بحوث قانونية

مراجعة الاحكام بغير طرق الطعن

images

مراجعة الاحكام بغير طرق الطعن

عندما يصدر القاضي حكمه فإنه يخلع عباءته ويغادر المنصة دونما رجعه إليها في خصوص الدعوى التي اصدر فيها حكمه وهو ما يسمى قانونا باستنفاذ الولاية أي انه لم يعد قادرا على تصحيح ما شاب حكمه من خطأ وتترك هذه المهمة للمحكمة الأعلى درجه لتصحيح ما شاب هذا الحكم من خطأ فالطعن في الاحكام قاعدة يقررها القانون للمحكمة الأعلى درجه؛ إلا انه وضع طريقين يعود بهما القاضي الذي اصدر الحكم لمعاودة نظر الطعن والفصل فيه وهو خروج على المبدأ العام لاستنفاذ ولايته وتتمثل في المعارضة والتماس إعادة النظر وإقرار هذا الاستثناء تكمن في أن المسألة التي طرحت على القاضي وفصل فيها لم تطرح عليه بابعادها وجوانبها المختلفة وذلك لغياب بعض أطرافها او وجود غش او تزوير؛ ومع ذلك فقد وضع المشرع استثناءا خاصا هو مبدأ مراجعة الأحكام بغير الطعن فيها وهو نظام خاص لا يعمل به الا في الحدود التي حددها القانون على سبيل الحصر ووفقا للقواعد التي وضعها ويتحدد في ثلاث حالات:

1)- الخطأ المادي (تصحيح الاحكام )

2)- غموض المنطوق وإبهامه ( تفسير الاحكام)

3)- إغفال الفصل في بعض الطلبات ( إكمال الحكم)

الحالة الأولى الخطأ المادي ( تصحيح الاحكام): لا تقوم اذا توافر شرطان هما:

أولا:- الخطأ المادي البحت (الكتابي او الحسابي) ومن أمثلته:

1. بالنسبة للخطأ الحسابي هو في إجراء عمليه حسابيه يقوم بها القاضي في مسببات حكمه أو منطوقه كالخطأ في الجمع مثلا عند حساب المبالغ المستحقة للدائن أو في الطرح عند خصم المبالغ أو الأقساط التي سددها المدين من مبلغ المديونية الاصليه أو في الضرب عند حساب الفوائد المستحقة أو عند القسمة

2. بالنسبة الخطأ الكتابي فيشمل كل أخطاء القلم كالسهو ونسيان ذكر بعض البيانات أو الخطأ في ذكرها كرقم العقار أو رقم الدعوى أو في أسماء الخصوم

وقد يؤدي الخطأ المادي في الحكم سواء كان حسابيا أو كتابيا إلي اختلاف واضح ما بين الأسباب والمنطوق فتتهدم أركان الحكم مما يؤدي إلي انعدامه والوسيلة المعتمدة في هذه الحالة هي الطعن وليس المراجعة؛ أما إذا كان التناقض الموجود بالحكم تناقضا ظاهريا لا ينعدم أو يبطل بسببه الحكم فإنه لا يصلح لان يكون سببا للطعن فيه وإنما الى تصحيحه بغير الطعن فيه ومثال ذلك أن يذكر الحكم في أسبابه أحقية المدعي في مبلغ معين من المال ويسبب حكمه على هذا الأساس ثم يذكر أحقيته في مبلغ مخالف في المنطوق . لكن قد تثور بعض الاسئله لو كان الخطأ مثلا كتابيا ولكنه وقع في أسماء الخصوم أو صفاتهم أو أسماء القضاة الذين أصدروا الحكم؟ يجب ألتفرقه؛

*فإذا كان الخطأ جسيما بحيث جهل بالخصم أو أدى الى الالتباس في شخصيته وحقيقة اتصاله بالدعوى ! هنا لا يمكن اعتماد مبدأ التصحيح وفق المادة 191 وإنما يكون بالطعن فيه ذلك إن هذا الخطأ يؤدي إلي بطلان الحكم وفق نص المادة 178/3 مرافعات كذلك الحال فيما اذا كان الخطأ هو عدم ذكر أسماء القضاة الذين أصدروه فهو خطأ جسيم يبطل الحكم *أما اذا كان الخطأ في الأسماء لايجهل بالخصوم او يؤدي إلي التباس في شخصياتهم ولا يكون له تأثير على سلامه أركان الحكم فان الحل هو الرجوع للمحكمة التي أصدرته لتصحيح ما وقعت فيه من خطأ مادي وفق نص المادة 191؛ وهناك بعض الأخطاء المادية التي لا يمكن استعمال طريقة التصحيح معها كتلك التي رسم لها القانون طريق خاص ومنها خطأ المحكمة في وصف حكمها على انه ابتدائي او انتهائي على غير الحقيقة لايمكن استعمال إلا الطعن فيه بطريق (التظلم من وصف الحكم) أو (استئناف الوصف) م291مرافعات

ثانيا- أن يكون الخطأ في الحكم نفسه:واستنادا إلي ذلك لا يجوز إجراء التصحيح اذا كان الخطأ قد وقع من الخصوم أنفسهم كالخطأ في المذكرات؛ ومع ذلك فان مكنة التصحيح تقوم اذا كان الخطأ المادي الذي ورد في الطلبات او الدفاع قد عول عليه القاضي وظهر بالتبعية في الحكم الذي أصدره

الحالة الثانية / غموض المنطوق وإبهامه ( تفسير الحكم): وفقا لنص المادة 192 فان مكنة تفسير الحكم إلا اذا توافر شرطان وهما:

1. وجود إبهام أو غموض: والإبهام يكون نتيجة لإضافة بعض العبارات الى منطوق الحكم قد تؤدي الي اثاره الشك حول المضمون الحقيقي للحكم ومثال أن يستخدم القاضي بعض العبارات والتي قد تستقيم من الناحية اللغوية إلا أنها مغايره للاصطلاح أي تحتمل أكثر من معنى؛ كذلك قد يكون الغموض في الحكم ناجما عن الصياغة المبهمة له كأن تحكم ألمحكمه بغلق منشآت المدعي عليه دون تحديد مع ان الدعوى مقامه بخصوص بعض المنشآت المقلقة للراحة ؛ وكذلك قد يكون الغموض ناجما عن ظاهرة القضاء الضمني كأن يحكم برفض دعوى صحة التعاقد لان المشتري لم ينفذ التزامه بسداد الثمن فهذا القضاء به اشاره ضمنيه بأن الالتزام بسداد الثمن قائم لم ينقضي ولو لم ينص عليه الحكم صراحة

2. أن يقع الإبهام أو الغموض في منطوق الحكم: لا يكفي أن يوجد إبهام أو غموض في الحكم وإنما يلزم شرط آخر هو أن يكون في منطوقه؛ وقد اختلف الفقهاء في تحديد ماهية المنطوق بين المعنى الشكلي الضيق أي الجزء المخصص ليضع فيه القاضي حكمه  والمعنى الموضوعي أي إجابة المحكمة بالرفض أو الإيجاب على طلبات الخصوم أيا كانت هذه الاجابه وفي أي مكان بالحكم !

والرأي الراجح هو المنطوق بمعناه الموضوعي الواسع وعليه فان التفسير يشمل القرار القضائي أيا كان موقعه في الحكم دون تفسير أسباب الحكم إذ المنطوق هو الفصل في أي طلب للخصوم ايا كان موضعه بالحكم وبذلك لا تقوم مكنة طلب التفسير إلا اذا وقع إبهام أو غموض في منطوق الحكم وهي من سلطات المحكمة، بل إن طلب التفسير يظل قائما طالما أن الحكم قائم لم يلغ سواء كان قابلا للطعن او طعن عليه بالفعل ولم يصدر فيه حكم بالإلغاء

ويجب ان تلتزم المحكمة في حدود سلطتها بالتفسير فقط دون المساس بالحكم المفسر بالتبديل او التعديل بأية صوره كانت فإذا فعل القاضي ذلك يكون قد جاوز حدود سلطته المقررة قانونا وتصلح هذه المخالفة للطعن في الحكم

الحالة الثالثة  إغفال الفصل في بعض الطلبات ( إكمال الحكم):

من المبادئ القانونية الهامة هو ان يلتزم القاضي حدود الطلبات المطروحة أمامه فلا يتزيد فيها او يقضي بخلافها فإذا ما فعل ذلك كان حكمة معيبا ويصلح ذلك سببا للطعن فيه أما اذا اغفل الحكم بعض الطلبات المطروحة أمامه هنا تظهر مكنة إكمال الحكم ، ولكن يجب التمييز بين:

الفرض الأول: حالة الامتناع الإرادي :-وهو يصدر عن القاضي نتيجة بينه وإدراك فانه يعد منكرا للعدالة وتقوم مسؤوليته الجزائية ويكون الطعن عليه بالطريق القانوني لان ذلك فيه مخالفه للقانون

الفرض الثاني: أن يكون الإغفال ناتجا عن سهو او خطأ غير مقصود فتكون وسيلة الرجوع للقاضي هي الواجبة ويشترط لذلك شروط ثلاثة هي :-

1. وجود طلب بحماية قضائية: والطلب هو الذي يرمي الي الحصول على الحماية القضائية لحق أو مركز قانوني ولذلك يجب ان يكون صريحا، جازما، واضحا وان يكون قد طرح على المحكمة وفق الإجراءات القانونية؛ ولا يعد من الطلبات بالمعنى الفني الدقيق ما يثار أثناء الخصومة من دفوع اجرائيه أو موضوعيه أو عدم قبول، فسكوت المحكمة عنها ربما يكون رفضا ضمنيا له ووسيلة الخصم في هذه الحالة هو الطعن على الحكم

2. ان يكون الطلب قائما بالفعل أمام المحكمة حيث يجوز للخصوم تعديله بالزيادة وقد أوضحت محكمة النقض أن الطلب القائم بالفعل هو الطلب الختامي في الدعوى بل توسعت فيه ليشمل الطلبات المقدمة إلى حين حجز الدعوى للحكم ما دام باب المرافعة مفتوحا لكن بشرط اطلاع الخصم عليه كما تدخلت في ذلك وأشارت الي أن الطلب الاحتياطي المثار بالطلبات الختامية لا يمكن اعتباره موجودا اذا ما أجيب المدعي أو المدعى عليه لطلبه الأصلي كليا او جزئيا فإغفال الطلبات الاحتياطية في هذه الحالة يعد رفضا لها ولا تلتزم المحكمة بالرد عليها  أما اذا رفضت المحكمة الطلب الأصلي يعتبر الطلب الاحتياطي الأول قائما في هذه الحالة ويجب على المحكمة الرد عليه فان أغفلته قامت مكنة الإكمال

ولا تقوم مكنة الإكمال إلا بصدور حكم في الدعوى وإغفال المحكمة احد الطلبات وفقا للشرح السابق

3. أن تغفل المحكمة الفصل فيه على سبيل السهو أي ان يكون الإغفال نتيجة سهو وقد أخذت محكمة النقض بنظام التعويل على الظاهر الذي يستفاد من ظاهر الحكم 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى