في الواجهةمقالات قانونية

مسؤولية الناقل البحري

مسؤولية الناقل البحري

سارة الثقافي 

محامية متمرنة بهيئة المحامين بالدار البيضاء 

 مقدمة :

يعد النقل البحري أحد أهم مظاهر استغلال البيئة و أحد أهم عوامل التنمية الاقتصادية لدى مختلف الدول بما فيها الدول النامية التي تسعى لتطوير اقتصادها، وبذلك يعمل النقل البحري على دفع عـجلة التنمية الاقتصادية و بمواكبة التطورات الاقتصادية والتكنلوجية الذي يشهدها العالم، دعت الضرورة لوجود تزامن في التطور التشريعي بغية تنظيم أحكام كل ما يتعلق بالنقل البحري، وهكذا فقد تم توقيع اتفاقية بروكسل عام 1924 ومن ثم اتفاقية هامبورغ عام 1978، وقد يصادف تطبيق عقد النقل البحري قيام منازعات بين طرفيه أو بين الناقل و صاحب الحق في البضاعة، بالنظر إلى أن البضاعة تمر بعدة مراحل فالناقل يتسلم البضاعة من الشاحن فيقوم بعملية شحنها على السفينة و ينقلها إلى جهة الوصول، ثم يقوم بإفراغها من السفينة و تسليمها إلى المرسل إليه. ومن الطبيعي أن تتضرر البضاعة خلال إحدى هذه المراحل، وبالنظر كذلك إلى طول الرحلة البحرية التي تستغرقها السفينة و ما تتعرض له من هزات عنيفة و اصطدامات بسبب الهيجان الشديد للبحر. و في هذا النطاق تبرز مسؤولية الناقل البحري و بالتالي مساءلته أو عدم مساءلته عن الإضرار الحاصل للبضاعة وهي في عهدته.[1]  

      ويعد التعويض عن الضرر من المبادئ القانونية الأساسية التي يتم التنصيص عليها سواء في القوانين الداخلية أو في الاتفاقيات الدولية وقيام المسؤولية من عدمه يستوجب نصا قانونيا، ومسؤولية الناقل البحري منظمة بعدة اتفاقيات دولية والتي تهمنا و هي محط دراستنا اتفاقية هامبورغ  التي يعتبر المغرب بلد منظم وموقع عليهـا، وحسب هذه الاخيرة التي جعلت من مسؤولية الناقل البحري مسؤولية مفترضة لا تقوم على الإخلال بأحد التزاماته العقدية، بل مجرد حصول الضرر يستوجب قيام مسؤولية الناقل إلا في حالات معينة، وبالتالي يجوز للشاحن أن يثبت الخسائر والأضرار الناجمة و يتمسك بالتعويض، الشيء الذي يستوجب وجود أساس قانوني ينظم الفترة التي تبدأ منها مسؤولـية الناقل والتي تـنتهي فيها و ذلك محاولة لعدم تغـليب الكفــة و الموازنة بين مصالـح الشاحن والناقـل، ولهذا يجدر البحث و التدقيق في نقطة البداية التي جعلت الاتفاقية توسع فترة المسؤولية عن ما كان معمولا به في ظل الاتفاقيات السابقة لها، حيث أن هذه النصوص اختلفت في تحديد بداية  ونهاية المدة الذي تقوم فيها المسؤولية، ففي اتفاقية بروكسل[2] فتحددها ببداية عملية الشحن بمختلف صوره أي من وقت شحن البضاعة على متن السفينة لحين تفريغها في ميناء الوصول أي إلى السفينة و من السفينة، بينما اتفاقية الأمـم المتحدة لنقل البضائع بطريق البحر لعام 1978 تنص على أنها تبدأ من تاريخ تسلم الناقل أو من يمثله قانونا للبضاعة وتنتهي بتسليمها لجهات حددتها و عددتها الاتفاقية في المادة الرابعة منها والتي تعد هي الأساس القانوني المحدد لفترة مسؤولية الناقل البحري بتنصيصها على أن الناقل البحري يتحمل المسؤولية عن الضرر الذي قد يصيب البضاعة  طالما أن هذه الأخيرة في عهدته و تحت حراسته القانونية أي خلال الفترة “التي تكون خلالها البضائع في عهدته في ميناء التحميل أثناء النقل وفي ميناء التفريغ.

ولدراسة فترة مسؤولية  الناقل البحري سنعتـمد الإشكالية التالية :

        كيف نظمت المادة 4 من اتفاقية هامبورغ فترة مسؤولية الناقل البحري ؟

و تتفرع عن هذه الإشكالية عدة اسئلة من قبيل :

  • متى تبتدئ فترة مسؤولية الناقل البحري و متى تنتهي ؟
  • متى تكون البضائع في عهدة الناقل، و ماذا يعني مصطلح العهدة ؟
  • ماهية كل من تسليم و الاستلام ومتى يتم كل واحد منهمـا ؟
  • ما هي الفترة المستثناة من نطاق مسؤولية الناقل البحري ؟
  • مسؤولية الناقل عن عـمليتي الشحن و التفريغ ؟
  • هل أخدت الاتفاقية بافتراض المسؤولية على إطلاقها ؟

و لمحاولة مقاربة الإشكالية أعلاه و الأسئلة المتفرعة عنها سنعتمد التقسيم التالي :

المبحث الأول : بداية فترة مسؤولية الناقل البحري من خلال المادة 4.

المطلب الأول  :  الأساس القانوني لبداية فترة مسؤولية الناقل البحري.

المطلب الثاني : الإطار الزماني و المكاني لبداية المسؤولية.

المبحث الثاني :  نهاية فترة مسؤولية الناقل البحري في اتفاقية هامبورغ.

المطلب الأول : مفهوم تسليم البضاعة في ميناء التفريغ.

المطلب الثاني : النطاق الزمني المستثنى من نهاية فترة مسؤولية البحري في اتفاقية هامبورغ.

        المبحث الأول : بداية فترة مسؤولية الناقل البحري من خلال المادة 4 .

نتناول في هذا المبحث بداية فترة مسؤولية الناقل البحري عن البضاعة التي تعاقد على نقلها عبر طريق البحر في ظل قواعد هامبورغ، التي وضعت لها أساسا قانونيا (الـمطلب الأول) وبينت بشكل واضـح الإطار الزماني و الـمكاني لبداية فترة مسؤولية الناقل البحري (المطلب الثاني).

المطلب الأول : الأساس القانوني لفترة مسؤولية الناقل البحري.

إذا كان الطابع التقليدي الذي يتميز له القانون البحري قد جعله ذي قيمة دولية منذ العصر القديم، فإن موجة التقنين التي عرفتها قواعد هذا القانون منذ القرن 17  قد أدت إلى خلق تباين كبير في مواقف التشريعات الوطنية،[3] الشيء الذي استلزم بالضرورة بعث توحيد وتحقيق انسجام وذلك عبر الاتفاقيات الدولية، و هكذا تسلسلت عدة اتفاقيات دولية وصولا إلى اتفاقية هامبورغ، التي جاءت أحكامها مفصلة تفصيلا يبتعد عن الغموض الذي كان سائدا في ظل اتفاقية بروكسل، إذ لم تكن موجزة الإيجاز الذي أثار الكثير من الخلافات والمنازعات عند تطبيق وتفسير اتفاقية بروكسل . حيت حددت اتفاقية بروكسيل البعد الزمني لمسؤولية الناقل البحري في مادتها الاولى فنصت على أن : نقل البضاعة ينسحب إلى الوقت الذي ينقضي بين شحن البضاعة في السفينة و تفريغها منها،[4]

و ذلك بخلاف اتفاقية الامم المتحدة لسنة 1978 فقد خصت البعد الزمني لمسؤولية الناقل البحري بمجموعة من الأحكام مفصلة و شاملة و ضعت بها حدا للإشكاليات التي كانت تثار قي التطبيق نتيجة لما اتسمت به اتفاقية بروكسيل من القصور و الايجاز[5] حيت جاءت  المادة الرابعة وحددت متى تبدأ مسئولية الناقل البحري، ذلك أن المادة بفقرتها الأولى قد وسعت من نطاق تطبيق مسئولية الناقل البحري بالمقارنة مع اتفاقية بروكسل التي تحددها من بداية الشحن وإلى غاية نهاية التفريغ أو ما تعرف بالمرحلة البحرية من العقد، و هكذا تعتبر البضائع في عهدة الناقل عملا بالمادة 4 من الوقت الذي يتلقى فيه البضائع من الشاحن أو نائبه و حتى الوقت الذي يقوم فيه بتسليمها وفق ما أوردته الاتفاقية[6].    أي أن مسؤولية الناقل البحري عن البضائع تبدأ في الأحوال الآتية:

بالتلقي المادي للناقل حينما يتقدم لتسلمها من الشاحن مع أنه قد لا تسلم البضاعة مباشرة إلى الناقل ولكن يتم وضعها تحت تصرفه ليباشر عليها اختصاصاته المخولة له قانونا بموجب الحق الثابت له على البضاعة بصفته ناقلا، ويكون ذلك بناء على العقد المبرم بين الناقل والشاحن، والذي يحدد كيفية وضع البضاعة تحت تصرف الناقل أو بموجب القانون أو العرف الساري في ميناء الشحن ذاته، وعلى ذلك ففي كل هذه الحالات تبرأ ذمة الشاحن وتنتهي مسئوليته عن البضاعة المسلمة بمجرد وضع البضاعة تحت تصرف الناقل أو ممثله.

أو أن يتم تسليم البضائع إلى إحدى السلطات أو طرف ثالث يستوجب الأمر تسليم البضاعة إليه، طبقا لما تنص عليه القوانين واللوائح السارية في ميناء الشحن، كالسلطات الجمركية أو السلطات العامة في الميناء كالمؤسسات التي تتعهد بالقيام بعملية الشحن ، أضف إلى ذلك قد يتم تسليم البضائع إلى شخص ثالث من الغير تجيز القوانين ذلك.

وواضح من خلال هذه النتائج، أن واضعي الاتفاقية حاولوا التوفيق بين المصالح المتضاربة للناقلين والشاحنين من جهة أولى، ومن جهة ثانية حاولوا مسايرة الأوضاع القانونية واللوائح والأعراف والعادات السارية في بلدان مختلفة، وخاصة الدول الشاحنة، والتي في مجملها دولا نامية ولا تزال عمليات تسلم وشحن البضاعة والعمليات المتصلة بها في معظمها تمارس من طرف شركات وطنية تابعة للقطاع العام، التي تمارس احتكارها لهذا النوع من النشاط كالمؤسسات المينائية في كثير من الدول، -كالدول الاشتراكية مصر نموذجا-، التي توجب على المتعاملين على البضاعة من ناقلين وشاحنين وضعها تحت تصرفها وتصرف الهيئات الجمركية، وهو الأمر الذي يؤخذ على نص الاتفاقية لأنه كان على واضعي الاتفاقية عدم تنظيم هذه المسألة، لأنها من الاختصاص الداخلي للدول، وأن كل دولة لها نظامها الخاص في موانئها.

كما أن الاتفاقية جاءت بعبارات قد تكون محلا لخلاف في تفسيرها وتعريفها كعبارة السلطات وطرف ثالث …من جهة ثالثة فإن واضعي الاتفاقية حاولوا مواكبة التطور الحاصل في صناعة النقل البحري وظهور نظام النقل بالحاويات وكذا التواصل والترابط بين أنواع النقل المختلفة كالنقل المتعدد الوسائط.

 

 المطلب الثاني : الإطار الزماني و المكاني لبداية فترة المسؤولية.

قد يتبادر للذهن أنه لا يمكن أن نفصل الإطار الزمني عن نظيره المكاني في تحديد من فترة بداية المسؤولية، لكن لتعميق البحـث و الاشتغال بشكل دقيق سنعمل على التفرقة بين كل واحد منها وذلك بتخصيص الفقرة الأولى للإطار الزماني، و الفقرة الثانية للإطار المكاني.

الفقرة الأولى : الإطار الزماني لبداية فترة مسؤولية الناقل البحري

عالجت المادة الرابعة الفقرة الأولى من قواعد هامبورغ مدة مسؤولية الناقل البحري حيث ورد فيها: « إن مسؤولية الناقل عن البضائع تشمل المدة التي تكون فيها البضائع في عهدة الناقل سواء في ميناء الشحن أو أثناء النقل و في ميناء التفريغ ».

لتحليل هذه الفقرة يجب التدقيق في المصطلحات الأساسية و استخلاص مقاصدها.

  • أولا : تلقي البضائع.

من خلال المادة 4 من الاتفاقية يتبين على أن المقصود بتلقي البضائع تلك العملية المادية التي يستلم الناقل بموجبها البـضائع من يد الشاحـن أو من ينـوب عنه في ميناء الشحن بغـرض نقلها بحريا و تسليمها إلى المرسل إليه أومن ينوب عنه في ميناء الشحن[7]  .

ويعتبر الناقل البحري قد تسلم البضاعة من الوقت الذي وضعت فيه تحت تصرف أو تصرف وكلائه، و كان في مقدوره أن يمارس حقه بنفسه أو عن طريق و كلائه في فحص البضاعة[8].

ثانيا: في عهدة الناقل :

شرح مصطلح عهدة :

– جمعها عهد ، ويقصد بها كفالة و ضمان ما يوكل حفظه من أشياء إلى مسؤول : هذا الأمر في عهدتك ، تبعة عهدة هذا الإهمال تقع عليك[9]. “ورد هذا التعريف في المنجد في اللغة العربية المعاصرة.

–  العهدة الضمان و الكفالة، الرجعة إلى الشيء لإصلاحه. “ورد هذا التعريف في المنجد في اللغة و الأعلام[10].

واستعمال مصطلح في عهدة الناقل يدل على كفالته و ضمانه و مسؤوليته عن البضائع عند وجودها في حيازته وتحت حراسته القانونية بكل ما تخوله له هذه الحراسة من سلطة ورقابة.

مثال ذلك، عملية رص البضائع على متن السفينة يكون الناقل فيها صاحب السلطة في كيفية رصها و كيفية وضعها وشروط سلامتها من تبريد – إن كان سند الشحن يتضمن ما يفيد أن تبريد البضاعة شرط لازم لسلامتها- و ما إلى ذلك  من تدابير للمحافظة وضمان سلامتها.

  • وتعتبر البضائع في عهدة الناقل وفقا للفقرة الثانية من المادة الرابعة، اعتبارا من الوقت الذي يتلقى فيه البضائع من الشحان أو نائبه (او سلطة أو طرف ثالث توجب القوانين أو اللوائح في ميناء الشحن تسليم البضائع له بغرض الشحن ) حتى الوقت الذي يقوم فيه بتسليم البضائع إلى المرسل إليه أو بوضعها تحت تصرف المرسل إليه وفق فقا للعقد أو القانون أو العرف المتبع في التجارة العينة بميناء التفريغ، وذلك في الحالات التي لا يتسلم فيها المرسل إليه البضائع من الناقل، أو بتسليمها إلى سلطة أو طرف ثالث توجبه القوانين أو اللوائح السارية في ميناء التفريغ تسليم البضائع إليه، وبذلك أدمجت في نطاق النقل البحري المرحلة البرية السابقة على الشحن و المرحلة البرية الاحقة للتفريغ[11]. وبنظرنا أن هذا الرأي قد وسع من فترة المسؤولية ذلك أن نص الاتفاقية جاء صريحا و حصرها من الإطار الزمني بلحظة التسلم و التسليم وربطها من حيث  من الإطار المكاني  بالميناءين ميناء الشحن و ميناء التفريغ.

 

  • ثالثا : الفترة التي تقع بين الاستلام والتسليم:

وهذه الفترة من عملية النقل البحري تسمى المرحلة البحرية والتي تكون البضاعة في حينها محملة على متن السفينة المبحرة أي أثناء عملية النقل البحري، و تشمل الوقت الذي ينقضي بين شحن البضائع في السفينة و تفريغها منها[12]،.وهذا هو التصور الفعلي لعملية النقل عن طريق البحر، و التي يكون الناقل متـمتعا بسلطة الرقابة والتصرف في البضائع مما يقتضي قيام مسؤوليته عن أي هلاك يصيبها خلال هذه المرحلة.

الفقرة الثانية : الإطار المكاني لبداية فترة مسؤولية الناقل.

الجديد في اتفاقية هامبورغ أنها جعلت من الناقل مسؤولا من الميناء إلى الميناء وهذا بالضبط ما سنتطرق إليه حيث أن مسؤولية الناقل البحري لا تشمل الفترة السابقة لوجود البضائع خارج ميناء الشحن، بحيث تتحدث الفقرة الأولى من المادة 4 من الاتفاقية عن ميناء الشحن و جعلت منه النقطة الأولى التي تبتدأ منها فترة مسؤولية الناقل طالمـا تم التنصيص على كون الناقل يعد مسؤولا عن البضائع خلال المدة التي تكون فيها هذه الأخيرة في عهدته في ميناء الشحن،.  و بمفهوم الخالفة لا يكون الناقل مسؤولا  إن لم تكن البضائع في عهدته في ميناء الشحن[13] ، و يتم بداية احتساب سريان فترة مسؤولية الناقل مكانيا، حسب المادة 4 في ميناء الشحن أما تسلم البضـاعة و التعهد بشحنها فمن الممكن أن يتم خارج مينـاء الشحـن إذا ما اتفق الأطـراف أو إذا نصـت وثيقة الشـحن على ذلك، لكن مسؤولية الناقل البحري وفق قواعد هامبورغ لا تقوم إلا منذ اللحـظة التي يتـم فيها التسلم في ميناء الشحن، أي أن نص الاتفاقية يؤكد على ضرورة إعتماد الإطار المكاني لقيام المسؤولية و هذا ما يؤكده قرار محكمة النقض التالي عرضه : إن مسؤولية الناقل البحري عن البضاعة التي تكلف بنقلها تستمر من وقت تسلمها بميناء الشحن لغاية تسليمها بميناء التفريغ تحت روافع المرسل إليه الذي تعد شركة استغلال الموانئ وكيلا عنه[14] حسب نص المادة الرابعة من اتفاقية هامبورغ[15]. و إذا ما تمت عملية التسلم خارجه وأصيبت البضائع بعوار، يكون الناقل مسؤولا عن هذا وفق القواعد التي تنظم وسيلة النقل التي استعملت في المرحلة السابقة لوصول البضائع إلى ميناء الشحن ، مثال هذا نقل البضائع من مدينة مراكش إلى ميناء مدينة طنجة .

والذي يستفاد من هذه الفقرة هو أن فترة المسؤولية  في ظل هذه الاتفاقية لا تشمل الفترة السابقة التي تكون فيها البضائع خارج ميناء الشحن و لو كانت بحوزة الناقل البحري، حيث تخضع مسؤوليته في هذه الحالة للأحكام المنظمة لوسيلة النقل المعتمدة خلال هذه الفترة السابقة لتواجد البضائع في ميناء الشحن.

أي أنه في حالة تسلم الناقل البضائع، وقام بنقلها سواء بالسكك الحديدية، أو الطرق البرية، أو النهرية إلى ميناء الشحن، فإن أحكام الاتفاقية لا تنطبق إلا حين وصول البضائع إلى ميناء الشحن.

 

 

 

 

 

 

 

        المبحث الثاني : نهاية فترة مسؤولية الناقل البحري في اتفاقية هامبورغ.

بعد أن تم التطرق إلى بداية  فترة مسؤولية الناقل البحري في المبحث الأول، يكون لزاما علينا أن نتطرق بالتفصيل إلى المرحلة الموالية التي تتنهي فيها فترة  المسؤولية في المبحث الثاني.

المطلب الأول : مفهوم تسليم البضاعة في ميناء التفريغ.

كما أوضـحت الثانية من اتفاقية هامبورغ أن مدة المسؤولية تنتهي بعملية التفريغ (الفقرة الثانية) و بتسليمه البضائع أو وضعها تحت إشارة المرسل إليه أو لجهات أخرى عينتها ذات المادة ، فـماهية كل من تسليم البضاعة و الوضع تحت التصرف (الفقرة الأولى).

  • الفقرة الأولى : تسليم البضاعة و الوضع تحت التصرف.

 أولا: تسليم البضاعة.

وهي تلك العملية القانونية التي بواسطتها ينهي الناقل البحري التزامه بتسليم البضائع موضوع عقد النقل البحري إلى المرسل إليه أو ممثله القانوني أو سلطة أو طرف ثالت، ويعد هذا هو التصرف الأخير في عقد النقل البحري، حيث يضع حدا للالتزام الملقى على عاتق الناقل والمتمثل في وصول البضائع سليمة إلى ميناء التفريغ ووضعها تحت تصرف المرسل إليه مما يعني اخراجها من حيازة الناقل البحري و من عهدته . و هو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بفاس[16]:

مسؤولية الناقل البحري و إن كانت مسؤولية أساسها الخطأ المفترض فإن مسؤوليته تنتهي بمجرد تسليم البضاعة بميناء الوصول، دون قيام المتسلم بتسجيل أي تحفظ اثناء قيام أعوانه بتفريغ البضاعة على الرصيف”.  وهذا التسليم هو الفعل القانوني الذي يفي من خلاله الناقل بالالتزام تجاه المرسل إليه[17].

ويعتبر هذا الاتجاه الذي سلكته اتفاقية هامبورغ في تحديد بدء سريان مسؤولية الناقل من وقت استلام البضاعة حتى وقت تسليمها للجهة المعنية يبرره أن البضاعة تكون تحت رقابة و إشراف الناقل بعيدا عن أنظار الشاحن[18].

يفهم من هذا أن عملية التسليم تنقسم إلى فعلين ضروريين، الأول قانوني وهو اعتبار التسليم واقعة قانونية تنتهي بها فترة العقد التي تظل قائمة و يظل الناقل خلالها ضامنا و كفيلا لسلامة البضائع، و الثاني هو فعل مادي و يتـمثل في نقل حيازة البضائع من الناقل إلى صاحب الحق فيها.

ثانيا : الوضع تحت تصرف المرسل إليه :

وضع البضائع رهن إشارة المرسل إليه  في الحالة التي لا يتسلمها هو أو أحد وكلاءه بشكل مباشر، أو إن تم الاتفاق في العقد على أن يتم وضع البضائع بمجرد وصولها في مخازن مخصصة لهذا الغرض، في انتظار أن يضع المرسل إليه اليد عليها، مثاله إما رفض أو تأخر المرسل إليه في تسلم البضائع، أو كذلك في الحالة التي ينص فيها القانون على عدم إمكانية التسليم المباشر، مثاله بعض الدول التي تحتكر تدبير الموانئ وتفرض عدة مراحل قبل تمكين المرسل إليه من البضاعة، فتجدر الإشارة هنا إلى انتهاء مسؤولية الناقل بمجرد تسليمه البضاعة للسلطة أو للطرف الثالث وفق القوانين الساري بها العمل في ميناء التفريغ. فهذا الفعل بدوره ينهي مسؤوليته أي أن البضائع في حينها تكون خارج عهدته و لا يسأل عنها.

  • الفقرة الثانية : عملية التفريغ.

   يتضح من خلال ما سبق، أن الناقل البحري يتحمل المسؤولية كلما كانت البضاعة  بعهدته وتحت حراسته سواء في ميناء الشحن، أو أثناء النقل، أو في ميناء التفريغ ، ومن الواجب أن تكون البضاعة تحت حراسة الناقل من وقت استلامها حتى الوقت الذي يتم فيه تسليمها للمرسل إليه[19]. أو الجهات التي ذكرتها المادة 4 لكن قبل عملية التسليم توجد عملية التفريغ، فبمجرد وصول السفينة إلى الميناء التفريغ ، ينتهي التزام الناقل بالنقل و تبدأ عملية تفريغ الحمولة تحت إشرافه و توجيه، لكن ليس تحت مسؤوليته و عملية التفريغ هي عملية عكسية  للشحن هدفها إنزال البضاعة من السفينة إلى الرصيف أو أي وسيلة أخرى توصل البضاعة إلى الرصيف في حالة رسو السفينة بعيدة عن الرصيف، إن عملية التفريغ تتطلب من الناقل اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع تعرض البضاعة للهلاك أو التلف لكن لا تجعله مسئولا اتجاه الشاحن أو المرسل إليه عن كل ضرر يصيب البضائع إلا في حالة ثبوت أن الضرر حاصل على اثر توجيهات الناقل ما عدا هذا يكون المتسبب في الضرر هو متعهد الإفراغ أو ما يسمى بالمناول و هو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في عدة قرارات لها نذكر منها القرار الذي جاء فيه : أن شركة استغلال الموانئ لم تعلن يوم 11/06/2018 من وقوع أي حادث من شأنه أن يحدث الشرخ المذكور بالعنبر، لكن التحقيقات التي أجريت إثر هذا الحادث أثبتت أن الشرخ المعاين مراده اصطدام الغرافة المستعملة لإفراغ البضاعة بالجانب الأيمن للعنبر، الأمر الذي يتجلى من خلاله أن شركة استغلال الموانئ، هي المسؤولة عن الحادث، و أن مسؤولية الربان بصفته  ممثلا لمالكي و مجهزي و مستأجري هذه السفينة منتفية في النازلة.[20]  وهذا ما يؤكد أن الفهم الضيق لاتفاقية هامبورغ غير مجدي، فكا ربين القرار اعلاه البضاعة لازالت في السفينة و خلال عملية تفريغها حدث ضرر و لم يعتبر الناقل مسؤولا عنه.

أي أنه بالنسبة للنقل من و إلى المغرب ستبدأ مسؤولية الناقل في الموانئ المغربية، عند التصدير و التحميل تحت الرافعة، و تتوقف عند التفريغ  تحت الرافعة، عند الإستيراد[21].

 

المطلب الثاني : النطاق الزمني المستثنى من نهاية فترة مسؤولية البحري في اتفاقية هامبورغ.

كما سلف بسطه لقد اتفاقية لمحاولة حماية الشحانين من تعسف الناقلين[22] لكن المادة 4 جاءت مخففة من نطاق مسؤولية الناقلين،و ذلك بصريح قولها  إن مسؤولية الناقل البحري تنتهي بتسليمه للبضائع إلى المرسل إليه أو وضعها رهن أو تسليمها إلى سلطة أو طرف ثالث آخر توجبه القوانين أو اللوائح السارية في ميناء التفريغ، و ذلك بميناء التفريغ،  أي لو تم الاتفاق على مكان آخر ليتم فيه التسليم خارجه و تعهد الناقل بأن ينقل البضاعة و يسلمها للمرسل إليه خارج ميناء التفريغ فلا يكون مسؤولا في ظل قواعد هامبورغ عن أي ضرر يصيب البضاعة خلال هذه الفترة بل يكون مسؤولا عنها حسب القواعد المنظمة لوسيلة النقل المعتمدة في هذه المرحلة.

أي أنه من الممكن أن يتفق طرفا عقد النقل على أن يتم تسليم البضاعة بعد تفريغها في ميناء الإفراغ ، أو في أي مكان آخر بعد انتهاء الرحلة البحرية لكن مسؤولية الناقل لا تبقا قائمة إلى غاية توصل المرسل إليه بالبضاعة ووضعه اليد عليها إلا في ظل القواعد التي تحكم وسيلة النقل المعتمدة في المرحلة اللاحقة للتفريغ.

مثال هذا أن يكون تفريغ البضاعة قد تم بميناء طنجة لكن مكان تسليمها هو مدينة مراكش، وهنا سيكون الناقل البحري مجبورا على استعمال وسيلة نقل أخرى في الحالة التي يكون قد تعهد فيها بإيصال البضائع إلى مكان معين.  و إن افترضنا جدلا أن البضائع تعرضت للهلاك فعلى صاحب الحق في طلب التعويض أن يثبت أن الضرر حصل أثناء الفترة التي كانت مسؤولية الناقل قائمة فيها.

 

 

                 خـاتـمة :

سعت الاتفاقيات الدولية الحديثة إلى مواكبة تطورات النقل البحري، و محاولة موازنة الكفة بين الشاحنين و الناقلين و كان هذا من خلال تحديد دقيق لفترة مسؤولية الناقل البحري عن البضائع التي تعد في حوزته.

و مما لا شك فيه أن لفترة إنجاز النقل البحري أهمية بالغة، ذلك أن البضائع تكون معرضة للهلاك أو لتقلبات الأسعار لذلك يلتزم الناقل بتسليم البضائع في المكان و الزمان المحددين قانونا أو اتفاقا، و بدون تأخير و هذا لتحديد مدى  قيام مسؤولية الناقل البحري من عدمه، لذلك كان من الضروري تحديد متى تبتدئ فترة مسؤولية الناقل البحري و متى تنتهي و في أي فترة زمنية تعد البضائع في عهدة الناقل و تحت حراسته. تبين لنا من خلال هذه الدراسة أن بداية مسؤولية الناقل البحري مرتبطة بالنطاق الزماني و نظيره المكاني ارتباطا وطيدا، و وضحنا في  أي مرحلة زمانية و مكانية يبدأ هذا النطاق، وتبين لنا أن فترة مسؤولية الناقل البحري في ظل اتفاقية هامبورغ مرتبطة بمرحلة بتسلمه للبضاعة إلى غاية تسليمها أو وضعها تحت تصرف المرسل إليه.

 

 

 

 

[1] يونس بنونة مسؤولية الناقل البحري على ضوء القانون المغربي- دراسة مقارنة مع اتفاقية هامبورغ لسنة 1978.الطبعة الاولى ، المطبعة السريعة  الصفحة7

[2]  اتفاقية متعلقة بتوحيد بعض القواعد الخاصة بسندات الشحن لسنة 1924

[3] فريد الحاتمي الوسيط في القانون البحري المغربي الجزء الاول السفينة و أشخاص الملاحة البحرية الطبعة الاولى 2000 مطبعة دار النشر المغربية  ص 25

[4] يونس بنونة مرجع سابق ص 52.

 

[5] يونس بنونة مرجع سابق ص 52..

[6] عدلي امير خالد ، عقد النقل البحري في ضوء قانون التجارية البحرية الجديد و المستحدث من أ حكام النقض و أراء الفقه،الدار المطبوعات الجامعية ، الطبعة الأولى 1996، ص54.

[7] Mohamed LAAZIZI, Thèse pour doctorat en droit , les regles de Hambourg et responsabilité du transporteur de marchandises par mer : esquisse d’une évolution, université de Nantes faculté  de droit et des sciences politiques. Page 52.

[8] يونس بنونة م س ص 52.

[9] المنجد في اللغة العربية المعاصرة الطبعة 2001 الثانية دار المشرق بيروت.

[10] المنجد في اللغة و الأعلام الطبعة الثالثة و الاربعون 2008 دار المشرق بيروت.

 

 

[11] مصطفى كمال طه، القانون البحري، دار الفكر الجامعي، طبعة 2009 ، مطبعة شركة جلال للطباعة –العامرية. ص361. 

[12] مصطفى كمال طه القانون البحري مرجع سابق ص 360.

[13] mohamed LAAZIZI , OPS, page 54.

[14] ونحن لا نتفق مع هذا الشق من القرار ذلك أن شركة استغلال الموانئ لا تعتبر وكيلا عن المرسل إليه و ذلك راجع لعدم وجود عقد و كالة، بل إن العقد الذي ينظم شركات استغلال الموانئ هو عقد امتياز و ينظم في إيطار القانون رقم 15.02..

[15] قرار عدد 77 صادر بتاريخ 12 فبراير 2015، في الملف التجاري  عدد 58/3/1/2012، الغرفة التجارية ، منشور بمجلة قضاء محكمة النقض، العدد 80، الصفحة 261.

[16] قرار تجاري بحري رقم  536 صادرعن محكمة الاستئناف التجارية بفاس بتاريخ 22/03/2012 في ملف عدد 11/1690.

[17] . Reflexions sur le statut des marchandises a quai en droit marocain . par Hassania CHERKAOUI, le droit maritime français , n 468.

[18] يونس بنونة م س ص 53.

[19] مصطفى كمال طه، التوحيد الدولي للقانون البحري، دار الفكر الجامعي، طبعة 2008 ، مطبعة شركة جلال للطباعة –العامرية ص 133.

[20] قرار رقم 5750 صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بتلريخ 28/112019، ملف رقم 2177/8232/2019 . قرار غير منشور.

[21] Revue marocaine de droit et d’economie du developpement. Le droit maritime marocain face au nouvel ordre maritime international.18 et 19 mars 1994. Numero 38/1996/1997 p127.

 

[22] مصطفى كمال طه التوحيد الدولي للقانون البحري م س ص 129.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى