عطية أحمد عطية السويح : إعلان حالة الطوارئ الصحية في القانون الليبي
مقال بعنوان
إعلان حالة الطوارئ الصحية في القانون الليبي
عطية أحمد عطية السويح
رئيس قسم القانون الدولي/ بكلية القانون/ جامعة الجفرة/ ليبيا
تقديم:
يعد إنتشار وباء Covid-19كورونا المستجد في الوقت الحاضر، من أكثر الأزمات الصحية خطورة على وجه الإطلاق، فالطبيعة الغامضة للفيروس، وطرق انتقاله السريعة، تجعل أغلب الأنظمة الصحية عاجزة عن وقف انتشاره، صحيح أن الدولة الليبية، وإلى حدِ الساعة، لم تسجيل، إلا حالة إصابة واحدة فقط بالفيروس، لكن هذا لا يمنع من احتمالية وجود أشخاص حاملين للفيروس، وخصوصاً أن إغلاق المنافذ والمطارات، لم يتم إلا في وقت متأخر، بعد تسجيل عدة دول مجاورة لحالات إصابة نذكر، منها دولة تونس، والمعبر الحدودي المهم جداً ” رأس جدير”، ودولة مصر، والمعبر الرئيس “امساعد”، ودولة تركيا- بالرغم من أنها ليست دولة مجاورة- إلا أن أعداداً كبيرة من المواطنين اللبيين، يقصدونها من أجل شراء البضائع، أو حتى السياحة والعلاج، كل هذه الظروف جعلت الدولة الليبية تقوم – سواءً حكومة الوفاق الوطني في المنطقة الغربية، أم الحكومة الليبية في المنطقة الشرقية، بإعلان حالة الطوارئ الصحية.
ويُشكل دراسة موضوع إعلان حالة الطوارئ الصحية في القانون الليبي، موضوعاً مٌهماً، نظراً لخطورة فيروس Covid-19 كورونا على الصحة العامة، حيث يعد فيروس Covid-19 كورونا، فيروساً خطيراً على صحة المجتمع، وذلك لطرق انتشاره السريعة، والمعتمدة بشكلٍ كبيرٍ على المخالطة والمصافحة والتجمعات الكبرى، مثل التجمع في المساجد للعبادة، أو المدارس والجامعات للدراسة، أو التجمع في الأسواق الشعبية، أو التجمع في مراكز التسوق، أو التجمع في المناسبات الاجتماعية، وهذا يتطلب من السلطات، اتخاذ تدابير لمنع مثل هذه التجمعات، أو التقليل منها، وهذا يعد ماساً بالحريات الخاصة للمواطنين، وتؤثر معه إشكالية علاقة السلطة بالفرد، وما مدى مشروعية أو أحقية الدولة في تقييد الحريات الخاصة للأفراد، والتقليل من تنقلاتهم وتحركاتهم.
والسبب الرئيسي لاختيار موضوع المقال، هو الرغبة في إظهار المقصود بإعلان حالة الطوارئ الصحية في القانون الليبي، والآثار المترتبة على إعلانها، والسند القانوني لهذا الإعلان، والعقوبات التي من الممكن أن تطال الأفراد المخالفين لها، والإشكالية الرئيسة للمقال” مدى قانونية إعلان حالة الطوارئ الصحية في ليبيا، وفقاً للإعلان الدستوري 2011م وتعديلاته، والقوانين الأخرى ذات الصلة؟
أولاً: المقصود بإعلان حالة الطوارئ الصحية في القانون الليبي
قبل الوصول لتعريف حالة الطوارئ الصحية، نبدأ بتعريف حالة الطوارئ العامة، وحالة الطوارئ الدولية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وتعرف حالة الطوارئ العامة بأنها ” الحالة التي تخول الحكومة أو السلطة أو الإدارة في الدولة، القيام بأعمال أو فرض سياسات، لا يسمح لها عادة القيام بها، وتقوم الحكومة أو السلطة أو الإدارة القيام بها، عادة أثناء الكوارث الطبيعة، أو النزاعات المسلحة الداخلية أو الدولية، أو في حالات العصيان المدني” ويعرف دستور منظمة الصحة العالمية، حالة الطوارئ الدولية بأنها ” حدث غير عادي، يشكل خطراً على الصحة العامة، بالنسبة للدول الأخرى، من خلال الانتشار الدولي للمرض، ويتطلب استجابة دولية منسقة” وفيما يتعلق بتعريف حالة الطوارئ الداخلية، فبالرجوع للقوانين الليبية المختلفة، والقانون الصحي الليبي رقم (106) لسنة 1973م، لم نجد فيها تعريف لهذه الحالة، وإنما ذكر لبعض التصرفات في القانون الصحي الليبي رقم (106) لسنة 1973م، التي يحق لوزارة الصحة القيام بها، يمكن أن نستشف منها، تعريف لحالة الطوارئ الصحية، وعلى هذا الأساس، يمكن أن نعرف حالة الطوارئ الصحية الداخلية في القانون الليبي بأنها ” أحقية وزارة الصحة في القيام بمجموعة من التصرفات، لا تسطيع القيام بها في الأحوال العادية، مثل فرض العزل الصحي على المصابين، أو فرض الحجر الصحي على المشتبه في إصابتهم، أو منع التجمعات التي من الممكن أن تتسبب في انتشار العدوى، وأقفال جميع الأماكن التي يمكن أن تتسب أيضاَ في انتشار العدوى.
ثانياً: السند القانوني لإعلان حالة الطوارئ في القانون الليبي
تنص المادة الرابعة عشر من دستور عام 2011م على ” تضمن الدولة حرية الرأي والتعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ،ووسائل الإعلام والطباعة والنشر، وحرية التنقل، وحرية التجمع والتظاهر، والاعتصام السلمي، وبما لا يتعارض مع القانون ” ولم يأت في هذا الإعلان الدستوري، أي ذكر لكيفية إعلان حالة الطوارئ، سواءً حالة الطوارئ العامة، أم حالة طوارئ الصحية، وإنما النص على ضمان حرية الفرد الشخصية، والمحافظة على حقوقه، وعدم المساس بها، ولم يرد أيضاً ،ذكر مصطلح طوارئ صحية، في القانون الصحي الليبي رقم (106) لسنة 1973م، وبالنظر في القرارات الصادرة عن السلطات التنفيذية، سواءً في الحكومة المؤقتة في المنطقة الشرقية، أم حكومة الوفاق في المنطقة الغربية، نلاحظ الإحالة المباشرة، للقانون الصحي الليبي رقم (106) لسنة 1973م، والمرسوم الملكي الصادر في عام 1956م، بشأن إعلان الطوارئ والأحكام العرفية، وبناءً على هذه الإحالات- ربما- يمكن أن نجد السند القانوني، لإعلان حالة الطوارئ الصحية، في ليبيا، في نص المادة السادسة والثلاثون من القانون الصحي الليبي رقم (106) لسنة 1973م، والتي نصها ” لوزير الصحة بقرار منه اعتبار جهة من الجهات موبوءة بأحد الأمراض المعدية، وفي هذه الحالة يجب اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع انتشار المرض، بما يتضمنه من عزل وتطهير أو تحصين ومراقبة ومنع الانتقال، وغير ذلك من الإجراءات التي تحول دون انتشار الوباء” فكل تلك التدابير المنصوص عليها في المادة السابقة، نستطيع أن نستنج منها، إمكانية القول بوجود سند قانوني واضح لإعلان حالة الطوارئ الصحية، في حالة انتشار وباء أو مرض معدي، وأيضاً يمكن أن نجد السند القانوني، لإعلان حالة الطوارئ الصحية، في المرسوم الملكي الصادر في سنة 1956م بشأن إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية، لو اعتبرنا أن حالة الطوارئ الصحية من ضمن حالة الطوارئ العامة.
ثالثاً: الآثار المترتبة على إعلان حالة الطوارئ الصحية في ليبيا
تمر الدولة الليبية في الوقت الحاضر بانقسام سياسي عميق، نتج عنه وجود حكومتين، حكومة في الشرق تسمى الحكومة الليبية المؤقتة، وحكومة في الغرب تسمى حكومة الوفاق الوطني، في البداية كانت هناك حكومة تسمى حكومة الإنقاذ في طرابلس، وبعد انتخابات عام 2013م، امتنعت حكومة الإنقاذ على تسليم السلطة، وامتنع المؤتمر الوطني عن تسليم السلطة التشريعية لمجلس النواب المنتخب، مما اضطر بمجلس النواب المنتخب، الفرار من العاصمة، وإنشاء مقر للمجلس في مدينة طبرق شرق البلاد، وقام مجلس النواب بتشكيل حكومة، سميت الحكومة الليبية المؤقتة، وبعد عدة مفاوضات قادها المبعوث الأممي مارتن كوبلر، اتفقت الأطراف السياسية الليبية، على تشكيل حكومة تسمى حكومة الوفاق الوطني في مدينة الصخيرات المغربية، وتم تشكيل حكومة الوفاق الوطني في فبراير عام 2016م، ولكن مجلس النواب الليبي المتواجد في مدينة طبرق، لم يقوم بالتصديق على الحكومة، مما انتج في الواقع وجود حكومتين، كل حكومة تسيطر على مساحة جغرافية معينة، وعلى هذا الأساس لا مناص من ذكر التدابير المتخذة إنفاذاً لحالة الطواري الصحية في ليبيا، سواءً من الحكومة المؤقتة في الشرق الليبي، أم حكومة الوفاق الوطني في الغرب الليبي، ومن هذه التدابير.
إغلاق المدارس والجماعات، حيث أصدرت الحكومة الليبية المؤقتة القرار رقم (93) لسنة 2020م، بشأن إيقاف الدراسة مؤقتاً وجاء في القرار” توقف الدراسة بكافة مؤسسات التعليم الأساسي والثانوي والمعاهد المتوسطة والعليا والجامعات ومؤسسات التعليم الحر والتعليم العالي الخاص التابعة للحكومة الليبية لمدة أسبوعين اعتباراً من 14/3/2020م إلى 28/3/2020م احترازاً، حفاظاً على صحة أبنائنا الطلبة” وأعلنت حكومة الوفاق الوطني في بيان صحفي أن وزير التعليم المكلف، أعلن مساء الجمعة الموافق 13/3/2020م تعليق الدراسة في كافة المؤسسات التعليمية بجميع مراحلها الأساسية والثانوية والجامعية ، وصرح الوزير أن القرار جاء بعد التشاور مع رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج ووزير الصحة في حكومة الوفاق الوطني ، والتدبير الثاني، إغلاق المطاعم والمقاهي، حيث أصدر وزير الداخلية بالحكومة الليبية المؤقتة، تعليمات مشددة لكل مديري الأمن والإدارات العامة وكل الأجهزة الأمنية التابعة للوزارة للتحرك الفوري لإغلاق المقاهي الخاصة بالشيشة، و أصدر وكيل وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، كاتباً لرئيس جهاز الحرس البلدي باتخاذ الإجراءات العاجلة والإضافية، بإغلاق كل المطاعم والمقاهي بشكل نهائي، وذلك ضمن اجراءات احترازية، تهدف إلى منع تسلل فيروس Covid-19كورنا المستجد إلى ليبيا، والتدبير الثالث، إغلاق جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية، حيث طالب رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، جميع الجهات ذات الاختصاص، الالتزام بقرار الحكومة، بإغلاق جميع المنافذ، وعدم التهاون إزاء قرار منع إدخال مواطنين إلى ليبيا، والتزمت الجهات المسؤولية، بقرار إغلاق المنافذ، مع وجود بعض التجاوزات في منفذ امساعد مع جهورية مصر العربية، و أعلن رئيس حكومة الوفاق الوطني عن إغلاق كافة المنافذ البرية والجوية لمدة ثلاث أسابيع تحوطاً من دخول المصابين، على أن توجه وزارة الخارجية جميع السفارات الليبية للتواصل مع الرعايا الليبيين وتقديم العون لهم وحمايتهم وتحصينهم وعلاج المرضى منهم حتى يتمكنوا من العودة إلى بلادهم، والتدبير الرابع، إغلاق المساجد أمام المصلي، حيث قامت الحكومة الليبية المؤقتة بإغلاق المساجد بشكل كلي وفتحها فقط لإقامة أذان الأوقات موضحةً أن إقامة الصلوات تكون في البيوت، وذلك لحين التأكد من القضاء على فيروس Covid-19 كورونا وإنفراج الأزمة بسلام وعودة الحياة لوضعها الطبيعي، وقامت حكومة الوفاق الوطني بنفس الإجراء وذلك في قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني رقم (215 ) لسنة 2020م، والتدبير الخامس، فرض حظر للتجول، حيث اصدر وزير الداخلية في الحكومة الليبية المؤقتة القرار رقم (334) لسنة 2020م بشأن حظر التجول في كافة ربوع البلاد، ضمن الخطة الاحترازية لمنع وصول مرض Covid-19كورونا المستجد إلى ليبيا، ويكون الحظر تاماً من السادسة مساءً وحتى السادسة صباحاً ويستثني من الحظر سيارات الإسعاف والأفراد المكلفين يتنفذ هذا القرار ويعاقب كل من يخالف القرار بالعقوبات المنصوص عليها في الماد 467 من قانون العقوبات، والمادة 136 من القانون رقم 106 لسنة 1973م، واصدار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني القرار رقم (215) لسنة 2020م بإعلان حظر التجول وجاء في القرار ” يحظر التجول على كامل التراب الليبي من الساعة السادسة مساءً إلى الساعة السادسة صباحاً اعتبارا من يوم الأحد 22/3/2020م وتعدل فترة حظر التجول حسب مقتضيات الأزمة، ويستثني من حظر التجول الأعمال ذات الطبيعة السيادية والأمنية والصحية والصيدليات وأعمال البيئة والكهرباء والطاقة والاتصالات وحركة الشحن، وتقفل إقفالاً تاماً على مدى اليوم المساجد والمؤسسات التعليمية والمقاهي والمطاعم وصالات المناسبات الاجتماعية والمنتزهات والنوادي والمحال التجارية وتمنع إقامة المآثم والأفراح واستخدام وسائل النقل الجماعي، ويستثني من الأقفال العام شركات ومحال المواد الغذائية والمخابز ومحطات الوقود خلال فترة السماح بالتجول،
رابعاً: العقوبات المستحقة على المخالفين لحالة الطوارئ الصحية في ليبيا
هناك مجموعة من العقوبات يمكن للدولة أن توقعها، في حق المخالفين أو القائمين بأعمال مخالفة، لحالة إعلان الطوارئ الصحية منها، ما هو منصوص عليه في قوانين أو مراسيم أخري، ومنها ما هو منصوص عليها في القانون الصحي في حد ذاته ، ومن هذه العقوبات، العقوبة المنصوص عليها في المادة الثامنة من المرسوم الصادر بتاريخ 05/10/1955م بشأن حالة الطوارئ والأحكام العرفية ” يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه ، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يخالف أحكام هذه القانون، أو القرارات التي تصدر وفقاً له، وذلك مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو غيره من القوانين” وأيضاً العقوبة المنصوص عليها في المادة أربعمائة وسبعة وستون من قانون العقوبات رقم 55 لسنة 1953م ، ” كل من خالف أمراً مشروعاً أصدرته السلطة حفظاً للعدالة أو السلامة أو النظام أو الصحة يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز شهراً أو بغرامة لا تزيد على خمسة جنيهات” وأيضاً العقوبة المنصوص عليها في المادة (136) من القانون الصحي رقم (106) لسنة 1973م ” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف تدابير الحجر الصحي التي تتخذ وفقاً لأحكام هذا القانون أو اللوائح الصادرة بمقتضاه”
خاتمة:
في نهاية المقال، نستطيع القول، أن إعلان حالة الطوارئ الصحية في ليبيا، وإن كان لم يتم النص عليها، في الإعلان الدستوري لعام 2011م، إلاّ أن السلطة التنفيذية ، وإعمالاً لنظرية المحافظة على النظام العام، والتي من ضمن مشتملاتها المحافظة على الصحة المجتمعية، تستطيع إعلان حالة الطوارئ الصحية، وهذا لا يعتبر مخالفاً للقواعد الدستورية، القاضية بضرورة المحافظة على الحريات الشخصية للأفراد، وعدم إمكانية المساس بها، إلا أن هذا الإعلان يحب أن يكون واضحاً ومحدداً في الزمن والكيف.
المراجع المعتمدة:
- الإعلان الدستوري الليبي لعام 2011م.
- القانون الصحي الليبي رقم (106) لعام 1973م.
- القانون رقم 55 للعقوبات الليبي لسنة1954.
- المرسوم الملكي الصادر عام 1956 بشأن إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية
-
دستور منظمة الصحة العالمية لعام 1948م.