في الواجهةمقالات قانونية

الحاجة لتعديل قانون مالية سنة 2020 في ظل وباء فيروس كورونا

الحاجة لتعديل قانون مالية سنة 2020

ايت الشيخ محمد كريم

طالب باحث بسلك الدكتوراه

فريق البحث في حسن الأداء الإداري والمالي

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ السويسي ـ

حظي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، بنقاش جد واسع بين الباحثين في المجال القانوني، حيث هناك من ذهب وبحث في تأثير الفيروس على المعاملات والتعاقدات[1]. إلا أننا ارتئينا أن نساهم في إغناء هذا النقاش عبر تخصيص هذا العمل المتواضع للبحث في دراسة الأثار المترتبة للفيروس على قانون مالية سنة 2020[2]، وحاجته إلى تعديل، ومن المفيد التذكير أن أخر مناسبة لتعديل قانون مالية السنة تعود لسنة 1983.

صحيح أن الحكومة تتوفر على ما يكفي من الوسائل التنظيمية للخروج عن الترخيص البرلماني، دون الحاجة لتعديل قانون مالية، ونخص بالذكر هنا، إقدام الحكومة (بواسطة مراسيم) على فتح اعتمادات إضافية، أو إحداث حسابات خصوصية لم يتوقع قانون مالية سنة مبالغها وتخصيصها[3]، وقد شهدت الأيام القليلة الماضية هذا الأمر من خلال إقدام الحكومة طبقا لتوجيهات الملكية على إحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم” الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19ـ”[4].

لكننا من خلال هذا العمل سنركز على المبررات العملية التي قد تدفع الحكومة لتعديل قانون مالية سنة 2020، الأمر الذي يضعنا أمام الإشكالية الرئيسية التالية: ما مدى حاجة الحكومة لتعديل قانون مالية سنة 2020؟

من أجل الإجابة عن هذه الإشكالية الرئيسة، سنحاول بداية الوقوف على المبررات العملية لتعديل قانون مالية سنة 2020، ونخص بالذكر هنا ضرورة مراجعة الفرضيات الماكرو الاقتصادية التي بني على أساسها قانون مالية سنة 2020 باعتبار صدق الفرضيات صورة من صور مبدأ الصدقية (أولا)، ثم بعد ذلك سنذكر بالمسطرة المتبعة من أجل تعديل قانون مالية السنة (ثانيا).

أولا: مبررات تعديل قانون مالية سنة 2020

يتم إعداد قانون مالية سنة استناداً إلى مجموعة من الفرضيات الاقتصادية والمالية، والتي يعتبر لا محيد عنها لتحقيق أهداف البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات[5]، وتحديد الرصيد المتوقع للميزانية[6]، ويشترط في هذه الفرضيات أن تكون واقعية ومبررة.

هكذا، بني قانون مالية سنة 2020 على مجموعة من الفرضيات، في مقدمتها توقع محصول زراعي من الحبوب يقدر ب 70 مليون قنطار، ومتوسط سعر غاز البوتان ب 350 دولار أمريكي للطن، ومعدل نمو بنسبة 3.7%، ومعدل عجر الميزانية يقدر ب 3.5%[7].

كما كان يتوقع كذلك تحسن استهلاك الأسر ب 3,5% عوض 3,3% سنة 2019، نتيجة التأثيرات الإيجابية المرتقبة للموسم الفلاحي 2019-2020، وكذا التحسن المتوقع للمداخيل الواردة من باقي العالم[8].

على مستوى الميزان التجاري، كان يتوقع انتعاش صادرات السلع والخدمات بنسبة نمو تناهز ب 6.4%، حيث سيتم دعم هذه الدينامية من طرف قطاعات ذات قيمة مضافة عالية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر[9]، صناعة السيارات والطيران والإلكترونيك[10].

أما بخصوص الواردات فقد كان يتوقع تحقيق نمو مضطرد على مستوى واردات السلع والخدمات بنسبة 5.2% سنة 2020[11].

لكن إبان تنفيذ قانون مالية سنة 2020 طرأت مجموعة من المتغيرات التي قد تعجل بتعديل قانون مالية سنة، وتعتبر سنة 1983 أخر سنة مالية عرف فيها المغرب، إقدام الحكومة على تعديل قانون مالية السنة.

حيث أكد المندوب السامي للتخطيط، أن تداعيات الجفاف وفيروس كورونا سيكون لهما وقع جد سلبي على الاقتصاد الوطني، حيث في هذا الصدد يتوقع ألا تتعدى نسبة نمو هذه السنة 2%، وهي نسبة النمو الأقل خلال عشرين (20) سنة الماضية[12].

وفي نفس الاتجاه توقع بنك المغرب، تحقيق نسبة نمو في حدود 2.3%، وذلك نظراً لتأثير المزدوج للظروف المناخية غير الملائمة، وانتشار فيروس كورنا على الصعيد الدولي[13].

أمام هذه التغيرات اتجهت مجموعة من الدول إلى تعديل قوانين مالية السنة، من بين هذه الدول نجد الجمهورية الفرنسية، حيث يأتي هذا التعديل من أجل دعم الاقتصاد نتيجة الأضرار السلبية التي تسبب بها فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، عبر ضمان الدولة للقروض الممنوحة للمقاولات من قبل البنوك في حدود 300 مليار أورو، إضافة إلى إحداث حساب خصوصي بهدف تعويض المقاولات الصغيرة جداً TPE نتيجة الأضرار التي لحقتها بسبب الفيروس. كما سيتم كذلك مراجعة الفرضيات الاقتصادية والمالية، لتصبح نسبة النمو المتوقع تحقيقها نتيجة الأضرار التي سببها الفيروس للاقتصاد 1-%، ونسبة عجز 3.9%[14].

مما لا شك فيه أن فيروس كورونا والجفاف سيكون لهما تأثير مزدوج على الاقتصاد الوطني، بداية سنأخذ نموذج تأثير الجفاف على القطاع الفلاحي، حيث يساهم هذا القطاع في 14% من الناتج المحلي الإجمالي[15]،  وأمام تأثير الجفاف قد يتم التخلي عن عدد مهم من العاملين بهذا القطاع، وبالتالي ترتفع نسبة البطالة، الأمر الذي سيؤثر لا محالة على القدرة الاستهلاكية للعائلات التي فقدت عملها بهذا القطاع الحيوي.

 

 

 

أما بخصوص تأثير فيروس كورنا، سنأخذ نموذج القطاع السياحي، حيث يساهم هذا القطاع الحيوي ب 11% من الناتج الإجمالي، إضافة إلى المساهمة في توفير 548.000 منصب شغل مباشر، أي 5% من مجموع اليد العاملة، وأمام قرار تعليق الرحلات الجوية، سيجد هذا القطاع نفسه متأثراً، وستتراجع عائداته، كما يتوقع كذلك تراجع العملة الصعبة التي يتم توفيرها عبر هذا القطاع، فمثلا خلال سنة 2017 ساهم هذا القطاع في توفير حوالي 19% من العملة الصعبة[16].

هكذا، أمام التأثير المزدوج للجفاف وفيروس كورونا، تظهر الحاجة لتعديل قانون مالية سنة 2020، تعديل يأتي ليس فقط من أجل مراجعة الفرضيات الماكرو الاقتصادية التي بني عليها قانون مالية سنة، بل كذلك من أجل استيعاب عمليات جديدة لم يتوقع قانون مالية سنة 2020 مبالغها وتخصيصها، تدابير تهدف بالأساس إلى تقليص من حدة الأضرار التي ستلحق الاقتصاد الوطني.

في نظرنا، بالإضافة إلى ما سبق ذكره من مبررات عملية محركة لمطلب تعديل قانون مالية سنة، نضيف أن هذا التعديل يأتي كذلك من أجل الحفاظ على صدقية قانون المالية، الذي يعتبر من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها المالية العمومية، مبدأ تم الاعتراف به أول مرة من طرف القضاء الدستوري المغربي سنة 2013 عندما بت في دستورية مشروع قانون مالية سنة 2014[17]، حيث اعتد القضاء الدستوري بصدق التقديرات الذي لا يعدو كونه جزءا ومكونا من مكونات مبدأ الصدقية[18].

رغم السمة التوقعية لقانون المالية، إلا أن توقع ليس عملية تخمينية، فمنهجية بناء معالم قانون المالية تحكمها ثلاث محددات، تتمثل في صحة وصدق المعطيات المقدمة في شكل توقعات، ارتباطها بالواقع الاقتصادي والاجتماعي وقابليتها للتبرير، وأخير اعتماد التوقعات على فرضيات اقتصادية ومالية، وقد سبق أن عرفت فرنسا حالة طعن في دستورية قانون مالية سنة بالنظر للفرضيات الماكرو الاقتصادية التي بني عليها[19].

بناء على ما سبق تظهر لنا الحاجة لوضع قانون مالي تعديلي، مبني على فرضيات ماكرو اقتصادية جديدة تراعي الظروف التي يمر منها المغرب، وبالتالي مراجعة الأحكام المتعلقة بتوازن الموارد والتكاليف.

إذا كان قانون مالية سنة 2020 قد توقع، تحصيل مداخيل ضريبية تقدر ب 233 مليار درهم[20]، فأمام الظروف التي يعيشها الاقتصاد المغربي، وجب إعادة النظر في هذا رقم رغم أننا نعلم أن المداخيل الواردة في قانون مالية سنة تبقى ذو طبيعة تقديرية، عكس النفقات التي تكون ذو طبيعة تحديدية، الأمر الذي يستلزم تعديل قانون مالية سنة 2020، من أجل استيعاب نفقات جديدة لم يتوقع قانون مالية سنة مبالغها وتخصيصها، نفقات تهدف بالأساس إلى:

  • تأهيل المنظومة الصحية بالبلاد؛
  • دعم الاقتصاد الوطني لمواجهة الأثار السلبية للجفاف وفيروس كورونا؛
  • الحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية للجفاف وفيروس كورونا.

إذا أبرزنا بشكل جلي مبررات تحريك مطلب تعديل قانون مالية، فماذا عن المسطرة المتعبة في تعديل قانون مالية سنة في ظل القانون التنظيمي الحالي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثانيا: مسطرة تعديل قانون المالية:

إن قانون المالية ليس كباقي القوانين فهو الفعل القانوني والاقتصادي والاجتماعي الأكثر أهمية الذي يتخذه البرلمان كل سنة، لذلك أبى المشرع الدستوري إلا أن يميز قانون المالية عن غيره من القوانين العادية، وأن يضفي عليه خصوصية متميزة عن غيره من القوانين العادية، سواء من حيث شكل تقديمه وبنيته وأجال صياغته أو من حيث مضمونه ونطاق تطبيقه والأثار المترتبة عنه[21].

علاقة بموضوعنا القانون المالي المعدل، تظهر خصوصية هذا الصنف من القوانين المالية مقارنة بباقي القوانين العادية، من خلال ما تضمنته المادة الرابعة من القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بقانون المالية «لا يمكن أن تغير خلال السنة أحكام قانون المالية للسنة إلا بقوانين المالية المعدلة».

هكذا، يبدو قانون المالية محصنا لا تطاله كل المبادرات التعديلية، فتعديل قانون المالية السنوي لا يكون إلا عبر مشروع قانون مالي تعديلي، أي قانون من نفس المستوى، ووفق نفس الميكانيزمات التمفصيلية للمؤسسات[22].

من خلال ما سبق يتضح أن تقديم والتصويت على قانون المالية المعدل يتم وفق نفس الكيفيات التي يقدم ويصوت بها على قانون مالية سنة[23]، أي أن الحكومة هي من تكون صاحبة المبادرة في تعديل قانون المالية، ولا يمكن أن يخيل تعديل قانون المالية من طرف البرلمان.

وقد نظمت مسطرة التصويت على قانون المالية المعدل بموجب المادة 51 من القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بقانون المالية، حيث يصوت البرلمان بغرفتيه على مشروع قانون المالية المعدل في أجل لا يتعدى 15 يوم الموالية لإيداعه من طرف الحكومة لدى مكتب مجلس النواب، وتوزع المدة المذكورة وفق الطريقة التالية:

  • يبت مجلس النواب في مشروع قانون المعدل داخل أجل ثمانية (8) أيام الموالية لتاريخ إيداعه (القراءة الأولى)؛
  • يبت مجلس المستشارين في المشروع دخل أجل أربعة (4) أيام الموالية لعرضه عليه؛
  • يقوم مجلس النواب بدراسة التعديلات المصوت عليها من طرف مجلس المستشارين ويعود له البت النهائي في مشروع قانون المالية المعدل في أجل لا يتعدى ثلاثة (3) أيام.

ختاما، قد حاولنا إبراز مدى تجاوز الفرضيات التي بني عليها قانون مالية سنة 2020، الأمر الذي يعجل بوضع قانون مالي تعديلي مبني على فرضيات تعكس واقع الظرفية الاقتصادية والمالية التي تعيشها البلاد نتيجة الأثار المترتبة عن الجفاف وفيروس كورونا.

في نهاية المطاف، تبقى الحكومة وحدها هي صاحبة الاختصاص الحصري في تحريك هذه المسطرة، من عدمها. حيث تتوفر الحكومة على ما يكفي من الوسائل التنظيمية للخروج عن الترخيص البرلماني دون الحاجة لتعديل قانون مالية السنة، وفي هذا الصدد نذكر بتصريح رئيس الحكومة يوم السبت 14 مارس 2020 الذي أكد أن إمكانية تعديل قانون مالية السنة تبقى مسألة واردة.

 

 

 

 

 

 

 

[1] Mohamed khadraoui, le coronavirus contamine aussi les contrats, l’économiste, édition n 5721, le 18/03/2020.

[2] قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6838 مكرر، بتاريخ 17 ربيع الأخر 1441 (14 دجنبر 2019)، ص.11087.

[3] أنظر المادتين 26 و60 من القانون التنظيمي رقم 130.13 المتعلق بقانون المالية.

[4] مرسوم رقم 2.20.269 المتعلق بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد 19 ـ، الصادر بتاريخ 21 رجب 1441 (16 مارس 2020)، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6865 مكرر، الصادر بتاريخ 22 رجب 1441 (17 مارس 2020)، ص.1540.

[5]  جاء في الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون التنظيمي 130.13 ما يلي: «تهدف هذه البرمجة على الخصوص إلى تحديد تطور مجموع موارد وتكاليف الدولة على مدة ثلاث سنوات اعتماداً على فرضيات اقتصادية ومالية واقعية ومبررة

[6]  نصت المادة التاسعة من القانون التنظيمي 130.13 على ما يلي: «يحدد رصيد الميزانية المتوقع على الخصوص بناء على الفرضيات التي تم على أساسها إعداد مشروع قانون مالية السنة.»

[7]  مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2020، ص.2.

[8] الميزانية الاقتصادية التوقعية لسنة 2020، المندوبية السامية لتخطيط، ص.16.

[9] صادرات الفوسفاط ومشتقاته نموذجا؛ صادرات الخدمات: نموذج خدمات السفر.

[10]  التقرير الاقتصادي والمالي المرفق بمشروع قانون مالية سنة 2020، ص.89.

[11]  نفس المرجع، ص.89.

[12] Khadija masmoudi, sécheresse, coronavirus : alerte sur la croissance, l’économiste, édition 5717, 12/03/2020.

[13] Communique de presse, réunion de du conseil de BANK AL-MAGHRIB, p.2.

[14]  للمزيد من المعلومات المرجو استعمال الرابط التالي: https://www.gouvernement.fr/conseil-des-ministres/2020-03-18/loi-de-finances-rectificative-pour-2020

[15] Agriculture en chiffre 2018, ministre de l’agriculture, de la pêche maritime de développement rurale et des eaux et forêts, p.3.

[16]  للمزيد من المعلومات يمكن استعمال الرابط التالي: https://www.tourisme.gov.ma/fr/tourisme-en-chiffres/chiffres-cles

[17] القرار رقم 931/2013، الصادر عن المجلس الدستوري، بتاريخ 26 صفر 1435 (30 دجنبر 2013).

[18] د.سي محمد البقالي، الكتلة الدستورية للمالية العمومية، مطبعة المعارف الجديدة ـ الرباط ـ، الطبعة الثانية 2019، ص.58.

[19]  نفس المرجع، ص.168.

[20] المادة 42 من قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020.

[21]  د.سي محمد البقالي، الكتلة الدستورية للمالية العمومية، مرجع سابق، ص.154.

[22]  نفس المرجع، ص.157.

[23] هذا الأمر تم التأكيد عليه بموجب المادة 57 من القانون التنظيمي 130.13 المتعلق بقانون المالية «تقدم قوانين المالية المعدلة ويتم التصويت عليها وفق نفس الكيفية التي يقدم ويصوت بها على قانون المالية للسنة، مع مراعاة أحكام المادة 51 أعلاه».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى