في الواجهةمقالات قانونية

مالية الجهات في أفق ترسيخ الجهوية المتقدمة   – الباحث : صلاح الدين أزيان

مالية الجهات في أفق ترسيخ الجهوية المتقدمة  

الباحث : صلاح الدين أزيان 

مقدمة:

إن الإنسان كائن اجتماعي حيث لا تكتمل ماهية الفرد إلا ضمن الجماعة, حيث لا يستطيع الأخير وحده أن يلبي حاجياته المادية و البيولوجية من أجل استمرار وجوده في وجه قوى الطبيعة. و بإطلالة سريعة على الأنثروبولوجيا نجد أن الإنسان في جميع أنحاء المعمورة مند ظهوره لم يكن يوما وحيدا بل ظلت الجماعة تحتوي الفرد و الفرد يحتويها, و هذا التداخل و الاحتكاك بين الفرد و الجماعة هو ما أفرز “الثقافة” باعتبارها مجموعة من الاعتقادات و الممارسات و السلوكيات التي تؤطر جماعة إنسانية ما. و قد ذهب أبرز الانثربولوجيين “كلود ليفي شتراوس” بعد مسار طويل و حفيل بالدراسات الأنثربولوجية و السوسيولوجية[1] في أجزاء مهمة من العالم وبأمريكا اللاتينية بشكل خاص الى استخلاصه أن الثقافة طبيعة ثانية. علاوة على ذلك فإن كون الانسان كائن عاقل لا يخضع فقط للغرائز الحيوانية و انما يميزه عقل عن باقي الكائنات قد أعطاه ذلك خاصية الإنتاج الثقافي و التحكم في الطبيعة بطابعها الفوضوي.

كما هو الشأن بالنسبة للمجتمعات, قد مر المجتمع المغربي من مجموعة من المراحل الاجتماعية و السياسية و الثقافية خلال تطوره, شأنه شأن جل المجتمعات التي يجمعه معها سياق جغرافي أو ثقافي مشابه, إذ أن أول تنظيماته السوسيولوجية ابتدأت بمرحلة بدائية عرفت شكل “العشيرة”­؛ و تتكون من مجموعة من  الأفراد تجمعهم علاقة قرابة و ينحدرون عادة من نفس الجد, وقد كان هذا التنظيم الطريقة التي عاش ضمنها المجتمع المغربي قرون طويلة إلى جانب “القبيلة”[2]؛ و هي تنظيم سوسيولوجي يتكون من عشيرتين أو أكثر, تعيش ضمن مجموعة واحدة يترأسها عادة الأكبر سنا و يملك أكبر مساحة من الأرض و من الأولاد الذكور, و تنظم القبيلة نفسها بالأعراف و احترامها, و يجتمع مجلس القبيلة خلال الفترات الحرجة من أجل اتخاذ التدابير و الإجراءات اللازمة لتدبير مرحلة ما.

في هذا السياق السوسيولوجي كان المغرب قبل حدث الاستعمار منقسما إلى جزئين :

بلاد المخزن: هي المناطق المغربية التي كانت خاضعة لسيطرة مؤسسة المخزن (الباشوات, القياد, الشيوخ, الأعيان, القضاة…), حيث كانت القبائل التي تندرج ضمن نفوذ المخزن بتأدية الجبايات و التحالف معه ضد القبائل المتمردة التي كانت تعبر عن تمردها بشكل مستمر.

بلاد السيبة: هي المناطق المغربية التي كانت غير خاضعة لحكم المخزن حيث ظلت مستقلة من الناحية السياسية و الاقتصادية عبر اعتمادها على التدبير الذاتي لمواردها و الفصل الذاتي في نزاعاتها القانونية عن طريق أعرافها المحلية, كما أن هذه المناطق كانت تتحالف فيما بينها ضد المخزن و القبائل الموالية له,غير أن حدث الإستعمار قام بقلب موازين اللعبة.

بعد صراع طويل الأمد بين القوات الفرنسية و الاسبانية و القبائل المغربية امتد من سنة 1912 إلى سنة 1934م تمكنت القوات الاستعمارية من إرساء قاعدتها الإدارية و السياسة في جل المناطق المتفق عليها بموجب مؤتمر الجزيرة الخضراء 7 أبريل 1906 التي قسمت المغرب إلى ثلاث مناطق :

مناطق نفوذ فرنسية, الأقاليم الشمالية و الجنوبية بالمملكة للإسبان, طنجة منطقة دولية .

و بالحديث عن النظام الإداري الذي اعتمده المغرب بعد الحماية فالمركزية الإدارية كآلية لتنظيم تراب المملكة عن طريق تركيز السلط في مركز قرار واحد و الذي يمكن أن يفوض جزئا من هذه السلم الى أعوانه عن طريق ما يسمى باللاتمركز الإداري .(la déconcentration administrative)و تتم هذه العملية داخل المنظومة الإدارية نفسها حيث تتم عبر عملية تسلسل السلطة  pouvoir hiérarchiqueالذي يقوم أساسا على مبدأ التعيين[3]. لقد كانت المركزية الإدارية بشكلها الكلاسيكي النمودج القائم آنذاك نتيجة للتوتر و الصراع السياسي و الاقتصادي الذي كان يطغى على المرحلة, حيث أن الصراع بين النخبة السياسية و بين الدولة و المجتمع و الدولة ومنه فإن اعتماد الدولة للمركزية كأسلوب لتركيز السلطة و التفرد بها كان حتميا, أولا لتجاوز المرحلة بأقل أضرار ممكنة و ثانيا لاستمرار البنية السياسية التي ينفرد بها المغرب هذا من جهة, أما من جهة أخرى فإن ضعف التجربة الإدارية المغربية و كون الأخير دولة لازالت تعاني من الآثار الوخيمة التي خلفها الحدث الإستعماري من الناحية السياسية و الاقتصادية و الإدارية فقد كانت الأولوية لأمور أخرى (الوحدة الترابية, المناورات على الأقاليم الجنوبية, استرجاع المؤسسات الاقتصادية كOCP,ONCF,ONE…), علاوة على ذلك صعوبة تنزيل نموذج إداري عصري نظرا للتركيبة الترابية و الإدارية.

إلى أن حجم التحديات و الرهانات كانت أكبر من ذلك بكثير,بحيث سرعان ما أبانت الإدارة المركزية عجزها في مواكبة متطلبات التنمية و الحاجيات الاجتماعية التي طرحها الواقع الاقتصادي و السياسي و الثقافي و الاجتماعي. إذ أن نظام المركزية الإدارية أنتج مجموعة من الأعطاب باعتباره أسلوب تنظيم إداري اعتمده المغرب غداة استقلاله على غرار الدول حديثة الاستقلال,إذ أن تفرد المركز بالسلطة و القرار دون إشراك الهيئات المنتخبة قد انعكس سلبا على مستوى الإدارة المركزية و مردوديتها و هو ما يتعارض و متطلبات التنمية,كما أن الظرفية السياسية الخارجية و الداخلية أجبرت المغرب على تبني مسار جديد لايسعه إلا أن يكون مسارا ديموقراطيا.

لقد أدى تطور وظائف الدولة و تدخلها في كافة الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية للمجتمع إلى انعكاس ذلك بشكل مباشر على مهام و أدوار الإدارة باعتبارها امتداد للدولة بدوريها الرئيسيين سواء تعلق الأمر بالضبط الإداري أو الخدمات المرفقية التي تسهر الإدارة على القيام بها من أجل تلبية الحاجات العامة و حفظ النظام العام و بالتالي تحقيق المصلحة العامة. إلى أن تطور هذه قد دفع الدولة المغربية إلى تبني أسلوب جديد بديل يمكنها من تفعيل رؤيتها التنموية هو ما يصطلح عليه “اللامركزية الإدارية” باعتبارها ذلك الأسلوب الإداري الذي يسعى الى تعدد مراكز القرار و ذلك بتقاسم السلطة مع المنتخبين كي تغدو العلاقة بينهم و بين السلطة المركزية مبنية على المراقبة و التقييم و ليس على احتكار السلطة و يعتبر مبدأ الانتخاب هو أساس هذه التركيبة.

يمكن الإستنتاج عبر تحليل دساتير 1962 /1970 /1972 /1992 /1996 , أن الدولة باتت تربطها علاقة حديثة بالجماعات الترابية سواء في شقها الديموقراطي أو شقها التنموي, علاقة أنتجت اللامركزية[4] المؤسساتية التي تقوم على تقاسم السلط بين الفاعلين المحليين و المركز. و ذلك عبر إنشاء إطار قانوني يخول للجماعات مجموعة من الإختصاصات الواسعة في تدبير الشأن المحلي, التي تتمثل في السلطات التي بات يتمتع بها رؤساء المجالس و كما تم تحويل مجموعة من الصلاحيات في ما يتعلق بالجانب الجبائي و المالي الذي يخص ذمة الجماعات و هذا ما سنقف عنده بالتفصيل (المبحث الأول/”الإطار التاريخي” نشأة و تطور الجهوية المتقدمة). إذن نحن أمام مفهوم جديد للسلطة يقوم على الديموقراطية التشاركية و إشراك الهيئات المنتخبة في تدبير الشأن المحلي و تسييره عن بطريقة ديموقراطية, و لعل هنا يكمن مربط الفرس بعدما كانت الغاية من اللامركزية يطبعها طابع سياسي محض, أصبح الرهان عليها اقتصاديا و تنمويا بالدرجة الأولى وهو الأمر الذي سيرسخه دستور 2011 صراحة في الفصل 1 و الباب التاسع و الباب الثاني عشر .

إن اعتماد اللامركزية كآلية حديثة في تدبير المملكة لمجالها الترابي طبعته مجموعة من المشاكل التي وقفت عائقا بينه و بين المسار المراد نهجه, حيث سرعان ما أبانت الجماعات الترابية عن تلة من الإختلالات و اللاتوازن فيما بينها لا سواء داخل العمالة و الإقليم و الجماعة بالجهة أو على مستوى الجهات فيما بينها, أولا نظرا لتباين الموارد بين الجهات و مصادر تمويلها, ثانيا النفقات التي تتطلبها الجهات, ثالثا كون بعض الجهات لم تحظى بنفس الاهتمام من لدن الدولة على جهات الأخرى و يدخل هنا الجانب الإستراتيجي الذي تلعبه كل جهة على حدة, رابعا دور اللامركزية في تسريع وتيرة لملمة وحدتنا الترابية بالموازاة مع قضية الصحراء المغربية المفتعلة.

  • أولا : أهمية الموضوع

إن المغرب اليوم يخوض تحديا حاسما في قدرته على ترسيخ  الجهوية المتقدمة لاسيما بعدما بوأ دستور 2011 في فقرة الثانية من  الفصل 143 للجهة مكانة الصدارة فيما يتعلق بإعداد و تتبع البرامج الجهوية. الى أن هذه الغاية تعترض بلوغها مجموعة من العوائق و لعل من بين أهمها العائق المالي كونه يلعب الدور الأساسي في مبدأ التدبير الحر باعتباره من بين أهم المبادئ الذي يجب أن يكرسها التنطيم الترابي للملكة عبر مؤسسات الدولة. و من يبدأ التساؤل حول ما مدى قدرة مغرب اليوم على بلوغ و ترسيخ جهوية متقدمة و فق التصور الذي وضع لها.

و تجدر الإشارة إلى أن المشاكل المالية التي تعاني منها الجهات من أبرز المعيقات في سبيل نموها, حيث أن اختلال التوازن المالي بين مجموع الإرادات التي تحصلها الجهة من الرسوم الجبائية الرسمية و الشبه رسمية لا تكفيها وحدها لسد مجموع النفقات الموكول لها إشباعها و بالتالي عادة ما تلجؤ الجهة إلى المركز من أجل الإمدادات العمومية تارة و من أجل القروض تارة أخرى و هو الأمر الذي يتعارض مع ورش الجهوية المتقدمة.

و تأسيسا على ماسبق فإن الحديث عن جهوية متقدمة هو بالضرورة حديث عن مبدأ التدبير الحر و مبدأ التفريع.  أولا كون الجهوية المتقدمة كما سنرى فيما بعد أنها لايمكنها أن تعطي أكلها إلا ضمن نطاق استقلال الجهة في تدبير شؤونها المحلية هذا من جهة.

و في إطار الحديث عن الإستقلال الذاتي للجهات و بالتالي استقلال ممثليها, لابد أن نطرح نتسائل حول إمكانية و كفاءة النخب المنتخبة الممثلة للجهات و قدرتها على تصميم سياسات عمومية ناجعة و فعالة و متعالية عن السياسات العمومية الفاشلة التي لا طالما طبعت و لا زالت تطبع مجالس الجماعات الترابية.

و مما لاشك فيه أن مسألة الوحدة الترابية و لاسيما في أٌقاليمنا الجنوبية مرتبطة أشد الإرتباط بالجهوية المتقدمة نظرا لكون هذه الأخيرة بمثابة الآلية التي ستفعل عن طريقها الممارسة الديموقراطية بشكلها المعاصر كما هو متعارف عليه دوليا.

بناء على ما سبق ارتأينا تسليط الضوء على هذا الموضوع كذلك لقلة الدراسات و الكتابات فيه, رغم اتسامه بالراهنية و الآنية.

  • ثانيا: إشكالية البحث

­­   يمكن القول أن الجهوية المتقدمة هي نتيجة مجموعة من التراكمات التي نتجت عن علاقة الدولة بالجماعات الترابية, لاسيما بعد الإخفاقات العميقة للجماعات الترابية في إعداد السياسات العمومية و تفعيلها ,علاوة على ذلك إن الهيكلة الإدارية و الترابية و الاقتصادية مقترنة بنجاعة ورش الجهوية المتقدمة. كما أن مسار الديموقراطية المحلية و كامتداد للديموقراطية بشكل عام يعد هو الآخر رهين بالجهوية المتقدمة و بمكانة الجهة أمام السلطة المركزية و أمام الجماعات الترابية الأخرى, و بالتالي العلاقة بين جهات و ذمتها المالية. أخذا بكل هذه المعطيات و رغبة في مقاربة الموضوع من زاوية إدارية و مالية محضة سنصوغ الإشكالية التالية :

ماهي أفق ترسيخ الجهوية المتقدمة على بالنظر إلى الموارد المالية المتاحة للجهات ؟ و ما طبيعة مساهمة مبدأ التدبير الحر و مبدأ التفريع في بلوغ هذه الغاية ؟

لتتفرع عن الإشكال المركزي مجموعة من الإشكالات الثانوية نريدها فيما يلي :

  1. ما هي الجهوية المتقدمة ؟ و كيف نشأ و تطور هذا المفهوم عبر التاريخ ؟
  2. كيف يمكن أن يساهم اختلال التوازن المالي بين إيرادات و نفقات الجهات في عرقلة ترسيخ الجهوية المتقدمة ؟
  3. كيف يؤدي عدم التساوي في موارد الجهات إلى تعميق الفوارق الاقتصادية ؟ و ما النتائج الاقتصادية و السياسية التي تنتج عن ذلك ؟
  4. إلى أي حد يمكن أن يساهم الإستقلال المالي و الإداري للجهة فضلا عن مبدأ التدبير الحر في إقرار سلطة التداول و بالتالي تفعيل ورش الجهوية المتقدمة ؟

 

الفصل الأول :

الإطارين المفاهيمي و التاريخي للجهوية المتقدمة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول : الإطار المفاهيمي للجهوية المتقدمة

لقد بات مصطلح الجهوية المتقدمة لا سيما بعد دستور 2011  موضوعا مثارا بشدة داخل الأوساط الأكاديمية و كذا الأوساط السياسية, و ما يلاحظ أن هذا الأخير لازال يتسم بالكثير من الضبابية و الغموض خصوصا من الناحية القانونية, إذ عادة ما يستعمل مفهوم الجهوية الموسعة للتعبير عن الجهوية المتقدمة دون ملاحظة الفرق بين المفهومين, كون الجهوية الموسعة تجربة إدارية و سياسية خاصة بالدول الأوروبية ( فرنسا, إسبانيا, إيطاليا…) كما سنرى فيما بعد و اعتبارا لذلك فلها خصوصيتها التاريخية و السياسية و المجتمعية و الاقتصادية و هذا ما يضفي عليها الطابع الخاص و المميز كتجربة بدأت و لازالت بصدد الترسيخ داخل السياق الأوروبي بمكانيزماته المتعددة. إضافة إلى ذلك فالجهوية الموسعة ليس لها أي سند قانوني أو مرجعية قانونية في الترسانة القانونية المغربية و منه فالعلوم القانونية غير معنية بهذا المفهوم اللهم في الجانب المقارانتي. و لعل هذا الأمر شكل دافعا أساسيا للقيام ببعض التوضيحات في هذا الباب, و منه سنحاول التطرق للحقل المفاهيمي للجهوية المتقدمة انطلاقا من أساسها الدستوري و القانوني.

المطلب الأول : التعريف اللغوي للجهوية المتقدمة

الفقرة الأولى: الجهة و الجهوية

إن مفهوم الجهوية La régionalisation منشق لغويا من الجهة La région المشتقة من الكلمة اللاتينية[5]regio و التي تعني نطاق جغرافي معين من الأرض. ونقول توجه جهة المنصة أي انطلق إليها, وهي الجانب و الناحية[6]  بحيث هناك جهة صحراوية و أخرى جليدية و أخرى غابوية…, و هي مصطلح لا ينحصر استعماله في حقل علمي معين بل يمتد استعماله إلى حقول علمية متعددة منها ؛ الجغرافيا, الهندسة, علم السياسة, الفلك, القانون, الاقتصاد…, و تعني الجهة ذلك الفضاء أو المجال على سطح الأرض الذي يتميز بخصوصيات معينة تجعله منفردا عن باقي المناطق الأخرى, و منه يمكن القول أن الجهة هي المنطقة أو المجال .

و اصطلاحا إن الجهة هي منطقة أوسع من المجال بحيث تتمتع بمجموعة من الخصائص الطبيعية و الاقتصادية و الثقافية, و بالتالي فمفهوم الجهة بالمغرب يكتسي تلة من المظاهر التي تجعله يعتمدها معيار للتقسيم الإداري و الثقافي بالموازاة مع ما هو اقتصادي, و الجهوية La regionalisation  هي النزعة الجهوية و الإقليمية تهم مجموعة سكنية متماسكة تسعى إلى تحقيق الإستقلال الاقتصادي أو السياسي أو هما معا, إطار التسيير الذاتي الإداري une autonomie administrative. و بالتالي يمكن القول أن الجهوية هي نسق يتكون من تكتل ترابي و اقتصادي و سياسي و ثقافي يملك تلة من الخصائص المنفردة و المتميزة تدفعه الى الرغبة في التسيير باستقلالية عن السلطة المركزية.

الفقرة الثانية: المتقدمة

إن الصيغة التي جاءت بها المصطلح ( المتقدمة ( Avancéeهي صيغة اسم مفعول من فعل تقدم و بالتالي وصفية أي شكل هذه الجهوية و نقول شعب متقدم أي شعب متطور و هو عكس المتأخر و نقول أفكاراً متأخرة أي متخلفة عن مسار و ركب الحضارة. و بالتالي فالمتقدم هو الراقي و الذي قطع أشواطا على مستوى تاريخه و المتأخر هو الذي لازال خارج عجلة التاريخ .

مع ازدهار العلوم السياسية و الاقتصاد بعد الحرب الكونية الثانية أصبح مصطلح التقدم نعتا للإدارات و السياسات و المنظومات الاقتصادية التي قطعت أشواطا على مستوى التنمية, و تأسيسا على ذلك فإن التقدم مرادف للنجاح , و المتقدم هو الناجح. و لقد وردت استعملها دستور 2011 المغربي ” الجهوية المتقدمة ” كوصف لطبيعة الورش الذي تحتل فيه الجهات مكانة الصدارة و الذي يسعى هذا الأخير لتفعيله و ترسيخه.

المطلب الثاني : التعريف القانوني للجهات و للجهوية المتقدمة

الفقرة الأولى: التعريف القانوني للجهات

إن الجهة جماعة ترابية خاضعة للقانون العام, تتمتع بالشخصية الإعتبارية و الإستقلال الإداري  والمالي, و تشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للملكة, باعتباره تنظيما لا مركزيا يقوم على الجهوية المتقدمة. و يرتكز تدبير الجهة لشؤونها على مبدأ التدبير الحر الذي يخول لها سلطة التداول بكيفية ديموقراطية و سلطة مداولتها و مقرراتها طبقا لأحكام القانون التنظيمي للجهات 111.14 .

و تتبوأ الجهة مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى في عمليات إعداد برامج التنمية الجهوية و التصاميم الجهوية لإعداد التراب و تنفيذها و تتبعها, مع مراعاة الإختصاصات الذاتية للجماعات الترابية الأخرى, و يتعين على السلطات العمومية المعنية مراعاة مكانة الصدارة التي تتبوؤها الجهات.

و بصرف النظر على على الأدوار المنوطة بالجهة يمكن الإستخلاص أنها بمثابة الواصل بين العمالات و الأقاليم و الجماعات المحلية و بين الدولة, حيث أن قاطرة التنمية و الديموقراطية لا يمكن أن تستهل طريقها إلا عبر الجهات , و ذلك وفق احترام مجموعة من المبادئ ( مبدأ التدبير الحر, مبدأ التفريع, مبدأي التعاون و التضامن ) و سنخصص لكل مبدأ فيما بعد حيزا من التفسير لتوضيح أكثر .

الفقرة الثانية: التعريف القانوي للجهوية المتقدمة

ينبغي الإشارة إلى أنه لا يوجد تعريف واضح و صريح للجهوية المتقدمة, إلا أن العودة إلى الدستور و تحليل بعض الفصول فيه التي ( 143,145,146,1 ) تتعلق بالجماعات الترابية خاصة و بالجهات بشكل عام, و كذا القانون التنظيمي للجهات علاوة على ذلك الخطب الملكية, يمكن الإستنتاج أن الجهوية المتقدمة هي تنظيم هيكلي لإدارة الحكومة أو السلطة المركزية, حيث تتنازل هذه الأخيرة عن بعض اختصاصاتها و سلطها لفائدة الجهات باعتبارها الجماعات الترابية التي تحتل مكانة الصدارة, ذلك من أجل تعزيز التنمية المحلية و المستدامة من جهة, و من أجل ترسيخ ديموقراطية محلية تشاركية و تعددية. كما ينبغي الإشارة إلى أن الجهوية المتقدمة هي مشروع يراهن عليه من أجل تتميم مسلسل اللامركزية الذي بدأه المغرب مند سبعينيات القرن الماضي, ومنه أن يقدر السكان في آخر المطاف أن يدبرو شؤونهم بنفسهم و عن طريق ممثليهم المنتخبين و بطبيعة الحال تحت وصاية و مراقبة السلطة المركزية.

المبحث الثاني : الجهوية الموسعة بأوروبا

لقد تمخض عن الصراع بين المركز و محيطه تحديد معالمه و إدراك الديناميات و التراكمات السياسية التي أنتجته هذا من جهة, أما من جهة أخرى فإن خيار اللامركزية بات يحث على إعادة النظر فيه لاسيما بعد النزاعات الإقليمية التي عرفتها مجموعة من الدول بالخصوص في أوروبا ؛ إسبانيا, فرنسا, بريطانيا, إيطاليا…,حيث باتت مجموعة من النزاعات محتملة النشوب في سياق التوترات و التحولات التي باتت تعرفها هذه المجتمعات.

مما لاشك فيه أن البحث عن صمام أمان يتمثل في آلية بإمكانها تحقيق الرهانات الخاصة بها أمرا مصيريا, و هذه الآلية هي الجهوية الموسعة. وذلك بعد تنازل النخب السياسية و الضابطة للأمور السياسية عن بعض صلاحياتها السياسية و بالتالي أنانيتها التي تتمثل في الهيمنة التامة على الحقل السياسي.

و عليه فإن الجهوية الموسعة هي الهيكلة السياسية و الاقتصادية و الإدارية. سياسيا تشكل التماسك الاجتماعي عبر دعم و تعزيز كافة القواسم المشتركة سواء المادية أو القيمية أو الثقافية بين كل شرائح و مكونات المجتمع. و اقتصاديا لأنها تتيح الفرصة لتقوية و تعزيز التنمية المستدامة وخلق اقتصاد تضامني و منه موقعة الجهة كزاوية للنظر من خلالها إلى الإمكانيات الاقتصادية الممكنة على المستوى الوطني و الجهوي بشكل خاص. و إداريا لأنها تسمح للهيئات المنتخبة تنفيذ و صناعة السياسات عمومية و إلتقائيتها, كما أنها تحدد داخل الجهة نفسها وفق قوانين تنظيمية اختصاصات المجالس الجهوية و علاقتها بالوحدات الترابية الأخرى.

لكن تجدر الإشارة أن لكل دولة كيان سياسي و اقتصادي و إداري يسمح لها بصياغة محددات إدارية معينة, نظرا لكون كل دولة تتميز بظروف و مقومات معنية منفردة لا يمكن إسقاطها على دولة أخرى, فعلى سبيل المثال لا الحصر لا يمكن ترجمة اللامركزية الفرنسية على بريطانيا لا من حيث النظام الدستوري الخاص بكل واحدة على حدة و لا من حيث الثقافة السياسية أو الجيوسياسية و هلم جرا.

المطلب الأول : الجهوية الموسعة بفرنسا

الفقرة الأولى : الثورة الفرنسية

    تعتبر الثورة الفرنسية 1789 بمثابة مفصل التنظيم الترابي الفرنسي, حيث صوتت الجمعية الوطنية الجديدة La nouvelle asemblée nationale المؤلفة من ممثلين منتخبين عن الدولة الثالثة على إنشاء البلديات (الجماعات) و المقاطعات.

  • الجماعات les communes :

و هي الوحدات الترابية التي أخدت ملامح الأبرشيات[7] في النظام القديم, ويتشكل تنظيمها بالشكل التالي؛ عمدة un maire منتخب من لدن المجلس البلدي و بهذا يعتبر ممثل الدولة داخل الجماعة له مجموعة من الصلاحيات و الإختصاصات في ما يتعلق بالحالة المدنية و الشرطة الإدارية, وهو صاحب السلطة التنفيذية المحلية le pouvoir exécutif local, كما أنه يعد و ينفذ قرارات و مخرجات المجلس البلدي Le conseil municipal .

  • المقاطعات Les Départements :

ينشأ مجالها الترابي و يحدد بمجموعة من الوثائق, وتمثل المقاطعات دوائر نشاط عمل الدولة les conscriptions de l’action d’état و يمثلها المحافظ le préfét.

كما تجدر الإشارة إلى أن المقاطعات خرجت من رحم الثورة الفرنسية, باعتبارها امتداد للدولة, علاوة على ذلك فوظائفها غير محددة définie .

كانت فرنسا دولة مركزية بامتياز إذ كان المركز هو منن يقرر و يشرع و يصنع السياسات العمومية للدولة إلى غاية نهاية الحرب العالمية الأولى سنة [8]1919, فمند ذلك الحين بدأت تظهر البوادر الأولى للامركزية الإدارية و السياسية و الاقتصادية , حيث سرعان ما أركت السلطات اللاتوازن داخل التراب الفرنسي مما أدى إلى الشروع في صياغة أول أوجه الجهوية. لكن بالنسبة لفرنسا يبدو الأمر مختلفا مقارنة مع الدول الأوروبية الجارة و نخص بالذكر إسبانيا و إيطاليا , لأن الجهوية الفرنسية كانت و لازالت ذات طابع لامركزي غايته التهيئة الترابية و المجالية بعيد كل البعد عن الفيدرالي.

الفقرة الثانية: فرنسا من الحربين إلى يومنا

    لأول مرة ورد مفهوم الجماعات الترابية (les collectivités territoriales) في الدستور الفرنسي 27 أكتوبر 1946 ,و لقد حدد هذا الدستور في الباب العاشر التنظيم الترابي بفرنسا. كما طبعت مرحلة ما بعد الثانية الكونية تفاوتات كبيرة جدا على المستوى الترابي, حيث برزت اللامساواة المجالية في التنمية الترابية و الاقتصادية.

في الخمسينات (55,56) أصدرت فرنسا مجموعة من المراسيم التي قامت بإعداد برامج للجهات عبر مجموعة من الجولات التي قامت بها لجان مختصة. في هذا الإطار قامت الحركة الفيدرالية و هي حركة, سياسية نافذة بعد الحرب الكونية الثانية, بلعب دور شبكة توحيدية للنخبة الإقليمية و الذي من خلاله تم التخطيط لتهيئة التراب و الحد أو معالجة المشاكل الاقتصادية التي تتخبط فيها الجهات, وبالتالي هندسة مجالية جديدة ترتكز على الجهوية.

و لقد أدى التراكم الذي خلفه النقاش و الكتابات الأكاديمية و الآراء التي دارت بين أولئك المؤمنين بالفيدرالية إلى خلق اهتمامات سياسية جديدة لدى السياسيين حيث باتت الجهوية من القضايا الشائكة, التي يجب الخوض فيها عبر مقاربتين أساسية, الأولى: إعادة صياغة التخطيط و الهندسة الترابية. الثانية : إنشاء مؤسسات جهوية قادرة على فعل الإحتواء السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي. و تعتبر كتابات Jean-François-Gravier لاسيما كتابه La haine de la ville : paris et le désert français[9] التي أبانت عن الفوارق المجالية و الاقتصادية و التنموية و الاجتماعية و السياسية بين باريس العاصمة الفرنسية العريقة التي تحتكر الأموال و النخب السياسية و المشاريع التنموية و فرص الشغل بالمقارنة مع شمال و جنوب فرنسا الذين لم يأتي في نصيبهما أي شيء من هذا القبيل نتيجة مجموعة من السياسات العمومية الفاشلة.

لقد شكلت قوانين غاستون دوفير [10][11]Gaston Defferre الصادرة في 2 مارس 1982 و في 7 يناير و كذا 22 يوليوز  1983 نقلة نوعية للجماعات الترابية حتى تستعيد جزئا كبيرا من اختصاصاتها, و من بينها التهيئة و التعمير و الإسكان و التكوين المستمر إضافة إلى الصحة و التعليم و التعليم العالي, و كذا القطاع الاجتماعي و النقل…

و منه فمن البديهي القول تخويل هكذا اختصاصات للجماعات الترابية بعدما كانت حكرا على الدولة لا يمكن أن يكون إلا تعبيرا عن رغبة حقيقية لتفعيل أسلوب اللامركزية. لأنه أعلن عن بناء صرح جديد يراهن على الإصلاح الهيكلي و الإداري إذ باتت الأقاليم و الجهات تمارس السلطة التنفيذية عوضا عن الدولة, إضافة إلى تخفيف الرقابة الإدارية و التدخل الاقتصادي في شؤون الجماعات الترابية.

إلى أن ما ينبغي الإشارة إليه أن التحويلات المالية من أجل تفعيل المقتضيات الدستورية التي تم تنظيمها بالقوانين التنظيمية السالفة الذكر ظلت تطرح مشكلا سوسيو-اقتصادي, و يتعلق الأمر بكون بعض الجماعات الترابية بفرنسا تعاني من ضعف مواردها البشرية و الطبيعية و هو وقف حاجزا أمام هذه الهيكلة المراد تنزيلها. و قد تم توكيل أمر تقييم هذه الموارد و تحديد طبيعة التباين بين المداخيل و النفقات إلى لجنة استشارية معينة من طرف السلطة المركزية.و تقوم هذه اللجنة عند مناقشة البرلمان لمشروع قانون المالية السنوي بتحديد النفقات المراد إدراجها ضمن ميزانية الدولة.

المطلب الثاني : الجهوية الموسعة بإسبانيا

    إن الحديث عن النظام السياسي بإسباني هو الحديث عن دولة ممركزة بامتياز نظرا لتجدر النظام الملكي مند القرون الوسطى, مع أخد بعين الإعتبار المراحل التاريخية و النصوص القانونية التي لطالما خففت من حدة التمركز. و كانت تتمتع بها في الغالب الأعم كل من كاطالونيا و باسكية, و هما جهتان لهما خصصوصيتهما الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية و التاريخية, و لقد النشاط الحزبي و السياسي داخلهما إلى اعتراف الدستور الإسباني سنة 1831 إلى اعترافه بوجود مقاطعات يجب أن تتمتع بتسيير ذاتي و لو محدود نسبيا هذا من جهة. لكي يتمخض عن الحركية السياسية داخل المقاطعتين السالفتين الذكر منح كطالونيا بموجب دستور 1932 و باسكية 1936 وضعا قانونيا خاصا يمتع الأخيرتين بالحكم الذاتي l’autonomie. كما تم في 1933 تقسيم إسبانيا إلى 49 إقليما.

الفقرة الأولى: أسس الحكم الذاتي في إسبانيا

إن أسس الحكم في إسبانيا مبنية على مجموعة من المبادئ التي تؤسس الحكم فيها, و هي ثلاثة مبادئ أساسية : مبدأ الوحدة, مبدأ الإستقلال الذاتي, مبدأ التضامن. و هذه المبادئ ضمها دستور 1978 و تم التوسع فيها و تطويرها في المادة 137 من الباب الثامن من الأخير.

  1. مبدأ الوحدة :

    و ينص هذا المبدأ على وحدة الأمة الإسبانية حسب دستور إسبانيا, و هو الأمر الذي ينبغي أن يفهم  و يستوعبه بشكل مشترك كل الإسبان ومنه فهي أمة غير قابلة للتجزئة. و يعني أيضا هذا المبدأ أن إسبانيا دولة واحدة حيث لا وجود لتعددية الدول, و منه فالدولة الإسبانية الموحدة هي تعبير عن وحدة الإسبان, و أن الدولة الإسبانية هي السلطة العليا التي تعبر عن إرادة الأمة و هي الضامنة للأمان و تدبير شؤون المجتمع كما أنها هي الوحيدة القادرة على التشريع و التنفيذ و القضاء.

  1. مبدأ الإستقلال :

الدولة الإسبانية تفهم كدولة وطنية واحدة حسب دستورها, و تتوافق مع مقتضيات دستورها في اعترافه بحق الحكم الذاتي للجنسيات و الأقاليم التي شكلت الوحدة الإسبانية, و هذا ما قررته المادة 2 من دستورها حيث اعتبرت أنهلا يمكن التمييز بين الأمة الإسبانية و الجنسياتالقوميات و الأقاليم كحقائق و مختلفة و منفصلة, أي أن هذه الأشكال الترابية و السياسية و الاجتماعية تتعايش و تتفاعل بشكل متوازي و روح الدولة[12]. و لعل هذا التباين السياسي هو ما يعطيها التنظيم القانوني و السياسي الخاص بها.

  1. مبدأ التضامن :

   التضامن كرابط جامع و مانع للأمة الإسبانية حيث أنه هو ما يعطيها وحدتها و اندماجها و هو طبقا للفصل الثاني من الدستور الاسباني, حيث يقوم مبدأ التضامن على رهان أساسي هو ( وحدة الأمة الاسبانية) الغير القابلة للحل أو الإنشطار, و بهذا الإعتبار فإن هذا الأخير هو ملك عام لكافة الإسبان و رابط للوحدة, و لهذا السبب أصبح كمضمونا للدولة ليدرج الدستور الإسباني في الفصل 138. و هذا المفهوم هو نتيجة لحدث كون أن الأقاليم المعنية بالأمر هي التي تشكل المجموعات العليا بإسبانيا.

الفقرة الثانية: النظام الأساسي لإقليم كطالوني

من بين مقتضيات إصلاح 2006 مضمون المادة  175 القسم 5 الباب 1 الفرع 1 والمتعلق بنوعية العلاقة بين الدولة والهيئة العمومية حيث أنه تم إحداث نظام إداري موحد يسمح للإدارات الكطالونية بالتكفل بتنفيذ السياسات المقررة على مستوى الدولة داخل المحيط الترابي لكطالونيا. كذلك تم إحداث لجنة ثنائية تضم الدولة و الهيئة العمومية  Generalitat. دور هذه اللجنة هو بناء فضاء لإجراء لقاءات دائمة مما سيسمح بتبادل مستمر للآراء والمعلومات وتنسيق السياسات التي تتطلب توزيعاً لاختصاصات لكل طرف على حدة والتعاون فيما يخص المواضيع ذات الاهتمام المشترك.

أما فيما يتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات التي تؤثر على المجال الخاص بالحكم الذاتي الكطالوني فإن الفصل   196 يسمح بإمكانية الطلب من الدولة اشراك المكلف بالمفاوضات في الوفد. كذلك نجد في نفس السياق أن الفصل  178 يجيز إمكانية توقيع اتفاقيات ومعاهدات مع كيانات أخرى تتمتع بالحكم الذاتي. لكن الإصلاح لا يعطي الصلاحية بالتدخل في المفاوضات التي تهم اختصاصات الدولة بل ما يتعلق فقط بكطالونيا بصفة عامة. لكن تفسير مجال تدخل الدولة والمجال المتروك لتدخل إقليم كطالونيا يبقى في واقع الأمر تفسيرا يميل إلى التفسير الواضح المرموز.

إذن قراءة أولية لما سبق ذكره يمكننا القول بأن النظام الأساسي لكطلونيا يستعير من النظام الفيدرالي بعض الأفكار ومن اللامركزية مبادئها الأساسية.

هنالك جانب آخر أساسي في العلاقة بين السلطة المركزية وكطالونيا يتمثل في مشاركة هذه الأخيرة في الأجهزة الدستورية علما أن الدستور الإسباني لا ينص على أي آلية لمشاركة أي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في المؤسسات أو القرارات التي تتخذها الدولة. في حين أن النظام الأساسي لكطالونيا يؤكد العكس لاسيما المادة  174.1 والتي تمنح الهيئة العمومية  Generalitat. الحق في المشاركة في بعض القرارات التي تتخذها الدولة كما أنها تدرج آلية تؤمن للهيئة العمومية المشاركة في بعض المؤسسات والهيئات مثل مشاركة هذه الهيئة في الغرفة الثانية حسب الفصل  179 وفي المجلس العام للسلطات القضائية حسب الفصل  180 وفي مؤسسات الدولة ذات الطابع الإقتصادي و الإجتماعي بناء على الفصلين 181 و 182 .

المبحث الثاني : المغرب من اللامركزية الإدارية نحو الجهوية المتقدمة

مما لاشك فيه أن الحديث عن تجربة تنموية واعية و كاملة المعالم بين عمالات و أقاليم و جهات المملكة لم يبدأ إلا بعد صدور الظهير الشريف 77-71-1 بتاريخ 16 يونيو 1971 , حيث كان التقسيم المعتمد قبله الذي يعتمد على الإطار الجماعي و الإطار الإقليمي بدرجة أقل, و قد كانت الغاية من هذين الإطارين المعتمدين هو تنظيم الدولة سياسيا و إداريا و اقتصاديا, إلى أن هذا الإطار لم يعد صالحا للفترة الموالية حيث بات الرهان على التنمية الاقتصادية من أجل الحد من الفوارق المجالية و الاقتصادية و الجهوية بين مناطق المغرب مطلبا لا مناص منه.

المطلب الأول : نشأة اللامركزية الإدارية بالمغرب

إن اللامركزية الإدارية باعتبارها ذلك الأسلوب الذي يقوم على تقاسم الحكومة المركزية بعض أو كل سلطاتها مع وحدات و هيئات محلية منتخبة, و بالتالي مشاركة هذه الوحدات عبر اختصاصاتها المخولة بموجب القانون في عملية صناعة القرار و بلورته و التصرف المستقل لهذه الوحدات لكن مع مراقبة السلطة المركزية عبر مؤسساتها اللاممركزة.

الفقرة الأولى: اللامركزية الإدارية مرحلة ما قبل دستور 1996 :

لقد وضع ظهير 2 دجنبر 1959 اللبنات الأولى للتقسيم الترابي للمملكة حيث قسم المغرب و لأول إلى 108 جماعة حضرية و قروية و بالتالي أصبح مرجعية أساسية للامركزية بالمملكة. علاوة على ذلك فإن صدور أول ميثاق جماعي سنة 1960 الذي يعتبر منعطفا أوليا لانطلاقة أساسية للامركزية بالمغرب مع العلم أن هناك نصان ينظمان انتخاب المجالس البلدية و يرسمان حدودها الترابية. ليتم بعد ذلك تنزيل مستوى ثاني من اللامركزية الإدارية و الأمر هنا يتعلق بالظهير المؤرخ في 12 دجنبر 1963 الذي أسس الإطار القانوني على مستوي العمالات و الأقاليم الفصل 42, 47, 65 من نفس الظهير[13]. يمكن الاستنتاج بعد دراسة هذه الظهائر تردد الدولة المركزية في مشاركة بعض اختصاصاتها  و سلطها مع الهيئات المنتخبة بالأقاليم و ذلك عبر توسيع اختصاصات الأجهزة و المؤسسات التابعة للمركز, في المقابل التقليل من اختصاصات ممثلي الجماعات المحلية. و بالتالي يمكن التعقيب على الأمر أن قلة خبرة الدولة في التنظيم الترابي و الإداري لكون المغرب آنذاك دولة حديثة الإستقلال لازالت تحاول تأسيس ترسانتها الإدارية و القانونية, بالإضافة إلى الإضطرابات السياسية و الاجتماعية التي كانت تعرفها حينها.

و قد عرفت اللامركزية بعد ذلك مستوى أعلى من الترسيخ حيث أن الميثاق الجماعي لسنة 1976 شكل منعطفا تاريخيا, حيث منح هذا الأخير مسؤوليات و اختصاصات واسعة للجماعات فيما يتعلق  بتدبير و تسيير الشؤون المحلية. إضافة إلى أنه تم توسيع حقل اختصاصات ومسؤوليات المنتخبين وذلك بإعطاء المزيد من الإمكانات، خاصة من خلال تحويلات الضريبة على القيمة المضافة، وتخلي الدولة عن بعض الضرائب لفائدة الجماعات المحلية وإعفائها من بعض النفقات الإجبارية و هلم جرا.

الفقرة الثانية: اللامركزية الإدارية مرحلة بعد دستور 1996 :

لم تكن الجهة جماعة محلية قبل دستور 1992, حيث ستصبح بعد صدور هذا الأخير طبقا للباب العاشر الفصل 94 و 95 منه شخصية اعتبارية خاضعة للقانون العام. ثم سيقوم دستور 1996 بتكريس الجهة بوصفها جماعة محلية في الباب الحادي عشر في الفصل 100 و 101 و 102 منه,   كما تم بموجبه توسيع حقل حرية حركية الجماعات و ذلك عبر جدول من الاختصاصات المحلية يرتكز على مبدأ المساعدة, و كما تم الخفض من المساطر و القرارات التي تحتاج إلى الموافقة, و كذا التخفيف من مراقبة السلطات اللاممركزة التي تمثل السلطات المركزية في الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعات الحضرية و القروية عبر إحداث مجالس جهوية للحسابات بمثابة محاكم مالية تابعة قانونيا للمجلس الأعلى للحسابات تتولى مراقبة حسابات الجماعات المحلية و هيئاتها و كيفية قيامها بتدبير شؤونها ( الفصل 98 و 99 ) من دستور  1996.

وابتداء من سنة،1997 سيعرف التنظيم اللامركزي بالمغرب تطورا نوعيا على قدر كبير من الأهمية تمثل في صدور قانون 47.96 الخاص بإحداث وتنظيم الجهات، ثم القانون رقم 79.00 المتعلق بالتنظيم الإقليمي بالمغرب الصادر في 3 اكتوبر  ،2002 وكذلك القانون رقم78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي في صيغة جديدة والذي عدل بقانون  17.08 بتاريخ 18 فبراير 2009 . كما تمت ترجمة هذه الإصلاحات في اتجاه تعزيز وسائل اللامركزية، خاصة من خلال تحويلات الضريبة على القيمة المضافة، وتبني نظام جبائي محلي وتخلي الدولة عن بعض الضرائب لفائدة الجماعات المحلية ودلك عبر مجموعة من الإجراءات القانونية منها القانون المتعلق بالتنظيم المالي رقم 45.08 المؤرخ في 124 فبراير 2009 و الذي تم تعزيزه بمرسوم  03 يناير 2010 و المتعلق بنظام المحاسبة العمومية للجماعات الترابية كما أنه في إطار تعزيز القدرات المالية فإن قانون 47.06 المتعلق بالجبايات يشكل محطة مهمة في البناء الديمقراطي المحلي. وصولا إلى دستور 2011 الذي نص بصريح العبارة في الفقرة الرابعة من الفصل الأول على أن التنظيم الترابي للملكة هو تنظيم لامركزي يقوم على الجهوية المتقدمة, لتصدر بعد ذلك سنة 2015 القوانين التنظيمية للجماعات الترابية, 111.14 المنظم للجهات , 112.14 المنظم للعمالات , 113.14 المنظم للجماعات , و هو ما يوحي لنا الإنخراط في مسلسل اللامركزية على غرار بعض الدول الأوروبية بات أمرا لا مناص منه بالنسبة للمغرب, نظرا للتحولات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و تعطش المجتمع للديموقراطية و التعددية السياسية على كافة المستويات الترابية للمملكة, و هو يجعل من احتكار الدولة لكل السلط بيد من حديد و عدم تقاسم البعض منها سياسهم بلا شك في اختلالات و مشاكل إدارية و سياسية جمة.

المطلب الثاني : اللامركزية و ورش الجهوية المتقدمة

تقدم اللامركزية نفسها بشكل عام بوصفها ” تلك المطالبة من أجل استقلال كبير على المستوى المحلي “[14], و هو الأمر الذي يحتاج إلى توسيع صلاحيات و حريات الجماعات الترابية في ممارستها لاختصاصاتها و بالتالي تسييرها لشؤونها, إضافة إلى ذلك فإن اللامركزية باتت خيارا حتميا و لعلها من التحولات العميقة جدا على المستوى الديموقراطي خلال القرن 21, إذ أن تكريس ديمقراطية تتوافق و المفهوم المعاصر للدولة لا يمكن أن يقوم إلا عبر اللامركزية. و من هذا المنطلق فإن المغرب أبان عن رغبته صراحة عبر دستور 2011 اعتماده للامركزية كأسلوب إداري لتنظيمه الترابي و هذا يقوم هذا الأخير على الجهوية المتقدمة. كما تجدر بنا الإشارة أن تكريس هذا التوجه قد عزز بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية؛ قانون الجهات 111.14, قانون العمالات و الأقاليم 112.14, قانون الجماعات 113.14. و يظهر جليا أن اللامركزية التي لا يمكن أن تقوم في عمقها إلا عن الجهوية المتقدمة على الأقل خلال الفترة الحالية.أ

الفقرة الأولى: الجهوية المتقدمة كرافعة اقتصادية

لقد خصص القانون 111.14 القسم الثاني[15] مجموعة من الاختصاصات الموكولة للجهات إلى في مجال التنمية المندمجة و المستدامة و هي كالآتي :

” تناط بالجهة داخل دائرتها الترابية مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعها، ولا سيما فيما يتعلق بما يلي:

  • تحسين جاذبية المجال الترابي للجهة وتقوية تنافسيته الاقتصادية ؛
  • تحقيق الاستعمال الأمثل للموارد الطبيعية وتثمينها والحفاظ عليها ؛
  • اعتماد التدابير والإجراءات المشجعة للمقاولة ومحيطها والعمل على تيسير توطين الأنشطة المنتجة للثروة والشغل ؛
  • الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة ؛
  • العمل على تحسين القدرات التدبيرية للموارد البشرية وتكوينها.

تقوم الجهة بهذه المهام، مع مراعاة السياسات والاستراتيجيات العامة والقطاعية للدولة في هذه المجالات.

ولهذه الغاية، تمارس الجهة اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة مع الدولة، واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.

تشتمل الاختصاصات الذاتية على الاختصاصات الموكولة للجهة في مجال معين بما يمكنها من القيام، في حدود مواردها، وداخل دائرتها الترابية، بالأعمال الخاصة بهذا المجال، ولا سيما التخطيط والبرمجة والإنجاز والتدبير والصيانة.

تشمل الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجهة الاختصاصات التي يتبين أن نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك. ويمكن أن تتم ممارسة هذه الاختصاصات المشتركة طبقا لمبدأي التدرج و التمايز.

 

تشمل الاختصاصات المنقولة الاختصاصات التي تنقل من الدولة إلى الجهة بما يسمح بتوسيع الاختصاصات الذاتية بشكل تدريجي.”

كما تشتمل أيضا الإختصاصات الذاتية للجهة في مجال التنمية الجهوية جملة من المهام الموكلة لها على سبيل الحصر ,التنمية الاقتصادية, التكوين المهني و التكوين المستمر و الشغل, التنمية القروية, النقل, الثقافة, البيئة, التعاون الدولي  ( المادة 82 )[16] من نفس القانون المشار إليه أعلاه.

تجدر الإشارة إلى أن الجهات أصبحت تحظى بمجموعة من الصلاحيات على المستوى الاقتصادي من أجل إعداد و صياغة سياسات عمومية تتوافق و السياسة العامة للدولة المركزية, و لعل الرهان من كل هذا الإنتقال من التنظيم الترابي الكلاسيكي الذي تلعب فيه العاصمة الدور الرئيسي و الأساسي نحو نظام أكثر حداثة و عصرنة يتماشى و متطلبات الواقع السياسي و القانوني على المستوى الدولي , كما أشار المشرع في نفس الصدد من خلال الفقرة ما قبل الأخيرة و الأخيرة من المادة 82 من نفس القانون إلى إمكانية عقد اتفاقية مع فاعلين من خارج المملكة في إطار التعاون الدولي و كذا الحصول على تمويلات ( موارد استثنائية) و بطبيعة بعد موافقة الأجهزة التي تمثل السلطة المركزية في هذا الإطار .

و في هذا المقام فإن التساؤل حول مدى قدرة النخب السياسية المنتخبة على الإنخراط الفعال و الجدي لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار, و منه فإن مسألة تجديد النخب السياسية و الحزبية أمر لا مفر لاسيما بعد افتحاص حصيلة المجالس الجهوية على المستوى التنموي و الديموقراطي التي لا تزال متواضعة جدا و تطلعات المواطنين, رغم الجهود المكثفة و الترسانة القانونية المتعلقة بهذا الصدد .

الفقرة الثانية: الجهوية المتقدمة و التصميم الجهوي لإعداد التراب

المادة 81 :” تمارس الجهة اختصاصات ذاتية في مجال التنمية الجهوية، كما تقوم بإعداد وتتبع تنفيذ برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب

إن سياسة إعداد التراب الوطني عامة و الجهوي خاصة تقوم على مجموعة من المرتكزات الأساسية من أجل توزيع ناجع على المستوى الديموغرافي و الاقتصادي و المجالي و السوسيولوجي و البنيات التحتية التي تأخذ بعين الإعتبار خصوصيات[17] المجالات الإيجابية و السلبية منها, كما ينبغي احترام مبادئ الحكامة الجيدة و توجهات السياسة العامة للدولة لإعداد التراب المعتمدة وطنيا, و كذلك تتبع تنفيذ برامج التنمية الجهوية و التصميم الجهوي لإعداد التراب[18]. إلى أن هذه العملية تتم وفق الخطوات المسطرية التي حددها القانون التنظيمي للجهات 111.14.

مما لا شك فيه أن الهندسة المجالية التي تم اعتمادها على المستوى الوطني بشكل عام و ذلك بغية تقسيم جهوي يأخذ بعين الإعتبار مبدأ العدالة المجالية بين الجماعات الترابية أي بين الجهات فيما بينها من ناحية, و من ناحية أخرى بين الجهة و أقاليمها و جماعاتها المحلية الحضرية و القروية منها عبر الصلاحيات التي تتمتع به الجهات فيما يتعلق بالبرامج التنموية و التصميم الجهوي[19], حيث لابد أن تكون هناك إلتقائية بين السياسات العمومية التي يصيغها و يعدها و يتتبع تنفيذها مجلس الجهة و بين السياسات و الإستراتجية و القطاعية العامة للدولة[20].

إلى أن ما يجب التسليم به أنه لازالت المجال الوطني عامة و المجال الجهوي خاصة يعرف تلة من اللاتوازنات و الاختلالات الترابية على المستوى الوطني, فيما يتعلق بتوزيع السكان و الأنشطة الاقتصادية بالإضافة إلى الموارد الطبيعية التي تحظى بها بعض الجهات دون الأخرى كنتيجة لسياسات عمومية جهوية تارة و قطاعية تارة أخرى لم تبلغ المسعى الموكول إليها بموجب القانون.

  • في نفس الصدد و اعتمادا على القسم الثاني و الباب الثاني و الثالث و الرابع من القانون رقم 14 يمكن على العموم تقسيم اختصاصات الجهة في ما يتعلق بالبرامج التنموية و التصاميم الجهوية إلى ثلاث أقسام رئيسية نريدهما فيما يلي :

 

الاختصاصات الذاتية للجهات المادة 82 من ق 111.14 : التنمية الاقتصادية, التكوين المهني والتكوين المستمر و الشغل, التنمية القروية, النقل, الثقافة, البيئة, التعاون الدولي.

 

اختصاصات مشتركة بين الدولة و بين الجهات المادة 91 من ق 111.14 :  التنمية الاقتصادية, التنمية القروية,  التنمية الاجتماعية, البيئة, الثقافة, السياحة.

 

الاختصاصات المنقولة من لدن الدولة للجهات بصفة خاصة المادة 194 من ق 111.14 :

التجهيزات والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي, الصناعة, الصحة, التجارة, التعليم, الثقافة, الرياضة, الطاقة و الماء و البيئة.

و من هذا المنطلق فإن التصاميم الجهوية و برامج التنمية الجهوية يجب أن تخضع للدقة التامة من أجل تحقيق سياسات جهوية ناجعة و بالتالي حكامة محلية تتلاءم و متطلبات المواطنين و التنمية. و هو الأمر الذي يتطلب جملة من الخطوات العلمية [21](LE SRAT) فيما يتعلق بتشخيص مكامن الخلل و القوة و اللاتوازن و التوازن في الجهة و منه صياغة البرامج الخاصة بكل قطاع على حدة و نظرا للتعقيد الذي تتسم به هذه العملية, قد أعطى القانون لمجلس الجهة صلاحية إحداث لجان دائمة حددها القانون في 3 ثلاث لجان على الأقل و 7 على الأكثر[22], تتمثل مهمتها في دراسة القضايا المالية و الميزانياتية, و كذا التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية, علاوة على ذلك إعداد التراب.

خاتمة الفصل :

لقد ساهمت العديد من العوامل السوسيوسياسية و التاريخية و الاقتصادية في بروز مفهوم الجهوية كأسلوب للتدبير الترابي في خلال القرن السابق بأوروبا لاسيما في اسبانيا و فرنسا و ألمانيا, و هو الأمر الذي تبناه المغرب لا سيما بعد صدور دستور 2011 الذي نص على في الفقرة الرابعة من الفصل الأول منه على الجهوية المتقدمة كركيزة للامركزية الإدارية التي يقوم عليها التنظيم الإداري المغربي, كما تم ترسيخ اللامركزية من خلال القوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي رأت النور خلال 2015, و الميثاق الوطني للاتمركز الإداري سنة 2018. لكن رغم كل المجهودات المبذولة لازالت مسألة التنمية الترابية تعرف مجموعة من الاكراهات و العوائق تتمثل تارة في الموارد المالية و تارة أخرى في الرقابة التي تمارسها الدولة عبر مؤسساتها الإدارية اللاممركزة المتمثلة في الولاة على مستوى الجهات و العمال على مستوى الأقاليم و الباشوات على مستوى الجماعات هذا من جهة. من جهة أخرى فان مشكل الكفاءة السياسية لدى النخب السياسية داخل المجالس المنتخبة مطروح بشكل واسع في هذا الصدد و لاسيما في الجماعات الترابية البعيدة عن المركز ان لم نقل المهمشة, حيث لازالت العملية الانتخابية فيها تقوم على نظام الأعيان و القرابة و يترتب عن ذلك من كوارث ذات طالع تنموي و ديموقراطي. و بمعنى آخر فإن سؤال تجديد النخب السياسية يطرح نفسه مرارا و تكرارا  لأنه لا يمكن تصور نجاعة على مستوى التدبير و التنمية الترابية دون نخب سياسية محلية قادرة على فهم المشاكل الآنية و استيعابها و بالتالي مواجهتها و النجاح في صدها أو على الأقل الحد منها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني:

ميزانية الجهات

و الجماعات الترابية الأخرى

 

 

 

 

    تشكل المالية بالنسبة للدول المحرك الذي يحدد قدرتها على التقدم و كذا سرعة هذا التقدم, حيث يمكن عن طريق تحديد المؤشرات المالية لكل دولة معرفة حالة اقتصادها و ظروفه هل يعيش فترة كساد أم تضخم أم نمو و قس على ذلك. و منه الحالة السياسية الخاصة نظرا للارتباط بين السياسة و الاقتصاد, إذ أن الهيكل السياسي و الإداري للدولة ما هو إلا نتيجة للهيكل الاقتصادي لها و العكس صحيح, كما أنه لا يمكن تصور سياسات عمومية ناجعة و متقدمة دون مالية كافية للإعداد و التنفيذ.

إن تنامي حاجيات و متطلبات الأفراد المتزايدة في إطار الدولة المتدخلة L’etat interventional يجعل من نفقات و إيرادات الدولة تسير في منحى تصاعدي في ظل السياسات التدخلية للدولة, إذ أن أهمية القطاع العام أصبحت متزايدة كون أن وظائف الدولة[23] لم تعد  تقتصر على توفير المرافق الأساسية و ضمان سيرها الدائم  ( الأمن الداخلي و الخارجي, القضاء,…) و غيرها من الوظائف التقليدية التي كانت مناطة بالدولة الحارسة L’etat Gendarme, بل إن مهام الدولة غذت بعد أزمة 1929 الخانقة تشمل مجالات أوسع مما كانت عليه حيث ظهرت إلى الوجود جملة من المرافق الحديثة ( التعليم, الصحة, الإعانات الاجتماعية, النقل, النظافة, العمل, تنظيم الأسواق و ضبط المنظومة الاقتصادية…) و هذا التطور الوظيفي في مهام الدولة سرعان ما انعكس على مبدأ توازن ميزانية الدولة[24], حيث كانت الدولة التقليدية لا تقوم بتكليف الأفراد بأعباء مالية و بالتالي تحصيل الضرائب في نطاق ما تحتاجه من جبايات لتوفير تلك المرافق المعدودة على رؤوس الأصابع.

لاشك أن الدول التي تعتمد اللامركزية الإدارية كأسلوب للتنظيم الإداري و الترابي تحتاج أن تنفق أكثر من الدول التي تعتمد المركزية الإدارية لتنظيم ترابها, و المغرب طبقا للفقرة الرابعة من الفصل 1 من دستور 2011 فإن التنظيم الترابي للملكة تنظيم لامركزي, يقوم على الجهوية المتقدمة. و ذلك عبر تكريس مجموعة من المبادئ التي حددها الفصل 136[25] نريدها فيما يلي :

مبدأ التدبير الحر: هو مبدأ دستوري تقوم عليه اللاّمركزيّة، ويعني تولّي الجماعات المحليّة شؤونها بكلّ حريّة في إطار وحدة الدولة. ويقتضي التدبير الحر حرية التداول واتخاذ القرار وحرية التصرف في الموارد، كما يفترض حرية ممارسة صلاحيات الجماعات المحلية مع ما يقتضيه الواقع المحلي مع الإبقاء على رقابة لاحقة من قبل القضاء المالي والإداري على هذه الأعمال .

 مبدأي التعاون و التضامن : و هما مبدأين دستوريين يقضيان على التعاون و التضامن بين الجهات، وبينها وبين الجماعات الترابية الأخرى، من أجل بلوغ أهدافها وخاصة إنجاز مشاريع مشتركة وفق الآليات المنصوص عليها في القانون التنظيمي للجهات.

  • كما نص الفصل 140 من الدستور على :

مبدأ التفريع : هو المبدأ الذي يتم بمقتضاه توزيع الصلاحيات الذاتية و المشتركة والمنقولة من السلطة المركزية الى الجماعات الترابية. حيث يعود لكل صنف من الجماعات الترابية الصلاحيات التي تكون هي الأجدر بممارستها بحكم المسافة و الدراية و الشرعية الانتخابية التي تتوفر عليها هذه الأخيرة, و كذا قدراتها على تحقيق أكبر قدر ممكن من المصلحة العامة.

 

  • يعكس التوزيع الجديد للموارد الجبائية بين الدولة والجهات والمحددة في نسب لا تتجاوز حدود 5% من حصيلة الضريبة على الدخل، و5% الضريبة على الشركات، و20% من حصيلة الرسم على عقود التأمين تبعية الجهة ماليا للدولة، ويضعف استقلالها المالي. وهو الأمر الذي كان بالإمكان التخفيف منه باعتماد توزيع جديد للضريبة عل القيمة المضافة، خصوصا وأن تقرير اللجنة الإستشارية حول الجهوية، وتوصيات المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات قد أوصت بذلك واعتبرته أحد الموارد المهمة لتعزيز موارد الجهة ودعم استقلالها المالي، غير أن القانون التنظيمي للجهات رقم 14 لم يأخذ بهذه التوصيات وحرم بذلك الجهات الاستفادة من مورد مالي مهم كان بإمكانه تعزيز معادلة التوزيع الموارد بين الدولة والجهات في اتجاه تعزيز إمكانات وقدرات الجهة التمويلية. إن لكل جهة قدرات تمويلية تختلف عن الجهة الأخرى، وهو الأمر الذي أكده تقرير اللجنة الإستشارية حول الجهوية ودستور المملكة حينما أقر في المادة 142 مبدأ التضامن بين الجهات كآلية لإعادة توزيع الموارد بين الجهات وتقليص الفوارق بينها على مستوى الموارد وإمكانات التمويل الذاتي، والتي تبقى عنصرا حاسما في تحديد الاستقلال المالي للجهات وحرية تدخلها في مجال تنمي ترابها بما يستجيب لحاجياتها ويراعي خصوصياتها. هو إذ يبقى تقليص الفوارق بين الجهات وتسهيل إعادة التوازن للتراب على مستوى التنمية والموارد الذاتية، أحد أهم أهداف التنظيم الجهوي الحالي. وذلك بالنظر إلى حجم الفوارق الترابية بين الجهات الإحدى عشر وما أفرزه التقسيم الجهوي والترابي على مستوى الإمكانات والموارد الذاتية.

وتأسيسا على ذلك فإن تعزيز هذه المبادئ يلزم الدولة علاوة على حكامة إدارية و نفقات قادرة على بلوغ تطلعها و هو الأمر الذي يتطلب إيرادات موازية لهذه النفقات هذا من جهة, أما من جهة أخرى فإن مبدأ التفريع يضع الجماعات الترابية و على رأسها الجهات كونها تتبوأ مكانة الصدارة[26]. و أمام هكذا وضع مالي يشمل الموارد المالية الذاتية للجهات بشكل عام و باقي الجماعات الترابية الأخرى بشكل خاص و موارد مالية مرصودة من قبل الدولة[27] لابد أن يدفعنا للتساؤل حول ما مدى قدرة إدارة السلطة المركزية و الجماعات الترابية أو المحلية و الهيئات الأخرى المتمثلة في المجتمع المدني و غيره من الفعاليات في مواكبة الرهان المنشود ألا هو الجهوية المتقدمة.

المبحث الأول: الإيرادات المحلية الذاتية و الخاصة

مع استحضار الإشكالات التي تطرحها اللامركزية كبديل ديموقراطي و قاطرة تنموية, على كافة الجوانب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية, و كما ذكرنا أعلاه فإن العنصر المالي كوسيلة لا غنى عنها من أجل تفعيل و تنفيذ كافة السياسات المعتمدة. إن اختلاف الطبيعة السياسية و الاقتصادية للدول يجعل  لكل دولة آلياتها الخاصة في ما يتعلق بتدبيرها لمواردها و سياستها المالية حسب طبيعة النظام القائم و تصور كل دولة للامركزية التي تسعى لبلوغها أو تفعيلها, و كذا الطبيعة السياسية القائمة بين  السلطة المركزية و الو حدات التابعة له[28], ففي التجارب المقارنة نجد أن الدول المتقدمة تختلف كثيرا من حيث تدبير الموارد المالية على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية نشأتها المالية و السياسية المستقلة عن الحكومة المركزية بشكل كبير, إلا أن الظروف الاقتصادية و الاجتماعية جعلتها تستعين بشكل دائم بالحكومة الفيدرالية و منه تقلص الحقوق التي انتقال بعض الصلاحيات التي كانت تتمتع بها الولايات الى الحكومة أو التبعية الإدارية مقابل الإعانات و المساعدات التي تقدمها هذه الأخيرة. فيما أن الوحدات المحلية في المملكة المتحدة و هي دولة موحدة, قد بدأت تنتزع مجموعة من الصلاحيات  فيما يتعلق الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين نظرا لانشغال الحكومة بالسياسات العامة الكبرى التي تخص مجموعة من القطاعات الرئيسية كالشغل و المشاكل الاقتصادية كمحاربة التضخم و الكساد و العجز و كذلك العلاقات الخارجية و قس على ذلك, حيث أصبحت الوحدات المحلية تتمتع باستقلال كبير في اعدادها لميزانيتها و اعتماداتها المالية. فيما أن فرنسا ظلت حريصة على عدم التمادي في منح الصلاحيات للوحدات المحلية  خشية على عودة النظام الإداري الذي كانت عليه فرنسا خلال القرنين الرابع و الخامس عشر  الذي يعرف بأمراء المقاطعات الذين كانوا يشكلون سلطة قوية يناؤون بها الحكومة المركزية المتجسدة الملكية.

يعتبر التنظيم الترابي المغربي تنظيما لا مركزيا يمنح للجماعات الترابية مجموعة من الصلاحيات المالية التي تتمثل في استقلالها في تحصيلها و ترشيدها و إنفاقها تعبيرا عن إحدى صور الممارسة الديموقراطية عن طريق مشاركة المواطنين في صنع السياسات العمومية المحلية و تنفيذها. إذ حددت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية[29] بشكل مفصل مصادر موارد كل من الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعات في لائحة تفصيلية نريدها في ما يلي :

  • حصيلة الضرائب أو حصص ضرائب الدولة المخصصة للجماعات الترابية.
  • المخصصات المالية من الميزانية العامة للدولة.
  • حصيلة الضرائب و الرسوم المأذون بتحصيلها.
  • حصيلة الأتاوى.
  • حصيلة الأجور على الخدمات المقدمة.
  • حصيلة الغرامات
  • حصيلة الإستغلالات و الأتاوى, و حصص الأرباح و الموارد و المساهمات المالية, المتأتية من المؤسسات و المقاولات التابعة للجماعات الترابية أو المساهمة فيها.
  • الامدادات الممنوحة من الدولة أو الأشخاص الاعتبارية الخاضعة للقانون العام.
  • حصيلة الإقتراضات.
  • دخول الأملاك و المساهمات.
  • حصيلة بيع المنقولات والعقارات.
  • أموال المساعدات و الهبات و الوصايا
  • مداخيل مختلفة و الموارد الأخرى المقررة في القوانين و الأنظمة الجاري بها العمل[30].

 

  • أمام هذا التعدد الكبير بتعدد مصادرها يمكن تجميعها في موردين رئيسيين؛ الموارد الذاتية و الخاصة, و الموارد الخارجية و الإستثنائية. و تأسيا على هذا سنحاول رصد هذه الموارد و مصادرها و الشكل التالي :

 المطلب الأول (الإيرادات المحلية  الذاتية), المطلب الثاني (الإيرادات المحلية الخاصة)

المطلب الأول : الإيرادات الذاتية

تشكل الإيرادات الذاتية المحلية إحدى أبرز صور التمويل الذاتي باعتباره القاعدة التي تنبني عليها الحياة الاقتصادية و السياسية للجماعات الترابية كونها تضمن التمويل القار و الملائم لتدبير ناجع يتماشى و متطلبات الحكامة الجيدة من أجل الديموقراطية التنمية المحليتين المنشودتين. كما تجدر بنا الإشارة إلى أن تعزيز و تكريس مبدأ التدبير الحر لا يمكن أن يقوم إلا عبر تمويل ذاتي كاف. عموما فإن مصادر الإيرادات الذاتية المحلية تنقسم إلى صنفين رئيسيين؛ الصنف الأول يضم الرسوم التي تكتسي طابعا جبائيا محضا و التي ينظمها قانون الجبايات المحلية رقم 47.06[31], أما الصنف الثاني فهو يضم الرسوم و الضرائب الشبه جبائية, و كما هو متعارف فإن المعيار القانوني للتمييز بين الرسوم الجبائية و الرسوم الشبه جبائية يكمن في عملية التحصيل ذاتها, إن أن الضريبة كونها مبلغ نقدي يوجب آداؤه للدولة حسب نوع الضريبة و دون مقابل, و عليه فإن الصنف الأول (الفقرة الأولى) لا يفترض وجود مقابل على عكس الصنف الثاني (الفقرة الثانية) أو الرسوم الشبه جبائية التي تفترض وجود مقابل أثناء عملية التحصيل المنظمة بموجب قانوني رقم 39.07 و 30.89[32].

الفقرة  الأولى : الإيرادات الجبائية

تعتبر الإيرادات الجبائية أحد أهم الموارد التي تأسس للتوازن الميزانياتي و بالتالي خلق تمويل كاف لسد متطلبات النفقات بما فيها نفقات التسيير و نفقات التجهيز, و قد حدد قانون 47.06 هذا الرسوم حصرا في 17 عشر رسما مقسمة لثلاث أصناف كبرى؛ خصص منها 11 رسما للجماعات/ 3 رسوم للعمالات و الأقاليم/ 3 رسوم للجهات.

أولا: الرسوم المستحقة لفائدة الجماعات (11 رسما) و هي كالآتي :

  • الرسم المهني
  • رسم السكن
  • رسم الخدمات الاجتماعية
  • الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية
  • الرسم على عمليات البناء
  • الرسم على عمليات تجزئة الأراضي
  • الرسم على محلات بيع المشروبات
  • الرسم على الإقامة بالمؤسسات السياحية
  • الرسم المفروض على المياه المعدنية و مياه المائدة
  • الرسم على النقل العمومي للمسافرين
  • الرسم على استخراج مواد المقالع

ثانيا: الرسوم المستحقة لفائدة العمالات و الأقاليم (ثلاث رسوم) و هي كالآتي :

  • الرسم على رخص السياقة
  • الرسم على السيارات الخاضعة للفحص التقني
  • الرسم على بيع الحاصلات الغابوية

ثالثا: الرسوم المستحقة لفائدة الجهات (ثلاث رسوم) و هي كالآتي :

  • الرسم على رخص الصيد
  • الرسم على استخراج المناجم
  • الرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ

الفقرة الثانية: الإيرادات شبه الجبائية

لقد جاء قانون 07.39 بصيغة انتقالية, حيث نص الأخير على أن تستمر جملة من الأحكام سارية خاصة أحكام الأبواب 4, 5, 8, 9, 10 ,11 ,12 ,13 , 14, 15, 32, 33, 34 من الكتاب الثاني من القانون رقم 89.30 الخاص بنظام الضرائب المستحقة للجماعات المحلية و هيآتها. و جدير بالذكر أن الصبغة الانتقالية لقانون 07.39 أثارت نقاشا مهما حول مدى الطابع الجبائي من عدمه للرسوم و الحقوق و الأتاوى و المساهمات التي أبقى عليها القانون. ليخلق التراكم الفقهي نقاشا ذا طابع دستوري مفاده أن إبقائها في دائرة القانون سيكرس اختصاص البرلمان أم أنها ذات طابع تنظيمي يعود فيه الاختصاص للسلطة التنظيمية بواسطة مرسوم. و نتيجة لذلك انعكس النقاش القانوني على معيار التصنيف بين الرسوم ذات الطابع الجبائي و الرسوم التي ينتفي فيها, و بالتالي تكريس الاختصاص التشريعي للأولى دون الثانية و هو الأمر الذي سيساهم في إخراج قانون 47.06.

عموما فإن الرسوم الواردة في هذا القانون هي كالآتي :

  • الرسم المترتي على اتلاف الطرق
  • رسم تصديق الإمضاء أو الإشهاد بالتطابق
  • الرسوم المفروضة على الذبح في المجازر
  • الرسم الإضافي المفروض على الذبح في المجازر لفائدة المشاريع الخيرية
  • الرسوم المقبوضة في الأسواق و أماكن البيع العامة
  • رسم المحجز
  • الرسم المفروض على وقوف العربات المعدة للنقل العام للمسافرين
  • رسوم الحالة المدنية
  • مساهمة أرباب العقارات المجاورة للطرق العامة في نفقات تجهيزها و تهيئتها
  • الرسم المفروض على البيع في أسواق البيع بالجملة و أسواق السمك
  • الرسم المفروض على شغل الأملاك الجماعية العامة مؤقتا لأغراض البناء
  • الرسم المفروض على الأملاك الجماعية العامة مؤقتا لأغراض تجارية أو صناعية أو مهنية
  • الرسم المفروض على الأملاك الجماعية العامة مؤقتا بمنقولات و عقارات ترتبط بممارسة أعمال تجارية أو صناعية أو مهنية.
  • إن ما يلاحظ من الناحية العددية على غرار النوعية فإن رسوم المستحقة لفائدة الجماعات تحتل حصة الأسد بالمقارنة مع الرسوم المستحقة لكل من العمالات و الأقاليم و الجهات, و هو الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات حول ما مدى عدالة هذا التقسيم إذا ما علمنا أن الجهة تتبوأ مكانة الصدارة و أنها القاطرة الأولى بين الحكومة المركزية و بين العمالات و الأقاليم و الجماعات, و منه يجدر طرح الإشكالية التالية؛ ما الغاية من تقليص الرسوم الجبائية و شبه الجبائية المستحقة لفائدة الجهات, علما أن رهان الدولة في تفعيل جهوية متقدمة رهين بالجهة نفسها بالدرجة الأولى ؟

المطلب الثاني: الإرادات الخاصة

يضم هذا الصنف من الإرادات المداخيل العائدة لفائدة الجماعات الترابية من خلال التدبير المباشر للممتلكات المنقولة و العقارية التابعة لها, أو التي يسمح لها القانون بتوجيهها لفائدتها, و هي موارد تتبوأ مكانة متميزة على مستوى ميزانية الجماعات الترابية, كونها موارد محلية تعود ملكيتها إلى الجماعات الترابية و هو ما يعطيها بموجب القانون حرية التصرف فيها و كذا حسن تدبيرها و حسن استغلالها لفائدة المصلحة العامة المحلية بشكل خاص و لفائدة المصلحة العامة بشكل عام.

الفقرة الأولى: مدخول الأملاك الجماعية

تعتبر الأملاك الجماعية من أهم الموارد التي تمتلكها مجالس الجماعات الترابية لتكثيف إيراداتها الخاصة و بالتالي ممارسة أنشطتها و مهامها على أكبر قدر من النجاعة من أجل بلوغ تدبير الشأن المحلي و النهوض بالتنمية المحلية[33], و يقصد بالأملاك الجماعية مختلف الممتلكات التابعة للجماعات الترابية و هي تتوزع إلى صنفين رئيسيين :

الأملاك جماعية عامة: وهي مختلف الأملاك العامة التي تمتلكها الجماعات الترابية ملكية قانونية تامة مخصصة إما من أجل استعمال العموم أو من أجل تسيير المرافق العامة المحلية[34], أي أنها تندرج ضمن الملك العام الجماعي, و بهذه الصفة لا يمكن أن تكون موضوع ملكية خاصة للجماعات الترابية, لأنها موجهة للمنفعة العامة المحلية و لايجوز إخضاعها لمقتضيات القانون الخاص. كما تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال بيع أو رهن أو كراء أو التصرف فيها بأي شكل من الأشكال و من بين هذه الأملاك العامة على سبيل المثال لا الحصر ( الأزقة, الشوارع, المقابر “الإسلامية و اليهودية”, الضرائح, المياه المعدنية, القواديس, مجاري المياه, الحدائق, البساتين…)[35].

الأملاك الجماعية الخاصة: هي جميع العقارات و البنايات التي تمتلكها الجماعات الترابية ملكية خاصة و لها كامل الحرية التصرف فيها, إذ يمكن أن تكون موضوع تفويت أو كراء أو رهن…, و ذلك طبعا وفق المساطر و المقتضيات القانونية المنظمة لهذه الأملاك لضمان حمايتها و ضمان استعمالها بغرض تحقيق المصلحة العامة.[36]

الفقرة الثانية: مدخول الملك الغابوي

إن توفر المغرب على بنية إيكولوجية متميزة و متنوعة, ساهمت في تشكل غطاء نباتي و مجال غابوي في أكثر من منطقة و بمساحة إجمالية تقدر بحوالي 9 ملايين هكتار و هو ممكنه من احتلال المرتبة الثانية بعد تركيا من حيث التنوع البيولوجي على مستوى دول على البحر الأبيض المتوسط[37]. و هو الأمر الذي لعب و لازال يلعب أدوارا مهمة في التنمية الوطنية و المحلية على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي, حيث أن الجماعات الترابية بالمغرب تستمد نسبا مهمة من إيراداتها من الملك الغابوي, و ينظم تدبير الملك الغابوي بمقتضى ظهير 10 أكتوبر 1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات و استغلالها كما وقع تغييره و تتميمه. و ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد المجال الغابوي بالمغرب لازال يعرف مجموعة من التحديات الخطيرة جدا إن لم نقل المصيرية, إن أن ضعف الترسانة القانونية التي تنظم هذا المجال مقارنة مع بعض التشريعات الأخرى و الإستغلال المفرط للأخشاب من لدن المقاولين و الحرفيين ناهيك عن الزحف العمراني و الإسمنتي نتيجة النمو الديموغرافي السريع الذي عرفه المغرب في أواخر القرن السالف و العقد الأول من هذا القرن, و كذا الرعي الجائر و حاجيات الأفراد من الحطب للأغراض المنزلية و هلم جرا[38].

المبحث الثاني: الإرادات الخارجية و الاستثنائية

تعتبر الموارد الخارجية أو الاستثنائية مجموعة من الموارد التي تستفيد منها الجماعات الترابية و يكون وعائها خارج نطاقها الجغرافي, حيث أن الجماعات الترابية لا تعتمد كليا على مجموع مواردها الذاتية والخاصة بل تلجأ دائما الى الامدادات و المساعدات العمومية و القروض نتيجة عجز الموارد الذاتية  والخاصة على تلبية الحاجيات المحلية, و هو ما يطرح اشكالا على مستوى مبدأ التدبير الحر لأن الدولة لا تمنح مساعداتها الا وفق شروط مسطرية خاصة. و بالتالي صعوبة إن لم نقل استحالة استقلالية الجماعات الترابية و الجهات على رأسها.

لقد بلغ مجموع الموارد المالية برسم سنة 2019[39]:

42.84 مليار درهم بالنسبة لمجموع الموارد المالية.

28.48 مليار درهم من الموارد المرصدة من قبل الدولة لفائدة الجماعات الترابية.

14.36 مليار درهم من الموارد الذاتية للجماعات الترابية.

و تأسيسا على ذلك يظهر الدور الرئيسي للدولة في موازنة ميزانية الجماعات الترابية, إذ أن هذه الأخيرة و مهما سعت لا يمكنها أن تبلغ الإستقلالية المطلقة تدخل الدولة, كما أن تباين موارد الجهات يساهم أيضا في اختلاف درجات وصاية السلطة المركزة عليها, كما أن للأمر ارتباطا وثيقا بالتقسيم الجهوي المعتمد الذي يضع جهات تضم أقاليم و جماعات غنية جدا مما جعل ظروف العيش فيها و جودة مرافقها و خدماتها تستقطب أهم الأوراش الاقتصادية و الإستثمار و منه خلق ثروات و مركزة فئات مجتمعية نشيطة, في المقابل جهات أخرى فقيرة و مهمشة تضم أقاليم و جماعات عاجزة, و هو الأمر الذي يثقل كاهل الدولة حيث تعرف فيها الإمدادات العمومية و القروض نسبا عالية.

المطلب الأول: الإمدادات العمومية

تشكل الإمدادات العمومية إحدى أبرز الموارد الخارجية التي تحصل عليها الجماعات الترابية من السلطة المركزية نظرا لعجز الموارد الذاتية و الخاصة على سد نفقاتها, و هي كل الإعانات و المنح التي تمد بها الدولة الجماعات الترابية من أجل تحقيق التوازن الميزانياتي التقديري أو لتمويل بعض المشاريع التجهيزية و تتولى الدولة توزيعها وفق شروط و أدوات خاصة, و يبقى الهدف الأسمى منها هو تمكين الجماعات الترابية ذات الموارد الضعيفة من سد حاجياتها المالية و بالتالي تحقيق المصلحة العامة[40].

و قد طرحت الامدادات العمومية و لازالت تطرح إشكالية مبدأ التدبير الحر و استقلالية الجماعات الترابية و لو نسبيا عن الدولة المركزية, حيث في ظل الوصاية التي تمارسها الدولة المركزية عبر مصالحها و مؤسساتها اللاممركزة[41] عن طريق آلية التأشير كصلاحية مخولة لرجال السلطة.

الفقرة الأولى: إعانات التسيير

تعتبر اعانات التسيير تقنية مالية من أجل مساعدة الجماعات الترابية التي تعاني من صعوبات مالية يصعب معها تحمل الجماعة الترابية نفقات التسيير الخاصة بها, و هو الأمر الذي يتطلب تدخل الدولة المركزية عن طريق الإعانات و بالتالي مساعدتها على تغطية عجز الميزانية التقديرية الخاصة بها. و ما تجدر الإشارة اليه أن التفاوت المالي بين الجماعات الترابية ما بين الجهات فيما بينها و بين الجماعات الترابية فيما بينها يجعل من الدولة دائما ملزمة بالتدخل و دعم الجماعات الترابية لا سيما في نفقات التسيير نظرا لأهميتها و محوريتها فيما يتعلق بسيرورة و استمرار الجماعات الترابية و الهيئات التابعة لها.

الفقرة الثانية: إمدادات التجهيز 

تعتبر امدادات التجهيز أداة مالية مهمة تقوم الدولة بمنحها للجماعات الترابية و ذلك قصد تمكينها من مجابهة الأعباء المالية ا التي تدخل ضمن نفقات التجهيز الملقاة على كاهلها, علاوة على تشجيعها على القيام باستثمارات داخل مجالها الترابي, لاسيما بعد أن أضحت الجماعات الترابية بعد صدور القوانين التنظيمية لها سنة 2015 تتمتع بجملة من الاختصاصات و الأدوار كإقامة البنيات و البرامج التجهيزية من أجل جلب الاستثمارات و تشجيعها.

يراد بإمدادات التجهيز المبالغ المالية المحولة من الدولة للجماعات الترابية قصد تمويلها لبرامج تجهيزية, كالبنايات لغاية تجارية ( أسواق مغطاة, مذابح, أسواق أسبوعية (أسواق الجملة), غرف تبريدية…), و بنايات لغاية إدارية (مرآب السيارات, دور محلية, فنادق المدينة…) , و بنايات لغاية ثقافية و ترفيهية (مسابح, دور الشباب, ملاعب القرب, فضاءات خضراء…) , و بنايات لغاية دينية (مساجد, أضرحة و زوايا, مقابر…). و بالتالي تقوم الدولة بتمويل هذه التجهيزات تارة بشكل كلي و أخرى بشكل جزئي مع الأخذ بعين الاعتبار الذمة المالية للجماعة الترابية.

إن الخلاصة من الموارد الخارجية التي تمنحها الدولة للجماعات الترابية من أجل تدعيم ميزانياتها تكمن في كونها الأساس الذي تعتمده الجماعات الترابية في الغالب الأعم لسد حاجياتها و خلق توازن ميزانياتي بين مداخيلها و نفقاتها.

المبحث الثالث: أنواع نفقات الجهات و الجماعات الترابية الأخرى

تلجأ الجماعات الترابية لإشباع حاجياتها في ميدان التنمية في كافة الاختصاصات التي تمنحها القوانين التنظيمية لها, بغية انخراطها في مسلسل اللامركزية و بالتالي الجهوية المتقدمة عبر تنزيل المخططات و البرامج التنموية المحلية حسب كل جماعة من موقعها و الأدوار المناطة بموجب القانون بطبيعة الحال. الى أن ما ينبغي الإشارة اليه أن النفقات تتطلب انفاقا ماليا يترجم الفصول و البنود المعدة في الميزانية المحلية.

ان مفهوم نفقات الجماعات الترابية بشكل عام و الجهات خاص, لا يمكن تحديده و فهمه الا عن طريق العودة لأصله, حيث ظل هذا الأخير مرتبطا أشد ارتباط بمالية الدولة أو نفقات الدولة باعتبارها دائما ما تسعى في اطار الدولة المتدخلة لسد الحاجيات العامة و تحقيق المنفعة العامة, و يمكن القول أن النفقات العامة هي مبالغ مالية تنفقها الدولة لإشباع حاجيات الأفراد و المؤسسات من أجل تحقيق المصلحة العامة و كذا مصلحتها, وقياسا على ذلك فالنفقات المحلية هي مبلغ مالي محدد في ميزانية الجماعات الترابية تقوم هذه الأخيرة بإنفاقه في اطار الاختصاصات المنوطة بها بغية تحقيق المصلحة العامة المحلية.

و يتم تقسيم نفقات الجماعات الترابية حسب مجموعة من المعايير[42] تختلف حسب الرؤية المعتمدة في تقسيمها, فإنها حسب معيار تأثيرها في الدخل الوطني(القدرة الشرائية) يتم تقسيمها إلى النفقات الحقيقة و التحويلية. كما يمكن تقسيمها أيضا اعتمادا على معياري التكرار و الدورية الى نفقات عادية و نفقات غير عادية. بينما هناك أيضا التقسيم الوظيفي الذي يقسمها حسب وظائف الدولة إما الى نفقات إدارية أو نفقات اقتصادية أو نفقات اجتماعية. إن المعيار الاقتصادي يحتل في هذا الإطار مكانة الصدارة عند التفريق بين نفقات التسيير و نفقات التجهيز, الا أن التقسيم الذي تخضع له الجماعات الترابية بالمغرب يتحدد في قسمين هما :

نفقات التسيير و هي نفقات إجبارية, نفقات التجهيز و هي نفقات اختيارية[43].

المطلب الأول: نفقات التسيير أو النفقات الإجبارية

تعتبر النفقات الاجبارية أو نفقات التسيير الجزء الأول للميزانية المحلية نظرا لكون هذه الأخيرة بمثابة المحرك الذي يمكن الجماعات الترابية للقيام بمهامها الرئيسية للتدبير المحلي, و لعل هذا الأمر هو الذي دفع المشرع المغربي لاعتبارها نفقات إجبارية واجبة التسجيل في الجزء الأول من الميزانية المحلية.

الفقرة الأولى: تعريف نفقات التسيير

لقد اعتمد المشرع المغربي من خلال المقتضيات القانونية و التنظيمية المنصوص عليها في القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية مصطلح نفقات التسيير[44] و اعتبرها من هذا المنطلق كل النفقات التي تشمل نفقات الموظفين و الأدوات و اللوازم, و نفقات الصيانة و إرجاع الأقساط السنوية المترتبة عن القروض التي استفادت منها الجماعة أو الإقليم أو الجهة.

الفقرة الثانية: طبيعة نفقات التسيير

تتميز نفقات التسيير بطابع الإجبارية و هو ما يشمل الجانب الأكبر المكون لنقات التسيير, باعتباره يرتبط بالسير العادي و الحيوي للجماعات الترابية, فالنفقات الاجبارية هي التي اعتبرها المشرع كذلك نظرا لحساسيتها. و أوجب على الجماعات الترابية تسجيلها في الميزانية السنوية الخاصة بها, تحت طائلة تسجيلها بموجب القانون في حالة تماطل المجالس المحلية عن القيام بذلك.

لقد حدد القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية لائحة النفقات الاجبارية على المستوى المحلي, و هي نفقات ترتبط بصورة عامة بمجموعة من النفقات الاستهلاكية الأساسية في التسيير العادي و اليومي للمجالس الجماعية:

كأداء أجور الموظفين و الأعوان,نفقات الصيانة, وواجبات الاشتراك في منظمات الاحتياط و صناديق التقاعد, و المساهمة في نفقات التعاضديات, و المصاريف المتعلقة بالماء و الكهرباء, و أداء الديون الحال أجلها و غيرها من النفقات الملقاة على كاهل الجماعات الترابية و بموجب الاختصاصات الذاتية و المشتركة و المنقولة التي تخولها لها القوانين المنظمة لها[45].

علاوة على ذلك فقد حدد ظهير 20 شتنبر 1976 جملة من النفقات الاجبارية الأخرى المتعلقة بمشاركة السكان في تنمية الاقتصاد الغابوي, حيث تعد إلزامية بالنسبة للمجالس الجماعية التي تستفيد من الموارد الغابوية في حدود نسبة لا تقل عن 20 في المائة, و تضم هذه النفقات :

  • تشجير الأراضي
  • تحسين الغابات و المراعي
  • التهيئة و غراسة الأشجار المثمرة
  • التنقيب عن العيون و تهيئة نقط الماء
  • تهيئة المخابئ الجماعية أو المسالك
  • احداث مساحات خضراء و حماية المناظر الطبيعية

ما ينبغي استحضاره هو أن الغاية من  الطبيعة الاجبارية لهذه النفقات تكمن بجعل مجال التسيير على المستوى المحلي يحضى بالأهمية القصوى, كما أن نفقات التسيير لا يسمح فيه للمجالس بحرية التصرف و المبادرة نزرا لارتباطه بالسير السليم و الاعتيادي للجماعات الترابية.

المطلب الثاني : نفقات التجهيز أو الاستثمار

إن نفقات التجهيز أو الاستثمار, و كما يدل اسمها على أنها نفقات ليست ذات طابع اداري, و انما هي نقات ذات طابع تنموي ترتبط في الغالب الأعم من الحالات بمسألة تحرير فوائض مالية تسمح ببرمجتها في الجزء الثاني من الميزانية المحلية.

الفقرة الأولى : تعريف نفقات التجهيز

تعتبر نفقات التجهيز أو الاستثمار في الأصل نفقات غير عادية أو استثنائية ترتبط بشكل وثيق بتوافر الاعتمادات المحلية لتغطيتها و لعل هذا ما يميزها عن النفقات العادية أو نفقات التسيير التي تعتبر نفقات عادية و اجبارية, و بمعنى آخر فان عدم توافر الاعتمادات فان الجماعة الترابية ( سواء تعلق الأمر بتحقيق فائض في الجزء الأول من الميزانية الخاص بالتسيير, أو عند عدم تلقي الإعانات الكافية من لدن الدولة, أو عدم ابرام أ قرض ) و بالتالي تكون الجماعة الترابية هنا غير ملزمة بانجازها.

و تضم نفقات التجهيز النفقات الخاصة بالأشغال و البرامج العمومية المحلية, المنصوص عليها في القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية[46]. كما تجدر الإشارة الى أن النفقات الاستثمارية أو نفقات التجهيز يتم تغطيتها من الموارد الخارجية و الاستثنائية كالقروض و المساعدات و الإعانات على عكس نفقات التسيير التي تغطى بالايردات الذاتية.

الفقرة الثانية: طبيعة نفقات التجهيز

إن الطبيعة العامة لنفقات التجهيز, هي أنها في مجملها نفقات اختيارية, حيث أن هذه الأخيرة تتحصل في كل النفقات غير المنصوص على اجباريتها بموجب القانون, على اعتبار أن النفقات الاجبارية تهم فقط نفقات التسيير المحلي. و الطابع الاختياري لهذه النفقات يرتبط في الواقع العملي بالامكانيات المالية التي تسمح أو تسعف في القيام بالأشغال و البرامج و التجهيزات ذات المصلحة العامة المحلية.

و قد حددت مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالجهات خاصة و بالجماعات الترابية الأخرى عامة تعداد نمطي لنفقات التجهيز المحلي, و هي النفقات الخاصة بجميع برامج التجهيز و النفقات الخاصة بالأشغال التي تدخل في الاختصاصات المحددة للجماعات الترابية, بالإضافة الى النفقات الخاصة باستهلاك الدين المفترض, و الامدادات الممنوحة, و حصص المساهمات. و تهم نفقات التجهيز, النفقات الموجهة بالأساس لانجاز برامج التنمية على المستويات الجهوية أو الإقليمية أو الجماعية, و كذلك البرامج المتعددة السنوات.

التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات سنة 2014

 

الخاتمة:

تعتبر الجماعات الترابية و على رأسها الجهات أشخاصا معنوية خاضعة للقانون العام تتمتع بالاستقلال المالي و الإداري, كما تنتخب أجهزتها التقريرية بطريقة ديموقراطية, و بهذا الاعتبار فقد أسندت لها مجموعة من الاختصاصات منها اختصاصات ذاتية, مشتركة, منقولة, الا أن قيامها بهذه الاختصاصات يتطلب مداخيل و إيرادات قادرة على تحقيق التوازن الميزانياتي بين مداخيلها و نفقاتها. علاوة على ذلك فإن الإيرادات الذاتية الخاصة بالجماعات الترابية تظل ضئيلة أمام الإيرادات الخارجية و الاستثنائية و هو ما يضع مبدأ التدبير الحر أمام تناقض صارخ يتمثل في ضرب استقلالها نظرا للمساطر التي يحددها القانون أثناء إعداد و تنفيذ الميزانية.

لا شك أن نجاح التنمية الترابية اليوم رهين بنجاح الجهات باعتبارها القاطرة بين الجماعات الترابية الأخرى و الدولة, حيث صياغة و إعداد و تنفيذ استراتيجيات مالية فعالة عبر وثيقة الميزانية المحلية بات أمرا ملحا, مع الإشارة الى أن تشخيص مكامن الضعف و الخلل و القوة بالنسبة للجماعات الترابية أمر لا يمكن التهاون فيه كون هذه العملية بمثابة الجسر الذي سيمكن كافة الفاعلين الترابيين من أجل إيجاد الحلول الناجعة و اللازمة لتخطي و تجاوز التحديات على المستوى التنموي و كذا على المستوى الديموقراطي.

أخيرا فإن المغرب المعاصر كبلد في طور النمو و التكوين قد عرف في الآونة الأخيرة تطورا سريعا و كبيرا على مستوى التنمية و الديموقراطية الوطنية بشكل عام و المحلية بشكل خاص, إذ أن إدراكه للمتغيرات و الميكانيزمات السياسية و الاقتصادية الخاصة سيمكنه لا محالة من مجاراة عجلة التقدم و التطور بشكل أسرع, و على المستوى الإداري فإن المغرب ملزم بالخوض في تجربة الجهوية المتقدمة بشكل منفرد و خاص و ذلك لعدة اعتبارات سياسية و جغرافية و اجتماعية.

 

 

 

 

 

 

الفهرس

مقدمة: 5

                              أولا : أهمية الموضوع. 8

                              ثانيا: إشكالية البحث.. 9

الفصل الأول : 10

الإطارين المفاهيميين و التاريخي للجهوية المتقدمة. 10

المبحث الأول : الإطار المفاهيمي للجهوية المتقدمة. 11

المطلب الأول : التعريف اللغوي للجهوية المتقدمة. 11

الفقرة الثانية: المتقدمة. 12

المطلب الثاني : التعريف القانوني للجهات و للجهوية المتقدمة. 12

المبحث الثاني : الجهوية الموسعة بأوروبا 13

المطلب الأول : الجهوية الموسعة بفرنسا 14

المطلب الثاني : الجهوية الموسعة بإسبانيا 17

المبحث الثاني : المغرب من اللامركزية الإدارية نحو الجهوية المتقدمة. 19

المطلب الأول : نشأة اللامركزية الإدارية بالمغرب.. 19

المطلب الثاني : اللامركزية و ورش الجهوية المتقدمة. 21

خاتمة الفصل : 25

الفصل الثاني: 27

ميزانية الجهات.. 27

و الجماعات الترابية الأخرى.. 27

المبحث الأول: الإيرادات المحلية الذاتية و الخاصة. 30

المطلب الأول : الإيرادات الذاتية. 32

المطلب الثاني: الإرادات الخاصة. 35

المبحث الثاني: الإرادات الخارجية و الاستثنائية. 36

المطلب الأول: الإمدادات العمومية. 37

المبحث الثالث: أنواع نفقات الجهات و الجماعات الترابية الأخرى.. 38

المطلب الأول: نفقات التسيير أو النفقات الإجبارية. 39

المطلب الثاني : نفقات التجهيز أو الاستثمار. 41

الخاتمة: 43

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]  كلود ليفي شتراوس ” الفكر البري” ص 25

[2]  Robert montagne “ Les berbers et le mekhzen » page 35\36

3.مبدأ التعيين طبقا للقانون التنظيمي رقم 02.12 و لأحكام الفصل 49 و 92 من الدستور فإنه تلك المساطر و المعايير التي تعتمدها السلطة المركزية في إدراج الأطر العليا في المناصب التي تهم تدبير المقاولات العمومية و الإدارات العمومية و قس على ذلك.

[4] Concentration et déconcentration dans l’organisation des bibliothèques françaises de province (1855_1985) une thése d’obtention le doctorat page 14-15

[5] https://www.larousse.fr

[6] https://www.almaany.com

[7] الأبرشية نوع من التنظيم الكنسي تتمتع فيه كل أبرشية باستقلال ذاتي، وقد تبنى البروتستانت هذا الشكل الإداري للكنيسة، ويطلق عليهم اسم “الطائفيون” حيث جعلوا كل جماعة مصلين يديرون شؤونهم بأنفسهم.

[8] Jean françois gravier « La Haine de la ville : Paris et le desert français, pages  8.9 »

Jean françois gravier « La Haine de la ville : Paris et le desert français » [9]

[10]   www.vie-publique.fr / Les lois Defferre, premières lois de décentralisation

 

[12]  محمد نبيه ” الجهوية المتقدمة بين اللامركزية و اللاتمركز ( الجانب القانوني و المحاسبي ) الطبعة الأولى 2019.ص77, 78ص

[13]  ظهير شريف رقم   1.63.273 بشأن تنظيم العمالات والأقاليم ومجالسها

[14] BAGUENARD JAQUE(2004) « La décentralisation… Opt. Cit. (p. 8)

[15] المادة 80 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص، 6585.

[16]  المادة 82 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015، ص، 6585.

 

 

[18] المادة 88

 

من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83، الجريدة الرسمية عدد 6380، بتاريخ 23 يوليوز 2015

[19] المادة 5 من القانون رقم 111.14

[20] الفقرة الثالثة من المادة 80 من نفس القانون أعلاه.

[21]  Guide relatif à la procédure d’élaboration du Schéma Régional d’Aménagement du Territoire, de son               actualisation et de son évaluation.

[22] المادة 28 من نفس القانون أعلاه.

[23]  برهان زريق : السلطة الإدارية  ص 52

[24]  أساسيات المالية العامة : النفقات العامة – الإيرادات العامة – الميزانية العامة / سوزي عدلي ناشد / الصفحة 20

[25]  الفصل 136 من دستور 2011

[26] الفصل 143 من دستور 2011

[27] الفصل 141 من دستور 2011

[28]  كريم لحرش : تدبير مالية الجماعات الترابية / ص 11

[29]  القانون التنظيمي للجهات 111.14 / القانون التنظيمي للعمالات و الأقاليم 112.14 / القانون التنظيمي للجماعات 113.14

[30]  المادة 189 من القانون المتعلق بالجهات

المادة 167 من القانون المتعلق بالعمالات و الأقاليم

المادة 174 من القانون المتعلق بالجماعات

[31] القانون رقم 47.06 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية يشكل لبنة أساسية من أجل إرساء إصلاح جبائي يمهد لتحقيق العدالة الجبائية بين الملزمين ويساهم في تطوير الموارد الذاتية للجماعات الترابية ببلادنا، كما تجدر الإشارة، إلى أنه سيتم في مرحلة لاحقة إدراج التعديلات الكفيلة بتفعيل باقي توصيات المناظرة الثالثة للجبايات.

[32] ظهير شريف رقم 1.07.209 صادر في 16 من ذي الحجة 1428 (27 دجنبر 2007) بتنفيذ القانون رقم 39.07  بسن أحكام انتقالية فيما يتعلق ببعض الرسوم والحقوق والمساهمات والأتاوى المستحقة لفائدة الجماعات المحلية.

[33]  البوعزاوي بوجمعة, القانون الإداري للأملاك, مطبعة الأمنية, الرباط, الطبعة الأولى, 2013 ص 37

[34]  عبد الواحد شعير الوضعية الحقوقية لممتلكات الجماعات المحلية بالمغرب,مجلة المالية المحلية و الاقتصاد الحهوية, العدد 1, 1995, ص41

[35]  الفصل 2 من ظهير 19 أكتوبر 1921 المتعلق بالأملاك الخاصة بالبلديات

[36] ظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بأملاك الدولة.

ظهير 1921 الخاص بأملاك البلدية.

ظهير 28 يونيو 1954

[37]  محمد أنديشي الوضعية الراهنة  للقطاع الغابوي المغربي التشخيص و التحديات المطروحة, ص 26

[39] احصائيات الخزينة العامة للمملكة, السنة 2019

[40] كريم الحرش: تدبير مالية الجماعات الترابية ص 53,54 مرجع سابق

[41] الميثاق الوطني للاتمركز الإداري 2018

[42]  سعيد جفري, تدبير المالية العمومية بالمغرب, مطبعة أوماكراف, الدار البيضاء, الطبعة الأولى, 2009, ص19

[43]  المادة 193 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات

[44]  المادة 194 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات الذي سبقت الإشارة اليه.

[45]  المادة 172 من ق.ت للعمالات و الأقاليم

المادة 173 من ق.ت للجماعات

المادة 196 من ق.ت الخاص بالجهات

المادة 174 من ق.ت للعمالات و الأقاليم

المادة 181 من ق.ت للجماعات

[46] المادة 195 من القانون التنظيمي الخاص بالجهات

المادة 194 من القانون التنظيمي الخاص بالجهات

المادة 193 من نفس القانون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى