في الواجهةمقالات قانونية

من الديمقراطية التمثيلية.. إلى الديمقراطية التشاركية

“من الديمقراطية التمثيلية.. إلى الديمقراطية التشاركية”

عبدالسلام لعريفي

تقديم

عرف الإنسان أشكالا مختلفة من الديمقراطيات، جاءت نتيجة ظروف ومتطلبات فرضت اختيارها، فبعد أن طبقت الديمقراطية المباشرة في العهد اليوناني، حيث كان الشعب يشارك في تسيير شؤون دولته بصورة مباشرة، هو الذي يصدر القرارات ويحكم، ثم الديمقراطية شبه المباشرة، ساهمت عوامل عديدة، من أهمها تزايد عدد السكان في تبني الديمقراطية النيابية أو التمثيلية، التي تكفل للشعب اختيار نواب عنه، يتمتعون بالصلاحية والكفاءة، يمارسون السلطة باسمه وبالنيابة عنه خلال فترة زمنية محددة.

ورغم مزايا التمثيل النيابي، إلا أن التجربة الميدانية في العصر الراهن، أثبتت إخفاقه وعجزه في تحقيق أهدافه، لبناء نظام حكم تتاح فيه الفرصة لكل الفاعلين، للمشاركة في اتخاذ القرارات التنموية المتعلقة بهم، مما دفع أغلب الدول الى تبني نموذج ديمقراطي منفتح، يساهم في إشراك مختلف الفاعلين من مواطنين ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، في إدارة وتسيير شؤونهم، خاصة على المستوى المحلي.

وضمن هذا السياق، خصوصا أمام تنامي أزمة الديمقراطية التمثيلية، برزت الضرورة في إبداع نماذج جديدة لتدبير الشؤون العامة والمحلية وتبني مقاربات جديدة للأوضاع الاجتماعية، منذ الثمانينات، حيث بدأت التفاعلات والنقاشات حول هذا الموضوع من أمريكا اللاتينية مرورا بأروبا، ثم انتقلت بعد ذلك لشمال إفريقيا من خلال لقاء “دكار” سنة 1998.

في نفس السياق، عرف الواقع المغربي منذ سنة 2011، رجة لامست مختلف المؤسسات الفاعلة في دينامية الحقل السياسي، أحدثت تغييرات في واقع المؤسسات الدستورية والسياسية، خاصة بعد ثورات الدول العربية، أثرت بشكل مباشر على توجهاته السياساية والاقتصادية والاجتماعية، الثقافية، والبيئية..، كان من أبرزها دسترة المجتمع المدني.

وذلك من خلال تبني مقاربة، تراهن على مساهمة تنظيمات المجتمع المدني عبر القيام بدوره، في تمثيل شرائح واسعة من المواطنين، وطرح انشغالاته، والمساهمة في سن القوانين المؤطرة لحياته، ورسم السياسات العامة، والعمل على إرساء مبادئ الشفافية والمساءلة والرقابة، وفقا لمقتضيات “الديمقراطية التشاركية”، التي تعتبر من أهم المحاور التي جاء بها دستور 2011.

ولتجسيد هذا المقترب الذي جاء به الدستور، باعتباره آلية مثلى، لتفعيل مساهمة المواطنين في مسلسل صنع القرار العمومي، وذلك على نحو يعزز الثقة والتعاون بين الدولة ومختلف مؤسساتها من جهة، والمواطنات والمواطنين من جهة ثانية، لإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة، على مستوى مختلف القطاعات العمومية، تصورا، تدبيرا، تقييما وتدقيقا، أطلقت الحكومة سنة 2013، الحوار الوطني حول المجتمع المدني، بهدف تقوية أدواره، كفاعل أساسي في البناء الديمقراطي والتنموي، ومساهم في صناعة وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية. وذلك انسجاما مع الوثيقة الدستورية والخطب الملكية ذات الصلة.

وفي نفس الإطار، تم تنزيل الآليات الدستورية، التي تسمح للمواطنين والمجتمع المدني، بالمشاركة في تدبير ومراقبة وتقويم السياسات العمومية، من خلال مصادقة البرلمان على القوانين التنظيمية، المتعلقة بممارسة هذا الحق ومراسيمه التطبيقية، سواء على المستوى الوطني أو المحلي، ويتعلق الأمر بالقوانين المتعلقة بممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، والحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، وكذا القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية.

إذن، في ضل تصاعد الاهتمام عالميا بموضوع الديمقراطية التشاركية، الناتج عن تنامي الوعي بضرورة إرساء ثقافة حسن صياغة السياسات العمومية، ومتابعة تفعليها عبر إشراك المواطنين والمجتمع المدني، وترجمة المشرع المغربي بدوره هذا الاهتمام، من خلال تبني هذه الآليات الجديدة، تبرز مجموعة من التساؤلات، يمكن تجميعها في إشكالية أساسية مرتبطة بمدى مساهمة المجتمع المدني من خلال هذه الآليات الدستورية، في تحسين صياغة القرارات العمومية وإرساء الحكامة في تدبيرها، من أجل تعزيز مسلسل الدمقرطة وتحقيق التنمية الشاملة ؟!

من أجل ملامسة هذا الموضوع والإحاطة ببعض جوانبه الأساسية، سنحاول أن نعتمد على بعض الخطب المكلية  في تأسيسها لمفهوم الديمقراطية التشاركية (أولا)، والمقتضيات المرتبطة بها المتضمنة في دستور 2011 (ثانيا)، وفي القوانين التنظيمية (ثالثا)، وأخيرا الاشكالات المرتبطة بإعمالها وسبل تطويرها (رابعا).

أولا: الديمقراطية التشاركية في الخطب الملكية

منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، نادى بالديمقراطية التشاركية، من خلال اعتماد مقاربة جديدة تعتمد على مفهوم جديد للسلطة، الذي أسس له من خلال خطاب 12 أكتوبر 1999، “نريد أن نعرض في هذه المناسبة لمفهوم جديد للسلطة وما يرتبط بها، مبني على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية والحريات الفردية والمحافظة على السلم الاجتماعي، وهي مسؤولية لا يمكن النهوض بها داخل المكاتب الإدارية التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين، ولكن تتطلب احتكاكا مباشرا بهم، وملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان، وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والملائمة”.

وفي خطاب ثورة الملك والشعب المؤرخ في 20 غشت سنة 2002، الذي جاءت فيه العديد من التوجهات للإدارة والأحزاب، وكافة الفاعلين السياسيين والمدنيين والمواطن قصد المشاركة المكثفة والواعية في الانتخابات، تم ذكر أول مرة عبارة أو مصطلح “ديمقراطية القرب”، حيث جاء فيه:

“كما أن الاستحقاقات القادمة المعززة بالمدونة الجماعية الجديدة ستشكل تجربة لإظهار مدى إفراز نخبة تجعل من الجماعات المحلية فاعلا اقتصاديا، وقاعدة متينة لديمقراطية القرب، وتدبير الحاجات اليومية للمواطنين”.

 

وفي افتتاح الدورة الأولى للسنة التشريعية الثانية للبرلمان سنة 2003، تم إعادة مفهوم الديمقراطية التشاركية بشكل صريح، حيث جاء في الخطاب ما يلي:

“وكيفما كان تركيب المجالس المنتخبة، فإننا لم نكف عن طرح السؤال الجوهري: هل يعد الانتخاب غاية في حد ذاته، ونهاية المطاف؟ كلا، فإن احترام الإرادة الشعبية يقتضي نبذ عقلية ديمقراطية المقاعد، والالتزام بفضيلة ديمقراطية التنمية. وفي أفق استخلاص كل العبر، من انتخابات المجالس التمثيلية واستيفاء شروط عقلنتها، فإننا نكتفي اليوم بوقفة خاصة عند تجديد انتخاب الجماعات المحلية، التي تجسد ديمقراطية القرب والمشاركة، القاعدة الصلبة لمجلس المستشارين، وإننا لننتظر من الجماعات المحلية طي صفحة المنافسة الانتخابية العابرة، وفتح الأوراش الحيوية للعمل الجماعي، دون استسلام لصعوبة التحديات، بوضع مخططات للتنمية المحلية، لإنجاز أسبقيات السكن اللائق، والاستثمار المنشود، والتشغيل المنتج، والتعليم النافع، وتوفير العيش الكريم، وهذه هي محفزات المواطنين، الذين يجب إشراكهم الفعلي والمتواصل، في تحقيق المشاريع التنموية، المستجيبة لانشغالاتهم الحقيقية. وتلكم سبيلكم لإعادة الاعتبار للديمقراطية المحلية بما هي تواصل دائم مع المواطنين، وليست مجرد لحظة انتخابية موسمية”.

 

كما أن خطاب 18 ماي 2005، المتعلق بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والذي أسس لمرحلة مهمة في إقرار الديمقراطية التشاركية، من خلال التأسيس لها عبر مقاربتي المشاركة والمندمجة، وفي هذا الصدد سنعرض بعض الفقرات التي تدل على تبني الديمقراطية التشاركية:

“وتندرج هذه المبادرة ضمن رؤية شمولية، تشكل قوام مشروعنا المجتمعي، المرتكز على مبادئ الديمقراطية السياسية، والفعالية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي، والعمل الاجتهاد، وتمكين كل مواطن من الاستثمار الأمثل لمؤهلاته وقدراته”.

 

“تنطلق هذه المبادرة من العبر المستخلصة من تجاربنا السابقة، ومن النماذج الموفقة لبعض البلدان في مجال محاربة الفقر والإقصاء، التي تدل على أن رفع هذا التحدي رهين بالتحديد المضبوط للأهداف، وبالتعبئة الشاملة لبلوغها. كما تدلنا تلك التجارب على محدودية جدوى المقاربات غير المندمجة ذات الطابع القطاعي الانفرادي. إنها تجارب تؤكد على العكس من ذلك، مدى نجاعة الأساليب التي تستهدف التحديد الدقيق للمناطق والفئات الأكثر خصاصة، وأهمية مساهمة السكان، ونجاعة المقاربات التعاقدية والتشاركية ودينامية النسيج الجمعوي المحلي لضمان الانخراط الفاعل في مشاريع التنمية عن قرب واستمرارها، باعتبارها مكسبا لهم”.

 

أما في خطاب عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2009، فقد ربط رئيس الدولة الديمقراطية بالشق السياسي من خلال: “وذلك بترسيخ دولة الحق والقانون، وديمقراطية المشاركة، وانتهاج الحكامة الجيدة، وسياسية القرب، وكذا بإنصاف المرأة والفئات والجهات المحرومة”.

وخطاب العرش بتاريخ 07 يوليوز 2010، يجمع من خلاله الملك محمد السادس خلاصة سنوات حكمه السابقة، حيث تظهر الديمقراطية كإحدى الدعامات الأساسية في منهجية حكمه ومما جاء فيه:

“أقدمنا، منذ تولينا أمانة قيادتك، على انتهاج تحول نوعي في مسارنا التنموي، باعتماد اختيارات صائبة وناجعة تقوم على دعائم أساسية:

أولاها: قيام الدولة، تحت قيادتنا، بدورها الاستراتيجي في تحديد الاختيارات الأساسية، والنهوض بالأوراش الكبرى والتحفيز والتنظيم وتشجيع المبادرة الحرة والانفتاح الاقتصادي المضبوط.

أما الدعامة الثانية: فهي توطيد الصرح الديمقراطي، إذ ما فتئنا نعمل على ترسيخ دولة القانون، واعتماد إصلاحات حقوقية ومؤسسية عميقة، وتوسيع فضاء الحريات، والممارسة السياسية الناجعة، القائمة على القرب والمشاركة..، والدعامة الثالثة، قائمة على جعل المواطن في صلب عملية التنمية”.

نستنتج من كل هذا، أن الديمقراطية التشاركية وجدت لها مكانة في العديد من الخطب الملكية منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، قبل أن يتم التنصيص عليها في دستور 2011، كتحصيل حاصل. كما نلاحظ أن رئيس الدولة في عدد من المحطات، كان ولا زال يعتمد الديمقراطية التشاركية كثقافة مترسخة في ممارسته، وهذا يبدوا واضحا من خلال حرصه وإشرافه في عدد من المحطات، على تشكيل عدد من اللجان الوطنية تكون مهمتها أساسا فتح نقاشات موسعة لإعداد تصورات معينة حول قضايا ذات أولوية وأهمية، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، اللجنة الاستشارية للجهوية، واللجنة المتعلقة بمراجعة الدستور، واللجنة المتعقلة بإعداد تصور حول النموذج التنموي…

ثانيا: الديمقراطية التشاركية من خلال دستور 2011

لم يعد تدبير الشؤون العامة والمحلية حكرا على المؤسسات السياسية والمنتخبة، فبمقتضى الوثيقة الدستورية لسنة 2011، من خلال عدد كبير من المقتضيات، بات كذلك من حق المواطنين، وجمعيات المجتمع المدني، المشاركة في إعداد القرارات العمومية وتفعيلها وتقييمها، حيث جاء في ديباجته: “إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن”.

كما كرس الدستور مجموعة من المرتكزات والآليات لتثبيت دولة الحق والقانون، على أساس المشاركة والتعددية، والحكامة الجيدة، والديمقراطية التشاركية، والتشاور بين السلطات العمومية والمواطنين. وهكذا، فقد نص الدستور في فصله الأول على أن، “يقوم النظام الدستوري للمملكة، على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”.

كما نص الدستور في فصله السادس على أن “تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنين والمواطنات، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية”.

ومن المظاهر المؤسساتية للديمقراطية التشاركية تنصيص الفصل 12 من الدستور على ما يلي: “تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد القرارات والمشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون”.

 

كما أعطت الوثيقة الدستورية، طبقا للفصول 14 و15، الحق للمواطنين والمواطنات، في تقديم اقتراحات في مجال التشريع، وفق شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، كما من حقهم كذلك، تقديم عرائض إلى السلطات العمومية ضمن شروط يحددها قانون تنظيمي.

كما تعمل السلطات العمومية حسب الفصل 18 من الدستور على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج، في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة.

ومن أهم الفصول التي كرست الديمقراطية التشاركية، بكل تجلياتها الفصل 19، الذي يدعوا إلى المساواة بين الرجل والمرأة، حقوقيا ومدنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا.

وعلى مستوى فئة الشباب، فمن الواجب على السلطات العمومية طبقا للفصل 33 اتخاذ التدابير الملائمة، لتحقيق مساهمتهم في توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية، ومساعدتهم على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية وتيسير ولوجهم للثقافة والرياضة والعلم والترفيه.

كما حرص المشرع الدستوري، على الربط بين الحكامة الترابية وآليات التشاور العمومي، ومشاركة المواطنين والفاعلين المدنيين في إعداد وتنفيذ وتقييم المشاريع العمومية، التي تشرف الجماعات الترابية، والمصالح الخارجية للدولة، على إدارتها جهويا ومحليا. فقد نص الفصل 136 من الدستور على أن التنظيم الجهوي والترابي للمملكة، يرتكز على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة.

بينما يشير الفصل139 إلى أن مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى تضع آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها.

كما تضمن الدستور مجموعة من المؤسسات والهيئات، التي تمثل الديمقراطية التشاركية من خلال الفصول من 161 إلى 170، والتي من المفروض عليها دستوريا تقديم تقارير أعمالها مرة واحدة في السنة، على الأقل، الذي يكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان، وهذه المؤسسات تهتم بمواضيع وقضايا متنوعة لا يمكن تحقيقها إلا بإعمال آليات الديمقراطية التشاركية.

عموما، يمكن القول، أن دستور 2011، وضع تصورا جديدا، من خلال هذه المقتضيات التي تلائم التوجهات العصرية للدول الديمقراطية، وأسس بذلك دعائم قوية للديمقراطية التشاركية، بما يضمن إشراك واسع للمواطنات والمواطنين في تدبير قضايا الشأن العام، بما فيها ضمان الحقوق المتعلقة في المواكبة والرقابة والتدبير.

ثالثا: الديمقراطية التشاركية في إطار القوانين التنظيمية

أ) القانون التنظيمي رقم 64.14 المتعلق بالحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع

جاء هذا القانون التنظيمي، تطبيقا لأحكام الفصل 14 من الدستور، ليحدد شروط وكيفيات ممارسة المواطنات والمواطنين الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع. وحسب المادة الثانية منه، يقصد “بالملتمس” في مجال التشريع، كل مبادرة يتقدم بها مواطنات ومواطنون، بهدف المساهمة في المبادرة التشريعية.

وبخصوص شروط تقديم هذه الملتمسات، فقد ألزم القانون التنظيمي أن يكون الملتمس مندرجا ضمن الميادين التي يختص القانون بالتشريع فيها طبقا لأحكام الدستور.

كما اعتبرت المادة الرابعة، أن الملتمس غير مقبولا إذا كان يتضمن اقتراحات أو توصيات، تمس بالثوابت الجامعة للأمة، والمتعلقة أساسا، بالدين الإسلامي أو بالوحدة الوطنية أو بالنظام الملكي أو بالاختيار الديمقراطي أو بالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق.

ويشترط لقبول الملتمس، أن يكون الهدف منه تحقيق مصلحة عامة، وتحريره بكيفية واضحة في شكل اقتراحات أو توصيات، ويكون مرفقا بمذكرة مفصلة تبين الأسباب الداعية إلى تقديمه والأهداف المتوخاة منه، وملخصا للاختيارات التي يتضمنها، وأن يكون مشفوعا بلائحة دعم الملتمس الموقعة على الأقل من قبل 25000 من مدعمي الملتمس، ويتم إرفاقها بنسخ من بطائقهم الوطنية للتعريف.

أما بخصوص  الكيفية التي تقدم بها الملتمسات، فأعطت الحق المادة الثامنة، لوكيل لجنة تقديم الملتمس، أن يودع الملتمس مقابل وصل يسلم له فورا، أو أن يبعث به إلى مكتب مجلس النواب عن طريق البريد الٍالكتروني. غير أن الملتمسات التي تتضمن، اقتراحات أو توصيات تهم، بشكل أساسي، الجماعات الترابية أو التنمية الجهوية أو القضايا الاجتماعية، ينبغي إيداعها أو إرسالها من قبل وكيل لجنة تقديم الملتمس، إلى مكتب مجلس المستشارين.

كما يقوم مكتب المجلس المعني بالتحقق من كون الملتمس المودع لديه مستوف للشروط المنصوص عليها قانونا. ثم يبت فيه داخل ستين (60) يوما ابتداء من تاريخ التوصل.

ويبلغ رئيس المجلس المعني، كتابة وكيل لجنة تقديم الملتمس بقرار قبول الملتمس أو رفضه داخل أجل أقصاه خمسة عشر (15) يوما من تاريخ البث فيه.

ويتعين أن يكون عدم قبول الملتمس معللا، ولا يقبل الطعن في قرار رفض الملتمس.

كما أعطت الحق المادة 11 من القانون التنظيمي رقم 64.14، للجنة تقديم الملتمس أن تسحب ملتمسها في أي وقت. ما لم ينتبه عضو أو أكثر من أعضاء اللجنة البرلمانية المختصة.

وتوزع نسخة من الملتمس المقبول، على جميع أعضاء المجلس المعني، ويحال الى   اللجنة البرلمانية المختصة، حسب موضوع الملتمس، لدراسته ومناقشته. كما يمكن لكل عضو أو أكثر من أعضاء اللجنة البرلمانية المعنية تبنى الملتمس المحال إليها. واعتماده أساسا لتقديم مقترح قانون، طبقا للمسطرة التشريعية المنصوص عليها في النظام الداخلي للمجلس المعني.

وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن المادة 13 من القانون التنظيمي، منعت استعمال المعطيات ذات الطابع الشخصي المتعلقة بأصحاب الملتمس ومدعميه، لأغراض غير تلك التي جمعت من أجلها.

ب) القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية

هذا القانون التنظيمي جاء تنزيلا لأحكام الفصل 15 من الدستور، وبمقضاه يتم تحديد شروط وكيفيات ممارسة المواطنات والمواطنين، الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية.

ويقصد بالعريضة حسب المادة الثانية من هذا القانون التنظيمي، كل طلب مكتوب يتضمن مطالب أو مقترحات أو توصيات، يوجهه مواطنات ومواطنون مقيمون بالمغرب أو خارجه إلى السلطات العمومية المعنية، من أجل اتخاذ التدابير التي تراها مناسبة له في إطار القانون.

كما يقصد بالسلطات العمومية، الجهة التي تقدم لها العريضة، وتم تحديدها في رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو المستشارين.

أما عن أصحاب العريضة، فهم الذين اتخذوا المبادرة لإعداد العريضة، يجب  أن يكونوا متمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية ومقيدين في اللوائح الانتخابية العامة.

وبخصوص شروط تقديم العريضة، فقد حدد القانون التنظيمي، لقبولها أن يكون الهدف منها تحقيق مصلحة عامة، وأن تكون المطالب أو المقترحات أو التوصيات التي تتضمنها مشروعة، وتحرر بكيفية واضحة، وأن تكون مرفقة بمذكرة مفصلة تبين الأسباب الداعية إلى تقديمها والأهداف المتوخاة منها، ويجب أن تكون مرفقة بلائحة دعم العريضة المحددة في 5000 توقيع.

وتعتبر العرائض غير مقبولة، إذا كانت تتضمن مطالب أو مقترحات أو توصيات، تمس بالثوابت الجامعة للأمة، والتي تتعلق أساسا بالدين الإسلامي أو الوحدة الوطنية أو بالنظام الملكي، أو بالاختيار الديمقراطي، أو بالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية.

وكذلك الأمر، بالنسبة للقضايا التي تتعلق بالأمن الداخلي أو بالدفاع الوطني أو بالأمن الخارجي للدولة. أو يكون موضوع العريضة قضايا معروضة أمام القضاء أو صدر حكم في شأنها. نفس الشيء ينطبق على الوقائع التي تكون موضوع تقص من قبل اللجان النيابية لتقصي الحقائق.

كما تعتبر العرائض غير مقبولة، إذا كانت تخل بمبدأ استمرارية المرافق العمومية ومبدأ المساواة أمام المواطنين في الولوج إليها. أو العرائض التي تكسي طابعا نقابيا أو حزبيا ضيقا أو تلك التي تكتسي طابعا تمييزيا، والتي تتضمن قذفا أو تشهيرا أو تضليلا أو إساءة للمؤسسات والأشخاص.

وإذا تبين، بعد دراسة العريضة، أن موضوعها يكون النظر فيه من اختصاص مؤسسات دستورية أخرى، ألزم القانون التنظيمي، الجهة المسؤولة التي تقدم إليها العريضة أن تحيلها على المؤسسة الدستورية المعنية بالاختصاص، ويخبر بذلك وكيل لجنة تقديم العريضة، داخل أجل عشرة أيام ابتداء من تاريخ الإحالة.

أما عن كيفيات تقديم العرائض والبت فيها، وحسب المادة 7 من نفس القانون التنظيمي، يمكن لوكيل لجنة تقديم العريضة أن يودع العريضة مقابل وصل يسلم له فورا، أو أن يبعث بها إلى السلطات العمومية المعنية عن طريق البريد الإلكتروني، ويمكن له أن يودعها أيضا لدى السلطة الإدارية المحلية التي يقيم في دائرة نفوذها الترابي، مقابل وصل يسلم له فورا، بحيث تحيلها السلطة الإدارية داخل أجل لا يتعدى 15 يوما من تاريخ إيداع العريضة، على السلطة العمومية المعنية.

وبخصوص العرائض المقدمة إلى رئيس الحكومة، فيحيل هذا الأخير العريضة المودعة لديه إلى “لجنة العرائض” داخل أجل لا يتعدى 15 يوما، ويناط بهذه اللجنة، التحقق من استيفائها للشروط القانونية، وإبداء الرأي واقتراح الإجراءات التي تراها مناسبة في شأن العرائض المقبولة. وتوجه رأيها واقتراحاتها إلى رئيس الحكومة داخل أجل لا يتعدى 30 يوما ابتداء من تاريخ إحالة العريضة إليها.

ويخبر رئيس الحكومة، بقرار معلل وكيل لجنة تقديم العريضة بعدم قبول العريضة، بعد توصله أن العريضة غير مستوفية الشروط القانونية، وذلك في أجل لا يتعدى ثلاثين يوما ابتداء من توصله برأي لجنة العرائض.

كما يبت رئيس الحكومة، في موضوع العريضة، بعد توصله برأي واقتراحات لجنة العرائض. ويخبر وكيل لجنة تقديم العرائض كتابة بمآل موضوع العريضة ومختلف الإجراءات والتدابير التي ستخصص لها.

وبخصوص العرائض المقدمة إلى رئيس أحد مجلسي البرلمان، وبعد توصل أحدهم بالعريضة، يحيلها إلى لجنة العرائض داخل أجل لا يتعدى 15 يوما من تاريخ توصله بها. وهذه اللجنة تحدث لدى مكتب كل مجلس ومهمتها، التحقق من استيفاء العريضة الشروط القانونية، وتبدي رأيها واقتراحاتها في شأن العريضة المقبولة، وتوجه ذلك إلى مكتب المجلس المعني داخل أجل لا يتعدى 30 يوما ابتداء من تاريخ إحالة العريضة إليها.

وإذا تبين للجنة العرائض، أن العريضة غير مستوفية الشروط القانونية، تخبر المجلس المعني بذلك خلال أجل لا يتعدى 30 يوم. ويخبر بذلك رئيس المجلس المعني بقرار معلل وكيل تقديم العريضة بعدم قبولها داخل أجل لا يتعدى 30 يوما من تاريخ توصل مكتب المجلس برأي لجنة العرائض.

ويبت مكتب المجلس المعني في موضوع العريضة بعد توصله برأي واقتراحات لجنة العرائض، ويخبر رئيس المجلس بذلك وكيل لجنة تقديم العريضة كتابة حول إجراءات مآل موضوع العريضة.

وتجدر الإشارة في الأخير أن المادة 16 من نفس القانون التنظيمي، منعت استعمال المعطيات ذات الطابع الشخصي المتعلقة بأصحاب العريضة ومدعميها لأغراض غير تلك التي جمعت من أجلها.

 

ج) القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية

تطبيقا لأحكام الفصل 139 من الدستور، الذي أعطى الحق للمواطنين والجمعيات أن يقدموا عرائض إلى مجالس الجماعات الترابية يكون الهدف منها إدارج نقطة تدخل في  صلاحياتها ضمن جدول أعمالها، وإحداث آليات تشاركية للحوار والتشاور. وهذا ما تم تنزيله في إطار القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية.

 

1- القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات:

حسب المادة 117 من هذا القانون التنظيمي، إن المجالس الجهوية ملزمة باحداث 3 هيئات استشارية، هيئة متعلقة أساسا بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، وهيئة استشارية مختصة بدراسة قضايا الشباب، وهيئة تهتم بدراسة القضايا الجهوية ذات الطابع الاقتصادي.

وبخصوص النقطة المتعلقة بتقديم العرائض، فالمادة 120 من نفس القانون التنظيمي، حددت شروط تقديم العرائض، حيث يجب أن يكونوا مقدموها من ساكنة الجهة أو يمارسون أنشطتهم المهنية أو التجارية بها، وتكون لهم مصلحة مشتركة في تقديمها، وتم تحديد عدد التوقيعات بناء على عدد سكان الجهة، فهناك 300 توقيع بالنسبة للجهات التي يبلغ عدد سكانها أقل من مليون نسمة، و400 بالنسبة للجهات التي يتراوح عدد سكانها بين مليون وثلاثة ملايين نسمة، وأخيرا 500 توقيع بالنسبة للجهات التي يتجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة. كما يتعين على الموقعين أن يكونوا موزعين بحسب مقرات إقامتهم الفعلية على عمالات وأقاليم الجهة.

 

2- القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم:

حسب المادة 111 من هذا القانون التنظيمي، إن مجلس العمالة أو الإقليم ملزم بإحداث هيئة واحدة بشراكة مع المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا الإقليمية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع.

وعن شروط تقديم العرائض لمجلس العمالة أو الإقليم، فالمادة 114 من نفس القانون التنظيمي، اشترطت أن يكونوا مقدموها من ساكنة العمالة أو الإقليم المعني أو يمارسوا به أنشطتهم التجارية أو المهنية، وأن تتوفر فيهم شروط التسجيل في اللوائح الانتخابية، وأن تجمعهم مصلحة مشتركة في تقديمها، وألا يقل عدد الموقعين عليها عن 300 مواطن ومواطنة.

 

3- القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات:

حسب المادة 120 من هذا القانون التنظيمي، إن مجلس الجماعة ملزم بإحداث هيئة استشارية واحدة بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني وتسمى”هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع”.

أما بخصوص شروط تقديم العرائض لمجلس الجماعة، فالمادة 123 من نفس القانون التنظيمي، اشترطت أن يكونوا مقدموها من ساكنة الجماعة المعنية أو يمارسوا بها أنشطتهم التجارية أو المهنية، وأن تتوفر فيهم شروط التسجيل في اللوائح الانتخابية، وأن تجمعهم مصلحة مشتركة في تقديمها، وألا يقل عدد الموقعين عليها عن 100 مواطن ومواطنة فيما يخص الجماعات التي يقل سكانها عن 35000 نسمة، و 200 توقيع بالنسبة لغيرها من الجماعات. غير أنه لا يجب أن يقل عدد التوقيعات عن 400 بالنسبة للجماعات ذات نظام المقاطعات.

رابعا: إشكالات التنزيل وسبل التطوير

رغم التطور الحاصل على مستوى النص الدستوري والقانوني، في مجال الديمقراطية التشاركية، من خلال الأدوار التي منحت للمجتمع المدني بالمغرب، وسعيه المتواصل إلى مأسسة الفعل التشاركي وتطويره، إلا أن هناك مجموعة من الاختلالات التي تقف حجرة عثرة في وجه التفعيل الأمثل لمبادئ الديمقراطية التشاركية، وتعيق تفعيل هذا المجال على النحو المطلوب، وتحول دون قيامه بأدواره الدستورية والقانونية في إنتاج وتقييم السياسات العمومية، ولا أدل على هذا سوى حصيلة عمل الديمقراطية التشاركية لحدود اللحظة، سواء على المستوى الوطني أو تلك المرتبطة بالمستويات المحلية، فالأرقام تبقى هزيلة مقارنة مع حجم الآمال والتوقعات في هذا المجال، خصوصا بعد أربع سنوات من التفعيل، فرغم تجاوز عدد الجمعيات حسب أرقام الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني 150 ألف جمعية، فمجموع العرائض المقدمة على المستوى الوطني حسب البوابة الالكترونية الوطنية للمشاركة المواطنة تبقى جد ضعيفة لا تتجاوز أربع أو خمس عرائض، وفي مجال الملتمسات حدث ولا حرج. أما على المستوى المحلي فالحصيلة تبقى ضعيفة في حدود  100 عريضة، بالرغم من أن عدد الجماعات الترابية 1500 جماعة ترابية.

وتعود هذه الارتباكات في جزء كبير منها، إلى الآليات نفسها المتعلقة بتفعيل الديمراقطية التشاركية، من خلال الشروط التي حددتها القوانين التنظيمية الخاصة بممارسة هذه الحقوق، خصوصا تلك المتعلقة بالتسجيل في اللوائح الانتخابية العامة، مع العلم أن الدستور لم يشترط هذا، وتحديدها السلطات العمومية باعتبارها الجهة المقدمة إليها العرائض في رئيس الحكومة ورؤساء مجلسي النواب والمستشارين، ناهيك عن العدد المطلوب في لائحة دعم العريضة والملتمس الذي يبقى مرتفعا، خصوصا مع المرحلة التأسيسية، وعموما الأمر يتعلق بصعوبة في الشروط والإجراءات وكيفيات ممارسة هذه الحقوق.

كما أن هناك إكراهات ومعيقات مرتبطة أساسا بالمتدخلين في هذا المجال، والمتعلقة على وجه الخصوص بالنسيج الجمعوي، بحيث تعرقل عمل عدد من جمعيات المجتمع المدني، جملة من المعيقات والإشكالات، التي تحول دون قيامها بمهامها، خصوصا في مجال تفعيل مبادئ الديمقراطية التشاركية، ومن أبرز هذه الإشكالات، مشكل عدم الإستقلالية التامة عن الفاعلين الآخرين، من دولة وأحزاب ونقابات، وإشكالية الدعم العمومي المقدم والإنصاف وتكافؤ الفرص بين مختلف أصناف الجمعيات، وإشكالية ضعف تعميم العمل التأطيري والتكويني على كافة الجمعيات الذي تقوم به الدولة ومختلف الفاعلين الآخرين، خصوصا في جانب القيم التدبيرية الجديدة وفي مجال الديمقراطية التشاركية..

وفي سبيل تجاوز هذه الإشكالات والاختلالات، يقتضي الأمر  دعم وتقوية آليتي العرائض والملتمسات، من خلال إعطاء الحق لمجموع المواطنات والمواطنين في ممارسة هذه الحقوق، كما جاء في الفصلين 14و15 من الدستور، من دون شرط التقييد في اللوائح الانتخابية، والتوضيح الصريح لمفهوم المصلحة العامة كشرط لقبول الملتمسات والعرائض،  وتقديم الدعم التقني والمادي والاستشارة القانونية لأصحابها، والتوسيع من مفهوم السلطات العمومية في إطار القانون التنظيمي المتعلق بالعرائض، وإعطاء الحق لمقدمي العرائض والملتمسات من اللجوء الى التظلم أو مؤسسة الوسيط أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو القضاء المختص، في حالة عدم قبول العريضة. هذا إضافة للتفكير  في كل الاجراءات والآليات التي يمكن من خلالها البحث في سبل تقوية وتطوير دعم قدرات الجمعيات بكل الوسائل المتاحة، وتوفير الدعم المالي والتقني لكل الجمعيات على قدم المساواة، والابتعاد عن كل الحسابات كيفما كان نوعها وطبيعتها، للتفعيل الأمثل لهذه الحقوق التي جاء بها الدستور وتطبيقها تطبيقا سليما، بما يضمن قيم المواطنة الكاملة والحكامة الجيدة والشفافية، ويحقق التنمية العادلة والشاملة.

 

على سبيل الختم، يمكن التأكيد على  أن دور المواطن لم يعد مقتصرا فقط، على الإدلاء بصوته مع كل محطة انتخابية لاختيار ممثليه في المؤسسات المنتخبة على المستويين الوطني والمحلي، بل أصبحت له أدوارا أخرى بموجب دستور 2011، تضمن استمراريته في اتخاذ القرارات والسياسات العمومية بشكل دائم ومستمر، وهذا ما من شأنه تفعيل وتكريس مبدأ السيادة الشعبية، من خلال الديمقراطية التشاركية باعتبارها مدخلا حقيقيا من بين أهم المداخل الفعالة لتحقيق المشاركة المدنية المواطنة، كما أن هذه الأخيرة، تعتبر المدخل الأساسي لضمان الانخراط الإيجابي للمواطنين في تدبير الشأن العام، وتشكل آلية هامة لتقييم السياسات العمومية على المستويين الوطني والمحلي.

والتجارب المتقدمة في المجال، أثبتت أن إعمال مبادئ  الديمقراطية التشاركية، بالشكل الجيد، يساهم في الحد من احتكار السلطة من قبل أقلية منتخبة في المجتمع، وهو ما من شأنه توسيع قاعدة النخب الاجتماعية والمدنية وتيسير مساهمتهم في تدبير الشأن العام، وترسيخ قيم الحكامة الجيدة  والشفافية، والمساهمة في تفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة وتحقيق التنمية الشاملة والعادلة.

*باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة

 

 

 

الهوامش:

– الدستور المغربي لسنة 2011، الصادر الأمر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432ه، الموافق ل 29 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، 28 شعبان 1432ه، 30 يوليوز 2011.

– القانون التنظيمي رقم 64.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، والصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.16.108 بتاريخ 23 شوال 1437 الموافق ل 28 يوليو 2016، الجريدة الرسمية عدد 6492.

– القانون التنظيمي رقم 44.14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.16.107 بتاريخ 23 من شوال 1437، 28 يوليو 2016، الجريدة الرسمية عدد 6492.

– القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات.

– القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم.

القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات.

 

– الخطاب الملكي الذي وجهه الملك محمد السادس إلى المسؤولين عن الجهات والعمالات والأقاليم، من رجال الإدارة وممثلي المواطنين يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 1999 بالقصر الملكي بالدار البيضاء.

– خطاب العرش بتاريخ الأحد 30 يوليوز 2000

– الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية للولاية التشريعية السابعة بتاريخ 10 أكتوبر 2003.

– الخطاب الملكي حول المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 18 ماي 2005.

– خطاب العرش بتاريخ 30 يوليوز 2009.

– التقرير التركيبي للحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، أبريل 2014.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى