في الواجهةمقالات قانونية

شروط اتفاق التحكيم في إطار التشريع المغربي

 

 

الإسم الكامل: احمد ايت الاشقار

طالب باحث بسلك الماستر، تخصص قانون الأعمال وآليات تسوية المنازعات، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ايت ملول – جامعة ابن زهر، أكادير.

 

 

مـقــدمــــــــــة:

يعد التحكيم طريقا خاصا لحل المنازعات المختلفة بين الأشخاص، وقد عرفته المجتمعات القديمة واتخذت منه أداة لحسم النزاعات بين أفرادها على أساس الأعراف والتقاليد السائدة فيها.

والتحكيم عبارة عن نظام أو طريق خاص للفصل في المنازعات بين الأفراد والجماعات سواء كانت تلك المنازعات مدنية أم تجارية أو دولية، عقدية أم غير عقدية. فالتحكيم قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية حيث يعتمد أساسا على أن أطراف النزاع هم أنفسهم من يختارون قضاتهم بدلا من الاعتماد على النظام القضائي للدولة التي يقيمون بها[1]، لذا ومن أجل تقنين قواعد التحكيم تم عقد العديد من المؤتمرات الدولية وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات وإصدار تشريعات متعلقة بالتحكيم من قبل الدول المختلفة والمنظمات الدولية الخاصة ومراكز التحكيم.

ويعتبر قانون المسطرة المدنية الإطار العام الذي ينظم التحكيم في التشريع المغربي بموجب القانون رقم 08-05[2] المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، ولقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 307 من نفس القانون على أن: “اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة تعاقدية أو غير تعاقدية”.

كما عنى المجتمع الدولي بمسألة تنظيم التحكيم في مجال العلاقات الاقتصادية، حيث اهتمت الدول بالتصديق على اتفاقيات دولية في شأن التحكيم لعل أهمها اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، ثم اتفاقية واشنطن لسنة 1965 بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى، والتي بموجبها تم إنشاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ICSID [3].

فاتفاق التحكيم يتطلب مجموعة من الشروط؛ منها ما هو موضوعي ومنها ما هو شكلي، فما هي الشروط الموضوعية والشروط الشكلية لاتفاق التحكيم في إطار التشريع المغربي؟

ولهذا سأقوم بدراسة شروط اتفاق التحكيم في التشريع المغربي من خلال فقرتين؛ تتعلق الأولى بالشروط الموضوعية لاتفاق التحكيم، أما الثانية فتتعلق بالشروط الشكلية لاتفاق التحكيم.

الفقرة الأولى: الشروط الموضوعية لاتفاق التحكيم في التشريع المغربي

يعد اتفاق التحكيم عقدا من العقود التي يتطلب لانعقاده ما يتطلبه أي عقد آخر من الشروط لانعقاده، ولكي يكون اتفاق التحكيم صحيحا لا بد من أن يتوفر على شروط أساسية موضوعية تتجلى في الأهلية (أولا)، والرضا (ثانيا)، ثم المحل (ثالثا) والسبب (رابعا).

أولا: الأهلية في اتفاق التحكيم

يقصد بالأهلية صلاحية الشخص لكسب الحقوق والتحمل بالالتزامات ومباشرة التصرفات، وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 308 من القانون 08-05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية على أن: “يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق تحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها ضمن الحدود ووفق الإجراءات والمساطر المنصوص عليها في هذا الباب…”.

ومن خلال المادة أعلاه فالمشرع المغربي سمح لكل من توفرت فيه الأهلية الكاملة أن يبرموا اتفاق التحكيم سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أم معنويين، وبمعنى آخر فإن المشرع منع كل شخص لم تتوافر فيه الأهلية[4] من إبرام اتفاق التحكيم.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المشرع عندما سمح لكل الأشخاص، سواء كانوا ذاتيين أو معنويين، أن يبرموا اتفاق التحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها، فإنه لم يميز بين أشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص، مما يفيد أن المشرع المغربي من خلال القانون رقم 08-05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، قد تجاوز ذلك الحظر الذي كان مقررا لأشخاص القانون العام عند إبرام اتفاقات التحكيم من قبلهم، وذلك قبل صدور هذا القانون[5]، إلا أن المشرع قد قيد هؤلاء الأشخاص (أشخاص القانون العام) بمجموعة من الشروط، حيث تنص المادة 310 من القانون 08-05 على أنه: “لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.

غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها، يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي”.

فلقد كانت الأشخاص المعنوية من المسائل التي لم تستقر عن موقف التشريعات وأقلام الفقهاء، وأحكام القضاء بشأنها سيما بخصوص أهلية الدولة والجماعات المحلية في إبرام اتفاق التحكيم فهناك من يرى عدم جواز مباشرة الأشخاص المعنوية العامة للتحكيم، في حين يذهب البعض الآخر إلى خلاف ذلك، والحقيقة أنه ينبغي التمييز بين تدخل الدولة أو الجماعات المحلية في التحكيم بشأن الأملاك العامة، وبين تدخلها بخصوص أملاكها الخاصة، إذ في الحالة الأولى لا يسوغ لها مباشرة التحكيم، أما في الحالة الثانية فمستساغ لأنها شخص عادي يخضع للقواعد العامة شأنها في ذلك شأن الأفراد[6].

أما فيما يتعلق بالأشخاص المعنوية الخاصة، ففي اعتقادي أنها تباشر اتفاق التحكيم من طرف ممثلها القانوني والذي يمثلها أمام القضاء أو أمام الإدارات أو الشركات الأخرى، على غرار الجمعيات والتي تذهب في نفس المنوال والتي تمارس اتفاق التحكيم في شخص رئيسها.

ويجوز أيضا للمقاولات العامة الخاضعة لقانون الشركات التجارية أن تبرم اتفاقات تحكيم وفق الإجراءات والشروط المحددة من قبل مجلس الإدارة أو مجلس الرقابة أو الأجهزة المسيرة، بالإضافة إلى أنه يجوز للمؤسسات العامة إبرام عقود تحكيم وفق الإجراءات والشروط المحددة من طرف مجالس إدارتها، وذلك حسب ما نصت عليه المادة 311 من القانون 08-05.

ثانيا: الرضا في اتفاق التحكيم

يعرف الرضا بأنه توافق إرادتي المتعاقدين على إحداث الأثر القانوني المتوخى من العقد.

لقد جاء في الفصل الثاني من ظهير الالتزامات والعقود المغربي ما يلي:

“الأركان اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة هي:

1-الأهلية للالتزام؛

2-تعبير صحيح عن الإدارة يقع على العناصر الأساسية للالتزام؛

3-شيء محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام؛

4-سبب مشروع للالتزام”.

ويقتضي تحقق الإيجاب والقبول لكلا الطرفين وتلاقي إرادتهما على اللجوء إلى التحكيم لفض المنازعات التي قد تنشأ أو نشأت بينهما، ويجب أن يصدر التعبير عن الإرادة سليما من عيوب الإرادة[7]، حيث تتوافق إرادة المتعاقدين بصدور إيجاب من أحد الأطراف وقبول من الطرف الآخر على إنشاء اتفاق التحكيم، على اعتبار أن هذا الأخير من العقود الرضائية، ولا يجوز أن تتعيب إرادة الأطراف بأي عيب من عيوب الرضا والمتمثلة في الإكراه والتدليس والغبن والغلط، وعندما يشوب اتفاق التحكيم عيب من عيوب الرضا فإنه قابل للإبطال، وذلك حسب الفصل 39 من ظهير الالتزامات والعقود الذي نص على أنه: “يكون قابلا للإبطال الرضى الصادر عن غلط، أو الناتج عن تدليس، أو المنتزع بإكراه”، بالإضافة إلى الفصل 41 من نفس الظهير الذي جاء فيه: “الغلط في القانون يخول إبطال الإلتزام:

1-إذا كان هو السبب الوحيد أو الأساسي؛

2-إذا أمكن العذر عنه”.

وقد أكدت محكمة النقض ضرورة توافر الرضا الصريح بين الطرفين على اللجوء، حيث جاء في أحد قراراتها ما يلي: “الاتفاق على التحكيم يعد استثناء والاستثناء يؤول بشكل ضيق أي أنه لا يمكن اللجوء إلى التحكيم إلا إذا كان هناك شرط تحكيمي أو اتفاق على التحكيم حرر بشكل معبر على إرادة الطرفين من خلال عقد مكتوب أو خطابات متبادلة كما يقضي بذلك الفصلان 307 و 309 من ق المسطرة المدنية والمادة 02 من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بالقرارت التحكيمية وتنفيذها.

وبالرجوع للفاكسات المتبادلة بين الطرفين، لا يوجد من بينها ما يتضمن موافقة الطالبة على اختيار التحكيم لفض أي نزاع قد ينشب بينهما وبين المطلوبة بخصوص موضوع الصفقة، أما الفصل 25 من قانون الالتزامات والعقود فلا مبرر بالاستدلال به في المادة التحكيمية نظرا لما سبق إيضاحه من وجوب التعبير الصريح على الاتفاق على التحكيم”[8].

ويلعب مبدأ سلطان الإرادة في اتفاقات التحكيم دورا بالغ الأهمية، ومقتضاه اختصاراً أن لإرادة أطراف العلاقة أن تشترط وتتفق على ما تشاء من شروط فيما عدا ما يخالف النظام العام والآداب، فهذا المبدأ هو المانح لإرادة الأطراف القدرة على وضع قواعد تنظم عملية التحكيم، سواء القواعد الإجرائية أو الموضوعية، بدءا من تشكيل هيئة التحكيم ومرورا بإجراءات سير الخصومة وانتهاء بإصدار حكم فيها، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك مسائل لا يجوز فيها التحكيم[9].

ثالثا: المحل في اتفاق التحكيم

لا يكفي لصحة اتفاق التحكيم أن يتم خاليا من العيوب بل يجب أن يكون مشروعا من الناحية الموضوعية، وهذا ما يستلزم أن يرد الاتفاق على مسألة تقبل الفصل فيها عن طريق التحكيم وأن يتم بين طرفين يجوز لهما الالتجاء إلى التحكيم[10].

فمن خلال قانون الالتزامات والعقود المغربي نص على أنه يبطل الالتزام الذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا[11]، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون محل الاتفاق سببا مشروعا وغير مخالف للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو القانون[12].

ومن خلال مقتضيات قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي يعتبر الشريعة العامة، فإنه يجب أن يكون محل اتفاق التحكيم حقيقيا وممكنا وغير مستحيلا، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون غير مخالف للنظام والآداب العامة.

وموضوع اتفاق التحكيم هو حسم النزاع الذي من الممكن أن ينشأ مستقبلا عن تنفيذ أو تفسير العقد عن طريق التحكيم[13].

ولقد جاء الفصل 309 بالاستثناءات التي لا يجب أن تكون محل اتفاق التحكيم، حيث نص على أنه: “… لا يجوز أن يبرم اتفاق التحكيم بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة”.

أما الفقرة الأخيرة من الفصل 308 من القانون 08-05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية جاء فيها ما يلي: “يمكن بوجه خاص أن تكون محل اتفاق تحكيم النزاعات الداخلة في اختصاص المحاكم التجارية عملا بالمادة 5 من القانون 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية”. فالمادة 5 من القانون 53.95 نصت على أنه: “تختص المحاكم التجارية بالنظر في:

1- الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية؛

2- الدعاوى التي تنشأ بين التجار و المتعلقة بأعمالهم التجارية؛

3- الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية؛

4- النزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية؛

5- النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية…”.

فالنقاش لقد أثير فيما يتعلق بإجراء التحكيم في القضايا المتعلقة بمساطر صعوبات المقاولة، حيث تضاربت الآراء بين قائل بعدم إمكانية ذلك لكون هذه المساطر استثناء أتى به المشرع وهي النظام العام ولا يمكن إجراء التحكيم فيها خصوصا أمام الصراحة التشريعية، لأنها لا تدخل ضمن مقتضيات المادة 5 من قانون إحداث المحاكم التجارية، ويرى البعض على خلاف ما ذهب إليه الفريق الأول أنه يمكن إجراء التحكيم بالنسبة للعقود التجارية، ويجب تطبيقه في هذه الحالة ولو كانت مساطر صعوبات المقاولة قد فتحت لأن إبرام اتفاق التحكيم جاء سابقا عليها ويجب احترام إرادة الأطراف[14].

وفي اعتقادي أرجح الرأي الأول على اعتبار أنه هو الأقرب للصواب، حيث أن مساطر صعوبات المقاولة من النظام العام، فالمقاولة هي الركيزة الأساسية للنسيج الاقتصادي، فإذا تم فتح طريق التحكيم أمام أصحاب المقاولات سيؤدي إلى فتح باب التحايل وممارسة الأفعال الدنيئة التي قد تخل بالاقتصاد الوطني عن طريق التحكيم.

ولقد نص الفصل 310 من قانون المسطرة المدنية على أنه: “لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية”.

رابعا: السبب في اتفاق التحكيم

بالرجوع إلى الفقرة الأولى من الفصل 62 من قانون الالتزامات والعقود نجده نص على أن: “الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم يكن”.

والسبب هو الدافع أو الباعث لإنشاء العقد، وبالتالي فالسبب يجب أن يكون موجودا وحقيقيا ومشروعا[15].

إن اتفاق الأطراف على التحكيم يجد سببه في اتفاق الأطراف لاستبعاد النزاع على القضاء وتفويض الأمر للمحكمين وهذا السبب مشروع دائما، ولا نتصور عدم مشروعيته إلا إذا ثبت أن الأطراف سببهم من اتفاق التحكيم هو التهرب من أحكام القانون الذي كان يتعين تطبيقه لو طرح النزاع على القضاء[16].

فاتفاق الأطراف يجد سببه في إرادتهم في استبعاد طرح النزاع على القضاء وتفويض الأمر للمحكمين، ولا يختلط السبب غير المشروع بالمحل غير الممكن أو غير المشروع، فالأول يقتضي البحث عن إجابة السؤال لماذا لجأ الأطراف للتحكيم، أما الثاني فيتعلق بتحديد الموضوع المراد تسويته بطريق التحكيم وهل هو مشروع أم لا[17].

وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) في قرار صادر عنه بتاريخ 04-11-1960 ما يلي: “أن السبب شرط أساسي في صحة الإلتزام وعليه إذا لم يحتوي السند على ذكر سبب الالتزام فإنه يجوز للمحكمة أن تقبل شهادة الشهود وقرائن الأحوال لإثبات عدم وجود السبب”[18].

وعليه، فإن اتفاق التحكيم كغيره من الاتفاقات، يجب أن يتضمن ركن السبب وفق نفس الشروط التي حددها المشرع المغربي في هذا الإطار[19].

الفقرة الثانية: الشروط الشكلية لاتفاق التحكيم في التشريع المغربي

لقد جاء في الفصل 313 منق.م.م ما يلي: “يجب أن يبرم اتفاق التحكيم كتابة، إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة.

يعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال والتي تعد بمثابة الاتفاق تثبت وجوده أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف الآخر في ذلك.

ويعد في حكم اتفاق التحكيم المبرم كتابة كل إحالة في عقد مكتوب إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية، أو إلى أي وثيقة أخرى تتضمن شرطا تحكيميا إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد”.

من خلال الفصل أعلاه يتبين أن المشرع المغربي أكد على وجوب إبرام اتفاق التحكيم كتابة، وذلك من خلال عبارة “يجب أن يبرم اتفاق التحكيم كتابة” الواردة في الفصل المذكور، بالرغم من أن الأصل في العقود هو الرضائية، لكن المشرع نص على إلزامية الكتابة في اتفاق التحكيم سواء في عقد رسمي[20] أو عرفي[21] أو محضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة.

وبالتالي فالكتابة أصبحت شرطا للانعقاد وليس شرطا للإثبات، لكن الاتفاق يكون باطلا إذا لم يكن مكتوبا[22]، فالمشرع المغربي ساير التطور التكنولوجي ومسايرته لوسائل الاتصال الحديثة وذلك من خلال اعتباره لاتفاق التحكيم يكون مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال والتي تعد بمثابة الاتفاق تثبت وجوده أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف الآخر في ذلك.

وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء ما يلي: “إذا سبق لأحد الطرفين أن أبدى لدى القضاء الرسمي دفعا بعدم اختصاصه لفائدة التحكيم، فإنه لا يمكنه فيما بعد أن يتراجع عن موقفه ويدفع لديه من جديد بأن النزاع لم يكن من اختصاص التحكيم، كما أن المشرع كان واضحا في الفصل 313 من قانون المسطرة المدنية لما أجاز للطرفين إثبات اتفاق التحكيم وشروطه حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع الذي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق التحكيم دون أن ينازعه الطرف الآخر في ذلك”[23].

وهكذا فإن اتفاق التحكيم وإن كان لا يجوز إبرامه إلا كتابة فإن هذه الشكلية لم تبق بمعناها الضيق بل أعطى لها مفهوم واسع[24]، حيث نص الفصل 417 من قانون الالتزامات والعقود على أن: “الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو عرفية.

ويمكن أن ينتج كذلك عن المراسلات والبرقيات ودفاتر الطرفين وكذلك قوائم السماسرة الموقع عليها من الطرفين على الوجه المطلوب والفواتير المقبولة والمذكرات والوثائق الخاصة أو عن أي إشارات أو رموز أخرى ذات دلالة واضحة، كيفما كانت دعامتها وطريقة إرسالها”. وهكذا يعتبر التوسع في مفهوم الكتابة في اتفاق التحكيم من أهم ما جاء به القانون 08-05[25].

خــــــــاتمة:

ومن خلال ما سبق يتضح أن اتفاق التحكيم هو اللبنة الأساسية للعملية التحكيمية، وهو الذي تعتمد عليه الهيئة التحكيمية للبت في النزاع المعروض أمامها، وباعتبار التحكيم وسيلة خاصة لحسم النزاعات التي تنشأ بين أطراف العلاقة التعاقدية، يحتاج إلى شروط من أجل قيام الهيئة التحكيمية بعملية التحكيم، سواء كانت هذه الشروط شروطا موضوعية أو كانت شروطا شكلية.

[1] محمد الحبيب، القضاء والتحكيم أية صيغة بديلة للنهوض بالوظيفة القضائية؟ دراسة مقارنة، الطبعة الأولى 2016، ص: 32.

[2] ظهير شريف رقم 1.07.169 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30 نوفمبر 2007) بتنفيذ القانون رقم 08.05 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية.

 

[3] International Centre for Settlement of Investment Disputes.

[4]تنص المادة 213 من مدونة الأسرة على أن:

“يعتبر ناقص أهلية الأداء:

1-الصغير الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد؛

2-السفيه؛

3-المعتوه”.

[5] دامية اشهيبو، اتفاق التحكيم وشروط صحته في القانون المغربي، مقال منشور في مجلة القانون المغربي، عدد 22، الصفحة: 71.

[6] بومكوسي معمرو، التحكيم التجاري الدولي ودوره في تسوية منازعات الاستثمارات الأجنبية، الطبعة الأولى، الصفحة: 142-143.

[7] طاهر محمد خليفة، اتفاق التحكيم ماهيته ونسبيته وامتداده للغير، مقال منشور ب

بتاريخ 03 نوفمبر 2015، تاريخ الاطلاع 25-10-2019، 14:19.hppt://www.reserchgate.net

[8] قرار عدد 291 الصادر بتاريخ 07-03-2007، ملف تجاري عدد 19-03-2004، أورده أحمدناه بوكنين في أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون الخاص بعنوان “دور العمل القضائي في تحقيق فعالية التحكيم التجاري، دراسة مقارنة”، بجامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية –  وجدة، الصفحة: 18.

[9] جمال محمود الكردي، الفرق بين دعوى التحكيم في القانون الداخلي ودعوى التحكيم في القانون الدولي الخاص، بحث مقدم للمؤتمر العلمي الثاني لكلية الحقوق جامعة طنطا، الفترة 29-30 أبريل 2014، الصفحة: 5 و 6.

[10] حمدوني عبد القادر، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في الحقوق تخصص القانون العام، تحت عنوان: “التحكيم التجاري الدولي وتطبيقاته على ضوء القانون الجزائري”، بجامعة أبو بكر بلقايد– تلمسان، الملحقة الجامعية – مغنية، كلية الحقوق، الموسم الجامعي 2014 – 2015، الصفحة: 44.

[11] نص الفصل 59 من قانون الالتزامات والعقود المغربي على ما يلي:

“يبطل الالتزام اذي يكون محله شيئا أو عملا مستحيلا، إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون”.

[12] نصت الفقرة الثانية من الفصل 62 من ظهير الالتزامات والعقود على ما يلي: “يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو للنظام العام أو للقانون”.

[13] محمد رافع، اتفاق التحكيم في ظل القانون المغربي والاتفاقيات الدولية، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 177 نونبر –  دجنبر 2008، الصفحة: 25.

[14] محمد رافع، مرجع سابق، الصفحة: 26.

[15]نص الفصل 63 من قانون الالتزامات والعقود على أنه: “يفترض في كل التزام أن له سببا حقيقيا ومشروعا ولو لم يذكر”.

[16] هاشمي فاطمة، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر تخصص قانون اقتصادي حول “آثار اتفاق التحكيم دراسة مقارنة”، بجامعة الدكتور مولاي الطاهر –سعيدة-، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم: حقوق، الجزائر، الموسم الجامعي 2017-2018 الصفحة: 39 و 40.

[17] إلهام عزام وحيد الخراز، “التحكيم التجاري الدولي في إطار منهج التنازع، دراسة مقارنة”، رسالة لنيل درجة الماجستير في القانون، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين، سنة 2009م، الصفحة: 15 – 16.

[18]قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 35 – 36 بتاريخ فبراير 1961، أورده محمد رافع، مرجع سابق، الصفحة: 27.

[19] دامية أشهيبو، مرجع سابق، الصفحة: 76.

[20] نص الفصل 418 من ق.ل.ع على أن: “الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون.

وتكون رسمية أيضا:

1 – الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم؛

2 -الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية والأجنبية، بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها”.

[21] نص الفصل 424 من ظهير الالتزامات والعقود على أن: “الورقة العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف بها منه، يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في مواجهة كافة الأشخاص على التعهدات والبيانات التي تتضمنها وذلك في الحدود المقررة في الفصلين 419 و420 عدا ما يتعلق بالتاريخ كما سيذكر فيما بعد”.

[22] مالك محمود الجيوش، “اتفاية التحكيم”، بحث علمي قانوني لنيل لقب أستاذ في المحاماة، نقابة المحامين – فرع دمشق، 2006، الصفحة: 17.

[23] قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، القراران رقمي 1626 و 1627/2014، جلسة 26/03/2014، منشور بمجلة التحكيم العالمية 2018 العدد 39، والعدد 40، الصفحة: 725.

[24] محمد رافع، مرجع سابق، ص: 32.

[25] أسماء عبيد، التحكيم في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، بكلية العلوم العلوم القانونية والاقتصادية –سلا-، السنة الجامعية 2008-2009، الصفحة: 23.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى