اللقب: عـــــــــــــــيدوني
الإسم: عبد الحميد
المهنة: المدرس بجامعة تلمسان و المحامي المعتمد لدى المجالس القضائية
التخصص: ماجستير في القانون الخاص المعمق و في إطار التحضير لرسالة الدكتوراه
تنص المادة 54/1 من قانون الأسرة الجزائري على أنه :” يجوز للزوجة دون موافقة الزوج أن تخالع نفسها…”[2]، أثارت هذه المادة نقاشات كثيرة فقهية و قانونية، لما أحدثته من انعكاسات خطيرة على المجتمع الجزائري، إذ صار لأي امرأة رغبت عن زوجها- ولم تجد مناصا لطلب التطليق لانعدام الضرر الحاصل منه عليها- أن تخالعه دون أن تلتمس رضاه على ذلك.
و لعل مستند المشرع الجزائري هنا ما نقله بعض رجال القانون من أن المذهب المالكي يرى الخلع بدون رضا الزوج[3]، هذا ما كان الدافع إلى إنجاز هذه المقالة، بغرض تمحيص ما ذهب إليه المشرع الجزائري فيما يتعلق برضا الزوج على مبدأ الخلع، ولذا سيتم الكلام –هنا- عن الخلع في أربع نقاط :
الأولى في حكم طلب المرأة الطلاق من زوجها من غير سبب(أولا)؛ و الثانية في تعريف الخلع و طبيعته(ثانيا)؛ و الثالثة في تحديد شروطه(ثالثا)؛ ثم نعرج أخيرا إلى مدى اعتبار رضا الزوج لإيقاع الخلع(رابعا).
أولا: حكم طلب المرأة الطلاق من غير سبب:
طلب المرأة الطلاق من زوجها من غير سبب كبيرة من الذنوب، قال رسول الله :”أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة“[4]، و قال صلى الله عليه وسلم أيضا: ” المختلعات و المنتزعات هن المنافقات“[5]، وإنما قيد الخلع في حالة إن خيف عدم إقامة حدود الله تعالى: ” فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَ[6]ا افْتَدَتْ بِهِ“.
ثانيا: تعريف الخلع و طبيعته:
يعرف الخلع على أنه عقد معاوضة رضائي و ثنائي الأطراف شرع لمصلحة الزوجة، غايته إنهاء الحياة الزوجية بحكم قضائي، بناء على عرض أحد الزوجين و قبول الآخر، تلبية لرغبة الزوجة مقابل مال معلوم و مقوم شرعا تدفعه الزوجة، فيتفقان على نوعه أو مقداره في جلسة الحكم أو يحدده القاضي[7].
و أما فيما يخص طبيعة الخلع فقد اختلف أهل العلم في تحديد طبيعته، فذهب الجمهور- المالكية[8] و الأحناف [9] و الصحيح من قول الشافعية [10]– إلى أن الخلع طلاق، و ذهب الحنابلة في إحدى الروايتين عنهم أنه فسخ[11].
و فائدة الخلاف أنه لو كان الخلع فسخا لم يعد طلقة، فلا يحسب في عدد الطلقات[12]، وليس – على هذا الاعتبار- على المختلعة عدة المطلقة، بل تستبرئ بحيضة[13].
و الراجح أن يقال أن الخروج من الخلاف مستحب، فيستحسن الأخذ بمذهب الشافعية من إيقاع الخلع بأن يتلفظ الزوج بالطلاق[14]، لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن خالعته امرأته: “إقبل الحديقة و طلقها تطليقة“[15].
و لعل الأقرب إلى الصواب أن يقال أن الخلع طلاق ، إلا أنه يعد بمثابة البينونة الصغرى ، فلا يستطيع الزوج أن يراجعها إلا بعقد جديد[16].
و الظاهر أن المشرع أخذ بقول جمهور الفقهاء من إعتبار الخلع طلاقا، بنصه في المادة 48 من ق أ على أنه :”…يحل عقد الزواج بالطلاق الذي يتم بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين….و 54 من هذا القانون “، و هذا ما عليه الاجتهاد القضائي، إذ جاء في القرار القضائي المؤرخ في 22أبريل1985 على أنه: ” من المقرر فقها أنه في حالة الاتفاق بين الزوجين على مبدأ الخلع والاختلاف على مقداره فإن أمر تقديره يعود لقاضي الموضوع، باعتبار أن ذلك يعتبر اتفاقا على مبدأ الطلاق بالخلع، ومن ثم يتعين على القاضي تقدير قيمة الخلع ثم الحكم بالطلاق.“[17].
ثالثا: شروط الخلع: يمكن تحديد شروط الخلع على النحو التالي:
أ.- قيام الرابطة الزوجية: فلا يمكن للمرأة أن تخالع رجلا إلا إذا كان يجمعها معه رابطة زوجية- بعقد صحيح- حقيقة، أو حكما كما هو حال من طلقت طلاقا رجعيا و لم تنقضي عدتها بعد[18].
ب.- أن لا يكون الزوج قد أضر بها: ” فإذا علم أن زوجها أضربها و ضيق عليها ، و علم أنه ظالم لها مضى الطلاق و ردَّ عليها مالها “، كذا قال مالك[19].
ج.- أن تخاف الزوجة أن لا تقيم حدود الله: لما جاء عن امرأة ثابت بن قيس بن شماس[20] أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت: ” يا رسول الله إني لا أعتب على ثابت في دين و لا خلق ، و لكني لا أطيقه”، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “فتردين إليه حديقته؟” قالت: ” نعم”[21].
د.- أن يكون الخلع مقابل بدل: ذهب الجمهور إلى جواز أن تعطي الزوجة مقابل تسريح زوجها لها كل مالها له[22]، لعموم قول الله تعالى :” فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ“، ف”مَا” إسم موصول و الموصولات من ألفاظ العموم[23].
و استحب الحنابلة أن لا يأخذ الزوج أكبر مما أعطاها[24]، و دليلهم في ذلك أن يحمل آخر الآية –الوارد فيها قوله تعالى ” فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ“- على أولها – المذكور فيها قوله تعالى :” وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ “[25]-، وكذا أمر الرسول صلى الله عليه و سلم لمن خالعته امرأته أن يأخذ منها حديقته و لا يزداد[26].
و.- أن يرد اللفظ الدال على الخلع: قال الأحناف ألفاظ الخلع: الخلع، والمبارأة، والطلاق، و المفارقة، و البيع و الشراء، و قال المالكية هي أربعة: الخلع و المبارأة و الصلح و الفدية، و قال الشافعية و الحنابلة يصح الخلع بلفظ الطلاق الصريح و الكناية مع النية[27].
و الراجح أن يقال أن كل الألفاظ التي أوردها الفقهاء – من أصحاب المذاهب المذكورة – تصلح للتدليل على الخلع، إلا أن الأفضل من ذلك كله أن يرد الخلع بصيغة الطلاق لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن خالعته امرأته: ” طلقها تطليقة “.
ي.- أن لا يكون الخلع محل طلب مقابل: ومما لابد من الإشارة إليه أنه لا يمكن للزوجة طلب التطليق أو الخلع مقابل ما طلبه الزوج، أي أن التطليق و الخلع لا يكون كطلب مقابل، فقد جاء في القرار المؤرخ في 15سبتمبر2011 أنه: “ترفع دعوى التطليق أو الخلع بدعوى مستقلة.
لا يكون التطليق أو الخلع محل طلب مقابل، ما لم يوافق الزوج عليه، من دون قيد أو شرط.”[28].
رابعا: هل يعتبر رضا الزوج في إيقاع الخلع:
ينظر في هذه المسألة إلى أمرين: أولاهما في مشروطية رضا الزوج على الخلع في الفقه الإسلامي(1)؛ و ثانيهما في رضا الزوج على الخلع في القانون الجزائري(2).
1.- مشروطية رضا الزوج بالخلع في الفقه الإسلامي: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزوج لا يجبر على قبول المخالعة إذا لم يرضى بها، وهذا مذهب الحنابلة، جاء عن ابن تيمية-وقد سئل عن من أكرهت زوجها على الخلع ثم تزوجت غيره، هل يصح زواجها الثاني- فقال: ” إن كان الزوج الأول أكره على الفرقة بحق- مثل أن يكون مقصرا في واجباتها، أو مضرا لها بغير حق من قول أو فعل- كانت الفرقة صحيحة، و النكاح الثاني صحيحا، وهي زوجة الثاني، و إن كان أكره بالضرب أو الحبس وهو محسن لعشرتها حتى فارقها لم تقع الفرقة، بل إذا أبغضته و هو محسن إليها فإنه يطلب منه الفرقة من غير أن يلزم بذلك، فإن فعل و إلا أمرت المرأة بالصبر عليه إذا لم يكن ما يبيح الفسخ”[29].
و رضا الزوج بالخلع مستحب غير لازم عند الشافعية، قال ابن حجر: ” قول رسول الله صلى الله عليه و سلم: “أقبل الحديقة وطلقها تطليقة ” هو أمر إرشاد و إصلاح لا إيجاب”[30]، و هذا مذهب الأحناف كذالك قال البهوتي: ” وتسن إجابتها أي الزوجة إذا سألته الخلع على عوض”[31]، وإلى هذا أيضا ذهب الظاهرية، قال ابن حزم: ” الخلع هو الافتداء إذا كرهت المرأة زوجها فخافت أن لا توفيه حقه أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها فلها أن تفتدي منه و يطلقها إن رضي هو، وإلا لا يجبر هو ولا أجبرت هي، إنما يجوز بتراضيهما”[32]، وجاء عن اللجنة الدائمة للإفتاء أن الزوج يستحب له أن يستجيب إلى الخلع إذا طلبته الزوجة لا أن يجبر عليه[33].
و نُقل أن مالكا يرى الخلع بدون رضا الزوج[34]، وذلك لما ورد في المدونة أن مالكا قال في الحكمين: “فإن استطاعا الصلح أصلحا بينهما وإلا فرقا بينهما، ثم يجوز فراقهما دون الإمام و إن رأيا أن يأخذ من مالها حتى يكون خلعا فعلا.”[35]، و أن ابن رشد قال :” و الفقه أن الفداء إنما جعل للمرأة في مقابلة ما بيد الرجل من الطلاق، فإنه لما جعل الطلاق بيد الرجل إذا فرك المرأة جعل الخلع بيد المرأة إذا فركت الرجل “[36]، و أن بن الجزي قال:” أن يكون خلع المرأة اختيارا منها و حبا في فراق الزوج من غير إكراه ولا ضرر منه بها، فإن انخرم أحد الشرطين نفذ الطلاق و لم ينفذ الخلع…”[37].
والحقيقة أن ما قاله مالك أو ابن رشد أو ابن الجزي لا يدل إطلاقا على أنهم يرون الخلع بدون رضا الزوج، بل الصواب عندهم أن الخلع لا يقع إلا برضا الزوج، بيد أنه إذا اشتد الخصام حتى اضطر القاضي إلى تعيين الحكمين فإن حكمهما نافذ و لو قضيا بالخلع دون رضا الزوج، فحكم الحكمين عند المالكية ينفذ كما ينفذ فعل الحاكم في الأقضية[38].
و أما ما قاله ابن رشد فلا يزيد على أنه قرر أن الخلع حق للمرأة كما أن الطلاق حق للرجل، لا أنها توقعه بالكيفية التي يوقع بها الزوج الطلاق، وفي قوله: “والفقه أن الفداء إنما جعل للمرأة في مقابلة ما بيد الرجل من الطلاق” ما يدل أن الخلع عنده لا يقع إلا برضا الزوج، يوضح هذا المعنى ما قاله محمد الأمين الشنقيطي من: “أن العوض المبذول للزوج من جهتها إنما بذلته في مقابلة ما يملكه الزوج و هو الطلاق”[39].
وليس في قول بن الجزي كذالك ما قد يوحي أنه يرى الخلع بدون رضا الزوج، بل في تعريفه للخلع أن”معناه أن تبذل المرأة أو غيرها للرجل مالا على أن يطلقها”[40] ما يدل أنه يذهب إلى ما ذهب إليه الجمهور في هذه المسألة.
ومما يؤكد أن المالكية لا يرون الخلع إلا برضا الزوج، أنهم لم يوقعوه إلا بتلفظ الزوج بالطلاق أو بما يدل على الخلع كما ذكر من قبل[41].
و بالتالي، فإن جمهرة علماء الشريعة- بما فيهم المالكية- يرون أن الخلع يقع كأصل عام برضا الزوج إلا إذا قضى به الحكمين[42]، و الذي صرف صيغة الوجوب في قوله صلى الله عليه وسلم:”أقبل الحديقة و طلقها تطليقة” إلى الندب دلالة قوله صلى الله عليه وسلم: “إنما الطلاق لمن أمسك بالساق“[43] على أحقية الرجل بإيقاع الطلاق، و مما يؤكد هذا قول الله تعالى: “فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ”[44]، فدل لفظ “عَلَيْهِمَا” على ضرورة أن تنصرف إرادة كل منهما إلى إيقاع الخلع و ما يتعلق به.
إلا أن ابن باز سئل عن امرأة تزوجت ابن عمها ولم يكتب الله في قلبها له مودة ، وقد خرجت من بيته منذ ثلاث عشرة سنة ، وحاولت منه الطلاق أو المخالعة أو الحضور معه إلى المحكمة فلم يرض بذلك ، وهي تبغضه بغضا كثيرا ، تفضل معه الموت على الرجوع إليه، وقد أسقطت نفسها من السطح لما أراد أهلها الإصلاح بينها وبينه، فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله: “مثل هذه المرأة يجب التفريق بينها وبين زوجها المشار إليه، إذا دفعت إليه جهازه؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم – لثابت بن قيس لما أبغضته زوجته وطلبت فراقه، وسمحت برد حديقته إليه، ولأن بقاءها في عصمته، والحال ما ذكر يسبب عليها أضرارا كثيرة، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لا ضرر ولا ضرار“، ولأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولا ريب أن بقاء مثل هذه المرأة في عصمة زوجها المذكور من جملة المفاسد التي يجب تعطيلها وإزالتها والقضاء عليها، وإذا امتنع الزوج عن الحضور مع المرأة المذكورة إلى المحكمة وجب على الحاكم فسخها من عصمته، إذا طلبت ذلك وردت عليه جهازه للحديثين السابقين وللمعنى الذي جاءت به الشريعة واستقر من قواعدها”[45].
و هذا الذي أورده ابن باز هو نفسه ما ذهب إليه بعض حكام الشام المقادسة –من الحنابلة-كما ذكره بن مفلح[46].
إلا أن ما ذكره ابن باز ينبغي أن لا يحمل على إطلاقه، بل على حالة إذا تعنت الزوج في عدم قبول الخلع وتيقن القاضي من تضرر المرأة من ذلك و استحال التوفيق بينها وبين زوجها، فهذه الحالة استثناء ويبق الأصل لزوم رضا الزوج على مبدأ الخلع.
فالحكم الذي أقره الشرع أن المرأة إذا نشزت عن زوجها وعظها، فإن إتعظت و إلا هجرها في المضجع بأن يليها ظهره في الفراش فلا يجامعها، فإن إرتدعت و إلا ضربها ضربا غير مبرح قال الله تعالى: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ“[47]، فإن أطاعته فلا سبيل له عليها وإلا رفعا أمرهما للقاضي، فإن استطاع الصلح بينهما أصلح وإلا عين حكمين، حكم صالح من أهل الزوج وحكم صالح من أهل الزوجة، فإن استطاعا الصلح فعلا و إلا فرقا بينهما و إن ألزما الزوج على الخلع دون رضاه، وعلى القاضي والحكمين أن يجتهدوا أن يكون الخلع برضا الزوج وطيب نفس منه، و إلا نبهوه أنه إذا تعنت ألزموه بالخلع، قال الله تعالى: “وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا“[48]، و قال تعالى أيضا: “فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا”.
2.- رضا الزوج بالخلع في القانون الجزائري: إذا رجعنا إلى القانون الجزائري نجد أن الاجتهاد القضائي نحى في أول الأمر منحى جمهور الفقهاء من اشتراط رضا الزوج على الخلع، جاء في القرار المؤرخ في 21نوفمبر1988أنه: “من المقرر فقها و قضاء أن قبول الزوج للخلع أمر وجوبي، وأن ليس للقاضي سلطة مخالفة الزوجين دون رضا الزوج، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا لأحكام الفقه.”[49]، كما جاء في قرار آخر مؤرخ في23أبريل1991أنه: “من المقرر شرعا وقانونا أنه يشترط لصحة الخلع قبوله من طرف الزوج و لا يجوز فرضه عليه من طرف القاضي ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الخلع و خطأ في تطبيق القانون.”[50].
إلا أنه سرعان ما غير الاجتهاد القضائي موقفه فقضى في القرار القضائي المؤرخ في 19أبريل 1994على: “أن الخلع يحكم به القاضي دون اشتراط رضا الزوج”[51]، وفي قرار آخر في نفس التاريخ قضى: “أن الخلع أجازته الشريعة الإسلامية و كرسه ق.أ و سواء رضي به الزوج أو لم يرض فإنه يكفي أن تعرض الزوجة بدلا لفك الرابطة الزوجية دون دفع الحاجة إلى موافقة الزوج.”[52]، وهذا ما استقر عليه الاجتهاد القضائي في الجزائر[53]، ثم أتت المادة 54 من ق.أ -والمعدلة بموجب الأمر05/02- لتحسم الأمر في هذه المسألة بنصها أنه: ” يجوز للزوجة دون موافقة الزوج أن تخالع نفسها…”.
يلاحظ مما ذكر أن الخلع في الجزائر انتقل بين طرفي نقيض، فلما أن كان لا يقع إلا برضا الزوج صار بعد ذلك حقا خالصا للمرأة توقعه دون الحاجة إلى رضا زوجها، و أحسن من هذا وذلك
لو أن المشرع نحى منحى القول الراجح في الخلع بأن يجعل رضا الزوج هو الأصل، فينص على أن يقع الخلع برضا الزوج إلا إذا قرره الحكمين و قضى به القاضي بعد التأكد من استحالة العشرة بين الزوجين.
خاتمة
وفي الأخير يجب تنبيه كل من المشرع و القاضي و الزوجين، ذلك أن التساهل في إيقاع الخلع فيه تفكيك للأسر و انحلال للمجتمع، و هو ما بدأت بوادره تظهر منذ تعديل الأمر05/02.
فعلى السياسة التشريعية أن تراعي الواقع المجتمعي، ولابد من تذكير القاضي إلى ضرورة إعمال سلطته التقديرية، فيسعى قصار جهده إلى إعمال المادة56من ق.أ وإلى أن يجمع بين الزوجين قدر المستطاع.
و يجب من تحذير الزوجة إلى ما قد ورد من عاقبة من طلبت الطلاق من زوجها من غير سبب، و ما قد ورد من بعض الفقهاء أن الخلع إذا لم يرض به الزوج لا يقع وتبق زوجته.
و ينبغي على الزوج في الخلع أن يتبع الشرع و يستن بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا طلب منه المخالعة أن يستجيب إلى ذلك، قال الله تعالى: ” وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا“[54].
[1] – أصل الخلع قول الله تعالى :” فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا “. انظر، سورة البقرة، الآية.229.
[2] – القانون .84/11 ، مؤرخة في 09/06/1984 ، المتضمن قانون الأسرة ، ج.ر،ع.24 ، المؤرخة في 12/06/1984، المعدل والمتمم بالأمر 05/02، المؤرخ في .27/02/2005 ، ج.ر،ع.15 ، المؤرخة في 27/02/2005.
[3] – انظر، بن داود عبد القادر، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد، موسوعة الفكر القانوني، دار الهلال للخدملت الإعلامية، ع.خاص، د.س، ص.155.، وانظر كذلك، باديس ديابي، صور و آثار فك الرابطة الزوجية في قانون الأسرة، ط.1، دار الهدى، الجزائر، 2012، ص.82.، وانظر أيضا، محفوظ بن صغير، الإجتهاد القضائي في الفقه الإسلامي و تطبيقاته في قانون الأسرة، أطروحة دكتوراه، جامعة الحاج لخضر، قسم الشريعة، باتنة، 2009، ص.627.
[4] – انظر، محمد الألباني ، إرواء الغليل، ج.7، ط.1، المكتب الإسلامي، بيروت، 1989، رقم الحديث.2035،ص.100.
[5] – انظر، محمد الألباني ،سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج.2،ط.2، مكتب المعارف، الرياض، 1975، رقم الحديث.632،ص.210.
[7] -انظر، عبد العزيز سعد الزواج و الطلاق في قانون الأسرة الجزائري، ط.2، دار البعث، 1989، ص.248.
– انظر، محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان، ج.1، ط.1، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، 2006، ص.244.[8]
[9] – انظر، ناصر الإسلام الرمفوري ، البناية في شرح الهداية، ج.5، ط.2، دار الفكر، لبنان، 1990، ص.193.
[10] – انظر، محمد الشافعي ، الأم، ج.6، ط.1، دار الوفاء، المنصورة، 2001، ص.504.
[11] – انظر، أبو محمد بن قدامة ، المغني، ج.10، ط.3، دار عالم الكتب، السعودية، 1997، ص.274.
[12] – انظر،أبو بكر العربي، أحكام القرآن، ج.1، ط.2، دار الكتب العلمية، لبنان، 2002، ص.264
[13] -انظر، أبو الفداء بن كثير ، تفسير القرآن العظيم، ج.1، ط.1، دار الثقافة، الجزائر، 1990، ص.296
[14]– محمد الشافعي ،الأم،المرجع السابق،ج.6،ص.504.
[15] – انظر، أبو عبد الله البخاري ، صحيح البخاري، ط.1، دار بن حزم، القاهرة، 2008، ر.ج.5273، ص.654.
[16] – انظر، مالك بن أنس، الموطأ، ط.1، دار الإمام مالك، الجزائر، 2002، ص.330.
[17] -انظر، قرار، م.أ، غ.أ.ش، 22/04/1985، ملف رقم.36709، م.ق، 1989، ع.1، ص.92.
[18] – انظر، وهبة الزحيلي ، الفقه الإسلامي و أدلته، ج.7، ط.2، دار الفكر، دمشق، 1985، ص.486.
[19] – مالك بن أنس ، الموطأ ، المرجع السابق ،ص.329.
[20] -ثابت بن قيس بن شماس ، خطيب الأنصار ، و من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ، كان جهوري الصوت ، فلما أنزل الله تعالى قوله” لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ”قال أنا من أهل النار و قعد في بيته ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :”بل هو من أهل الجنة “. انظر، أبو الحسين مسلم، صحيح مسلم، ج.1، دار الجيل، بيروت، د.س، رقم الحديث.329،ص.77.
[21] -أبو عبد الله البخاري ، المرجع السابق ،ر.ج.5275،ص.655.
[22] -محمد الأمين الشنقيطي، المرجع السابق،ج.1، ص.246.
[23] -سعد الشثري، شرح المنظومة السعدية في القواعد الفقهية، ط.1، دار المحسن، الجزائر، 2010، ص.160.
[24] – أبو محمد بن قدامة، المرجع السابق، ج.10، ص.269.
[25] – سورة البقرة، الآية 229
[26] -انظر ، أبو عبد الله بن ماجة ،سنن بن ماجة ،ج.3،ط.1،دار الجيل ، بيروت، 1998 ،رقم الحديث.2056،ص.452.
[27] – وهبة الزحيلي ، المرجع السابق ،ج.7،ص.483.
[28] – انظر، م.ع، غ.أ.ش، 15/09/2011، ملف رقم.647108، م.م.ع، 2012، ع.1، ص.309.
[29] – انظر، أحمد بن تيمية، مجموع الفتاوى، ج.32، ط.3، دار الوفاء، المنصورة، 2005، ص.179.
[30] – انظر، أحمد العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج.12، ط،1، دار طيبة، الرياض، 2005، ص.93.
[31] – انظر، منصور البهوتي، شرح نتهى الإرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى، ج.5، عالم الكتب، بيروت، 1996، ص.243.
[32] – انظر، أبو محمد بن حزم، المحلى بالآثار، ج.10، الطباعة المنيرية، مصر، د.س، ص.235.
[33] -انظر، اللجنة الدائمة للإفتاء، حكم النشوز و الخلع، ج.1، البحوث العلمية، السعودية، إصدار.2004، ص.601.
[34] – انظر، منصوري نورة ، التطليق والخلع، ط.1، دار الهدى، الجزائر، الجزائر، 2012،ص.130.
[35] – انظر، مالك بن أنس، المدونة الكبرى، ج.2، ط.1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1994، ص.287.
[36] – محمد بن رشد، بداية المجتهد و نهاية المقتصد، ج.2، ط.2، دار المعرفة، لبنان، 1982، ص.68.
[37] – انظر، أبو القاسم محمد بن الجزي، القوانين الفقهية، دار الهدى، الجزائر، 2000، ص.242.
[38] – انظر، أبو بكر بن العربي، المرجع السابق، ج.1، ص.541.
[39] – انظر، محمد الأمين الشنقيطي، المرجع السابق، ج.1، ص.249.
[40] – أبو القاسم محمد بن الجزي، المرجع السابق، ص.242.
[41] – انظر، أبو محمد بن أبي زيد القيرواني، متن الرسالة، المكتبة الثقافية، لبنان، د.س، ص.480.
[42] – أبو الفداء بن كثير، المرجع السابق، ج.2، ص.174.
[43] – انظر، محمد الألباني، إرواء الغليل، المرجع السابق، ج.6، ط.1، رقم الحديث.2041، ص.107.
[44] – القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية.229.
[45] – انظر، عبد العزيز بن باز، فتاوى بن باز، ج.21، الرئاسة للإفتاء، السعودية، د.س، ص.260.
[46] – انظر، محمد بن مفلح، كتاب الفروع، ج. 8، ط.1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2003، ص.417.
[47] – القرآن الكريم، سورة النساء، الآية.34.
[48] – القرآن الكريم، سورة النساء، الآية.35.
[49] – انظر، قرار، المجلس الأعلى، غ.أ.ش، 21/11/1988، ملف رقم.51728، المجلة القضائية، ع.3، 1990، ص.72.
[50] – انظر، قرار، المحكمة العليا، غ.أ.ش، 23/04/1991، ملف رقم.73885، المجلة القضائية، ع.2، 1991، ص.55.
[51] – انظر، قرار، المحكمة العليا، غ.أ.ش، 19/04/1994، ملف رقم.103793، النشرة القضائية، ع.51، 1997، ص.96.
[52] – انظر، قرار، المحكمة العليا، غ.أ.ش، 19/04/1994، ملف رقم.115118، النشرة القضائية، ع.52، 1997، ص.106.
[53] – انظر، قرار، المحكمة العليا، غ.أ.ش، 21/07/1992، ملف رقم.83603، إجتهاد قضائي، ع.خاص، 2001، ص.134؛ وانظر أيضا، قرار، المحكمة العليا، 30/07/1996، ملف رقم. 141262، المجلة القضائية، ع.1، 1998، ص.120؛ وانظر، قرار، المحكمة العليا، 16/03/1999، غ.أ.ش، ملف رقم، 216239، إجتهاد قضائي، ع.خاص، 2001، ص.138؛ و انظر كذلك، قرار، المحكمة العليا، غ.أ.ش، 21/11/2000، ملف رقم.252994، المجلة القضائية، ع.1، 2001، ص.293؛
[54] – القرآن الكريم، سورة النساء، الآية.130.