قراءة في المادة 30 من مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية
من إعداد الطالب الباحث: رضوان هلالي
قراءة في المادة 30 من مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية
تنزيلا لمقتضيات الفصل الخامس من دستور صيف 2011 أخرج المشرع إلى الوجود مند الثالث من غشت 2016 مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية الذي لا يزال قابعا إلى الآن داخل قبة البرلمان منذ أن أحيل إليه بتاريخ 30 شتنبر 2016.
وقد وضع مهندسي التشريع في هذا المشروع مراحل لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكذا كيفية إدماجها في كافة مجالات الحياة العامة ذات الأولوية كالتعليم (الباب الأول)، والتشريع والعمل البرلماني (الباب الثاني) وفي مجال الإدارات العمومية وفي مجال الإعلام و الإبداع الفني والأدبي وغيرها… إلا أن الذي يهمنا في هذا المقام هو مقتضى إدماج اللغة الأمازيغية في مجال القضاء؛ خاصة وأن الهاجس الذي جعلنا نركز على هذا المعطى بالضبط هو تحقيق الأمن القانوني والقضائي للناطقين بالأمازيغية أتناء طرقهم باب المحكمة خاصة وأنه أصبحنا نتحدث حتى عن لغة المتقاضي كوجه من أوجه تحقيق ضمانات المحاكمة العادلة، فهل استطاع المشرع إذن مراعاة هذا المعطى في المشروع أم لا؟ وهل من خلال الأخذ بما جاء به مشروع القانون التنظيمي في مجال إدماج اللغة الأمازيغية في القضاء سيجعلها فعليا ذات يوم لغة للتقاضي؟ وإلى أي حد تتلاءم المقتضيات التي جاء بها المشروع في هذا الصدد مع الدستور؟
بادئ ذي بدء نشير إلى أن المشرع في ضل المشروع (26.16) خصص لإدماج اللغة الأمازيغية في القضاء مادة واحدة وهي المادة 30 في الباب الثامن منه؛ والتي جاء فيها “تكفل الدولة للمتقاضين للناطقين بالأمازيغية بناء على طلبهم، الحق في استعمال اللغة الأمازيغية خلال إجراءات التحقيق أو للترافع أو لتقديم شهادة أمام المحكمة، وكذا بالنسبة لمختلف إجراءات التبليغ.
تؤمن الدولة لهذه الغاية خدمة الترجمة دون مصاريف بالنسبة للمتقاضين.
يحق للمتقاضين بطلب منهم سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية.
ومن أجل ذلك تحرص الدولة على تأهيل القضاة وموظفي المحاكم المعنيين باستعمال اللغة الأمازيغية”
والقارئ لهذه المادة سيتضح له أنها صيغت بنوع من الغموض، لأنها أبدا لا تتحدث عن لغة لها طابع الرسمية خاصة وأن اللغة الرسمية كما هو متعارف عليها تعني، في خاصيتها الأساسية، اللغة الموحدة للدولة، أي اللغة التي تشتغل بها، وبشكل موحد، مؤسسات هذه الدولة، وما معنى أن تشتغل مؤسسات الدولة بهذه اللغة أو تلك؟ معناه أن الموظفين والمسؤولين العموميين، الممثلين للدولة ولمؤسساتها، يستعملون هذه اللغة في قراءة وتحرير وإنتاج الوثائق الرسمية، وفي خطاباتهم وتصريحاتهم الشفوية ذات الصبغة العمومية، أي التي يتحدثون فيها باسم الدولة ومؤسساتها.
لدى فإن ذاك الغموض سيظهر جليا من خلال مقارنتنا التعريف المومأ إليه بما جاءت به المادة30 من المشروع؛ وذلك ما سنحاول توضيحه من خلال تحليل مضمون هذه المادة.
جاء في الفقرة الأولى من هذه المادة “تكفل الدولة للمتقاضين الناطقين بالأمازيغية بناء على طلبهم، الحق في استعمال اللغة الأمازيغية خلال إجراءات التحقيق أو للترافع أو لتقديم شهادة أمام المحكمة، وكذا بالنسبة لمختلف إجراءات التبليغ.“ الملاحظ من هذه الفقرة أن المشرع جعل التقاضي باللغة الأمازيغية حقا للناطقين بها فقط وبناء على طلبهم؛ ويستوقفنا هذا المعطى للتأكيد على أنه لما يعطى لفئة ما الحق في استعمال اللغة الامازغية أمام القضاء رغم أنها رسمية فإن ذلك يعني من جهة غياب إلزامية استعمالها في هذا المرفق؛ ويعني من جهة ثانية وجود لغة أخرى هي الأصل، وهذا ما فيه ضرب صارخ في رسمية اللغة الأمازيغية التي نص عليها الدستور، هذا إلا إذا كان لمشرعنا اللبيب مفهوم آخر لمعنى اللغة الرسمية غير الذي ذكرناه.
ونفس الشيء في الفقرة الثالثة من ذات المادة التي جاء فيها “يحق للمتقاضين بطلب منهم سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية.” وإذا ما قارنا هذا المعطى الذي جاءت به هذه الفقرة مع التعريف الذي أعطيناه أنفا لمفهوم اللغة الرسمية فإننا سنخلص إلى نتيجة مفادها أنه ليس هناك أي ترسيم خارج عما هو شفوي، وذلك من خلال سماع نطق الحكم في المحكمة باللغة الأمازيغية فقط دون إلزام المحكمة بذالك لأن المشرع مرة أخرى جعله فقط حقا لمن أراد ذالك من خلال قوله “ يحق للمتقاضين…”، وإن تساءلنا جدلا عن تحرير هذا الحكم باللغة الأمازيغية ما دام أنها أصبحت لغة رسمية للبلاد ؟ فإن المشرع سيجيبنا في مشروع القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة في مادته 14 التي تقول “تظل اللغة العربية لغة التقاضي والمرافعات وصياغة الأحكام القضائية أمام المحاكم، مع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية طبقا لأحكام الفصل 5 من الدستور.
مع مراعاة مقتضيات الفقرة الأولى أعاله، يجب تقديم الوثائق والمستندات للمحكمة باللغة العربية أو مصحوبة بترجمتها لهذه اللغة مصادق على صحتها من قبل ترجمان محلف، كما يحق للمحكمة ولأطراف النزاع أو الشهود الاستعانة أثناء الجلسات بترجمان محلف تعينه المحكمة أو تكلف شخصا بالترجمة بعد أن يؤدي اليمين أمامها”
لهذا فإن المشرع من خلال صياغته لهذه المادة وتلك؛ يمنع بشكل أو بآخر اللغة الأمازغية من أن تكون لغة رسمية حقيقية تستعمل بشكل كتابي وموحد في المحاكم المغربية؛ رغم أنها كذلك في المادة الخامسة من الدستور، مما يؤكد مرة أخرى الخرق الواضح لرسمية اللغة الأمازغية وبذلك الضرب في صميم النص الدستوري الذي اعتبرها إلى جانب اللغة العربية لغتين رسميتين للبلاد.
لدى فالمشرع كان عليه تجاوزا لهذا الارتباك التنصيص على أن اللغة الأمازغية تعتمد بوتيرة تدريجية في مختلف إجراءات التقاضي والمرافعات وصياغة الأحكام والقرارات القضائية نطقا و تحريرا (الكتابة)، وهو ما يشترط من طبيعة الحال تكوين القضاة والمحامون وكتاب الضبط والأعوان القضائيين وغيرهم من الجهات المتدخلة في إجراءات الخصومة القضائية؛ تكوينا قانونيا باللغة الأمازيغية الشيء الذي يفترض أن الأمازيغية ستكون لغة لتدريس القانون بكليات الحقوق، مثلها مثل العربية، وهذا يتطلب مدة قد تفوق حتى عشر سنوات التي حددها المشروع في المادة 31، ولهذا فإن القول باستعمال الأمازيغية في المحاكم المغربية مثلها مثل العربية منذ الآن، ولا حتى في أجل أقصاه10 أو 15 سنة أبدا لا يستقيم، بل لا بد من تهيئتها لذلك عبر تعميم تدريسها الإجباري والجدي لجميع المغاربة، وبجميع أسلاك التعليم، حتى يكون المتخرجون، بعد عشرين سنة مثلا أو أكثر، متمكنين من الاستعمال الكتابي الموحد لهذه اللغة، حتى تُستخدم مستقبلا وتدريجيا في القضاء والإدارة ومختلف مؤسسات الدولة، كلغة كتابية وموحدة، وهذا ما كان على المشروع أن يوضحه ويحدد كيفياته ومراحله وإجراءات إنجازه.
نافلة القول نجد أيضا أن الفقرة الثانية من ذات المادة دائما (30) التي جاء فيها “تؤمن الدولة لهذه الغاية خدمة الترجمة دون مصاريف بالنسبة للمتقاضين” وكذا المادة 14 من مشروع التنظيم القضائي؛ المومأ إليها أعلاه جاءتا بمقتضى يضرب جملة وتفصيلا في رسمية اللغة الأمازيغية التي أكدها الفصل الخامس من الدستور لما أجاز المشرع الترجمة أمام القضاء لغير الناطقين باللغة العربية؛ لأن هذا يعني دون أي غموض أن اللغة الأمازغية ليس لها أي صفة رسمية إن نحن أخدنا بحرفية المادتين؛ فاللغة الرسمية كما قلنا سالفا وكما هو معروف هي لغة الدولة التي يستعملها مسؤوليها وموظفيها، لدى فالقول بالترجمة من وإلى الأمازغية أمام القضاء لا ينفي عنها فقط صفة الرسمية بل يتعامل معها كلغة أجنبية يستفيد مستعمليها بخدمة الترجمة من اللغة الرسمية إلى لغتهم الأجنبية،
بالإضافة إلى ما سبق فإنه لما نقارن مضمون المادة 30 التي هي موضوع تحليلنا مع المادة 14 من مشروع التنظيم القضائي التي أشرنا إليها أيضا أعلاه ؛ سيظهر لنا وبكل سهولة ويسر أن المشرع يتعامل مع لغة بنوع من الإلزامية دون الأخرى (إذ نجده يستعمل من جانب اللغة العربية في المادة 14 من مشروع القانون 38.15 ألفاظ من قبيل تظل و يجب) في حين نجد تعامله مع اللغة الأمازيغية جاء فيه نوع من الاختيارية والدليل على ذلك جعل استعمالها أمام القضاء كما فصلنا أعلاه حقا لمن أراد وبناء على طلب. وهذا إن ذل على شيء فإنه يدل على اللا تطابق الواضح بين منطوق هاتين المادتين وفحوى المادة الخامسة من الدستور الذي ساوى بين اللغتين كلغتين رسميتين للبلاد.
عموما في ختام هذا التحليل المتواضع الذي حاولنا فيه إبراز أوجه النقص الذي يعتري المادة 30 من مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16 موضوع التحليل توصلنا إلى نتيجة مفادها التعارض الواضح بين هذه المادة و النص الدستوري وربما السبب في ذلك هو الفهم الخاطئ من واضعي المشروع لمعنى اللغة الرسمية، الشيء الذي سيؤثر سلبا ولن يجعل اللغة الأمازغية أبدا لغة للتقاضي أمام القضاء إن بقيت هذه المادة على حالها و لم يتم تعديلها من خلال المسار التشريعي الذي لا زال ينتظرها، وعليه فإن المحكمة الدستورية لما لها من سلطة في مراقبة القوانين التنظيمية ومدى تطابقها مع الدستور لما يحال عليها المشروع أعلاه عليها التصدي للعديد من المقتضيات التي يعج بها والتي من بينها المادة 30 كما فصلنا فيها أعلاه؛ خاصة وأنها تتناقض في جميع فقراتها مع منطوق المادة الخامسة من الدستور.
ولا يجب أن ننسى أنه على مشرعنا اللبيب أيضا إعادة النظر في الصياغة التي صيغت بها المادة 14 من مشروع القانون القضائي للمملكة قبل المصادقة النهائية عليه، لأنه إن كان الهاجس من وراء تعديل هذا القانون أصلا هو تنزيل التوصيات التي جاءت بها الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة من أجل تحقيق مزيدا من ضمانات المحاكمة العادلة فإن من أوجه هذه العدالة أيضا لغة المتقاضي. خاصة وأن الهيئة أكدت على ذلك في التوصيتين 133 و 134 من الميثاق.