مظاهر تميز العمل البنكي التشاركي
بقلم:علي محمد الدوه
دكتور في قانون الأعمال
مقدمة:
تعالت الدعوات أنحاء المعمورة داعية إلى التخلي عن النظام التقليدي القائم على الفائدة وما تنطلي عليه من ربا صريح جاءت الآيات القرآنية صريحة في الدعوة لنبذه ووضعه كما في صريح الآيِ والحديث، كما أن تعاطيه سبب حرجا ترتب عنه القطيعة التامة بين فئات واسعة من المجتمع مع البنوك، ولذلك ما له من آثار سلبية على الاقتصاد والدورة المالية، حيث تقبع مبالغ مهمة خارج تلك الدورة.
لأجل ذلك بدأ نبش التراث الفقهي الإسلامي للبحث عن البديل الشرعي من أجل بناء اقتصاد إسلامي على غرار الأنظمة الاقتصادية القائمة، ولأجل ذلك سلك المهتمون طرقا شتى، كان هدفها خلق البديل الإسلامي لواقع المعاملات، وهو ما تكلل فعلا ببعض النجاحات على المستوى العلمي والعملي.
فعلى المستوى العلمي كانت الإنتاجات الأولى تتخذ منحيين، الأول طابعه التشدد ورفض واقع المعاملات، ورفضوا الاستفادة من التجربة التقليدية فهي باطلة وتقوم على الربا الذي توعد الله أصحابه بالحرب وما بني على باطل فهو باطل حسب هؤلاء.
وهناك من رأى في التجربة التقليدية (النظام الاقتصادي التقليدي) ما يستحق الاهتمام، مع ضرورة تجاوز المحاذير الشرعية، وقد تطور بفضل هؤلاء النظام البديل، كما بفضل أولئك الذين لعبوا دور الرافض، والذي يفرض على الآخرين -القائلين بالاستفادة في حدود الشرع- تخليص المعاملات من الشوائب وألزمهم التأسيسَ لأي جديد شرعي توصلوا إليه.
وبالتالي فلم يكن النظام الاقتصادي الجديد في غنى عن أي من المسلكين، ولا يزال الأمر كما هو وإن كانت التجارب الماضية قد أو صلت بعض المعاملات لبر الأمان الشرعي، وكذا النضج والكفاءة الاقتصادية إلى حد ما.
على المستوى العملي بدأت الإرهاصات الأولى بعيد رحيل الاحتلال عن البلاد الإسلامية الذي عمل فيها على توطيد ركائز الاقتصاد الغربي خدمة لمآربه خلال تواجده وضمانا لمصالحه بعد رحيله.
وكانت موريتانيا قد عرفت البنوك الإسلامية مبكرا من خلال بنك البركة الإسلامي تحديدا في العام 1985، ليشهد العقد الأخير الترخيص لعدة بنوك إسلامية، و رغم كل ذلك فإنها كانت تعمل في ظل غياب الإطار القانوني، بل كانت هناك مواد صريحة تمنع على البنوك الإسلامية مزاولة التجارة[1]، وهو ما يعني عدم مراعاة خصوصية البنك الإسلامي، ولم يصدر القانون المنظم للمالية الإسلامية إلا نهاية العام 2018.
المغرب لم يعرف البنوك الإسلامية إلا مؤخرا حيث كان العام 2017 مؤذنا بالانطلاقة الفعلية للبنوك الإسلامية تحت اسم البنوك التشاركية، سبق ذلك إرهاصات بدأت بمقرر والي بنك المغرب [2]2007 المؤذن بالتعاطي بصيغ المرابحة والإجارة والمضاربة كأنظمة إسلامية من خلال البنوك التقليدية، إلا أنها محاولات خجولة ولم تأتي أكلها، ربما نظرا للمآخذ الشرعية التي تعتبرها طبقة واسعة من المغاربة مانعا من الاستفادة من النظام المصرفي التقليدي.
بدأت الأصوات تتصاعد مع بداية العقد الثاني من الألفية على مستويات عدة كانت الممهد ربما لتقديم مشروع القانون البنكي بحلته التشاركية الجديدة، والذي تمت المصادقة عليه ديسمبر 2014، لتبدأ مرحلة جديدة وحثيثة من أجل الاستفادة من التجربة البنكية الإسلامية، والمغرب مرشح ليتبوأ مكانة تليق بما يتميز به في المنطقة من أرضية اقتصادية قوية وموقع استراتيجي مهم وسوق واعد.
ولا تخفى تلك الأهمية الكبيرة التي تحظى بها محاولات التأسيس لمثل هذه المستجدات وذلك بقدر الصعوبة التي تحيط بها.
وسأحاول في هذه الورقة البحثية الوقوف على خصوصية الأعمال المصرفية الإسلامية باختصار، في محاولة لتمييز الصناعة المالية الإسلامية عن مثيلتها التقليدية وذلك من خلال:
الفرع الأول- مظاهر تميز الصناعة المالية التشاركية
الفقرة الأولى: من حيث الخصائص
الفقرة الثانية: من حيث الضوابط
الفقرة الثالثة: من حيث المصادر
الفقرة الرابعة: من حيث الرقابة الشرعية
الفرع الثاني- العمل البنكي التشاركي
الفقرة الأولى: الخدمات الأساسية
الفقرة الثانية: التمويل بالمداينة
الفقرة الثالثة: التمويل بالمشاركة
الفقرة الرابعة:التمويل بالإجارة وما في حكمها
الفرع الأول: مظاهر تميز الصناعة المالية التشاركية
تتميز الصناعة المالية التشاركية بمجموعة مزايا نستعرضها في أربع فقرات على النحو التالي:
الفقرة الأولى – من حيث الخصائص
يرتبط الاقتصاد الإسلامي ارتباطا وثيقا بالعقيدة، فالكسب الحلال سبيل لقبول العبادات واستجابة الدعاء، وهي الميزة التي تميزه عن الاقتصاد الحر القائم على نظرية “الفرد الاقتصادي»، وحتى الاقتصاد الاشتراكي الذي لا يولي الحرية الفردية كبير اهتمام[3].
وقد انتهجت المدرسة الإسلامية نهجا وسطا متخذا من الشريعة الغراء نهجا وأساسا للتعامل، فأعطى الفرد حرية التحرك والتملك، والعمل بما يخدمه ويحقق نتائج تعود على المجتمع بالفائدة من خلال استخدام النقود كوسيلة وآلية للتحرك وليست سلعة في حد ذاتها.
ويتميز النظام المالي الإسلامي بجملة من الخصائص نوردها مجملة:
أولا- البعد الإيديولوجي: نظرا لارتباط المجال بالعقيدة، ومنطق الحلال والحرام كمحددٍ لمسار المعاملات ومناط الحكم عليها. ويستمد البنك الإسلامي إطاره الفكري من الشريعة الإسلامية كأساس عقدي إيديولوجي، وانطلاقا من مبدأ الاستخلاف[4] الملزِم بأن يكون تحريكُ المال وفقا لإرادة الله بما يعود بالنفع على الإنسانية وفقا لشريعة الخالق.
كما يمنع الشرع الإسلامي منعا باتا كل معاملة تتعارض مع الأخلاق الإسلامية، ويحض على التعامل على أساس الأمانة والنصح والصدق، والتسامح في البيع والشراء، وإنظار الميسرة، وعدم استغلال الحاجة مع مراعاة العدل في المعاملات.
ثانيا- البعد التنموي الذي يوضح بجلاء المسار الذي ينبغي أن تسير عليه هذه البنوك، حيث تدور مقاصد الشرع حيث دارت مقاصد التنمية، لأنه من السمات الرئيسية المميزة للمصارف الإسلامية مساهمتها في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، فالبنك التشاركي لا يستهدف تعظيم الأرباح فقط، وإنما هو ملزم بمراعاة ما يعود على المجتمع من منافع، وما يلحق به من ضرر نتيجة قيام البنك بمزاولة أنشطته المختلفة[5]
وعليه فالبنوك التشاركية يجب أن تكون أداة فعالة للتنمية الاقتصادية في المجتمعات الإسلامية من خلال سعيها لتوفير مناخ مناسب لجذب رؤوس الأموال وإعادة توطين رؤوس الأموال الإسلامية داخل بلدانها، إضافة إلى التوظيف الفعال لمواردها خدمة للمجتمع الإسلامي[6].
الفقرة الثانية: من حيث الضوابط:
وأحاول الوقوف على أهم الضوابط الموجهة للاجتهاد في المجال البنكي التشاركي، وهي عبارة عن قواعد فقهية كلية اتخذها الفقهاء والباحثون منهجا وهي:
أولا- الأصل في المعاملات الإباحة: وهو أمر مسلم به في المعاملات دون العبادات، وبالتالي فلا مجال للسؤل عن الدليل لإباحة معاملة معينة لأنها على الأصل وهو الإباحة، ويبقى الدليل على من قال بالمنع والتحريم، ويجب أن يكون دليل المنع نصا لا شبهة فيه كما اتجه إلى ذلك السلف الذين نقل عنهم ابن تيمية بأنهم كانوا لا يطلقون الحرام إلا على ما عُلِمَ تحريمه جزما[7]، وذلك لما قد يترتب على تحريم معاملة معينة من تعطيل المصالح والوقوف أمام حاجيات الناس والتي تعتبر مقصدا شرعيا، وذلك لكون التحريم لم يقصد لذاته وإنما بقصد تنظيم المعاملة بحيث لا تجلب الضرر لأي كان، فإذا وجد ضرر خفي كان أو ظاهر وجد نص يقف له بالمرصاد ولكل ما من شأنه الإضرار والمساس بقواعد التعامل التي وضعها الشارع بغية التنظيم لا التضييق.
وعليه فالجواز هو الأصل ما لم يرد نص مشهور قطعي الدلالة في التحريم، وذلك بأن تتضمن المعاملة ربا أو غررا أو عيبا من عيوب الإرادة، وعند الحكم لابد من مراعاة جميع المذاهب في ذلك، وعدم التقيد بمذهب أو رأي أو اجتهاد معين.
ثانيا- حق علماء العصر في الاجتهاد:
لقد أقر السابقون أن الفتوى تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأعراف، لأن الحوادث تترى متجددة وتحتاج إلى معرفة أحكامها، لذلك كان من القواعد الشرعية الكبيرة المهمة “لا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأعراف”[8]، لذا كان للشافعي مذهبان: قديم وحديث، وخالف الصاحبان[9] شيخهما أبا حنيفة في نحو ثلث المذهب، والإمامان مالك وأحمد يروى عنهما في المسألة الواحدة روايات متعددة.
وربما يعود الاختلاف إلى تغير الظروف أو يرجع إلى شخصية المجتهد واتجاهه في التشديد والتيسير، وهذا بالضبط ما يجعل للفقيه المعاصر سعة وحرية في اختيار الرأي الذي يراه أقرب إلى تحقيق مقاصد الشرع، ومصالح الخلق، دون خروج عن مُحْكَمِ النص والتنزيل.
وهو ما جعل من أهم القواعد الشرعية الكبيرة والمهمة “لا ينكر تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأعراف”[10]
الفقرة الثالثة- من حيث المصادر
أولا- المذهب المالكي:
يعتبر الفقه المالكي المصدر الرئيسَ والملجأ الأول للباحثين والمهتمين في إطار الهندسة المالية الإسلامية، وذلك ما قال به قديما شيخ الإسلام ابن تيمية “وأجود المذاهب في المعاملات هو المذهب المالكي والحنبلي، فـأصول مالك في البيع أجود من أصول غيره، فإنه أخذ ذلك عن سعيد بن المسيب الذي كان يقال إنه أفقه الناس في البيع”، وهو ما أكدته جل الندوات ومن ضمنها الندوة الدولية للمالية التشاركية المنعقدة بالدار البيضاء 2014.
وأتناول باختصار شديد أهم الأصول المالكية:
- سد الذرائع:
في مجال البيوع يبطل المالكية والحنابلة البيوع التي يظهر فيها القصد الفاسد المخالف لقصد الشارع: كبيع العينة فإنه يفضي إلى مفسدة الربا، أما الحنفية والشافعية ففرقوا بين صحة العقد وفساد القصد، فالعقد صحيح والقصد أمره إلى الله[11].
والمبيع إذا كان غير مقصود في ذاته فهو يستلزم اللغو بالضرورة لأنه لابد للمشتري أن يتخلص منه بشكل أو بآخر، لأنه لا فائدة له فيه، وما لا فائدة فيه يدخل في معنى اللغو باتفاق المفسرين. وما كان كذلك فأقل درجاته الكراهة، فتكون المداومة عليه ذريعة إلى المحرم[12].[13]
- مراعاة مقاصد المكلفين[14]:
والمذهب المالكي رائد في مراعاة مقاصد المكلفين وبناء الأحكام عليها، والمالكية يبطلون البيوع والأنكحة التي يظهر فيها القصد الفاسد[15].
ومذهب الحنفية والحنابلة هو التصحيح بشرط أن يكون الثمن معلوما ولا يظهر ما ينافي العقد، والمالكية يرون التصحيح مطلقا، حيث ينعقد العقد بالفعل أو بالتعاطي متى كان واضح الدلالة على الرضا سواء تعارف الناس أم لا”[16]
- المصالح والمفاسد: “ليست هناك مصالح خالصة ولا مفاسد خالصة»، وواضح جدا أن المصالح والمفاسد – عند الرازي[17]-هي العلل الحقيقية المؤثرة في شرع الأحكام أي أن المصالح والمفاسد هي مناط الأحكام، ولكن نظرا لعدم ظهورها أو عدم انضباطها في كثير من الأحيان يقع نَوْطُ الأحكام وربطها بأسباب وعلامات ظاهرة منضبطة تتلازم غالبا مع المصلحة أو المفسدة المقصودة بالحكم.
ثانيا- مقاصد الشريعة
لقد اعتمد الإمام مالك رضي الله عنه في اجتهاده الفقهي على قواعد الأصول، مع استحضار مقاصد الشريعة ومراعاة ظروف الواقع، فكان اجتهاده بذلك مؤسسا على نظر مقاصدي، حتى إنه كان رائدا في هذا المجال.
وابن تيمية ما يفتأ يؤكد أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها تُرجِّح خير الخيرين وتُحصِّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمالِ أدناهما[18].
وقد كانت المعاملات البنكية مجالا خصب لإعمال المقاصد، وكان من نتائج تطبيق الرؤية المقاصدية تجنب المعاملات الضارة أو المفسدة والتخطيط السليم للاقتصاد والتنمية من خلال تقديم الأهم على المهم والضروريات على الحاجيات.
إن تطبيق المقاصد في المعاملات الاقتصادية والمالية يؤدي إلى تحقيق النتائج الآتية:
- تجنب المعاملات الضارة أو المفسدة للدين أو للنفس أو للعقل أو للنسل أو للمال
- تحريم كل مشروع أو تصرف اقتصادي أو مالي يؤدي إلى فساد الإنسان وبيئته الطبيعية والاجتماعية
- تخطيط سليم للاقتصاد والتنمية يقدم الأولى فالأولى والأهم على المهم، أي يقدم الضروريات على الحاجيات والكماليات، ثم الحاجيات على الكماليات و التحسينيات.
- تقديم المشروعات الضرورية للنفس على غيرها من المقاصد الكلية، ذلك لأن لكل مقصد ضروريات وحاجيات وتكميليات، فتقدم الضروريات من أي مقصد على جميع الحاجيات من المقاصد الأخرى، وتقدم الحاجيات من أي مقصد على جميع التكميليات من المقاصد الأخرى.
- درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة عند تساويهما، وجلب المصلحة الراجحة مقدم على دفع المفاسد المرجوحة.
الفقرة الرابعة- على مستوى الرقابة الشرعية:
من المزايا الخاصة بالنظام المالي الإسلامي هو ضرورة احترام الضوابط الشرعية من خلال المراقبة الشرعية، وقد سايرت الرقابة الشرعية تطور الصناعة المالية الإسلامية، فاعتمدت بعض الدول الرقابة الشرعية الخارجية من خلال البنك المركزي كجهة وصية مسئولة عن رقابة أعمال البنك الإسلامي ومدى مطبقتها مع أحكام الشرع كما هو الحال في موريتانيا من خلال هيئة المطابقة الشرعية.
بينما أسندت دول أخرى هذه المهمة للوزارة أو الهيئة المكلفة بالأوقاف أو إلى هيئة مختصة بالفتوى كما هو الحال في المملكة المغربية التي أسندت مهمة الرقابة الشرعية إلى المجلس العلمي الأعلى[19] بمقتضى الظهير الشريف رقم 300.03.1 الصادر بتاريخ 22 ابريل 2004 من خلال النص على أن المجلس من خلال اللجنة الشرعية للمالية التشاركية التابعة له يمارس مهمة إبداء الرأي بشأن مطابقة الأنشطة والعمليات التجارية والمالية والاستثمارية التي تقوم بها المؤسسات والهيئات المالية[20] لأحكام الشريعة ومقاصدها.
والجنة الشرعية للمالية التشاركية هي لجنة متخصصة لدى الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى وتتألف من منسق اللجنة وتسعة أعضاء من العلماء الفقهاء المشهود لهم، وتستعين اللجنة على سبيل الاستشارة بخمسة خبراء دائمين على الأقل ذاتيين أو اعتباريين[21].
وتصدر اللجنة آراءها باسم المجلس وبإجماع أعضائها المشاركين في مداولاتها، ويجب أن تكون آراء اللجنة معللة[22].
ولضرورة متابعة احترام الضوابط الشرعية نصت القانون البنكي المغربي كما الموريتاني على استحداث وظيفة أو لجنة داخل البنك التشاركي (الإسلامي) للسهر على احترام الآراء بالمطابقة ورفع تقرير سنوي بشأنها إلى المجلس العلمي والبنك المركزي.
ولا شك أن توحيد الفتوى يخدم المنافسة كما يخدم الانسجام مع المقتضيات الشرعية الضابطة لعمل البنوك التشاركية.
الفرع الثاني: الأعمال البنكية التشاركية
تقوم البنوك التشاركية بتقديم الخدمات البنكية العادية، والتي لا تنطوي في الأصل على جانب ائتماني، من قبيل: استقبال الودائع، وفتح الحسابات البنكية، وكذا تقديم الضمانات البنكية من اعتمادات وخطابات ضمان، وعمليات التحويل، والعمليات الواردة على الأوراق التجارية من قبيل التحصيل والخصم.
بالإضافة إلى أعمال من نوع آخر وهي ميدان تميز الصناعة التشاركية من خلال الصيغ التمويلية المعتمدة والتي يغلب عليها الطابع الائتماني على تفاوت بين تلك الصيغ.
وتتجسد خصوصية النظام التشاركي في تعدد الصيغ التمويلية، وقد نص قانون البنوك التشاركية على ستِّ صيغٍ وتركَ الباب مفتوحا أمام أي صيغة أخرى بعد الرأي بالمطابقة، وهي الصيغ البديلة للقرض بفائدة كآلية وحيدة للاستثمار في البنوك التقليدية.
الفقرة الأولى: الخدمات الأساسية
وهي خدمات عادية تعتمدها البنوك التشاركية كما اعتمدتها بدأً البنوك التقليدية، ولا غنى عنها في الحقل المصرفي، ولا تثير الكثير من الإشكالات الشرعية. وهناك فروق في التطبيق على مستوى البنوك التشاركية من قبيل الخصائص الفنية والتكييف القانوني، وأقف على بعض هذه الخدمات:
أولا- الوديعة البنكية: نلاحظ أن أغلب التشريعات المقارنة حسمت الأمر بخصوص التكييف بنصها صراحة على اعتبار الوديعة البنكية قرضا.
وفي نفس المنحى سار المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود في الفصل 782، وقد ساير القضاء في فرنسا ومصر الفقه في اعتبارها أحيانا وديعة عادية وأحيانا أخرى قرضا، والتكييف الأخير هو الأغلب[23].
وعلى العموم فعقد الوديعة النقدية البنكية يشكل استثناء للأحكام العامة لعقد الوديعة وعقد القرض، فهو عقد مركب ظاهره الوديعة وجوهره القرض، وبالتالي فلا مناص حينها من اعتباره عقدا جديدا بأحكام جديدة خارجا عن نطاق العقود المسماة، ولا ضير في ذلك ما دام الأصل في المعاملات الإباحة ولا ينطوي الأمر على علة للتحريم.
ثانيا- البطاقة البنكية:
سواء كانت البطاقة مغطاة (بطاقة الحسم الفوري من الحساب) أم غير مغطاة ( السحب على المكشوف[24] ) وسواء تم استخدامها للحصول على السلع والخدمات أم إجراء سحب نقدي ، فإن هيئة الفتوى قامت بتهذيب هذه البطاقة وتجريدها من شروطها المحرمة، ومنها حذف شرط دفع فائدة عن تأخير سداد قيمة البطاقة من طرف عملاء البنك ذوي الحسابات المكشوفة ، حيث اشترطت ألا يترتب عن التعامل بهذه البطاقة أية فوائد أخذا أو عطاء كما اشترطت أيضا أن يكون تحويل العملات بسعر الصرف الحالي في حالة ما إذا كانت البطاقة دولية[25].
وقد اتجه بعض الفقه المعاصر (ندوة البركة الثانية عشرة[26]) نظرا لضعف الوازع الديني العام وفساد الذمم والمماطلة… إلى القول بجواز اشتراط غرامة مقطوعة بنسبة محددة على المبلغ والفترة في حال تأخر حامل البطاقة عن السداد دون عذر شرعي، وذالك على أساس صرف هذه الغرامة في وجوه البر، ولا يتملكها مستحق المبلغ.
وعلى العموم فحكم إصدار البطاقة والتعامل بها الجواز ما دامت خالية من شرط ترتب الفائدة على التأخير الذي هو فاسد ومحظور شرعا وقامت الاتفاقية على أن العلاقة بين التاجر والبنك مصدر البطاقة علاقة ضمان.
ثالثا- الاعتماد المستندي:
لم يتحدث الفقهاء المسلمون عنه بهذا الاسم لكن المعنى والمقصد كان موجودا في جملة عقود أخرى تؤدي ذات الغرض، كالضمان والكفالة والحوالة أو ما يعرف بضمان السوق، وهو الأقرب والأكثر شبها بالاعتماد المستندي.
ذهب أغلب الفقه الشرعي إلى جواز أخذ قيمة المصروفات الفعلية لإصدار الاعتماد المستندي، كما تجوز أجرة القيام بالخدمات المطلوبة سواء في صورة مبلغ مقتطع أو نسبة من مبلغ الاعتماد، شريطة ألا يكون لمدة الاعتماد أثر في تحديد الأجرة، ويشمل ذالك الاعتمادات الصادرة والواردة، كما يشمل تعديل الاعتمادات ما عدا التعديل بزيادة مدة الاعتماد، فلا يجوز للبنك أن يأخذ عليه إلا المصروفات الفعلية فقط وتكون حينئذ مبلغا مقطوعا لا نسبة مئوية[27].
ثانيا– خطاب الضمان:
ويسمى في فقه المعاملات بالكفالة وهي من أعمال الإرفاق والإحسان التي يدعو الإسلام إليها ويحث عليها بين المسلمين، كأن يقدم المقرض ماله بدون أجر، أو أن يكفُل غيرَه بدون أجر.
و أيا كان تكييف خطاب الضمان فلا اختلاف بين المعاصرين في جواز أخذ العمولة على إصدار خطابات الضمان باعتبارها خدمة من الخدمات المصرفية التي يؤديها البنك – كما يؤدي غيرها – ويأخذ في مقابلها أجرا مسمى.
أما جواز أخذ قدر زائد من الأجر على مصروفات الضمان الأصلية، أي أجر في مقابل تقديم الضمان كخدمة من قبل الضامن– فهو محل الخلاف الكبير بين الفقهاء المعاصرين.
ولقد أصبح من المعلوم الآن أن خطاب الضمان ما هو إلا نوع من أنواع الضمان أو الكفالة بالمال، وهو يقتضي تحمل الضامن للالتزام أو أي جزء منه في حالة عجز المضمون عن سداده في وقته وبناء على شروطه . وجمهور الفقهاء-بل هناك من يقول بالإجماع – يَنُصُّونَ على أن الضمان يجب أن يكون محض معروف، وبما أنه تبرع فلا يجوز أن يأخذ الضامن عليه أجرا[28].
إلا أن البنك وقد ضمِن عميله في خطاب الضمان، يكون له نصيب من الربحِ العائدِ للعميلِ من العملية المضمونة أو محل الضمان لشراكته مع العميل في هذه العملية “شراكة عقد»، محلُّهُ ضمانُ عملِ العميلِ، وضمانُ العملِ نوعٌ من العمل، فكما أن استحقاق الربح يكون بالمال أو بالعمل، فيكون أيضا بالضمان.[29]
الفقرة الثانية: التمويل بالبيوع:
أولا- المرابحة المصرفية:
وصيغتها أن يتقدم العميل إلى المصرف موضحا له رغبته في الحصول على بضاعة ما والتزامه بالتعاقد مع البنك فيما لو اقتناها بسعر يتفقان عليه حالا أو وفق نسبة محددة من السعر أو نحو ذالك من وسائل تحديد الأسعار، فيقوم البنك باقتناء السلعة وتفويتها إلى العميل مرابحة بسعر حال أو آجل، دفعة واحدة أو أقساط.
وينبغي أن يكون لكل من العميل والبنك الحرية التامة في إتمام البيع أو الإعراض عنه، فلا يقيد أحد الطرفين الآخر بعربون أو كفالة أو وثيقة أو كتابة موقعة أو غير ذالك، ما لم يتم النص –حالة الكتابة بالذات- على أن كلا من الطرفين له الحرية الكاملة في التعاقد على البيع مستقبلا ليتحقق الرضا عند العقد وهو الركن الأساس في صحة العقد.
ولا يُلزِم البنكُ العميلَ بالتعويض لما قد يقع على المَبيع من الضرر لأن الشراء سيتم للبنك لا للعميل، وعليه تحمل الخسائر ولا يتحمل العميل بشيء من ذالك[30].
ولأجل تصحيح المسار تبدو أهمية الخروج بالمرابحة -في التطبيق العملي- من إلزامية الوعد مطلقا، فالذين استدلوا بإلزامية الوعد دِينًا وقضاء اعتمادا على رأي لابن شبرمة[31] -وهو بالمناسبة لا يتعلق بالمرابحة بصفة خاصة– نسوا أو تناسوا أن ابن شبرمة من فقهاء المالكية الذين يقرون في فقههم بأن بيع المرابحة من العينة[32] ويخلطونه بالسلف الذي جر نفعا[33].
وقد اختلفت الآراء الفقهية والتشريعية بين الإلزام بالوعد من عدمه، والغالب المطبق هو اعتبار الوعد ملزما، إلا أن الإلزام بالوعد لا يعني البتة إرغام العميل على الشراء، بل يعني الإلزام بالتعويض عن الخسائر التي قد تلحق العميل، وهو ما أصبح ساري به العمل نظرا لضرورة الإلزام تخفيفا للمخاطر، وقد استعاض البعض ببيع الخيار لتجاوز مسألة الوعد.
إن الأساس المعتمد للتمييز بين الزيادة الناتجة عن عملية التمويل بالمرابحة والزيادة الناتجة عن عملية الإقراض بفائدة يرجع إلى كون الربح يمثل عائدا غير يقيني بحكم ارتباطه بمخاطر العملية الإنتاجية، فالبائع يعرض ماله لمخاطر الكسب والخسارة واحتمال كساد السلعة وفسادها.
أما الفائدة فهي تمثل عائدا يقينيا ومضمونا يتحمله المقترض بمفرده بينما لا يتحمل المقرض أي مخاطر فهو يضمن لنفسه الغنم ويلقي بالغرم على المدين.
ثانيا- السلم: يمكن استخدام السلم[34] كبديل لعمليات الإقراض التي تمارسها البنوك التقليدية[35]، وهو البديل الذي تحتاج إليه مؤسسات الأعمال كونه يتم بصورة نقدية تمنح المؤسسة مرونة الاستعمال.
ومن الناحية النظرية يمكن تطبيق عقد السلم على جميع الأنشطة الاقتصادية طالما كانت منتجاتها قابلة للضبط والقياس كالصناعة والتجارة والمقاولات، كما يمكن تطبيقه على مختلف درجات المنتجين من أصحاب الأعمال «المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة”[36]
وقد تم تطوير السلم إلى سلم موازي يستقبل بموجبه البنك المبلغ سلما لتوفير سلعة موصوفة بتاريخ محدد، فيقوم المصرف بدوره بالتقدم لجهة أخرى لتوفير ذات السلعة بذات المواصفات في تاريخ سابق على التاريخ المحدد في عقد السلم بين البنك والعميل، وهو نفس التطوير الذي جرى عليه التعامل بخصوص الاستصناع.
ويجب أن يكون كل من السلم والسلم الموازي مستقلا عن الآخر في جميع الحقوق والالتزامات، فإن أَخَلَّ أحد الطرفين في عقد السلم الأول بالتزاماته لا يحق للطرف الآخر أن يحيل ذلك الضرر إلى من عقد معه سلما موازيا، سواء بالفسخ أو تأخير التنفيذ.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الفقهاء المعاصرين أجازوا بيع البضاعة المُسلَّم فيها قبل قبضها استنادا إلى الرأي المالكي بهذا الخصوص[37] وبناء عليه أجازوا عقد السلم الموازي[38].
والتطبيق العملي يظهر قلة استعمال السلم وربما انعدامه لدى غالبية البنوك الإسلامية[39]
ثالثا- الاستصناع: هو عقد على مبيع في الذمة وشرط عمله على الصانع، وذلك نظير ثمن معين، لذا يقول الفقهاء أنه عقد أجيز بالسُّنة على خلاف القياس، في حين يرى السادة المالكية أنه نوع من السلم ولا يجوز إلا بوصف العمل، وضرب الأجل، وتقديم رأس المال[40].
وقد يستصنع المصرف هذه المنتجات لنفسه ثم يتصرف فيها بيعا أو تأجيرا أو مشاركة أو قد يقوم بذلك بتوكيل من جهة أخرى.[41]
وفي الاستصناع الموازي يتدخل المصرف بوصفه صانعا، يتلقى طلبات العملاء لتوفير سلع أو منشآت صناعية أو معمارية بمواصفات محددة، فقد لا يتوفر التمويل الكافي للعميل، فيتعاقد المصرف مع العميل لتلبية طلبه.
ويتضمن هذا الاستصناع عقدين:
أولهما: بين البائع (البنك) والمشتري يقضي بتسليم سلع مطابقة للمواصفات التي يحددها المشتري، وبثمن متفق عليه، وموعد محدد للتسليم.
وثانيهما: عقد بين البائع (البنك) والصانع (مورد الخدمة أو صاحب المصنع) يقضي بصنع السلعة محل العقد أو تزويده بالخدمات اللازمة، وتسليمها في فترة زمنية محددة تسبق الفترة المحددة في العقد الأول، وبثمن يقل عن الثمن الأول بهامش يمثل عائد البائع “البنك» من وراء العقد”.
ونحن هنا أمام عقدين منفصلين عن بعضهما، فلا توجد أية علاقة قانونية أو التزامات مالية بين المشتري النهائي للسلعة وبين الصانع في عقد الاستصناع المتوازي، وفي حالة وجود خلاف فإنه يحل في إطار كل عقد على حده وفق الشروط الواردة فيه[42]
وهذا الأسلوب في تطبيق الاستصناع هو السائد في المصارف الإسلامية لملاءمته لطبيعة العمل المصرفي.
الفقرة الثالثة: التمويل بالمشاركات
يمكن القول إن المصارف الإسلامية تقترب من تحقيق المقاصد الشرعية في المال كلما زاد العمل لديها بصيغة المشاركة بأنواعها، وتبتعد عن تحقيق المقاصد كلما اتجهت إلى الصيغ المركبة من حيل فقهية لحماية رأس المال أيا كان الحكم الشرعي لها.
وأميز هنا بين عقد المشاركة المعروف في إطار الشركات ونحوها عن المضاربة التي هي مشاركة مختلفة.
أولا- المشاركة[43]: حيث تمارس في إطارها العادي كمشاركة ثابتة حيث يبقى الأطراف شركاء إلى حين انقضاء العقد الرابط بينهم، وفي الإطار المستحدث وهو المشاركة المتناقصة أو المنتهية بالتمليك حيث ينسحب البنك تدريجيا من المشروع وفق بنود العقد، وأغلب الحالات التي دعت لهذه الصيغة هو رغبة العملاء في المسكن الخاص، وتتضمن شروطُ العقد أن المصرفَ يبيع كل سنة جزءً من حصتهِ الشائعةِ للطرف الثاني وبذلك تتناقصُ حصة المصرف، ولا تتعارض هذه الصيغة مع أحكام الشرع وتحقق مصلحةً للمتعاقدين دون إضرار، ما دامت قائمة على التراضي، دون معارضة لشيء من أحكام الشرع. وصفتها أنها شركة عنان، تتضمن مجرد وعد من المصرف ببيع حصته للشريك الآخر، بعقد مستقل عن الشركة، إما كلياً وإما جزئياً، دفعة واحدة، أو على دفعات.
وتتجلى أهمية الشركة المنتهية بالتمليك في كونها إحدى الصيغ الشرعية الملائمة لطبيعة المعاملات المعاصرة[44]، فهي تمثل أسلوبا مناسبا للتمويل بدلا من الإقراض بفائدة، ولا تشكل عبئا على الشريك الرئيس الذي ستؤول إليه الملكية في نهاية المشاركة، فرأس المال الذي يحصل عليه لاستكمال مقدار التمويل اللازم لمشروعه لن يكون في صورة قرض بفائدة. كما أن مشاركة المصرف فعليا في المشروع تمثل نوعا من الضمان لرأس المال من الهلاك أو عدم التسديد[45].
ثانيا- المضاربة[46]: وهي من قبيل المشاركة حيث يتشارك اثنان في المشروع يقدم أحدهم المال ويقدم الآخر العمل، وهي المعتمدة في البنوك الإسلامية لاستثمار الودائع وفق ما بات يعرف بالمضاربة المشتركة التي يتعدد فيها الأطراف[47]، وقد أثارت إشكالات شرعية حول كيفية اقتسام الربح وتحمل الخسارة في ظل خلط الأموال وعدم تساوي النِّسب، وهو ما اعتُبِر من قبيل الجهالة، إلا أن هذه الجهالة أصبحت بعد تقدم نظم المحاسبة، ودقة عمل المؤسسات الإسلامية، جهالة يسيرة، والجهالة اليسيرة مغتفرة في المعاملات.
فمن المعلوم فقهيا أن نصيب كل من رب المال والعامل في المضاربة يجب أن يكون مقدارا شائعا في الربح، نسبة مئوية منه “وهذا بإجماع المجتهدين، وسند الإجماع هو دلالة نص أحاديث المزارعة”
ويرى المالكية جواز الخلط بمطلق العقد -دون تفويض أو إذن صريح- إذا كان المضارب قادرا على تشغيل الماليْن، بل إنهم رأوا ذالك هو الأولى في بعض الحالات[48].
والمعلوم فقهيا كذالك أنه لا يجوز اشتراط مقدار معلوم لأحدهما، مبلغ مقطوع لرب المال من ماله[49].
وبخصوص تعدي ربح المضاربة لثالث اختلف الفقهاء فجاء في نهاية المحتاج أنه “يمنع شرط بعضٍ لثالث ما لم يشترط عليه العمل معه”[50]، أما المالكية فالذي يظهر أنهم لا يشترطون اختصاص طرفي المضاربة وحدهما دون غيرهما بالربح، بل يجوز الاشتراط لجهة معينة أو لأشخاص آخرين غير المتعاقدين[51]، وهي حالة الوسيط الذي يتولى التنسيق بين صاحب رأس المال والمضارب، ومن الممكن أن يلعب البنك مثل هذه الدور ويستحق عليه جزء من الربح حسب السادة المالكية.
الفقرة الرابعة: التمويل بالإجارة وما في حكمها
تعرف من الناحية القانونية على أنها تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من الشيء المؤجر لمدة معلومة لقاء مقابل معلوم، وتختلف عن الجعالة في مسألة جوهرية وهي عدم تعيين أحد أطرافها، وفي مسائل أخرى تفصيلية ويجتمعان في غالب أحكام الإجارة:
أولا- الإجارة: وهي كما عرفتها هيئة AAOIFI عقد يراد به تمليك منفعة مشروعة معلومة لمدة معلومة بعوض مشروع معلوم، وهي من قبيل المعاوضات والحاجة إليها ماسة والضرورة داعية إليها، إذ حاجة الناس إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان، وهي غالبا على نوعين:
الإجارة التشغيلية: وتتميز بكونها محددة بأجل يُرَدُّ المُؤجَّر بعدها إلى المالك، والاستثمار في هذا المجال يناسب الأصول ذات القيمة العالية.
وذهب الفقهاء المعاصرون إلى أن الصيانة اللازمة للتشغيل السليم للمعدات أو الآلات وما يتطلبه ذلك من صيانة ومتابعة دورية يتحملها المستأجر باعتبارها لازمة لكمال الانتفاع لا لأصله، وعملا بالعرف في ذلك، ولأنها معلومة ومنضبطة فتعتبر كأنها جزء من الأجرة التي يلتزم بها المستأجر[52].
أما الإجارة التمليكية: فتستخدم عادة في مجال العقارات والأجهزة المعلوماتية والسيارات والآلات والمعدات المختلفة، وهو أسلوب يوفر على العملاء الحرية في اقتناء حاجياتهم بمعرفتهم الخاصة، وخلال فترة الإجارة يكون العميل حريصا على العين المستأجرة وهو مُطمئِن البال بكونها ستؤول إليه بعد انتهاء مدة الإجارة، كما يكون المصرف بمنأىً عن مخاطر توقف العميل عن السداد، حيث يحتفظ المصرف بملكية العين المتعاقد بشأنها ولا يتنازل عن ملكيته (بالبيع أو الهبة) إلا بعد سداد جميع الأقساط المتفق عليها.
ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والزيدية والإمامية إلى أن الإجارة عقد لازم من الطرفين إذا وقعت صحيحة عارية عن خيار الشرط والعيب والرؤية فليس لواحد من المتعاقدين فسخه سواء كان له عذر أم لم يكن له عذر فلا تنفسخ إلا بما تنفسخ به العقود اللازمة من ظهور عيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة[53].
ثانيا- الجعالة:
مثالها من عثر على سيارتي فله كذا، وقد ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى جوازها[54] بينما ذهب الحنفية[55] إلى عدم جواز الجعالة[56] لما فيها من الغرر، أي جهالة العمل والمدة قياسا على سائر الإيجارات التي يشترط لها معلومية العمل والأجرة والمدة.
وتعتبر الجعالة من قبيل الإجارة ويمكن أن تنهض بمهام تمويلية من قبيل:
- عمليات التسويق والسمسرة: في الحال التي يكون فيها استحقاق الجُعل مشروطاً بإبرام العقد الذي تمّ التوسط من أجله.
- تحصيل الديون المعدومة والمشكوك فيها: وهي الحالة التي يكون الجعل فيها مشروطاً بتحصيل الدين كلّه، وبذلك يُستَحَقُّ الجُعلُ كلّه، أو تحصيل مقدار منه فيُستَحَقُّ من الجُعل بنسبةِ ما تم تحصيله من الدين.
- عقود الصيانة: وهو عقد مستحدث مشروع، ويتم تكييفه فقهيّاً على أنه عقد جعالة، حيث إن هذا العقد لا ينطوي على تحديد مقدار العمل بشكل دقيق، وبه جهالة وغرر يسير مغتفر، إذ لا يؤدي إلى النزاع عادة.
خاتمة:
إن تطوير المنتجات التشاركية التي تلبي الاحتياجات الاقتصادية، وفي الوقت نفسه المقاصد والضوابط الشرعية ليس أمرا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، لكن المهم هو وضع الخطط الجادة التي تحدد مسار الصناعة التشاركية بعيدا عن منهجية التقليد والمحاكاة إلى منهجية الأصالة والابتكار.
وأتناول هنا بعض التحديات التي تواجه الصناعة التشاركية:
- المنافسة: ويتطلب دفع هذا التحدي أن تعمل البنوك التشاركية على تحسين مستوى إدارتها وعملياتها الفنية؛ فلا تكتفي بأن تكون مجرد أوعية لتلقي الأموال، بل أدوات لاستثمارها، الأمر الذي يستدعي أن تعمل البنوك التشاركية من جهة أخرى على خلق منتجات جديدة تكافئ منتجات البنوك التقليدية وتتفوق عليها، وبالتالي تعظيم مهاراتها، والمنافسة هنا قد لا تكون مفتعلة لكن بحكم الواقع واهتمام الزبون بجودة الخدمة والمردودية قبل اعتبارِ معيار إسلامية البنك من عدمها.
- القدرة على تحمل المخاطر: من خلال الكفاءة المالية والجدارة الائتمانية لقاعدة عملائها، ولمواجهة هذا التحدي يتعين استخدام أفضل الوسائل لإدارة المخاطر والائتمان وتقلبات الأسعار في الأسواق.
- عدم اكتمال البنية القانونية المنظمة لنشاط المصارف التشاركية: على اعتبار أن توفير إطار قانوني وتنظيمي مناسب يمكن أن يساهم في تعزيز متَانتِهَا، ومن ثم يوفر دعما للسلطة الوصية في دورها الرقابي والإشرافي على هذه المؤسسات، ويوجِد البيئة الكفيلة بدعم نمو هذه الصناعة وتعزيز استقرارها وصون مُكتسباتها.
وقد خَطَتْ التجربة المغربية خطوات مهمة من خلال الهيكلة المعتمدة، ومحاولة استكمال البنية المؤسساتية بعد النجاح الذي تحقق على المستوى القانوني، وهو أمر مهم خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتَّحَوُّط ضد مخاطر الاستثمار الإسلامي.
وأقدم بعض الاقتراحات لتصحيح بعض الوضعيات وتجاوز بعض الإشكاليات:
- من اللازم أن يكفل التشريع حقوق أصحاب الودائع الاستثمارية في البنوك التشاركية،لأنهم ليسوا دائنين كي يبقوا بعيدين عن إدارة المصرف، وليسوا مساهمين ليتمتعوا بحقوق المساهمين، وهم يتأثرون بنتائج المجال المصرفي ربحاً أو خسارة.
- من اللازم تجنب العقود الصورية التي تهدد مصداقية هذه البنوك وتجعل التجربة التشاركية صورية لا تختلف عن التقليدية إلا من حيث التسميات والشكليات المتبعة.
- تقليل نسبة العمولات وأن تولي البنوك التشاركية اهتمامًا أكبر بالجانب الأخلاقي والتحلي بالقيم الفاضلة تجاه قضية تداول المال حتى يشعر المواطن بسماحة المعاملة، ويحرص على دعمها وتعزيزها وتقويتها ويجند نفسه داعيا لهذه المبادئ، وملتزمًا ﺑﻬا.
- التدريب المستمر للموظفين، والتوعية الجادة للمتعاملين مع المصارف الإسلامية للإلمام بمفهوم وطبيعة العمل المصرفي الإسلامي السليم.
وأشير في الأخير أن أسلوب التمويل التشاركي يعتبر بديلا شرعيا وعمليا لنظام الفائدة، فهو السبيل الأنسب لتحقيق الاستقرار الاقتصادي بعيدا عن الكوارث والأزمات المالية التي تهدد اقتصاديات الدول، لذلك لا غرابة أن نجد خبراء من صندوق النقد الدولي ومن المؤسسات الأكاديمية والمالية من ينادي بتعديل النظام الاقتصادي العالمي وإعطاء حوافز مماثلة للتمويل التشاركي، بل إن بعضهم مثل ويليام بوتر أستاذ الاقتصاد في مدرسة لندن للاقتصاد وحاليا كبير الاقتصاديين في مجموعة سيتي بنك ينادي للاستفادة من النظام الإسلامي في التشجيع على المشاركة والحد من المديونية.
وهو ما يوضح أهمية التمويل التشاركي في تحقيق العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية والمساهمة في تعبئة الموارد المالية وتنميتها، وبالتالي المساهمة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
د.علي محمد الدوه
[1] – المادة 20 من قانون مؤسسات القرض التي تنص بالحرف على أنه لا يجوز لمؤسسات القرض أن تقوم لحسابها الخاص أو لحساب الغير بنشاطات زراعية أو صناعية أو تجارية… إلا إذا كانت هذه النشاطات ضرورية أو مرتبطة بتحصيل ديونها.
[2] – فاطمة آيت غازي –التمويل الإسلامي بالمغرب من المنتجات البديلة إلى البنوك التشاركية -مقال منشور في مجلة الأبحاث والدراسات القانونية -العدد الأول يناير 2013 -الصفحة 41
[3] – علي أحمد السالوس -الاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة -دار الثقافة الدوحة، مؤسسة الريان-الجزء الأول -الطبعة الأولى 1998/1418 -ص23.
[4]– آية الاستخلاف، قال الله تعالى:﴿ آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير﴾.
[5]– فادي محمد الرفاعي-المصارف الإسلامية –تقديم ريمون يوسف فرحات–الطبعة الأولى-منشورات الحلبي -لبنان 2004- ص56
[6]– عوف محمد الكفراوي- البنوك الإسلامية- النقود والبنوك في النظام الإسلامي- مركز الإسكندرية للكتاب -مصر 2001 ص 192- 210
[7]– هشام أحمد عبد الحي – المصرف الإسلامي (أسسه- خدماته -استثماره) – الإسكندرية – منشأة المعارفط1 2010 / ص21
[8]– هشام أحمد عبد الحي – المصرف الإسلامي- منشأة المعارف – 2010 الطبعة الأولى – ص 24
[9]– الصاحبان عند الأحناف هما أبو يوسف ومحمد بن الحسن
[10]– ينظر أعلام الموقعين لابن القيم 3 / 4- 4 والمجموع المذهب في قواعد المذهب لخليل بن كيلكيدي 2/ 399، والمدخل الفقهي العام للشيخ الزرقا 2/ 299
[11]-ومن درء المفاسد عند السادة المالكية تحريم نكاح الرجل من المرأة التي تزوجها قبل خروجها من العدة تحريما مؤبدا، فأفتى عدد من فقهاء المذهب فيمن هرب بامرأة وأقام معها على الزنا ثم طلب الزواج بها، أنها تحرم عليه تحريما مؤبدا.
[12]-والفرق بين الحيل والذرائع أن الحيل تتضمن القصد من المكلف للتوصل للنتيجة أو المآل المحرم، أما الذريعة فلا يلزم أن تتضمن القصد ابتداء، فالحيلة تقع بما هو ذريعة وما ليس كذلك.
-ينظر: سامي ابراهيم السويلم -قواعد الذرائع في المعاملات المالية -بحث مقدم للمؤتمر الخامس عشر للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية -جمادي الأول 1438 / فبراير 2017 -ص 10 (الفرق بين الحيل والذرائع)
[13]-أجمع العلماء على أصل القول بسد الذرائع كما قال القرافي رحمه الله “فليس سد الذرائع خاصا بمالك رحمه الله بل قال بها هو أكثر من غيره، وأصل سدها مجمع عليه» كتاب الفروق -المجلد الثاني الصفحة 33.
وقال الإمام الشاطبي رحمه الله «قاعدة الذرائع متفق على اعتبارها في الجملة -كتاب الموافقات -المجلد الثالث ص158
[14]-قاعدة الأمور بمقاصدها “العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني”
[15]-وليس هذا إلا جانبا من الأصل العام، وهو اعتبار العقود بمقاصد أهلها ونياتهم، وفي هذا يقول ابن تيمية: «والعقود من الناس من أوجب فيها الألفاظ وتعاقب لإيجاب والقبول ونحو ذالك وأهل المدينة جعلوا المرجع في العقود على عرف الناس وعاداتهم، فما عده الناس بيعا فهو بيع، وما عدوه هبة فهو هبة، وهذا أشبه بالكتاب والسنة والعدل”
-ينظر مجموع فتاوى ابن تيمية: 20/ 345
[16]-من الأحكام التي بناها المالكية على مراعاة قصد المكلف: إبطالهم نكاح المحلل خلافا للحنفية والشافعية لأن القصد في نكاح المحلل قصد فاسد ليس من مقاصد النكاح الصحيح في شيء”.
أيضا ما جاء في الموطأ «باب القصاص في القتل «قال مالك في الرجل يمسك الرجل للرجل فيضربه فيموت مكانه: أنه إن أمسكه وهو يرى أنه إنما يريد الضرب مما يضرب به الناس، لا يرى أنه عمد لقتله فإنه يقتل القاتل ويعاقب الممسك أشد العقوبة ويسجن سنة لأنه أمسكه ولا يكون عليه القتل”
[17]-رائد نصري جميل أبو مؤنس -منهج التعليل بالحكمة وأثره في التشريع الإسلامي (دراسة أصولية تحليلية)-المعهد العالمي للفكر الإسلامي -فرجينيا -الطبعة الأولى 2007 -ص 255
[18] – راجع: المعتمد لأبي الحسن البصري، البرهان للجويني، والمستصفى للغزالي، “قواعد الأحكام «لعز الدين بن عبد السلام.
[19]– يترأس الملك المجلس العلمي الأعلى الذي يتكون من:
- وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية
- بعض كبار العلماء يعينون بصفة شخصية من الملك ولا يمكن أن يتجاوز عددهم نصف عدد رؤساء المجالس العلمية المحلية.
- الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى
- رؤساء المجالس العلمية المحلية.
[20]– تم إحداث اللجنة الشرعية للمالية التشاركية بموجب الظهير الشريف(المرسوم) رقم (1.15.02) صادر في 20 يناير 2015 بتميم الظهير الشريف رقم 300.03.1 الصادر بتاريخ 22 أبريل 2004 بإعادة تنظيم المجالس العلمية.
[21]– عبد السلام بلاجي -البنوك التشاركية في المغرب ص 425 إلى 428
[22]– ينظر: عبد السلام بلاجي -إعادة هيكلة وتمويل منتجات الصيرفة الإسلامية -ورقة بحث مقدمة إلى المؤتمر العالمي الحادي عشر لعلماء الشريعة في المالية الإسلامية (سوق رأس المال الإسلامي والمصرفية الإسلامية: تقويم القضايا العالقة) -من 1 إلى 2 نوفمبر 2016
[23] – مريد جواد -البنوك الإسلامية في ضوء المستجدات التنظيمية للمنتجات التمويلية بالمغرب –الطبعة الأولى 2012 –المتقي برينتر، المحمدية – ص55
[24] – وتسمى عملية سحب العميل لما يربو على رصيده في المصرف سحباً على المكشوف، لانكشاف حسابه حينئذ بصيرورته مديناً بعد أن كان دائناً، والمصارف الربوية التقليدية تقدم هذه الخدمة للعميل مقابل نسبة فائدة تفرضها على المبلغ الذي يسحبها عمليها زيادة عن وديعته
[25]– تسويق الخدمات المصرفية، مرجع سابق، ص 64
[26]– يجب ملاحظة أن إجراءات المطالبة بالديون قد تكلف كثيرا، وبعض البنوك لديها مراكز تحصيل، وتتحمل مصاريف كبيرة في المراسلات ومتابعة المماطلين وأحيانا تضطر للجوء إلى القضاء، وبالتالي فإن بعض الهيئات الشرعية تميل إلى إمكانية تغطية هذه المصروفات التي تنفق للتحصيل من رسوم أو غرامات التأخير، وعليه فيجب مراعاة احتساب مصاريف التحصيل الفعلية بدون أي مبالغات وفي أضيق الحدود، للتأكد من أن هذه المصروفات حقيقية، حيث تسمح الشريعة بالتعويض عن الضرر المباشر ولكن الضرر غير المباشر لا يقبل التعويض عنه(أعمال الدورة الثانية والعشرين لمجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي). وبالتالي يجب التأكد من عدم الإسراف في نفقات التحصيل أو التحايل في الإنفاق.
كما يجب مراعاة أن رسوم التأخير هذه تفرض على المماطلين وليس المتعثرين(المعسرين). فالمتعثر الذي يتعرض لظروف خارجة عن إرادته تمنعه من السداد لا يجب معاقبته وذالك انطلاقا من الآية الكريمة “وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة”البقرة، الآية 280
[27]– الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري -المصارف الإسلامية وما ذا يجب أن يعرف عنها – سابق- ص 152
[28] – وقال مالك: لا خير في الحمالة بجعل (مواهب الجليل 5/111) والحمالة هي الكفالة والضمان. وحكى ابن عرفة عن اللخمى: الضمان بجعل لا يجوز -ابن القطان عن صاحب الإسناد، وحكى الحطاب: عن الأبهري قال: لا يجوز ضمان بجعل لأن الضمان معروف وفعل خير، كما لا يجوز على صوم ولا صلاة لأن طريقها ليس لكسب الدنيا.
وحكى الطبري: (ولو كفل رجل على رجل بمال عليه لرجل على جعل جعله له المكفول عليه فالضمان على ذلك باطل. ولا يلزم الضامن للمضمون له شيء أن كان ضمن له ما ضمن على شرط جعل الذي عليه المال أو على المضمون له …) (وهكذا قول أبي حنيفة وأصحابه) (اختلاف الفقهاء لمحمد بن جرير الطبري، ص9)
والنصوص ناطقة بعدم جواز أخذ الأجر على الضمان. وبما أن خطابات الضمان نوع من الضمان والكفالة، فينطبق عليها الحكم و بالتالي لا يجوز أخذ اجر على الضمان باعتباره ضمانا
[29] – أنور عبد الحميد محمود البعلي -الاستثمار والرقابة الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية -مكتبة وهبة -القاهرة الطبعة الأولى -ص60
[30] – انطلاقا من القاعدة الفقهية “الغنم بالغرم والخراج بالضمان” لايجوز تحميل العميل الآمر بالشراء ما يطرأ على السلعة من أضرار وهلاك خلال فترة الشحن أو التخزين، ولا يمكن اعتبار هذا من قبيل كفالة حسن أداء البائع التي تقتصر على حسن تنفيذ الالتزامات ولا تتعدى إلى ضمان مخاطر الطريق، التي يجب أن يتحملها مالك السلعة. (قراءة وإضاءة حول المعيار الشرعي رقم 8 بشأن المرابحة: الضمانات في مرحلة الوعد، بقلم الأستاذ د.عبد الباري مشعل، منشور على الانترنت).
[31] – حكى ذلك عنه ابن حزم حيث قال: ” قال ابن شبرمة: الوعد كله لازم ويقضى به على الواعد ويجبر “( انظر المحلى 28/8)
[32] – فقد نبه الدكتور عبدالله بيه -وهو من كبار فقهاء المالكية في هذا العصر -أن الوعد الملزم عند المالكية أغلبه في التبرعات (ابن بيه،عبد الله بن بيه، الإجارة المنتهية بالتمليك، بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي الدولي،الدورة الخامسة،الكويت، 10 -15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.)، ويقول الونشريسي: (قاعدة” الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية “ومن ثم منع مالك المواعدة في العدة، وعلى بيع الطعام قبل قبضه ووقت نداء الجمعة، وعلى ما ليس عندك)،وبيع المرابحة للآمر بالشراء عند المالكية يدخل تحت بيع ما ليس عندك.
[33]– دكتور أشرف محمد دوابه – دراسات في التمويل الإسلامي -دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع -القاهرة -الطبعة الأولى 2007/1428 – ص30
[34] – عرفه المالكية بأنه “بيع يتقدم فيه رأس المال ويتأخر المثمن لأجل”.
[35] – حنون محمد حسن -الأعمال والخدمات المصرفية في المصارف التجارية والإسلامية- بحث لنيل شهادة الماجستير – الطبعة الأولى -عمان 2005 – – ص459
[36]– هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية -المعايير الشرعية -ص177
[37] عمر محمد عبد الحليم -الإطار الشرعي والاقتصادي والمحاسبي لبيع السلم في التطبيق المعاصر –البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي لبحوث والتدريب -الطبعة الثالثة 2004ص33
[38] – ولينعقد السلم صحيحا يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:
- أن يكون المسلم فيه من لأموال التي يمكن تعيينه بالوصف كالقمح والتمر[38]
- أن يكون المسلم فيه من النوع الذي يكون موجودا في العادة في الوقت الذي يتم تحديده للتسليم
- أن يتم وصف المبيع بدقة في العقد من حيث النوع والصفة والمقدار ووقت ومكان التسليم
- دفع الثمن في مجلس العقد[38]
- أن لا يشترك المبيع مع الثمن في علة ربوية فلا يجوز إسلام التمر بالتمر مثلا.
- أن يكون السلم والمسلم فيه مما يجوز فيه النَّساء –أي تأخير القبض- فلا يجوز سلم ذهب بفضة ولا بعملة، ولا عملة بعملة أخرى، لأن هذا من الصرف ويجب التقابض فيه.
[39]– حنون محمد -مرجع سابق -ص 459
[40]– ينظر: المدونة، 3/69 طبعة دار الكتب العلمية.
[41]– هذا الأسلوب يمكن أن يحقق ما يلي:
- قيام المصرف بوظيفتين تمويلية وتجارية من خلال تمويله للمنتجين بشراء منتجاتهم مسبقا
- توفير السيولة النقدية للمنشآت الصناعية بدل اللجوء إلى القروض الربوية
- استثمار موارد المصرف وتحقيق أرباح من وراء ذالك
[42]– شوقي أحمد دنيا -الجعالة والاستصناع تحليل فقهي واقتصادي -ط2، جدة البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب – 1998 -ص45
[43] – وتنص المادة 58 من القانون رقم 12-103 من القانون البنكي المغربي في معرض حديثها عن التمويل في البنوك التشاركية “المشاركة كل عقد يكون الغرض منه مشاركة بنك تشاركي في مشروع قصد تحقيق ربح، يشارك الأطراف في تحمل الخسائر في حدود مساهماتهم وفي الأرباح بنسب محددة مسبقا بينهم
[44] – وقد أشار الدكتور محمد شيبر إلى أنه قد تم تطبيق صيغة المشاركة المتناقصة لأول مرة في جمهورية مصر العربية عندما قام فرع المعاملات الإسلامية في أحد البنوك التجارية بمشاركة إحدى الشركات السياحية في امتلاك أسطول نقل بري سياحي لنقل أفواج السائحين بين القاهرة وأسوان.
[45] – عائشة الشرقاوي المالقي، البنوك الإسلامية،التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق،أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في الحقوق،الناشر: المركز الثقافي العربي،الطبعة الأولى 2000م، ص 378
[46] – شاع لفظ مضاربة عند الحنفية والحنابلة والزيدية، أما المالكية والشافعية فيطلقون عليه لفظ القراض، ينظر في ذلك: – المدونة الكبرى، الجزء الثاني عشر، صفحة 86، كتاب القراض. – الإمام الشافعي، كتاب الأم، الجزء الرابع، صفحة 5، باب القراض
[47] – وهي على ثلاثة صور: الأولى: يتعدد فيها رؤوس الأموال، وينفرد فيها المضارب. في حالة قيام المصرف باستثمار الودائع الاستثمارية المودعة لديه بنفسه مباشرة، ودون الاستعانة بمضاربين آخرين، وتقترب هذه الصورة من المضاربة المفردة باعتبار أن التعدد فيها من جانب واحد فقط.
الثانية: يتعدد فيها المضاربون، وينفرد فيها صاحب رأس المال. في حالة قيام المصرف باستثمار الودائع الاستثمارية المودعة لديه، وإعطائها لرجال أعمال متعددين؛
الثالثة: يعرض المصرف الإسلامي باعتباره مضارباً على أصحاب الأموال استثمار مدخراتهم لهم، ثم يعرض – أي المصرف باعتباره صاحب مال، أو وكيل على أصحاب الأموال- على رجال الأعمال أو أرباب التجارة استثمار أو تشغيل تلك الأموال، على أن توزع الأرباح حسب الاتفاق بين الأطراف الثلاثة، وتقع الخسارة على صاحب المال
[48] – النووي،شرح المهذب،ط1 ص14 / 383-214
[49] – ينظر الفتاوى الهندية – مرجع سابق -ص 313 “وأما الشروط الفاسدة فمنها ما يبطل المضاربة ومنها لا يبطلها وتبطل بنفسها إذا قال رب المال للمضارب: لك ثلث الربح وعشرة دراهم في كل شهر عملت فيه للمضاربة، فالمضاربة جائزة ولشرط باطل “
[50] – شمس الدين بن شهاب الدين الرملي المنوفى المصري الأنصاري المشهور بالشافعي الصغير من علماء القرن العاشر الهجري، ولقبه البعض بمجدد القرن العاشر، ووالده هو شهاب الدين الرملي الذي اشتغل بالفقه والتفسير والنحو) 5-164
[51] – مالك بن أنس،المدونة الكبرى،12-90
[52]-فتاوى دار البركة 1/20
[53]-بدائع الصنائع ج 4 ص295 / المغنى على الشرح الكبير ج6 ص 20
[54]-بداية المجتهد لابن رشد 2/233، القوانين الفقهية لبن جزي 257
[55]-حاشية ابن عابدين 3/243البدائع للكاساني 6/203
[56]–لغةً: الجُعْل والجعال والجَعيلة والجُعالة والجعالة (بكسر الجيم) والجَعالة، كل ذلك: ما جعله له على عمله. وأجْعَله جُعلاً وأجْعَله له: أعطاه إياه.
وقد عرّفها من الحنفية ابن عابدين: بأنّها ما جُعل للإنسان من شيء على فعل (ابن عابدين -حاشية رد المحتار -بيروت،لبنان-دار الفكر للطباعة والنشر -،ط2 -2000م -ج3 -ص674).وعند المالكية عرّفها ابن عرفة: بأنها “عقد معاوضة على عمل آدمي بعوض غير ناشئ عن محلّه لا يجب إلّا بتمامه لا بعضه ببعض (الحطّاب -مواهب الجليل -مكتبة النجاح-ليبيا -ج5 ص42).
وعرّفها “ابن رشد”: “بأن يجعل الرجل للرجل جعلاً على عمل يعمله إن أكمل العمل. إن لم يكمله لم يكن له شيء وذهب عناؤه باطلاً” (ابن رشد -المقومات-دار صادر،بيروت-ج5-ص630).
وعند الشافعيّة، عرّفها “الرملي”: بأنها “التزام بعوض معلوم، على عمل معين معلوم أو مجهول، لمعين أو مجهول” (الرملي -نهاية المحتاج -مكتبة الحلبي،مصر-ج5 -ص415).