بالبشر أمام أي سلطة مختصة، وفي أي مرحلة من مراحل التقاضي بشأنها، وجعل العقوبة هي سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم،
  • تعريض ضحايا الاتجار بالبشر أو الشاهد للخطر عمدا: حيث أكد في الفصل 9-448 هذه الجريمة وعاقب عليها ب سنة إلى خمس سنوات وغرامةمن5.000 إلى 50.000 درهم وذلك عن طريق الكشف عن هويته أو مكان إقامته أو عرقلة إجراءات الحماية المتخذة لفائدته
  • الاستفادة من خدمة او منفعة أو عمل يقدمه ضحية الاتجار بالبشر مع العلم بذلك فعاقب بالحبس من سنة على خمس سنوات وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم، حيث أعطى المشرع الجنائي خصوصية للطفل سواء المهاجر أو اللاجئ في هذه الجريمة حينما شدد من العقوبة فيها إذا كان ضحية الاتجار بالبشر قاصرا دون الثامنة عشر تضاعف العقوبة (الفصل 10-448).

ثالثا: استثناءات العقاب:

حيث جاء المشرع بمبررات الاعفاء من العقاب في حق الضحية

حيث نص الفصل 14-448 على انه لا يكون ضحية الاتجار بالبشر مسؤولا جنائيا أو مدنيا عن أي فعل قام به تحت التهديد متى ارتبط ذلك الفعل مباشرة بكونه شخصيا ضحية الاتجار بالبشر، إلا إذا ارتكب فعلا مجرما بمحض إرادته دون أن يتعرض لأي تهديد.

كما أن المشرع الجنائي عمل على إعفاء الجناة المبلغين عن الجريمة قبل تنفيذها من العقوبة الفصل 12-448 وذلك بغرض تشجيعهم على العدول الارادي الايجابي عن الجريمة.

رابعا: الخصوصية المسطرية للضحية الاتجار بالبشر

يشمل القانون إجراءات مسطرية وحمائية. تتمثل في تتميم أحكام القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية بالمادة 1-5-82، بما يضمن الحماية الفعلية لضحايا الاتجار بالبشر والشهود والخبراء والمبلغين فيما يخص الجرائم المرتبطة بالاتجار بالبشر.

كما أن المشرع قد عمل على تعريف ضحية الاتجار بالبشر من خلال الفصل 9-448 يقصد بضحية من ضحايا الاتجار بالبشر كل شخص ذاتي، مغربيا كان أو أجنبيا، ثبت تعرضه، لأي ضرر مادي أو معنوي ناتج مباشرة عن الاتجار بالبشر طبقا للتعريف المنصوص عليه في هذا القانون.

اقرت المادة 1-5-82 من قانون المسطرة الجنائية حماية اجرائيا خاصة للطفل ضحية الاتجار بالبشر حيث يجب في جميع مراحل البحث والتحقيق والمحاكمة، العمل فورا على التعرف على ضحية الجريمة وهويتها وجنسيتها وسنها

كما أقر المشرع في نفس القانون بتدبير هام بالنسبة للضحية حيث أعطى للسلطات القضائية المختصة امكانية منع المشتبه فيهم أو المهتمين من الاتصال أو الاقتراب من ضحية الاتجار بالبشر.

تسري أحكام الفقرتين الثانية والثالثة أعلاه على الشهود والخبراء والمبلغين في جريمة الاتجار بالبشر.

يمكن أيضا للسلطات القضائية المختصة الأمر بالترخيص للضحية الأجنبي بالبقاء بتراب المملكة على غاية انتهاء إجراءات المحاكمة مما يعطي للضحية خاصة إذا تعلق الامر بمهاجر او لاجئ فرصة لمتابعة المحاكمة

المادة 7-82

يمكن لوكيل الملك………………….أو غسل الأموال أو الاتجار بالبشر أو إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من هذا القانون………………..

(الباقي لا تغيير فيه).

إضافة الى ذلك فقد تم التنصيص في المادة الخامسة من القانون 27.14 على إعفاء الضحايا من الرسوم القضائية المرتبطة بالدعوى المدنية التي يرفعونها للمطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن هذه الجريمة.

إضافة الى ذلك يستفيد ضحايا الاتجار بالبشر أو ذوو حقوقهم من المساعدة القضائية بحكم القانون في كل دعوى، بما في ذلك الاستئناف، وتسري آثار مفعول المساعدة القضائية بحكم القانون على جميع إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية.

كما نص الفصل 13-448 علاوة على ذلك، على ضرورة الحكم بنشر المقرر القضائي الصادر بالإدانة أو تعليقه أو بثه عبر وسائل الاتصال السمعي البصري وفي ذلك انصاف للضحية ونوع من الردع العام للأخرين.

 

 

 

المبحث الثاني: الحماية المؤسساتية لضحية الاتجار بالبشر وفق قانون 27.14

لا يمكن الحديث عن حماية حقيقية لضحايا الاتجار بالبشر إلا من خلال العمل على رصد عملي يتجلى في مؤسسات قادرة على تفعيل بنود الحماية الخاصة بالضحية ، حيث إن مكافحة الاتجار بالبشر من الناحية المؤسساتية لابد لها من تضافر كل الجهود من أجل مواكبتها ، حيث جاء القانون رقم 24.17 بترتيب مسؤولية الدولة ( المطلب الأول ) في حماية ضحايا الاتجار بالبشر، إضافة الى اعتماد خاص لدور اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مسؤولية الدولة في توفير الحماية

يمكن رصد التجليات العملية في القانون رقم 24.17 والمتعلق بمسؤولية الدولة كطرف مهم في حماية ضحايا الاتجار بالبشر في مجموعة من المهام حيث نصت المادة الرابعة من القانون 27.14 على تدابير حمائية هامة تتجلى في:

  • توفير الحماية اللازمة لفائدة الضحايا
  • الرعاية الصحية
  • الدعم النفسي والاجتماعي
  • العمل على توفير أماكن لإيوائهم بصفة مؤقتة
  • تقديم المساعدة القانونية اللازمة لهم،
  • تسيير سبل اندماجهم في الحياة الاجتماعية
  • تيسير عودتهم الطوعية إلى بلدهم الاصلي أو بلد إقامتهم.

فمن خلال هذه المادة يتضح بأن المشرع حاول إعطاء امتياز لضحية الاتجار بالبشر بالنص على كل هذه التدابير المؤسساتية التي الزم الدولة على التكفل بها، لكن مع ذلك فهذه التدابير تبقى مجرد إجراءات على مستوى النص القانوني ليست بقريبة بالشكل المطلوب من الواقع على اعتبار أن الامر يفرض تنزيل على المستوى الواقعي بإحداث أماكن خاصة لهذه الرعاية الصحية والدعم النفسي وكذا أماكن الايواء المؤقتة التي لا يستفيد منه ضحايا  هذه الافعال الاجرامية ،وذلك راجع إما لعدم وجود هذه المؤسسات او لعجزها عن القيام بهذا الدور نظرا لضعفها البشري واللوجستيكي والمادي،  إضافة الى ذلك فالمساعدة القانونية التي ثم رصدها في هذه المادة  تعاني كذلك من إشكالات عملية كبيرة،

وبالتالي وكخلاصة لكل الأدوار التي تقوم بها المؤسسات الرسمية في المغرب من أجل المساهمة في مكافحة الاتجار بالبشر وحماية الضحايا، يلاحظ شبه غياب لأي دور حقيقي ممنهج عن طريق خطة مسبقة تهدف إلى الحد من الظاهرة، وهذا راجع لغياب ملامح واقعية لسياسة جنائية في هذا المجال، حيث إنه من الضروري إعادة النظر في آليات اشتغال هذه المؤسسات من خلال تخصيص قسط من عملها لمكافحة الاتجار بالبشر سواء من الناحية العلاجية أو الزجرية أو الوقائية وكل هذا رهين بالوعي التام بمخاطر جريمة الاتجار بالبشر

المطلب الثاني: دور اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر

تم التنصيص من خلال المادة السادسة من القانون 27.14 على إحداث لجنة وطنية لدى رئيس الحكومة تعنى بتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه، وتم اسنادها لرئاسة الحكومة نظرا لخطورة الجريمة، وكذا تفاديا للتشتت المؤسساتي وإعطاء هذه المؤسسة الوطنية المكلفة بالتنسيق بعد أقوى في اتخاذ القرارات. ويحدد تأليفها وكيفية سيرها بنص تنظيمي وفقا لأحكام المادة السابعة الذي حددت مسبقا مهامها.

حيث حددت المادة السابعة الاختصاصات التي يمكن اجمالها فيما يلي:

  • تقديم كل مقترح تراه مفيدا إلى الحكومة من أجل وضع سياسة عمومية وخطة عمل وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر ورصد مستجداته والوقاية منه وحماية ضحاياه، وتتبع وتقييم تنفيذها، وذلك بإشراك الجهات المعنية؛
  • اقتراح مختلف أشكال التنسيق والتعاون بين السلطات المختصة والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية، المعينة بمكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه؛
  • اقتراح كل التدابير اللازمة لدعم مشاريع جمعيات المجتمع المدني لحماية ومساعدة ضحايا الاتجار بالبشر والوقاية منه؛
  • إعداد قاعدة بيانات أو المساهمة في إعدادها لتجميع المعطيات والمعلومات المتعلقة بمنع ومكافحة الاتجار بالبشر؛
  • اعتماد برامج التربية والتكوين المستمر وبرامج التحسيس والتواصل في مجال مكافحة الاتجار بالبشر لفائدة جميع القطاعات والهيئات والجمعيات المعنية؛
  • اقتراح القيام بدراسات وأبحاث في مجال مكافحة الاتجار بالبشر ورفعها إلى السلطات والهيئات المعنية؛
  • اقتراح إعداد دلائل إرشادية في مجال مكافحة الاتجار بالبشر؛
  • إعداد تقرير وطني سنوي حول المجهودات المبذولة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه والعوائق والإكراهات المتعلقة بهذا المجال؛
  • رصد المظاهر الجديدة للإتجار بالبشر.

كما يمكن استشارة اللجنة بمناسبة إعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمكافحة الاتجار بالبشر.

كل هذه الاختصاصات المهمة جاءت فضفاضة وبدون أسس عملية تدعمها والأكثر من هذا فعمل هذه اللجنة الوطنية مازال الى حد الساعة لم يرى النور على المستوى العملي بعد تشكيل أعضاءها لهذا وجب العمل على تسريع وثيرة عمل هذه المؤسسة والذي يفترض  من خلالها في فلسفة المشرع حماية لضحايا الاتجار بالبشر والتخفيف من معاناتهم وتحمل الدولة لمسؤوليتها في شتى المجالات من أجل التوطئة لسياسة جنائية هادفة وبناءة تنطلق من التجريم والعقاب وتمر بحماية الضحايا لتصل للأهم والمنتظر من هذه السياسة وهو الخروج بسياسة وقائية تقينا من مخاطر هذه الجريمة  اللاإنسانية.

خاتمة:

خلاصة القول فجريمة الاتجار بالبشر تعد من أخطر الجرائم التي تهدد أمن وسلامة المجتمع الشيء الذي يتطلب ضرورة وجود سياسة جنائية فعالة ذات أهداف واضحة تعتمد على  أليات علمية منسجمة مع طبيعة الجريمة وخطورتها سواء من الناحية التشريعية أو المؤسساتية ،حيث يمكن القول بأن السياسة الجنائية المتعلقة بالإتجار بالبشر بالمغرب لازالت غير مكتملة على اعتبار أن هذه السياسة لا تعتمد على الاليات الممنهجة العلمية والعملية الكفيلة بتطبيق مضامينها وبالتالي فلا يمكن الحسم في وجود سياسة جنائية خاصة بالبشر بمفهومها الدقيق فالأمر لا يعدو أن يكون فقط مجرد ملامح لهذه السياسة  مازالت تحتاج الى الوسائل القادرة على تفعيلها ،لأن مكافحة الاتجار بالبشر تتطلب وجود نوع خاص من الاليات التشريعية والمؤسساتية وذلك بالنظر الى خصوصية الجريمة لأن محور الاتجار بالبشر هو جعل الانسان كسلعة تباع وتشترى أضف الى ذلك أن اغلب صورها ترتكب من طرف عصابات إجرامية منظمة وقد تكون عابرة للحدود الوطنية كل هذا يجعل من المكافحة مسألة غاية في الأهمية ووجب الاعداد لها وتجنيدها بكل الوسائل سواء التشريعية او المؤسساتية.

كل هذا يستدعي إعادة ترتيب قواعد السياسة الجنائية الخاصة بالإتجار في البشر بشكل يتوافق مع كل المبادئ ذات البعد الحمائي وينسجم كذلك مع كل ما التزم به المغرب دوليا في هذا المجال.

 

 

[1]– عادل حسن علي، “الاتجار بالبشر بين التجريم وآليات المواجهة”، جامعة نايف للعلوم الأمنية، ط.1، الرياض، 2012، ص. 57.

[2]– تم التوقيع عليها في 13 دجنبر 2000 والمصادقة عليها بتاريخ 19 شتنبر 2002.

[3]– تمت المصادقة عليه في مجلس وزاري في 7 ماي 2009، واستكملت إجراءات الانضمام إليه بتاريخ 25 أبريل 2011.

[4]– تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان حول مشروع قانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، م.س، ص. 3.

[5]– أحمد فتحي سرور، م.س، ص. 18.

[6] – المادة 1-4-225 من القانون الفرنسي رم 711-2013 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر المعدل والمتمم للقانون الجنائي الفرنسي.

[7]– م.1 من الاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة الرقيق الأبيض بباريس لسنة 1910 المعدلة برتوكول 1947.

[8]– ف448.2 من ق.ج.م.

[9]– م 2 من القانون الاتحادي الإماراتي الخاص بالاتجار بالبشر.

[10]– في المادة 303 مكرر 04 من القانون رقم 09/01.

[11]–  المادة 3 من قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 24 لسنة 2010.

[12]– الفقرة الثانية من المادة (225/104) من القانون الجنائي الفرنسي المعدلة بقانون رقم (2003-239) الصادر في 18 مارس 2003.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى