مقالات قانونية

مبدأ استقلال شرط التحكيم

ذ. رشيد بويرمان باحث في قانون الأعمال

 

 

يعد موضوع التحكيم من أهم المواضيع التي أصبحت تحظى في الوقت الراهن بدراسات عديدة خاصة أمام تزايد حالات اللجوء إليه تحديدا على مستوى التجارة الدولية، ويمكن تفسير ذلك بمبررات عدة يبقى أبرزها انسجامها مع أحد أهم خصائص التجارة الأمر يتعلق طبعا بالسرعة، فالتحكيم يقوم على فض المنازعات  بشكل سريع مع قلة التكاليف وسرية مسار التقاضي، وهو أهم ما يدفع التجار إلى اعتماده.
وقد ترتب عن ذلك تأثر أغلب التشريعات سوى كانت دولية أو وطنية، بحيث سارعت إلى إصدار مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم هذه الآلية خاصة أمام ما يتحقق بفعله من ارتفاعات في حجم الاستثمارات وهو احد أهم اتجاهات الدول الحديثة، وقد تعزز ذلك أيضا بظهور مجموعة من المؤسسات المنظمة والتي تتولى مهمة الفصل في النزاعات بدل القضاء الذي يكتفي بمراقبة عمل المحكمين عن بعد.
وهكذا، فقد أصبحت العديد من العقود تحمل اتفاقا للتحكيم، وهو أهم ركن من أركان قيام التحكيم، بحيث لا يمكن تصور اللجوء إلى هذه الآلية لفض نزاع معين ما لم يكن هناك اتفاق على ذلك، هذا الأخير يمكن إما أن يأخذ شكل شرط تحكيم والذي يتم إدماجه في العقد الأصلي موضوع النزاع، أو في وثيقة لاحقة شريطة اقترانه بضرورة وقوعه قبل حدوث النزاع الذي يتم الاحتكام فيه للمحكم، وإما في شكل عقد لاحق يأتي بعد وقوع النزاع وهنا نتحدث عن المشارطة.
وإذا كانت الأخيرة –أي المشارطة- لا تثير إشكالات عديدة على اعتبار أنها تقع بعد حدوث نزاعات مما يجعل الأطراف على بينة من أمرهم، فشرط التحكيم يثير الكثير من علامات الاستفهام خاصة وأنه يقع قبل حدوث النزاع الذي يجهل عنه الأطراف كل شيء.
ولعل موضوع مبدأ استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي يظل من أهم المواضيع التي تثير عديدا من التساؤلات التي تقتضي منا ضرورة الوقوف عليها بالدراسة خاصة في ظل وجود اختلاف جوهري داخل قوانين الدولة الواحدة فيما يخص مقتضياته.  
أهمية الموضوع
تنبع أهمية هذا البحث من أهمية موضوعه الذي يتناول أهم ركن من أركان التحكيم، الأمر يتعلق طبعا بشرط التحكيم وآثاره الايجابية التي تعد أساس نجاح مؤسسة التحكيم والحكم بأفضليته على مستوى وسائل حل النزاعات. 
علاوة على ذلك تأتي أهمية دراسة موضوع مبدأ استقلالية شرط التحكيم في وقت يعرف فيه الأخير خاصة على المستوى التجاري تطورا ملحوظا كنظام مصاحب للنظام القضائي.
وتزداد أهمية البحث خاصة إذا أخدنا بعين الاعتبار أنه يعالج أحد أهم الموضوعات التي تعد حديثة والتي لم تكن معروفة ومطبقة في ظل معظم أنظمة التحكيم في العالم حتى السنوات الأخيرة وخاصة مبدأ استقلالية شرط التحكيم، وما يفسر صحة هذا الكلام هو قلة الكتابات القانونية التي  عالجت  هذا الموضوع.
كذلك تأتي أهمية الموضوع في معرفة مسار النزاعات المرتبطة بالعقد الأصلي الذي اقترن بشرط التحكيم، بحيث يتحدد على أثره صاحب الاختصاص  في البث في كل ما له علاقة بالعقد الأصلي.
دواعي اختيار الموضوع
 يعد موضوع مبدأ استقلالية شرط التحكيم من المواضيع التي تعد من الأهمية بمكان والتي تقتضي منا ضرورة الوقوف عليها بالدراسة في سبيل إعطاء فكرة واضحة وشاملة بهدف خلق إجابات للعديد من الأسئلة التي تجعل الموضوع غامضا.
ويأتي اختيارنا للموضوع نتيجة اقتناع ووعي بأن تقديم الحلول لأهم  المشاكل التي تعترض التحكيم من شأنه حل النزاعات المعروضة عليه خاصة عند الحديث عن شقها التجاري، وبالتالي تشجيع الاستثمار باعتبار أن ذلك يعد احد أهم توجهات المشرع المغربي في الوقت الراهن على غرار أغلب تشريعات العالم.
إلى جانب ما سبق، يشكل قلة الدراسات القانونية المتخصصة في الموضوع أحد دوافع اختيارنا لهذا الموضوع، ويبقى الهدف من ذلك هو محاولة إضافة عمل جديد إلى الخزانة المغربية يتناول موضوعا في غاية الأهمية.
  كما أن وجود إشكالات عميقة مرتبطة بهذا الموضوع على مستوى التشريع المغربي والذي نلحظ وجود اختلافات بشأنه داخل قواعده القانونية المختلفة وما ترتب عن ذلك من اختلافات على مستوى الفقه والقضاء يظل من أهم الدوافع الذي جعلتنا نختار هذا الموضوع في محاولة منا لتقديم حلول شافية ومعمقة.
وأخيرا، يشكل صدور التعديلات الأخيرة على مستوى قانون المسطرة المدنية المغربية بخصوص موضوع التحكيم بتاريخ 30 غشت 2012، من أهم المبررات التي تدفعنا لاختيار الموضوع وذلك نظرا لحداثة هذا القانون، وبالتالي الوقوف على أهم  مستجداته خاصة التي لها علاقة بموضوعنا، وهي بذلك ستكون دراسة غنية بالمعلومات التي تجيب على أهم الإشكالات ستفتح بذلك الباب أمام نقاشات كثيرة في المستقبل القريب. 
إشكالية الموضوع
يعد موضوع مبدأ  استقلالية شرط التحكيم من الإشكالات العميقة التي تثيرها مادة التحكيم، خاصة على مستوى القوانين الدولية، بحيث يظل موضوع علاقة شرط التحكيم بالعقد الأصلي ذات أهمية بمكان على اعتبار أن مصير الأول يتوقف على صحة الثاني، تكريسا  للقاعدة المتأصلة والتي مفادها أن ما يسري على الأصل يسري على الفرع. 
وبالتالي فإن الإشكال الرئيسي الذي يبقى موضوع البحث من خلال موضوعنا هو ما مدى ارتباط شرط التحكيم بالعقد  الأصلي؟ بمعنى أخر هل هو جزء من هذا الأخير وبالتالي فمصيره متعلق بمصيره وجودا وعدما؟ أم أن  لشرط التحكيم مركز مستقل بذاته؟ ثم ما مدى تأثير فسخ أو بطلان شرط التحكيم على العقد الأصلي؟ وهل يمكن القول بأن قاعدة استقلالية شرط التحكيم من النظام العام، وبالتالي لا يمكن للأطراف الاتفاق على مخالفتها؟ 
هذا الإشكال يفتح المجال أمام جملة من التساؤلات من قبيل، هل يمكن للمحكم البث في النزاع المتعلق ببطلان العقد الأصلي؟ أم ينبغي إحالة الأطراف إلى الطريق القضائي؟ ثم ما هو المقصود بمبدأ الاستقلالية  في ما يخص شرط التحكيم؟ وما هي أثاره الايجابية ؟ وما هي علاقته ببعض المبادئ الأخرى من قبيل مبدأ الاختصاص؟ وأخيرا، ما مدى إمكانية تطبيقه على بعض العقود؟
المنهج المتبع
      سنسلك في إطار هذه الدراسة وفي سبيل إيجاد حلول للمشاكل السابقة الذكر مجموعة من المناهج يبقى أبرزها المنهج التحليلي من خلال قراءة بعض النصوص القانونية على قلتها والتي تناولت موضوع مبدأ استقلالية شرط التحكيم، والتي توحي إلى مجموعة من الإشكالات وسط اختلاف فقهي وقضائي كبير، وذلك سعيا منا لإيجاد حلول كفيلة تجيب عن أهم التساؤلات العالقة. كما سنقوم باستعراض مجموعة من النصوص القانونية من خلال تشريعات مقارنة بهدف تبيان موقفها من الموضوع وذلك من خلال المنهج المقارن مدعمة باجتهادات قضائية واختلافات فقهية تثير العديد من الإشكالات والتي تحتاج منا الدراسة. .
وأخيرا، فإننا سنعتمد على المنهج الاستنباطي، وذلك نظرا لطبيعة الموضوع الذي يستوجب دائما منا الرجوع إلى بعض المبادئ العامة قبل تحليل ما له علاقة بموضوعنا.
استعراض خطة البحث
سنسعى من خلال هذه الدراسة إلى التطرق لمجموعة من النقاط التي لها علاقة بالموضوع من اجل إزالة الغموض ومحاولة إيجاد حلول للثغرات التي يمكن أن تتعلق بموضوعنا.
وهكذا، فإننا سنعتمد وكما هو معروف على التقسيم الثنائي، احتراما لمنهج البحث العلمي، بحيث سنقسم موضوعنا إلى بابين نتناول في الباب الأول المقتضيات القانونية المنظمة لمبدأ استقلالية شرط التحكيم من خلال تبيان مفهومه والوقوف على المواقف المتباينة للتشريع والقضاء والفقه منه، على أن نخصص الباب الثاني لدراسة أثار مبدأ استقلالية شرط التحكيم.
باختصار شديد سنعمل على تقسيم بحثنا إلى بابين على النحو الآتي:
الباب الأول: الإطار القانوني لمبدأ استقلال شرط التحكيم.
الباب الثاني: أثار مبدأ استقلال شرط التحكيم. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى