الهجرة السرية للأطفال القاصرين المغاربة نحو أوربا. : رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص.
مقدمــة
إن أهم ما يلفت النظر في السنين الأخيرة، هو أن عالمنا المعاصر الذي يعيش تحولات عميقة ومتسارعة تتغير في مجراها كل التصورات والمفاهيم والأنساق المألوفة، وتنهار تحت إكراهاتها كل القيم المأثورة،يعرف تناميا للهجرة من الجنوب إلى الشمال بحيث أضحت تشبه انفجارات بشرية محدثة تفاعلات اقتصادية وسياسية وثقافية لا تتوقف([1]).
وقد ساهمت الظروف الإقتصادية الصعبة في تحريك المهاجرين نحو البحث عن ظروف ملائمة.
أما بالنسبة للمغرب وخصوصا بعد الإستقلال فقد أخدت هجرة المغاربة منحى جديدا إلى فرنسا وباقي أقطار أوربا للعمل بالإضافة إلى هجرة الطلاب سعيا في سبيل تحصيل المؤهلات العلمية، ثم ازدادت العوامل الباعثة عليها كشيوع البطالة والتطلع إلى تحسين الأوضاع المادية، ومن الطبيعي أن تصاحب هذه الموجات القوية للهجرة التي غصت بها الدول الأوربية المستقبلة تدابير سياسية وقانونية تحد من تدفق المهاجرين وتقنن شروط العمل والإندماج.
لذلك أصبحت مشاكل الهجرة والمهاجرين، في طليعة الانشغالات الأمنية لدى الحكومات الأوربية، ولم تعد الهجرة تثير فقط العنصرية والكراهية ضد المهاجرين في الأوساط اليمينية المتطرفة في أوربا وإنما أصبحت تثير المخاوف من تفاقم مشاكلها، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001.
ولتطويق تدفق المهاجرين قامت دول أوربا بسن ترسانة قانونية وجندت الطاقات لإغلاق الحدود بعد توقيع اتفاقية شنغن ومعاهدة ماستريخت حيث تم تطبيق نظام التأشيرة ومراقبة صارمة للحدود الجنوبية، فظهرت الهجرة السرية كوسيلة للوصول إلى أوربا.
وتجد ظاهرة الهجرة السرية التي يتسبب فيها عدة عوامل اجتماعية واقتصادية ([2])، التشجيع والسند في وجود شبكات التهريب والتزوير المنظمة والتي تتحكم فيها العصابات الإجرامية.
فالهجرة السرية أو كما ألف المغاربة تسميتها " بالحريك" هي عملية عبور سرية من بلد لآخر تفتقد الشرعية القانونية، تمليها الضغوط الإقتصادية والإجتماعية في الغالب، ويهدف من خلالها المهاجر تحقيق الرخاء المادي بالأساس.
ومن صلب وترائب الهجرة السرية تخرج دافقة هجرة القاصرين المغاربة إلى إسبانيا([3])، لتطفي بعدا مأساويا جديدا على هذه الظاهرة التي هي بكل تأكيد تجسيد للتطور اللامتكافئ بين الشمال والجنوب.
هذا العبور المأساوي لمغاربة قاصرين يعانون من ضنك العيش ومن فقدان التوازن العاطفي يجعلهم ضحايا شبكات الهجرة السرية، حيث يتم استغلالهم في الدعارة، التشغيل غير القانوني، الإتجار في أعضاء الجسم([4]) والاستغلال الديني.
لكن إذا كانت ظاهرة الهجرة السرية كرد فعل طبيعي، مقابل القيود المتتابعة المفروضة على حرية التنقل بين الدول تبدو مقبولة نسبيا عندما يتعلق الأمر بأشخاص راشدين، يعون جيدا مخاطرها وقادرون على تحمل آثارها في المستقبل، فإن الملفت للإنتباه والمثير للجدل أن تطال حمى الهجرة السرية، أطفالا قاصرين يختارون طرقا انتحارية للهروب من وطنهم حتى أصبح الحديث عن ظاهرة الهجرة السرية للقاصرين المغاربة أمرا واقعا لا مفر منه بعد أن كانت غير معروفة بالمرة([5]).
فلم يعد الأمر يقتصر على حالات فردية وشادة محصورة في أعداد قليلة، وإنما تفاقمت المسألة إلى حد أن أصبحنا أمام أفواج تقدر عددهم الإحصائيات بالآلاف.
أمام هذا الوضع المأساوي، الذي يعبر في المغرب عن مأساة حضارية بكل ما يحمله هذا التعبير من دلالات، والذي يكرس مظهرا جليا من مظاهر معاناة الطفولة المغربية المتعددة، إلى حد أن فعاليات المجتمع المدني خاصة في إسبانيا بدأت تقرع ناقوس الخطر في الآونة الأخيرة خوفا من تفاحش الظاهرة وما يصاحبها من مخاطر على حياة هؤلاء الأطفال، وليس فقط على ما يمكن أن يتعرضوا له من أشكال الاستغلال، وإذا أخذنا بعين الاعتبار هذا الحجم الذي أصبحت عليه الظاهرة والأبعاد الخطيرة التي تطرحها داخليا وخارجيا، فلا غرو أن يطرح على الدولة المغربية تحديات حقيقية باعتبار أن آثارها وتفاعلاتها اتسعت إلى مجال حقوق الطفل، التي تشكل مصدر التزام دولي بالنسبة للمغرب.
ومن جهة أخرى أصبح المغرب نظرا لموقعه الإستراتيجي باعتباره حلقة وصل بين القارتين الأوربية والإفريقية ونظرا للعوامل التاريخية، السياسية والاقتصادية الوطيدة والمتميزة مع الدول الأوربية، نقطة عبور لمواطني دول جنوب الصحراء إلى أوربا، وقد ابتدأت موجة المهاجرين السريين الأفارقة صوب المغرب بشكل ملحوظ منذ التسعينات وبلغت أرقاما مهولة في الآونة الأخيرة ،وهو ما جعل المغرب في وضعية صعبة لكونه أصبح بلد استقبال للمهاجرين السريين الواردين من إفريقيا وما ينجم عند دخولهم التراب الوطني من مشاكل إنسانية وأمنية واقتصادية.
أولا: التأصيل المفاهيمي للموضوع.
للهجرة لغة معنيان:
– الصرم والقطع([6]): من هجره يهجره والإسم منه الهجرة، يقول علماء اللغة"([7]) هجره يهجره هجرا وهجرانا: صرمه وقطعه و الاسم: الهجرة.
– الخروج من أرض إلى أخرى: من " هاجر" بهاجر، والإسم منه الهجرة والهجرة، قال ابن منظور:([8]) " والهجرة والهجرة: الخروج من أرض إلى أرض وكل مخل بمسكنه منتقل إلى قوم آخرين بسكناه فقد هاجر قومه، وسمي المهاجرون مهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشئوا بها".
أما الهجرة في الاصطلاح فتعني خروج من أرض إلى أخرى سعيا وراء الرزق كالهجرة من القرية إلى المدينة.
ويعبر عن الشخص الذي يقوم بالهجرة مهاجر وكلمة " مهاجر" في اللغة الفصحى تطلق على الوافد على البلاد والنازح منها على حد سواء، بعكس اللغة الفرنسية حيث عندما ينتقــل (المهـاجرLe migrant )إلى بلد آخر غير بلده يسمى وافدا "Immigrant"([9]) بالنسبة للبلد الجديد وهو مهاجر نازح [10])"Emigrant") بالنسبة لبلده الأصلي، وتعني " الهجرة السرية" هروب المواطن من وطنه وذلك بطريقة لا يسمح بها البلد الموجه إليه حسب قانونه الموضوع لدخوله وبهذا المعنى نقول بأن " الهجرة السرية" و"الهجرة غير القانونية" و"الهجرة غير الشرعية" و " الهجرة غير النظامية" كلها مفردات لها نفس المعنى.([11])
ويقابل " الهجرة السرية" حاليا " الهجرة القانونية" أو " الهجرة الشرعية" أو " الهجرة النظامية" وهي الهجرة بصفة قانونية طبقا لقوانين الهجرة في البلدين المهاجر منه والمهاجر إليه عن طريق قنوات العبور، ميناء أو مطار بواسطة أوراق قانونية من جواز سفر أو تأشيرة.
وفي اللغة الفرسية نسمي الهجرة السرية([12]) "l'immigration clandestine" و هي لها نفس المعنى أي الهجرة بطريقة غير قانونية.
وفي اللهجة المغربية يطلق على الهجرة السرية " الحريك" وتنطق هذه الكلمة بتغليظ الكاف.
إن مصطلح " الحريك" له موقعه المفاهيمي في لغة الهجرة السرية فهذه المفردات، تختزن تعبيرات لسنية لها ارتباط وثيق بلغة التواصل وكذا مختلف العوامل المجتمعية المؤطرة للفعل الإجتماعي([13]).
وهذا المصطلح يعتبر تغيير واستبدال لمفردات بأخرى، وهذا التغيير يكون في البداية على شكل انحراف أو خروج عن المألوف لكن هذا التغيير يصبح بعد كثرة الإستعمال عرفا متعارفا عليه([14])، ولاسيما إذا كان يلبي حاجة ماسة شأن " الحريك" ويجد أصله الإشتقاقي في اللغة الدارجة: حرك، يحرك، الحريك.
وهي صيغ صرفية تشترك مع الأصل الإشتقاقي لفعل " حرق" في فاء وعين الفعل أي ( الحاء) و (الراء) مع استبدال لام الفعل الأصلي ( القاف) بـ( الكاف) الصوت الذي لا وجود له في اللغة العربية إذ تمت استعارته من اللغات الأجنبية الأخرى، خاصة الفرنسية من حرف G.
و "حرك" في اللغة العامية تنطق " حرك" بتسكين فاء ولام الفعل وينطبق هذا الفعل اللغوي على كل الأفعال في الدارجة خاصة وأن الناطقين بها يسعون إلى هذا التسكين تيسيرا لخروج الأصوات من مخارجها بكل سلاسة.
وفي لسان العرب([15]) " حرق" تعني : "حرق" النار لهبه وفي رواية : الحريق أي الذي يقع في حرق النار فتلتهب([16]).
وفي منجد الطلاب([17]): حرق "حرقه –حرقا" بالنار جعل النار تؤثر فيه أثرها المعهود، والحراقة هي السفينة فيها مرامي نيران يرمي بها العدو وجمع حراقات.
من خلال معنى فعل " حرق" في اللغة يتضح جليا معناها التفسيري الذي يستمد دلالته من النار وتأويلاتها المجازية من " السرعة والهلاك" فالغرق مثلا لا يتطلب وقتا طويلا ومعلوم أن من غرق تجاوز في تجربته هاته عتبة الحياة في اتجاه الموت وبسرعة.
إن الإستعمال اليومي للفظة " الحريك" ذا كثافة انفعالية كبيرة وذات مرجعيات متعددة، فالمرجع الناري يشحن اللفظة بدلالات الإنتحار الذاتي والعنف التدميري أليس من يرتمي في البحر كمن يرتمي في النار بخلاف واحد هو أن الإرتماء في البحر يغذيه الحلم والأمل في النجاة وبلوغ أوربا ، والحراكة أو المهاجرون السريون لا يعيرون للحواجز الجمركية وللحدود أية أهمية بل منهم من يحرق الأوراق التعريفية التي تثبت هويته.
وستقتصر هذه الدراسة على الهجرة السرية للأطفال القاصرين المغاربة نحو أوربا، والمقصود بالأطفال القاصرين كل طفل لم يبلغ سن الثامنة عشرة من عمره([18]).
ويطلق أيضا على الأطفال القاصرين المغاربة المهاجرين سريا في أوربا الأطفال غير المرافقين (les enfants non accompagner) أي الأطفال الذين يغادرون المغرب بطريقة غير شرعية ويتواجدون في دول الإستقبال دون أن يكونوا مرافقين من طرف أوليائهم، وبطبيعة الحال الأمر هنا لا يعني أطفال أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج بصفة قانونية ، والذين لسبب أو لأخر يوجدون مشردين في الشوارع([19]) ولذلك هذه الدراسة لن تشمل هؤلاء الأطفال وسنكتفي بدراسة الأطفال القاصرين الذين يغادرون المغرب بصفة غير شرعية ودون أوليائهم إلى أوربا.
أما فيما يخص الجنس فيلاحظ أن الأغلبية الساحقة من الأطفال المهاجرين سريا من الذكور وعدد الفتيات([20]) نادر جدا.
وهذه الدراسة ستتم في ظل المواثيق الدولية من أجل الوقوف على البعد الدولي للظاهرة، وذلك من خلال دراسة العديد من الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف وكذلك الاتفاقيات الثنائية التي نسجها المغرب مع البلدان المعنية بهذه الظاهرة، خاصة إسبانيا، إيطاليا وفرنسا.
كما أننا سنعمل على البحث في التشريعات الوطنية للدول المعنية بظاهرة الهجرة خاصة إيطاليا، هولندا، إسبانيا، والمغرب من أجل الوقوف على الحماية القانونية المقررة للأطفال القاصرين المغاربة المهاجرين سريا.
ثانيا: الأصل الديني للهجرة.
إن إقامة الدولة الإسلامية الأولى كان بفضل هجرة الرسول (ص) من مكة إلى المدينة ، بل لقد سعى الصحابة قبل ذلك إلى الهجرة إلى الحبشة ، بل إن التاريخ الإسلامي ليس إلا تأريخا بالهجرة وفي القرآن الكريم يقول تعالى: " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها"([21]).
وما أكثر ما في القرآن من آيات في هذا المعنى.
صحيح أن فتح مكة أنهى الهجرة الدينية وفرضها على المسلمين " فلا هجرة بعد الفتح "([22]) كما في الحديث الشريف، لكن الهجرة ظلت جزءا من البنية الدهنية الإسلامية متمثلة في الحج والمجاورة وفي طلب العلم وفي طلب الرزق وفي الفتوح والمرابطة والمثاغرة.
وقد سبق هجرة سيدنا محمد ( ص) هجرة نبي الله موسى عليه السلام لما خرج منفردا فارا من ملاء فرعون، وهجرة سيدنا إبراهيم عليه السلام لما هاجر صحبة زوجه، وهجرة سيدنا يعقوب لما هاجر إلى مصر صحبة بنيه ودريته لما طلبهم سيدنا يوسف.
ثالثا: أهمية موضوع البحث.
موضوع الهجرة السرية للقاصرين يطرح نفسه بإلحاح، فأمام ارتفاع الأصوات المنادية بحماية حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة باعتباره طرفا ضعيفا في المجتمع وإنتعاش الحركة التشريعية الهادفة إلى هذه الغاية على المستويين الدولي والوطني، هناك إهمال شبه تام لحقوق طائفة من الأطفال أشد ضعفا هم الأطفال المهاجرين يقع التغاضي عنها وإلتزام الصمت حيالها ولم توجه لها أي برامج مباشرة، إذ تعتبر ظاهرة الهجرة السرية للقاصرين من الطابوهات في بلادنا وهو وضع يلزم تغييره، وهذا جانب من جوانب هذه الدراسة([23]) إنها محاولة لكسر جدار الصمت الذي يلف هذه الظاهرة خصوصا وأنها انتشرت في بلادنا وأصبحت هذفا لعدد كبير من الأطفال يحلمون بالوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط.
كما أن الإنكباب على هذه الدراسة يندرج في سياق التفكير والإجتهاد من أجل طفولتنا ووعينا التام بأن الطفل كيان مستقل له حقوقه ومركزه الخاص، لكن يبقى محتاجا للرعاية والحماية بسبب عدم نضجه العقلي والبدني، وبالتالي ضرورة الإسهام في التوعية بالمخاطر التي قد تهدد أمنه وسلامته.
من هنا تنبع أهمية دراسة ضاهرة هجرة القاصرين، لأجل التعريف بها أكثر وتسليط الأضواء عليها ولفت انتباه المسؤولين إلى خطورتها ودرجة انتشارها، للتصدي لها في أفق خلق إطار قانوني حمائي للأطفال المهاجرين سريا وتمتيعهم بالرعاية والحماية اللازمتين وحتى لا تتحول مياه مضيق جبل طارق إلى مقبرة جماعية للأطفال والشباب الحالم بالوصول إلى القارة العجوز.
رابعا: تحديد إشكالية موضوع البحث.
تتحد الإشكالية المحورية للدراسة في رصد ظاهرة الهجرة السرية للقاصرين المغاربة من حيث الأسباب والواقع، ومدى توفر الحماية القانونية دوليا ووطنيا لهؤلاء الصبية المهاجرين، وكذلك الوقوف على طبيعة المقاربة المعتمدة من طرف الحكومة المغربية والمجتمع المدني في تدبير ملف من هذا الحجم.
إن الإجابة على إشكالية من هذا الحجم يستلزم مجموعة من التساؤلات الفرعية نذكرها كالآتي:
– ما الذي يدفع أطفالا قاصرين إلى خوض غمار تجربة الهجرة السرية ؟
– هل هناك اعتراف دولي من خلال الاتفاقيات الدولية بالظاهرة؟
– أي وضعية للطفل المهاجر سريا في التشريع الوطني وفي التشريعات المقارنة خاصة إسبانيا، إيطاليا وهولندا؟.
– ما هو حجم الظاهرة والموقف الرسمي منها؟ كيف يتعامل معها المسؤولون الرسميون؟ هل تمة اعتناء بها أم تجاهل أم عدم إدراك لخطورتها أو بالأحرى وعي بوجودها أصلا؟ أم أنها ما دامت تقع على أرض بعيدة أجنبية، إيطاليا وإسبانيا فهي لا تعني هذه الجهات الحكومية بالداخل؟
– ما هي مساطر متابعة القاصرين على المستوى القانوني ؟ وأي دور للقضاء المغربي في حماية هؤلاء الأطفال؟
– ما هي مجهودات المجتمع المدني الوطني والدولي للحد من تفاقم الظاهرة ؟
وفي دراستنا لهذا الموضوع سنعالج في القسم الأول من هذا البحث واقع أطفال المهاجرين سريا، حيث سنعمل في الفصل الأول على معرفة كيف تنامت هجرة القاصرين في فترة زمنية قصيرة من خلال معرفة الأسباب التي تدفع لهذه المغامرة والوسائل المستعملة وكذلك التعرف على معاناة الأطفال في أوروبا، كما سنتحدث في الفصل الثاني على ماهية السياسات المتبعة لمواجهة الظاهرة على المستوى الوطني والدولي.
أما القسم الثاني من هذا البحث فسنخصصه للإطار القانوني لظاهرة هجرة القاصرين وذلك من خلال دراسة العديد من الإتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف والثنائية التي تطرقت للموضوع، وفي الفصل الثاني سنتعرف على موقع القاصر في التشريعات الوطنية من خلال دراسة القوانين المغربية المتعلقة بالهجرة، وبعد ذلك التطرق للممارسة القضائية في هذا الجانب وسنعمل كذلك على البحث عن موقع القاصرين في القوانين المقارنة خاصة قوانين إيطاليا وإسبانيا وهولندا وبالتالي سنتناول هذا الموضوع من خلال قسمين:
القسم الأول : واقع ظاهرة الهجرة السرية للقاصرين المغاربة نحو أوروبا.
القسم الثاني: المعالجة القانونية لظاهرة الهجرة السرية للقاصرين المغاربة نحو أوربا.
القسم الأول
واقع ظاهرة الهجرة السرية للقاصرين المغاربة نحو أوربا.
بالموازاة مع تزايد الأهمية الكمية لتدفق الهجرة طرحت هذه الأخيرة، قضايا بالغة الأهمية، سواء من حيث ارتباطها بحقوق المهاجرين باعتبارهم من الفئات الإنسانية الأكثر تعرضا للاستغلال والإنتهاك الحقوقي، أو من حيث انعكاساتها على المصالح الوطنية العامة للبلدان المعنية بقضايا الهجرة، في إطار اختلاف الرؤى والمقاربات للمشاكل المختلفة بين الدول المصدرة للهجرة ودول الاستقبال.
فإذا كانت الهجرة مصدر غنى ثقافي وتلاقح للحضارات وإطارا للحوار البناء الذي يعتبر أرضية للتفاهم وتطوير وتنمية التعاون الدولي، فإنه في غياب تنظيم هذه الهجرة تصبح مصدر إشكالات تقتضي التدخل لتطويق كل سلبياتها، وهكذا أصبحت الهجرة في قمة أولويات العمل السياسي لجميع الدول لما تشكله من تهديد اقتصادي وأمني.
وقد عرفت الهجرة السرية انطلاقا من التراب الوطني، تناميا مضطردا في السنوات الأخيرة، وهكذا أفرزت ظاهرة تهريب البشر شكلا جديدا من أشكال استعباد الإنسان لأخيه الإنسان الذي لم يستثن حتى الأطفال القاصرين، ولا يخفى أن وضعية هؤلاء الأطفال حساسة، نظرا لأن الأمر يتعلق بشريحة من المواطنين تحتاج إلى رعاية خاصة، وتعيش في ظروف قاسية وتتعرض لأبشع استغلال من شبكات الجريمة المنظمة.
إن واقع هؤلاء الأطفال يعبر عن مأساة حقيقية وقد تنامى تفاحشها في فترة زمنية قصيرة (الفصل الأول).
لهذا استلزم مواجهة الظاهرة إستراتيجية واضحة للحد من تفاقمها على المستوى الوطني والدولي ( الفصل الثاني).
الفصل الأول
تنامي هجرة القاصرين المغاربة نحو أوربا.
لم يعد الأمر يقتصر على حالات فردية، معزولة ومتباعدة من حين لآخر، وإنما تفاقمت المسألة وأصبحنا أمام أفواج من هؤلاء الفتية القاصرين، الذين أصابهم جنون الهجرة إلى الضفة الشمالية([24])، ولهذا تحتاج مقاربة هذه الظاهرة في نظرنا ضرورة الإحاطة بها في شموليتها أي في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وعلينا القيام بتقصي الأسباب والدوافع، وطرق الهجرة، ووضعية هؤلاء الأطفال في بلدان الاستقبال.
لهذا سنعمل في هذا الفصل على تحديد التطور التاريخي للهجرة وأسبابها ( المبحث الأول)، ثم نحاول البحث عن طرق وأساليب هجرة هؤلاء الأطفال ووضعيتهم في بلدان الاستقبال ( المبحث الثاني).
المبحث الأول
التطور التاريخي للهجرة وأسبابها.
لقد كانت الهجرة في القدم مرغوب فيها من دول الجنوب إلى دول الشمال ولهذا فقد مرت الهجرة بمراحل متعددة ( المطلب الأول)، وفي السنين الأخيرة ظهرت ظاهرة هجرة القاصرين المغاربة نحو أوربا وذلك لأسباب متعددة ( المطلب الثاني).
المطلب الأول
الإطار التاريخي لظاهرة الهجرة.
إن حركة الهجرة ليست ظاهرة جديدة في تاريخ الإنسانية، فالاكتشافات، والفتوحات والنكبات والنزوحات الجماعية وكذا البحث عن مستقبل واعد نتج عنه أشكال متعددة للهجرة وفي حقب مختلفة ويكفي الاستشهاد هنا بنماذج من هجرات الأنبياء عليهم السلام.([25])
ولعل الفهم العلمي للصور والتمثيلات التي تؤطر سلوك الأفراد والجماعات اتجاه ظاهرة الهجرة، يستدعي إنجاز حفريات في ماضيها البعيد والقريب وإذا استحضرنا هذه المعادلة، قلنا إن ظاهرة الهجرة ما بين المغرب وأوربا كانت في البداية أوربية نحو المغرب([26]).
فقد انطلقت – هذه الهجرة- هجرة الأوربيون إلى شمال إفريقيا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وامتدت إلى النصف الأول من القرن العشرين.
وتعتبر الهيمنة الإمبريالية الفرنسية، على مجمل المنطقة المغاربية بداية تاريخية ومرجعية لمسلسل النزوح العمالي إلى فرنسا بصفتها القبلة الأولى للمغاربيين والمغاربة على الخصوص ليشمل فيما بعد هدا المسلسل الهجروي مجمل القارة الأوربية([27]).
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى وجدت الحكومة الفرنسية آنذاك بالمغرب مصدرا خصبا لليد العاملة([28])، وستستمر هده الهجرة رغم حصول البلدان المغاربية على استقلالها السياسي فوثيرة الهجرة لم تتراجع بل ارتفعت خاصة بعد أن وجد العديد من سكان القرى أنفسهم بدون شغل ليشهد المغرب بعد الإستقلال هجرة قروية ضاعفت من مشاكل المدن، حيث انتشرت دور الصفيح لتطفو مشكلة البطالة والتشغيل على السطح في نفس الوقت كانت فرنسا تعيش أزمة ركود اقتصادية ولكن من نوع خاص ففرنسا بعد الحرب العالمية الثانية فقدت الآلاف من شبابها خلال الحرب، ولأجل إعادة بناء ما دمرته الحرب كانت في حاجة ماسة إلى موارد بشرية([29]).
لهده الأسباب لجأت فرنسا إلى إبرام اتفاقيات شراكة تخص هجرة اليد العاملة مع دول المغرب العربي في بداية الستينات.
هذه الهجرة إلى أوربا سوف توازيها إرشادات و توجيهات من طرف الدولة، خاصة في مطلع السبعينات ودلك لفشل مخططات التنمية في امتصاص أفواج البطالة،فعملت الدولة على تشجيع هجرة العمال، عبر سياسات مناسبة وكدا تطوير وتنظيم الأجهزة الإدارية الموجهة للهجرة لتقديم الخدمات الاجتماعية للمهاجرين خاصة وأن عائداتهم كانت مهمة من العملة الصعبة.
إن هذا التشجيع الصريح للهجرة([30]) وجد صدى لدى كل الفئات المهمشة ليرتفع عدد المهاجرين ولم تعد الهجرة تقتصر على فرنسا،بل تم الوصول إلى كل دول أوربا خاصة التي ربطتها بالمغرب اتفاقيات تخص هجرة العمال كهولندا إيطاليا وألمانيا وفي وقت لاحق إسبانيا .
إلا أنه وإبان النصف الثاني من عقد السبعينات سوف تتقلص الهجرة المغربية نتيجة تأزم الأوضاع الاقتصادية العالمية على إثر الأزمة البترولية لسنة 1974، بعد ذلك اتخذت معظم دول أوربا إجراءات وقوانين لإيقاف تدفقات الهجرة، بعد أن مست البطالة العمال الوطنيين و تنامت أحقاد الأوروبيين وعنصريتهم على العمال المغاربيين. ([31])
ونتيجة لذلك اتخذت معظم دول أوربا إجراءات لإيقاف الهجرة، ففي فرنسا أعلنت الحكومة في سنة 1974 عن إيقاف الهجرة، وفي نفس السنة تقدمت سويسرا بمشاريع قوانين للحد منها، وفي نفس السياق أوقفت ألمانيا وكذا الدانمارك الهجرة سنة 1973، والسويد والنرويج سنة 1974 ، وفي نفس الوقت لم تعد هذه الدول تسمح للمهاجرين بلم الشمل، حيث أخضعت التجمع العائلي لمراقبة إدارية صارمة.
وعموما تعتبر سنة 1974 سنة تحول مرجعية في تاريخ الهجرة المغربية إلى أوربا, إذ سوف تشجع هذه الأخيرة المهاجرين الذين يوجدون في وضعية قانونية على العودة إلى بلدانهم الأصلية، مقابل منح وتشجيعات مالية.
ومن جانبها الحكومة المغربية لم تحرك ساكنا فيما يخص قبول أو رفض رجوع المهاجرين المغاربة إلى وطنهم، بحيث لم تتخذ أية إجراءات وتدابير بهدف خلق مشاريع تنموية لصالح هؤلاء فالمسئولون المغاربة يعتبرون الهجرة متنفسا وحلا بأقل التكاليف لخلق توازن في موارده البشرية خاصة وان عائدات المهاجرين من العملة الصعبة مهمة([32]). لذلك سيركز المغرب جهوده على بقاء هؤلاء العمال بالخارج ، ولكون الهجرة بشكل قانوني قد قلت، فإن المغرب سيسعى جاهدا إلى تصدير العديد من أبنائه إلى دول الخليج و ليبيا ([33]) ، هذه الدول البترولية دأبت على استقبال اليد العاملة العربية وخاصة المغربية منذ 1968 في إطار علاقات شراكة مع كل الدول العربية.
ومع بداية سنوات الاستقلال شهد المغرب هجرة العديد من الطلبة نحو أوربا من أجل استكمال دراستهم الجامعية في عدة شعب خاصة الطب، الصيدلة والهندسة، حيث كانت الجامعات والمعاهد الأوربية وخاصة الفرنسية تفتح أبوابها في وجه الطلاب المغاربة المتفوقين، حيث عملت على استقطاب الأطر المؤهلة وتسهيل اندماجهم في المجتمعات الأوربية فتكونت بذلك جالية مؤهلة ومثقفة في أوربا إلى جانب العمال.
وفي السنين الأخيرة شهدت الولايات المتحدة الأمريكية توافد العديد من المهاجرين المغاربة الذين قصدوا أمريكا لاستكمال الدراسة وفضلوا الاستقرار بها، و شهدت أيضا توافد العديد من المغاربة في إطار القرعة السنوية التي تقوم بها الحكومة الأمريكية والتي تخصص نصيبا للمغرب مما أدى إلى تكون جالية في الولايات المتحدة.
وفي نفس السياق ستنمو جالية مهمة من المغاربة بكندا منذ بداية التسعينات حيث تفتح هذه الأخيرة أبوابها للأطر المغربية المؤهلة وتعمل على استقطابهم ومساعدتهم على الاستقرار في كندا التي تعرف سنويا ولوج الآلاف من الأطر المؤهلة.
وإدراكا من الدول الأوربية بأن أزمتها الاقتصادية تستدعي إيقاف تدفقات المهاجرين القادمين من دول الجنوب اتخذت فرنسا إجراءات أمنية صارمة، تمثلت أساسا في فرض التأشيرة visa لترابها الوطني منذ سنة 1986، تلتها بعد ذلك دول المجموعة الأوربية، التي وضعت قوانين دقيقة للتقليل من عدد الحاصلين على التأشيرة وتكرس ذلك من خلال التوقيع على اتفاقية "شينغن" ،خاصة بعد توقيع إسبانيا التي فرضت تأشيرة الدخول إلى أراضيها سنة 1991 ،ولكون اتفاقية "ماستريخت" تنص على رفع الحواجز الجمركية والمراقبة الحدودية بين دول أوربا مع ضمان حرية تنقل البضائع والأشخاص الأوربيين وزجر الباقي، لذلك فدخول التراب الإسباني من المفروض أن يكون صعبا، لأن المرور من إسبانيا إلى باقي دول " شنغن " جد سهل، وحرصا منها على تأمين الحدود الخارجية قدم الإتحاد الأوربي مساعدات لإسبانيا لتعزيز الحدود الجنوبية لتصبح إسبانيا شرطي أوربا.
إضافة إلى هذه التدابير شهد المغرب تدهورا لأوضاعه الاقتصادية لغياب سياسة تنموية شاملة، والنتيجة هجرة قروية نحو المدن بكل ما تطرحه من مشاكل ديمغرافية، ناهيك عن أفواج المعطلين التي تلفظهم الجامعات والمعاهد عبر ربوع المملكة، فلم يبقى أمام الشباب المغربي من حل غير ركوب مخاطر، المتوسط وتحمل إهانات الأوربيون.
كل هذه الأسباب وأخرى([34]) كانت سببا في ظهور الهجرة السرية خاصة مع مطلع الثمانينات حيث ستتجه الأفواج الأولى من المهاجرين السريين نحو شبه الجزيرة الإيبيرية، ومع النجاح الذي حالف هذه الأفواج الأولى ستنشأ شبكات من المهربين تعمل على تهريب البشر.
لكن إذا كانت ظاهرة الهجرة السرية كرد فعل طبيعي مقابل القيود المفروضة على حرية التنقل بين الدول تبدو مقبولة عندما يتعلق الأمر بأشخاص راشدين يعون جيدا مخاطرها وقادرين على تحمل أثارها في المستقبل، فإن الملفت للانتباه والمثير للجدل أن تطال الهجرة السرية أطفالا قاصرين ([35]) يختارون طرقا انتحارية للهروب من وطنهم، حتى أصبح الحديث عن ظاهرة الهجرة السرية للقاصرين المغاربة نحو أوربا، أمرا واقعيا لا مفر منه، ولسنا ندري مدى انتشار هجرة الأطفال في البلدان الأخرى([36]) وتحت أي دافع من الدوافع، إنما الذي نرجح هو أنها على هذا النحو المغربي تختلف ونكاد نقول أن بلادنا ربما تختص وتتميز بها وبانتشارها بهذه السرعة وبهذا الإلحاح، قد توجد حالة أطفال المكسيك الذين يهاجرون إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولكننا لانظن أن الأخطار هي نفسها، فالحدود برية بينما في الحالة المغربية هناك مخاطر الموت المتربص على جنبات المتوسط عبر المضيق نحو أوربا أو على جنبات المحيط الأطلسي انطلاقا من الأقاليم الجنوبية في اتجاه جزر الكناري([37]).
المطلب الثاني
العوامل المساعدة على هجرة القاصرين نحو أوربا.
يمكن إرجاع أسباب هجرة القاصرين المغاربة نحو أوربا إلى عدة عوامل([38])، يتدخل فيها ماهو اقتصادي واجتماعي وسياسي وثقافي، وفي نظرنا يمكن أن نرجع أسباب هذه الظاهرة إلى ثلاثة عوامل: عوامل بنيوية( الفقرة الأولى)، عوامل محفزة (الفقرة الثانية) ثم إلى عوامل ضرفية([39]) (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: العوامل البنيوية المساعدة على هجرة القاصرين
تشتمل العوامل البنيوية على عوامل اقتصادية ( أولا) وعلى عوامل اجتماعية (ثانيا).
أولا: العوامل الاقتصادية:
يتخبط الاقتصاد المغربي في العديد من الأزمات والتي ترجع إما للإرث الإستعماري الذي أخل بنمط الإنتاج والتوازنات التجارية، أو للنهج السياسي الذي اتبعته الحكومات المتوالية منذ الاستقلال وكلها سياسات أبانت عن فشلها ولم ترق بالمغرب إلى ما كان يطمح إليه.
وعموما يمكن أن نجمل أهم الأوضاع التي يتخبط فيها الاقتصاد الوطني والتي تعتبر السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة الهجرة السرية عموما وهجرة القاصرين خصوصا فيما يلي:
– فشل سياسات المخططات الاقتصادية التي نهجها المغرب بعد الاستقلال في شتى المجالات، هذه المخططات لم تحقق النتائج المتوخاة منها والتي ترجع بالأساس إلى أن الخطط الاقتصادية التي ثم الاعتماد عليها لم تكن صحيحة، كما أن الأسس المعتمدة لذلك كانت هشة ولم تصمد أمام تدهور الأوضاع الاقتصادية.
– غياب إستراتيجية واضحة المعالم للنهوض بالاقتصاد الوطني، إذ أن معدل النمو الاقتصادي ظل ضعيفا في السنين الأخيرة، مما انعكس سلبا على سوق العمل وخلق مناصب شغل جديدة فكانت النتيجة ارتفاع نسبة البطالة التي انتشرت في جميع أنحاء المملكة والتي تمس على الخصوص الفئة الشابة([40] ).
– سياسة التقويم الهيكلي التي نهجها المغرب ابتداء من سنة 1983 ([41])إذ يمكن اعتبار هذه الفترة، نقطة التحول في السياسة الاقتصادية للمغرب، حيث اعتمدت هذه السياسة المفروضة من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي على تقليص حجم الاهتمام بالقطاع العام، وتراجع الدولة عن النشاط الاقتصادي وتحللها تدريجيا من الالتزامات الإجتماعية التي سارت عليها منذ الاستقلال والتي تركز على الاهتمام بالخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة.
هده العوامل نتج عنها هشاشة البنية الاقتصادية للمغرب المعتمد أساسا على الطابع الفلاحي، المتميز بالتخلف والضعف التقني([42] )، ناهيك عن ويلات الجفاف([43] ) التي يتعرض لها المغرب باستمرار مما أفرز هجرة الفلاحين لهذا القطاع وبالتالي الهجرة نحو المدن.
هذه الأوضاع والمعطيات تكشف عن الواقع المزري والوضعية الحرجة التي يشهدها الاقتصاد الوطني الشيء الذي انعكس سلبا على الأوضاع المادية للأسر المغربية، مما جعل الشباب يقبل على الهجرة السرية ومن خلالهم انتقل التفكير في الهجرة إلى الصغار.
ثانيا: العوامل الاجتماعية.
انعكست الأوضاع الاقتصادية المتدهورة على الوضعية الاجتماعية وأثرت فيها، فضعف إيرادات الإقتصاد الوطني، كانت له أثار وخيمة على تغطية الحاجيات المتزايدة للمواطنين" غلاء المعيشة([44]) هزاله الأجور" إضافة إلى ما وصل إليه سوق العمل الداخلي من اكتظاظ في اليد العاملة نتيجة الإنفجار الديمغرافي، فأصبح المجتمع المغربي يتميز بالفقر والأمية، إضافة إلى البطالة التي تشكل أزمة حقيقية، ومعضلة اجتماعية كبرى. طالت كل فئات المجتمع وحتى حاملي الشواهد العليا([45]).
يتبين مما سبق أن الأوضاع المادية المزرية التي تعيشها الأسر المغربية تنعكس على مدى الاهتمام الذي يجب أن يحظى به الأطفال، مما يؤثر على حقوقهم وبالتالي ولوج هؤلاء الصبية إلى عالم الشغل في سن مبكرة وما ينتج عنه من استغلال اقتصادي([46])، مما يجعل الطفل يفكر جيدا في الهروب من هذا الوضع ولماذا لا الهجرة السرية نحو أوربا، لهذا تعتبر فئة الأطفال الدين يشتغلون في سن مبكر الفئة المرشحة للهجرة سريا([47] ) وهذا ما تأكد أيضا من خلال نتائج البحث الذي قامت به جمعيــــة Sos rascismo وجمعية إئتلاف الخيمة التي تضم مغاربة وإسبانيين, بدعم من الهيأة العامة للمحاميين بإسبانيا([48]) وقد شملت مقابلات مفتوحة مع 28 قاصرا وعائلاتهم خلال ثمانية أشهر.
جدول: يوضح الوضعية المهنية للأطفال قبل الهجرة.
يشتغل مند سن |
10 سنوات 11% |
11 سنة 7% |
12 سنة 18% |
13 سنة 10% |
14 سنة 7% |
15 سنة 11% |
لا 36% |
|
الأجر الشهري |
200 درهم 18% |
400 درهم 25 % |
600 درهم 36% |
800 درهم 21% |
||||
طبيعة العمل |
في الحقول 25 % |
أتعلم صنعة 25% |
الخياطة 7% |
أعمال أخرى %13 |
||||
العطلة |
لا 65% |
نعم بدون أجر 35% |
||||||
عدد الساعات |
منذ طلوع الشمس إلى الغروب 25% |
9 ساعات 15% |
10ساعات 30% |
11 ساعة 17% |
12 ساعة 13% |
|||
هل أنت مرتاح في العمل |
يستغلونني 23% |
لا أتقاضى شيء 30% |
أضيع الوقت 22% |
صعب جدا 25 % |
||||
الجدول رقم -1-
الفقرة الثانية: العوامل المحفزة المساعدة على الهجرة السرية .
تعتبر الهجرة السرية مغامرة نحو المجهول فالإقبال عليها من طرف الصغار يكون نتيجة عوامل تحفيزية منها:
– العامل الجغرافي :
يعتبر العامل الجغرافي في الكثير من الأحيان عاملا محددا في ربط العلاقات بين الدول، فقد أجمع العديد من الباحثين على أهمية القرب الجغرافي في ربط جسور التواصل والانتقال بين البلدين، والمغرب يحكم موقعه الإستراتيجي تربطه بإسبانيا علاقة تاريخية، إذ تقدر المسافة الفاصلة بينهما حوالي 14([49]) كلم عبر مضيق جبل طارق، هذا القرب الجغرافي خلق نوعا من التقارب الثقافي واللغوي، وقد ساعد على هذا التقارب انتشار المعاهد الثقافية الإسبانية في مدن الشمال المغربي.
دون أن ننسى الدور الذي يلعبه الإعلام الغربي والإسباني خاصة، فالقنوات التلفزية الإسبانية تلتقط بسهولة في مدن الشمال، هذه القنوات من خلال برامجها وأفلامها تمرر رسائل للشباب المغربي عن الأوضاع في أوربا مما يجعل التفكير في الهجرة أمرا سهلا.
وفيما يلي سنورد الجدول رقم -2- من نتائج البحث الصادر عن جمعية sos Racismo
والدي يتبين من خلاله المدن التي ينحدر منها القاصرين والوجهة المفضلة لهم في إسبانيا تم أسباب الهجرة ووسيلتها.
جدول يوضح وضعية الأطفال([50]).
السن |
14 سنة 7% |
15 سنة 7% |
16 سنة 32% |
17 سنة 32% |
18 سنة 22% |
|||||
المدينة القادم منها |
طنجة 67% |
دواوير ناحية قلعة السراغنة 25% |
فاس 4% |
الدار البيضاء 4% |
||||||
المدينة المتجه إليها |
مدريد 32% |
برشلونة 28% |
مالقا 7% |
مورتيل 11% |
توران إيطاليا 4 % |
الخزيرات 18% |
||||
المدة التي قضاها في إسبانيا |
أيام 29% |
شهور 11% |
سنة واحدة 32% |
سنتين 7% |
3 سنوات 7% |
4 سنوات 14% |
||||
مند كم وهو يفكر في الهجرة |
شهور 45% |
سنة واحدة 17 % |
سنتين 14% |
3 سنوات 21% |
4 سنوات 0% |
5 سنوات 3% |
||||
سبب الهجرة |
العمل 44% |
الدراسة 11% |
البحث عن الحياة 11% |
مساعدة العائلة 11% |
البحث عن المستقبل 7% |
ربح المال 11% |
لالتحق بأحد الأصدقاء 5% |
|||
وسيلة الهجرة |
زودياك 21% |
أسفل شاحنة أو ناقلة 75% |
شراء تأشيرة 4% |
|||||||
الجدول رقم -2-
ومن العوامل المحفزة للأطفال على الهجرة نجد أيضا.
– انتشار شبكات التهجير.
يحفز الأطفال على الهجرة وجود شيكات منظمة في مدن الشمال المغربي تعمل على تهجير الراغبين في الهجرة مقابل مبالغ مالية، وأمام ارتفاع عدد الراغبين في الهجرة عمدت هذه الشبكات إلى تطوير ترسانتها اللوجيستيكية، إذ عملت على إدخال إصلاحات وتغييرات على المعدات المستعملة في التهجير، ويقوم بدور الوساطة بين هذه الشبكات والراغبين في الهجرة عدد كبير من السماسرة ينتشرون في جميع مدن المملكة([51]).
– عودة العمال المغاربة في الصيف.
خلال فصل الصيف يعود المهاجرون إلى المغرب لقضاء عطلهم وهم يتوفرون على سيارات فاخرة وأرصدة مالية، هده الصورة تؤثره على نفسية الطفل وتجعله يفكر مليا في الهجرة.
– وجود طلب متزايد على اليد العاملة:
في الجنوب الإسباني يتهافت أصحاب الضيعات على الأطفال والشباب المغربي الموجود في وضعية غير قانونية، الذي يقبل الإشتغال بأرخص الأثمان وهذا ما ينقله المهاجرين المغاربة إلى المغرب من أن المهاجر السري مطلوب للعمل أكثر من المهاجر الموجود في وضعية قانونية.
كما يحفز الأطفال أيضا على الهجرة، الحملات الموسمية التي تقوم بها الدول الأوربية خاصة إسبانيا وإيطاليا من أجل تسوية أوضاع المهاجرين السريين كما حدث في إسبانيا مؤخرا، حيث استفاد عدد كبير من المهاجرين السريين من هذه الحملة واستطاعوا تسوية أوضاعهم([52])، ناهيك عن وجود جمعيات حقوقية تشتغل في مجال الطفولة تتوفر على مركز لإيواء الأطفال المغاربة المهاجرين سرا.
كل هذه العوامل التحفيزية التي بيناها تكون سببا في إقبال الأطفال المغاربة على الهجرة وفي بعض الأحيان تحت ضغط أو تشجيع من الإخوة والأبوين، لهذا يجب على الأسر أن لا تقوم بهذه الأفعال وأن لا تدفع بأبنائها إلى الهلاك، لأن هؤلاء الأطفال لا يدركون الخطر الذي يتهددهم والإستغلال والمعاناة التي تنتظرهم في الضفة الشمالية.
وفيما يلي سنعمل على إدراج الجدول رقم -3- من بحث جمعية SOS Racismo الذي يبين الوضعية المزرية لأسر الأطفال المرشحين للهجرة وكذلك مدى علم العائلة بهجرة طفلها سريا .
الوضعية العائلية للأطفال ([53])
عدد الأطفال المكونين للأسرة |
1 0% |
2 4% |
3 11% |
4 14% |
5 18% |
6 21% |
7 11% |
8 4% |
9 7% |
10 فأكثر %10 |
دخل العائلة |
4000 درهم / الشهر 7% |
3000 درهم / الشهر 4% |
2000 درهم /الشهر 47% |
1000 درهم / الشهر 42% |
||||||
هل العائلة تعلم أن الطفل يريد الهجرة ؟ |
نعم 57% |
لا 43% |
||||||||
العائلة تساعد الطفل على الهجرة |
نعم 35% |
لا 65% |
||||||||
الأسر التي تتوفر على أفراد مهاجرين |
نعم 65% |
لا 35% |
الفقرة الثالثة: العوامل الضرفية المساعدة على الهجرة.
من بين العوامل التي تساعد الطفل على الهجرة ما يحل به أو بعائلته من مشاكل ظرفية نذكر منها.
– الفشل الدراسي:
في العديد من الأحيان يجد الطفل نفسه مضطرا لمغادرة الدراسة مبكرا وذلك لعدة أسباب، فقد تكون الأسرة غير قادرة على تحمل أعباء الدراسة، وقد تكون المدرسة بعيدة كما في العديد من القرى المغربية مما يضطر الأباء إلى إيقاف أبنائهم عن الدراسة.
وقد يضطر الأطفال إلى مغادرة المدرسة نظرا للصورة القاتمة والمؤثرة التي يتركها الشباب الجامعي المعطل([54])، مما يدفع بهم إلى اختصار الطريق والتوقف مبكرا عن الدراسة حتى لا يواجه نفس المصير.
وفي حالات أخرى تضطر الأسرة لتوقيف إبنها عن الدراسة ليشتغل ويساعد على أعباء البيت، ويعتبر الأطفال المتسربين والمتوقفين عن الدراسة فئة مرشحة لخوض تجربة الهجرة السرية وهذا ما يوضحه الجدول رقم -4- من بحث جمعية SOS Racisimo الذي يبين أسباب مغادرة الطفل للدراسة.
الوضعية الدراسية للأطفال([55])
المستوى الدراسي |
لا شيء 7% |
الثالثة أبتدائى 11% |
الرابعة إبتدائى 14% |
الخامسة إبتدائى 11% |
السادسة إبتدائى 25% |
الأولى ثانوي 14% |
الثانية ثانوي 14% |
الثالثة ثانوي 4% |
أسباب مغادرة الدراسة |
من أجل العمل 54% |
إكراه من الأساتذة 18% |
وضعية الأسرة فقيرة 18% |
الأساتذة لا يشرحون جيدا 10% |
– التفكك العائلي:
تعتبر الأسرة المحيط الطبيعي لتنشئة الطفل ونموه، ومصدر أمانه وطمأنينته فإن تصدعت أو تفككت ضاع النمو الطبيعي والمتوازن للطفل وهذا التفكك يكون ماديا أو معنويا([56]).
فالتفكك المادي يرجع لعدم وجود الأبوين معا في نطاق الأسرة نتيجة الطلاق أو فقدان أحدهما أو كلاهما بسبب الوفاة، لكن تفكك الأسرة وانحلالها لا يكون مرتبطا بالأوضاع المذكورة فقط، بل يلزم اقترانها بانعدام الرقابة والتوجيه السليم، ذلك أن التفكك الأسري الذي يترك أثرا بالغا في نفس الطفل هو التفكك المعنوي أو العاطفي حيث تكون الأسرة مترابطة ماديا، إلا أنه يسودها الخلاف([57])، ويدخل في نطاق التفكك المعنوي كذلك معاملة الطفل بقسوة من طرف أحد الأبوين أو كليهما.
يتبين مما سبق أن التفكك الأسري يكون له أثر سلبي على شخصية الطفل والدفع نحو التشرد وربما نحو التفكير في الهجرة السرية.
– أطفال الشوارع:
يعبر عن طفل الشارع حسب تعريف الأمم المتحدة بأنه كل طفل يعيش في اعتماد تام على حياة الشارع وفي انقطاع تام أو شبه تام عن الأسرة.
وتعاني هذه الفئة من انتشار المخدرات و الإدمان على الكحول فظاهرة أطفال الشوارع ظاهرة معقدة ومركبة تبرز لنا أقصى دراجات التهميش والإقصاء الاجتماعي لفئة تجتاز مرحلة حاسمة في تكوين معالم شخصيتها ([58]) ، تركت لمواجهة مصير مجهول وكأنها مسؤولة عن أوضاعها، وتعتبر فئة أطفال الشوارع مؤهلة لخوض تجربة الهجرة السرية نظرا للإنعدام الإهتمام والتوجيه بها، ومن خلال بحثنا الميداني وبعد حوارات مع الأطفال الراغبين في الهجرة اتضح بالملموس أن بعض الأطفال يحاولون الهجرة استجابة لإلحاح الآباء تحت وطأة الحاجة و الإكراهات الإجتماعية والإقتصادية وقد وقفنا على حالة في هذا الصدد حيث صاحب الأب إبنه من مدينة الفقيه بنصالح إلى طنجة وفيها يبحث له عن فرصة في أحد القوارب.
وما يثير الإنتباه هو أن العديد من القاصرين الموجودين في مدينة طنجة لهم رغبة قوية في مساعدة الأسرة وهذا ما عبر عنه الأطفال الذين التقينا بهم والذين يتميزون بنقص أو انعدام التمدرس، فغالبية القاصرين لايعرفون حتى مبادئ القراءة والكتابة، ومعظمهم أطفال مشردين أو مهملون من طرف أسرهم.
كما اتضح أن الأطفال الذين لم يسبق لهم الوصول إلى إسبانيا ليست لهم معلومات صحيحة عن عن البلد المهاجر إليه فجلهم في أدهانهم صورة غير حقيقية لإسبانيا وإيطاليا، ويبدو أن هذه الصورة الخاطئة يساهم في ترسيخها أفراد الجالية المغربية بالخارج الذين يقضون العطلة بسيارات فخمة، وأيضا الإعلام المرئي الإسباني ولهذا يصبح من الواجب على الأسرة والمدرسة توعية الأطفال وتحسيسهم بخطورة الهجرة السرية وبالوضعية الحقيقية للأطفال في أوربا وهذه الوظيفة يجب أن تضطلع بها مؤسسات المجتمع المدني .
المبحث الثاني
أساليب هجرة القاصرين نحو أوربا ووضعيتهم في بلدان الاستقبال
من أجل الوصول إلى الضفة الشمالية يلجأ الأطفال المغاربة إلى عدة طرق وأساليب غير قانونية (مطلب الأول) لكن وبعد وصولهم إلى أوربا يواجهون أوضاعا قاسية (المطلب الثاني).
المطلب الأول
أساليب هجرة القاصرين نحو أوربا
تعددت الأسباب والهدف واحد الوصول إلى القارة الأوربية لهذا يلجأ الأطفال إلى أساليب متعددة نذكر منها:
الفقرة الأولى: الهجرة الشبه القانونية وشبكات التزوير.
مع بداية الثمانينات ستنشط شبكات تزوير جوازات السفر وأوراق الإقامة حيث تقوم هذه الشبكات بجمع جوازات سفر لأجانب أولمن وافتهم المنية. وهكذا يقوم المتخصصون باستبدال صورة صاحب الجواز الأصلي بصورة الزبون الذي يكون على علم بالجنسية التي أصبح يحملها([59] ) وبصفته الجديدة وبهذه الطريقة يغادر التراب الوطني كباقي المسافرين العاديين إلى إن يصل إلى الدولة التي هاجر إليها حيث يجد في انتظاره عميلا من عملاء هذه الشبكة الذي يتولى مهام استرجاع الجواز من جديد.
أما الطريقة الثانية في التهجير التي تعتمدها هاته الشبكات إلى جانب الجوازات هي تزوير عقود العمل وتأشيرة الدخول([60]) .
إن نشاط هذه الشبكات تعدى حدود الوطن إذ نجدها تعمل إلى جانب شبكات دولية متخصصة في تهريب المخدرات وتبييض الأموال وفي الغالب يكون رؤساء هذه الشبكات أجانب وقد تبت في العديد من الأحيان تورط رجال الأمن من إسبانيا وإيطاليا مع هذه الشبكات.
إن هذه الطريقة في الهجرة تعتبر الوسيلة المفضلة للكبار وذلك لتوفرهم على المبالغ المالية التي تتطلبها. ولكن هذا لا يمنع من لجوء العديد من الأسر إلى تهجير أبنائهم القاصرين بهذه الطريقة،
إن هذه الوسيلة في الهجرة تكرس ما يصطلح عليه بالجريمة الدولية المنظمة والتي يجني أفرادها الملايين.
الفقرة الثانية: الهجرة عبر القوارب الخشبية والمطاطية
تتمركز في المدن الشمالية للمملكة، شبكات متخصصة في نقل الأشخاص عبر القوارب الصغيرة، وقد كانت هذه الشبكات في بداية تكوينها تعمل على تهريب المخدرات([61] )، إلا أنه مع ازدياد أفواج الحالمين بفردوس الضفة الأخرى سرعان ما سوف تنوع نشاطها في المنع لتشمل تهريب الأجساد البشرية معتمدة القوارب الخشبية الصغيرة التي كانت تنطلق من شواطئ، العرائش، طنجة، سبتة ومولاي بوسلهام و الناضور.
ومع نجاح الأفواج الأولى في الوصول إلى الضفة الشمالية، سيزداد عدد زبناء هذه الشبكات لتصل تسعيرة العبور عبر القوارب إلى 10.000 درهم وأكثر.
إن هذه الشبكات تتوفر على تنظيم محكم فهي في علاقة مع سماسرة ينتشرون في بعض المدن والقرى بحثا عن الراغبين في الهجرة، وفي السنوات الأخيرة عملت هذه الشبكات على تطوير ترسانتها اللوجستيكية إذ عملت على إدخال إصلاحات وتغييرات ميكانيكية وهيكلية مهمة ([62])، حيث أصبحت قوة المحركات تتراوح ما بين 90 و120 حصان بمحركين، وقد جاء هذه الابتكار في قوة المحركات وحجم القوارب السوداء اللون حتى يصعب رؤيتها في البحر وإن تعرضت لأشعة ضوئية من طرف سلطات المراقبة المغربية أو الإسبانية.
وقد أصبحت شبكات الهجرة مؤخرا تستعمل نوع جديد من القوارب يسمى البلانادورة Planadora)) تتجاوز قوة محركها 500 حصان، والتي عجزت قوات الحرس المدني الإسباني على احتجاز واحدة منها، إنه تحدي بامتياز([63])، إذ يتم تحديد موقع هذه اللانشات كنقطة على شاشة الرادارات سرعان ما تختفي بفضل سرعتها الخارقة إذ يصعب تتبعها وإرسال دورية لاحتجازها.
وتعتبر الهجرة عبر القوارب الصغيرة مغامرة محفوفة بالمخاطر، إذ أن انطلاق القوارب يكون ليلا وخلال الرحلة يخيم على القارب الصمت والإنصات للذات([64]) خاصة كلما اشتدت الأمواج هيجانا لتعبت كل مرة بالقارب الصغير الذي يتمايل، وقد يمتلأ القارب بالمياه بحيث يبادر المهاجرين في ارتعاش وخوف إلى إفراغه ، وتتخلل الرحلة توقفات قليلة في البحر إما لتزويد الخزان بالوقود إذا نفد، أو للتأكد من عدم وجود الحرس الذي يتمناه المهاجرين في اللحظات العصيبة، لإنقاذهم من الموت الحتمي خاصة عندما يصير القارب ككرة تتقاذفها الأمواج.
فمن لم تبكيه ظروفه المزرية في مدينته أو قريته ومن لم تبكه أيام الذل والهوان يجهش بالبكاء لحظتها، إذ لا يفصل فيها الحياة عن الموت سوى خيط رفيع، والكل يردد الشهادتين استعدادا للموت الحتمي، وقد ينقلب القارب ليسبح من يجيد السباحة، ومن لا يجيدها يظل يصارع الأمواج إلى أن يمتلأ بطنه بالماء ليهوى بسهولة في القعر، فإما أن تقذف المياه بجثته إلى الساحل أو أن يجد سمك القرش في رفاته طعاما شهيا، إنها فعلا صورة مأساوية على الراشدين فبالأحرى الأطفال القاصرين الذين لاتخلو رحلة من وجود قاصر إلى خمسة قاصرين في القارب، لهذا وجب توقيف هذا النزيف الذي أصاب أطفالنا وذلك يتحسيسهم بخطورة الهجرة وهذا ما يجب أن تضطلع به الأسرة وجمعيات المجتمع المدني.
الفقرة الثالثة: الهجرة في بواخر الصيد البحري.
من أجل الوصول إلى الضفة الشمالية يمكن استعمال بواخر الصيد، التي نشطت في تهريب كل من صمم العزم على مغادرة وطنه من شباب وأطفال إنها وسيلة آمنة،([65]) وغير متعبة إلا أنها مكلفة فقد بلغت تكلف الهجرة بهذه الوسيلة 30.000 درهم والتي لها تقنياتها الخاصة وتكتيكها الهجروي المنفرد، تبدأ من السماسرة الذين يتوسطون بين الزبناء و مسؤولي البواخر الذين يعمدون إلى تزويد المهاجرين بملابس خاصة توحد البحارة داخل الباخرة (Uniforme)لتفادي أي مشكل في حالة التفتيش وهذه الرحلات تنشط خاصة في فترات الراحة البيولوجية حيث تقل عائدات الثروة السمكية وإذا كانت الهجرة بهذه الطريقة منظمة ومكلفة فإن القاصرين المغاربة نادرا ما يلجؤون إليها.
لكن القاصرين المغاربة يصرون على الهجرة عبر هذه البواخر دون دفع الثمن وذلك بالتسلل إليها دون أن يراهم أحد، خاصة في ميناء الدار البيضاء الذي يتجمع فيه يوميا عدد كبير من الأطفال تتراوح أعمارهم بين سن السابعة وسبعة عشر سنة قادمين من الأحياء الهامشية المحيطة بالدار البيضاء ومن مدن بني ملال، خريبكة وقلعة السراغنة([66])، يتجمعون قرب محطة الشحن المشهورة بمحطة طارق([67]) Porte Tarik حيث يعمل الأطفال على مراقبة رجال الأمن واستغلال الفرصة لامتطاء الباخرة وفي حالة تمكنه من ولوج الباخرة فإنه يختبأ ويحاول الفرار فور توقفها في أحد موانئ أوربا .
الفقرة الرابعة : الهجرة عبر الشاحنات والناقلات.
تعتبر الهجرة في أسفل الشاحنات والناقلات، الوسيلة السهلة والمفضلة للقاصرين المغاربة الدين يرجع لهم الفضل في ابتكارها ([68]) ويشهد ميناء طنجة توافد العديد من الحافلات والناقلات المخصصة لنقل المسافرين نحو أوربا وعدة شاحنات محملة بالصادرات المغربية من المنتوجات الفلاحية وصادرات النسيج .
وفي طريقها نحو الميناء تتوقف الشاحنات والناقلات للاستراحة في محطات البنزين حيث يتمركز العديد من الأطفال خاصة بالليل من أجل استغلال الفرصة التي يكون فيها السائق ومساعده مشغولين و في هذا الوقت يعمل القاصر على التسلل إلى أسفل الشاحنة أو الناقلة والعمل على إيجاد مكان والاختباء به([69])، وتتطلب هذه الطريقة ذكاء وتركيز إذ لا تخلو هذه الوسيلة من مخاطر الموت لأن القاصر يوجد بالقرب من المحرك الذي يكون شديد السخونة والذي يصدر صوتا مرتفعا، وعند وصول الناقلة إلى الميناء يعمل رجال الجمارك على التفتيش في أسفلها لهذا يعمل القاصر على الإختباء جيدا وفي حالة عدم ضبطه في عملية المراقبة يبقى عليه التمسك جيدا وعدم مغادرة مكانه طيلة الفترة التي توجد فيها الناقلة داخل الباخرة التي بمجرد وصولها إلى موانئ إسبانيا تنطلق في اتجاهها نحو الشمال بسرعة نقدر ب 120 كلم في الساعة إلى أن يتوقف السائق للإستراحة أو التزود بالوقود وهنا يتحين القاصر الفرصة للنزول والهروب في اتجاه المجهول.
وفي هذا الصدد عبر العديد من القاصرين الذين إلتقيناهم بضواحي مدينة طنجة أن رغبتهم هي وجود فرصة والهجرة عبر إحدى الشاحنات أو الناقلات، نظرا لأنها لا تكلفهم مبالغ مالية إلا أنه و خلال زيارتنا ([70]) الأخيرة لمدينة طنجة. تبين لنا وجود جهاز (SCANEER) بالميناء يعمل على تفتيش جميع الشاحنات، ويتوفر هذا الجهاز على تقنيات هائلة في البحث عن المخدرات والمهاجرين السريين، وفي هذا الصدد أكد لنا أحد التقنين أنه منذ بداية العمل بالجهاز تم إيقاف العديد من الأطفال والشباب داخل الشاحنات وتم تسليمهم لمفوضية الشرطة بميناء طنجة، وأكد لنا التقني انه بتواجد هذا الجهاز ستقل عملية التسلل داخل وفي أسفل شاحنات التصدير.
الفقرة الخامسة: الهجرة عبر الدراجة المائية جيطسكي.
تعتبر الدراجة المائية جيطكسي من الوسائل الجديدة التي ابتكرت لتهريب المهاجرين والتي تتميز بسرعتها فهي تقطع المسافة الفاصلة بين الشواطئ المغربية ومثيلاتها في إسبانيا في مدة وجيزة، ويعمل صاحب الدراجة المائية على نقل من أربعة إلى خمسة أشخاص وفي الغالب يكون الأشخاص المهربين قاصرين نظرا لضآلة حجمهم ووزنهم، وفي هذا السياق فقد صدر مؤخرا حكما عن محكمة الجزيرة الخضراء يقضي بإدانة مواطن مغربي من طنجة بتهريب مغاربة من ضمنهم اثنان دون سن الرشد القانوني، و تعريضهم لخطر الموت غرقا ومعاقبته من أجل ذلك بستة سنوات سجنا نافذا وذلك بعد فشل محاولة الصلح الضرورية في القانون الإسباني، ويعود تاريخ الواقعة إلى 6 أكتوبر 2004([71]) حينما ضبطت عناصر الحرس المدني الإسباني دراجة جيطسكي وهي مكدسة بخمسة مغاربة من ضمنهم قاصرين لا يتوفرون على الوثائق القانونية.
الفقرة السادسة: تهجير المواهب الرياضية خاصة في ألعاب القوى.
من أساليب الهجرة أيضا ما يتعرض له الأطفال من استغلال خاصة في رياضة ألعاب القوى، الاستغلال مصدره الذين من المفروض فيهم حماية ورعاية هؤلاء الأطفال، أي من المسؤولين الرسميين عنهم في الجامعة المغربية لألعاب القوى([72]) فبمجرد ظهور بوادر النبوغ لدى بعض البراعم الذين يطمعون إلى الشهرة يتصدى لهم تجار الرياضة الدين يسيئون لسمعة البلاد مما يضطر هؤلاء الأبطال الصغار للتفكير في الهروب وانتهاز فرض الهجرة إلى الخارج هؤلاء الأبطال سرعان ما يتمكنون من الانضمام لفرق أجنبية والتي تتلقاهم بترحاب.
– أساليب أخرى للهجرة السرية.
أمام تزايد المراقبة الأمنية على الحدود وتشديدها تم ابتكار طرق جديدة لولوج أوربا ، فالعديد من الأسر المغربية أو الأجنبية المستقرين في الخارج يلجئون إلى مسطرة التكفل بالأطفال واصطحابهم إلى أوربا حيث يستفيدون من التعويضات الهامة التي تمنحها الدول الأوربية عن الأبناء وفي بعض الحالات يتم تحويل الكفالة إلى تبني وهذا ما يتناقض مع الشريعة الإسلامية أو يتم استخدام هؤلاء الأطفال في البيوت واستغلالهم.
كما تعمل النساء المغربيات والإفريقيات جنوب الصحراء إلى الهجرة السرية إلى أوربا في فترة الحمل ليضعن حملهن في الخارج وبالتالي يستفيد الأطفال من الجنسية الإسبانية أو الفرنسية.
أما بالنسبة للأفارقة جنوب الصحراء فإن رحلتهم تعتبر قاسية حيث يعبرون الصحراء الكبرى مشيا على الأقدام في اتجاه الجزائر ومنها الدخول إلى مدينة وجدة وبعد ذلك التوجه إلى مدن الناضور، تطوان، طنجة من أجل انتظار فرصة التوجه إلى إسبانيا.
المطلب الثاني
وضعية الأطفال في بلدان الاستقبال.
يعاني الأطفال المهاجرين سريا أثناء تواجدهم في الضفة الشمالية أوضاعا ومعاناة قاسية، تتنافى مع ما يلزم أن يحظى به الطفل من أمن و استقرار. فكونهم خارج جميع المؤسسات الاجتماعية بما فيها الأسرة والمجتمع الأصلي، فلا ينتظر أن ترحب بهم هذه المجتمعات التي تعتبر أنهم اقتحموا إسبانيا بدون استئذان من هنا يسهل وقوعهم في يد الشبكات الإجرامية، وللإحاطة بوضعية الأطفال المجودين بأوربا سنعمل على تحديد وضعية الأطفال داخل مراكز الإيواء (الفقرة الأولى) وبعد ذلك سنعمل على تحديد وضعية الأطفال الموجودين خارج مراكز الإيواء (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: وضعية الأطفال داخل مراكز الإيواء
تعتبر إسبانيا وإيطاليا الوجهة المفضلة للقاصرين المغاربة، ففي إسبانيا يتمركز أغلب الأطفال بمنطقة كاتالانيا ومنطقة الأندلس ثم منطقة مدريد، أما في إيطاليا فيتواجد أغلب الأطفال بمنطقة ميلانو وضواحيها تليها روما وضواحيها وينحدر أغلب الأطفال المتواجدين بإسبانيا([73]) من ولايتي طنجة والدار البيضاء في حين ينحدر الأطفال الموجودين بإيطاليا من بني ملال، خريبكة، الفيقية بنصالح، وسطات ([74]).
وفي إطار تصاعد حركة الهجرة السرية للأطفال القاصرين المغاربة وما ترتب عنها من أوضاع مأساوية عملت جمعيات حقوقية إسبانية([75]) وإيطالية على إحداث مجموعة من مراكز الإيواء لاستقبال هؤلاء الأطفال، هذه المراكز تعمل في إطار المواثيق الدولية والقوانين الداخلية ففي إسبانية تعمل هذه المراكز طبق القانون التنظيمي المتعلق بحقوق وحريات الأجانب الصادر سنة 2000، وقوانين 1991و1995 حول القاصرين المعدل في 15 يناير 1996 والمتعلق بالحماية القانونية للقاصر وطبقا للمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والرسالة الأوربية لحقوق الطفل المؤرخة في 04/10/1979، وتقرير مجلس الإتحاد الأوربي الصادر في 26 يونيو 1997 وخاصة الإتفاقية الأممية لحقوق الطفل لسنة 1993. أما في إيطاليا فتعمل مراكز الإيواء على تطبيق القانون 286 الصادر في يوليوز 1998 المتعلق بالهجرة وقانون 6 مارس 1998 حول إقامة القاصرين وطبعا طبقا للمواثيق الدولية وفي مقدمتها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
وبالنسبة لمساطر إيداع القاصرين في مراكز الإيواء فهي في الغالب طبقا لتعليمات مصالح القضاء والحرس المدني والشرطة في إسبانيا، ومصالح الشرطة والقضاء في إيطاليا ولا يغادر الأطفال هذه المراكز إلا بعودتهم أو ترحيلهم إلى المغرب([76]) أو بانتقالهم إلى مراكز أخرى أو بهروبهم منها، وفي ما يخص برامج التأطير بمراكز الإيواء فهي تنبني على مجموعة من الدعامات الهادفة إلى خلق تفاعل إيجابي مع القاصرين، و تتأطر هذه الدعامات في ثلاث مستويات، مستوى التفاعل، مستوى النظام ومستوى التجانس([77]).
فعلى مستوى التجانس يتم تكوين مجموعات صغيرة تحت رعاية مؤطر يقوم بتطبيق برنامج أسبوعي، يتضمن مقابلات وزيارات لأماكن مختلفة وكذا جولات في أرجاء المدينة، والتعرف على بعض المدارس والإقامة مع بعض الأسر خلال يوم كامل.
أما على مستوى النظام فتستفيد كل مجموعة من الأطفال من دروس يومية في اللغة الإسبانية، وبالرغم من أن القانون التنظيمي الصادر في 15 يناير 1996 والمتعلق بالحماية القانونية للقاصر يشير في مادته الثالثة إلى حق القاصرين الأجانب في التربية والرعاية وفي باقي الخدمات العمومية، إلا أنه على مستوى الواقع تكتفي مراكز الإيواء بتلقين الأطفال مواضيع مختلفة كالتحية والعبارات الخاصة بالشراء والنقل والعمل إلى غير ذلك من العبارات التي قد تساعدهم على تنظيم تواصلهم مع الآخرين وذلك بقصد إدماج القاصر المهاجر في المحيط الاجتماعي والثقافي، وأخيرا على مستوى التجانس يتم تلقين القاصرين دروس في اللغة العربية والتربية الإسلامية بشكل منتظم واللإحتفال بالمناسبات الدينية المختلفة من أجل الحرس على استمرار ارتباط وعي الطفل بذاته وهويته وثقافته الأصلية.
ورغم كل ما ذكرناه سالفا من امتيازات وحقوق والتي يلزم أن تتوفر لهذه الفئة من الأطفال داخل مراكز الإيواء والمنصوص عليها في مختلف المواثيق الدولية والقوانين الداخلية، فإن الواقع يكشف عن حقيقة أخرى، وعن إساءات لا أخلاقية قاسية تمارس على القاصرين من قبل سلطات هذه المراكز، فكثيرا ما يوضع هؤلاء الأطفال في مراكز سكنية مزدحمة وغير صحية([78])حيث يتعرضون لاعتداءات من قبل أطفال آخرين أو من قبل الموظفين المكلفين بالعناية بهم، ويعتبر مركزي Puroxima conception fort بمدينة مليلية المحتلة وسان أتطونيو بمدينة سبتة المحتلة من أكثر المراكز الإيوائية سوء، وهما عبارة عن بنايتان قديمتان ومازالتا في مرحلة الترميم من أجل استخدامهما للعناية بالأطفال الأيتام، فالمبنى الأول كان أصلا حصنا عسكريا وكذلك الثاني والذي أعد في البداية لاستقبال حوالي 30 طفل وهو الآن يظم أكثر من 100 طفل، كما ينام أغلب الأطفال على الأرض أو على طاولات كما يشتركون في حمام واحد، ويشتكون من قدارة الفراش والأغطية ومن رداءة الملابس وعدم كفايتها، ويشتكون كذلك من الوجبات التي كثيرا ما تحتوى على لحم الخنزير وهذا بدوره بعد خرقا لواجب احترام عقيدة الطفل وديانته([79]) .كما لا يتوفر في المبنين مرافق ترفيهية للمقيمين فيهما([80]). وبالنسبة لحرية التجول فإنه يسمح للأطفال في مراكز الإيواء بالتجول في المدينة مما يجعلهم عرضة للضياع أو الاختطاف وربما الفرار، وبالنسمة للحق في الصحة فإن الأطفال داخل مراكز الإيواء لا يحضون بأية مراقبة صحية منتظمة، فكثيرا ما يحرم الأطفال تعسفا من العناية الطبية في حالة تعرضهم لمشاكل صحية ولو كانت خطيرة رغم أنهم مؤهلون لتلقي العناية الصحية وفقا للقانون الإسباني الذي ينص على منح الأطفال البطاقة الصحية([81]).
وإذا كان الأطفال داخل مراكز الإيواء الأقل من ستة عشر سنة كما بينا سابقا يحرمون من استكمال الدراسة رغم تنصيص القانون على ذلك صراحة فإن الأطفال البالغين والذين يزيد عمرهم عن ستة عشر سنة يحرمون من التعليم المهني نظرا لإمتناع دائرة الرفاه الاجتماعي عن تقديم طلبات للحصول على وثائق العمل الضرورية.
إضافة إلى أن هذا الحرمان من أبسط الحقوق الأساسية المتعارف عليها، لا توجد أية وكالة حكومية إسبانية تنهض بالمسؤولية الفعلية لضمان الحماية المطلوبة لهؤلاء الأطفال، كما انه لا توجد أية آلية لتمكينهم من تقديم شكاوى، أو لممارستهم لحقهم في إسماع صوتهم والأخذ برأيهم في كافة العمليات القانونية المتعلقة بهم كما أن المسؤولين الحكوميين ينيطون مهمة مراقبة الأوضاع والتحقق من الخروقات على السلطات المحلية، التي تدعى بدورها أنها لا تتوفر على الإمكانيات الضرورية للقيام بهذه المهمة وتعتمد على المراكز الإيوائية وعلى الشرطة من أجل التبليغ على هذه الحالات.
كل هذا يدل على تهاون السلطات الإسبانية في تقديم الحماية والرعاية لهؤلاء الأطفال القاصرين، رغم أنها تلتزم بحقوق الإنسان وبحقوق الطفل خاصة، وذلك بمصادقتها على العديد من المواثيق الدولية وخاصة الإثفاقية الدولية لحقوق الطفل والتي تنص على المصلحة الفضلى للطفل وعلى حماية الطفل الجانح.
وفي هذا الصدد دقت جمعية الدفاع عن حقوق الطفل والمرأة في إسبانيا ناقوس الخطر خلال الزيارة التي قامت بها إلى المغرب رئيسة الجمعية السيدة مليكة الشيكر، التي صرحت أن عدد القاصرين المغاربة بإسبانيا يقدر بحوالي 5000 طفل أغلبهم يعيشون مأساة ويتم استغلالهم جنسيا في الدعارة وأضافت أن هؤلاء يعتبرون ألغاما موقوتة لأنه يسهل استقطابهم من طرف شبكات الجريمة المنظمة.
وحملت الشيكر المسؤولية للبلدين لأن من واجبهما التعاون في هذا الملف وقالت على المغرب أن ينتبه إلى أن إسبانيا تستفيد من وجود قاصرين فوق ترابها لأنها تحصل على منحة 40 أورو (450 درهما) في اليوم من الإتحاد الأوربي عن كل قاصر هذه المنحة تخصص لتغطية مصاريف المأوى والأكل وتوزعها الحكومة الإسبانية على مختلف البلديات التي توجد بها مراكز استقبال القاصرين.
هذه إذن هي وضعية القاصرين المغاربة داخل مراكز الإيواء فماذا إذن عن وضعية إخوانهم الموجودين خارج مراكز الإيواء.
جدول يوضح توزيع مراكز الإيواء في مدن إقليم الأندلس عدد المراكز 26
المدينة |
عدد مراكز الإيواء |
ألميرية |
2 |
قادس |
2 |
قرطبة |
6 |
غرناطة |
4 |
جيان |
1 |
مالقة |
4 |
إشبيلية |
5 |
ويلبا |
2 |
جدول أورده عبد اللطيف شهبون في ورقته "ملامح عن أوضاع الأطفال المهاجرين سريا" المقدمة للدورة التاسعة للمؤتمر الوطني للحقوق الطفل وهي غير منشورة.
الفقرة الثانية: وضعية الأطفال خارج مراكز الإيواء
كل سنة يدخل إلى إسبانيا المآت من الأطفال المغاربة وحدهم ودون وثائق السفر القانونية، فئة منهم تلج مراكز الإيواء وفئة أخرى يعيشون متشردين في شوارع مدن غربية عنهم ويعانون من أبشع صور الإستغلال، كالتشغيل غير القانوني، والسرقة، والمخدرات، والسياحة الجنسية، والاتجار في أعضاء الجسم([82]).
يتعرض الأطفال المغاربة القاصرين بإيطاليا وإسبانيا إلى الاستغلال في العمل بصورة غير قانونية، حيث يتم تشغيلهم في البيوت المغطاة وفي الأعمال الفلاحية الصعبة دون احترام ساعات العمل والراحة والحد الأدنى للأجر.
وأمام هذا الوضع المأساوي وانعدام فرص الإندماج في المجتمعات الأوربية وأمام صعوبة الحياة يضطر بعض الأطفال إلى اللجوء إلى السرقة لتلبية حاجياتهم الضرورية، ويعتبر تواجد هؤلاء الأطفال خارج مراكز الإيواء عاملا مسهلا لوقوعهم في أيدي شبكات دولية متخصصة في استغلال الأطفال التي تحتضنهم و تأطرهم وتدفع بهم إلى السرقة بحيث تعمل هذه الشبكات على التخطيط وتدفع بالأطفال إلى التنفيذ تحت الضغط مقابل مبالغ مالية زهيدة، وقد يقع الطفل في أيدي عصابات متخصصة في المخدرات حيث يتم احتضانه والدفع به إلى القيام بمهمات صعبة من خلال نقل المخدرات من منطقة إلى أخرى أو بيعها([83]) وطبعا إلى التعاطي وبالتالي الإدمان في سن مبكرة. وربما الوقوع في أيدي الشرطة وتقديمه إلى القضاء الذي يرجعه إلى بلاده أو يدخله السجن، أو ارتكاب جرائم قتل أو اعتداءات على أشخاص وبالتالي يصير الطفل مجرما منذ صباه.
وعلى غرار ما يوجد في جنوب شرق آسيا أصبحت ظاهرة السياحة الجنسية تنشط في أوربا وإسبانيا خاصة حيث يتم استقطاب القاصرين من طرف شبكات متخصصة لاستغلالهم جنسيا بوضعهم في أفخم الفنادق الأوربية رهن إشارة رجال الأعمال والأثرياء الشاذين جنسيا الذين يدفعون أموالا باهظة. وبوجود القاصرين المغاربة بمفردهم في شوارع المدن الأوربية فإنهم الأكثر عرضة للإستغلال الجنسي من طرف هذه الشبكات.
وتوجد في إسبانيا أيضا شبكات متخصصة تعمل على المتاجرة في الأعضاء البشرية للأطفال، ويعتبر القاصرين المغاربة عرضة لهذه الشبكات التي تجني الأموال الباهظة مقابل بيع أعضاء الأطفال الأبرياء. دون أن ننسى انتشار التيارات الدينية المتطرفة التي تعمل على تنصير وتهويد الأطفال.
وحتى إذا استطاع بعض الأطفال النجاة من الوقوع في أيدي هذه الشبكات الدولية فإن وضعيتهم تكون سيئة حيث يعيشون خارج دائرة المراقبة وفي ظروف لا إنسانية، حيث ينامون متكدسين في بعض البنايات المهجورة أو داخل السيارات غير المستعملة أو تحت القناطر معرضة لكل التقلبات التي يعرفها الطقس، يقتاتون في أحسن الأحوال على البقايا، ويعانون كذلك من مطاردات يومية من قبل الشرطة، التي تلقي عليهم القبض وتشبعهم طربا وشتما([84]) ثم تخلي سبيلهم أو تقدهم إلى العدالة وفي أحسن الأحوال تسلمهم إلى مراكز الإيواء المتخصصة، وحسب إحصائيات السلطات الإيطالية، فإن عدد الأطفال الموجودين في إيطاليا يقدر ب 2032([85]) . إذا اتضحت الوضعية المأساوية للأطفال المغاربة في أوروبا سواء الموجودين داخل مراكز الإيواء أو في الشوارع، فإنه لا يبقى لنا إلا أن ننادي الأطفال بالابتعاد عن هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر وعدم التفكير فيها وكذلك الأسر بان تعمل على الإهتمام بأطفالها لأن الطفل قبل ثمانية عشرة سنة مكانه الطبيعي هو أسرته والمدرسة بهذا سنجنب أبنائنا التعرض للاستغلال البشع في القارة العجوز.
الفصل الثاني
ماهية السياسات المتبعة لمحاربة الهجرة السرية.
إذا كانت الهجرة السرية للقاصرين تنطلق من المغرب فإنها تمر وتنتهي في أوربا وآثارها السلبية تعود على المغرب وأوربا، وإذا كان من المؤكد أن المغرب بلد مصدر للهجرة فإنه في الآونة الأخيرة تحول إلى بلد عبور حيث يقصده الآلاف من الأفارقة في انتظار فرصة مواتية لدخول أوربا ولهذا فالهجرة تهم إسبانيا ومن خلالها أوربا كما تهم المغرب فالجميع ملزم بالعمل على محاربة آثارها. فما هي الإستراتيجية المتبعة على المستوى الوطني للحد من الظاهرة ( المبحث الأول) وما هي الإستراتيجية المتبعة للحد من الظاهرة على المستوى الدولي(المبحث الثاني).
المبحث الأول
إستراتيجية محاربة الهجرة السرية للقاصرين على المستوى الوطني.
ما فتئ المغرب سواء على المستوى الرسمي أو المجتمع المدني يولي اهتمامه لظاهرة هجرة القاصرين وفي هذا الصدد يقوم المغرب يبذل مجهودات جبارة على المستوى الرسمي ( المطلب الأول) كما يقوم المجتمع المدني بمجهودات في هذا الإطار ( المطلب الثاني).
المطلب الأول
المجهودات المبذولة للحد من الظاهرة على المستوى الرسمي.
نظرا لما يثيره موضوع الهجرة السرية من مشاكل، فإن أغلب الدول ركزت على الجانب الأمني كوسيلة لوضع حد لهذه المعضلة الخطيرة، والمغرب بحكم موقعه الجغرافي القريب من أوربا والمعروف بتصديره للمهاجرين بمن فيهم القاصرين، شهد في الآونة الأخيرة توافد العديد من الأفارقة القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء من أجل العبور إلى الضفة الأخرى، فأصبح المغرب بوابة أوربا ومحطة للعبور ([86])، ونظرا للأرباح التي تجنيها الشبكات المتخصصة من التهريب الجسدي وتهريب المخدرات وأمام استحالة الهجرة الشرعية([87]) إضافة إلى النجاح الذي حالف الأفواج الأولى من المهاجرين، كل هذه الأسباب ستعمل على تأجيج الشوق والأمل لمعانقة الضفة الأخرى عند العديد من الأطفال ليرتفع بدلك عدد المهاجرين مما جعل الإتحاد الأوربي وإسبانيا يشددان الضغط على المغرب للإرغامه على حراسة شواطئه الشمالية وقبول استقبال كل المهاجرين السريين الذين يتم احتجازهم بأوربا([88]).
وفي إطار مفاوضات اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوربي بدأت السلطات المغربية في 7أكتوبر 1992 بشن حملة واسعة ضد تهريب المخدرات والهجرة السرية، جندت لها قوات كبيرة من رجال الأمن والدرك، ورغم كل هذه الإجراءات ظل عدد الرحلات في ارتفاع.
ووفاء منه للمقاربة الأمنية التي عمل المغرب على نهجها والتي تستلزم مراقبة صارمة لمراكز الحدود واتخاذ التدابير الزجرية الرادعة لمحاربة العصابات الإجرامية التي تستغل المهاجرين للإغثناء، عمل المغرب على تقنين صناعة المراكب، وقام بمنع خروج أي مركب صغير دون إذن سلطات الموانئ ، ومند يونيو1999 أصدرت وزارة الداخلية دورية تدعو من خلالها كل ولاة وعمال الأقاليم إلى التعبئة من أجل تفكيك شبكات تهريب المهاجرين السريين([89])، ومن أجل محاربة الظاهرة عمل المغرب على تطوير وسائل المراقبة وذلك باقتناء وسائل متطورة لحماية الحدود وفي هذا الصدد أصبح المغرب يتوفر حاليا على جهاز SCANEER بمناء طنجة موجود بالرصيف المخصص للشاحنات المتجهة نحو أوربا، ويستطيع هذا الجهاز أن يكشف ما يوجد بداخل الشاحنة ويعطي إشارة في حالة وجود مخدرات أو وجود أطفال مختبئين داخل أو أسفل الشاحنة.
وإدراكا من الإتحاد الأوربي بأن المغرب لم يعد فقط بلد مصدر للهجرة بل أصبح أيضا بلدا للعبور يقصده الأفارقة في انتظار الفرصة لولوج أوربا، عمل على توحيد العمل مع المغرب من أجل التعاون في مجال محاربة الهجرة الغير الشرعية.
واعتبارا لأن إسبانيا هي الوجهة الأولى لكل المهاجرين فقد تنامى الوعي على ضرورة التعاون بين المغرب وإسبانيا ومحاولة إيجاد إستراتيجية أمنية مشتركة، ولأجل ذلك عقدت عدة لقاءات بين المسؤولين المغاربة ونظرائهم في إسبانيا ([90] )، وتكرس هذا التعاون من خلال اللقاء الذي جمع وزير الداخلية المغربي السيد مصطفى الساهل ووزير الداخلية الإسباني Angel acebes في 19 نونبر 2003 والذي انتهى بالاتفاق على إحداث لجنة دائمة بين وزارتي الداخلية في البلدين تعقد اجتماعاتها دوريا وكان أول اجتماع لهذه اللجنة الدائمة المشتركة في 3 دجنبر 2003 حيث تم الإعلان على برنامج أمني بين قوات الأمن في البلدين عن طريق دوريات مشتركة في مجال مراقبة الحدود.
وقد انطلقت الدوريات المغربية الإسبانية المشتركة في الاشتغال ابتداء من 19 فبراير 2004([91])، وإلى غاية 26 غشت 2005 تمت 32 دورية مشتركة: 17 دورية انطلقت من الشواطئ المغربية و 15 دورية انطلقت من الشواطئ الإسبانية([92] ) .
وقد شاركت في هذه الدوريات من الجانب المغربي عناصر الدرك الملكي تتكون من 178 عنصرا ضمت 94 عنصرا من عناصر الجوية و 48 من عناصر البحرية و 36 عنصر من القوات البرية.
ومن ضمن 17 دورية التي انطلقت من الشواطئ المغربية 13 دورية انطلقت من مدينة العيون ونواحيها ([93]).
ومن ضمن 15 دورية التي انطلقت من الشواطئ الإسبانية عدد كبير من هذه الدوريات انطلقت من شواطئ الجزر الخالدات ([94])، وقد أسفر هذا التعاون بين البلدين على نتائج مهمة حيث تم توقيف أكثر من 1000 مرشح حوالي 941 إفريقي جنوب الصحراء و 66 من آسيا و 65 مغربي، وثم حجز 21 مركب خشبي و 120 كيلوغرام من الشيرا ([95]).
إضافة إلى هذا التعاون المشترك، تعمل قوات الأمن المغربية على حماية وحراسة الحدود وفي هذا الإطار تلعب قوات الدرك الملكي دورا هاما وحيويا بجميع أنواعها من عناصر البحرية والجوية والبرية، فخلال 7 سنوات من 1997 إلى غاية 2003 تمكن عناصر الدرك الملكي من إلقاء القبض على 43457 مهاجر سري من مختلف الجنسيات بحوالي معدل 6200 مهاجر في السنة([96]).
وخلال سنتي 2003 و 2004 تمكنت عناصر الدرك الملكي من إلقاء القبض على 5056 مغربي و 22553 أجنبي من إفريقيا جنوب الصحراء، إضافة إلى 172 منظم للهجرة و 146 سائقي قوارب الهجرة و 141 وسيط في الهجرة السرية وتم تقديم الجميع للعدالة وتم احتجاز أيضا 68 قارب و 76 زودياك وعدة وسائل أخرى يستعملها منظموا الهجرة السرية([97]).
وخلال النصف الأول من سنة 2005 تمكنت عناصر الدرك الملكي من إلقاء القبض على 16376 مرشح منهم 4858 مغربي و 11518 أجنبي([98]).
وفي الآونة الأخيرة يمكن القول على المستوى الوطني أن قضية الهجرة السرية طرأ عليها تغيير ملحوظ وتطور ملموس من حيث البنية المؤسساتية التي تعنى بالملف ومن حيث الانشغالات عامة بالموضوع([99]).
وتنفيذا للتعليمات الملكية أعلن صاحب الجلالة محمد السادس في خطابه يوم 5 دجنبر 2003 خلال افتتاح أشغال ندوة 5+5 بتونس عن إحداث هيأتين متخصصتين ومن مستوى عال ويتعلق الأمر بمديرية الهجرة ومراقبة الحدود والمرصد الوطني للهجرة تابعتين لوزارة الداخلية.
ستتولى مديرية الهجرة ومراقبة الحدود مهمة التطبيق العملي للإستراتيجية الوطنية في مجال محاربة شبكات تهريب الأشخاص و مراقبة الحدود، إلى جانبها سوف يتم على المستوى الترابي، إحداث مندوبيات إقليمية بكل من عمالات وأقاليم، طنجة، تطوان، الحسيمة، الناضور، العرائش، وجدة، والعيون، لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية على الصعيد الجهوي في مجال مكافحة الهجرة السرية إضافة إلى إحداث لجان محلية في باقي العمالات والأقاليم مرتبطة بالولاة والعمال تتولى جمع المعطيات المتعلقة بالهجرة وإبلاغها إلى الإدارة المركزية المتمثلة في مديرية الهجرة ([100]).
أما المرصد الوطني للهجرة فسينهض بمهمة وضع إستراتيجية وطنية في هذا المجال، تتمركز في تجميع المعلومات ذات الصلة بالهجرة وإشعار المصالح الإدارية المعنية بنتائج الأبحاث الخاصة بالمشاكل الآنية وتقديم المقترحات الرامية إلى تطوير وسائل محاربة أخطار الهجرة الغير القانونية التي يمكن أن تكون موضوع تقرير يتم نشرة سنويا عن أنشطة المرصد وإنجاز دراسات والقيام بمشاريع للبحث تتناول اتجاهات تدفقات الهجرة ([101]).
ومن أجل صيانة حقوق الإنسان ودعم مساراتها وتوفير الضمانات القانونية والإجرائية لذلك، عمل المغرب على إنشاء بنيات وآليات لحمايتها والنهوض بها، من تجلياتها المؤسسات التي أحدثت منذ التسعينات، كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان ، المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي، ديوان المظالم، ومركز حقوق المهاجرين بوزارة حقوق الإنسان إضافة إلى مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقمين بالخارج.
وعمل المغرب كذلك على تكريس المرجعية الدولية لحقوق الإنسان في ديباجة الدستور المغربي لسنة 1996، حيث نص على أن المملكة المغربية العضو النشيط في المنظمات الدولية، يتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، حيث أضحت حقوق الإنسان خيارا استراتيجيا.
إستراتيجية الوزارة المنتدبة المكلفة بالجالية المغربية.
اهتماما بالمواطنين الموجدين في الخارج وبقضايا الهجرة بصفة عامة أحدثت الوزارة المنتدبة لذى وزارة الخارجية والتعاون المكلفة بالجالية المغربية في الخارج.
ومن أجل النهوض بوضعية المهاجرين المغاربة وتحسين أوضاعهم ومحاربة الهجرة السرية، عملت الوزارة المكلفة بالجالية المغربية على إعداد إستراتيجية تم إعدادها بتشارك وثيق مع العديد من الجمعيات العاملة على مستوى البلدان المضيفة للجالية المغربية بالخارج، والتي تم اعتمادها رسميا من طرف مجلس الحكومة في دورته المنعقدة بتاريخ 13 مارس 2003 بالرباط، لتشكل القاعدة المركزية لبرامج عمل هذه الوزارة على المدى القريب والمتوسط والبعيد ([102]).
ولعل الهدف الأسمى من وضع هذه الإستراتيجية على حد تعبير السيدة الوزيرة المنتدبة نزهة
الشقروني: " يتمثل في العمل على التحقيق الفعلي لشروط المواطنة الكاملة لأبناء الجالية المغربية سواء على مستوى بلدان المهجر أو على صعيد الوطن الأم "([103])
لقد جاء في الفقرة الثالثة من الإستراتيجية المعنونة ب " معاينة وتقييم الواقع " أن من أشكال وخصائص الهجرة المغربية، توجد هجرة القاصرين.
وفي الفقرة الخامسة المخصصة للأهداف نجدها تنص على العمل على مستوى البلدان المضيفة على تكثيف التعاون مع بلدان الاستقبال من أجل إرساء سياسة عقلانية لتنظيم الهجرة القانونية في اتجاه الحد من تدفقات الهجرة السرية.
وفي الفقرة السابعة المعنونة ببرنامج العمل على المدى القصير نجد:" إعداد برامج تلفزية وإذاعية موجهة للجالية ([104])، والقيام بحملات إعلامية تهدف إلى تحسيس وتوعية الشباب والأطفال القاصرين بمخاطر الهجرة السرية".
وعلى المدى المتوسط، على مستوى التشريع نجد:
" إيجاد الحلول الملائمة لحل المشاكل المرتبطة بهجرة القاصرين، والقضايا المتعلقة بالتجمع العائلي والأحول الشخصية".
يتبين مما سبق أن استراتيجية الوزارة المكلفة بالجالية المغربية تعترف بوجود ظاهرة هجرة القاصرين نحو أوربا، وقد أحسنت الوزارة عندما وضعت من بين أهدافها في الإستراتيجية العمل على مستوى البلدان المضيفة على تكثيف التعاون من أجل إرساء سياسة عقلانية لتنظيم الهجرة القانونية في اتجاه الحد من تدفقات الهجرة السرية، وأملنا كبير بأن لا تبقى هذه المقتضيات حبرا على ورق وأن تعمل الوزارة على مواجهة الظاهرة بحزم لأنها تتوفر على أطر وإمكانيات هامة تسمح لها بذلك.
ومن بين وسائل محاربة ظاهرة هجرة القاصرين، نجد حملات التحسيس والتوعية في صفوف الأطفال، وقد نصت الإستراتيجية على ضرورة إعداد برامج تلفزية وإذاعية نظرا لتأثير وسائل الإعلام على الأطفال. وفي إطار الاهتمام بقضايا ومشاكل الهجرة السرية عملت وزارة حقوق الإنسان على إنشاء، مركز حقوق المهاجرين بدعم من الإتحاد الأوربي وبشراكة مع المنظمة الدولية للهجرة([105]) والذي كان من بين أهدافه، تكريس احترام حقوق المهاجرين دون تمييز، الإرشاد القانوني، تحسيس المهاجرين بمختلف القضايا المتعلقة بالهجرة، المشاركة الفعلية في الندوات المتعلقة بالهجرة على الصعيد الوطني والدولي، حملات إعلامية لفائدة المرشحين للهجرة وإعداد دورات تكوينية لفائدة الفاعلين في مجال الهجرة.
لكن للأسف فقد توقف هذا المركز عن العمل([106])، إلا أننا نستبشر خيرا بوجود مبادرة من أجل إعادة إحياء مركز حقوق المهاجرين من طرف الوزارة المكلفة بالجالية المغربية بالخارج([107])، ونتمنى أن يرى النور قريبا لأنه يهتم بقضايا الهجرة ويقاربها من الزاوية الشمولية.
إستراتيجية كتابة الدولة في الأسرة والطفولة.
من جانبها كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين في إطار تتبع تنفيد مخطط عملها الخماسي 2003-2007 والمستمد من المهام والاختصاصات الموكولة لها والتزامات البرنامج الحكومي في مجالات العمل الاجتماعي، عملت خلال سنة 2005 على تنفيذ مجمل البرامج المتعلقة بتعزيز حماية الطفولة، وذلك بمواصلة تنفيذ مجموعة من المشاريع وإعطاء الانطلاقة لأخرى.
من أجل دعم الترسانة القانونية الوطنية المتعلقة بحماية حقوق الطفل وتسهيل مساطر تطبيقها ولوضع برامج خاصة ومندمجة لحماية كل فئات الأطفال في وضعية صعبة، وتشجيع ودعم حق الأطفال في المشاركة وإبداء الرأي عملت كتابة الدولة على إنجاز مجموعة من البرامج أبرزها إعداد خطة العمل الوطنية للطفولة للعشرية 2005-2015 " مغرب جدير بأطفاله"، كما أعدت كتابة الدولة خلال ستة 2005 تجربة المجالس الجماعية للأطفال، كما تميزت هذه السنة بإعداد برنامج وطني لإدماج وإعادة تأهيل الأطفال في وضعية الشارع برنامج "إدماج" وإنجاز مجموعة من الدراسات والبحوث في مجال الطفولة وسنتناول بالتفصيل هذه البرامج.
خطة العمل الوطنية للطفولة:
في إطار وفاء المغرب بالتزاماته الدولية، وبهدف تحسين وضعية الطفولة، وسعيا إلى تعزيز آليات التنسيق على المستوى الوطني والمحلي بوضع نظام إعلامي مندمج حول الطفولة، عملت كتابة الدولة، بتنسيق مع القطاعات الحكومية المعنية والجمعيات الوطنية على إعداد خطة العمل الوطنية للطفولة للعشرية 2005-2015([108]).
ولإنجاز خطة العمل هذه تم عقد سلسلة من اللقاءات والمشاورات بمبادرة من كتابة الدولة وبمساهمة كل القطاعات المعنية والجمعيات والخبراء في المجال والأطفال من خلال برلمان الطفل والمجالس الجماعية للأطفال في كل مراحل الإعداد التي دامت زهاء سنة، الخطة التي تمت صياغتها بالاعتماد على المقاربة المنطقية ""CADRE LOGIQUE([109]).
المجالس الجماعية الأطفال:
في إطار تنفيذ مقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في مادتيها 12و13 والقاضيتان بدعم مشاركة الأطفال في إبداء الرأي في كل ما يتعلق بقضاياهم، وبهدف المساهمة في تربية الطفل على قيم المواطنة أعطت كتابة الدولة خلال سنة 2004 انطلاقة التجربة الرائدة للمجالس الجماعية الأطفال([110]).
إدماج الأطفال في وضعية الشارع:
بهدف الحد من انتشار ظاهرة الأطفال في وضعية الشارع،والتي نعتبرها في نظرنا الفئة المرشحة بقوة لخوض تجربة الهجرة السرية، أعدت كتابة الدولة خلال سنة 2005 برنامجا وطنيا لإعادة إدماج الأطفال في وضعية الشارع" برنامج إدماج" وهو برنامج يعتمد على مقاربة مندمجة في شقيها الاندماجي والوقائي وتتمحور حول بعد الإدماج في الوسط الأسري، كما يهدف البرنامج تشجيع الدراسات والبحث لتعميق المعرفة بالظاهرة ومتلازماتها.
وقد تم إعداد وثيقة البرنامج وعرضها على القطاعات الحكومية والجمعيات العاملة في المجال، قصد الإغناء خلال يوم دراسي ( يوليوز 2005) لتعط انطلاقة تنفيذ البرنامج في شتنبر 2005 بتنظيم لقاءات لتقديم البرنامج مع كل القطاعات المعنية والجمعيات المختصة بالولايات والأقاليم بالمدن التي ستعرف تنفيذ المرحلة الأولى من البرنامج وهي: الرباط، سلا، الدار البيضاء، طنجة، تطوان، مراكش وأسفي و المحمدية.
الدراسات والبحوث
بالنظر للدور الأساسي للدراسة والبحث في مجال الطفولة في وضعية صعبة، وما تمكنه هذه الدراسة من توفير المعطيات الضرورية للبرمجة والتخطيط، قامت كتابة الدولة خلال سنة 2005 بالشروع في إنجاز دراسة، الأولى حول الأطفال في مؤسسات التكفل والإيواء، كما ساهمت في إنجاز دراسة حول وضعية تشغيل الأطفال([111]).
تعزيز التشريع الوطني لضمان حماية الطفل.
لسد الفراغ الحاصل في الممارسة العملية للنصوص القانونية المنظمة للتكفل وتتبع حالات الأطفال ضحايا العنف والاستغلال والأذى، وسعيا إلى احترام تطبيق القوانين المتعلقة بحقوق الطفل والتعريف بها على أوسع مجال وتنسيق أمتن لتدخلات القطاعات المعنية بحماية حقوق الطفل عملت كتابة الدولة على إنجاز دراسة حول التشريع الوطني في مجال الطفولة والممارسات العملية، مع التأكيد على ضرورة وضع مشروع قانون حماية الطفولة بمقتضا يتم إحداث وحدات حماية الطفولة تعمل عن قرب بمختلف العمالات والأقاليم وبصلاحيات محددة ودليل للمساطير المتعلقة بمجال حماية الطفولة.
لكننا نرى أن محاربة ظاهرة هجرة القاصرين يجب أن تكون على أرض الوطن، من خلال الوقاية القبلية بمعنى الاهتمام بالفئات الضعيفة من الأطفال مثل أطفال الشوارع، التي تعتبر الفئة المرشحة بقوة لخوض مغامرة الهجرة السرية وهذا ما فعلته فعلا كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين عندما ركزت على فئات الأطفال في وضعية صعبة، وحسنا فعلت عندما اهتمت بالأبحاث والدراسات لإنها هي الوسيلة الناجعة للوصول إلى حماية الأطفال من التشرد والضياع وبالتالي وقف ظاهرة الهجرة السرية للقاصرين تدريجيا.
يبدو من خلال الإطلاع على عمل كتابة الدولة عدم وجود مصطلح أطفال الهجرة السرية وإن كانت تهتم بهم بطريقة غير مباشرة.
يتضح أيضا مما سبق أن الإستراتيجية الأمنية التي مافتئ المغرب يقوم بها أصبحت واقعا ملموسا، من خلال جهود مصالحه الأمنية من قوات مسلحة وشرطة ودرك ملكي والقوات المساعدة، لكننا نرى أن الهجرة السرية والأنشطة الإجرامية للشبكات الدولية لن تحارب بالوسائل الأمنية وحدها، كما لن تحارب من لدن دولة بمفردها، إذ أن تعبئة كل الأطراف التي يهمها شأن هذا النوع من الهجرة أصبح ضرورة مطلقة لابد من أن تطال جهود كل الدول المعنية الجانب التنموي و الاقتصادي والسياسي للدول التي تعتبر خزانا للمرشحين للهجرة.
ولذلك فقد أصبح من المفروض على الدول المعنية شمالا وجنوبا التفكير والسعي جديا إلى إعمال مفهوم الوقاية في التعاطي لحل وعلاج المعظلة، وهو إعمال يزاوج بين تدخلات الوقاية الاجتماعية من جهة ووسائل الوقاية الموضعية من جهة ثانية حيث يضطلع بالدور الأول الوقاية الاجتماعية الدول المتقدمة والمنظمات الدولية، من خلال العمل على إرساء دعائم اجتماعية و اقتصادية مستدامة بالدول المصدرة للمهاجرين السريين، في حين يوكل دور الوقاية الموضعية إلى جميع الدول التي تشكل مصدرا للهجرة أو معبرا لها من خلال تعزيز وسائل المراقبة والردع الحدوديين وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية للدول المعنية([112]).
وإدراكا من المغرب بأن المقاربة الأمنية ليست الحل الأنجع لمعظلة الهجرة ولذلك مافتئ المغرب من خلال حضوره في الملتقيات الدولية التركيز على المسؤولية المشتركة للدول المصدرة والمستقبلة و على فعالية التنمية الاجتماعية، وهذا ما حدث من خلال مشاركة جلالة الملك في مؤتمر الحوار 5+5 الذي انعقد بتونس وأيضا من خلال مشاركة المغرب مؤخرا في القمة الإفريقية الفرنسية بمالي والتي خلصت إلى ضرورة مضاعفة المساعدات الدولية لدول الجنوب من أجل تحقيق التنمية الاجتماعية.
ونظرا لأهمية التشاور الدولي انعقد بالرباط يوم 5-12-2005 المنتدى الدولي حول موضوع "الهجرة والوقائع الدينية في زمن العولمة" بتعاون مع الوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج والمنظمة الدولية للهجرة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وقد أكد الوزير الأول السيد إدريس جطو في معرض كلمته الافتتاحية للمنتدى أنه يتوجب على الدول المصدرة و المستقبلة للهجرة أن تولي عناية قصوى إلى التفاعل بين أبعاد الهجرة والواقع الديني والمحيط السياسي والاقتصادي و الاجتماعي وأكد على أنه يتوجب كذلك على الدول المستقبلة للمهاجرين أن تعتمد سياسات ترمي إلى اندماج المهاجرين.
ووعيا من المغرب بأهمية التشاور الدولي دعا إلى ضرورة عقد مؤتمر أورو إفريقي حول الهجرة وقد وافقت الدول المعنية على هذا المؤتمر الذي أصبح مؤكدا انعقاده بالمغرب في أواسط سنة 2006.
وإذا كانت إستراتيجية المغرب بخصوص الهجرة تعتمد المقاربة الأمنية فإننا نستبشر خيرا بالمبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس في شهر ماي من سنة 2005، وفي هذا الإطار يرى‑عبد الحميد الجمري([113])‑ الخبير المستشار لدى الإتحاد الأوربي في مجال التنمية والهجرة أن مبادرة التنمية البشرية بالمغرب هي مبادرة تضع الإنسان كمحور في السياسة التنموية إلا أنه يجب العمل على تطوير سياسة اجتماعية حقيقية وتعميق البحث حول الفقر والتحرك لمكافحة أسبابه .
المطلـب الثانـي
مجهودات المجتمـع المدنـي
إن البحث والدراسة في إشكالية هجرة القاصرين غالبا ما يحيلنا إلى التفكير في المؤسسات كأبرز الحلول، لكن هذه المقاربة أصبحت موضع تساؤل عن مدى جدواها وفاعليتها حيث اثبتت المؤسسات الرسمية أنها غير قادرة على مواجهة استفحال هذه الظاهرة.
لكن هذا العجز يمكن تعويضه من خلال مجهودات المجتمع المدني، والذي يعبر عنه بجملة المؤسسات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة، لتحقيق أغراض متعددة منها أغراض سياسية واقتصادية واجتماعية([114]).
ومن أبرز فعاليات المجتمع المدني والتي يمكن أن تلعب دورا في مجال مكافحة هجرة القاصرين، نجد الجمعيات( الفقرة الأولى) ووسائل الأعلام بجميع مكوناتها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دور الجمعيات.
يمكن للجمعيات الفاعلة في مجال الطفولة أن تلعب دورا في مجال مكافحة الهجرة السرية للقاصرين عن طريق التوعية والتحسيس بأخطار الظاهرة وعن طريق البحث في الأسباب العميقة للظاهرة ومحاولة اقتراح حلول، ويمكنها أيضا أن تحتضن الأطفال المرحلين من أوربا وتعمل على محاولة إعادة إدماجهم.
وفي هذا الإطار ينشط في بلادنا عدد من الجمعيات الحقوقية في مجال مكافحة الهجرة السرية منها:
جمعية أصدقاء وعائلات ضحايا الهجرة السرية:
أنشئت جمعية أصدقاء وعائلات ضحايا الهجرة السرية في 2 غشت 2001 في مثلث يعرف إقبال الشباب والأطفال على الهجرة السرية، سواء من خريبكة أو الفقيه بصالح أو بني ملال، وهي منظمة غير حكومية تعمل في مجال متابعة ملف الهجرة السرية.
لقد اختارت هده الجمعية الاختيار الصعب، لكنها تحاول بإمكانياتها التعاطي مع هدا الملف الشائك بتنسيق مع منظمات المجتمع المدني وخاصة منها الإسبانية.
وقد عملت الجمعية في عام 2001 أي في الشهور الأولى لانطلاق نشاطها على إنجاز دراسة تبين من خلالها أن مشكل الهجرة السرية أصبح يتجاوز الفئة العمرية الشابة ليتعداها إلى الأطفال انطلاقا من 9 سنين فما فوق.
ويؤكد هشام رشيدي([115]) المدير التنفيذي للجمعية أنه خلال لقاء أعضاء الجمعية مع الشباب لتحسيسهم بخطورة هده الظاهرة يجدونهم يعون جيدا المخاطر لكنهم يطرحون سؤال البديل ، ويضيف السيد هشام رشيدي أن الجمعية لا تستطيع طرح بديل لأن هناك هيئات أخرى لها مسؤولياتها الأساسية في توفير هذا البديل، ويضيف المدير التنفيذي أنه عندما تصل أخبار عن محاولة هجرة فاشلة سقط فيها بعض الموتى، لا تجد عائلات الضحايا من يخبرها وهذه هي المهمة التي تقوم بها الجمعية من خلال وضع رقم هاتفي.
وتبادر الجمعية عند وقوع كارثة في السواحل الشمالية إلى الانتقال إلى عين المكان لتجميع المعلومات لتحديد هوية الضحايا بارتباط مع الجمعيات التي تشتغل في إقليم الأندلس، لكي يتم تحديد منطقة الانطلاق لأن القوارب عندما تغرق غالبا ما يغرق أناس من منطقة واحدة ويتم العمل على استرجاع الجثة وتسليمها لأهلها لدفنها، لأن أهالي الضحايا عند اختفاء أخبار أبنائهم أو سماعهم نبأ غرق قارب تتوجه إلى الجمعية التي تعمل ما في وسعها من خلال إمكانياتها الداتية والمحدودة، ومن الأشياء التي تميز هذه الجمعية هو أنها تشتغل خارج محور الرباط و البيضاء.
باقي الجمعيات الفاعلة في مجال حقوق الطفل.
تتواجد في أقاليم الشمال العديد من الجمعيات الفاعلة في مجال حقوق الطفل، والتي يمكن اعتبارها تقوم بدور في مجال مكافحة الهجرة السرية للقاصرين من خلال احتضانها للأطفال الموجودين في وضعية صعبة خاصة أطفال الشوارع ومحاولة إدماجها في محيطها الاجتماعي، وفي هذا السياق تعمل جمعية حماية الطفولة وتوعية الأسرة منذ حوالي عشرين سنة في مدينة تطوان من خلال اهتمامها بإعادة إدماج الأطفال في وضعية صعبة والتي نعتبرها في نظرنا الفئة المرشحة لخوض تجربة الهجرة السرية.
ويمكن اعتبار جمعية " بيتي" من الجمعيات الرائدة على المستوى الوطني([116]) في مجال الطفولة حيث تعمل على إعادة الإدماج الأسري والمهني للأطفال في وضعية صعبة ومن أجل ذلك تتوفر الجمعية على أطر مؤهلة وإمكانيات تسمح لها بممارسة مهامها.
ومن خلال اشتغال هذه الجمعية في مجال حماية الطفولة تكون بطريقة غير مباشرة قد ساهمت في محاربة الهجرة السرية للقاصرين لأن فئة الأطفال المتشردين و المهمشين تعتبر فئة مرشحة للهجرة سريا نظرا لعدم وجود الأسرة.
وتعمل جمعية "شمس"([117])- الجمعية المغربية لحماية الأطفال في وضعية غير مستقرة- على استقبال الأطفال بمراكز خاصة لتمكينهم تدريجيا من استعادة حياة طبيعية وتقديم دروس الدعم لتمكينهم من الرجوع إلى النظام المدرسي من خلال التربية غير النظامية.
وتهتم أيضا العصبة المغربية لحماية الطفولة بالأطفال في وضعية صعبة من خلال العمل على إعادة إدماجهم في المحيط الإجتماعي، وقد سبق لهذه الجمعية أن شاركت إلى جانب جمعيات أخرى مغربية وإسبانية في ندوة حول أطفال الهجرة السرية المنعقدة بأشبيلية بإسبانيا خلال يومي 17 و18 من أكتوبر 2003 وارتكزت مساهمة العصبة المغربية على التركيز على التعاون بين الجمعيات المغربية والإسبانية، وعلى تبادل الخبرات في مجال الهجرة السرية وذلك خدمة للقاصرين.
يتبين مما سبق أن دور الجمعيات المغربية في مجال مكافحة الهجرة السرية للقاصرين لا زال محدودا وذلك لعدم تواجد جمعيات متخصصة في مجال الهجرة السرية للقاصرين على غرار ما يوجد في إسبانيا وإيطاليا وحتى الجمعيات المهتمة بقضايا الهجرة لا تهتم بقضايا هجرة القاصرين ناهيك عن قلة الجمعيات المهتمة بقضايا الطفولة وقلة إمكانياتها المادية والبشرية.
لكن وعلى قلة هذه الجمعيات فإنه لا يتم استشارتها في القرارات الحكومية المتخذة في مجال مكافحة الهجرة السرية للقاصرين كما حدث عند صياغة وتوقيع مذكرة التفاهم المغربية الإسبانية حول ترحيل القاصرين.
ونأمل أن تحول بعض الجمعيات أنشطتها إلى مواضيع محاربة هجرة القاصرين وأن تتأسس جمعيات جديدة تهتم بالموضوع من أجل القيام بأبحاث معمقة والعمل على استقبال الأطفال المرحلين من إسبانيا وأن تعمل على التحسيس والتوعية بخطورة الظاهرة.
وعلى عكس ما يوجد ببلادنا فإسبانيا وإيطاليا يتوفران على عدة جمعيات حقوقية تشتغل فقط في مجال محاربة الهجرة السرية للقاصرين، حيث تتوفر على مراكز لاستقبال هؤلاء الأطفال وتعمل على مساعدتهم من أجل اندماجهم، وتعمل بعض الجمعيات الاسبانية على إجراء أبحاث وتقارير حول وضعية الأطفال المغاربة القاصرين الموجودين على التراب الاسباني، وفي هذا الصدد نذكر البحث الذي أعد من طرف جمعية "SOS Racismo" وائتلاف الخيمة ""Colectivo AlJaima التي تظم مغاربة و إسبان بدعم من الهيأة العامة للمحامين الإسبان الذي يظهر معاناة الأطفال القاصرين المغاربة الموجودين بإسبانيا وقد أعد هذا التقرير خلال ثمانية أشهر من خلال تتبع واستجواب ثمانية وعشرون قاصرا مغربيا([118]).
الفقرة الثانية: دور وسائل الإعلام.
لا أحد يستطيع إنكار دور الإعلام كسلطة رابعة في التأثير على أصحاب القرار وعلى المتلقي والمواطن بصفة عامة.
فوسائل الإعلام أصبح لها تأثير على المشاهد والمتلقي من حيث فعاليتها في التنشئة وتكوين الأطفال([119])، فقد تخطت دورها الإعلامي والترفيهي لتصبح المربي والمعلم والمحرض، وذلك بفضل مقدرتها الكبيرة في الوصول إلى الأفراد في أهم الأماكن التي يتواجدون بها.
واعتبارا لكون هجرة القاصرين تهم صميم المجتمع بل عموده الفقري، فإنه كان من الضروري والواجب على الإعلام الوطني بجميع أنواعه العمل على الإطلالة على مخاطر هذه التجربة المأساوية خاصة في قوارب الموت وفي أسفل الشاحنات والحافلات، والتي يعيشها جزء مهم من الجسد المغربي صوتا وصورة من خلال نقل الأحداث المؤلمة التي يعيشها الأطفال وبالتالي طرح الأسئلة المقلقة لتختمر لذا كل المؤسسات الوطنية من منظمات وهيئات حكومية وغير حكومية السياسية والاقتصادية لابتكار الحلول الكفيلة بوضع حد لهذا المسلسل الانتحاري.
لكن العكس هو الذي يقع فالقنوات المغربية تكتفي بنقل أخبار عن غرق قوارب أو وفاة مرشحين للهجرة عبر نشرات الأخبار دون أن تكلف نفسها عناء البحث عن الأسباب والظروف التي دفعتهم إلى ذلك، ودون أن تقوم بالإنتقال إلى عين المكان من خلال بعث صحفيين ومحقيين من أجل نقل الخبر بالصوت والصورة حتى يتسنى للمواطنين الوقوف على الحقيقة.
ونادرا ما تبث القنوات التلفزية المغربية برامج حول الهجرة السرية، ولهذا يجب على القنوات التلفزية المغربية أن تتحمل مسؤوليتها بالتحسيس بخطورة الظاهرة من خلال بث برامج تصور معاناة المهاجرين السريين خلال رحلة العبور أو أثناء مقامهم في الضفة الشمالية، وأن تعمل على إعداد برامج تعمل على استضافة مختصين في مجال الهجرة من أجل شرح أخطار الظاهرة والبحث بعمق في أسبابها.
وفي المقابل نجد الإعلام الأوربي هو الذي يهتم بالظاهرة ويبت صور حية لأحداث غرق قوارب في مياه المتوسط.
ومن جانبها الجرائد الوطنية المغربية، هي الأخرى تطلعنا على أخبار هؤلاء المهاجرين السريين وتحتل هذه الظاهرة جزءا كبيرا من اهتمامات الجرائد الوطنية خاصة خلال فصل الصيف نظرا لتنامي حركية المهاجرين، لكنها تكتفي بنشر أخبار مختصرة وبتصرف لأخبار مطولة ونادرا ما ترفقها بصور لأنها لا تتوفر على مراسلين ولا تقوم بإعداد تحقيقات وتقارير عن الهجرة السرية،وتستقي الجرائد الوطنية المعلومة من مصادر خارجية مرتبطة بالدول المستقبلة " إسبانيا، فرنسا، وإيطاليا" خاصة من وكالة فرانس بريس، المراقبين الدوليين، الحرس المدني الإسباني، الإدارة العامة للشرطة الإسبانية.
إلا أن هذا لا يعني التقليل مما تقوم به الصحافة من مد الباحث بالمعلومة لرصد الظاهرة والكشف عن الآليات التي تتحكم فيها، إضافة إلى أن الصحافة تشكل قوة مهمة في التأثير على الرأي العام و التحسيس بالمشكل([120]).
المبحث الثانـي
الإستراتيجية الدولية للحد من الهجرة السرية.
لقد أصبحت مشكلة الهجرة السرية تعد من بين الملفات الشائكة في علاقات بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط بعضها ببعض.
فدول الإتحاد الأوربي تصر على قرارها بالإبقاء على الهاجس الأمني الذي يتجلى في إغلاق الحدود في وجه المهاجرين القادمين من الجنوب الذي تعتبرهم مصدر أزمتها.
هكذا فقد أصبح ملف الهجرة السرية يحضى باهتمام رجال السياسة وفعاليات المجتمع المدني في الاتحاد الأوربي، وذلك من أجل الحد من تفاقم الظاهرة (المطلب الثاني) أما إسبانيا والتي تعتبر بوابة أوربا فهي تقوم بمجهودات جبارة للحد من الظاهرة وذلك بنهجها لمقاربة يغلب عليها الطابع الأمني (المطلب الأول).
المطلب الأول
المقاربة الإسبانية يغلب عليها الطابع الأمني.
تشير الإحصائيات الرسمية الإسبانية إلى أن الجالية المغربية في إسبانيا والتي هي في وضع قانوني تقدر بحوالي 879.378 وهي ثاني أكبر جالية بعد الإكواتور.
وحسب إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة فقد بلغ عدد المهاجرين السريين الدين دخلوا الفضاء الأوربي ما بين 120.000 و 500.000 مهاجر أغلبهم دخلوا إلى إسبانيا عبر مضيق جبل طارق([121]).
ويوازي تنامي الهجرة السرية ارتفاع في عدد القاصرين الدين دخلوا إسبانيا حيث يقدرون بحوالي 5000 قاصر مغربي موجودين([122]) داخل مراكز الإيواء المخصصة لهم أو يعيشون في الشوارع متشردين.
ولأجل العناية بهؤلاء الأطفال تنشط في إسبانيا العديد من الجمعيات الحقوقية الفاعلة في مجال حقوق الطفل والتي تتوفر على مراكز لإستقبال هؤلاء الأطفال والعناية بهم.
ومن أجل القيام بهذه المهمة تتلقى هذه الجمعيات من الحكومة الإسبانية ومن الاتحاد الأوربي مساعدات مالية هامة([123]).
إلى جانب الأطفال المتواجدين داخل مراكز الإيواء يوجد آخرون خارجها يعيشون في الشوارع ويتعرضون لأسوء استغلال من الشبكات المتخصصة، ومن المطاردات اليومية لرجال الأمن من أجل إلقاء القبض عليهم وترحيلهم إلى بلدانهم أو تقديمهم إلى مراكز الإيواء.
إن الأطفال المغاربة يتعرضون لأبشع صور الاستغلال رغم أن إسبانيا وفي إطار الشرعة الدولية صادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وتتعهد بصيانة هوية الطفل وضمان حقوقه في الصحة والتربية.
وبالرغم من الوعي والاهتمام الذي أصبحت تثيره ظاهرة هجرة القاصرين على المستوى الإسباني، فهي لا تعمل على فهم الظاهرة من خلال أسبابها ودوافعها وطبيعة الدور الذي تلعبه مافيا التهجير في مغازلة أحلام الهجرة لدى الأطفال اليائسين، بل تعالج الجانب الشكلي من الظاهرة دون جوهرها الحقيقي فإسبانيا تتطلع إلى أن تنتهي هده التدفقات بين يوم وليلة وتختزل المواجهة في الجانب الأمني من خلال مراقبة صارمة للحدود الجنوبية والعمل على الضغط على المغرب من أجل تشديد حراسة الحدود الشمالية.
وتظهر المقاربة الأمنية التي تنهجها إسبانيا في المراقبة الصارمة للحدود الجنوبية وتعزيز القوات في الجنوب ومدها بأحدث أجهزة المراقبة.
من أجل تعزيز التعاون الأمني بين دول الإتحاد الأوربي قررت سبعة دول أوربية للمرة الأولى تبادل معلومات متعلقة بالبصمات الرقمية والوراثية من خلال التوقيع على اتفاقية" شنغن بلاص" بمدينة "بروم" الألمانية حيث اتفقت كل من فرنسا وألمانيا وإسبانيا والنمسا و بلجيكا وهولندا واللكسمبورع ممثلة بوزراء الداخلية والعدل بموجب الإتفاق على توسيع تعاونها عبر الحدود وخصوصا من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية.
وفي إطار التقليص من عدد المهاجرين السريين، عملت إسبانيا على تسوية أوضاع هؤلاء المهاجرين في أكبر حملة لتسوية أوضاع المهاجرين ودلك مابين 7 فبراير و7 ماي 2005 وهده العملية شملت العديد من المهاجرين السرين المغاربة، لكن المؤسف هو أن هذه العملية استثنت القاصرين حيث لم يستفيدوا من هذه الحملة التي أعطت الفرصة للعديد من المهاجرين لتسوية أوضاعهم.
ومن أجل تعزيز التعاون مع المغرب في مجال مكافحة الهجرة السرية عملت إسبانيا على تكثيف التعاون واللقاءات مع المسؤولين المغاربة وهدا ما تكرس من خلال انطلاق الدوريات المشتركة للأمن من أجل حماية وحراسة الحدود.
وقد عملت إسبانيا أيضا على مد المغرب بمساعدات مالية تجلت في تحويل العديد من الديون المستحقة على المغرب لإستثمارات([124]) من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية.
يبدو أن السياسة الإسبانية تجاه القاصرين المغاربة تروم اختزال المسألة في الجانب الأمني، والعمل بكل الوسائل على سد الطريق على كل القاصرين الدين يرغبون في دخول إسبانيا.
إن هجرة القاصرين المغاربة نحو إسبانيا ستستمر رغم المقاربة الأمنية لأن هذه الأخيرة أثبتت فشلها وقصورها، ولأن محاربة هذه الظاهرة ينبغي أن يتم في مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية وغيرها من الجوانب وتقصي الدوافع والأسباب والإلمام بالأوضاع العامة المحيطة والفاعلة في تنشيط الظاهرة.
في حين تتجاهل إسبانيا أن هؤلاء الأطفال أتو إليها بمساعدة العديد من الشبكات والعصابات المكونة من إسبانيين والتي تجني الأموال الطائلة من خلال استغلال هؤلاء الأطفال، فلماذا لا تعمل إسبانيا على محاربة هاته العصابات.
ولماذا تغض إسبانيا البصر على تشغيل المهاجرين بدون أوراق مادام هدا النوع من اليد العاملة بخدم المصالح الوطنية لكونه ضمانة لحماية بعض الأنشطة الاقتصادية من الكساد والمنافسة الخارجية ولم تتابع شبكات التهريب وأرباب العمل الدين يشغلون الأطفال دون احترام قوانين الشغل.
ولماذا لا تعمل إسبانيا على صيانة حقوق الأطفال المغاربة المنتهكة فوق أراضيها رغم مصادقتها على المواثيق الدولية التي تهم حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة.
المطلب الثاني
مجهودات الإتحاد الأوربي للحد من الهجرة السرية.
إذا كانت دول الاتحاد الأوربي اهتمت ببناء وحدة اقتصادية فيما بينها ومن تم الوصول إلى وحدة نقدية مشتركة، فإن السياسات الخارجية وخصوصا في ميدان الهجرة ظلت من صميم الشؤون الداخلية لكل دولة تتعامل معها بطريقة خاصة.
إلا أنه مع ارتفاع وثيرة المهاجرين بهذه الدول أدى إلى البحث عن مخرج مشترك يؤكد وحدة البيت الأوربي، فكانت النتيجة النهائية هي عقد هده الدول أو البعض منها لعدد من الاجتماعات والاتفاقيات لصد الهجرة وتواجد غير الشرعيين. ولم تدخر دول الإتحاد الأوربي جهدا إلى الدعوة إلى التعاون الدولي سواء في إطار مؤتمراتها، أوفي اتفاق الشراكة والتعاون مع دول المغرب العربي.
وقد بدأ الإتحاد الأوربي سياسته الأمنية الإحترازية باتفاقية "شنغن" كحل لتوقيف المهاجرين من دول الجنوب ودلك بفرض التأشيرة عليهم، وانطلاقا من سنة 1985 وقعت خمس دول اتفاقية شنغن التي تنص على حدف الحدود الداخلية، ونقل المراقبة إلى الحدود الخارجية، وفي 1986 تقرر خلق مجموعة للهجرة مهمتها بلورة أسس جماعية لسياسة الهجرة.
ومن هذا المنطلق عملت كل الدول الأوربية على وضع قوانين وإجراءات إدارية صارمة للتضييق على المهاجرين وذلك بتعديل قانون الأجانب في هولندا، قانون "كول" في بلجيكا، قانون "باسكوى" في فرنسا، قانون "تسمرمان" في ألمانيا وقانون الأجانب في إسبانيا وإيطاليا.
لقد تغير حاليا مشهد الهجرة تغيرا كبيرا وأصبح يصطدم بعدد من المعطيات، فدول الاتحاد الأوربي تصر على قرارها بالإبقاء على الهاجس الأمني الذي يتجلى في إغلاق الحدود في وجه المهاجرين القادمين من الجنوب الذي تعتبره دول الإتحاد الأوربي مصدر قلقها في نشرها الأصولية والتطرف الديني وظاهرة الإرهاب.
ومن هذا المنطلق فإن إستراتجية الدول الأوربية لمواجهة الهجرة السرية تنبني على أن الهجرة مسؤولة عن الأزمة التي تعرفها أوربا وبأن إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم وحراسة الحدود هو الحل الكفيل بمحاربة الهجرة السرية.
و اعتبارا لكون إسبانيا البلد المعني أكثر بتدفق المهاجرين ولكون المغرب بلد مصدر للهجرة من جهة ونقطة عبور لباقي المهاجرين من إفريقيا من جهة ثانية، فإن السياسة الأمنية التي تتهجها أوربا تقتضي تحويل كل من المغرب وإسبانيا إلى دركي أوربا.
وفي هذا السياق ومن أجل تطبيق السياسة الأمنية يجمع المغرب وإسبانيا ومن خلالهما باقي دول الإتحاد الأوربي علاقات تعاون في مجال مكافحة الهجرة.
وفي هذا الصدد ومند صعود "خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو" إلى رئاسة الحكومة الأسبانية تحسنت الأوضاع والعلاقات المغربية الإسبانية، وأصبحنا نشاهد تبادل الزيارات واللقاءات وفي هذا الصدد صرح رئيس الحكومة الإسبانية " تاباتيرو" خلال لقاءه مع نضيره المغربي الوزير الأول السيد إدريس جطو([125]) " بإشبيلية يوم الخميس 30 شتنبر 2005 إلى أن المغرب تحول إلى قنطرة عبور نحو أوربا بالنسبة للمهاجرين القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء تحت رحمة عصابات الهجرة السرية.
ودعا "ثاباتيرو" إلى ضرورة التنسيق والتعاون بين دول الإتحاد الأوربي ودول المغرب العربي وبلدان جنوب الصحراء من أجل مكافحة الهجرة السرية([126]) مؤكدا ضرورة الرفع من حجم المساعدات من أجل التنمية لفائدة الدول المصدرة للهجرة.
كما أضاف رئيس الحكومة الإسبانية إلى أن بلده جد مرتاح للنتائج المحصل عليها بفضل المجهودات المشتركة بين المغرب وإسبانيا([127]) في هدا المجال مشيرا إلى الانخفاض المهم لمحاولات الدخول إلى إسبانيا.
ومن أجل تفعيل الشراكة الأمنية بين دول الإتحاد الأوربي ودول شمال إفريقيا انطلق حوار5+5 خلال الدورة الوزارية الأولى المنعقدة في روما شهر أكتوبر سنة 1990، ولم يكتب له أن يستمر حتى مجيء قمة تونس 2003 ليجد له طريقا للتفعيل ولم يكن دلك بمحض الصدفة بل كنتيجة لإفرازات إقليمية ودولية ذات طبيعة سياسية وإستراتيجية.
إن حوار 5+5 جاء كتقليص للحوار المتوسطي الموسع بالنظر لوجود عدة معوقات وعراقيل تحول دون التفعيل الجاد لهدا الحوار، وفي المقابل هناك قابلية المشروع المصغر(5+5) لإيجاد سبيل إلى التطبيق بفعل تناسق أطراف سواء تعلق الأمر بالدول الأوربية أو الدول المغاربية.
ويعتبر إعلان تونس منبرا للتشاور والتعاون والتفكير الشامل من أجل خدمة المصالح المشتركة وإرساء شراكة متضامنة، كما أكد البيان على إرادة الدول المشاركة في تدعيم إجراءات بناء الثقة في جميع المجالات والحوار من أجل التوصل إلى توحيد الرؤى حول القضايا المطروحة والعمل على حلها بشكل سلمي.
ولا يختلف اثنان في أن إعلان تونس كان شاملا وكاملا بحيث تطرق إلى كل الجزئيات التي تهم المنطقة ككل في ظل ما يتجاذبها من صراعات ونزاعات.
ولعل من أهم رهانات حوار 5+5، الرهان الأمني بالنظر إلى درجة الحدة التي بلغتها الهجرة في غرب المتوسط بعد فشل المحاولات الأحادية في معالجتها باعتماد سياسة الإنغلاق والإقتصار على البعد الأمني على حساب الأبعاد الاجتماعية والإنسانية والثقافية.
ومن أهم الرهانات أيضا، الرهان التنموي الذي يطرح مسألة التنمية في الضفة الجنوبية، والبناء المغاربي، وتدعيم الاستثمارات المباشرة للحد من الآثار السلبية للعولمة على اقتصاديات الدول المغاربية.
وأخيرا الرهان الحضاري الذي يقوم على تفعيل حوار الحضارات المتباينة والتقريب بين الثقافات والأديان في المتوسط، وكشف الرصيد المشترك الذي تختزنه بما يخدم تثبيت قواعد الثقة بين شعوب المنطقة كخطوة لا محيد عنها من أجل شراكة حقيقية جادة و مسؤولة.
وفيما يخص محاربة الهجرة السرية أكد الإعلان على اعتماد المقاربة الشاملة والمتوازنة لظاهرة الهجرة([128])، وعلى ترحيب استضافه الجزائر للدورة الثالثة للمؤتمر الوزاري للهجرة للحوض الغربي للمتوسط خلال سنة 2004، وفي هدا السياق أكد جلالة الملك محمد السادس في خطابه في أشغال المؤتمر على الجهود الحقيقية التي يقوم بها المغرب في تعامله مع الظاهرة من حيث تبنيه تشريعات صارمة لتجريم ومحاربة العصابات التي تتاجر في الهجرة السرية، وإحداثه أجهزة متخصصة في شؤون الهجرة ومراقبة الحدود، إسهاما في إيجاد سياسات ناجعة للحد منها.
وخلال القمة الأورو متوسطية التي انعقدت ببرشلونة في نونبر 2005 عبر المغرب عن تبنيه ودفاعه عن المبادرة الإسبانية الفرنسية المغربية لمكافحة الهجرة ([129]) التي تتبنى المقاربة الشمولية لمحاربة هده الظاهرة من خلال تعزيز الاستثمارات في الضفة الجنوبية والمساهمة الأوربية في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالضفة الجنوبية، كما دعا المغرب إلى عقد مؤتمر أورو إفريقي يظم دول الإنطلاق ودول العبور ودول الوجهة من منطلق الوعي بالمسؤولية الشمولية الجماعية لكل الأطراف المعنية في الحد من الهجرة الغير الشرعية.
وقد تأكد استضافة المغرب لهذا المؤتمر في أواسط سنة 2006، وفي إطار علاقات المغرب بالإتحاد الأوربي أحد الشركاء التقليديين للمغرب بحكم الروابط التي تربطه بأعضائه تميزت سنة 2003 بإعلان مفهوم السياسة الجديدة للجوار([130])، والتي أعلنت خلال دورة "كوبنهاغن" في 11 مارس 2003 والتي بموجبها سيتم النظر في العلاقات التي تجمع الإتحاد الأوربي مع عدد من البلدان ومنها المغرب ومن خلال هده السياسة الجديدة تم منح المغرب وضع متقدم يستجيب للروابط الاقتصادية والتاريخية التي تجمع الجانبين.
و يعتبر المغرب أفضل مستعمل لبرنامج "ميدا " وأول مستفيد منه فقد تم منح المغرب ضمن برنامج "ميدا" للفترة مابين 1996 و2003 غلافا ماليا من 1.133 مليون أورو أي 600 مليون أورو للفترة مابين 96 و99 (ميدا 1) و 533 مليون أورو أي للفترة ما بين 2000 و2003 (ميدا2)([131]).
ومن جهة أخرى وقع المغرب والإتحاد الأوربي يوم 24 يناير 2002 على برنامج توجه وطني جديد للفترة 2004-2002 ومبلغه 426 مليون أورو موزعة على عدة قطاعات منها مراقبة الحدود ب 40 مليون أورو، ويجدر التذكير أن برنامج ميدا بالنسبة للمغرب يسعى إلى تيسير اندماجه في الفضاء الاقتصادي الأورو متوسطي من خلال التبني التدريجي للتبادل الحر وتنشيط القطاع الخاص المغربي وتفعيل الاستثمار الأوربي الخاص وتأهيل البنية التحتية الاقتصادية([132]) كما يهدف أيضا إلى المساهمة في تنمية منسجمة بالمغرب لتحقيق توازن سوسيو اقتصادي أفضل بالمناطق الفقيرة الحضرية منها والقروية.
القسـم الثانـي:
المعالجة القانونية لظاهرة الهجرة السرية للقاصرين المغاربة نحو أوربا.
تعتبر حقوق الطفل جزءا أساسيا من حقوق الإنسان و يقتضي إعمالها إحاطتها بمجموعة من التشريعات الدولية و الوطنية المترابطة و المتكاملة المعترف بها دوليا، وقد اهتم القانون الدولي خاصة في الآونة الأخيرة بتقرير مجموعة جديدة من الحقوق للطفل يتمتع بها، و تقتصر عليه دون غيره من الطوائف البشرية الأخرى.
ومما لا شك فيه أن هناك مجموعة من الأسباب و العوامل كانت الدافع وراء اهتمام المجتمع الدولي بحقوق الطفل وضرورة رعايته اجتماعيا وصحيا وثقافيا وعقليا منها تقاعس بعض الدول عن توفير الحماية اللازمة للأطفال إما عن جهل أو إهمال، ومن ثمة فإن تقرير هذه الحقوق في الوثائق الدولية يدفع صانعي القرارات وأجهزة التشريع إلى مسايرة المعايير والإتجاهات الدولية من خلال إتخاذ التدابير المناسبة لحماية الطفولة .
لكن تبقى أوضاع الطفولة في العالم وما تعيشه من مشاكل جمة تحول دون التمتع بالحقوق الإنسانية والأساسية للطفل، لذلك يجب مضاعفة الجهود لتفعيل حقيقي لبنود الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل على أرض الواقع، ويظل الطفل المهاجر سرياً من أبرزالأمثلة المعبرة عن الأطفال الذين يعيشون مشاكل متداخلة ومتشعبة تحول دون تمتعهم بأبسط الحقوق المقررة للطفولة.
لذا يحق لنا أن نتساءل عن الجهود التي بذلها المنتظم الدولي لحماية حقوق الطفل بصفة عامة وحقوق الطفل المهاجر بصفة خاصة، من خلال أهم المواثيق الدولية التي تطرقت لحقوق الطفل حيث سنعمل على البحث عن مكانة الطفل المهاجر سرياً ضمن مقتضياتها.
وهكذا سنحاول البحث من خلال هذا القسم عن مكانة الطفل المهاجر سرياً في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الطفل خاصة (الفصل الأول) لنتحدث في (الفصل الثاني) عن مركزالطفل المهاجر سريا ضمن التشريع الوطني والتشريعات المقارنة لما للقاعدة القانونية من دور أساسي في تكريس الحقوق وإعمالها بمساعدة القضاء.
الفصل الأول
الهجرة السرية للأطفال القاصرين في المواثيق الدولية.
إن الهجرة غير القانونية للأطفال القاصرين المغاربة وغير المرافقين الموجودين في وضعية إهمال بأوربا أخذت حجما كبيراً وطنيا ودولياً في هذه السنين الأخيرة، فتدفق الأطفال المغاربة أخذ ينمو بشكل كبير باتجاه إيطاليا وإسبانيا .
وللحد من خطورة هذه الظاهرة تحرك المجتمع الدولي من خلال إصدار العديد من الإتفاقيات الدولية لحقوق الأطفال بصفة عامة أو للأطفال غير المرافقين بصفة خاصة (المبحث الأول).
ولم يقتصر الاهتمام الدولي فقط من خلال الإتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف بل امتد ليشمل الاتفاقيات الثنائية بين المغرب والدول المعنية بصفة خاصة بالظاهرة كإسبانيا وإيطاليا وفرنسا (المبحث الثاني).
المبحـث الأول
الإتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف.
الواقع أن المجتمعات الوطنية تتحمل بالدرجة الأولى مسؤولية رعاية الأطفال وتوفير ضروريات الحياة وتهيئة الظروف التي تسمح لهم بالنمو السليم البدني والعقلي، واتخاذ التدابير وسن التشريعات الضرورية لتحقيق هذا الهدف.
ومع ذلك تظل هناك ضرورة ملحة لمعالجة شؤون الطفولة على المستوى الدولي، لأن تقرير حقوق الأطفال في الإتفاقيات الدولية يدفع الحكومات الداخلية إلى مسايرة المعايير والإتجاهات الدولية.
ومن الإتفاقيات التي لا يمكن تجاهلها في هذه الدراسة، الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري بشأن بيع واستغلال الأطفال في البغاء (المطلب الأول).
ذلك لأن هاتين الاتفاقيتين يتضمنان مجموعة من الحقوق العامة والخاصة للطفل باعتباره كائناً بشريا ضعيف يحتاج للرعاية والمساعدة.
كذلك سنحاول دراسة الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وكذلك إتفاقية الأمم المتعددة لمكافحة الجريمة المنظمة وبروتوكولها المكمل المتعلق بمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو في (المطلب الثاني).
المطلب الأول
الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل وبروتوكولها الإختياري بشأن بيع واستغلال الأطفال في البغاء
سنحاول في هذا المطلب دراسة الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل (الفقرة الأولى) لنرى ما هي الحقوق التي كرستها من أجل حماية الطفل من كل الأخطار, وبعد ذلك سنبحث في الحقوق المكرسة في البروتوكول الإختياري بشأن بيع واستغلال الأطفال في البغاء (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل
سنعمل على دراسة الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعدة اعتبارات فمن جهة تتضمن الإتفاقية حقوق هامة للأطفال ومقتضياتها تعتبر مصدر التزام دولي بالنسبة للدول المصادقة عليها، (1) ومن جهة ثانية الحكومات المحلية لأقاليم الأندلس و كاطالانيا وجزر الخالدات والمنظمات الغير حكومية ومؤسسات الإيواء تتعامل مع الأطفال انطلاقا من مقتضيات هذه الإتفاقية.
ولهذا سنحاول دراسة مقتضيات الاتفاقية من خلال النقاط التالية :
أولا : المصلحة الفضلى للطفل.
من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها إتفاقية حقوق الطفل كون جميع الإجراءات والقرارات المتعلقة بالطفل يجب أن تستلهم في الاعتبار الأول مصالح الطفل الفضلى([133]).
وهذا المبدأ نجده مكرساً في المادة الثالثة من الاتفاقية التي تنص على أنه " في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الإجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيآت التشريعية، يولي الإعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى".
وتشير العديد من المواد الأخرى الواردة في الاتفاقية إلى هذا المبدأ للتأكيد على أولوية إعطاء المصالح العليا للطفل المقام الأول عند النظر في إتخاذ أي إجراء وأي كانت طبيعته([134]).
فالمادة التاسعة تحضر فصل الطفل عن والديه على كره منهما ، إلا أنها تقرر جواز ذلك إذا كان هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى وقد يلزم مثل هذا القرار في حالة معينة مثل حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل وإهمالهما له.
وتعالج المادة العشرون مسألة إيجاد الوسط العائلي البديل للطفل المحروم بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئته العائلية، وذلك حفاظا على مصالحه الفضلى، ويمكن أن تشمل هذه الرعاية الحضانة والكفالة الواردة في الفقه الإسلامي([135]) أو عند الضرورة الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال ولعل هذا ما يعطي الشرعية لمراكز الإيواء الموجودة في إيطاليا وإسبانيا من أجل استقبال الأطفال المغاربة المهاجرين سرياً والذين هم في حاجة ماسة لرعاية بديلة عن أسرة فقدوها وفقدوا معها العطف والحنان .
ثانيا : حماية الأطفال من ذوي الظروف الخاصة.
لم تقتصر اتفاقية حقوق الطفل على مجرد تعداد مجموعة من الحقوق العامة والخاصة ينبغي أن يتمتع بها الطفل، بغض النظر عن جنسيته أو لغته أو ثقافته أو عقيدته، بل اهتمت بحماية الأطفال من ذوي الظروف الخاصة، وقررت مجموعة من الحقوق لا يتمتع بها من الأطفال إلا من توافر لديه ظرف يجعله في حاجة لحماية لا يحتاج لها الطفل الذي يعيش في ظل ظروف عادية([136]).
بعبارة أخرى فرقت الاتفاقية حقوق الطفل بين طائفتين من الأطفال، الأولى أطفال يعيشون في ظل ظروف عادية، والثانية أطفال يعيشون في ظل ظروف خاصة أو غير طبيعية، حيث فرضت لهذه الفئة الثانية حماية خاصة حسب نوع وطبيعة الظروف الخاصة التي يحيون في ظلها([137]).
وتشمل طائفة أصحاب الحالات أو الظروف الخاصة، الطفل المعاق والطفل اللاجىء والطفل الذي ينتمي إلى أقلية ثقافية أو لغوية أو دينية والطفل الجانح.
ومن طوائف الأطفال الذين اعتبرتهم الاتفاقية من ذوي الظروف الخاصة الأطفال اللاجئين، الذين تعتبر ظروفهم شبيهة بظروف الأطفال المهاجرين سرياً، وإذا طالعنا ما ورد في اتفاقية حقوق الطفل بشأن الطفل اللاجىء نجد نصاً وحيداً وصياغته تتسم بالعمومية وعدم التحديد، فطبقا لنص المادة الثانية والعشرين تلتزم الدول الأطراف بنوعين من التدابير حيال الطفل اللاجىء أو الذي يسعى للحصول على مركز لاجىء، التدبير الأول يثمتل في العمل على تمتيعه بالحقوق الواردة في الاتفاقية أو في غيرها من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقانون الإنساني أو المتعلقة بحقوق الإنسان، أما الثاني فهو التعاون مع الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات الدولية لحماية الطفل اللاجىء والبحث عن والديه لجمع شمل أسرته.
ولعل أهم ما يمكن أن نلاحظه هو أن الاتفاقية لم تقدم حقوقاً مفصلة وهامة لحماية الطفل اللاجىء.
ثالثا : الحقوق الخاصة التي يتمتع بها الطفل في الاتفاقية.
حقوق الطفل الخاصة المنصوص عليها في الاتفاقية عديدة ومتنوعة، بعضها يجعل الطفل موضوعا للحماية وبعضها يجعل الطفل حائزا لها ومتصرفا فيها لا قيود ترد على حريته في التحرك والتصرف وهي حقوق تفرضها الاتفاقية تارة على الأسرة أو على الوالدين وتارة على السلطات العامة والدولة وتارة ثالثة على المجتمع الدولي ومن هذه الحقوق الخاصة :
I– حماية الطفل في مجال العمل.
لقد عالجت الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل مسألة عمل الأطفال في مادة وحيدة الثانية والثلاثون والتي تعترف بحق الطفل في الحماية من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء عمل يرجح أن يكون خطيراً أو يمثل إعاقة لتعليمه أو يضر بصحته أو بنموه وتلزم الدول باتخاذ التدابير الشرعية التي تكفل هذا الحق.
وكما أكدنا سابقاً فالأطفال الذين يشتغلون في سن مبكرة معرضون لخوض تجربة الهجرة السرية نظراً للظروف القاسية التي يعانونها في مجال العمل(1)، أما بالنسبة للأطفال القاصرين الموجودين في أوربا فهم يشتغلون في سن مبكرة وفي أسوء الظروف في الضيعات الفلاحية.
II– تحريم اختطاف الأطفال.
لا أحد يجادل في وجود تجارة رائجة للأطفال في العالم بهدف استخدامهم في الأعمال والمهن المختلفة أو استخدامهم في ممارسة الدعارة.
ولمعالجة ظاهرة اختطاف الأطفال عبر العالم ([138])، جاء في اتفاقية حقوق الطفل في مادتها الخامسة والثلاثون أنه يمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الإتجار بهم لأي غرض من الأغراض وبأي شكل من الأشكال وتدعو الدول الأطراف في الاتفاقية إلى اتخاذ جميع التدابير على المستوى الوطني والثنائي والدولي لحضر هذه التصرفات.
وإذا كانت الاتفاقية لم تعمل على التجريم الدولي لهذه الظاهرة الخطيرة فإنها عملت على إصدار البروتوكول الإختياري الملحق بالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية لـ 25 ماي 2000([139]).
III– حق الطفل في إعادة التأهيل.
قد يتعرض الطفل للإهمال أو الاستغلال أو التعذيب مما يؤثر بشكل سلبي على صحته وعلى نفسيته ونموه، لذلك ألزمت الاتفاقية الدول على اتخاذ التدابير المناسبة لإعادة التأهيل البدني والنفسي([140])، وإعادة التأهيل يساهم في إعادة الثقة والطمأنينة لنفسية الطفل ويجنبه الوقوع في براثن الإحباط والعقد النفسية ويساعده على تجاوز المحنة التي عصفت به.
ويعتبر الطفل الذي خاض تجربة الهجرة السرية أولى بالحماية من أجل إعادة تأهيله وإدماجه بعد تجربة صعبة وقاسية سواء في مرحلة العبور أو خلال المقام في الديار الأوربية.
IV– حق الطفل في سماع رأيه في جميع المسائل التي تمس حياته.
تدعو المادة الثانية عشرة من الاتفاقية الدول الأطراف إلى كفالة حق الطفل في التعبير عن آرائه في جميع المسائل التي تمس حياته وينبغي على وجه الخصوص إتاحة الفرصة للطفل للإستماع إليه في أية إجراءات قضائية أو إدارية تمسه سواء بطريق مباشر أو من خلال ممثل أو هيئة ملائمة، وهذا المقتضى يجب تطبيقه على الأطفال القاصرين المغاربة في إسبانيا خاصة عندما تقوم السلطات بترحيلهم نحو المغرب ضدا عن إرادتهم([141]).
يتبين مما سبق أن الاتفاقية ركزت على معظم المشاكل التي تعاني منها الطفولة دون أن تبحث أو تتعمق في الأسباب التي تؤدي إليها، وتعمل على ضرورة علاجها فالاتفاقية تتعامل مع النتائج دون التطرق إلى الأسباب المؤدية إليها، كما تتحدث عن مركز الطفل اللاجئ دون البحث وعلاج الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة، والحلول الواجب إتباعها للقضاء على ظاهرة اللجوء وإعادة اللاجئين إلى أوطانهم.
وعلى الرغم مما توحي به نصوص الاتفاقية من إحاطتها بكافة حقوق الطفل فإن النظرة المتفحصة تظهر إغفال بعض هذه الحقوق كحقوق الطفل الأجنبي، وحقوق الأطفال المهاجرين صحبة أسرهم.
كذلك كان من الواجب اعتبار بعض الممارسات اللإنسانية التي يتعرض لها الأطفال بمثابة جرائم دولية توجب محاكمة وملاحقة مرتكبيها على المستوى الدولي، ومن أمثلة هذه الممارسات اختطاف الأطفال ونقلهم إلى الخارج أو الاتجار بهم أو استغلالهم في الدعارة أو استخدام أجسادهم كقطع غيار بشرية وكذلك المساعدة على هجرتهم سريا.
وإذا كانت الاتفاقية تحث الدول على أن تحترم الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمينها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز([142]) بغض النظر عن لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي، فإن الدول لا تتخذ جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز وهذا ما يجسده الواقع.
يتبين مما سبق أن اتفاقية حقوق الطفل لا تتضمن أي مقتضى يخص الأطفال القاصرين المهاجرين سرياً، وذلك راجع لأن الظاهرة ظهرت بعد صدور الاتفاقية، وهذا ما أصبح يستلزم ضرورة التدخل لمواجهتها وذلك بإصدار بروتوكول اختياري ملحق بالاتفاقية يعالج ظاهرة هجرة القاصرين بتفصيل.
وفي الأخير نؤكد بأن الاتفاقية تعتبر مصدر التزام دولي بالنسبة للدول الموقعة عليها خاصة المغرب، إسبانيا و إيطاليا الدول المعنية بظاهرة الهجرة السرية ولذلك فهي ملزمة بضرورة إعمال مقتضيات هذه الاتفاقية من أجل تمتيع الأطفال القاصرين المهاجرين سرياً على الأقل بالحقوق العامة المضمنة بهذه الاتفاقية.
الفقرة الثانية : البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الاباحية ([143]).
إزاء القلق الذي يساور الدول تجاه الإتجار بالأطفال الواسع النطاق والمتزايد من خلال بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية وإزاء الممارسة المنتشرة المتمثلة في السياحة الجنسية التي يتعرض لها الأطفال، بادر المنتظم الدولي إلى إصدار بروتوكول اختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية.
وقبل تحليل مقتضيات البروتوكول نشير إلى أنه يقصد ببيع الأطفال في البروتوكول، أي فعل أو تعامل يتم بمقتضاه نقل طفل من جانب أي شخص أو مجموعة من الأشخاص إلى شخص آخر لقاء مكافأة([144]).
ويقصد باستغلال الأطفال في البغاء استخدام طفل لغرض أنشطة جنسية لقاء مكافأة ([145]).
أما استغلال الأطفال في المواد الإباحية فيقصد بها تصوير أي طفل بأي وسيلة كانت يمارس ممارسة حقيقة أو بالمحاكاة أنشطة جنسية صريحة أو أي تصوير للأعضاء الجنسية للطفل لإشباع الرغبة الجنسية أساساً.
و لأجل الحد من هذه الأفعال الماسة بكرامة وحقوق الأطفال ينص البروتوكول على أن تجرم كل دولة طرف هذه الأفعال بموجب قانونها الجنائي ([146])، وحسنا فعل البروتوكول عندما عمل على تجريم هذه الأفعال حتى لا تضل خارج دائرة العقاب.
ومن أجل الكشف عن مرتكبي هذه الأفعال في حق الأطفال يركز البروتوكول على الدول من أجل تقديم أقصى قدر من المساعدة إلى بعضها البعض فيما يتعلق بعمليات التحقيق أو الإجراءات الجنائية في الجرائم المرتكبة على الأطفال ([147]) .
وكذلك من أجل ضمان حماية للأطفال ضحايا هذه الجرائم، يحث البروتوكول الدول الأطراف على اتخاذ التدابير المناسبة، لحماية حقوق الأطفال الضحايا([148]) وذلك بإعلامهم بحقوقهم وتوفير خدمات المساندة الملائمة للأطفال الضحايا طيلة سير الإجراءات القانونية وحماية خصوصيات وهوية الأطفال الضحايا واتخاذ التدابير اللازمة لتجنب نشر معلومات يمكن أن تفضي إلى التعرف على هؤلاء الأطفال.
كما يحث البروتوكول، على أن تتخذ الدول الأطراف كل الخطوات اللازمة لتقوية التعارف الدولي، عن طريق الترتيبات الثنائية والمتعددة الأطراف والإقليمية لتسهيل كشف وتحري ومقاضاة ومعاقبة الجهات المسؤولة عن أفعال تنطوي على بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية والسياحة الجنسية، كما تعزز الدول الأطراف التعاون والتنسيق الدوليين بين سلطاتها والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية والمنظمات الدولية(1).
وضمانا لحماية أفضل للأطفال ضحايا هذه الجرائم، نص البروتوكول على تعزيز التعاون الدولي لمساعدة هذه الفئة على الشفاء البدني والنفسي وإعادة إدماجهم في المجتمع وإعادتهم إلى أوطانهم.
لكن يبدو أن البروتوكول الإختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية اكتفى بالإشارة إلى القلق الذي يساور المجتمع الدولي من استغلال الأطفال في الإتجار الدولي الذي أصبحت رقعته تتسع يوما بعد يوم خاصة في السياحة الجنسية ولم يأت بمقتضات فعالة تلزم الدول باتخاذ إجراءات صارمة تجاه العصابات التي تجني الملايير على حساب كرامة وبراءة الأطفال.
المطلـب الثانـي
الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.
من أجل إقرار معايير دولية لحماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم يكون معترفا بها من طرف جميع الدول، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (الفقرة الأولى) ولمواجهة العصابات الدولية التي تتخذ من الإتجار في البشر نشاطا لها وتجني من وراء ذلك الملايين قام المجتمع الدولي برد فعل إيجابي حول هذه المعضلة بإصدار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
ثمة حقيقة أساسية لا بد من الإقرار بها وهي أن التعامل مع إشكالية الهجرة يستلزم بالضرورة الإنطلاق من المنظور الحقوقي وذلك باستحضار البعد الإنساني في نسقه الكوني والشمولي.
و يبدو جليا أن هناك قناعة راسخة لدى جميع المتدخلين والفاعلين في موضوع الهجرة بأن المقاربة الأمنية وحدها ليست كافية لمعالجة قضايا الهجرة في إطارها العام ([149]).
وتبعاً لذلك فقد أصبح من اللازم إعادة النظر في هذه المقاربة وإغنائها برؤية جديدة تستند أساساً على مرتكزات قانونية وحقوقية.
فالهجرة في مفهومها الشامل ظاهرة كونية ليست وقفاً على بلد دون آخر أو زمن من دون آخر، وهي لا تعني المغرب وحده ولكنها تعني كل بلدان العالم تقريباً ومنذ ولد الإنسان وهو يسعى في أرض الله الواسعة، بحثا عن ينابيع العلم والمعرفة لإكتشاف أفق أفضل وواقع أحسن يحضى فيهما بالعيش بكرامة متمتعاً بكل حقوقه الإنسانية.
وعلى امتداد السنوات والأجيال عرفت الهجرة في كل أنحاء المعمور خطاً بيانياً تصاعديا مازال متواصلاً حتى الآن بل إنه مرشح للإرتفاع اليوم أكثر من أي وقت مضى.
والهجرة التي هي ظاهرة كونية طبيعية لكل المخلوقات تجمع بين الخير والشر، أحيانا تكون عدواناً يجب مقاومته ([150]) والتصدي له وأحياناً أخرى ذات منافع للبلد الأجنبي([151]) أو للبلد الأصلي ([152]).
فالهجرة إذن سلاح ذو حدين ينبغي أن نعرف كيف نستعمله أو كما قال عنها الأمين العام للأمم المتحدة السيد "كوفي عنان"، بأنها ظاهرة محتومة، وهي جزء هام من الحل([153]) أو بعبارة أخرى، فإن المهاجرين جزء من الحل وليسوا جزءاً من المشكلة، ويجب ألا يكون المهاجرين كبش فداء لطائفة عريضة من المساوىء الاجتماعية.
كل هذه الأسباب جعلت المنتظم الدولي يهتم بقضايا الهجرة وهكذا اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم ([154]) بقرار رقم 158/45 بتاريخ 18 دجنبر 1990، دخلت حيز التنفيذ بعد مصادقة الدولة العشرون بتاريخ 10 دجنبر 2002 حسب مقتضيات المادة 87 من الاتفاقية.
لقد حاولت الاتفاقية إقرار معايير دولية لحماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم يكون معترفًا بها من طرف جميع الدول لتكون وسيلة لتشجيع الدول التي لا تتوفر على معايير دولية على ملائمة تشريعاتها مع المعايير المتعارف عليها دوليا.
لذلك عملت الاتفاقية([155]) على التعريف بالعامل المهاجر وفئات العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، ونصت على عدة حقوق من أجل ضمان حماية الحقوق الأساسية للمهاجرين سواء كانوا في وضعية قانونية أم لا.
إن هذه الاتفاقية بموادها الثلاثة والتسعون، تجسد الصيغة الأنسب والأكثر ملائمة لتثبيت احترام حقوق المهاجرين عملياً وميدانياً إذا ما تم المصادقة عليها من طرف كل الدول المعنية بقضايا الهجرة خاصة الدول الأوربية وإذا ما تم الوفاء لروحها نصاً وجوهراً.
لقد جاء في ديباجة هذه الاتفاقية أن الدول الأطراف تضع في اعتبارها حالة الضعف التي كثيراً ما يوجد العمال المهاجرون وأفراد أسرهم فيها بسبب أمور منها بعدهم عن دولة المنشأ([156]) والصعوبات التي يمكن أن تصادفهم والناشئة عن وجودهم في دولة العمل.
و تأخذ الدول المصادقة على الاتفاقية في الاعتبار أن الهجرة غالباً ما تكون السبب في نشوء مشاكل خطيرة لأفراد أسر العمال المهاجرين وكذلك العمال أنفسهم خاصة بسبب تشتت الأسرة.
وتضع كذلك في اعتبارها أن المشاكل الإنسانية التي تنطوي عليها الهجرة تكون أجسم في حالة الهجرة غير النظامية، ولذلك فالدول الموقعة مقتنعة بضرورة تشجيع الإجراءات الملائمة بغية منع التنقلات السرية والإتجار بالعمال المهاجرين والقضاء عليها وفي الوقت نفسه تأمين حماية ما لهم من حقوق أساسية ([157]).
واعتباراً لكون العمال غير الحائزين للوثائق اللازمة أو الذين هم في وضع غير نظامي يستخدمون في أحيان كثيرة بشروط أقل مواتاة من شروط العمال الآخرين، وأن بعض أرباب العمال يجدون في ذلك ما يغريهم بالبحث عن هذا النوع من اليد العاملة بغية جني فوائد المنافسة غير العادلة، ولهذا فإن الدول ترى أن ما يثني عن اللجوء إلى استخدام العمال المهاجرين الذين هم في وضع غير نظامي هو أن يتم الاعتراف على نطاق أوسع بما لجميع العمال المهاجرين من الحقوق الأساسية . وأن منح بعض الحقوق الإضافية لمن يكونون في وضع غير نظامي من العمال المهاجرين وأفراد أسرهم سيشجع جميع العمال المهاجرين وأرباب العمل على احترام القوانين والإجراءات التي أقرتها الدول المعنية وعلى الإمتثال لها.
إن ما يميز هذه الاتفاقية كونها تنطبق على جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم دون تمييز من أي نوع مثل التمييز بسبب الجنس أو العنصر أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الجنسية أو الوضع الإقتصادي أو الحالة الزوجية أو أي حالة أخرى.
وكذلك يمكن تطبيق هذه الاتفاقية في جميع مراحل عملية الهجرة وتشمل التحضير للهجرة والمغادرة والعبور وفترة الإقامة بكاملها([158]) .
إلا أن هذه الاتفاقية ميزت في الحقوق بين المهاجرين النظاميين والغير النظاميين فنصت على حقوق يتمتع بها جميع المهاجرين بغض النظر عن حالتهم القانونية وسمتها حقوق الإنسان لجميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم ( أولا ) ونصت على حقوق أخرى أكثر أهمية يتمتع بها المهاجرون النظاميون وطوائف أخرى من العمال المهاجرين.
وإدراكاً منها بأن المهاجرين السريين هم ضحايا الظروف الإقتصادية والإجتماعية وعصابات منظمة فقد قررت آليات لمعالجة هذه الظاهرة( ثانيا).
أولا : حقوق الإنسان لجميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
نصت الاتفاقية في جزئها الثالث على بعض الحقوق الأساسية وسمتها حقوق الإنسان لجميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
وعليه فقد أكدت الاتفاقية على تمتع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم بالحرية في مغادرة أي دولة([159]) ولا يخضع هذا الحق لأية قيود باستثناء القيود التي ينص عليها القانون أو النظام العام ولهم الحق في دخول دولة منشئهم والبقاء فيها ([160]).
وضمانا لحق الحياة نصت الاتفاقية على عدم تعريض المهاجرين أو أي فرد من أفراد أسرتهم([161]) للتعذيب أو العقوبة القاسية ([162]) وعلى ألا يعرضوا للإسترقاق والإستعباد ([163]).
كما ضمنت الاتفاقية للمهاجرين وأفراد أسرهم الحق في حرية الفكر والضمير والدين([164]) وحرية التعبير([165]).
وحماية للحياة الخاصة للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم نصت الاتفاقية على عدم تعريض المهاجر للتدخل التعسفي أو غير المشروع في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته أو إتصالاته الأخرى أولإعتداءات غير قانونية على شرفه وسمعته([166]).
ومن أجل ضمان الحق في الحرية والسلامة الشخصية للمهاجرين نصت الاتفاقية على أن عملية التحقق من هوية العمال المهاجرين التي يقوم بها الموظفون يجب أن تجري وفقاً للقانون ([167]) وعلى أن لايعرض المهاجرون فردياً أو جماعياً للقبض عليهم أو احتجازهم تعسفاً و لا يحرمون من حريتهم طبقاً للقانون ([168]) .
أما إذا ارتكب العمال المهاجرين أفعال مجرمة ([169]) قانوناً فقد نصت الاتفاقية على ضمان حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة .
وإذا خرق المهاجر الأحكام المتعلقة بالهجرة وتم حجزه سواء في دولة العبور أو في دولة العمل، فيجب وضعه بمعزل عن الأشخاص المدانين أو الأشخاص المحتجزين رهن المحاكمة كلما كان ذلك ممكناً عملياً ([170]).
وحرصا على حقوق المهاجرين و أفراد أسرهم نصت الاتفاقية على عدم جواز تعرضهم لإجراءات الطرد الجماعي وعلى أن ينظر ويبث في كل قضية طرد على حدة.
وفي جميع الحالات يتمتع المهاجرون بالحق في اللجوء إلى الحماية والمساعدة من السلطات القنصلية أو الدبلوماسية لدولتهم الأصلية كلما حدث مساس بالحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية ([171]).
واهتماماً بصحة المهاجرين تنص الاتفاقية على تمتعهم بالحق في تلقي العناية الطبية التي تكون مطلوبة بصورة عاجلة لحفظ حياتهم وسلامة صحتهم وذلك على أساس المساواة في المعاملة مع رعايا الدولة المعنية ولا يحرم من هذه العناية الطبية بسبب أي مخالفة فيما يتعلق بالإقامة والإستخدام ([172]).
وفيما يخص حقوق الطفل الأساسية وحماية لمصلحته الفضلى تنص الاتفاقية على أن لكل طفل من أطفال العمال المهاجرين الحق في الحصول على إسم وفي تسجيل ولادته وفي الحصول على جنسيته([173])
كذلك بالنسبة للحق في التعليم، نصت الاتفاقية على أن لكل طفل من أطفال المهاجرين الحق في التعليم، و لا يجوز رفض أو تقييد إمكانية الإلتحاق بالمؤسسات الحكومية للتعليم قبل المدرسي أو بالمدارس بسبب الوضع غير النظامي من حيث الإقامة أو الإستخدام لأي من الأبوين أو بسبب الوضع غير النظامي لإقامة الطفل في دولة العمل([174]).
وتكريسا لحقوق الطفل نصت الاتفاقية على أنه في حالة الحكم على الحدث المهاجر بعقوبة سجنية يجب أن يكون الهدف منها هو الإصلاح والتأهيل، وبعزل الأحداث عن الراشدين ومعاملتهم معاملة تليق بعمرهم وبوضعهم القانوني ([175]).
واحتراما للهوية الثقافية للمهاجرين وأفراد أسرهم نصت الإتفاقية على عدم منع المهاجرين من الإحتفاظ بوشائجهم الثقافية مع دولة منشأهم ([176]).
لكن إذا كانت هذه الحقوق خصصتها الاتفاقية لجميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم بغض النظر عن وضعهم القانوني أو غير القانوني فإنها قد ميزت العمال المهاجرين النظاميين وأفراد أسرهم وخصتهم بحقوق أكثر تفصيلا وأهمية ([177]).
ثانيا : تعزيز التعاون الدولي في مجال الهجرة.
تدعو الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم الدول إلى التشاور فيما بينها وذلك بتعزيز التعاون الدولي من أجل تنمية الهجرة النظامية(I) وكذلك بتعزيز التعاون من أجل محاربة الهجرة غير النظامية (II).
I-دعم الهجرة المشروعة.
إدراكاً من الإتفاقية بأن محاربة الهجرة غير المشروعة تقتضي دعم الهجرة المشروعة، لذلك أكدت على ضرورة التشاور والتعاون بين الدول بهدف تعزيز الظروف السليمة والعادلة والإنسانية فيما يتعلق بالهجرة الدولية للعمال وأفراد أسرهم.
وفي هذا التشاور تحث الاتفاقية على إيلاء الإعتبار ليس فقط للإحتياجات والموارد من اليد العاملة بل أيضاً للإحتياجات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية للعمال ومن أجل ذلك تنص على بذل المجهودات التالية :
– التعاون من أجل وضع سياسات متعلقة بالهجرة وتشمل تبادل المعلومات مع السلطات المختصة في الدول الأطراف المعنية ([178])، وتوفير المعلومات المناسبة وخصوصاً لأرباب العمل والعمال ومنظماتهم، بشأن الإتفاقيات المبرمة مع دول أخرى بشأن الهجرة ([179]).
– ضرورة تعاون الدول الأطراف فيما يتعلق بالعمال المهاجرين وأفراد أسرهم الذين هم في وضع نظامي حسب الإقتضاء بشروط تتفق عليها تلك الدول بغية العمل على إيجاد أحوال إقتصادية مناسبة لاستقرارهم من جديد وعلى تسهيل إعادة إدماجهم إدماجا اجتماعياً وثقافياً دائماً في دولة المنشأ([180]).
II – تعزيز التعاون الدولي من أجل محاربة الهجرة الغير المشروعة.
إدراكاً من الاتفاقية بكون المهاجرين السريين يستغلون من طرف شبكات متخصصة تجني الملايين من ورائهم وكذلك بكونهم يستغلون من طرف أرباب العمل حيث يتم استخدامهم في أوضاع سيئة ودون احترام القوانين والضوابط لذلك ركزت الإتفاقية على ضرورة التعاون بين الدول المعنية من أجل اعتماد تدابير مشتركة للحد من ظاهرة الهجرة السرية ومن هذه التدابير:
– ضرورة التعاون بين الدول المعنية من أجل اعتماد تدابير تتعلق بالعودة المنضمة للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم إلى دولة المنشأ عندما يقررون العودة أو ينتهي إذن إقامتهم أو عملهم أو عندما يكونون في دولة العمل في وضع غير نظامي.
ومن أجل منع ووقف عمليات التنقل والإستخدام غير القانونية أو السرية للعمال المهاجرين الذين هم في وضع غير نظامي، تتعاون الدول الأطراف بما في ذلك دول العبور، وتشمل التدابير الواجب اتخاذها لتحقيق هذه الغاية في إطار ولاية كل دولة من الدول المعنية ما يلي:
– اتخاذ تدابير ملائمة لمنع نشر المعلومات المضللة المتصلة بالهجرة خروجاً ودخولاً ([181]).
– تدابير للكشف عن التنقلات غير القانونية أو السرية للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم والقضاء عليها، وفرض جزاءات فعالة على الأشخاص أو الجماعات أو الكيانات "العصابات المتخصصة" التي تدير مثل هذه التنقلات أو يساعدون على تنظيمها أو إدارتها والتي لها فروع في الدول المصدرة والمستقبلة للهجرة ([182]).
– تدابير لفرض جزاءات فعالة على الأشخاص أو الجماعات أو الكيانات الذين يستخدمون العنف أو التهديد أو التخويف ضد العمال المهاجرين وأفراد أسرهم الذين هم في وضع غير نظامي([183])،
– ضرورة إتخاذ دول العمل جميع التدابير الملائمة والفعالة التي تكفل في أراضيها وقف استخدام العمال المهاجرين الذين هم في وضع غير نظامي نظراً لأن أرباب العمل يستغلون العمال غير النظاميين أبشع استغلال، بما في ذلك القيام عند الاقتضاء بفرض الجزاءات على الذين يستخدمون مثل هؤلاء العمال([184]).
وتفرض الاتفاقية أن تتخذ الدول الأطراف حين يوجد على أراضيها عمال مهاجرين وأفراد أسرهم في وضع غير نظامي تدابير ملائمة لضمان عدم استمرارية الحالة ([185])، ولأجل ذلك تنص على أنه كلما نظرت الدول الأطراف المعنية في إمكانية تسوية وضع هؤلاء الأشخاص وفقاً للتشريع الوطني المنطبق وللإتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف، تؤخذ في الإعتبار الملائم ظروف دخولهم ومدة إقامتهم في دولة العمل والإعتبارات الأخرى ذات الصلة ولا سيما الإعتبارات المتصلة بحالتهم الأسرية([186]).
يتبين مما سبق أن الإتفاقية عملت على منح المهاجرين الغير النظاميين بعض الحقوق الأساسية التي تحفظ كرامتهم وإنسانيتهم، وحاولت التقليص من حجم الظاهرة وذلك عن طريق التعاون والتشاور بين الدول المعنية بآثار الهجرة، من خلال تبادل المعلومات ومحاولة إيجاد تدابير فعالة وقوانين تعاقب الشبكات المتخصصة في الهجرة والتي تغتني على حساب المهاجرين السريين، وكذلك إيجاد تدابير لمعاقبة ومواجهة أرباب العمل الذين يستغلون المهاجرين السريين وذلك بتشغيلهم في أسوء الحالات بأجور ضعيفة.
لكن يتبين أيضا أن الحقوق التي كرستها الاتفاقية للمهاجرين قليلة، كما أن أغلب هذه الحقوق جاءت عامة وغير مفصلة وكذلك لم تهتم بحقوق الأطفال المهاجرين سرياً ومع ذلك فإنه يجب تطبيق الحقوق المنصوص عليها في الجزء الثالث من هذه الاتفاقية والمعنون بحقوق الإنسان لجميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم على طائفة الأطفال القاصرين المغاربة الموجودين بأوربا من أجل حماية حقوقهم ومصالحهم الفضلى.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية حاولت حماية حقوق المهاجرين السريين وعملت على محاربة الهجرة السرية، لكنن يبدو أنها ركزت في استراتيجيتها على الطابع الأمني والزجري ولم تعمل على البحث عن الأسباب التي تدفع المهاجرين للهجرة، إذ كان عليها أن تركز على المعالجة الشمولية للظاهرة([187]) من خلال العمل على إرساء دعائم تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة بالدول المصدرة للمهاجرين السريين.
لكن ما يثير الإنتباه هو أن هذه الاتفاقية لم تصادق عليها جل الدول الأوربية([188]) المستقبلة والمعنية بظاهرة الهجرة السرية([189])، وبالتالي فقد أصبح ضرورياً انضمام هذه الدول إلى هذه الإتفاقية إن هي أرادت التعاون في مجال الهجرة ومحاربتها.
وعلى قلة الحقوق الواردة في هذه الاتفاقية وعموميتها، فإن الدول الموقعة عليها ملزمة بإعمال وتفعيل مقتضياتها من أجل صيانة حقوق وكرامة الإنسان المهاجر([190]).
الفقرة الثانية : اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة وبروتوكولها المكمل المتعلق بمكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو .المنظمة
تعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة الإطار العام لكل الجرائم المنظمة ومنها الجرائم المرتبطة بالهجرة السرية(أولا)، وقد ألحقت هذه الاتفاقية ببروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو (ثانيا).
أولا : اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة .
إن الجريمة في صورتها المألوفة، كانت معزولة حبيسة البلد الواحد تستطيع كل دولة بمعزل عن باقي الدول الأخرى معالجتها بالوسائل القانونية الداخلية، فهي شأن محلي صرف إلا أن هذه الجريمة، أخذت تأخذ بعدها الدولي شيئاً فشيئاً، بسبب الإنفتاح الذي عرفته هذه الجريمة الدولية وسهولة الانتقال.
فكانت الفرصة مواتية لتأخذ الجريمة المنظمة مظهرا آخر فأصبحت ظاهرة تتخطى حدود الدولة بسرعة وأصبح موضوع الإهتمام بها ليس شانا محليا ([191]).
ومن بين المجالات التي تنشط فيها العصابات الإجرامية في الجريمة الدولية المنظمة الهجرة السرية.
إن ظاهرة الهجرة شغلت العالم المعاصر سواء في الدول المتقدمة أو الفقيرة، لأن طبيعة الحياة تسمح بأن يحلم الشباب والأطفال من دول العالم الثالث بشد الرحال إلى أوربا حيث الجنة الموعودة كما يحلولهم أن يتخيلوا.
وفي خضم هذه التفاعلات ازدهرت حركة الهجرة غير المشروعة وفتح المجال واسعاً أمام المهربين, لتصبح هذه الهجرة صناعة مربحة تدر على هؤلاء أرباحا خيالية قد تصل حسب بعض التقديرات إلى عشرة مليارات من الدولارات ([192]) يتقاسمها المهربون والسماسرة ومن يشاركهم من رجال القرار وأغلبهم من أوربا.
إن هذه العصابات المنظمة تزاوج نشاطها بين المخدرات والهجرة السرية، وما يؤكد هذا الطرح هو أن أغلب القوارب المغادرة للمغرب في إتجاه إسبانيا تحمل على متنها المخدرات إلى جانب المرشحين للهجرة.
وأمام هذا الوضع المأسوي فإن المجتمع الدولي قام برد فعل إيجابي تجاه هذه المعضلة، وعقد رؤساء الدول ورؤساء الحكومات والوزراء خلال ثلاثة أيام من دجنبر 2000 مؤتمرا بباليرمو بصقلية أفرز معاهدة دولية وقعها ممثلون عن مائة وأربعة وعشرين (124) دولة أطلق عليها " اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة " ([193]).
وفي تقدير المهتمين فإن أية معاهدة تبنتها منظمة الأمم المتحدة لم تحظى بهذا العدد الكبير من الموقعين عليها، إذ كان المناخ الذي يسود العالم مهيئاً لذلك فقد سبق الحماس هذا التوقيع وساد شعور عام لدى دول العالم بضرورة إبرام مثل هذه المعاهدة، ولذلك صيغت بنود هذه الاتفاقية في وقت قياسي، كما أن مناقشتها لم تتطلب الكثير من الجهد والعناء المألوف في المعاهدات الدولية فتمت المصادقة عليها بكثير من اليسر([194]).
ومن بين الملامح الكبرى لهذه الاتفاقية، أنها تعتبر الإطار العام لكل الجرائم المنظمة عبر الوطنية، التي تشكل خطراً كبيراً على المجتمع الدولي إذ يمكن تطبيقها في مجال المخدرات والإرهاب والهجرة السرية والإتجار في البشر.
كما اهتمت المعاهدة في الوجه الآخر لها بالجانب التعاوني وخصصت مقتضيات لشؤون المساعدة القانونية المتبادلة، بحيث أبدعت مجموعة كبيرة من الأساليب العملية التي تساعد على مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ومنها على الخصوص، القواعد المتعلقة بالجمعيات والتنقل الإلكتروني وإجراءات من شأنها حماية الشهود الذين قد يتعرضون للترهيب والتخويف، كما سمحت باستعمال التقنيات الحديثة في الإثبات كشبكات الفيديو وغيرها.
وتتضمن هذه المعاهدة عناصر جديدة تعكس التفكير جليا في كيفية مكافحة الجريمة المنظمة، و لأول مرة نجد مقتضيات تتعلق بالوقاية من الجريمة، كما ربطت هذه الاتفاقية بصفة واضحة الجريمة بآفة الفقر كما علق الموقعون على هذه الاتفاقية الأهمية القصوى على الرأي العام في الوقاية من الجريمة ([195]).
و مع ذلك فالهجرة السرية، تظهر صورة مأساوية لشباب وأطفال يموتون غرقاً، البعض منهم ترمي به البحار، والبعض الآخر يكونون لقمة سائغة للحيثان وفئة أخرى يلقون حتفهم بسبب اختناقهم في الشاحنات التي يختبئون فيها خوفا من سطوة القانون، أما الناجون فهم قلة محظوظة فكثيراً ما يجدون أنفسهم تحت رحمة أرباب العمل وهؤلاء أيضاً من قساة القلوب ومصاصي الدماء البشرية، مما يجعل هؤلاء الصبية المهاجرين مضطهدين يضطرون إلى امتهان أبشع الأعمال واحتراف الدعارة كشكل جديد للعبودية.
لذلك فمحاربة الهجرة غير الشرعية يجب أن تكون جزءاً من خطة أكثر شمولية ، فيكفي من الضجيج الإعلامي الذي يصاحب ترحيل مجموعة من المرشحين للهجرة إلى بلدانهم والسكوت عن مدبري ورؤساء الشبكات التي تغتني من هذه الهجرة لأن هذا الصخب ينسينا موطن الخطورة في الهجرة السرية، وهي الضرب بصرامة على هؤلاء المدبرين وليس الهدف هو المهاجرون الذين يوصمون بالإحتقار ويعاملون معاملة تجردهم من إنسانيتهم فهم ليسوا مجرمين فهم كادحون تحدوا الفقر ويريدون فرصة عادلة وهي الرسالة التي يتعين على المجتمع الدولي أن يفهمها.([196])
يتبين مما سبق أن هذه الاتفاقية تعتبر المحور الأساسي لاستراتيجية دولية لمكافحة الجريمة المنظمة، فمقتضياتها تعتبر آليات ترسى عليها الأهداف التي يتعين على الدول أن تتضافر فيما بينها لفائدة الإنسانية وتشكل هذه المعايير أيضا قاعدة صلبة للتعاون الدولي، و لتعزيز هذه الإتفاقية صدر بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البحر والجو والبر.
ثانيا : بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ([197]).
برزت في السنوات الأخيرة تجارة البشر التي ازدهرت بفضل نشاط المافيا بنقل النساء والفتيات والأطفال إلى الدول المتقدمة لاستغلالهم في أبشع الصور التي يندى لها الجبين، وهذا النوع من التجارة المربحة ليس مقصوراً على هذه الدولة دون الأخرى بل أصبح يجتاح كل الدول.
لقد انتهكت مافيا الإتجار في الأشخاص براءة الأطفال وحقوقهم وأجسامهم مستغلة في ذلك ظروفهم الصعبة، واغتصبت أجسادهم دون أن تدرك عقول الأطفال خطورة ما يحدث لأجسامهم فهذه العصابات تقوم باستغلال الأطفال في جميع أوجه الإستغلال فتقدمهم لقمة صائغة في عالم البغاء وتصورهم في أوضاع مشينة لتسويق أجسادهم لتقديم المتعة للمعقدين والمكبوتين جنسياً.
والمغرب بدوره لا يخرج عن الدائرة بل يحتل الصدارة في الهجرة التي لا تخلو من الإتجار في البشر في صور متعددة مشينة خاصة الأطفال من خلال استغلالهم في الفساد أو جعلهم عبيداً في الضيعات الإسبانية.
أمام هذا الوضع المأسوي، قام المنتظم الدولي بإصدار بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، يروم منع ومكافحة تهريب المهاجرين وذلك بتعزيز التعاون بين الدول الأطراف ([198]).
من أجل ذلك يبيح البروتوكول اعتلاء السفن وتفتيشها وتقديم عناصر مافيا التهريب إلى القضاء الجنائي.
كما يؤكد هذا البروتوكول على ضرورة وضع مخطط شامل بما في ذلك التعاون وتبادل المعلومات واتخاذ تدابير مناسبة اجتماعية واقتصادية مع الحث على معالجة الأسباب الجذرية للهجرة ومنها خاصة آفة الفقر وازدياد تهريب المهاجرين وانتشار الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
وإذا تأملنا بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية تتضح لنا بوضوح الفجوة في معالجة المشكلة([199])، إذ أن البلدان الأوربية دفعت القضية برمتها إلى حماية مصالحها الاقتصادية وأمنها الحدودي من خطر المهاجرين دون النظر في طرف الخيط الأول الذي يقود الشباب والأطفال إلى هذه الصلابة في مواجهة الموت من أجل الوصول إلى الأراضي الأوربية.
يتبين مما سبق أن أحدا لم ينتبه إلى أن الحلول الأمنية وحدها تفتح الباب للمزيد من التحايل والابتكارات في وسائل التهجير، كما أن المواجهة البوليسية لا تحول بين الشباب والأطفال وبين الموت ولا تضمن الراحة لخفر السواحل في أوربا و لا توهن عزائم الذين قرروا المغامرة بحثاً عن حياة أفضل، وربما بات على الأوربيون والأفارقة من أطراف الشراكة أن يبحثوا اليوم عن مخرج اجتماعي واقتصادي واستثمارات جديدة ([200]) ومشروعات مشتركة في المنطقة و العمل على إنفاق ملايين خفر السواحل على المشاريع الاقتصادية والاجتماعية لفتح أبواب الفرص للجميع لوقف رحلات الموت في البحر.
المبحـث الثانـي
الاتفــاقيات الثنــائية
لا ينحصر الإهتمام الدولي بالهجرة في الإطار الجماعي من خلال الإتفاقيات المتعددة الأطراف، وإنما يتعداه ليشمل التعاون الثنائي الذي استطاع المغرب أن ينسجه كطرف معني مع عدد من الدول الأوربية باعتبار هذا الإطار هو الذي يتيح فرصا أكثر للتشاور والتباحث والتنسيق على أعلى مستوى مقارنة بالإطار الجماعي من حيث تباين المواقف والرؤى والخلفيات وتعدد القضايا الخلافية التي من شأنها إعاقة التوصل إلى توافقات وإعلانات مشتركة.
وبالنظر إلى تعدد التعاون الثنائي الأورمتوسطي سنعمل على دراسة مذكرة التفاهم المغربية الإسبانية حول ترحيل القاصرين المغاربة (المطلب الأول) على اعتبار أن الدولتين هما المعنيين بالظاهرة ولأن هذه المذكرة تمس ظاهرة هجرة القاصرين المغاربة بصفة خاصة، وبعد ذلك سنعمل على دراسة باقي الاتفاقيات الثنائية التي نسجها المغرب مع باقي الدول الأوربية المعنية بالهجرة السرية( المطلب الثاني).
المطلـب الأول
مذكرة التفاهم المغربية الإسبانية حول ترحيل القاصرين المغاربة.
من أجل دراسة التأسيس القانوني لمذكرة التفاهم المغربية الإسبانية حول ترحيل القاصرين ومدى تطابقها مع مقتضيات المواثيق والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل وكذا القوانين والأنظمة الداخلية للمغرب وإسبانيا سنحاول البحث في السياق العام الذي أُنْتِجَتْ في خضمه مذكرة التفاهم(الفقرة الأولى) وبعد ذلك سنحاول تقييم المذكرة من حيث المضمون ومن حيث ردود الفعل (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : السياق العام لمذكرة التفاهم المغربية الإسبانية.
انطلاقا من النصف الثاني لتسعينات القرن الماضي شهدت إسبانيا تصاعد الهجرة السرية من شمال إفريقيا خاصة من المغرب باستفحال قوارب الموت، إضافة إلى تزايد ظاهرة تهريب المخدرات، و في الآونة الأخيرة شهدت ظاهرة هجرة القاصرين المغاربة نحو إسبانيا ارتفاع مضطردا(1) بحيث يتواجد حوالي خمسة آلاف (5000) قاصر مغربي منهم من يوجد في حالة تشرد في شوارع المدن الإسبانية ومنهم من يوجد في مراكز الرعاية والتكوين.
وفي الجانب المغربي أدت الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المتردية، إضافة إلى ارتفاع نسبة النمو الديمغرافي وتنامي البطالة إلى تزايد الرغبة في الهجرة للخارج التي طالت حتى فئة الأطفال القاصرين.
ولمواجهة هذه الظاهرة اتجهت إسبانيا تدريجياً نحو التشدد في حراسة الشواطىء الجنوبية وممارسة الضغط على المغرب للانخراط في المقاربة الأمنية وقبول ترحيل القاصرين نحو المغرب، كما عملت إسبانيا كذلك على أوربة Europeanisation الأجندة الإسبانية في مكافحة الهجرة السرية من خلال أجهزة الإتحاد الأوربي .
كل هذه الظروف والملابسات أدت إلى توقيع المذكرة بتاريخ 23 دجنبر 2003 بشكل مفاجىء وسرعة متناهية، ناهيك عن دخولها حيز التنفيذ فور التوقيع عليها من كلا الطرفين، ففي الجانب الإسباني لم يتم استشارة الحقوقيين والمنظمات غير الحكومية الفاعلة في مجال الطفولة وكذلك لم يتم استشارة الحكومات المحلية لأقاليم الأندلس وكطالانيا باعتبارها المناطق التي تحتضن القاصرين المغاربة.
الفقرة الثانية : القيمة القانونية للمذكرة.
لقد خلق توقيع مذكرة التفاهم المغربية الإسبانية حول ترحيل القاصرين المغاربة ردود فعل قوية(ثانيا) وقبل الوقوف على هذه الردود سنحاول إلقاء نظرة في مضمون هذه المذكرة(أولا).
أولا : مضمون المذكرة.
يغلب على مذكرة التفاهم الجانب الإجرائي والمسطري، وهذا ما يتضح من خلال مقتضياتها التي تنص على أنه بمجرد إثبات هوية القاصر والتأكد من أنه مغربي يتم البدء في إجراءات ترحيله نحو بلده.
تنص المادة الثانية على أنه بمجرد التعرف على القاصر ترسل الوثائق المثبتة للجنسية وهويته إلى السلطات الحدودية وذلك من أجل ترحيله إلى بلده الأصلي.
في حين تنص المادة الرابعة على أنه يتعين على كل طرف إخبار الطرف الآخر على الفور بقرار الترحيل وكذلك بجميع المعلومات المسهلة لعملية الترحيل.
أما المادة الخامسة فقد نصت على أنه بناء على التزامات الطرفين تكون لجنة ملائمة مكونة من ممثلين عن كل المصالح المختصة في هذا المجال وتكون مكلفة بتقييم شروط الإستقبال وإدماج القاصر المرحل.
يبدو أن المذكرة تركز على إرجاع القاصرين المغاربة بسرعة متناهية وعلى قبول السلطات المغربية لهؤلاء القاصرين، وهكذا أصبحت السلطات الإسبانية تعمل على ترحيل القاصرين المغاربة إلى ميناء طنجة عبر بواخر المسافرين بحيث يتم تسليمهم لشرطة الحدود المغربية التي تسلمهم بدورها إلى مفوضية شرطة الميناء من أجل إتخاذ الإجراءات في حقهم.
ثانيا : ردود الفعل التي أعقبت توقيع المذكرة.
لقد جاءت مذكرة التفاهم المغربية الإسبانية حول ترحيل القاصرين بسرعة متناهية ودون استشارة المعنيين والفاعلين في مجال الطفولة والهجرة في البلدين، وهذا ما أدى إلى بروز ردود فعل قوية من فعاليات المجتمع المدني في البلدين بعد توقيع المذكرة.
– على مستوى المجتمع المدني الاسباني
جل الجمعيات الحقوقية بإسبانيا نددت بالمذكرة واعتبرتها خرقاً لحقوق الطفل.
من جانبه محامي الشعب بالأندلس "خوصي شاميتو" اعتبر المذكرة مضرة بحقوق الطفل،وفي نفس السياق أكدت " أنا بابون مارين" محامية عن جمعية فالينسيا لمساعدة اللاجئين (AVAR) أن المذكرة التي تقضي بإرجاع القاصرين إلى المغرب تغيب مصلحة الطفولة وتتناقض مع القوانين والتشريعات الدولية والإسبانية أيضاً(1).
ويؤكد المحامي والحقوقي بمدينة سبتة المحتلة " دومينغو بالديراما" أن الأمر يتعلق بظاهرة معقدة تفرض التحرك بحذر، ويضيف موضحاً أنه من المفيد التوضيح أن الأجانب القاصرين الذين يأتون إلى بلدنا بغض النظر عن الوسائل والأسباب هم قاصرون قبل أن يكونوا مهاجرين ومن واجب السلطات المختصة حمايتهم ورعايتهم وتمكينهم من أوراق الإقامة.
على مستوى المجتمع المدني المغربي.
أصدرت مجموعة الخيمة بإشبيلية و جمعية قوارب الحياة بالعرائش بيانا يؤكد أن الطرد غير القانوني للقاصرين لن يضع حدا للهجرة ويشير البيان كذلك إلى أنه تم إثبات أن ترحيل القاصرين يتم دون مراعاة المصلحة الفضلى للقاصرين ([201]) .
ومن جانبها عبرت مديرة مركز أنجال بتطوان([202]) عن استغرابها لكون مذكرة التفاهم خرقت مقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والقانون الإسباني لسنة 1996 المنسجم مع روح معاهدة الأمم المتحدة في مجال حقوق الطفل والذي يحدد واجب الإدارة الإسبانية في ضمان حماية أي قاصر يوجد فوق ترابها وعدم طرده و لا ترحيله إلا إذا كان مشروطاً بالتزام عائلته أو مراكز حماية الطفولة في البلد الأصلي للتكفل به ودون تعريض سلامة وصحة القاصر لأي نوع من الأخطار أو الأذى بما فيه الأذى النفسي([203]).
ملاحظات حول المذكرة.
بعد دراسة مذكرة التفاهم تبين معارضتها لاتفاقية حقوق الطفل وللقانون الإسباني و المغربي.
معارضة المذكرة لاتفاقية حقوق الطفل.
لقد أولت الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان أهمية خاصة للطفل اعتباراً لعدم نضجه البدني والعقلي، وبذلك تتفق كلها على أن للطفل الحق في رعاية ومساعدة خاصيتن وأن توضع مصلحته الفضلى فوق كل اعتبار، وهذا هو الهدف الأسمى الذي جاءت من أجله اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي تعتبر تتويجاً لكل المواثيق الدولية في الموضوع و المصادق عليها من طرف المملكتين المغربية و الإسبانية .
فالمادة الثالثة من اتفاقية حقوق الطفل تنص على أنه في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال يولي الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى، في حين نجد أن مذكرة التفاهم تنص على ترحيل القاصر دون التأكد من مصلحته الفضلى أين توجد.
أما المادة الثانية عشرة من اتفاقية حقوق الطفل فتبيح للطفل فرصة الاستماع إليه في أية إجراءات تمسه وهذا ما تم تجاهله في المذكرة حيث لا يتم الاستماع للطفل ولا استشارته في قرار ترحيله إلى بلده.
ولهذا فإن مصادقة البلدين على اتفاقية حقوق الطفل يعتبر التزام دولي من أجل صيانة حقوق الطفل والعمل على ملائمة قوانينهما الداخلية مع مقتضيات هذه الاتفاقية، وليس إصدار مذكرة تفاهم تتعارض مع بنود اتفاقية حقوق الطفل ومع الهدف الأساسي لها وهو حماية المصلحة الفضلى للطفل.
معارضة المذكرة للقانون الإسباني
ينص الفصل 172 من القانون المدني الإسباني على ضرورة توفير الرعاية لأي قاصر على التراب الإسباني يحتاج إلى الحماية.
وكذلك الفصل العاشر من قانون حماية القاصر الذي يؤكد أن للقاصرين الأجانب بإسبانيا الحق في التعليم والرعاية الصحية والاستفادة من الخدمات العامة حتى قبل الحصول على أوراق الإقامة.
إضافة إلى أنه لا يوجد أي نص في القوانين الإسبانية ينص على ترحيل القاصرين نحو بلدانهم الأصلية على عكس مقتضيات مذكرة التفاهم التي تؤكد إرجاع القاصرين المغاربة نحو بلدهم.
معارضة المذكرة للقانون المغربي
إذا كان المغرب بلد مصدر للهجرة فإنه أصبح في السنين الأخيرة بلد عبور يقصده الأفارقة الحالمين بدخول إسبانيا، ولمواجهة هذه الظاهرة أصدر المغرب القانون 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمغرب وبالهجرة غير المشروعة، هذا القانون يوفر ضمانات هامة للأجانب وخاصة للقاصرين الموجودين بالمغرب بطريقة غير شرعية.
فالمادة السابعة من هذا القانون تنص على أنه لا يمكن اتخاذ قرار الطرد في حق المرأة الحامل، وكذلك المادة الثامنة التي تنص على أنه لا يمكن اتخاذ قرار الطرد في حق الأجنبي القاصر.
أما المادة التاسعة والعشرون (29) فتنص على أنه لا يمكن إبعاد أية امرأة أجنبية حامل وأي أجنبي قاصر نحو بلده إذا ثبت أن حياته وحريته معرضتان فيه للتهديد أو أنه معرض فيه لمعاملات غير إنسانية أو قاسية ، فالمغرب إذن لا يعمل على إبعاد القاصرين الأجانب، حماية لحقوقهم ومصالحهم الفضلى.
وبالعودة إلى مذكرة التفاهم المغربية الإسبانية فإننا حتى إذا افترضنا أن مصلحة الطفل كما تدعي المذكرة توجد في بلده الأصلي فإن ما يثير الإنتباه هو أن عملية الترحيل لا تتم في ظروف جيدة، وعمليات ترحيلهم شبيهة بالإختطاف.
يتبين مما سبق أنه كان من باب أولى أن يسبق التوقيع على المذكرة تهيىء الظروف الملائمة لتطبيقها، ومنها توفير مراكز لإيواء الأطفال المرحلين(1) على اعتبار أن أغلب الأطفال المهاجرين لا يتوفرون على أسر أو أن أسرهم فقيرة وبالتالي فإنه بمجرد ترحيل القاصر نحو المغرب سرعان ما يبدأ في التفكير في إعادة التجربة من جديد.
المطلـب الثانـي
الاتفاقيات الثنائية بين المغرب والدول المعنية بقضايا الهجرة .
عندما يعجز القانون الداخلي عن التصدي لظاهرة ما، خصوصا تلك التي لها ارتباط بالخارج فإن نواقصه وثغراته يمكن التغلب عليها عن طريق الاتفاقيات الثنائية.
ومن بين الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالتعاون في مجال الهجرة نجد الإتفاقية المغربية الإسبانية (الفقرة الأولى)، والاتفاقية المغربية الإيطالية (الفقرة الثانية)، وكذلك الاتفاقية المغربية الفرنسية (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : الاتفاقية المغربية الإسبانية.
تواجد المغرب وإسبانيا في موقع استراتيجي([204]) كبلدين جارين، تربطهما روابط تاريخية عميقة، كلها معطيات تؤشر على حتمية التعاون المغربي الإسباني في كل المحاور([205]) والمجالات خاصة موضوع الهجرة السرية.
و لذلك تجمع المغرب بإسبانيا اتفاقية الصداقة وحسن التعاون والجوار الموقعة في 4 يوليوز 1991([206])، تحدد المبادىء التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقات المغربية الإسبانية، ومن أهمها احترام الشرعية الدولية والتساوي في السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والامتناع عن التهديد باستعمال القوة والتعاون من أجل التنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والحل السلمي للخلافات.
وأمام تنامي ظاهرة الهجرة السرية وارتفاع عدد قوارب الموت التي تتاجر في البشر والمخدرات على حد سواء بين الضفتين مستغلة القرب الجغرافي بين البلدين، ومن منطلق الإدراك الإسباني لتحمل المسؤولية في موضوع الهجرة وضرورة الإنخراط الجاد في خلق إطار تعاوني لمجابهة الظاهرة، قامت حكومة كل من الرباط ومدريد بتوقيع إتفاقية ثنائية يوم 13 يوليوز 1992 ([207]) بالرباط للحد من الظاهرة، بمقتضاها تتعهد الحكومة المغربية بالتعاون مع إسبانيا وذلك بقبول استقبال المهاجرين السريين الذين ثبت دخولهم للتراب الإسباني عبر الأراضي المغربية بطريقة غير قانونية، وهذا ما يتأكد من المادة الأولى من الاتفاقية التي تنص على أن " تقوم سلطات الحدود للدولة المطلوب منها بناء على طلب رسمي لسلطات الحدود للدولة الإسبانية بإعادة قبول رعايا دول أخرى دخلوا بصفة غير قانونية فوق ترابها والقادمين من الدولة المطلوب منها".
يبدو أن الحكومة الإسبانية تعاملت مع ظاهرة الهجرة السرية باعتبارها أكبر تهديد لأمن إسبانيا وأوربا([208])، وكانت دائماً تنظر بعين الريبة لمدى التزام المغرب بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين لأنها تريد من المغرب أن يصبح دركي إفريقيا وحارس الحدود الجنوبية لأوربا الغربية، ولا تأخذ بعين الإعتبار حقوق المهاجرين وأوضاعهم في بلدانهم والأسباب التي دفعتهم إلى الهجرة ولذلك فالمقاربة الأمنية لن تستطيع إيقاف رغبة الشباب الإفريقي الحالم بالوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط.
واهتماما بحقوق الأطفال ومصالحهم خاصة حمايتهم من الإختطاف الدولي، وقع المغرب وإسبانيا إتفاقية بشأن التعاون القضائي والإعتراف وتنفيذ المقررات القضائية في مادة الحضانة وحق الزيارة وإرجاع الأطفال ([209])، لأن مصلحتهم تفرض عدم نقلهم أو الاحتفاظ بهم بصورة غير قانونية وإقرار علاقة هادئة ومنتظمة بينهم وبين آبائهم، لهذا جاءت الاتفاقية لتؤكد على ضمان رجوع الأطفال المنقولين أو المحتفظ بهم بصفة غير قانونية في إحدى الدولتين المتعاقدتين ([210]).
وتدخل هذه الاتفاقية في مادة القانون الدولي الخاص وتروم ضمان الحصول على الاعتراف بالمقررات القضائية المتعلقة بالحضانة وحق الزيارة الصادرة فوق تراب إحدى الدولتين المتعاقدتين فوق تراب الدولة الأخرى.
الفقرة الثانية: الاتفاقية المغربية الإيطالية
إشكالية الوجود الغير القانوني والهجرة السرية للمغاربة في إيطاليا تثير الكثير من المخاوف والإنشغالات، وقد بدأ التداول بشأنها في اجتماعات اللجنة المشتركة المغربية الإيطالية منذ فبراير 1986 ومازالت تطرح كنقطة أساسية في جدول أعمالها ومهدت لإبرام عدة اتفاقيات ثنائية تخص الجالية المغربية.
وعديدة هي الاتفاقيات الثنائية بين المغرب وإيطاليا ومنها :
– اتفاقية التعاون القضائي وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين([211]) موقعة بروما بتاريخ 12-02-1971 دخلت حيز التنفيذ بالمغرب في 22-05-1975.
– اتفاقية للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وترويج المخدرات وقعت بالرباط بتاريخ 16-01-1987.
– الاتفاقية المتعلقة بالتعاون القنصلي خصوصا ملحقها الإضافي الثاني الموقع بالرباط يوم 10/12/93 المتعلق بتحديد هوية الأشخاص المعتقد أنهم مغاربة واتخذت في حقهم قرارات الطرد.
وأهم اتفاقية تجمع المغرب بإيطاليا والتي تهمنا في موضوع دراستنا هي المتعلقة بإعادة مواطني البلدين للحدود في حالة الإبعاد، موقعة في الرباط بتاريخ 27 يوليوز 1998 بين وزيري خارجية البلدين بمناسبة الزيارة التي قام بها وزير خارجية إيطاليا للمغرب ما بين 26 و 28 يوليوز 1998، ويمكن حصر الظروف التي حتمت إبرام هذه الاتفاقية في نقطتين أساسيتين:
الأولى كون مشاكل الهجرة السرية بين البلدان فاقت إمكانيات التحمل، والثانية كون هذه الاتفاقية أصبحت ضرورية بالنسبة للجانب الإيطالي، حيث اعتبرت هذه الاتفاقية نموذجية في منطقة البحر المتوسط خاصة بعد أن رفضت تونس استقبال الأشخاص المقرر طردهم باعتبارها بلد الانطلاق([212]).
ومن خلال الصياغة التي حررت بها هذه الاتفاقية يبدو أنها تتعلق بمواطني البلدين معاً، إلا أنه يتبين أن المعني بالدرجة الأولى وحسب ما هو مؤكد في الواقع هم فقط المغاربة الموجودين في وضعية غير شرعية.
ومهما سهلت هذه الاتفاقية على إيطاليا إبعاد المهاجرين المغاربة الموجودين في وضعية غير قانونية للمغرب، إلا أنها لا تستطيع حل المعظلة نهائيا وخصوصا أن إيطاليا تعتبر الوجهة المفضلة للمغاربة الشباب والأطفال([213])، لهذا فإن ملف الهجرة في العلاقات المغربية الإيطالية لا يمكن فصله عن الملف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وبالتالي فإن تكثيف اللقاءات بين خبراء البلدين حول ملف الهجرة السرية يجب أن يكون مرفقا بعمل موازٍِ موضوعه إيجاد أنجع السبل لتنظيم الهجرة القانونية بين البلدين.
كما أن انضمام إيطاليا للاتفاقية الدولية الخاصة بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم الصادرة عن الأمم المتحدة أصبح ضروريا لحماية حقوق المهاجرين المغاربة الموجودين بها.
وبالرغم من احتضان إيطاليا للعديد من المغاربة القاصرين الموجودين في وضعية غير قانونية سواء داخل مراكز الإيواء أو في الشوارع، فإن مقتضيات الاتفاقية الثنائية الخاصة بإعادة المهاجرين السريين للمغرب لا يمكن تطبيقها على القاصرين لكون قرارات الترحيل تتنافى مع حقوق الطفل ومصلحته الفضلى المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها من طرف البلدين .
الفقرة الثالثة : الاتفاقية الثنائية بين المغرب وفرنسا.
يرتبط المغرب بعلاقات وطيدة مع فرنسا بالنظر إلى عمق الروابط التاريخية، السياسية، الاقتصادية والثقافية التي تجمع البلدين والتي تساهم في ترسيخ ثوابت التعاون الفرنسي المغربي.
وتحظى قضايا الهجرة بأهمية خاصة في العلاقات المغربية الفرنسية بالنظر إلى أن الجالية المغربية المقيمة بفرنسا تعد ثاني جالية بعد الجالية البرتغالية، إلا أن تصاعد وثيرة الهجرة السرية في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات أقلق سلطات باريس التي اعتبرتها ذات بعد استيراتيجي في السياسة الداخلية الفرنسية، ومحاربة الهجرة هي جزء لا يتجزأ من سياسة فرنسا المتوسطية.
وأولى خطوات فرنسا بإتجاه محاربة الهجرة السرية، اعتمادها الآلية التشريعية في تضييق الخناق على دخول المهاجرين السريين إلى التراب الفرنسي من خلال إلزام الهيئات المشغلة بضرورة التحقق من الوضعية القانونية للعامل المهاجر قبل قبول تشغيله دون أن يتيح تشريعها إمكانيات لتسوية وضعية المهاجرين السريين على غرار ما يسمح به القانون الإسباني أو الإيطالي.
وعلى المستوى الإتفاقي يمكن القول أن أهم إتفاقية أمنية أبرمها المغرب في الإطار الأورو-متوسطي، هي إتفاقية التعاون الأمني مع فرنسا بتاريخ 30 ماي 2003 والتي تم التأكيد في مقدمتها على اقتناع الطرفين بأهمية التعاون في مجالات محاربة الإرهاب، الإتجار غير المشروع في المخدرات، والهجرة الغير المشروعة،والأشكال الأخرى للجريمة المنظمة .
يبدو أن المقاربة الأمنية الأحادية لن تنفع في الحد من أعداد المهاجرين وبالتالي على فرنسا أن تتجه نحو المقاربة الشمولية وأن تعمل على تيسير الهجرة المشروعة، وقد حان الوقت لانضمام فرنسا لاتفاقية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
الفصل الثانـي
الهجرة السرية للأطفال القاصرين في التشريعات الوطنية.
من أجل مواجهة ظاهرة الهجرة السرية قام المشرع المغربي بتحيين وتوحيد النصوص التشريعية المنظمة لدخول الأجانب وإقامتهم بالمملكة المغربية وتجميعها في نص قانوني موحد ويتعلق الأمر بالقانون رقم 03-02 المتعلق بالإقامة غير المشروعة بالمغرب وبالهجرة السرية فكيف يا ترى تعامل هذا القانون مع القاصرين ؟ (المبحث الأول).
كذلك من جانبها الدول الأوربية المعنية بالهجرة حاولت التصدي للهجرة السرية من خلال إصدار قوانين جديدة، سنحاول البحث عن موقع الطفل القاصر المهاجر سريا فيها (المبحث الثاني).
المبحث الأول
الهجرة السرية للأطفال القاصرين في التشريع المغربي.
يخضع التنظيم القانوني للهجرة السرية للأطفال القاصرين بالمغرب لقانون دخول الأجانب إلى المغرب وإقامتهم به وبالهجرة الغير المشروعة، لذلك يكون من المفيد التطرق لمقتضيات هذا القانون (المطلب الأول) ومن أجل استكمال المقاربة القانونية بشأنه يكون من الأفيد التطرق للممارسة القضائية في هذا الجانب ( المطلب الثاني).
المطلـب الأول
قراءة في القانون 03-02 المتعلق بدخول الأجانب وإقامتهم بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة.
خصص القانون رقم 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمغرب وبالهجرة غير المشروعة في قسمه الأول مقتضيات خاصة بدخول الأجانب إلى المملكة المغربية وإقامتهم بها (الفقرة الأولى) أما القسم الثاني فقد نص على الأحكام الزجرية المتعلقة بالهجرة الغير المشروعة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : دخول الأجانب إلى المغرب وإقامتهم به
نضم القسم الأول من القانون 03-02 المتعلق بدخول الأجانب إلى المملكة المغربية وإقامتهم بها مقتضيات متعلقة بإجراءات وضمانات دخول الأجانب للمملكة وإقامتهم بها (أولا)، ونظم أيضا مقتضيات متعلقة باقتياد الأجانب إلى الحدود وطردهم (ثانيا)، كما رتب أحكام زجرية في مواجهة الأجانب الموجودين بالمغرب بصفة غير شرعية (ثالثا).
أولا : الضمانات والاجراءات المتعلقة بدخول الأجانب للمغرب وإقامتهم به .
I- إجراءات دخول الأجنبي للمغرب.
كل أجنبي رغب في الدخول إلى المملكة المغربية يتعين عليه الإدلاء لشرطة الحدود بجواز سفر قانوني صالح في الزمان والمكان، أو بأية وثيقة سفر أخرى سارية الصلاحية، ومعترف بها من لدن الدولة المغربية([214]) وفي هذا الإطار يجب على الأجانب اللاجئين أو عديمي الجنسية التوفر على وثيقة سفر مسلمة لهم طبقا لمعاهدة جنيف التي صادق عليها المغرب([215])، ويشترط أن تكون هذه الوثائق مصحوبة عند الإقتضاء بالتأشيرة المطلوب الإدلاء بها بالنسبة لرعايا الدول الخاضعة لنظام تأشيرة الدخول إلى التراب الوطني .
هذا ويمكن أن تشمل المراقبة التي يتم القيام بها في المراكز الحدودية وسائل العيش وأسباب القدوم إلى المغرب ([216])، بالإضافة إلى التأكد من الضمانات التي يتوفر عليها الأجنبي لرجوعه إلى بلده، مثلا تذكرة العودة أو كل ما من شأنه أن يثبت به ضمان عودته.
ومن جهة أخرى يمكن لمصالح الأمن بمراكز الحدود رفض دخول أي أجنبي إلى التراب الوطني إذا كان من شأن وجوده به ان يشكل تهديداً للنظام العام، أو سبق أن كان موضوع قرار بالطرد.
لكن في المقابل يمنح القانون 03-02 حقوقاً للأجنبي الذي رفض دخوله إلى التراب الوطني([217])، كحقه في إشعار الشخص الذي صرح باعتزامه الذهاب إليه أو إشعار قنصلية بلده أو محامياً من إختياره.
II– الإقامة بالمملكة المغربية
تطبيقا لمقتضيات القانون 03-02 فإنه يجب على الأجنبي الذي ينتمي لرعايا الدول غير الخاضعة لنظام تأشيرة الدخول إلى التراب الوطني والراغب في الإستقرار بالمغرب أن يتقدم بطلب الحصول على سند الإقامة قبل اكتمال الثلاثة أشهر التي من حقه أن يعتبر فيها كسائح ([218]).
أما إذا كان الأجنبي خاضعا لنظام التأشيرة فيجب عليه أن يتقدم بطلبه قبل انتهاء مدة صلاحية تأشيرته.
ويتم إرسال هذه الطلبات إلى الإدارة المركزية للبت فيها مرفقة بالوثائق الضرورية التي تبرز رغبة الأجنبي في الإقامة بالمغرب، ومن بين هذه الوثائق على سبيل المثال هناك شهادة بنكية لإثبات وسائل العيش، نسخة من جواز السفر لإثبات الهوية، إثبات محل السكنى بواسطة عقد كراء أو نسخة من الرسم العقاري، عقد الشغل مؤشر عليه من طرف وزارة التشغيل إذا تعلق الأمر بأجير، شهادة مدرسية بالنسبة للطلبة، نسخة مصادق عليها من السجل التجاري وقانون الشركة بالنسبة للتجار ورجال الأعمال، شهادة مسلمة من الأمانة العامة للحكومة بالنسبة للراغبين في مزاولة مهنة مقننة ([219]).
وهكذا فحسب القانون 03-02 كل أجنبي مقيم بالمملكة المغربية يفوق عمره الثامنة عشر سنة يجب أن يكون متوفرا على سند إقامة ويستثنى من ذلك الأجانب المنتمين إلى أعوان البعثات الدبلوماسية والقنصلية وأعضائها المعتمدين في المغرب الذين يتمتعون بوضعية دبلوماسية وكذلك أزواجهم وأصولهم وأبنائهم القاصرين أو غير المتزوجين الذين يعيشون معهم تحت سقف واحد، وكذا الأجانب المقيمين بالمغرب لمدة أقصاها تسعون (90) يوماً بموجب وثيقة صالحة للسفر شريطة أن يكونوا حاملين لجنسية إحدى الدول غير الخاضعة لنظام تأشيرة الدخول إلى التراب الوطني.
وسندات الإقامة محددة في القانون 03-02 في بطاقة الإقامة وبطاقة التسجيل.
بطاقة التسجيل ((CARTE D’immatriculation .
تمنح للأجنبي للإقامة بالمغرب لمدة تتراوح بين سنة وعشر سنوات، بناء على مبرر مقبول للإقامة (نشاط مهني ،دراسة …) وبعد إثبات وسائل العيش بموارده فقط([220]).
وكذلك تم التنصيص على وثيقة جديدة، هي وثيقة التنقل تسلم بناء على طلب الأجانب القاصرين الذين حددهم هذا القانون في:
– القاصرين الذين يقل سنهم عن ثمان عشرة سنة ويتوفر أحد والديهم على سند الإقامة .
– القاصرين المستوفين للشروط المنصوص عليها في المادة 17 من هذا القانون.
– القاصرين الذين يدخلون إلى التراب المغربي لمتابعة الدراسة بموجب تأشيرة إقامة تفوق مدتها ثلاثة أشهر .
*بطاقــة الإقــامــةCarte de Résidence) ) .
نصت المادة السادسة عشر (16) من القانون 03-02 على أن كل أجنبي أقام بالتراب المغربي وفقاً للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل لمدة لا تقل عن أربع سنوات متواصلة فإن له الحق في الحصول على بطاقة الإقامة([221])، وللإدارة سلطة تقديرية في الاستجابة لطلبه مراعية الوقائع أو الوثائق المقدمة من طرفه لتبرير رغبته في الإقامة بصفة دائمة بالتراب المغربي.
وهكذا فإن بطاقة الإقامة تمنح لحاملها رخصة إقامة دائمة لكنه يكون مطالبا بتجديدها كل عشر سنوات([222]).
وتسلم هذه البطاقة مع مراعاة الضوابط المتعلقة بالإقامة فوق التراب المغربي والدخول إليه ما لم يوجد استثناء إلى :
– الأجنبي المتزوج بمغربية أو الأجنبية المتزوجة بمغربي .
– الطفل الأجنبي من أم مغربية والذي لا يستفيد من أحكام ظهير 6-9-58 بمثابة قانون الجنسية المغربية شريطة أن يكون قد بلغ سن الرشد أو كان تحت كفالة أمه المغربية ([223])، كما تسلم بطاقة الإقامة للأصول الأجانب لمواطن مغربي أو مواطنة مغربية والأصول الأجانب لزوجة المواطن المغربي أو لزوج المواطنة المغربية.
– الأجنبي أو الأجنبية الذي يكون أباً أو أماً لطفل مولود بالمغرب ومقيم به ومكتسب للجنسية المغربية شريطة أن يكون لهذا الأجنبي أو الأجنبية النيابة الشرعية على هذا الطفل أو حق الحضانة.
– الزوج والأطفال القاصرين للأجنبي الحامل لبطاقة الإقامة
– الأجنبي الحاصل على صفة لاجىء وكذا لزوجه وأولاده القاصرين.
غير أنه خلافاً لأحكام هذه المادة إذا كان وجود الأجنبي فوق التراب المغربي من شأنه أن يشكل تهديدا للنظام العام فلا يمكن أن تسلم له بطاقة الإقامة.
كما يتعين على كل أجنبي متوفر على سند الإقامة ويريد تغيير محل سكناه أن يصرح بذلك لدى مصالح الشرطة أو الدرك الملكي التي يسكن داخل دائرة نفوذها ([224]).
كما يجب عليه داخل عشرة أيام أن يقوم بنفس الإجراء للتصريح بمكان إقامته الجديدة، وللإشارة فإنه يرفض تسليم سند الإقامة للأجنبي الذي لا يستوفي الشروط الواردة في أحكام هذا القانون
كما يمكن سحب سند الإقامة في الحالتين التاليتين :
– إذا لم يدل الأجنبي بالوثائق والإثباتات اللازمة.
– إذا كان صاحب السند موضوع إجراء يقضي بطرده، أو إذا صدر في حقه قرار قضائي بمنع دخوله إلى التراب المغربي.
وفي هاتين الحالتين يكون الأجنبي مطالباً بمغادرة التراب الوطني، وفي المقابل منح القانون 03-02 الأجنبي الذي يكون موضوع قرار بالرفض أو السحب، الحق في الطعن أمام المحكمة الإدارية داخل أجل خمسة عشر (15) يوماً ابتداء من تاريخ تبليغه بالقرار المذكور.
ثانيا : قراري الاقتياد إلى الحدود والطرد.
I– قرار الاقتياد إلى الحدود (RECONDUITE AUX FRONTIERS)
لم يعرف المشرع المغربي الاقتياد إلى الحدود ولكن يمكن القول أن الأمر يتعلق بقرار إداري تتخذه السلطات لإبعاد شخص أجنبي خارج حدود البلد لسبب من الأسباب المنصوص عليها في المادة 21 من القانون 03-02 ([225]).
لقد أعطى القانون 03-02 الإدارة الحق في أن تأمر بالاقتياد إلى الحدود بموجب قرار معلل في بعض الحالات حددها على سبيل الحصر كالتالي([226]).
– إذا لم يستطيع الأجنبي أن يبرر بأن دخوله إلى المغرب تم بطريقة قانونية
– إذا استمر الأجنبي داخل المغرب بعد انتهاء مدة صلاحية تأشيرته أو لمدة تفوق ثلاثة أشهر بالنسبة لرعايا الدول الأجنبية غير الخاضعة لنظام التأشيرة للدخول إلى التراب المغربي، وذلك طبعاً ما لم يكن قد قام بتسوية وضعيته وفقاً لهذا القانون.
– إذا ظل الأجنبي الذي رفض منحه إياه سند الإقامة أو تجديده أو سحب منه لمدة تفوق أجل 15 يوماً "الذي منحه القانون كأجل لمغادرة المغرب" ابتداء من تاريخ تبليغه بقرار الرفض أو السحب.
– إذا انتهت صلاحية سند الإقامة لمدة تفوق 15 يوماً دون أن يكون قد طلب تجديده.
– إذا صدر في حق الأجنبي حكم بسبب تزييف أو تزوير أو إقامة تحت إسم آخر غير إسمه إقامته غير الشرعية داخل تراب المملكة.
– إذا تم سحب وصل طلب بطاقة التسجيل من الأجنبي بعد تسليمه له.
كما يمكن أن يتخذ قرار الاقتياد إلى الحدود مع تعليله في حالات :
– سحب بطاقة التسجيل أو بطاقة الإقامة من الأجنبي.
– إذا تم رفض تسليم أو تجديد إحدى هاتين البطاقتين وذلك شريطة أن يكون هذا السحب أو الرفض قد اتخذ استناداً إلى الأحكام التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل بسبب تهديد النظام العام.
كما نص هذا القانون على أن هذا القرار يمكن أن يقترن بقرار المنع من الدخول إلى التراب المغربي لكن لمدة أقصاها سنة واحدة ابتداء من تاريخ تنفيذ الاقتياد إلى الحدود وقرار المنع أيضاً يجب أن يكون معللا([227]).
ويمكن الطعن في قرار الاقتياد إلى الحدود عن طريق طلب إلغاء القرار أمام رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات داخل أجل 48 ساعة من تبيلغ قرار الطرد.
II– قرار الطرد (EXPULSION) حالاته وضماناته:
خول المشرع للإدارة إمكانية إتخاذ قرار الطرد في حالة ما إذا كان وجود الأجنبي بالتراب المغربي يشكل تهديداً خطيراً للنظام العام([228]).
ولم يعرف المشرع في القانون 03-02 الطرد ويمكن القول إنه قرار إداري يتم بمقتضاه إخراج شخص أجنبي من إقليم الدولة لأسباب تتعلق بالنظام العام أو سيادة الدولة([229]).
ويمكن إلغاء هذا القرار أو التراجع عنه في أي وقت من الأوقات وللإشارة فإنه طبقاً لمقتضيات هذا القانون لا يمكن أن يتخذ قرار الطرد في حق كل من ([230]).
* الأجنبي الذي يثبت عن طريق مختلف وسائل الإثبات بأن إقامته فوق التراب المغربي كانت بصفة اعتيادية منذ أن بلغ على الأكثر سن السادسة من عمره.
* الأجنبي الذي يثبت عن طريق مختلف وسائل الإثبات بأنه مقيم فوق التراب المغربي بصفة اعتيادية منذ أزيد من خمس عشرة سنة.
* الأجنبي الذي أقام بالمغرب بصفة قانونية منذ عشر سنوات ويستثنى من هذه الحالة بصفته طالباً، الطلبة الأجانب.
* الأجنبي المتزوج بمواطنة مغربية، أو الأجنبية المتزوجة بمواطن مغربي منذ سنة واحدة على الأقل.
* الأجنبي أو الأجنبية الذي يكون أباً أو أماً لطفل مقيم فوق التراب المغربي ومكتسب للجنسية المغربية "حسب قانون الجنسية المغربية" شريطة أن تكون له النيابة الشرعية عن الطفل، وأن يكون متكفلا بنفقته.
* الأجنبي المقيم بصفة قانونية فوق التراب المغربي بموجب سند من سندات الإقامة المنصوص عليها في هذا القانون أو في الإتفاقيات الدولية شريطة أن يكون لم يسبق أن صدر في حقه حكم نهائي بعقوبة حبسية لا تقل عن سنة واحدة نافذة.
* المرأة الأجنبية الحامل.
* الأجنبي القاصر([231]).
وعلى خلاف ما سبق، يمكن اتخاذ قرار الطرد طبقاً لأحكام هذا القانون إذا كان الطرد يشكل ضرورة ملحة لحفظ أمن الدولة أو الأمن العام ([232]).
هذا وقد نص هذا القانون على أن الأجنبي المتخذ في حقه قرار الطرد أو الإقتياد يتم إبعاده إلى:
– البلد الذي يحمل جنسيته، إلا إذا اعترف له بوضع لاجئ، أو إذا لم يتم بعد البث في طلب اللجوء الذي تقدم به ([233]).
– البلد الذي سلمه وثيقة سفر سارية المفعول ([234]) .
– أي بلد آخر يمكن أن يسمح له بالدخول بصفة قانونية ([235]).
ولا يمكن إبعاد المرأة الأجنبية الحامل أو الأجنبي القاصر كما لا يمكن إبعاد أي أجنبي آخر نحو بلده إذا ثبت أن حياته أو حريته معرضتان فيه للتهديد أو أنه معرض فيه لمعاملات غير إنسانية أو قاسية.
كما نص هذا القانون على إمكانية الاحتفاظ بالأجنبي، إذا دعت الضرورة إلى ذلك في أماكن غير تابعة لإدارة السجون ويجب أن تتوفر هذه الأماكن على الشروط الأساسية لاحترام كرامة الانسان من حيث الوقاية الصحية والتغذية.
ويمكن التمييز بين نوعين من الأماكن التي ينص عليها القانون 03-02:
– منطقة الانتظار "La Zone d’attente" حسب المادة 38 وهي توجد في الميناء أو المطار، ويمكن أن تضم منطقة الإنتظار مكاناً أو أكثر للإيواء مجهزة بالخدمات الضرورية.
– أماكن الاحتفاظ([236]) "la Zone de maintien" حسب المادة 34 صالحة لإيواء الأجانب خلال المدة اللازمة لمغادرتهم للمغرب.
يبدو أن هذه المقتضيات جاءت ملائمة للمفهوم المتطور لحقوق المهاجرين كما تقره مختلف التشريعات الدولية، ويتجلى ذلك من خلال الضمانات الممنوحة للأجنبي الراغب في الدخول للمغرب والإقامة به وكذلك بالحقوق الممنوحة للقاصرين.
ثالثا : أحكام زجرية في مواجهة الأجانب الموجودين بالمغرب بصفة غير شرعية.
تضمن القانون 03-02 عدة مقتضيات زجرية للعقاب على الهجرة السرية، وفي هذا الصدد فإن مخالفة الأجانب لمقتضيات هذا القانون حددت بعض عقوباتها كالتالي :
الحكم بغرامة من 2000 إلى 20 ألف درهم والحبس من شهر إلى ستة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط لكل أجنبي خالف مقتضيات المادة الثالثة([237]) أو ظل بالتراب الوطني بعد انقضاء مدة الترخيص الممنوحة بموجب التأشيرة، باستثناء الحالات التي تتضمن أعذاراً أو قوة قاهرة حالت دون مغادرة التراب الوطني علماً أن هذه العقوبة تتضاعف في حالة العود "المادة 42" المحددة في خمس سنوات التالية لصدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به من أجل أفعال مماثلة "المادة 49".
كذلك الحكم بغرامة تتراوح ما بين 3000 و10 آلاف درهم وبالحبس من شهر إلى ستة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين([238]) على كل أجنبي انتهت مدة صلاحية بطاقة تسجيله أو بطاقة إقامته ولم يقم بتجديدها في الآجال المحددة قانونا إلا في حالة قوة قاهرة.
وتتوزع باقي الأحكام ما بين نفس العقوبة وثلاثة أشهر وسنة حبسا وستة أشهر وسنتين حبساً في حالة ارتكاب الأجنبي الأفعال المنصوص عليها في المواد 43، 45، 46، 47 ([239]).
ويترتب على المنع من دخول التراب الوطني بقوة القانون اقتياد المحكوم عليه إلى الحدود بعد انصرام مدة حبسه علماً أن المحكمة يمكن أن تقضي بهذا المنع لمدة تتراوح ما بين سنتين وعشر سنوات.
يتبين مما سبق أن القانون الجديد 03-02 عمل على تكريس مجموعة من الضمانات القانونية تخص الأجنبي المقتاد إلى الحدود لدخوله التراب المغربي بطريقة غير قانونية، وكذلك الأمر بالنسبة للأجنبي المطرود لعدم توفره على الشروط اللازمة للإقامة بالمغرب بصفة قانونية أو إذا كان تواجده يشكل خطرًا أو تهديداً للنظام العام، حيث خول لهما المشرع إمكانية الطعن ضد القرارات الإدارية القاضية بالإقتياد أو الطرد لدى رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للمستعجلات، وجعل القرارات الإدارية في هذا الخصوص خاضعة للرقابة القضائية.
كما راعى المشرع المغربي في معالجته لظاهرة الهجرة البعد الإنساني في معاملته المهاجرين المعنيين بقرارات الطرد، بحيث منع طرد المرأة الأجنبية الحامل والأجنبي القاصر، والأشخاص المشار إليهم في الفصل السادس والعشرين (26) ضمانا لحقوقهم المكتسبة ومراعاة لحالاتهم الإجتماعية كالأجنبي الذي يكون أباً أو أما لطفل مقيم فوق التراب المغربي ومكتسب للجنسية المغربية بحكم القانون.
وللحد من ظاهرة الإقامة غير المشروعة والتصدي لها بكل ما يتطلبه الموقف من حزم وحرص أتى القانون الجديد 03-02 بأحكام زجرية تنسجم مع السياسة الجنائية المتبعة، وهي أحكام تميزت بتحديد مختلف الأفعال الجرمية والعقوبات المخصصة لها بوضوح، حيث تم تجريم الدخول ومحاولة الدخول للتراب المغربي بطريقة غير مشروعة، وكذا الإقامة بالمغرب دون التوفر على بطاقة التسجيل أو الإقامة، وعدم تجديد سندات الإقامة رغم انتهاء صلاحيتها، والتهرب ومحاولة التهرب من تنفيذ قرار الطرد أو إجراء الاقتياد، وكذا الدخول مجدداً إلى التراب المغربي دون ترخيص رغم الطرد والمنع من الدخول .
لكن من الضروري كذلك لفت النظر إلى أن المادة الأولى من القانون 03-02 نصت على مبدأ عام، هو في الواقع تعبير من طرف الدولة المغربية على التزامها بإعطاء الأسبقية في التطبيق للإتفاقيات التي يبرمها المغرب على قانونها الداخلي ([240]).
فكلمة "مع مراعاة" الواردة في المادة الأولى من قانون 03-02 تعني أننا عندما نطبق ذلك القانون يتعين الإلتفات والإنتباه إلى ما سبق للمغرب أن التزم به بواسطة الاتفاقيات الدولية التي انخرط فيها.
الفقرة الثانية : النطاق القانوني للهجرة غير المشروعة في القانون 03-02.
عمل القانون 03-02 على زجر الهجرة غير المشروعة من المملكة المغربية وإليها وفي هذا الصدد جرم الأفعال الآتية :
– مغادرة المغرب بصفة غير مشروعة أي التملص من المراقبة بوسائل احتيالية أو استعمال وثائق مزورة أو انتحال إسم أو المغادرة من غير مراكز الحدود وتشمل الأجنبي والمواطن وكذلك التسلل إلى التراب الوطني من غير مراكز الحدود وتشمل الأجنبي والمواطن وجعل العقوبة حسب المادة 50 يتراوح قدرها ما بين 3000 و 10.000 درهم وبالحبس من شهر إلى ستة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط([241]).
– جعل المشرع تقديم عون أو مساعدة لإرتكاب الأفعال المشار إليها في المادة 50 من طرف من يضطلع بمهمة المراقبة أو العاملين في التنقل فعلا إجراميا وعاقب عليه في المادة 51 بعقوبة الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة يتراوح قدرها ما بين 50.000 و 500.000 درهم ([242]).
وبالنسبة للمنظمين وأفراد العصابات فقد عاقب المشرع على تنظيم أو تسهيل دخول أو خروج أشخاص بصفة سرية من أو إلى المغرب بالوسائل المشار إليها في المادتين 50 و51 و لا سيما نقلهم وذلك في المادة 52 بعقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 50.000 إلى 500.000 درهم وشدد العقوبة في حالة الإعتياد على هذه الأفعال المذكورة، وذلك في الفقرة الثانية من المادة 52 بالسجن من عشر إلى خمسة عشر سنة وبغرامة يتراوح قدرها مـا بين 500.000درهم و1.000.000 درهم([243]).
وعاقب بنفس العقوبات أعضاء كل عصابة أو كل إتفاق وجد بهدف إعداد أو إرتكاب الأفعال المذكورة.
وشدد العقوبة في حق المنظمين وأعضاء العصابات وجعلها السجن من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة إذا نتج عجز دائم عن نقل الأشخاص المنظم دخولهم إلى المغرب أو خروجهم منه بصفة سرية([244])، وتصل العقوبة إلى السجن المؤبد إذا أدت هذه الأفعال إلى الموت ([245]).
العقوبات الإضافية
بالإضافة إلى العقوبات المشار إليها والمقررة بالنسبة لكل جريمة من جرائم الهجرة غير المشروعة على حدة رتب المشرع عقوبات إضافية بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في القسم الثالث "المواد 50 وما يليها" هي :
– مصادرة وسائل النقل المستعملة في الجريمة المملوكة لأفراد العصابة أو للغير إذا كان الغير يعلم أنها استعملت أو ستستعمل لذلك ([246]).
– معاقبة الشخص المعنوي بغرامة تتراوح بين 10.000 و 100.000 درهم بالإضافة إلى المصادرة إذا ثبت إرتكابه لأفعال متعلقة بالهجرة السرية ([247]).
– نشر مقتطفات الحكم بثلاث جرائد وتعليقه بأماكن ومحلات الشخص المعنوي المدان وخارجها([248]).
وبالنسبة للإختصاص، فالقضاء المغربي يختص بالنظر في الجرائم أعلاه ولو ارتكبت في الخارج كليا أو جزئيا، كما يختص بمحاكمة أفعال المشاركة أو الإخفاء ولو ارتكبت من طرف أشخاص غير مغاربة([249]).
يتبين مما سبق أن المشرع ضاعف من العقوبات المطبقة على المهاجرين السريين الذين يدخلون أو يخرجون من المغرب بطريقة سرية، كما شدد العقوبة في حدها الأقصى بالنسبة للموظفين العموميين المكلفين بمهمة المراقبة الذين يسهلون عملية الهجرة السرية، مراعيا في ذلك مطابقة مقتضيات القانون الجديد لإحكام القانون الجنائي فيما يتعلق بتكوين عصابة إجرامية.
كما رفع العقوبة إلى حد السجن المؤبد بالنسبة لمنظمي الهجرة في حالة وفاة وبالسجن من خمسة عشر سنة إلى عشرين سنة في حالة حدوث عجز دائم.
وعليه فأن أحكام هذا القانون تستدعي لإثبات نجاعتها وفعاليتها تكوينا خاصا لمنع وكشف تهريب المهاجرين ومهارة خاصة في إعداد وثائق السفر أو الهوية بشكل يصعب معه تزويرها وجمع المعلومات الاستخبارية حول هوية الجماعات الإجرامية المنظمة المعروفة بضلوعها في الهجرة السرية، إضافة إلى ما يستلزمه الأمر من إبرام إتفاقيات ثنائية في مجال التعاون الدولي من حيث تبادل المعلومات وتنفيد الإنتدابات القضائية والملاحقة والتسليم.
المطلب الثانـي
مسطرة متابعة الأطفال القاصرين المهاجرين سرياً.
سنعمل في هذا المطلب على تحديد مسطرة متابعة القاصر المغربي المرحل من السلطات الإسبانية في (الفقرة الأولى) وبعد ذلك سنتناول مسطرة متابعة القاصر في حالة التلبس (الفقرة الثانية) كما سنتطرق أيضاً لمسطرة متابعة القاصرين الأجانب الموجودين بطريقة غير شرعية في بلادنا وذلك في (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: مسطرة متابعة القاصر المرحل من طرف السلطات الاسبانية.
قبل أن يمر القاصر من مرحلة المحاكمة (أولا) يخضع لمرحلة البحث التمهيدي (ثانيا).
أولا : مرحلة البحث التمهيدي.
مباشرة بعد تطبيق مذكرة التفاهم المغربية الإسبانية حول ترحيل القاصرين، بدأت السلطات الإسبانية، عملية ترحيل الأطفال نحو المغرب في اتجاه ميناء طنجة حيث يتم تسليمهم لشرطة الحدود المغربية التي تضعهم رهن الإعتقال لدى مفوضية الشرطة بالميناء، التي يعمل رئيسها على تسليم القاصرين للسيد رئيس المصلحة الولائية للشرطة القضائية بطنجة([250]).
وطبقا لمقتضيات المسطرة الجنائية يسلم القاصر لضابط الشرطة رئيس قسم الأحداث بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية بطنجة الذي يعمل على تحرير محضر من خلال الإستماع للقاصر بناء على المواد 20-21-22-23و 78 من المسطرة الجنائية.
وعليه يقوم ضابط الشرطة القضائية بتحرير المحضر ([251]) حيث يستفسر القاصر عن هويته([252]) وبعد ذلك عن وقائع الرحلة من خلال معرفة الأسباب التي دفعته إلى الهجرة ([253]) سريا وعن وسيلة الهجرة([254]).
وكيف تم ضبطه من طرف السلطات الإسبانية، وكذلك الإستفسار هل ساعده أحد في الهجرة وهل أعطى مبلغ مالي مقابل ذلك كما يقوم الضابط بقراءة المحضر على القاصر الذي يوافق عليه ويوقعه، وكذلك يوقع الضابط ومساعديه ممن حضروا الإستماع طبقا للقانون.
وغالبا ما يضطر ضابط الشرطة القضائية نتيجة لظروف البحث إلى الإحتفاظ بالقاصر في إطار الحراسة النظرية ([255])، طبقا للمادة 82 من المسطرة الجنائية وفي هذه الحالة يتعين على الضابط أن يبين في المحضر ساعة ويوم اعتقال القاصر وساعة ويوم تقديمه للنيابة العامة([256])، وخلال مدة الحراسة النظرية يجب فصل القاصر عن الراشدين.
وقبل تقديم القاصر للنيابة العامة يعمل ضابط الشرطة القضائية على إشعار عائلته، لكن الملاحظ هو أن العديد من القاصرين يمتنعون عن إعطاء معلومات صحيحة عن عائلاتهم وفي بعض الأحيان يدلون بعناوين خاطئة وفي جميع الحالات ، إذا لم يستطيع ضابط الشرطة القضائية تحديد العنوان يبقى البحث جارياً عن أسرة القاصر الذي يتم وضعه في مؤسسة لإيواء الأطفال، وبعد تسليم محضر الاستماع للسيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بطنجة([257])، يعمل هذا الأخير على إصدار أمر بنقل([258]) القاصر لتسليمه إلى والديه، يأمر من خلاله شركة خطوط النقل الوطنية CTM ([259]) أن تنقل القاصر فلان من مدينة طنجة إلى مدينة كذا الواجب تقديمه إلى ولي أمره وأن تنقل ذهابا وإيابا المكلفين بحراسته ويحدد عددهم على وجه الدقة([260])، وبعد ذلك يتولى السيد وكيل الملك إحالة القضية على قاضي الأحداث طبقا للإختصاص بتهمة جنحة الهجرة السرية وفقا لظهير 11/11/2003.
وللإشارة تعتبر النيابة العامة طرفاً أصليا في قضايا الأحداث، إذ تعمل على إثارة الدعوى حيث يبقى حضورها إلزامي ([261])في جميع الجلسات، وتمارس كل ما يمارسه الخصوم في الدعوى و لها حق تقديم جميع حجج الإثبات ومناقشة الحجج المضادة واستعمال طرق الطعن في الأحكام ([262]).
ثانيا : مرحلة المحاكمة :
مباشرة بعد تسلم السيد قاضي الأحداث بالمحكمة الابتدائية بطنجة لملف القاصر، المرحل من إسبانيا، يتم تحديد تاريخ الجلسة ويقوم باستدعاء القاصر ووليه القانوني للحضور لكن ما يثير الإنتباه هو أن أغلب القاصرين وأوليائهم يتخلون عن حضور الجلسات ([263]).
وأثناء المحاكمة إذا حضر القاصر ووليه القانوني يتم استنطاقه من جديد أمام المحكمة وفي حالة غيابه، تكتفي المحكمة بتصريحاته أمام الضابطة القضائية اعتباراً لكون محاضر الشرطة القضائية موثوق بمضمونها ما لم يثبت العكس حسب المادة 290 من المسطرة الجنائية، كما أن قاضي الأحداث يقوم بإجراء بحث اجتماعي حول القاصر.([264])
وبعد اقتناع المحكمة من خلال ظروف وملابسات القضية بثبوت جنحة الهجرة السرية موضوع المتابعة في حق الحدث يتم إذانته وبالتالي فإن قاضي الأحداث يخضع القاصر لواحد أو أكثر من التدابير الحمائية المنصوص عليها في المادة 458 وما يليه من المسطرة الجانئية، وغالباً ما يتم الإكتفاء بالحكم عليه بالتوبيخ والتسليم للأبوين.
ونشير في الأخير إلى أنه في حالة العود يمكن لقاضي الأحداث أن يحكم بوضع القاصر في إحدى المؤسسات الإصلاحية أو أن يطبق عليه نظام الحرية المحروسة([265]).
الفقرة الثانية : مسطرة متابعة القاصر بتهمة الهجرة السرية في حالة التلبس .
أولا: مرحلة البحث التمهيدي :
غالبا ما يتم ضبط القاصرين في حالة تلبس ([266]) محاولين الهجرة السرية،على متن قارب مع رشداء أو تحت أسفل الشاحنات أو داخل مراكب الصيد، وفي هذه الحالة يتم إحضارهم إلى السلطات المختصة التابع لها نفوذ مكان ضبطه حيث يتم تحرير محضر([267]) للقاصر من طرف ضابط الشرطة القضائية المكلف بالأحداث طبقاً للقانون، وعليه يبدأ الضابط بتدوين هوية القاصر([268]) وباستفساره عن سبب الهجرة السرية وعن الوسيلة التي اتبعها في الهجرة وهل اعتمد على نفسه أم ساعده شخص آخر وهل قدم مبلغ مالي.
وبعد إتمام المحضر يتم قرائته على القاصر الذي يوافق عليه ويوقعه وغالبا ما يحتفظ ضابط الشرطة القضاية بالقاصر في إطار الحراسة النظرية من أجل البحث التمهيدي طبقا للقانون، حيث يدون في المحضر تاريخ وساعة ضبطه وتاريخ تسليمه للنيابة العامة وأثناء الحراسة النظرية يتم فصل القاصر عن الرشداء، كما يعمل ضابط الشرطة القضائية على إخبار الولي القانوني للقاصر([269])، وبعد إتمام هذه الإجراءات يسلم القاصر للسيد وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية التابع لنفوذها مكان ضبط القاصر .
ويعمل السيد وكيل الملك طبقا للإختصاص على إثارة الدعوى ([270]) وعلى إصدار أمر بالنقل موجه لشركة خطوط النقل الوطنية من أجل نقل القاصر إلى مدينته رفقة المكلفين بالحراسة، كما يعتبر حضور النيابة العامة في جميع جلسات محاكمة القاصرين إلزاميا حيث تلتمس تطبيق القانون بعد أن يتم إحالة الملف على السيد قاضي الأحداث طبقاً للقانون بتهمة جنحة الهجرة السرية طبقا لظهير 11-11-2003.
ثانيا : مرحلة المحاكمة .
تحال القضية على السيد قاضي الأحداث الذي يعين تاريخ الجلسة ([271]) ويقوم باستدعاء القاصر ووليه القانوني ([272])، وفي حالة حضور القاصر للجلسة يتم استفساره من جديد أمام المحكمة ويتم متابعته بتهمة جنحة الهجرة السرية طبقا لظهير 11-11-2003 رقم 03-02.
أما في حالة غياب القاصر ([273]) فتكتفي المحكمة بمحضر الضابطة القضائية التي يوثق بمضمنها ما لم يثبت العكس طبقا للمادة 290 من المسطرة الجنائية.
وبعد اقتناع المحكمة بثبوت جنحة الهجرة السرية في حق القاصر يتم الحكم عليه بإحدى تدابير الحماية المنصوص عليها قانوناً وفي هذا الصدد فإنه غالباً ما يتم الحكم على القاصر بالتوبيخ وتسليمه لوالديه وتحميل ولي أمره القانوني المصاريف مع الإجبار في الأدنى، أما في حالة عدم وجود ولي قانوني للقاصر فإنه يحتفظ به في إحدى مؤسسات رعاية الأطفال.
وفي الأخير نشير إلى أنه في حالة العود يمكن الحكم على القاصر بوضعه بإحدى المؤسسات الإصلاحية أو بوضعه تحت نظام الحرية المحروسة.
الفقرة الثالثة : مسطرة متابعة القاصرين الأجانب بالمغرب.
تخضع أيضا مسطرة متابعة القاصرين إلى البحث التمهيدي (أولا) قبل المرور إلى مرحلة المحاكمة (ثانيا).
أولا: مرحلة البحث التهيدي :
لقد تحول المغرب في السنوات الأخيرة إلى دولة عبور يقصده الأفارقة الراغبين في الإنتقال إلى أوربا ومن ضمن هؤلاء المهاجرين نجد أطفال قاصرين يتم متابعتهم طبقا للنصوص والضوابط مع مراعاة ظروفهم.
وعليه تقوم السلطات المغربية بحملات تمشيطية من أجل ضبط الأجانب الذين يدخلون المغرب بصفة سرية ويحاولون العبور للضفة الأخرى وفي حالة وجود قاصر مع المجموعة فإنه يتم عزله عن باقي الرشداء ويتم اقتياده إلى مركز الشرطة أو الدرك من أجل تحرير محضر ([274]) البحث التمهيدي بناء على المواد من 20إلى 23 و 78.من قانون المسطرة الجنائية.
ويختص بتحرير المحضر ضابط الشرطة القضائية المكلف بالأحداث الذي يعمل على تحديد هوية([275]) القاصر الأجنبي واستفساره عن أسباب تواجده بالمغرب والوسيلة التي دخل بها إليه والمدة التي قضاها به، وكذلك الإستفسار هل ساعده أحد([276]) وعن سوابقه العدلية، وغالبا ما يكون هؤلاء القاصرين الأفارقة لا يتكلمون اللغة العربية وفي هذه الحالة يتم انتذاب مترجم.
وفي الغالب يحتفظ ضابط الشرطة القضائية بالقاصر الأجنبي في إطار الحراسة النظرية من أجل استكمال البحث التمهيدي وهنا يتعين عليه تدوين تاريخ ضبط القاصر الأجنبي وتاريخ تسليمه للنيابة العامة.
وخلال قضائه لفترة الحراسة النظرية يتم عزل القاصر الأجنبي عن الرشداء، وفور استكمال المحضر يتم قرائته عليه باللغة التي يفهما ويوافق عليه ويوقع، وبعد ذلك يتم تسليمه للسيد وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية التابع لدائرة نفوذها مكان ضبطه .
وعليه يعمل السيد وكيل الملك على إثارة الدعوى وإحالة الملف على السيد قاضي الأحداث طبقا للقانون، ويتم متابعة القاصر الأجنبي بتهمة الدخول والإقامة غير المشروعة فوق التراب الوطني طبقا لظهير 11-11-2003 رقم 03-02.
ثانيا : مرحلة المحاكمة .
يتم متابعة القاصرين الأحداث الأجانب بتهمة الدخول والإقامة غير المشروعة بالمغرب وفور تسلم السيد قاضي الأحداث للملف يتم تعيين تاريخ الجلسة التي تتم بحضور القاصر وحضور النيابة العامة، حيث يعاد استنطاق القاصر الأجنبي واستفساره وغالبا ما يؤكد هذا الأخير ما جاء في محضر الضابطة القضائية(1)، وضمانا لحقوق الدفاع تعمل المحكمة على انتداب مترجم.
وبعد اقتناع المحكمة بثبوت الجنحة موضوع المتابعة في حق الحدث الأجنبي الذي يكون آخر من يتكلم، يتم إخضاعه لواحد أو أكثر من التدابير الحمائية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية "الفصل 458 وما يليه".
المبحث الثانـي
المركز القانوني للطفل القاصر المهاجر سريا في التشريعات المقارنة ومحاولة تقديم تدابير للحد من الظاهرة.
بعد أن تطرقنا للمركز القانوني للطفل القاصر في التشريع المغربي سنحاول الآن البحث عن موقع الطفل القاصر المهاجر سريا في التشريعات المقارنة (المطلب الأول) وبعد ذلك سنعمل على اقتراح تدابير شخصية من أجل الحد من تفاقم الظاهرة (المطلب الثاني).
المطلـب الأول
المركز القانوني للطفل القاصر المهاجر سريا في التشريعات المقارنة .
سنحاول البحث عن موقع الطفل في القانون الهولندي (الفقرة الأولى) ثم موقع القاصر المهاجر سريا في القوانين الإيطالية (الفقرة الثانية) وفي الأخير سنبحث عن موقع القاصر في القوانين الإسبانية (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : التشريع الهولندي المتعلق بالهجرة.
مع مطلع التسعينات بدأت الحكومة الهولندية بتكثيف سياسة المراقبة الداخلية على المهاجرين وذلك بخلق فرق متنقلة لحراسة الحدود، أما على مستوى التشريع فقد صدر سنة 1994 قانون إثبات الهوية وقانون الربط الإداري، ففي فاتح يوليوز 1998 دخل قانون الربط الإداري "OPPELINGSWET" حيز التنفيذ ويروم هذا القانون محاربة ما تسميه الجهات الرسمية ب "SCHIJNILLEGALITEIT" أي استفادة الأجانب الذين لا يتوفرون على رخصة الإقامة من التأمينات الإجتماعية وخدمات المرافق العمومية([277]).
ويشترط قانون الربط الإداري أن يكون الأجنبي حاصلا على أوراق الإقامة القانونية في هولندا لكي يستفيد من حقوق الضمان الإجتماعي.
بحيث أصبحت كل مؤسسة أو مصلحة ملزمة قبل أن تقدم خدماتها، بأن تتأكد من هوية صاحب الطلب، رخصة الإقامة ونوعيتها وهل نوع الإقامة التي للأجنبي تخول له الحق لكي يستفيد من الخدمات المطلوبة.
وحتى يمكن لهذه المؤسسات والمصالح القيام بالمراقبة تم الربط ما بين السجل الإداري للبلدية والنظام الإداري للأجانب، فكل أجنبي مسجل رسميا في البلدية ولا يتوفر على رخصة الإقامة يشار إليه برمز خاص في سجل المعطيات الإدارية للبلدية، وبواسطة الرجوع لهذا السجل يمكن للمؤسسة أو المصلحة المعنية أن تراقب بسرعة هل الأجنبي مقيم بصفة قانونية أم لا؟ وهل له الحق في الاستفادة من الخدمات المطلوبة([278]) ؟
وأهم المصالح والمؤسسات المرتبطة بقانون الربط الإداري هي جمعيات السكنى، المؤسسات والإدارات المكلفة بمنح التعويضات الاجتماعية وتعويضات البطالة أو العجز عن العمل ومؤسسات العناية الصحية وصناديق التأمين الصحي.
إن أهم ملاحظة نبديها على قانون الربط الإداري المتعلق بالمهاجرين هو ربطه الاستفادة من الحقوق الأساسية بالتوفر على أوراق الإقامة، وبالتالي فإن أي مهاجر غير شرعي مهما كانت وضعيته راشد أو قاصر فإنه لا يستطيع الاستفادة من الخدمات الإجتماعية وحتى الحق في الصحة وهذا ما يتنافى مع مقتضيات المواثيق الدولية وخاصة الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ويتنافى كذلك مع مقتضيات الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
يتبين مما سبق أن الحكومة الهولندية تحارب الهجرة غير المشروعة بالحرمان من أقل الحقوق المقررة للإنسان ولا تعطي أي أهمية للقاصرين، بالرغم من أن عدد كبير من المهاجرين الغير الشرعيين بهولندا متزوجين ولهم أطفال قاصرين.
أما بخصوص تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين فالتشريع الهولندي يعتبر من أصعب القوانين، إذ تنهج الحكومة الهولندية من أجل تسوية أوضاع المهاجرين السريين ما يعرف بإجراءات الست سنوات، وانطلاقا من هذا المبدأ اتخذت الحكومة الهولندية في سنة 1992 إجراء وزاريا محدودا لتسوية وضعية المهاجرين السريين الذين اشتغلوا قانونيا لمدة ست سنوات متتالية، ومع مطلع سنة 1995 أصدرت كتابة الدولة في العدل مرسوما وزاريا بتاريخ 15مارس 1995 شددت فيه إجراءات الست سنوات إذ أصبح يشترط في المهاجرين بدون أوراق الشروط التالية :
– أن يكون قد اشتغل بصفة رسمية 200 يوم في السنة لمدة ست سنوات متتالية على الأقل من تاريخ تقديم الطلب.
– أن لا يكون قد تعرض سابقا لعملية الطرد أو الإبعاد من هولندا.
– ألا يكون قد قدم معلومات خاطئة أو استعمل أوراقا مزورة للحصول على حق الإقامة أو العمل.
– ألا يكون المهاجر يشكل خطرا على النظام والأمن العام.
إن أقل ما يمكن ملاحظته على هذه الشروط هو أنها قلصت من حظوظ حصول المهاجرين الغير الشرعيين على رخص الإقامة في هولندا.
هكذا يتضح لنا موقع القاصرين المهاجرين سريا في التشريع الهولندي الذي يعامل المهاجرين السريين بكل قساوة من خلال حرمانهم من أبسط الحقوق الأساسية للإنسان ومن خلال تعقيد إجراءات تسوية الوضعية.
ن الأجانب حيز التنفيد ابتداء من 21 دجنبر 2003 بعد حوالي ثلاثة أشهر من تصويت البرلمان الإسباني عليه في 2 أكتوبر 2003.
ويتضمن القانون الجديد مقتضيات جديدة حول فرض التأشيرة بالنسبة للأجانب غير المنتمين لدول الإتحاد الأوربي، وتمكين الشرطة من إحصاء المهاجرين على مستوى البلدية وإخضاع التجمع العائلي لإجراءات صارمة([290]).
ويسمح القانون الجديد الذي يعد الثالث من نوعه في ظرف أربع سنوات بوضع شروط جديدة للحصول على التأشيرة تمكن طالبيها ليس فقط من دخول إسبانيا ولكن من الإقامة والعمل أيضاً.
من جهة أخرى احتفظت الحكومة الإسبانية لنفسها بإمكانية اعتماد حصة سنوية للعمال غير المنتمين للإتحاد الأوروبي وحصر عدد التأشيرات الممنوحة للراغبين في الدخول إلى إسبانيا للبحث عن عمل.
ولتفادي تكاثر التجمعات العائلية نص القانون الجديد على فرض قيود يتم بموجبها السماح فقط للأشخاص الذين حصلوا على رخص الإقامة بإسبانيا من الاستفادة من حق التجمع العائلي والذي يتعلق بالأساس بالوضعية الإقتصادية والمادية للمهاجر.
من جهة أخرى ستكون شركات النقل وخصوصا الجوي بموجب هذا القانون مجبرة على إبلاغ السلطات الإسبانية بجميع المعطيات المتعلقة بالمسافرين غير المصحوبين بتذكرة العودة.
وبمقتضى هذا القانون سيتم تشديد شروط الدخول إلى إسبانيا وفرض عقوبات على كل الأشخاص الذين يحاولون الدخول بطريقة غير شرعية إلى التراب الإسباني بمنعهم من الدخول إلى إسبانيا لمدة قد تصل إلى عشر سنوات، كما يشدد العقوبات ضد الأشخاص أو الشبكات المتورطة في تهريب الأشخاص وضد المقاولين الذين يشغلون المهاجرين الذين يتواجدون فوق التراب الإسباني بطريقة غير شرعية (1).
وللإستفادة من بعض المساعدات الإنسانية كالتطبيب يتوجب على المهاجرين السريين تسجيل أنفسهم في سجل البلديات، لكن تخويل القانون الجديد للشرطة الحق في الاطلاع على سجلات المهاجرين السريين وبالتالي التمكن من الحصول على جميع بياناتهم مثل عناوينهم وأرقام هواتفهم مما سيسهل اعتقالهم وترحيلهم وهذا ما سيدفع بالمهاجرين السريين إلى الإمتناع عن تسجيل أنفسهم في سجلات البلديات مما سيحرمهم من بعض الحقوق الأساسية وخاصة التطبيب المجاني.
يتبين مما سبق أن هذا القانون الجديد الذي عنوانه العريض محاربة الهجرة غير الشرعية يتجاهل سوق العمل والوضعية بالبلد الأصلي التي تدفع إلى الهجرة وتشجع عليها إذ أن استمرار تدفق المهاجرين على إسبانيا هو أمر متوقع ([291])، علما أن المعطيات الإقتصادية تكشف استحالة التخلي عن المهاجر السري لما يشكله من ربح والتقليل من أعباء الشركات وفي آخر المطاف الدولة نفسها، فالقانون الجديد لا يقدم في نظرنا أي جواب عملي لوضعية نصف مليون مهاجر % 20 منهم مغاربة([292]).
وبخصوص موقف إسبانيا – التي تحتضن أغلب القاصرين المغاربة المهاجرين نحو أوربا- من ظاهرة هجرة القاصرين فيمكن القول أنها لا تتوفر على سياسة واضحة ومنسجمة، وباعتبار إسبانيا تعتمد تاريخيا على الجهة كوحدة أساسية في التنظيم الإداري نجد سياسات جهوية مختلفة لمعالجة الظاهرة حيث أن كل جهة قامت بإدماجها ضمن اهتماماتها وسياستها المحلية([293]).
وفيما يتعلق بالقوانين التي تؤطر مركز القاصرين بإسبانيا فهي القانون المحلل أعلاه، وقوانين 91 و 95 حول القاصرين الذي ينص على تكليف الإدارة الخاصة بحماية الطفولة تحت إشراف الحكومة المحلية بوضع هؤلاء الأطفال تحت وصايتها.
وتمنح هذه القوانين الحق في التطبيب والسكن والتكوين المهني للأطفال، كما تنص أيضاً على منع طرد الأطفال الذين يتجاوز عمرهم ثمانية عشر سنة وهذه المقتضيات تضل حبراً على ورق، ويشهد على هذا وضعية القاصرين بإسبانيا حيث تنعدم أبسط الحقوق (1) الأساسية وكذلك ترحيلهم طبقا لمذكرة التفاهم المغربية الإسبانية حول ترحيل القاصرين على الرغم من خرقها للقانون الداخلي الإسباني ولاتفاقية حقوق الطفل كما بينا ذلك سابقا.