“معيقات مسطرة الصلح وإشكال الوكالة في الطلاق والتطليق” – محمد بداز
“معيقات مسطرة الصلح وإشكال الوكالة في الطلاق والتطليق” محمد بداز
طالب باحث بسلك الماستر المتخصص قانون الأسرة وقواعد الفقه المالكي
ملخص المقال
لقد كان لمسطرة الصلح في القضايا الأسرية دورا هاما في رأب الصدع بين الزوجين وحماية كيان الأسرة من التفكك والإندثار، وذلك من خلال تقريب وجهات النطر بين الزوجين عن طريق القاضي الصلحي الذي يستدعي الزوجين لهذه الغاية، إلا أن الواقع العملي أبان على مجموعة من الإختلالات التي تعيق التطبيق السليم والأنجع لهذه المسطرة الجوهرية وتساهم في إنحرافها عن المسار المخطط لها لسلكه، ولعل من بين هذه الإختلالات ما يتعلق بالنصوص القانونية في مدونة الأسرة ومنها ما يتعلق بتطبيق هذه المقتضيات على مستوى الواقع العملي، مما أدى بهذا التفاقم إلى ظهور إشكال آخر يتعلق بالوكالة في الطلاق والتطليق، هذا الإشكال الذي عرف بدوره مجموعة من الإختلافات والآراء المتضاربة خاصة على مستوى محاكم المملكة، فمنها من يؤيد إعتمادها ومنها من يعارضها ويرفض التعامل بها، وذلك حسب الحالات وحسب نوع النازلة المعروضة عليها.
مقدمة
لا شك أن مدونة الأسرة المغربية جاءت بمجموعة من المستجدات والإصلاحات التي حاولت من خلالها رأب الصدع بين أفراد الأسرة وجمع شملها، خاصة عند حدوث نزاع ويتم اللجوء بسببه إلى حل ميثاق الزوجية والذي لا يعتبر اللجوء إليه إلا إستثناء وذلك لما له من تأثير على تفكك الأسرة سواء بالنسبة للزوجين أو بالنسبة للأبناء في حالة وجودهم، ولعل أبرز هذه المستجدات التي أضحت الآن من بين الإشكالات المثيرة، ما يتعلق بمسطرة الصلح وإلزامتها في قضايا الطلاق والتطليق، حيث إن مسطرة الصلح تعتبر من بين أهم الإجراءات الجوهرية التي نصت عليها مدونة الأسرة في المادتين 81 و 82 منها خاصة في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، بحيث جعلت الإستدعاء لمسطرة الصلح إحدى أولى الإجراءات التي تقوم بها المحكمة بعد عرض النزاع عليها بشكل إلزامي، وتستدعي مسطرة الصلح الحضور الشخصي لطرفي العلاقة الزوجية وذلك من أجل محاولة الإصلاح والتوفيق بينهما، تنفيذا لقوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقٌ بَيْنَهُمَا فَإِبْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيداَ إِصْلَاحًا يُوَفِّقُ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اَللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرَا}[1]. وهو نفس المقتضى الذي نصت عليه مدونة الأسرة في الماديتين 82 و113 واللتان تتعلقا بمسطرة الصلح في دعاوى الطلاق والتطليق. والواقع أن مسطرة الصلح أبانت على مجموعة من الإشكالات التي تعيق تطبيقها على أرض الواقع خاصة وأن الإشكال الرئيسي نابع من النص القانوني نفسه، وتطبيقه الخاطئ من طرف بعض المحاكم.
لذلك فإن مسطرة الصلح في النزاعات الأسرية تحيط بها جملة من الإشكالات سواء فيما يتعلق بالتأطير القانوني لها أو ما يتعلق بتطبيق هذا المقتضى القانوني على أرض الواقع مما ولد لنا إشكالا آخر يتعلق بطلب الوكالة في الطلاق والتطليق. إذن فماهي أبرز الإشكالات والمعيقات التي تواجه تطبيق مسطرة الصلح؟ تم هل لمسطرة الصلح نجاعة في الحد من قضايا الطلاق والتطليق؟ وما علاقة مسطرة الصلح بإشكال الوكالة في الطلاق والتطليق؟ وهل يأخد بها القضاء لإجراء مسطرة الصلح أم لا؟ وماهي أهم المقترحات والتصورات لجعل مسطرة الصلح أكثر نجاعة وفعالية في ظم الخلافات بين الزوجين؟
للإجابة على مختلف هذه الإشكاليات والتساؤلات إرتأينا تقسيم هذا الموضوع على الشكل الآتي:
- المطلب الأول : معيقات تطبيق مسطرة الصلح.
- المطلب الثاني : إشكال الوكالة في الطلاق والتطليق.
المطلب الأول: معيقات تطبيق مسطرة الصلح
إن مسألة تطبيق مسطرة الصلح في النزاعات الأسرية أبانت على مجموعة من الإشكالات والمعيقات أضحت تظل حاجزا منيعا في وجه تحقيق الغاية الأسمى من وضع هذه المسطرة والمتمثلة في عدول طرفي العلاقة الزوجية عن طلب الفراق وإصلاح ذات البين بينهما، ولعل من أبرز المعيقات والإشكالات منها ما يتعلق بالقواعد القانونية نفسها (الفقرة الأولى) ومنها ما يتعلق بالجانب العملي للمحاكم في تطبيق وتنزيل مقتضيات الصلح على أرض الواقع (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى : المعيقات القانونية لتأطير مسطرة الصلح
يعتبر إجراء مسطرة الصلح من أهم الإجراءات التي نص عليها المشرع الأسري في سلك مسطرة الطلاق والتطليق، فقد أعطاها أهمية بالغة نظرا لما لها من تأثير ولما قد يترتب عن إنحلال ميثاق الزوجية من أضرار وخيمة تؤثرسلبا على كيان الأسرة وأفرادها، بحيث نص في المادة 81 من مدونة الأسرة ” تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح…“[2] والظاهر من مضمون هذه الفقرة أن مسطرة الصلح هي مسطرة شخصية تقتضي حضور الزوجين بصفة شخصية لمحاولة الإصلاح بينهما من طرف المحكمة، فحسن ما فعل المشرع عندما نص على مسألة إلزامية المحكمة لعقد جلسة صلح وجعلها شخصية بين الزوجين لتقريب وجهات نظريهما، لكن ما غاب عن دهن المشرع عند وضعه لهذا المقتضى هو مسألة زواج المغاربة المقيمين بالخارج أو الذين يعملون خارج أرض الوطن وزيجاتهم داخله، خاصة أولئك الذين يجدون صعوبة في التنقل والسفر، خاصة وأن المشرع رتب جزاء عند عدم حضور سواء الزوج أوالزوجة لمسطرة الصلح في قضايا الطلاق، فاذا تخلف الزوج عن الحضور رغم توصله شخصيا يعتبر متراجعا ما لم يدلي بعذر مقبول وبغض النظر عن أسباب عدم الحضور، بينما الزوجة إذا تخلفت رغم إستدعائها بصفة شخصية فإنها لا تعتبر متراجعة إذا كانت مدعية أو طالبة الطلاق، بل إذا لم تحضر ولم تقدم ملاحظات مكتوبة تنذرها المحكمة عن طريق النيابة العامة أنها إذا لم تحضر فسيبث في الملف في غيبتها وذلك حسب منطوق المادة 81 في فقرتها الثانية والتالتة، كما رتبت نفس المادة على الزوج الذي يتحايل في تقديم عنوان زوجته عقوبات جنائية طبقا للفصل 361 من القانون الجنائي بطلب من الزوجة، عكس هذه الأخيرة التي لم ترتب عليها المدونة أية عقوبات عند إعطائها عنوان الزوج مغلوطا في حالة كانت مدعية سواء في قضايا الطلاق أو التطليق.
والملاحظ على أن هذه المادة (المادة 81 م أ) جاءت عبء ثقيلا على الأزواج خاصة المغاربة المقيمين في الخارج، حيث أن هذه المادة تلزم الزوج في قضايا الطلاق بل وحتى في قضايا التطليق للشقاق بأن يحضر بصفة شخصية إلى إحدى محاكم المملكة عملا بمقتضيات المادتين 79 من مدونة الأسرة والفصل 212 من قانون المسطرة المدنية والمتعلقتين بالإختصاص المحلي لدعاوى الطلاق والتطليق، من أجل الحضور لمسطرة الصلح، بل أكثر من هذا أن المشرع رتب على الزوج المتغيب والذي يقطن أو يعمل في دولة أخرى جزاءً يتمثل في إعتباره متراجعا، في المقابل أعطى للزوجة بعض الإمتيازات المتعلقة بعدم الحضور، وعليه نلاحظ أن المادة 81 من مدونة الأسرة جاءت منحازة نوعا ما للزوجة عن طريق منحها إمتيازات الإستدعاء. صحيح أن هناك من يدافع على هذا الموقف بعلة أن المشرع الأسري منح هذا الإمتياز للزوحة لأن الطلاق هو في عصمة الزوج وأنه هو من يوقعه وأن أكبر المتضررين من هذا الطلاق غالبا ما تكون الزوجة، لكن الطلاق مع صدور مدونة الأسرة منذ سنة 2004 لم يعد حكرا على الزوج بل أصبح للزوجة الحق في بعض أنواعه كالطلاق بالتمليك والطلاق بالخلع، ففي هذه الحالة عندما تكون الزوجة هي موقعة الطلاق فهل نرتب عليها نفس جزاءات وآثار الزوج عندما يوقع الطلاق؟ المشرع لم يتطرق لهذه المسألة وبالتالي يكون قد ناقض نفسه وخالف أهم مبادئ وأسس مدونة الأسرة والمتمثلة في إنصاف طرفي العلاقة الزوجية.
أما فيما يخص مسطرة انتذاب الحكمين من طرف المحكمة، فقد نصت عليها الفقرة الثانية من المادة 82 ” للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات، بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة…“[3] ، والملاحظ أن هذه الفقرة جاءت مبهمة لأنها لم تحدد بالتدقيق صفة الحكمين تم الشروط والإعتبارات التي على إثرها يتم انتذاب الحكمين ومجلس العائلة، مما يطرح السؤال عن ماهية المعايير والإعتبارات التي يأخد بها القاضي الصلحي في إنتذاب الحكمين ومجلس العائلة؟ وهل كل الأشخاص أهل لتولي هذه الصفة؟ خاصة وأن الحكمان يجب أن تتوفر فيهما شروطا خاصة ودقيقة. وأيضا من الأمور القانونية التي تشكل عائقا أمام التطبيق السليم والأنجع لمسطرة الصلح هو إسناد إجراء هذه المسطرة لهيئة قضائية جماعية دون الإقتصار فقط على القاضي الفردي، لأن هذا الأخير سيكون أكتر جرأة وإقناعا من وجود هيئة، وذلك لما للقضاء الفردي من مزايا وضمانات قد تساهم بشكل ملموس في إنجاح الصلح بين الزوجين والتوفيق بينهما.
وبالتالي يجب إعادة النظر في المادتين 81 و82 من مدونة الأسرة التي تعتبر كآلية لصنع محاولات الصلح الفاشلة بسبب تغيب الزوج مما أظهر لنا إشكالا آخر يتعلق بالوكالة في طلب الطلاق والتطليق، الأمر الذي يستوجب معه تدخل المشرع لمعالجة وتأطير هذا الإشكال المسطري والحسم فيه كنوع من التفاعلات الإيجابية الهادفة إلى الإسهام في رأب الصدع داخل الأسرة وخلق نوع من المساواة والإنصاف بين أطراف العلاقة الزوجية.
الفقرة الثانية : المعيقات القضائية لتطبيق مسطرة الصلح.
إن وجود بعض الإشكالات في المقتضيات القانونية الخاصة بتنظيم مسطرة الصلح إنعكس سلبا على الجانب العملي حينما أراد القضاء تطبيق هذه المقتضيات، بل وزاد الأمر سوءا عندما ساهم في خلق إشكالات واقعية جديدة تنضاف إلى بعض الإشكالات والمعيقات العملية التي يعاني منها القضاء المغربي، ولعل من أبرز هذه المعيقات والإشكالات العملية لتطبيق مسطرة الصلح، هو أن هذه الأخيرة لا تقام داخل الوقت الكافي لمحاولة الإصلاح بين الزوجين، بحيث أن القاضي المقررلا يمنح الوقت الكافي لإنجاز هذه المهمة إما بسبب عدم تفرغه لذلك وإما بتنوع القضايا التي يبث فيها وأحيانا لكثرة الملفات والقضايا المكدسة والمتعلقة بإنحلال ميثاق الزوجية، وبالتالي لا تستغرق المحكمة في غرفة المشورة لإجراء مسطرة الصلح إلا بضع دقائق يكتفي القاضي الصلحي بطرح سؤال أو سؤالين على الزوجين دون الغوص والأخد أكثر في النزاعات والأسباب الحقيقية الحاصلة بين الزوجين والمؤدية إلى طلب الطلاق أو التطليق.
وأيضا من بين العراقيل التي تواجه تطبيق مسطرة الصلح بالمحاكم هو أن القاضي المكلف بالصلح يقوم أحيانا بإجراء العشرات من جلسات الصلح في اليوم الواحد مما يؤثر سلبا على مضمون وجودة وفعالية هذه المسطرة، بحيث تتم مسطرة الصلح بطريقة سريعة دون أن تتحقق الغاية المرجوة خصوصا في ظل الإرتفاع المهول لحالات الطلاق[4]،كما أن إسناد مهمة إجراء مسطرة الصلح من طرف نفس القاضي المقرر أو الهيئة يؤثر هو الآخر على نجاعة مسطرة الصلح وذلك لعدة اعتبارات منها تحفظ بعض الأطراف في تصريحاتهم أمام هذه الهيئة.
إضافة إلى هذه المعيقات القانونية والقضائية التي تعيق تطبيق مسطرة الصلح فيجب أن ننبه إلى أن هناك معيقات إجتماعية وثقافية أخرى تتمثل في غياب الفهم الصحيح لمقتضيات مواد مدونة الأسرة لدى الأزواج داخل الأسر المغربية بسبب إنعدام التوعية والتحسيس بمكانة هذه المؤسسة المقدسة داخل المجتمع، تم انتفاء ترسيخ ثقافة الحلول البديلة لحل المنازعات الأسرية بدعوى أنها لا تجدي نفعا،أيضا تراجع دور المؤسسات التقليدية (الحكمين/مجلس العائلة) في القيام بالصلح بصفة عامة، ووجود ظواهر إجتماعية معقدة ترسخ النزاع القائم بين الزوجين (الفقر، البطالة، الأمية، الإدمان… الخ) مما يصعب عمليات الصلح بين الأزواج.
لذلك فإننا نقترح مجموعة من التوصيات لتجاوز هذه الإشكالات والمعيقات المتعلقة بمسطرة الصلح من بينها :
- توكيل إجراء مسطرة الصلح للقضاء الفردي دون الجماعي.
- عدم إقتصار إجراء مسطرة الصلح داخل المحاكم بل يمكن تخصيص أماكن أخرى تجرى فيها هذه المقابلات الصلحية.
- الزيادة في عدد إجراء جلسات الصلح وعدم الإكتفاء بواحدة وإثنتين في حالة وجود أطفال.
- توكيل مهمة إجراء مسطرة الصلح لأقدم القضاة وكذا ذوي الإختصاص في الميدان الإجتماعى والنفسي والديني.
- نشر ثقافة أهمية ودور الأسرة في المجتمع، والمسؤوليات المترتبة على عاتق كل مقبل على الزواج.
- التوعية والتحسيس بمكانة الأسرة ودورها في تماسك المجتمع عن طريق إشراك جميع مؤسسات المجتمع المدني.
المطلب الثاني : إشكال الوكالة في الطلاق والتطليق.
نظرا للنقاش الذي خلفه موضوع الوكالة في الطلاق والتطليق خاصة مع عدم وجود نصوص صريحة في مدونة الأسرة تجيز هذه الوكالة في إنحلال ميثاق الزوجة عكس الزواج الذي أعطى فيه المشرع هذه المكنة، فقد كان لزوما على محاكم المملكة أن تجد حلا حسب القضايا المعروضة عليها والمتعلقة بالوكالة في طلب الطلاق أو التطليق، وعلى إثر ذلك إنقسم العمل القضائي المغربي في تعاطيه مع هذه المسألة، فهناك جانب من الإجتهاد القضائي الذي أيد التعامل بالوكالة في الطلاق والتطليق (الفقرة الأولى) وهناك جانب آخر من العمل القضائي الذي رفض التعامل والأخد بها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : العمل القضائي المؤيد للوكالة في الطلاق والتطليق.
لقد خلف هذا النقاش الدائر بين جواز الوكالة من عدمه إلى بروز إتجاه يؤيد الإستعانة بوكيل في مسألة الطلاق والتطليق عندما يعرض على القضاء مستدلين بذلك بأن الوكالة جائزة شرعا وقانونا ولا يوجد ما يمنعها خاصة وأن المشرع المغربي سكت عن هذا الأمر كما سبق أن أشرنا، وبالتالي ترك الأمر للإجتهاد القضائي حسب قناعاته. فالضرورات أبانت على وجود حالات يتعذر على الزوجين أو أحدهما الحضور شخصيا لجلسة الصح وأن عدم قبول الوكالة يلحق ضررا بأحدهما أو كلاهما معا خاصة وأن المذاهب الفقهية تجيز الوكالة في الطلاق وأبرزها المذهب المالكي الذي أحالت عليه مدونة الأسرة في المادة 400.[5]
أما بالنسبة للعمل القضائي المغربي المؤيد والمقر بإعمال الوكالة في الطلاق والتطليق نجد في مقدمته قضاء الموضوع، خاصة أقسام قضاء الأسرة بالمحاكم الإبتدائية التي أحيلت عليها مجموعة من الملفات تتعلق بطلب الوكالة في قضايا التطليق. والواضح من هذا كله أن هناك حاجة ماسة إلى إجتهادات توسع من نطاق إعمال الوكالة بصدد القيام بإجراءات الطلاق والتطليق أيضا بما فيها القيام بالصلح، إذ أن هناك حالات وظروف قاهرة تكون وراء عدم إمكانية حضور الزوج الموكل أو الزوجة إلى جلسة الصلح المنصوص عليها في المواد 81 و82 و83 خاصة بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج[6]. هؤلاء الأشخاص الذين يجدون صعوبة كبيرة ومشاكل عديدة سيما عند القيام بالإجراءات المتعلقة بالطلاق والتطليق بالإضافة إلى المصاريف والتكاليف الباهظة للحضور لجلسة الصلح داخل التراب الوطني وما ينتج عن ذلك من أضرار قد تصيب الزوج أو الزوجة خاصة ما يتعلق بطبيعة العمل وإجراءات السفر وغيرها من الأضرار والمعيقات.
وإنسجاما مع هذه المعطيات وطبقا للقاعدة الفقهية “الضرر يزال”[7]، فقد صدر عن القضاء المغربي عدة أحكام وقرارات تجيز الوكالة في الطلاق والتطليق سواء على مستوى محاكم الموضوع أو على مستوى محكمة النقض وذلك إستنادا إلى المادة 400 من مدونة الأسرة.
وقد جاء في هذا السياق حكم المحكمة الإبتدائية بأسفي في قسمها الخاص بقضاء الأسرة بتاريخ 19/10/2020 في ملف التطليق للشقاق عدد 1279/2019 حيث جاء فيه :
” بناء على المقال الإفتتاحي المقدم من طرف المدعي شخصيا بواسطة وكيله لدى كتابة ضبط بهذه المحكمة بتاريخ 08/11/2019 والمقال الإصلاحي المدلى به من طرف نائبه بجلسة 24/02/2020 والمؤداة عنه الرسوم القضائية والذي يعرض فيهما أنه متزوج بالمدعى عليها وأنها أصبحت تعامله معاملة لا تليق وقواعد الشريعة الإسلامية وأنه يلتمس بمقتضاه الحكم بالتطليق للشقاق لإستحالة العشرة وأرفق مقاله من عقد الزواج ووكالة مصححة الإمضاء.
وحيث أن هذه المحكمة إعتمدت الوكالة في التطليق أولا للإستعمالها في نطاق ضيق، وثانيا للإنسجام ذلك مع مدونة الأسرة من خلال المادة 400 التي تحيل على الفقه المالكي وثالتا لتوجه محكمة النقض في ذلك. فمن حيث إستعمال الوكالة في التطليق في تطاقها الضيق فإن ذلك تمثل بالأساس في وجود الطرف المدعي خارج أرض الوطن حسب التابث من الوكالة مصادق عليها بالقنصلية العامة للمملكة المغربية ببروكسيل بتاريخ 21/10/2019 تحت عدد 187297/2019 من طرف المدعي يكون من الأرجح التيسير عليه بدل تكبيده خسائر السفر من خارج الوطن وما يستلزم ذلك من مصاريف السفر (…)
لهذه الأسباب حكمت المحكمة علنيا وحضوريا في حق المدعي وبمثابة حضوري في حق المدعى عليها بغرفة المشورة، في الشكل قبول الطلبين الأصلي والمضاد، أما في الموضوع في المقال الأصلي ؛ إنتهائيا بتطليق المدعى عليها أصليا من عصمة زوجها المدعي أصليا طلقة بائنة واحدة للشقاق وإبتدائيا بأدائه لها المستحقات التالية(…)”[8].
إذن من خلال حيثيات الحكم أعلاه الصادر عن قضاء الأسرة بالمحكمة الإبتدائية بأسفي يتضح على أن المحكمة قد قبلت بتطليق الزوج من زوجته للشقاق بواسطة وكالة قانونية مصادق عليها بالقنصلية العامة للمملكة المغربية ببروكسيل، وقد استعانت المحكمة في قبولها بالوكالة في التطليق في نطاقها الضيق وذلك من أجل تخفيف العبء على المدعي الذي يقطن بالديار البلجيكية وعدم تكبيده لعناء وخسائر السفر من خارج الوطن وما يستلزم ذلك من أثار قد تنتج عن تعقد بعض الإجراءات الخاصة بالدخول إلى أرض الوطن بالإضافة إلى عمل الزوج في بلاد المهجر، وما قد يسببه له من أضرار مادية ومعنوية . وقد عللت المحكمة حكمها بأن قبولها للوكالة في التطليق نابع من إنسجامها مع مدونة الأسرة من خلال المادة 400 التي تحيل على الفقه المالكي، لأن الفقه المالكي كما أشرنا سلفا فإنه يجيز التوكيل في الطلاق، وبالتالي فإن المحكمة قد بنت حكمها على الأساس القانوني الصحيح مادام أن المادة 400 من مدونة الأسرة التي نصت ” كل مالم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والإجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”[9]. قد أعطت الحق للإجتهاد القضائي في الذهاب إلى قواعد الفقه المالكي في حالة لم يرد نص يؤطر مسألة أو نازلة معينة، وقد عللت حكمها أيضا إنسجاما مع توجه محكمة النقض التي سبق لها أن أذنت بالوكالة في الطلاق كما سنرى فيما بعد.
وفي ذات السياق فقد صدر عن المحكمة الإبتدائية بطنجة في قسمها الخاص بقضاء الأسرة بتاريخ 15/06/2022 حكما جاء في حيثياته:
” بناء على المقال الإفتتاحي الذي تقدم به نائب المدعي إلى كتابة الضبط بهذه المحكمة والمؤداة عنه الرسوم القضائية بتاريخ 04/02/2022، والذي يعرض فيه أنه زوج المدعى عليها، وأن إستمرار الحياة الزوجية أصبح مستحيلا بينهما بسبب استحكام الشقاق ملتمسا قبول المقال شكلا، وموضوعا بعض ملاحظة استحالة إستمرار العلاقة الزوجية
وحيث إعتمدت المحكمة في هذه القضية على الوكالة في التطليق وذلك لعدة إعتبارات، أولها كون المدعي يتواجد خارج أرض الوطن كما هو ثابت من خلال التوكيل المصحح الإمضاء لدى قنصلية المملكة المغربية بالجزيرة الخضراء بتاريخ 01/03/2022 وذلك تيسيرا على الأطراف ورفع المشقة عنهم، وثانيا إنسجاما مع المادة 400 من مدونة الأسرة والتي تحيل على الفقه المالكي والإجتهاد في كل ما لم يرد به نص، وفي هذا الإطار يقول إبن العاصم في باب الوكالة أن البالغ الرشيد له أن يوكل غيره ليقوم مقامه في كل ما يقبل النيابة وفي ذلك يقول؛ وحيثما التوكيل بالطلاق ********* فذلك التفويض باتفاق. والإعتبار التالث هو توجه محكمة النقض التي أخدت بالوكالة في الطلاق، حيث التوكيل في الطلاق كما كان عليه الأمر في الفصل 44 من مدونة الأحوال الشخصية، لا يعني إستبعاده مطلقا، إذ أنه جائز في مذهب الإمام مالك الذي أحالت عليه مدونة الأسرة في المادة 400، لكن بشروط
لهذه الأسباب حكمت المحكمة علنيا ونهائيا في الجزء المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية وإبتدائيا في الباقي، وحضوريا في حق المدعي وبمثابة حضوري في حق المدعى عليها في الموضوع بتطليق المدعى عليها من زوجها طلقة واحدة بائنة للشقاق قبل البناء وتحميل المدعى عليها الصائر”[10].
والملاحظ من خلال هذا الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بطنجة أن هذه الأخيرة ذهبت في نفس الطرح الذي ذهبت إليه المحكمة الإبتدائية بأسفي وهو إعتماد الوكالة في التطليق للشقاق مع إستعمالها بشكل ضيق وذلك لأسباب تتعلق بحالة الزوج ووجوده خارج أرض الوطن مما يزيد من مشقته وصعوبته في الحضور شخصيا لإجراء مسطرة الصلح مما قد يتسبب له في مشاكل وأضرار مادية ومعنوية، وبالتالي قضت المحكمة بتطليق الزوج من زوجته للشقاق بواسطة وكالة قانونية دون حضوره آخدة في حكمها بالمذهب المالكي الذي تحيل عليه المادة 400 من مدونة الأسرة وإجتهاد محكمة النقض في ذلك.
وختاما لهذا التوجه المؤيد للوكالة في الطلاق والتطليق ما استقرت عليه محكمة النقض في إحدى قراراتها في الملف الشرعي بتاريخ 14/09/2021 حيث جاء فيه :
” عدم التنصيص صراحة في مدونة الأسرة على التوكيل في الطلاق كما كان عليه في الفصل 44 من مدونة الأحوال الشخصية، لا يعني إستبعاده مطلقا، إذ أنه جائز في مذهب الإمام مالك الذي أحالت عليه مدونة الأسرة في المادة 400، لكن بشروط، النقض والإحالة.
وحيث يؤخد من أوراق الملف والقرار المطعون فيه المشار إلى مراجعه أعلاه، أن المدعي(…) تقدم بمقال إفتتاحي وآخر إصلاحي إلى المحكمة الإبتدائية بـ م بتاريخ 12/18/2018 و 23/04/2019 عرض أنه متزوج بالمدعى عليها (…) بموجب عقد زواج مضمن بعدد 362 بتاريخ 18/02/2012، وأنه إستحال إستمرار العلاقة الزوجية بينهما لكثرة المشاكل والخلافات ورفعها شكاية كيدية في مواجهته أصبح بمقتضاها موضوع مذكرة بحث دولي وأنه عاطل عن العمل ببلاد المهجر ولا يتعدى دخله الشهري 150 أورو. وإلتمس الحكم بطلاقها من عصمته طلاقا رجعيا، مع توكيل دفاعه بمسطرة التطليق وعزز طلبه بنسخة من عقد الزواج ووكالة من أجل التطليق مصادق عليها بالقنصلية العامة للمملكة المغربية بـ ك بتاريخ 25/02/2019. وأجابت المدعية عليها أن المدعي تخلف عن حضور جلستي الصلح وأنه يحاول التملص من مسؤولياته وأن التطليق بالوكالة لا يقوم على أساس قانوني. وبعد إنتهاء الإجراءات صدر الحكم بعدم قبول الدعوى. فإستأنفه المدعي وأيدته محكمة الإستئناف بقرارها المطعون فيه بالنقض.
فقد قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه وإحالة القضية وطرفيها على نفس المحكمة للبث فيها من جديد بهيئة أخرى طبقا للقانون وإعفاء المطلوبة من المصاريف”[11].
وقبله فقد سبق أن صدر عن نفس المحكمة قرار عدد 941 والمؤرخ في 24/12/2013 حيث جاءت القاعدة ؛ ” الوكالة في الطلاق لئن كانت مدونة الأسرة لم تنص على إمكانية الطلاق بوكالة إلا أنه يمكن أن يعمل بها تطبيقا للمادة 400 من نفس المدونة التي تحيل على الفقه المالكي الذي يعتبر الوكالة في الطلاق وهو بمثابة قانون داخل”[12].
وبالتالي نخلص للقول بأن أغلب الإجتهادات القضائية تؤيد الأخد بالوكالة في طلب الطلاق والتطليق لكن بشروط محددة وحسب السلطة التقديرية للمحكمة وبما أن محكمة النقض تعتبر أعلى هيئة قضائية وهي الساهرة على توحيد العمل القضائي، قد أجازت العمل بالوكالة في طلب الطلاق والتطليق فإن أغلب محاكم الموضوع قد سارت على نفس النهج، وأصبح من بين الأساس والتعليل الذي تعلل به هذه المحاكم أحكامها في قبول الوكالة هو إنسجامها مع توجه محكمة النقض، فالمحكمة عندما يتبين لها مبرر موضوعي وكافي في جعل الزوج أو الزوجة يتعذر عليه حضور جلسة الصلح بصفة شخصية لأسباب معينة خاصة بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، وأيضا لرفع الضرر الذي قد يلحقه وعدم تكبيده عناء ومصاريف السفر، وتطبيقا للقاعدة الفقهية ” المشقة تجلب التيسير”[13]. فإن جل هذه المحاكم أخدت بالوكالة في الطلاق والتطليق لرفع الضرر والمشقة عن الأزواج كلما تبث للمحكمة أن أحد الأطراف إما قد تصيبه أضرار من الحضور بصفة شخصية أو أن حضوره سيجلب له مشقة وعناء.
وفي مقابل هذا التوجه القاضي بإجازة الوكالة في الطلاق والتطليق، هناك من العمل القضائي من رفض التعامل بالوكالة في طلب الطلاق جملة وتفصيلا بدليل عدم وجود سند قانوني صريح.
الفقرة الثانية: العمل القضائي المعارض للوكالة في الطلاق والتطليق
لقد ذهب جانب آخر من العمل القضائي المغربي إلى عدم الأخد بالوكالة في الطلاق أو التطليق بخلاف التوجه الأول في كثير من الحالات والقضايا التي عرضت عليه. فألزم المشرع في مدونة الأسرة الهيئة القضائية الحاكمة وقبل منحها الإذن بالإشهاد على الطلاق لطالبه، أو قبل إصدار حكم فاصل في التطليق، ضرورة القيام بمحاولات الإصلاح والتوفيق بين الزوجين، كما كرست ذلك المادة 81 من مدونة الأسرة بعبارة ” تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح”[14]، وكدا المادة 82 بعبارة ” عند حضور الطرفين، تجري المناقشات بغرفة المشورة إذا تم الإصلاح حرر ذلك في محضر”[15]، وللإشارة فالمشرع المغربي أيضا لم ينص صراحة على أن الوكالة جائزة في قضايا الطلاق بل سكت عن ذلك.
فالمستفاد من هذا أن مسطرة الصلح مسطرة مهمة في إجراءات الطلاق والتطليق خاصة وأنها تكون شخصية بحضور طرفي العلاقة الزوجية، فتفويض هذا الأمر إلى شخص ثالت غير الزوجين قد يفرغ مسطرة الصلح من محتواها وتصبح مجرد مسطرة شكلية لا أهمية لها، وعلى ضوء هذا التوجه القانوني الذي وجد نظيره في العمل القضائي المغربي، فقد كرسته العديد من الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن محاكم المملكة بمختلف درجاتها، ولعل أبرز هذا العمل القضائي الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بأسفي في قسمها الخاص بقضاء الأسرة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المحكمة هي نفسها التي قد سبق وأن أجازت الوكالة في التطليق للشقاق. وقد جاء في حيثيات هذا الحكم الصادر بتاريخ 21/04/2022 ؛
” حيث يرمي الطلب إلى تطليق المدعى عليها من عصمة زوجها للشقاق، وحيث تخلف المدعي عن حضور جلسة الصلح، مما يعتبر معه متراجعا عن الطلب طبقا لمقتضيات المادة 81 من مدونة الأسرة، دون إعتبار الوكالة المعطاة من طرفه، لتراجع مدونة الأسرة عن تنظيمها والأخد بها عكس مدونة الأحوال الشخصية الملغاة من جهة أولى، ولكون إعتمادها من المحكمة سيترتب عنه الحكم على محاولة الصلح بالفشل حتى قبل إجرائها من جهة ثانية، طالما أنها تحول دون الحضور الشخصي للزوجين أمام مجلس القضاء، والذي يعتبر شرطا أساسيا حتى يتمكن قاضي الصلح من الوقوف على أسباب الشقاق الحاصل بين الزوجين والعمل على إصلاح ذات البين بينهما بعد تقريب وجهات نظرهما، الأمر الذي لا يمكن تحققه عمليا بحضور أحد الزوجين ووكيل الآخر.
وحكمت المحكمة بجلستها المنعقدة علنيا وحضوريا بالإشهاد على تراجع المدعي عن طلبه وتحميله الصائر”[16].
إذن من خلال حيثيات هذا الحكم نلاحظ أن المحكمة الإبتدائية بأسفي قد قضت بعدم الأخذ بالوكالة في الطلاق حسب وقائع هذه النازلة المعروض عليها، وقد عللت المحكمة حكمها بأن مدونة الأسرة لم تنص على هذا الأمر في مقتضياتها بل وأنها تراجعت عن تنظيم الوكالة في الطلاق بعد صدورها عكس مدونة الأحوال الشخصية الملغاة التي نظمت الوكالة في الطلاق، وأن مجرد اعتماد المحكمة على الوكالة في طلب التطليق سيتم الحكم على محاولة الصلح بالفشل قبل بدئها، لذلك فقد قضت المحكمة في هذا الحكم بالإشهاد على تراجع المدعي عن طلبه باعتباره متخلفا عن حضور الجلسة ورفض الوكالة المقدم بها دفاعه، مما يجعل حكم المحكمة مبني على أساس قانوني صحيح طبقا للمادة 82 من مدونة الأسرة.
نفس التوجه ذهبت إليه المحكمة الإبتدائية بالخنيفرة في الملف الشرعي عدد 138/2007 بتاريخ 12/03/2007 والذي جاء في حيتياثه ؛
“حيث إن الطلب يهدف إلى الإذن للزوجين بالإشهاد على الطلاق الإتفاقي وتوثيقه لدى شاهدين عدلين بدائرة نفوذ هذه المحكمة، مع إنتذاب قنصل المملكة المغربية بدولة هولندا بمدينة أمستردام للقيام بمحاولة للصلح، وحيث تنص المادة 180 من قانون المسطرة المدنية في الباب الثالت المتعلق بالمساطر الخاصة بالأحوال الشخصية، على أنه يجب على الأطراف أن يحضروا في الجلسة الأولى شخصيا وتجري دائما محاولة الصلح كما تنص المادة 114 من مدونة الأسرة إذا وقع الاتفاق بين الطرفين على إنهاء العلاقة الزوجية دون شروط أو بشروط لا تتنافى مع أحكام مدونة الأسرة يقدم الطرفان أو أحدهما طلب التطليق مرفوق به الإذن بتوثيقه وتحاول المحكمة الإصلاح بينهما ما أمكن
وحيث التمس الطرفين بالإتفاق المصادق على توقيعه، إنهاء العلاقة الزوجية إعفاءهما من إجراء محاولة الصلح لتعذر الحضور أمام المحكمة الإبتدائية ولإصرارهما على إيقاع الطلاق.
وحيث إن الطرفان يتواجدان معا بدولة هولندا بمدينة أمستردام ويتعذر عليهما الحضور أمام المحكمة لإجراء مسطرة الصلح، فقد إرتأت المحكمة إنتذاب قنصل المملكة بدولة هولندا بمدينة أمستردام لإصلاح البين بينهما، بإعتباره شخصا مؤهلا للقيام بذلك طبقا لأحكام المادة 82 من مدونة الأسرة”[17].
وفي السياق ذاته جاء في حكم المحكمة الإبتدائية ببركان في الملف الشرعي عدد 83/08 ما نصه “… وحيث إنه قد وكلت الزوجة والدها لأجل إيقاع الطلاق نيابة عنها (…) مما تقرر معه رفض الوكالة وقد تم إشعارها عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البث في الطلب في غيبتها”[18].
إن الملاحظ من هذين الحكمين بالإضافة إلى الحكم الأول أن بعض المحاكم أخدت الإتجاه المعاكس وذهبت إلى عدم الأخذ بالوكالة في طلب الطلاق والتطليق حيث إنها تتشبث بالحضور الشخصي لطرفي العلاقة الزوجية لمجلس الصلح الذي تعقده المحكمة وذلك لما لهذا الحضور من إيجابيات تساهم بشكل ملموس في الإصلاح بين الزوجين وتقريب وجهات النظر بينهما.
وقد سار قضاء النقض التونسي على نفس المنوال وذلك عندما قضى بمنع التوكيل في الطلاق والتطليق للعلل المذكورة سلفا ـ ومنها الحضور الشخصي لجلسة المصالحة حتى تكون ذات فائدة ـ حيث جاء في قرار صادر عن محكمة التعقيب التونسية يقر أن حضور المدعي بنفسه أمر ضروري، ولا يمكن الإكتفاء بحضور وكيله، والعلة في ذلك أن الجلسة الصلاحية تهدف إلى تمكين الحاكم الصلحي من مخاطبة الشعور والأحاسيس الدفينة في باطن الزوجين قصد تحريكها ودفعها للعدول عن الفراق[19].
وبهذا نخلص للقول أن الإجتهادات القضائية كانت لها أراء وإتجاهات مختلفة ومتباينة، منها من إعتد بالوكالة لرفع الحرج والمشقة عن أحد الأطراف الذي قد يكبد خسائر لحضور جلسة الصلح وعند عدم حضوره قد يتسبب له في أضرار مادية ومعنوية، ومنها من رفض الأخد بها جملة وتفصيلا وأصر على أن حضور مجلس الصلح هو حضور شخصي لا يمكن توكيله ولا تفويضه مهما كانت الظروف، ومن وجهة نظرنا فإننا نميل إلى الطرح الأول مع التحفظ على بعض النقط المهمة، وحسب رأينا فالمشرع المغربي كانت له غاية في عدم التنصيص على الوكالة في الطلاق والتطليق في مدونة الأسرة خاصة وأنه سبق أن كانت منظمة في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وبالتالي ترك هذه المسألة موضوع إجتهاد قضائي، وحسن ما فعل المشرع لأنه لم يترك المجال مفتوحا لإعمال الوكالة في الطلاق نظرا لخصوصيات قضايا الأسرة، وفي نفس الوقت لم يضع مقتضيات تمنعها أوتضيق من إستعمالها، وفي إعتقادنا أنه حان الوقت ليتدخل المشرع وينص صراحة على إمكانية التوكيل في الطلاق لأحد الأغيار عن العلاقة الزوجية بشروط محددة وأن تكون هذه الإمكانية إستثناء من قاعدة الحضور الشخصي لمسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 81 من مدونة الأسرة، وكملاحظتنا على هذه المادة الأخيرة فإنها جاءت إلى حد ما مجحفة في حق الزوج، خاصة الأزواج الذين يقيمون ويتواجدون خارج أرض الوطن، فهم الفئة التي دائما ما تقوم بتوكيل أحد أفراد العائلة أو دفاعهم للنيابة عنهم في قضايا الزواج والطلاق لتعذر حضورهم، خصوصا في مسألة الإستدعاء بالنسبة للزوج الذي يتوصل شخصيا بالإستدعاء ولم يحضر فيعتبر متراجعا حسب منطوق المادة 81 عكس الزوجة التي إذا توصلت شخصيا ولم تحضر ولم تقدم ملاحظات مكتوبة أخطرتها المحكمة عن طريق النيابة العامة أنها إذا لم تحضر سيبث في الملف في غيبتها.
والملاحظ أيضا على أن المشرع خلق نوع من الإرتباك فيما يخص مسألة الإستدعاء لإجراء مسطرة الصلح في دعاوى التطليق خاصة التطليق للشقاق، حيث نجد أن المادة 94 من مدونة الأسرة التي تنص على حال النزاع الذي يخاف منه الشقاق فإنها لم تحل على المادة 81 من نفس المدونة، كما أن المادة 94 لم تشترط التوصل الشخصي بالإستدعاء، وبالتالي وجب منطقيا الإحالة والإقتصار على القواعد العامة خاصة المادة 38 من قانون المسطرة المدنية، لكن من وجهة نظرنا فإن المادة 94 بالرغم من سكوتها على مسألة الإستدعاء في دعاوى التطليق للشقاق فإنها ضمنيا تحيل على نفس المادة 81، على إعتبار أنها تحيل مسبقا على المادة 82 المتعلقة بمسطرة الصلح، لنعود بذلك إلى الإشكال الأول والمتعلق بإنحياز مدونة الأسرة للزوجة ومنحها بعض إمتيازات الإستدعاء، ولو أن هناك من يقول بأن المشرع منح هذا الإمتياز للزوجة لأن الطلاق هو في عصمة الزوج وهو من يوقعه، لكن الطلاق مع مدونة الأسرة لم يعد مقتصرا على الزوج فقط بل أصبح من حق الزوجة كذلك في حالات محددة كالطلاق المملك والطلاق بالخلع. وعليه فإن المشرع ناقض نفسه وخالف أهم مبادئ مدونة الأسرة والمتمثلة أساسا في إنصاف طرفي العلاقة الزوجية.
لذلك نقترح مجموعة من التوصيات لتجاوز إشكال الوكالة في طلب الطلاق والتطليق نجملها في ما يلي :
- التنصيص على إمكانة إستعمال الوكالة في طلب الطلاق أو التطليق إستثناء من قاعدة الحضور الشخصي للأطراف في مسطرة الصلح.
- إعتماد مسطرة الصلح عن بعد خاصة مع ما أصبحت تعرفه التكنولوجيا الحديثة اليوم من تطور وذلك بإحدى مراكز القنصليات الديبلوماسية التابعة للمملكة المغربية بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج والذين يتعذر عليهم الحضور لجلسات الصلح.
- خلق مقتضيات قانونية تضمن التكافئ بين الزوجين فيما يتعلق بمسألة الإستدعاء لحضور مسطرة الصلح.
- جعل مسطرة الصلح أكثر نجاعة وفعالية في الحفاظ على كيان الأسرة بكافة الطرق المتاحة.
خاتمة
وختاما نخلص للقول أن مؤسسة الزواج تعتبر اللبنة الأساسية للمجتمع، لذلك فإن صياغة قواعد ومقتضيات تنظمها يقتضي من واضعيها التحلي بقدر عال من التدقيق والتفاني والتأني، لأن وضع مثل هذه المقتضيات القانونية في سياقات وأوضاع مرتبكة وغير صحية يساهم سلبا في ظهورعدة إختلالات وإشكالات سواء على مستوى النص القانوني نفسه أو على مستوى الواقع العملي للمحاكم، كما يساهم بشكل مباشر في تأزم العلاقة الزوجية بين الزوجين خاصة في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، لذلك فإننا دائما ما ننادي بضرورة صناعة مقتضيات قانونية متكاملة ومتناسقة تضمن التطبيق السليم للقانون من جهة وتكون لها فعالية ونجاعة في حماية الأسرة وخلق نوع من التكافئ بين الزوجين وكذا ضمان حقوق الأبناء، فعدم الأخد بهذه الإعتبارات يجعل النص عرضة الإنتقادات والفهم السيء والخاطئ له وبالتالي بدل صياغته لحماية الأسرة وضمان إستمرارها فإنه يأخد منحا معاكسا، أما اليوم فقد أصبح لزوما على المشرع الأسري أن يتدخل بشكل عاجل لتعديل الكثير من المقتضيات القانونية الخاصة بمدونة الأسرة، خاصة مع ما أصبحنا نعرفه اليوم من إرتفاع مهول في قضايا الطلاق والتطليق الذي يزداد سنة بعد أخرى.
لائحة المراجع المعتمدة
🔸 المصحف الشريف برواية ورش
- الكتب والمؤلفات :
🔸 محمد صدقي بن أحمد بن محمد أبو الحارث الغازي، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه، الطبعة 4، 1416هـ/1996م، مؤسسة الرسالة العالمية، بيروت.
🔸 إدريس الفاخوري، قانون الأسرة المغربي، طبعة 2019، مطبعة الجسور م م، وجدة، المغرب
🔸 شرح مجلة الأحكام; 18، الأشباه للسيوطي; 76، ابن نجيم; 74، الوجيز; 158، القواعد للندوي; 394.
- المقالات القانونية :
🔸 أيوب عيوش، الوكالة في الطلاق والتطليق من ضعف الرؤى التشريعية إلى الحاجة لتنزيل الصلح عن بعد، مجلة مغرب القانون، 14 مارس 2022.
- الرسائل الجامعية :
🔸 فاطمة الزهراء القيسي، دور الصلح في حماية الأسرة، رسالة لنيل دبلوم الماستر تخصص قانون خاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2006-2007،
- الأحكام والقرارات القضائية :
🔸 قرار محكمة النقض عدد 1/418، الصادر بتاريخ 14/09/2021، في الملف الشرعي عدد 229/2/1/2020، منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض.
🔸 قرار محكمة النقض عدد 1/941، المؤرخ في 24/12/2013، في الملف الشرعي، غير منشور.
🔸 حكم المحكمة الإبتدائية بآسفي، قسم قضاء الأسرة، بتاريخ 19/10/2020، ملف شرعي، التطليق للشقاق عدد 1279/2019، غير منشور.
🔸 حكم المحكمة الإبتدائية بطنحة، قسم قضاء الأسرة، بتاريخ 15/06/2022، في الملف الشرعي، غير منشور.
🔸 حكم المحكمة الإبتدائية بأسفي، قسم قضاء الأسرة، الصادر بتاريخ 21/04/2022، ملف عدد 332/1616/2022، غير منشور.
🔸 حكم المحكمة الإبتدائية بخنيفرة، قسم قضاء الأسرة، الصادر بتاريخ 12/03/2007، في الملف الشرعي عدد 138/2007، غير منشور.
🔸 حكم المحكمة الإبتدائية ببركان، قسم قضاء الأسرة، الصادر بتاريخ 28/03/2009 ،في الملف الشرعي عدد 119.
🔸 قرار صادر عن محكمة التعقيب التونسية، رقم 8941 والمؤرخ في 08/05/1973.
- الظهائر والقوانين:
🔸 ظهير شريف رقم 1.04.22 صادر في 12 من ذي الحجة 1424 (3 فبراير 2004) بتنفيذ القانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، عدد الجريدة 5184 بتاريخ 2004/02/05
[1][1] -الآية 35 من سورة النساء
[2]– المادة 81 من مدونة الأسرة
[3] – المادة 82 من مدونة الأسرة.
[4] – فاطمة الزهراء القيسي، دور الصلح في حماية الأسرة، رسالة لنيل دبلوم الماستر تخصص قانون خاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، السنة الجامعية 2006-2007، ص 131.
[5]– إدريس الفاخوري، قانون الأسرة المغربي، طبعة 2019، مطبعة الجسور م م، وجدة، المغرب، ص 343.
[6] – أيوب عيوش، الوكالة في الطلاق والتطليق من ضعف الرؤى التشريعية إلى الحاجة لتنزيل الصلح عن بعد، مجلة مغرب القانون، 14 مارس 2022.
[7] – محمد صدقي بن أحمد بن محمد أبو الحارث الغازي، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه، الطبعة 4، 1416هـ/1996م، مؤسسة الرسالة العالمية، بيروت، ص258.
[8] – حكم المحكمة الإبتدائية بآسفي، قسم قضاء الأسرة، بتاريخ 19/10/2020، ملف شرعي، التطليق للشقاق عدد 1279/2019،ص 1 و2 و3، غير منشور
[9] – المادة 400 من مدونة الأسرة.
[10] – حكم المحكمة الإبتدائية بطنحة، قسم قضاء الأسرة، بتاريخ 15/06/2022، في الملف الشرعي، ص 1 و 2، غير منشور
[11] – قرار محكمة النقض عدد 1/418، الصادر بتاريخ 14/09/2021، في الملف الشرعي عدد 229/2/1/2020، منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض، اطلع عليه في 23/01/2023،على الساعة 15:30.
[12]– قرار محكمة النقض عدد 1/941، المؤرخ في 24/12/2013، في الملف الشرعي، غير منشور.
[13]– شرح مجلة الأحكام; 18، الأشباه للسيوطي; 76، ابن نجيم; 74، الوجيز; 158، القواعد للندوي; 394.
[14]– المادة 81 من مدونة الأسرة.
[15]– المادة 82 من مدونة الأسرة.
[16]– حكم المحكمة الإبتدائية بأسفي، قسم قضاء الأسرة، الصادر بتاريخ 21/04/2022، ملف عدد 332/1616/2022، غير منشور.
[17]– حكم المحكمة الإبتدائية بخنيفرة، قسم قضاء الأسرة، الصادر بتاريخ 12/03/2007، في الملف الشرعي عدد 138/2007، غير منشور.
[18]– حكم المحكمة الإبتدائية ببركان، قسم قضاء الأسرة، الصادر بتاريخ 28/03/2009 ،في الملف الشرعي عدد 119، أشار إليه ; محمد القاسيمي، الوكالة في الطلاق والتطليق بين غياب النص وتوجيهات العمل القضائي، رسالة نهاية التكوين، الموسم التكويني 2018-2020، المعهد العالي للقضاء، ص 82.
[19]– قرار صادر عن محكمة التعقيب التونسية، رقم 8941 والمؤرخ في 08/05/1973، أشار إليه; إدريس الفاخوري، الوكالة في الطلاق، مقال منشور بمجلة مغرب القانون، اطلع عليه في 24/01/2023 على الساعة 22:30.