موضوع الحلقة: الحسبة الشرعية ودورها في مساعدة القضاء على مساعدة القضاء والفصل في الخصومات
تقرير حول الحلقة الثانية عشرة من سلسلة شذرات رمضانية فكرية في موسمها الثالث بتاريخ 15 أبريل 2022
تقرير حول الحلقة الثانية عشرة من سلسلة شذرات رمضانية فكرية في موسمها الثالث بتاريخ 15 أبريل 2022
موضوع الحلقة: الحسبة الشرعية ودورها في مساعدة القضاء على مساعدة القضاء والفصل في الخصومات
إنجاز الطالب الباحث: يوسف مفتاح
ضيف الحلقة: الأستاذ نور الدين الخطابي
تقديم وتأطير: الدكتورة أمينة رضوان
انطلقت أطوار حلقة اليوم من شذرات رمضانية قانونية فكرية على الساعة العاشرة مساء، حيث قدمت الدكتورة الضيف الكريم ورحبت بالمتتبعين الأوفياء لهذا البرنامج الرمضاني الممتع والمفيد، ثم قدمت موضوع الحلقة، وسلطت الضوء على أهمية الحسبة الشرعية التي أسالت مداد الكثير من أقلام الباحثين في الشريعة الإسلامية، نظرا لارتباطها الوثيق بالمجتمع، حيث لا يكاد يخلو كتب من كتاب الفقه إلا ونجد فيم إيضاحا متعلقا بهذا الموضوع، الذي يعتبر جزءا أساسيا من النظام الإداري الأصيل المنبثق من أحكام الخلافة والإمامة. حيث تعتبر الحسبة ولاية شرعية تلي في التصنيف مرتبة القضاء، إلى جانب ديوان المظالم، وغايتها توجيه الناس إلى الحق والسلوك الأخلاقي، كما يوم المحتسب بما يقوم به وكيل الملك من الحفاظ على الحقوق العامة، والتزام النظام في حين يقوم أعوان المحتسب بالدور المنوط بعوان الشرطة القضائية، مما يممكن معه اعتبار الحسبة جهة قضاء دنيا يحيل عليها القاضي في بعض القضايا التي تدخل في اختصاصها. بعد هذا التقديم الشامل والمهم لموضوع الحسبة طرحت الأستاذة الكريمة مجموعة من الأسئلة من قبيل ماذا يقصد بالحسبة لغة واصطلاحا؟ وما هو مفهوم الحسبة الشرعية؟ وما هي مشروعيتها في الكتاب والسنة النبوية الشريفة؟ وهل وقع عليها إجماع في الشريعة الإسلامية؟ وكيف يمكن تمييزها عن بعض الأنظمة والمفاهيم المشابهة كالقضاء، المظالم، والشرطة؟ وما هي وظيفة المحتسب ودوره في مراقبة الأسعار؟ وماهي فعاليتها في الفصل في مكافحة الجرائم والفصل في الخصومات؟
للإجابة على هذه الأسئلة أعطت الدكتورة أمينة الكلمة للأستاذ نور الدين الخطابي خريج جامعة القرويين بفاس، مجددة الترحيب به، وتقديم الشكر والعرفان له على المداخلة القيمة التي لم يبخل علينا بإلقائها رغم التزاماته بأداء مناسك العمرة، وتواجده بالديار المقدسة، ومن هذا المنبر نوجه له كذلك جزيل الشكر والامتنان.
حيث ابتدأ الأستاذ الجليل مداخلته بتلاوة ما تيسر من الآية الكريمة رقم 71 من سورة التوبة “وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ” مشيدا بأهمية مناقشة هذا الموضوع في شهر رمضان المبارك، كشرط زمان، وكشرط مكان التطرق إليه من المملكة العربية السعودية، حيث مكة المكرمة، داعيا من الله تعالى أن يبارك أعمال المجلتين العلميتين الساهرتين على هذا الملتقى العلمي المتميز، في شخص القائمين عليهما إدارة و تنسيقا، كما خص بالدعاء ملك البلاد، وكافة المغاربة.
بعد ذلك، دخا الأستاذ الخطابي في صلب الموضوع، مشيدا بالسياسة الشرعية في التصدي للجرائم والمعاصي والمخالفات للنظام العام أحكام الشريعة الإسلامية، والتي نهجها السلف الصالح وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، حيث تم كل ذلك تحت عنوان “الحسبة”، على يد المحتسب، كما ذكر أهمية هذا النهج في مساعدة القضاء وتخفيف العبء عليه، عبر التاريخ الإسلامي، وذلك من خلال الفصل في العديد من الخصومات قبل الوصول إلى القضاء، والحيلولة دون وقوع بعض الجرائم والمخالفات.
ثم انتقل الأستاذ الكريم إلى تعريف الحسبة لغة: وهي مشتقة من العدل والحساب والاحتساب هو طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر، أما اصطلاحا فالحسبة هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، والذي يعتبر فرض كفاية على المسلم، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، في حين يعد فرض عين على المحتسب، لازما له، سواء كان حاكما أو معينا من طرفه، لما له من قوة و مناعة للقيام بالدور المنوط بهن و هي مشروعة بالكتاب والسنة بسيرة الخلفاء الراشدين، والاجماع الفقهي كذلك، و هي من الوظائف الدينية كالإمامة والقضاء، مستشهدا بما قاله بن خلدون في هذا الصدد” غايتها صيانة المجتمع من الانحراف وحماية الدين من الضياع تحقيقا لمصالح الناس الدينية والدنيوية وفقا لشرع الله تعالى” و مشروعيتها من الكتاب قول الله تعالى “ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون” و قوله تعالى: ” اللذين إن مكانهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور” ومن السنة الشريفة ما رواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، قوله: ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطف فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان “ وما عرف عن رسولنا الكريم أنه لم يتوانى صلوات ربي وزكاته عليه النهي عن المنكر بلسانه و يده، وكان ينهى عن الغش في الأسواق، و هو ما سار عليه الخلفاء الراشدون من بعده، ولما توسعت الدولة الإسلامية، عين الخلفاء ومن جاء بعدهم، من يقوم بهذه المهمة وهو المحتسب، ومكنوه من الهيبة و القوة ما مكنه من زجر كبار الموظفين في الدولة الإسلامية عندما أظهروا بعض السلوكيات المنحرفة، والمنهي عنها شرعا. وهو ما جعل كبار العلماء يجمعون على شرعية نظام الحسبة ومشروعية عمل المحتسب، الذي يشترط فيه أن يكون عادلا وذو رأي بالإضافة إلى العلم بالمنكرات الظاهرة، مع اختلافهم حول إمكانية اجتها المحتسب أم سيره على نهج أحد المذاهب، وما يقوم به المحتسب أثناء ولايته ينقسم كما أشار الأستاذ إلى قسمين:
الأول يتجلى في الأمر بالمعروف بالبحث عن كل معروف معطل أو متروك، سواء تعلق الأمر بحقوق الله تعالى، أو تعلق الأمر بحقوق البشر، أو المشترك بين حقوق الله وحقوق الآدميين كالرفق بالحيوان، أما القسم الثاني فهو النهي عن المنكرات والتي تقسم حسب الماوردي الشافعي إلى ثلاثة أقسام مثل الأمر بالمعروف، وعلى المحتسب البحث عن جميع المنكرات الظاهرة وفحص كل ما ترك من المعروف الظاهر ويأمر بإقامته، وتتبع جميع مواطن الشبه والريبة. وتتعدد الأمثلة في هذا الباب ولا يمكن حصرها كونها تتعلق بالحياة العامة، إلا أن أهم ما يمز الحسبة هو أنها تقوم على سياسة التصدي والمنع لجميع الجرائم حال وقوعها وسد جميع الذرائع والمسببات المؤدية للوقوع فيها باستخدام جميع وسائل المنع، بدءا بالوعظ والإرشاد والتوبيخ والتأديب وصولا إلى الزجر بالعقوبات التعزيرية المتعددة.
كما أشاد الأستاذ بأهمية اعتماد المشرع المغربي على نظام الحسبة، امتدادا للتشريع الإسلامي وتمسك أهل المغرب بالمذهب المالك في العبادات والمعاهدات، والذي تطور منذ عهد المرابطين فالموحدين ثم المرينيين والسعديين وصولا إلا العلويين الذين وصل معهم دور المحتسب الأوجه، والذي صار جزءا لا يتجزأ من الحياة العامة، ولم يعد دوره مقتصرا على الأسواق بل شمل جميع المصالح والقضايا (مراقبة خطب الجمعة والأعياد، إصلاح الطرق، معاقبة من يجاهر بالمحرمات، حث الناس على الصدق في المعاملات..) حيث يعتبر المغرب البلد الوحيد في العالم الإسلامي الذي يعين فيه المحتسب بظهير شريف من جلالة الملك ليعتبر موظفا ساميا في سلم الأجور، وقد نص الظهير الشريف رقم 70.821 الصادر سنة 1982 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3636 بتاريخ 7يوليوز سنة 1982على اختصاصات المحتسب المكانية والنوعية.
بد ذلك تناولت الدكتورة أمينة الكلمة من جديد، حيث شكرت الضيف الكريم على مداخلته القيمة، وقدمت ملخصا عنها، مذكرة بأهمية نظام الحسبة في التشريع الإسلامي، ودوره في حماية محارم الله أن تنتهك، صيانة مصالح الناس، والمرافق العامة والأمن العام، بالتنسيق مع السلطات المختصة. معلنة نهاية الحلقة 12 من السلسلة ضاربة للمتتبعين الكرام موعدا قادما مع مواضيع متنوعة جديدة.