في الواجهةمقالات قانونية

الوباء العالمي “كورونا” ومقتضيات القانون الدولي.

 

الوباء العالمي “كورونا” ومقتضيات القانون الدولي.

محمد أوبالاك، محام وباحث في القانون الدولي.

مقدمة عامة:

نتج عن تفشي فيروس “الكورونا” المسمى علميا بالنسخة المطورة الجديدة لوباء الأنفلونزا Covid-19، وهي العدوى التي اكتشفت لأول مرة بمدينة يوهان الصينية، لتنتقل بعد ذلك إلى معظم دول المعمور.

وفيروس الكورونا هذا، يعد فيروسا معديا، ينتشر بسرعة فائقة مصيبا الجهاز التنفسي بأضرار بليغة،  قد تصل إلى حد الوفاة لظروف عمرية أوصحية معينة.

وقد عبر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية السيد “تيدروسأدهانوم غيبريسوس”، من خلال ما نشر بالموقع الرسمي للمنظمة بتاريخ: 25 مارس 2020، على مجموعة من التدابير المستعجلة التي يلزم على الدول المتضررة اتخاذها، مخاطبا العالم[1]:

“صباح الخير أو مساء الخير جميعا أينما كنتم.

ما زالت الجائحة تُحدث خسائر فادحة ليس في مجال الصحة فقط بل في العديد من مناحي الحياة.

فيوم أمس، اتخذت حكومة اليابان واللجنة الأولمبية الدولية قراراً صعباً ولكن حكيماً بتأجيل الألعاب الأولمبية والألعاب الأولمبية للمعوقين لهذا العام.

وإني أتوجه بالشكر لرئيس الوزراء آبي وأعضاء اللجنة الأولمبية الدولية لما قدموه من تضحية من أجل حماية صحة الرياضيين والمتفرجين والمسؤولين.

ونحن نتطلع إلى دورة العام القادم من الألعاب الأولمبية والألعاب الأولمبية للمعوقين التي نأمل أن تشهد احتفالاً أكبر وأفضل بإنسانيتنا المشتركة، وإني أصبو من الآن للمشاركة فيها.

لقد تخطينا الكثير من الجائحات والأزمات من قبل، وسوف نتخطى هذه أيضاً.

والسؤال هو: ما حجم الثمن الذي سندفعه؟       

فقد خسرنا حتى الآن 000 16 حياةً، ونعلم أننا سنخسر المزيد. أما كم هو هذا المزيد، فذلك يتوقف على القرارات والإجراءات التي نتخذها الآن.

وقد نفذت العديد من البلدان تدابير غير مسبوقة، بتكلفة اجتماعية واقتصادية باهظة، من أجل إبطاء وتيرة تفشي كوفيد-19، من بينها تعطيل المدارس والمؤسسات التجارية، وإلغاء الفعاليات الرياضية وتوجيه الناس إلى التزام البيت والحفاظ على سلامتهم.

ونتفهم أن هذه البلدان تحاول الآن تقييم متى وكيف يمكن تخفيف هذه التدابير.      والإجابة تعتمد على ما تفعله البلدان أثناء تطبيق هذه التدابير التي تعمّ جميع سكانها.

فمطالبة الناس بالتزام البيت وتقييد حركتهم يساعدان على كسب الوقت وتخفيف الضغط على النُظم الصحية.

ولكن هذه التدابير بحد ذاتها لن تطفئ سعير الأوبئة المندلعة في البلدان.     

والهدف الحقيقي من هذه الإجراءات هو التمكين من تنفيذ التدابير الهادفة الأكثر دقة التي يلزم تنفيذها لوقف انتقال العدوى وإنقاذ الأرواح.

ونحن نناشد البلدان التي فرضت ما يسمى بتدابير “الحظر الشامل” إلى الاستفادة من هذا الوقت لمهاجمة الفيروس.

فنحن بهذه التدابير قد فتحنا الباب لفرصة ثانية، والسؤال هو كيف سنستغل هذه الفرصة.

هناك ستة إجراءات رئيسية نوصي باتخاذها.

أولاً، زيادة وتدريب ونشر القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية والصحة العامة؛

ثانياً، تطبيق نظام لتقصي كل حالة يشتبه في إصابتها بالعدوى على مستوى المجتمع المحلي؛

ثالثاً، رفع الإنتاج والقدرات والوفرة في مجال الفحص؛

رابعاً، تحديد المرافق التي ستُستخدم لمعالجة المرضى وعزلهم وتهيئتها وتجهيزها؛

خامساً، وضع خطة وإجراءات واضحة للحجر الصحي على المخالطين؛

سادساً، توجيه تركيز الأجهزة الحكومية بأكملها على كبح تفشي كوفيد-19 والسيطرة عليه.

وهذه التدابير هي الطريقة الأفضل لكبح الانتقال ووقفه حتى لا ينشط الفيروس من جديد عندما تُرفع القيود المفروضة.

فآخر ما يحتاجه أي بلد هو أن يفتح المدارس والمؤسسات التجارية ليضطر إلى إغلاقها من جديد بسبب عودة الفيروس إلى الانتشار.

وتطبيق تدابير صارمة لتقصي الحالات وعزلها وفحصها ومعالجتها وتتبع مخالطيها ليس أفضل وأسرع طريقة للتحرر من القيود الاجتماعية والاقتصادية القاسية فحسب، وإنما هو أيضاً أفضل طريقها لتفادي الحاجة إلى فرضها أساساً.

هناك أكثر من 150 بلداً وإقليماً ما زال عدد الحالات فيها يقل عن 100 حالة.

وإذا طبقت هذه البلدان الإجراءات الصارمة نفسها الآن، فإن لديها الفرصة لمنع الانتقال المجتمعي المحلي وتفادي التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الأفدح التي اضطرت بلدان أخرى إلى تكبدها.

وينطبق هذا بشكل خاص على العديد من البلدان الأضعف التي قد تنهار نُظمها الصحية تحت وطأة الأعداد الهائلة من المرضى التي شاهدناها في بعض البلدان التي تشهد انتقالاً محلياً للعدوى.

وقد انضممت اليوم إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، ووكيل الأمين العام لتنسيق الشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، والمديرة التنفيذية لليونيسيف، هنرييتا فور، من أجل إطلاق المناشدة الإنسانية العالمية لدعم البلدان الأكثر هشاشةً التي تعاني بالفعل من أزمات إنسانية حادة منذ سنوات.

ما نشهده اليوم أكثر بكثير من مجرد أزمة صحية، ونحن في الأمم المتحدة ملتزمون بالعمل معاً كمنظومة واحدة لحماية الفئات الأضعف من سكان العالم من هذا الفيروس وعواقبه الوخيمة.

ونحن نرحب أيضا بدعوة الأمين العام إلى وقف عالمي لإطلاق النار. فنحن جميعا نواجه تهديدا مشتركاً والسبيل الوحيد لدحره هو التعاضد معاً كإنسانية واحدة، لأننا جميعاً ننحدر من عرق بشري واحد.

ونشعر بالامتنان للمتبرعين للصندوق التضامني للاستجابة لكوفيد-19 الذين زاد عددهم عن 000 200 فرد ومنظمة. وقد حصد الصندوق منذ إطلاقه قبل أقل من أسبوعين، أكثر من 95 مليون دولار. وأودّ في هذا السياق أن أعرب عن جزيل شكري لشركة على تبرعها السخي بمبلغ 10 ملايين دولار اليوم.

ورغم القلق الذي يساورنا بشأن البلدان الأشد عرضة للخطر خاصةً، فإن لدى جميع البلدان فئات سكانية هشة، من بينها كبار السن

وكبار السن هم منهل الحكمة في مجتمعاتنا. وهم أعضاء أعزاء وقيّمون في أسرنا ومحيطنا.

ولكنهم أيضا أكثر عرضة للمضاعفات الخطرة لكوفيد-19.

ونحن نستمع إليهم وإلى من يعملون معهم ومن أجلهم لتحديد أفضل الطرق التي يمكننا بها دعمهم.

نحن بحاجة إلى العمل معاً لحماية كبار السن من الفيروس ولضمان تلبية احتياجاتهم من الطعام، والوقود، والأدوية والتواصل البشري.

فالتباعد الحسي لا يعني التباعد الاجتماعي.

علينا جميعاً أن نحرص على السؤال بشكل منتظم عن آبائنا وأجدادنا وجيراننا وأصدقائنا أو أقاربنا الذين يعيشون وحدهم أو في دور الرعاية، بأي طريقة متاحة لنا، لطمأنتهم على عمق محبتنا لهم ومدى اعتزازنا بهم.

ذلك مهم في جميع الأوقات، ولكن أهميته تزداد أثناء الأزمات.

وأخيراً، إن جائحة كوفيد-19 قد سلطت الضوء على حاجتنا إلى طرق اتصال قوية ومبتكرة بشأن الصحة العامة.

ففي العام الماضي، أعلنت المنظمة عن أول مهرجان سينمائي عن موضوع الصحة للجميع. وقد فاقت المشاركات كل توقعاتنا من حيث العدد والجودة والتنوع

فقد استلمنا أكثر من 1300 مشاركة من 110 بلدان، ونعلن اليوم قائمة قصيرة تضم 45 فيلماً قصيراً متميزاً عن مواضيع صحية حيوية.

كما نعلن عن إنشاء هيئة تحكيم مرموقة لاختيار المشاركات الفائزة من القائمة القصيرة، حيث نعتزم الإعلان عن الفائزين في أيار/مايو المقبل.

وسنعرض جميع الأفلام التي أدرجت على القائمة القصيرة خلال الأسابيع القادمة على موقعنا الإلكتروني وعبر قنوات التواصل الاجتماعي.

فخلال هذه الأوقات العصيبة، تشكل الأفلام ووسائل الإعلام أداة قوية ليس لإيصال الرسائل الصحية الهامة فحسب، وإنما أيضا لتقديم دواء ناجع لكل داء، هو الأمل.

شكرا لكم”.

        إننا ومن خلال ما استقيناه من الخطاب الموجه من طرف السيد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في وصفه لهذه الظرفية العالمية الحرجة، هناك مجموعة من التدابير التي توحي بوجود علاقة بين تفشي وباء الكورونا عالميا وبين مجموعة من مقتضيات القانون الدولي في شقها الإنساني والسياسي والاقتصادي، التي قد تواجه بالانتهاك أحيانا، وبإيقاف العمل بمقتضيات اتفاقية دولية ما، أحيانا أخرى، أوبالتنصل من التنفيذ، وهو ما قد ينعكس سلبا على حسن تطبيق المقتضيات القانونية دوليا وإقليميا ووطنيا.

        واستنادا على هذه الفكرة، سوف نعمد إلى استعراض أهم صور تعامل دول العالم مع مقتضيات القانون الدولي في ظل تفشي وباء الكورونا، من خلال استعراض الصورتين التاليتين (الإنتهاك والإيقاف):

        الصورة الأولى:

انتهاك مقتضيات ميثاق حقوق الإنسان (الحق في الحياة):

إن ميثاق حقوق الانسان الصادر عن اجتماعات وتوصيات الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة يستمد أساسه القانوني من كون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يشكل أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان. وهذا الإعلان، الذي اعتمد منذ 60 عاماً تقريباً، كان مصدر إلهام لمجموعة ضخمة من معاهدات حقوق الإنسان الدولية ذات الإلزام القانوني، وكذلك لموضوع تطوير حقوق الإنسان على صعيد العالم بأسره. وهو لا يزال قبساً نهتدي به جميعاً، سواء عند التصدي للمظالم، أم في المجتمعات التي تعاني من القمع، أو عند بذل تلك الجهود الرامية إلى تحقيق التمتع العالمي بحقوق الإنسان، وأن وهذا الإعلان يعد بمثابة الاعتراف الدولي بأن الحقوق الأساسية والحريات الرئيسية تعد متأصلة لدى كافة البشر، وهي غير قابلة للتصرف وتنطبق على الجميع في إطار من المساواة، وأن كلا منا قد ولد وهو حر ومتساو من حيث الكرامة والحقوق. ومهما كان هناك اختلاف بيننا فيما يتعلق بالجنسية أو مكان الإقامة أو نوع الجنس أو المنشأ القومي أو العرقي أو اللون أو الدين أو اللغة أو أي حالة أخرى، يلاحظ أن المجتمع الدولي قد قام في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948 بإعلان التزامه بتأييد حقنا جميعاً في الكرامة والعدالة.

بيد أن انتهاكات مقتضيات هذا الميثاق كثيرة، لكن الانتهاك الصادم لهذه الحقوق، ترجمه ما بثته وسائل الإعلام العالمية، من صور مبكية في زمن الكورونا – هذا – ، اقترفته أعتى الدول العظمى التي تتبجح بحمايتها للحقوق والحريات وإرساء مبادئ الديمقراطية.

ففي إيطاليا – مثلا-  حيث سجلت أكبر نسبة مصابين بعدوى وباء الكورونا وأكبر عدد من الوفيات بعد الصين، تأخذ السلطات الإيطالية في سبيل التعامل مع هذا الوباء، بمبدأ اضطرار العاملين في قطاع الصحة نظرا لاحتشاد المستشفيات بالمصابين وعدم وجود أسرة كافية، إلى اختيار من سيشغل هذه الأسرـ وغالبا ما يتم التخلص من كبار السن ومن ضعيفي المناعة لإصابتهم بأمراض مزمنة في سبيل إنقاذ الأصغر عمرا[2].

في حين، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي باسبانيا ، يوم الثلاثاء 17 مارس 2020، فيديو لمسنة إسبانية رفض المسؤولون بمستشفى مدريد الحكومي استقبالها، رغم إصابتها بفيروس كورونا المستجد بعد ساعات قليلة من موت زوجها دون معرفة سبب الوفاة، ولقد أظهرت اللقطات المرأة المسنة، أمام المستشفى العام بمدريد، وهي تبكي بشدة وأعراض كورونا بادية عليها، حيث لاقت صعوبة بالغة في التنفس، بعد أن أعلمها المسؤولون بالاعتناء بنفسها بالمنزل، لأن المستشفيات قررت استقبال الحالات الحرجة فقط، لأنه لم يعد لديها طاقة على استيعاب عدد كبير من المرضى.

         ولقد أظهرت المملكة البريطانية ارتباكا كبيرا من خلال تعامل الحكومة البريطانية مع انتشار فيروس كورونا المستجد، تمثل في تغيير السياسات الحكومية أكثر من مرة. وعلى الرغم من صرامة رئيس الوزراء في خطابه الشهير الذي قال فيه إن كثيرين سيودعون أحبابهم من كبار السن والمرضى، فإن صرامة الخطاب لم تكن مقرونة بالأفعال المشينة التي أقدمت عليها كل من إيطاليا واسبانيا في تعاملها مع كبار السن والمرضى، في انتهاك واضح لميثاق حقوق الإنسان والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.

         أما على الصعيد الوطني، فلقد نهجت سلطات المملكة المغربية في سبيل الحد من انتشار الوباء بين المواطنين، سياسة وقائية تعتمد على الحجر الصحي الصارم، مصارحة للذات بالنقص المهول في المعدات والموارد البشرية في المجال الصحي.

وإن انتهاك الدول الأوربية للميثاق الدولي لحقوق الانسان والاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان، سوف نظهره من خلال ما سنستقيه من خلال مقارنة الواقع بما جاء بهذه المقتضيات:

المادة 7 من ميثاق الأمم المتحدة[3] التي تنص على:

ليس في هذا الميثاق ما يسوغ “للأمم المتحدة” أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن ‏هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع”.‏

المادتين 2 و 15 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان[4]:

المادة 2:

حق كل إنسان في الحياة يحميه القانون. ولا يجوز إعدام أي إنسان عمدا إلا تنفيذا لحكم قضائي بإدانته في جريمة يقضي فيها القانون بتوقيع هذه العقوبة.

لا يعتبر القتل مخالفا لحكم هذه المادة إذا وقع نتيجة استخدام القوة التي لا تتجاوز حالة الضرورة:
أ- للدفاع عن أي شخص ضد عنف غير مشروع.
ب- إلقاء القبض على شخص تنفيذا لقرار مشروع، أو لمنع شخص مقبوض عليه وفقا لأحكام القانون من الهرب.
ج- لاتخاذ الإجراءات المشروعة التي تهدف إلى قمع الشغب أو الخروج عن السلطة الشرعية.

المادة 15:

1-  في وقت الحرب أو الطوارئ العامة الأخرى التي تهدد حياة الأمة، يجوز لأي طرف سام متعاقد أن يتخذ تدابير تخالف التزاماته الموضحة بالاتفاقية في أضيق حدود تحتمها مقتضيات الحال، وبشرط ألا تتعارض هذه التدابير مع التزاماته الأخرى في إطار القانون الدولي .

 2-  الفقرة السابقة لا تجيز مخالفة المادة الثانية، إلا فيما يتعلق بالوفيات الناتجة عن أعمال حربية مشروعة، كما لا تجيز مخالفة المواد الثالثة والرابعة (فقرة أ) والسابعة.
3-
 على كل طرف سام متعاقد يستخدم حق المخالفة سالف الذكر أن يخطر السكرتير العام لمجلس أوروبا بمعلومات كاملة عن التدابير التي اتخذها والأسباب التي دعت إليها. كما يخطر السكرتير العام لمجلس أوروبا أيضا عند وقف هذه التدابير واستئناف التنفيذ الكامل لأحكام المعاهدة.

وأنه من خلال استقرائنا لمقتضيات الميثاق الدولي والاتفاقية الأوربية، سوف نجد أن ميثاق الأمم المتحدة وإن جاءت في ديباجته ومقتضياته العامة، تعابير دالة على حمايته للحقوق والحريات في جميع الدول الأعضاء بقوة الميثاق الملزم، والتي على رأسها حماية الحق في الحياة، لنجده يتحفظ ثم يتراجع من خلال تضمين نفس الميثاق عبارة:” ليس في هذا الميثاق ما يسوغ “للأمم المتحدة” أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما”، وهو دليل على أن المنظمة الدولية التي تعني بحماية الأمن السلم الدوليين، فإنها لا تمتلك أي سلطة عليا في سبيل التطبيق الصارم لمقتضيات ميثاقها أو تفادي أخذ الدول الأعضاء بأسلوب التنصل من تنفيذ مقتضيات بمبرر أو بدون مبرر[5] .

وأنه بالرغم من صراحة مقتضيات المادتين 2 و 15 من  الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان في حماية الحق في الحياة  وعدم المس بها، من خلال العبارة المضمنة بالمادة 2 من الاتفاقية: “ حق كل إنسان في الحياة يحميه القانون، ولا يجوز إعدام أي إنسان عمدا إلا تنفيذا لحكم قضائي بإدانته في جريمة يقضي فيها القانون بتوقيع هذه العقوبة”، لتتضمن المادة 15 من نفس الاتفاقية، عبارتي: ” في وقت الحرب أو الطوارئ العامة الأخرى التي تهدد حياة الأمة، يجوز لأي طرف سام متعاقد أن يتخذ تدابير تخالف التزاماته الموضحة بالاتفاقية في أضيق حدود تحتمها مقتضيات الحال، وبشرط ألا تتعارض هذه التدابير مع التزاماته الأخرى في إطار القانون الدولي .” ثم تأتي عبــــارة: “على كل طرف سام متعاقد يستخدم حق المخالفة سالف الذكر، أن يخطر السكرتير العام لمجلس أوروبا بمعلومات كاملة عن التدابير التي اتخذها والأسباب التي دعت إليها. كما يخطر السكرتير العام لمجلس أوروبا أيضا، عند وقف هذه التدابير واستئناف التنفيذ الكامل لأحكام المعاهدة”.

        أنه واستنادا إلى الاتفاقية الأوربية، يبقى التساؤل المحوري هو: هل اتخذت – فعلا – كلا من إيطاليا واسبانيا التدابير اللازمة المضمنة بالاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، قبل الإحجام عن تقديم المساعدة لكبار السن ورفض استقبالهم بمستشفياتها وتركهم لمصائرهم؟

        ربما سوف يكون الموضوع أكثر تشويقا عند بعض الحقوقيين والمحامين الدوليين في مساءلة المجلس الأوربي لحقوق الإنسان ولما لا المحكمة الجنائية الدولية، عن هذه الانتهاكات، بعد انتهاء خطر وباء الكورونا[6] .

الصورة الثانية:

إيقاف العمل بمقتضيات بعض الاتفاقيات الدولية ( العالمية والإقليمية):

تنص القاعدة العامة في القانون الدولي العام، على أنه لا يتم إيقاف العمل بالاتفاقيات الدولية إلا باحترام تام لمقتضيات المادتين 54 و 57 من قانون المعاهدات الدولية، ويكون الاتفاق على إيقاف العمل بالاتفاقيات المبرمة بشكل مكتوب وصريح، إلا أنه في حالات استثنائية نظرا لحدوث أمور مستجدة غير متوقعة، والتي يجب أن تكون مبنية على حسن نوايا الأطراف المتعاهدة أو المتعاقدة دوليا كما هو الشأن لمقتضيات القانون المدني الذي يعد الشريعة العامة التي سار عليه قانون المعاهدات نفسه، تنتج عن ظروف قاهرة يستحيل معها التنفيذ أو طارئة يؤجل من خلالها التنفيذ، تحول دون حسن تنفيذ المقتضيات الاتفاقية وهو ما قد يشكل عائقا أمام حسن تطبيق مقتضيات القانون الدولي في شقه الاتفاقي، سواء كانت الاتفاقيات دولية شمولية أو اتفاقيات إقليمية[7].

إننا نحد أنفسنا أمام كثير من الاتفاقيات الدولية (الثنائية ومتعددة الأطراف)، المنظمة لأهم العلاقات الدولية في شقيها السياسي والاقتصادي، إلا أنه اختصارا للوقت والجهد، سوف نعمد إلى استعراض صورة إيقاف العمل ببعض مقتضيات الاتفاقيات الدولية (العالمية)[8] ذات الأهمية القصوى كحرية انتقال الأشخاص برا وبحرا وجواـ نظرا لظروف تفشي جائحة فيروس الكورونا واتخاذ جميع دول المعمور لتدابير غلق حدودها في وجه الوافدين من خارج الحدود الإقليمية للدولة، والتالي ينتج عنها إلغاء جميع تأشيرات الدخول إلى بلد معين تقتضي قوانينه الحصول على تأشيرة الدخول، أو إغلاق الحدود في وجه الأفراد الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة الدخول، سواء برا أو بحرا أوجوا، وذلك إلى إشعار آخر، بالرغم من التكلفة الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية، لاتخاذ مثل هذه التدابير الصارمة لتفادي ظهور أعداد جديدة من المرضى، وهو الأمر الذي عبرت عنه صحيفة “foreign affairs” بكون الاقتصاد العالمي دخل في حالة من الركود الشديد، وأن الانكماش سيكون مفاجئاً وحاداً بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، متوقعة أن تكون الآثار مؤثرة لعقود قادمة[9].

 وأنه ومن من خلال قراءتنا لما نصت عليه اتفاقية اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة (التعليق العام رقم 27 (حرية التنقل))، والتي سوف نستعرض منها المقتضيات القانونية التالية[10]:

إن القاعدة الثابتة لحرية التنقل دوليا، يمكن استقاؤها من خلال:

حرية التنقل وحرية اختيار مكان الإقامة (الفقرة 1):

 

4-  يتمتع كل فرد موجود بصفة قانونية في إقليم دولة ما بالحق في حرية التنقل واختيار مكان إقامته داخل ذلك الإقليم. ومن حيث المبدأ، يوجد مواطنو الدولة بصفة قانونية دائماً داخل إقليم تلك الدولة، أما مسألة وجود أجنبي ما “بصفة قانونية” داخل إقليم دولة ما فهي مسألة يحكمها القانون الداخلي للدولة، الذي يجوز لـه أن يفرض قيوداً على دخول الأجنبي إلى إقليم الدولة، شريطة أن تمتثل تلك القيود لالتزامات الدولة الدولية. وفي هذا الصدد، رأت اللجنة بالنسبة للأجنبي الذي دخل دولة ما بطريقة غير مشروعة، ولكن وضعه أصبح متفقاً مع القانون بعد ذلك، أن وجوده داخل إقليم تلك الدولة يجب أن يعتبر قانونياً لأغراض المادة 12، وما أن يصبح الشخص موجوداً بصفة قانونية داخل دولة ما، فإن أي قيود على حقوقه المحمية بموجب الفقرتين 1 و2 من المادة 12، وكذلك أي معاملة مختلفة عن المعاملة التي يحظى بها المواطنون، لا بد من تبريرها بموجب القواعد المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة 12 ، لذا، من المهم أن تشير الدول الأطراف في تقاريرها إلى الحالات التي تعامل فيها الأجانب معاملة مختلفة عن معاملة مواطنيها في هذا الصدد، وإلى مبررات هذا الاختلاف في المعاملة.
5-
 وينطبق الحق في حرية التنقل على إقليم الدولة المعنية كله، بما في ذلك جميع أنحاء الدول الاتحادية ، طبقا للفقرة 1 من المادة 12 يحق للأشخاص التنقل من مكان إلى آخر والإقامة في مكان ما حسب اختيارهم، كما أن التمتع بهذا الحق يجب ألا يخضع لأي غرض أو سبب معين للشخص الراغب في التنقل أو في الإقامة في مكان مان وأن أي قيود على هذا الحق يجب أن تكون متسقة مع أحكام الفقرة 3 أدناه.
6-
 ويجب على الدولة الطرف أن تضمن حماية الحقوق المكفولة في المادة 12 من أي تدخل سواء كان من جهات عامة أو من جهات خاصة. ولهذا الالتزام أهمية خاصة بالنسبة لحماية حقوق المرأة، فعلى سبيل المثال، فإن إخضاع حق المرأة في حرية التنقل واختيار مكان إقامتها لقرار شخص آخر، حتى لو كانت تربطه بها علاقة قرابة، سواء بالقانون أو بالممارسة العرفية، أمر يتعارض مع أحكام الفقرة 1 من المادة 12 [11]
7-
 ورهناً بأحكام الفقرة 3 من المادة 12، فإن الحق في الإقامة في مكان ما يختاره الشخص المعني داخل إقليم ما يشمل الحماية من جميع أشكال التشريد الداخلي القسري، ويحول دون منع الأشخاص من الدخول أو البقاء في جزء محدد من الإقليم. بيد أن الاحتجاز القانوني يمس بشكل أكثر تحديداً الحق في الحرية الشخصية وتشمله المادة 9 من العهد. وفي بعض الظروف قد تنطبق المادتان 12 و9 معاً.

حرية مغادرة الشخص لأي بلد، بما في ذلك بلده (الفقرة 2):     

 8-  لا يجوز اشتراط أن تكون حرية الشخص في مغادرة أي إقليم في دولة ما خاضعة لأي غرض محدد أو متوقفة على المدة التي يختار الشخص أن يبقى خلالها خارج البلد. وبالتالي، فإن السفر إلى الخارج مكفول بالمادة بالإضافة إلى المغادرة بغرض الهجرة بصورة دائمة. كما أن حق الفرد في تحديد الدولة التي يقصدها يمثل جزءاً من الضمان القانوني. وبالنظر إلى أن نطاق المادة 12، الفقرة 2، ليس مقصوراً على الأشخاص الموجودين بصفة قانونية داخل إقليم الدولة، فإن الأجنبي الذي يطرد بموجب القانون من البلد يحق له أيضاً أن يختار الدولة التي يقصدها رهناً بموافقة تلك الدولة5.
9-
 وتُفْرَض التزامات على دولة الإقامة ودولة الجنسية لتمكين الفرد من التمتع بالحقوق التي تكفلها الفقرة 2 من المادة 12، ونظراً لأن السفر الدولي يتطلب عادة وثائق ملائمة، ويتطلب جواز سفر بالتحديد، فإن الحق في مغادرة بلد ما يجب أن يشمل الحق في الحصول على وثائق السفر اللازمة،  ومنها طلب استصدار جوازات السفر هو عادة من واجب دولة جنسية الفرد. ورفض الدولة إصداره أو تمديد فترة صلاحيته لمواطن مقيم في الخارج قد يحرمه من الحق في مغادرة بلد الإقامة والسفر إلى مكان آخر، وليس مبرراً للدولة أن تزعم أن مواطنها يستطيع أن يعود إلى بلدها بدون جواز سفر.
10-
 وكثيراً ما تظهر ممارسات الدول أن للقواعد القانونية والتدابير الإدارية تأثيراً عكسياً على حق المغادرة، وخاصة مغادرة الشخص لبلده. ولذا، من المهم للغاية أن تبلغ الدول الأطراف عن جميع القيود القانونية والعملية التي تطبقها على حق المغادرة بالنسبة لمواطنيها وبالنسبة للأجانب، حتى يتسنى للجنة تقييم اتساق تلك القواعد والممارسات مع أحكام الفقرة 3 من المادة 12. وينبغي للدول الأطراف أيضاً أن تضمِّن تقاريرها معلومات عن التدابير التي تفرض جزاءات على وسائط النقل الدولية التي تنقل إلى إقليمها أشخاصاً لا يحملون الوثائق المطلوبة في الحالات التي تمس فيها هذه التدابير حق مغادرة بلد آخر.

في حين نجد أن الاستثناءات (القيود) الواردة عن إيقاف العمل بمقتضيات اتفاقية الحق في حرية التجول دوليا، سواء للأجانب أو للمواطنين الذين سبق لهم وأن غادروا دولتهم قبل إغلاق الحدود لظروف طارئة أو قاهرة، كما هو الحال الآن مع تفشي فيروس الكورونا، هو ما نصت عليه:

القيود (الفقرة 3):          

تنص الفقرة 3 من المادة 12 على ظروف استثنائية يمكن فيها تقييد الحقوق المكفولة بموجب الفقرتين 1 و2، إذ أن  الفقرة 3 تجيز للدولة تقييد هذه الحقوق فقط لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة[12] أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، ويستوجب السماح بهذه القيود أن ينص عليها القانون، وأن تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي لحماية هذه الأغراض، وأن تكون متسقة مع جميع الحقوق الأخرى المعترف بها في العهد.
12-
 ولا بد للقانون نفسه من أن يحدد الظروف التي يجوز فيها الحد من الحقوق. ولذا ينبغي أن تحدد تقارير الدول القواعد القانونية التي توضع القيود على أساسها. فالقيود التي لا ينص عليها القانون، أو التي لا تتسق مع متطلبات الفقرة 3 من المادة 12، ستمثل انتهاكا للحقوق المكفولة بموجب الفقرتين 1 و2.
13-
 وينبغي للدول، لدى اعتمادها القوانين التي تنص على القيود المسموح بها في الفقرة 3 من المادة 12، أن تسترشد دائماً بالمبدأ القائل بعدم إعاقة جوهر الحق من جراء القيود (انظر الفقرة 1 من المادة 5)؛ ويجب أن تُقْلَب العلاقة بين الحق والقيد، بين القاعدة والاستثناء. وينبغي للقوانين التي تجيز تطبيق القيود أن تستخدم معايير دقيقة، ولا يجوز لها أن تمنح المسؤولين عن تنفيذها حرية غير مقيدة للتصرف حسب تقديراتهم.
 14-  وتشير الفقرة 3 من المادة 12 بوضوح إلى أنه لا يكفي أن تخدم القيود الأغراض المسموح بها؛ فيجب أيضاً أن تكون ضرورية لحمايتها. ويجب أن تتمشى التدابير التقييدية مع مبدأ التناسب؛ ويجب أن تكون ملائمة لتحقيق وظيفتها الحمائية؛ ويجب أن تكون أقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة؛ ويجب أن تكون متناسبة مع المصلحة التي ستحميها.
15-
ولا بد من احترام مبدأ التناسب، لا في القانون الذي يحدد إطار القيود وحده، بل أيضاً في تطبيقه من جانب السلطات الإدارية والقضائية. وينبغي للدول أن تكفل سرعة إنجاز أي إجراءات متصلة بممارسة تلك الحقوق أو تقييدها، وأن تكفل توفير الأسباب التي تبرر تطبيق التدابير التقييدية.
16-
 وكثيراً ما أخفقت دول في إثبات أن تطبيق قوانينها المقيدة للحقوق المكفولة في الفقرتين 1 و2 من المادة 12 يتسق مع جميع المتطلبات المذكورة في الفقرة 3 من المادة 12.

فتطبيق القيود، في أي حالة فردية، يجب أن يستند إلى أسس قانونية واضحة، ويجب أن يلبي شرط الضرورة ومتطلبات التناسب. وعلى سبيل المثال، فإن هذه الشروط لن تلبى إذا مُنع فرد ما من مغادرة بلد ما لمجرد أنه يحمل “أسرار الدولة”، أو إذا مُنع فرد ما من السفر داخلياً بدون إذن صريح. ومن الجهة الأخرى، فإن الشروط يمكن أن تلبيها قيود على دخول مناطق عسكرية لأسبـاب متعلقـة بالأمن القومي، أو قيود على حرية الإقامة في مناطق يسكنها سكان أصليون أو مجتمعات أقليات.
17-
 وإن الحواجز القانونية والبيروقراطية المتعددة الجوانب والتي تؤثر بدون داعٍ على التمتع الكامل بحقوق الأفراد في التنقل بحرية ومغادرة بلد ما، بما في ذلك مغادرة بلدهم، واختيار مكان إقامتهم، هي مصدر قلق رئيسي. وقد انتقدت اللجنة، فيما يتعلق بحق التنقل داخل بلد ما، الأحكام التي تتطلب من الأفراد تقديم طلب للسماح لهم بتغيير إقامتهم أو التماس موافقة السلطات المحلية في المكان المقصود، بالإضافة إلى التأخيرات في البت في هذه الطلبات المكتوبة. وممارسات الدول مفعمة بكمية من العقبات التي تزيد من صعوبة مغادرة البلد، خاصة بالنسبة لمواطنيها. وتشمل هذه القواعد والممارسات جملة أمور، منها مثلاً: عدم إمكانية وصول مقدمي الطلبات إلى السلطات المختصة وانعدام المعلومات المتعلقة بالمتطلبات؛ واشتراط تقديم طلب من أجل استمارات خاصة يمكن عن طريقها الحصول على وثائق تقديم الطلبات المناسبة لإصدار جواز سفر؛ والحاجة إلى بيانات داعمة لمقدم الطلب من مستخدميه أو من أفراد أسرته؛ وإعطاء وصف دقيق لطريق السفر؛ وإصدار جوازات السفر فقط بعد دفع رسوم باهظة تتجاوز إلى حد كبير تكاليف الخدمة المقدمة من الإدارة؛ والتأخيرات غير المعقولة في إصدار وثائق السفر؛ والقيود على أفراد الأسرة المسافرين جماعة؛ واشتراط تقديم مبلغ مالي كعربون للعودة إلى الوطن أو إبراز تذكرة عودة؛ واشتراط إبراز دعوة من الدولة المقصودة أو من أشخاص يعيشون هناك؛ وإزعاج مقدمي الطلبات، مثلاً بالتخويف بالعنف البدني أو التهديد بالاعتقال أو فقدان الوظيفة أو طرد الأطفال من المدارس أو من الجامعات؛ ورفض إصدار جواز سفر بزعم أن مقدم الطلب سيلحق الضرر بسمعة البلد الطيبة. وفي ضوء هذه الممارسات، ينبغي للدول الأطراف أن تستوثق من أن جميع القيود التي تفرضها تمتثل امتثالاً تاماً لأحكام الفقرة 3 من المادة 12.
18-
ويجب أن يكون تطبيق القيود المسموح بها بموجب الفقرة 3 من المادة 12 متسقاً مع الحقوق الأخرى المكفولة في العهد ومع المبادئ الأساسية للمساواة وعدم التمييز. وبالتالي فإن تقييد الحقوق المنصوص عليها في الفقرتين 1 و2 من المادة 12 عن طريق أي تمييز أياً كان نوعه، سواء كان على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو الميلاد أو على أساس الوضع الاجتماعي، إنما يشكل انتهاكاً واضحاً للعهد. وقد لاحظت اللجنة خلال فحصها لتقارير الدول عدة حالات تطبق فيها تدابير تمنع المرأة من التنقل بحرية أو من مغادرة البلد إلا بموافقة شخص ذكر أو برفقته، وهي حالات تمثل انتهاكاً للمادة 12 أيضاً.

             حق الشخص في الدخول إلى بلده (الفقرة 4):

19  إن حق الشخص في الدخول إلى بلده ينطوي على اعتراف بعلاقة الشخص الخاصة بذلك البلد. وهذا الحق له عدة أوجه. فهو يعني ضمناً حق الشخص في البقاء في بلده. ولا يقتصر على حقه في العودة بعد مغادرة بلده، إذ يحق له أيضا المجيء إلى البلد لأول مرة إذا وُلِدَ خارجه (مثلاً، إذا كان ذلك البلد وطن الشخص بالجنسية). والحق في العودة يكتسب أهمية قصوى للاجئين الراغبين في العودة إلى الوطن باختيارهم. وهو يعني ضمناً أيضاً حظر عمليات ترحيل السكان القسرية أو طردهم الجماعي إلى بلدان أخرى.
20-
ولا تميز صيغة الفقرة 4 من المادة 12 بين المواطنين والأجانب (“لا يجوز حرمان أحد …”). وبالتالي فإن الأشخاص الذين يحق لهم ممارسة هذا الحق يمكن تحديد هوياتهم فقط بتفسير عبارة “بلدِه9. ونطاق عبارة “بلده” أوسع من مفهوم “بلد جنسيته”. وهو ليس مقصوراً على الجنسية بالمعنى الشكلي – أي الجنسية المكتسبة بالميلاد أو بالتجنُّس. إنه يشمل، على الأقل، الشخص الذي لا يمكن اعتباره مجرد أجنبي، وذلك بحكم روابطه الخاصة ببلد معين أو استحقاقاته فيه. وينطبق هذا مثلاً على حالة مواطني بلد ما جُرِّدوا فيه من جنسيتهم بإجراءٍ يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، وعلى حالة أشخاص أُدمج بلد جنسيتهم في كيان قومي آخر، أو جرى تحويله إلى كيان كهذا، وحرموا من جنسية هذا الكيان الجديد. ويضاف إلى ذلك أن صياغة الفقرة 4 من المادة 12 تسمح بتفسير أوسع قد يشمل فئات أخرى من الأشخاص المقيمين فترات طويلة الأجل، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الأشخاص عديمو الجنسية المحرومون تعسفاً من الحق في اكتساب جنسية بلد إقامتهم على هذا النحو. وبالنظر إلى أن عوامل أخرى قد تؤدي في ظروف معينة إلى إقامة صلات وثيقة ودائمة بين الشخص والبلد، ينبغي للدول الأطراف أن تُضَمِّن تقاريرها معلومات عن حقوق المقيمين الدائمين في العودة إلى بلد إقامتهم.
 21-  ولا يجوز بأي حال حرمان شخص ما تعسفاً من الحق في الدخول إلى بلده. والغرض من الإشارة إلى مفهوم التعسف في هذا السياق هو التشديد على أنه ينطبق على أي إجراء للدولة، سواء كان تشريعياً أو إدارياً أو قضائياً؛ فالإشارة إليه تضمن بالضرورة أن يكون أي تدخل، حتى ولو بحكم القانون، متفقاً مع أحكام العهد وغاياته وأهدافه، وأن يكون في جميع الأحوال معقولاً في الظروف المعيَّنة، وترى اللجنة أنه قلَّما تكون هناك ظروف – إذا وجدت أصلاً – يمكن أن تعتبر معقولة لحرمان شخص ما من الدخول إلى بلده، و يجب على الدولة الطرف ألا تُقْدِم – بتجريد شخص ما من جنسيته أو بطرده إلى بلد آخر – على منعه تعسفاً من العودة إلى بلده.

خاتمة:

ربما قد نتفق عن وقائع تجيز إيقاف العمل بمقتضيات القانون الدولي بناء على ظروف طارئة أو قاهرة تجعل التنفيذ مستحيلا أو مؤجلا، إلى أننا لن نتفق بالمرة حول انتهاك الحقوق المصيرية للأفراد، خاصة ما تعلق منها بالحق في الحياة، فلا يمكن اعتبار المواثيق الدولية والاتفاقيات الاقليمية التي حققت حقوقا مكتسبة مجرد حبر على ورق أو تعبيرا عن حسن نوايا.          

 

 

 

 

 

[1] https://www.who.int/ar/dg/speeches/detail/who-director-general-s-opening-remarks-at-the-media-briefing-on-covid-19—25-march-2020

[2]  https://www.alhurra.com/coronavirus/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7-%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%AD%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%A8%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7

[3]  http://hrlibrary.umn.edu/arab/a001.html

[4]  http://hrlibrary.umn.edu/arab/euhrcom.html

[5]  تيم دان وآخرون: “نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع”، ترجمة ديما الخضرا، المركز العربي لأبحاث دراسة السياسات، الطبعة الأولى لسنة 2016، الصفحة 314 وما يليها.

[6]  التمهيد والمواد 2 و 3 و 25 و 35 و 54 من ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي الاتحاد الأوروبي.

[7]  https://almerja.net/reading.php?idm=102114

[8]  تجيز المادتين 54 و 57 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، إيقاف العمل بالاتفاقيات الدولية في ظرف معينة.

[9]  https://www.alhurra.com/business/%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D9%85%D8%AF%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%AF-%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A

[10]  http://hrlibrary.umn.edu/arabic/hrc-gc27.html                                                           

[11]  ومع ذلك يعتبر – مثلا – حرية تنقل المرأة المتزوجة  سواء بمفردها أو بمعية أبنائها في مدونة الأسرة المغربية أمر غير مسموح به إلا وفق موافقة صريحة من الزوج أو وفق حكم قضائي بات ونهائي، وهو الأمر الذي يعد من النظام العام الأسمى الذي قد يصطدم بسمو المعاهدات على الدستور الوطني.

[12]  قررت المملكة المغربية – مثلا- بتاريخ: 14/03/2020، إغلاق حدودها في وجه مجموعة من الدول، تفعيلا لمقتضيات الفصل 21 و 74 من الدستور، لمزيد من التوسع، المرجو الإطلاع على الرابطين التاليين: 

https://al3omk.com/510256.html

https://www.hespress.com/societe/464455.html

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى