في الواجهةمقالات قانونية

حـــســنـاء جــعــفــر : جريمة العصيان بين القانون الجنائي و مرسوم حالة الطوارئ الصحية قراءة في مرسوم بقانون رقم 2.20.292 و المرسوم رقم 2.20.293

 

جريمة العصيان بين القانون الجنائي و مرسوم حالة الطوارئ الصحية

قراءة في مرسوم بقانون رقم 2.20.292

و المرسوم رقم 2.20.293

 

حـــســنـاء جــعــفــر

  • باحثة في القانون الخاص،
  • خريجة الماستر المتخصص في شعبة المهن القانونية والقضائية

 

مما لا شك فيه أن وباء كورونا المستجد  «  covid 19 »كانت له تداعيات جد مهمة على جميع الأصعدة، فقد أربك العالم بأسره وشل حركة مجموعة من المجالات الحيوية في كل الدول بدرجات متفاوتة حسب مدى تفشي الوباء.

والمغرب بدوره لم يسلم من هذه التداعيات والآثار، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو القانوني.

الشيء الذي دفع المغرب إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية بتاريخ 20 مارس 2020، هذا الإعلان الذي جاء بمجموعة من التدابير الاستباقية والاحترازية للحد من تفشي الوباء، من بين هذه الإجراءات الحد من مجموعة من الحريات والحقوق، منها الحق في التنقل بحرية في مجموع تراب المملكة.

فما هي اذن هذه الاجراءات؟ وكيف تعامل القانون مع المخالفين لهذه الاجراءات؟ وما الفرق بين جريمة العصيان المنصوص عليها في فصول القانون الجنائي، وتلك المنصوص عليها في مرسوم حالة الطوارئ؟

 

قبل الإجابة على هذه الأسئلة لابد أن نقوم بقراءة متأنية لمرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية، والفرق بين هذه الحالة وحالات المشابهة لها.

ثم التطرق بعد ذلك لأحكام جريمة العصيان.

 

1-حالة الطوارئ الصحية وتمييزها عن الحالات المشابهة

 

في إطار الجهود المبذولة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، صادقت الحكومة المغربية بتاريخ 22 مارس 2020 ، على المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية واجرءات الإعلان عنها.[1]

فماذا يقصد بحالة الطوارئ الصحية ؟

جاء في المرسوم المذكور: “يعلن عن حالة الطوارئ الصحية بأي جهة أو عمالة أو إقليم أو أكثر، بمجموع أرجاء التراب الوطني عند الاقتضاء، كلما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية، وان اقتضت الضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لحمايتهم من هذه الأمراض، والحد من انتشارها تفاديا للأخطار التي يمكن ان تنتج عنها.”[2]

اذن فحالة الطوارئ الصحية هي مجموع التدابير والاجراءات الاحترازية والاستباقية، لحماية حياة الاشخاص وسلامتهم من الامراض المعدية والوبائية، والحد من انتشار وتفشي هذه الامراض بين الناس.

ويتم الاعلان عن حالة الطوارئ الصحية بموجب مرسوم يتخد باقتراح من السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية والصحة.[3]

لكن السؤال المطروح هنا، هل تعتبر حالة الطوارئ الصحية صورة من صور  حالة الحصار[4] ، وحالة الاسثتناء .[5]

أ- حالة الحصار:

جاء في الفصل 74 من دستور المملكة لسنة 2011 : ” يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بقانون.”

ب- حالة الاستثناء: نص عليها الفصل 59 من الدستور بالقول:

” إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، يمكن للملك إعلان حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، رئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب للأمة……..، تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة…”

وتكمن الإجابة حول الفرق بين الحالات الثلاثة في أن حالة الحصار هي آلية لم تطبق قط بالمغرب، وهي حالة تطبق بموجب ظهير يوقع بالعطف من طرف رئيس الحكومة، ويجري تداولها في المجلس الوزاري، وتنحسر سلطة البرلمان في تمديد هذه الحالة، والدستور المغربي لم ينص على أي إجراء من شأنه أن يتخذ في حالة الحصار بل اكتفت الاجتهادات الدستورية باعتبارها جزء من حالة الطوارئ، التي تستوجب توقيف مجموعة من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وغلق الحدود البرية والبحرية والجوية [6].

في حين أن حالة الاستثناء فهي مرتبطة بتحقق أحد الأمرين، إما أن يكون هناك تهديد خارجي محدق بالبلد يستلزم تجميع السلطات وتوحيد الجهة المقررة للجواب عن هذا الظرف الطارئ، أو وجود أحداث داخلية تعرقل بشكل جلي السير الطبيعي للمؤسسات الدستورية بشكل يستلزم تدخل رئيس الدولة لتصحيح الوضع[7]، مع ضمان ممارسة كل الحقوق والحريات المكفولة دستوريا.

أما حالة الطوارئ الصحية فهي تعتبر مقياسا دوليا معتمدا من طرف المنظمة العالمية للصحة لوقف انتشار الأمراض و الأوبئة، ويترتب عليها تقليص ممارسة الأعمال التجارية، وقد تصل إلى فرض إغلاقها في الحالات القصوى[8] ، وكذا إلزام عموم المواطنين بالمكوث في بيوتهم والتقليل أو الحد من تنقلات الأفراد، وذلك في محالة للحد من انتشار الأمراض والأوبئة، كما هو الشأن بالنسبة للإجراءات التي اتخذها المغرب في هذا الصدد.

مع الإشارة إلى أن حالة الطوارئ الصحية،  لا تحول دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.[9]

 

2- جريمة العصيان بين القانون الجنائي ومرسوم حالة الطوارئ

نظم المشرع المغربي جريمة العصيان في القانون الجنائي ضمن الفصول من 300 إلى 308.

وهي جريمة كباقي الجرائم يتطلب لقيامها توفر الركن القانوني والمادي والمعنوي.

يعرف الفقه الجنائي العصيان بأنه المقاومة بواسطة العنف من أحد الأفراد ضد المؤتمن على السلطة العامة عند ممارسته المشروعة لوظائفه، وبمفهوم واسع عرفها الفقه بأنها كل ثورة وكل مقاومة مفتوحة ضد أوامر السلطة.[10]

وفي محاولة من المشرع لتعريف جريمة العصيان، جاء في الفصل 300 من مجموعة القانون الجنائي ما يلي: “كل هجوم أو مقاومة بواسطة العنف أو الإيذاء ضد موظفي أو ممثلي السلطة العامة القائمين بتنفيذ الأوامر أو القرارات الصادرة من تلك السلطة أو القائمين بتنفيذ القوانين أو النظم أو أحكام القضاء أو قراراته أو الأوامر القضائية يعتبر عصيانا “.

و عليه فإن جريمة العصيان تدخل ضمن الجرائم المرتكبة من الأفراد ضد النظام العام، والهدف من الهجوم أو المقاومة في جنحة العصيان هو منع ممثلي السلطة العامة من تنفيذ الأوامر أو القرارات الصادرة عن هذه السلطة.[11]

وتختلف عقوبة جنحة العصيان بحسب ظروف وملابسات وقوعها، وكذا عدد مرتكبيها، بحيث أن العقوبة هي الحبس من شهر إلى سنة والغرامة من ستين إلى مئة درهم إذا ما وقعت الجريمة من طرف شخص واحد أو شخصين، وتشدد العقوبة لتصل إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، في حالة استعمال السلاح.[12]

أما في حالة ارتكاب العصيان من طرف أكثر من شخصين فإن العقوبة حسب الفصل 302 من القانون الجنائي هي الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم،

والحبس من سنتين إلى خمس سنوات والغرامة من 200 إلى 1000 درهم في حالة حمل السلاح.

أما الفصل 308 من القانون الجنائي فقد نص على: “كل من قاوم تنفيذ أشغال أمرت بها السلطة العامة أو صرحت بها يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائتي درهم ولا تتجاوز ربع التعويضات.

أما الأشخاص الذين يتعرضون على تنفيذ هذه الأشغال بواسطة التجمهر أو التهديد أو العنف فإنهم يعاقبون بالحبس من ثلاثة  أشهر إلى سنتين وبالغرامة المشار إليها في الفقرة السابقة.”

لكن السؤال الذي يطرحه نفسه وبشدة، ما هي أوجه الاختلاف بين الفصلين 302 و 308 من ق.ج؟ وأي من الفصلين سيطبق على مخالف قرار حظر التجول؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه.

إذا كان الحق في حرية التنقل حقا مكفولا بمقتضى الدستور المغربي من خلال الفصل [13]24، وحق من الحقوق المكفولة عالميا بمقتضى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته رقم 13، فإن المرسوم المتعلق بحالة الطوارئ الصحية وضع حدا لهذا الحق، أو بالأحرى قيده بمجوعة من القيود التي لا يمكن مخالفتها إلا في حالات التي بينها.

حيث إن المصلحة الفضلى للمجتمع وللصالح العام، في ظل الظرفية التي يمر منها العالم، تقتضي من الفرد التنازل عن بعض حقوقه وذلك تحقيقا لسلامته وسلامة الوطن.

وهو ما دفع المغرب كباقي بلدان العالم، لسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، من بينها قرار حظر التجوال.

وبالرجوع إلى المادة الثانية من المرسوم رقم 2.20.293 نجدها تنص على : “في إطار حالة الطوارئ الصحية المعلنة طبقا للمادة الأولى أعلاه، تتخذ السلطات العمومية المعنية التدابير اللازمة من أجل: أ) عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم مع اتخاذ الاحتياطات الوقائية اللازمة، طبقا لتوجيهات السلطات الصحية.

ب) منع أي تنقل لكل شخص خارج محل سكناه، إلا في حالات الضرورة القصوى….

ج) منع أي تجمع أو تجمهر أو اجتماع لمجموعة من الأشخاص مهما كانت الأسباب الداعية إلى ذلك، ويستثنى من هذا المنع الاجتماعات التي تعقد لأغراض مهنية مع مراعاة التدابير الوقائية المقررة.

د) إغلاق المحلات التجارية وغيرها من المؤسسات التي تستقبل العموم ….”

من خلال هذا المعطى يظهر الحد الواضح من حرية التنقل، لما يفرضه الوضع الراهن من تغليب للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والحفاظ على سلامة الأفراد وحياتهم.

إلا أن لكل قاعدة استثناء تفرضه الضرورة، وقاعدة حظر التجوال يجوز خرقها في حالات معدودة على رؤوس الأصابع.

وهي الحالات الواردة في نفس المادة من المرسوم المذكور، ويتعلق الأمر بالحالات التالية:

-التنقل من محل السكنى إلى مقرات العمل، ولاسيما في المرافق العمومية الحيوية والمقاولات الخاصة والمهن الحرة في القطاعات والمؤسسات الأساسية المحددة بقرارات للسلطات الحكومية المعنية.

-التنقل من اجل اقتناء المنتجات والسلع الضرورية للمعيشة، بما في ذلك اقتناء الأدوية من الصيدليات.

-التنقل من اجل الذهاب إلى العيادات والمصحات والمستشفيات ومختبرات التحليلات الطبية ومراكز الفحص بالأشعة وغيرها من المؤسسات الصحية لأغراض التشخيص والاستشفاء والعلاج.

-التنقل لأسباب عائلية ملحة من أجل مساعدة الأشخاص الموجودين في وضعية صحية أو في حاجة إلى الإغاثة.

وكل مخالف لهذه المقتضيات يعرض نفسه للعقوبات الزجرية المنصوص عليها في المادة الرابعة مرسوم بقانون رقم 2.20.292 : ” يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية…ويعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر، وبغرامة تتراوح بين 300 و 1300 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد”.

وبمقارنة أحكام فصول القانون الجنائي المتعلقة بجريمة العصيان، وأحكام المادة الرابعة من مرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام حالة الطوارئ الصحية، يتضح جليا الفرق الموجود بين عقوبة جريمة العصيان، وعقوبة مخالفة أحكام حالة الطوارئ،

فهل يمكن القول أن عدم الامتثال لقرار حظر التجوال، يشكل جريمة العصيان أم أن الأمر يتعلق بجريمة من نوع خاص ؟ وإن كذلك فلماذا لم يحتكم المرسوم لأحكام القانون الجنائي بخصوص هذه الجريمة، مع العلم أن المادة الرابعة من المرسوم تتحدث عن عرقلة تنفيذ قرارات السلطة العامة، وهو ما ينطبق مع تعريف جريمة العصيان.

هذا ما سيجيب عنه العمل القضائي مستقبلا في هذا الشأن.

 

وإلى ذلك الحين فلنلزم بيوتنا.

 

 

 

 

 

 

[1] – مرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 بالجريدة الرسمية عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020، والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية واجراءات الاعلان عنها.

[2] – المادة الاولى من مرسوم بقانون رقم 2.20.292 .

[3]  المادة الثانية من مرسوم بقانون رقم 2.20.292

[4]  الفصل 74 من دستور المملكة لسنة 2011

[5]  الفصل 59 من الدستور

[6]  عبد الفتاح الودرميشي، حالة الطوارئ الصحية الاطار القانوني وعقوبات مخالفي القانون، حوار منشور بالمجلة الالكترونية فبراير، https://m.febrayer.com/727714.html

[7]  العربي ايعيش، نقاش هادئ مع مناصري إعلان حالة الاستثناء، مقال منشور بالمجلة الالكترونية، فبراير https://m.febrayer.com/500145.html

[8]  عبد الفتاح الودرميشي مرجع سابق

[9]  الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من مرسوم بقانون رقم 2.20.292

[10]  أحمد قيلش، الوجيز في شرح القانون الجنائي الخاص، الطبعة الثانية 2017، ص 97

[11]  عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص، الصفحة 63.

[12]  الفصل 301 من القانون الجنائي

[13]  جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 24 من الدستور: “..حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه ، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى