في الواجهةمقالات قانونية

مضامين الدستور المغربي الجديد (دستور 2011) – ياسين شرف

 

 

 

مضامين الدستور المغربي الجديد (دستور 2011)

 

 

 

 

 

 

 

2020/2019

 

 

 

اسم الطالب:

ياسين شرف

 

 

إن  أهم وظيفة للدستور هي مأسسة الحياة السياسية؛ أي وضع مبادئ وتدابير و بناء آليات لممارسة السلطة  وتنظيم المنافسة عليها، وبقراءة لمضامين دستور المملكة الجديد 2011 نسجل ما يلي:
إذ أنه لأول مرة في تاريخ المغرب كان هناك حرص على أن يكون الدستور في منهجه «من صنع المغاربة ولأجل جميع المغاربة»، ومن حيث الشكل «يعتمد على هندسة جديدة شملت كل أبوابه و الديباجة، كجزء لا يتجزأ من الدستور المغربي إلى أخر فصوله التي ارتفع عددها من 108 إلى 180 فصل، أما من حيث المضمون فيتمثل في قيام الدستور المغربي على دعامتين أساسيتين، تتمثل الأولى، في التثبت بالثوابت الراسخة للأمة المغربية. وتتمثل الدعامة الثانية في تكريس مقومات واليات الطابع البرلماني للنظام السياسي المغربي، في أسسه القائمة على مبادئ سيادة الأمة، وسمو الدستور، وربط المسؤولية بالمحاسبة.

ويمكن إبراز أهم ما ميز محاور الدستور المغربي في عدة أوجه كالتالي:

أحكام عامة

تم التنصيص في الدستور المغربي في الباب المتعلق بالأحكام العامة، على أن الأمازيغية لغة رسمية للدولة، إلى جانب اللغة العربية، على أساس التلاحم بين مكونات الهوية بتعدد روافدها العربية والإسلامية والأمازيغية والصحراوية والأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. وتكرس اللغة العربية لغة رسمية للدولة، ثم التنصيص على التعهد بحمايتها والنهوض بها، وأوضح أنه سيتم «تفعيل الأمازيغية ضمن مسار متدرج، بقانون تنظيمي، يحدد كيفية إدماجها في التعليم وفي القطاعات ذات الأولوية في الحياة العامة، إضافة إلى النهوض بكافة التعبيرات اللغوية والثقافية المغربية، وفي مقدمتها الحسانية كثقافة أصيلة للأقاليم الصحراوية، والانفتاح على تعلم اللغات العالمية الأكثر تداولا وإتقانها.

الملكية

التكريس الدستوري للملكية المواطنة والملك المواطن وذلك من خلال النص على أن شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام. كما تم تحديد بلوغ الملك سن الرشد في 18 سنة بدلا من 16 سنة، أسوة بكافة المغاربة. تخويل رئاسة مجلس الوصاية لرئيس المحكمة الدستورية، باعتبارها مسؤولة عن احترام الدستور. وكذا جعل تشكيلته تضم كافة السلطات الدستورية، وذلك بإضافة عضوية كل من رئيس الحكومة والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

مجال الحريات والحقوق الأساسية

يعتبر الباب المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية من أهم الأبواب، حيث تم التنصيص دستوريا على كافة حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا بكل آليات حمايتها وضمان ممارستها. وفي هذا الصدد تم النص على إيلاء المواثيق الدولية مكانة هامة وجعلها تسمو على التشريع الوطني بمجرد المصادقة عليها ونشرها بالجريدة الرسمية، ومساواة الرجل والمرأة في الحقوق المدنية، وكذا تكريس المساواة بينهما في كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. ومحاربة كل أشكال التمييز، ولأجل هذه الغاية أحدث ما يسمى بهيأة الإنصاف ومكافحة كل أشكال التمييز بين كلا الجنسين. كما تم تعزيز الجانب الحقوقي بتمكين المجلس الوطني لحقوق الإنسان من صلاحيات واسعة وملزمة من خلال التقارير التي يصدرها بصفة دورية، وكذا التوصيات الصادرة عنه في كل ما له علاقة بحقوق الإنسان عامة فالدستور المغربي كرس كافة حقوق الإنسان، ودسترة العديد من المبادئ سواء الموضوعية (عدم رجعية القانون فصل 6….) أو الإجرائية (قرينة البراء، الحق في التزام الصمت…) تنفيذا لتوصيات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (المجلس الوطني لحقوق الإنسان).

توسيع وعقلنة صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية

في علاقة بهذه السلط يلاحظ توسيع لصلاحيات السلطة البرلمانية، التي تستأثر بممارسة اختصاصات تشريعية ورقابية واسعة، إذ كرس الدستور الجديد سمو مكانة مجلس النواب، بتخويله الكلمة الفصل في المصادقة على النصوص التشريعية وتعزيز صلاحياته في مراقبة الحكومة لا سيما بتكريس مسؤولية الحكومة الحصرية أمام المجلس. ويحتكر البرلمان سلطة التشريع وسن القوانين وتوسيع مجال القانون ليرتفع من 30 مجالا حاليا، إلى أكثر من 60 وينص المشروع على منع الترحال البرلماني (الانتقال من حزب إلى آخر) وحصر الحصانة البرلمانية في التعبير عن الرأي فقط، وعدم شمولها لجنح وجرائم الحق العام.  تخويل المعارضة البرلمانية نظاما خاصا وآليات ناجعة تعزيزا لدورها ومكانتها في إثراء العمل البرلماني تشريعا ومراقبة حيث تم تمكينها من حق التمثيل النسبي في كافة أجهزة البرلمان، وكذا تخفيض النصاب القانوني لتقديم سحب الثقة وتكوين لجان التقصي وإحالة مشاريع القوانين على المحكمة الدستورية، وكذا منح اللجان البرلمانية صلاحية مساءلة المسؤولين عن الإدارات والمؤسسات الحكومية تحت مسؤولية الوزراء المعنيين.

أما فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية، حيث تم الارتقاء بالمكانة الدستورية للوزير الأول إلى رئيس للحكومة وللجهاز التنفيذي الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وتكريسا للمسؤولية الكاملة لرئيس الحكومة على أعضائه، فإن الدستور يخوله صلاحية اقتراحهم، وإنهاء مهامهم، وقيادة وتنسيق العمل الحكومي، والإشراف على الإدارات الحكومية. كما ولرئيس الحكومة كذلك أن يقترح على الملك بمبادرة من الوزراء المختصين، في مجلس وزاري، تعيينات في بعض الوظائف الحكومية الكبيرة مثل الولاة والعمال (المحافظين)، والسفراء والمسؤولين عن الإدارات الحكومية، استثناء التعيين الوظائف العسكرية التي تبقى من صلاحيات الملك كرئيس لأركان الحرب والقوات المسلحة الملكية.

السلطة القضائية المستقلة

استجابتا للمواثيق الدولية الداعية لاستقلال القضاء، إضافة إلى المؤسسات الوطنية كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومختلف الهيئات الحقوقية تم العمل على ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ( الفصل 107) تكريسا لاستقلال القضاء الذي يضمنه الملك، وذلك بالنص صراحة في الدستور الجديد، على أن النطق بالحكم حتى وإن كان يتم باسم الملك، فإنه يتعين أن يصدر بناء على القانون واعتبارا أن النيابة العامة جزء لا يتجزأ من الأسرة القضائية تم تكريس استقلال النيابة العامة عن سلطة وزير العدل بموجب القانون 33.17 القاضي بنقل اختصاصات السلطة الحكومية إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيس للنيابة العامة، كما أصبح المجلس الأعلى للسلطة القضائية موكول له أمر استقلالهم وتقاعدهم وتأديبهم…، وصيانة لحرمة القضاء، فقد تم تجريم كل تدخل للسلطة أو المال أو أي شكل من أشكال التأثير في شؤون القضاء ) الفصل 109) وتمكين القضاة كلما أحسوا بأن استقلالهم مهدد أن يرفعوا أمرهم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، لما لهذا الاستقلال من أهمية بالغة على تحقيق الأمنين القضائي والقانوني والتنمية الشاملة. غير أن هذا الاستقلال فيما بين السلط، ليس بالاستقلال الجامد وإنما استقلال ذو طبيعة مرنة تتأسس على تعاون السلط فيما بينها وتكاملها.

وتكريسا لهذا الانتقال الفريد في مجال العدالة تم إنشاء «المجلس الأعلى للسلطة القضائية» كمؤسسة دستورية يترأسها الملك وتمكينها من الاستقلال الإداري والمالي وتخويل رئيس محكمة النقض مهام الرئيس المنتدب، بدلا من وزير العدل سابقا، تجسيدا لمبدأ الفصل بين السلطات. وبموازاة ذلك تم تعزيز تشكيلة المجلس الجديد وذلك بالرفع من عدد ممثلي القضاة المنتخبين ومن نسبة تمثيل المرأة القاضية وبما يضمن انفتاحه على عضوية شخصيات ومؤسسات ذات الصلة بحقوق الإنسان والدفاع عن استقلال القضاء. كما تم توسيع اختصاصات المجلس لتشمل، إضافة إلى تسيير الحياة المهنية للقضاة، مهام التفتيش وإبداء الرأي في النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالقضاء وتقييم منظومته. وما يلاحظ أن المجلس أصبح يتألف من تشكيلة مخضرمة من حقوقيين وبرلمانيين وقضاة عكس ما كان عليه المجلس في السابق، فيما تم الارتقاء بالمجلس الدستوري إلى «محكمة دستورية» ذات اختصاصات واسعة تشمل علاوة على صلاحياته الحالي، مراقبة دستورية الاتفاقيات الدولية، والبت في المنازعات بين الدولة والجهات (المناطق)، وتخويل هذه المحكمة صلاحية البت في دفاع المتقاضين بعدم دستورية قانون تبين للقضاء أن من شأنه المساس بالحقوق والحريات المكفولة دستوريا.

كما تمت دسترة بعض المؤسسات وتعزيز الحكامة الجيدة من خلال، جعل بعض المؤسسات الأساسية دستورية نذكر من بينها: «المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتمتيعه بصلاحيات جديدة إضافية وملزمة»، و«مؤسسة الوسيط»، و«مجلس الجالية المغربية بالخارج»، و«الهيئة العليا للاتصال المرئي والمسموع»، و«المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي»، وتوسيع اختصاصات هذه المؤسسات، وتعزيز آليات الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد. إضافة إلى العمل على التكريس الدستوري للجهوية المتقدمة (الحكم اللامركزي).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى