في الواجهةمقالات قانونية

“مظاهر الحماية المقررة لتشغيل الأطفال قبل دخولهم الشغل (دراسة سوسيوقانونية)” – رضوان أمينة. باحثة بسلك الدكتوراه

 

“مظاهر الحماية المقررة لتشغيل الأطفال قبل دخولهم الشغل (دراسة سوسيوقانونية)”

رضوان أمينة. باحثة بسلك الدكتوراه

الدكتور حمداوي إبراهيم. أستاذ باحث بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالقنيطرة

مختبر: تراب، بيئة و تنمية. بنية التكوين: إعداد المجال و التنمية الترابية . كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل. القنيطرة

الملخص:

تعالج هذه الدراسة مظاهر الحماية المقررة لتشغيل الأطفال قبل دخولهم الشغل، حيث تم حصر  تجليات هاته الحماية في أهلية الطفل عند إبرامه عقد الشغل وفي السن المتطلبة في تشغيله، و في الأخير تم تقديم مقترحات لعلاج هاته الظاهرة.

الكلمات المفتاحية: تشغيل الأطفال، أهلية الطفل ، إبرام عقد الشغل ، سن التشغيل ، اقتراح الحلول.

 

 

مقــدمــة :

اهتم المجتمع الدولي و الوطني بظاهرة تشغيل الأطفال، و ازداد الوعي بهذه القضية التي هزّت الرأي العام خلال النصف الثاني من القرن العشرين و بداية القرن الحادي والعشرين، بفضل بروز ثقافة حقوق الانسان و توسعها بوجه عام و حقوق الطفل بوجه خاص . لهذا أصبح الاهتمام المتزايد بعمالة الأطفال من طرف مختلف الدارسين السوسيولوجيين و السيكولوجيين و الاقتصاديين من أجل بلورة تشخيص ملائم لهذه الظاهرة.

إن تشغيل الأطفال كظاهرة سوسيولوجية تتداخل فيها عدة أسباب، الشيء الذي يجعل منها ظاهرة بالغة التعقيد والتركيب.1

و لَمَّا كانت هذه الظاهرة عالمية و لا تقتصر على وطننا فقط. فقد نظمها المشرع في مختلف الدول بنصوص قانونية في خضم تشريع الشغل أو تشريع العمل بنصوص من شأنها أن تكبح هذه الظاهرة بالنسبة للأطفال الذين لم يصلوا بعد للسن القانوني للتشغيل المقرر لهم في بلدانهــــــــم

1 فوزية برج – سوسيولوجيا تشغيل الأطفال بالمغرب- منشورات دار التوحيدي – الطبعة الأولى 2015 – ص9/13.

أوالتقليل منها بالنسبة للأطفال الذين وصلوا لهذه السن.

وقد عمل المشرع رأفة بالأطفال العاملين على فرض حماية خاصة بهم قبل دخولهم للشغل.

فما هي تجليات حماية الأطفال العاملين قبل دخولهم للشغل؟ .

ذلك ما سنحاول مقاربته من خلال مطلبين اثنين، كالآتي:

*المطلب الأول : أهلية الطفل عند إبرام عقد الشغل

* المطلب الثاني: الســن القانوني لتشغيل الطفل

المطلب الأول

أهلية الطفل عند إبرام عقد الشغل

إن تشغيل الأطفال كظاهرة سوسيولوجية تشكل خاصية من الخصائص الاقتصادية لثقافة الفقر، أي أن الأمر يتعلق بمجتمع ساهمت مجموعة من العناصر في تكوينه، الأمر الذي يجعلها ظاهرة بالغة التعقيد والتركيب باعتبارها جاءت نتيجة للتغير الاجتماعي الذي يعرفه أي مجتمع من المجتمعات 1 مكرر .

1 مكرر  فوزية برج – سوسيولوجيا تشغيل الأطفال بالمغرب- م. س- ص9.

ومن هنا يطرح التساؤل التالي: ما مدى أهلية الطفل في إبرام عقد الشغل؟.

في ميـدان الشغل تأخذ أهلية القاصر لإبرام عقد الشغل كمعيار لها الحد الأدنى لسن التشغيل، والتي هي حسب المادة 143 من مدونة الشغل خمسة عشر سنة كاملـة[1]مكررمرتين. وتعتبر شرط صحة في إبرام عقد الشغل[2]، وأن هذه السن غير كافية لإبرام القاصر وحده عقد الشغل، إذ بالإضافة إلى شرط السن هناك شرط آخر نص عليه المشرع في الفصل 725 من قانون الالتزامات والعقود وهو وجوب مساعدته ممن له الولاية عليه، وهو ما تبنته مدونة الأسرة في المادة 525 منها[3]. ويبقى الإشكال قائما حول أن المشرع أورد”مساعدة” دون أن يبين مدلولها بوضوح كحصرها في إذن كتابي أو توقيع الوالد إلى جانب القاصر، وتجدر الإشارة إلى أن تطبيق الفصل 725 من قانون الالتزامات والعقود والمادة 225 من مدونة الأسرة تعترضهما المادة 586 من مدونة الشغل، التي نسخت ابتداء من تاريخ سريان هذا القانون جميع المقتضيات المخالفة له،
أو التي تتعلق بنفس الموضوع. ومرد هذا الإشكال هي المادة 144 من مدونة الشغل التي لم تنص على أي مقتضى يفيد أن ولي أمر الطفل له دور في إبرام عقد الشغل سوى طلب إجراء خبرة مضادة، وبالتالي لم يبق له أي دور في مساعدة القاصر على إبرام عقد الشغل كما كان معمولا به في الفصل 725 من قانون الالتزامات والعقود وفي القانون الملغى. أما بخصوص المادة 225 من مدونة الأسرة والتي ميزت عمل القاصر حسب ما يتخلله من أضرار مادية ونفسية وصنفتها بالتالي بين النافعة له والضارة به فإن المادة 144 من مدونة الشغل أوكلت ذلك إلى مفتش الشغل.

وفي نظرنا فإن المساعدة التي نص عليها المشرع في الفصل 725 من قانون الالتزامات والعقود وكذلك في القانون الملغى يجب أن يبقى معمولا بها في قانون الشغل باعتبار أن هذا الأخير يعتبر قانونا مرنا يهدف إلى حماية طرفي العلاقة الشغلية هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن النظام العام يعتبر نسبيا في مدونة الشغل ويفسر دائما لصالح الأجير خاصة إذا كان قاصرا، ومن جهة ثالثة فإن الأهلية في ميدان الشغل محددة بسن التشغيل التي هي 15 سنة، والتي هي سن يحتاج فيها الأجير القاصر إلى مساعدة بل وحماية وليه من الشروط التعسفية التي قد يتضمنها عقد الشغل. وإن ما يعزز وجهة نظرنا هاته أن المشرع في المادة 145 من المدونة المذكورة منع تشغيل أي حدث دون 18 سنة ممثلا أو مشخصا في العروض العمومية من قبل المقاولات دون إذن مكتوب ومسبق من العون المكلف بتفتيش الشغل وذلك بعد استشارة ولي أمره، وتعتبر هذه الاستشارة ضرورية، وأضاف أنه يحق لهذا العون أن يسحب إما من تلقاء نفسه وإما بطلب من كل شخص مؤهل لهذا الغرض الإذن الذي سبق له أن سلمه في هذا الشأن. ونرى أن عبارة”كل شخص مؤهل” تشمل “كل شخص وقف على الأضرار التي قد تصيب القاصر الأجير من جراء اشتغاله في هذه الأشغال فبالأحرى من له الولاية عليه. وعليه فإن الطفل العامل عند إبرامه لعقد الشغل يجب أن يكون مؤازرا بوليه حتى تتحقق الحماية التي يضفيها قانون الشغل على طرفيه خاصة إذا كان أحدهما قاصرا، وتحقيقا للسلم الاجتماعي وضمانا لتوازن المصالح المتضاربة لطرفي العقد المذكور، فهذا هو التفسير الذي يمكن أن نعطيه للمواد المضمنة في مدونة الشغل.

ولما كان عقد الشغل عقد رضائي فإن المشرع لم يشترط فيه شكلية معينة إذ ينعقد بمجرد اتفاق طرفيه على العناصر الأساسية فيه ومع ذلك فقد أوجب المشرع في حالة كتابته، لزوم تحريره في نظيرين موقع عليهما من طرف الأجير والمشغل ومصادق على صحة إمضائهما من قبل الجهة المختصة، ويحتفظ الأجير بأحد النظيرين طبقا للفقرة 2 من المادة 15 من مدونة الشغل.

بقي أن نشير إلى أن ما يتطلب من شروط في إبرام عقد الشغل بالنسبة للطفل العامل ينطبق أيضا على عقد التدرج المهني بالنسبة لهذا الأخير، من حيث توفر المتدرج القاصر على سن 15 سنة عند إبرامه لهذا العقد وبمساعدة أبيه أووليه القانوني، وإن كان المشرع قد تطلب بالإضافة إلى تلك الشروط أعلاه شروطا محددة بنص تنظيمي، يتعلق الأمر بالمرسوم رقم 2.00.1017 الصادر بتاريخ 21 يونيو 2001 بتطبيق القانون رقم 00-12 بشأن إحداث وتنظيم التدرج المهني بالنسبة لكل حرفة أو تأهيل مهني.

وإذا كان المشرع قد حدد سن الشغل في 15 سنة كحد أدنى، فهل أورد على ذلك استثناءات أم جاء هذا المقتضى مطلقا، هذا ما سنعمل على تحليله في المطلب الموالي.

 

 

 

 

 

 

المطلب الثاني

ســن تشغيل الطفل

لَمَّا كانت ظاهرة تشغيل الأطفال ظاهرة عالمية و لا تقتصر على وطننا المغرب فقط ، إذ التقارير و الدراسات الصادرة عن العديد من الهيئات المهتمة بمجال الطفولة تشير إلى اتساع ظاهرة تشغيل الأطفال سواء على المستوى الدولي أو الوطني 4 ، فقد تدخل المشرع المغربي لتحديد سن دنيا للشغل، دونها لا يمكن السماح بقبول تشغيل الأطفال خطوة مهمة لبلورة ولتكريس الحماية القانونية للأطفال العاملين من الاستغلال، وضمانة أساسية للمحافظة على صحتهم وعلى أخلاقهم وعلى نموهم الطبيعي، كما يعد خطوة مهمة للحيلولة دون عدم إتمامهم لتعليمهم   [4] مكرر .

وتجدر الإشارة إلى أن ما يتطلب من شروط في إبرام عقد الشغل بالنسبة للطفل العامل ينطبق أيضا على الطفل في إطار عقد التدرج المهني[5] من حيث ضرورة توفر المتدرج على سن 15 سنة لإبرامه العقد، وإن كان المشرع قد تطلب بالإضافة إلى ذلك شروط محددة بنص تنظيمي[6] بالنسبة لكل حرفة أو تأهيل مهني.

وقد عمل المشرع المغربي على ملائمة سن التشغيل مع الاتفاقيات الدولية[7]، حيث حددها في 15 سنة[8] بموجب المادة 143 من مدونة الشغل[9]، وهذا ما ورد في أحد قرارات محكمة النقض المصرية الذي منعت تشغيل القاصرين قبل السن المحددة لهم بموجب قانون العمل المصرين ينص القرار على أنه : “يمنع بتاتا تشغيل الأحداث قبل تمام سن الثامنة عشرة كما لا يسمح لهم بالدخول إلى أمكنة العمل”[10]. هذا وإن المشرع عندما عمل على الرفع من هذه السن بالنسبة لبعض الأعمال الخطيرة والشاقة بموجب نص المادة 145 من مدونة الشغل، وذلك في التمثيل والتشخيص والعروض العمومية، إلا بإذن مكتوب يسلمه مسبقا العون المكلف بتفتيش الشغل بخصوص كل حدث على حدة، وذلك بعد استشارة ولي أمره، وأضافت المادة إلى أنه يحق لهذا العون أن يسحب إما من تلقاء نفسه، وإما بطلب من كل شخص مؤهل لهذا الغرض، الإذن الذي سبق له أن سلمه في هذا الشأن.

وبهذا نكون قد وقفنا على مظاهر الحماية التي تضمنتها النصوص المتعلقة بتشغيل الأطفال العاملين في مدونة الشغل قبل دخولهم للشغل.

 

 

 

 

خـاتـمــة :

لقد حاولنا على مدار صفحات هذا المقال أن نبرز مظاهر الحماية المقررة لتشغيل الأطفال قبل دخولهم الشغل، إلا أنه لا بد من الإشارة في الأخير أن تشغيل الأطفال يرتبط بالتغير على المستوى الميكرو- اجتماعي:(استراتيجيات عيش الاسر المهاجرة، ثقافة الفقر الخ ) او الماكرو – اجتماعي، باعتبار ات تشغيل الطفل يلعب دورا أساسيا في اشكال الإنتاج التي تتأسس على استغلال اليد العاملة الرخيصة 11. وهنا  لا بد أن نطرح بعض الاقتراحات[11] التي من شأنها أن تخفف من ظاهرة تشغيل الأطفال ، كالآتي:

– الرفع من السن الدنيا لتشغيل الأطفال إلى سبعة عشر سنة على الأقل،

– تفعيل الميثاق الوطني للتربية والتعليم.

– إعطاء مزيد من الدعم للإستراتيجية الوطنية للتواصل ضد تشغيل القاصرين،

– تعزيز الآلية الوطنية لمحاربة الهدر المدرسي،

 

ومسك الختام أن الحمد لله رب العالمين

 

لائحة المراجع:

فوزية برج – سوسيولوجيا تشغيل الأطفال بالمغرب- منشورات دار التوحيدي – الطبعة الأولى 2015.

عبد اللطيف خالفي – الوسيط في مدونة الشغل – ج 1 -ط  1 – س 2004 – المطبعة والوراقة الوطنية مراكش.

محمد الشرقاني – علاقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل –  ط 2003.

أحمد لطفي الشرقاوي – قانون العمل – دار المصطفى للإصدارات القانونية – القاهرة.

[1] مكرر مرتين – تنص المادة 143 من م.ش على أنه “لا يمكن تشغيل الأحداث، ولا قبولهم في المقاولات، أو لدى المشغلين قبل بلوغهم سن خمسة عشرة سنة كامل”

[2] – إلى جانب شروط أخرى حددتها الفقرة 1 من المادة 15 من م.ش، تنص المادة على : “أنه تتوقف صحة عقد الشغل على الشروط المتعلقة بتراضي الطرفين، وبأهليتهما للتعاقد وبمحل العقد، وبسببه، كما حددها قانون الالتزامات والعقود”

[3] –  تنص المادة 225 من م.أ على ما يلي : “تخضع تصرفات الصغير المميز للأحكام التالية :

– يتوقف نفاذها، إذا كانت دائرة بين النفع والضرر على إجازة نائبه الشرعي حسب المصلحة الراجعة للمحجور وفي الحدود المخولة لاختصاصاته. ومن المعلوم أن عمل الأجير القاصر يصنف ضمن هذا التصنيف، أي الأعمال ما بين الضارة به والنافعة له، وأن الذي له الصلاحية لتقييم ذلك هو وليه القانوني.

4 فوزية برج – م . س – ص 10.

[4] مكرر – عبد اللطيف خالفي – الوسيط في مدونة الشغل – ج 1 -ط  1 – س 2004 – المطبعة والوراقة الوطنية مراكش – ص 534.

[5]  – هو عقد تمهيدي سابق لعقد الشغل يستهدف به الأجير تعلم أصول المهنة بمقتضى اتفاق يتعهد بمقتضاه المشغل بأن يعمل على تعليم الأجير القاصر أصول مهنة أو حرفة =معينة مقابل التزام الأجير بأن يعمل تحت إشرافه طيلة مدة العقد بالشروط المتفق عليها.

ذ. محمد الشرقاني – علاقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل –  ط 2003 – ص 90.

[6]  – يتعلق الأمر بالمرسوم رقم 2.00.1077 الصادر في 21 يونيو 2001 بتطبيق القانون رقم 00/12 بشأن إحداث وتنظيم التدرج المهني.

[7] – خاصة منها الاتفاقية رقم 138 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والمتعلقة بالحد الأدنى للتشغيل، والتي تنص مادتها الأولى على أنه: ” تلتزم كل دولة تصادق على الاتفاقية بإتباع سياسة وطنية ترمي إلى القضاء فعليا على عمل الأطفال وإلى رفع الحد الأدنى لسن الاستخدام أو العمل بصورة تدريجية إلى مستوى ما يتفق مع النمو البدني والذهني للأحداث، وأنه لا يجوز أن يكون السن الأدنى للعمل أقل من سنة إنهاء الدراسة الإلزامية ولا يجوز في أي حال أن يقل عن خمسة عشر سنة”.

[8] – بعد أن كانت هذه السن محددة في اثنى عشر سنة بمقتضى ظهير 13 يوليوز 1926 الذي عدل بظهير 02 يوليوز 1947 (في المجال غير الفلاحي) وهو نفس المقتضى الذي تضمنه ظهير 24 أبريل 1973 (في المجال الفلاحي).

25 – بعض التشريعات المقارنة كالتشريعين الفرنسي والجزائري حددت السن الدنيا للقبول في الشغل في 16 سنة، وهذا موقف محمود من المشرعين أعلاه ننوه به ونناشد مشرعنا المغربي بالحذو حذوه .

[10] – قرار محكمة النقض المصرية رقم 91 لسنة 1959 مأخوذ من كتاب الأستاذ أحمد لطفي الشرقاوي – قانون العمل – دار المصطفى للإصدارات القانونية – القاهرة – ص 304.

11 فوزية برج – م. س– ص14.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى