أجرة السمسار بين القواعد العرفية والتدخلات القضائية – دراسة في ضوء أبرز النسب العرفية وأحدث التوجهات القضائية غير المنشورة
أجرة السمسار بين القواعد العرفية والتدخلات القضائية – دراسة في ضوء أبرز النسب العرفية وأحدث التوجهات القضائية غير المنشورة
- ذ: معاذ فخصي
- محام متمرن بهيئة المحامين بالدار البيضاء
- طالب باحث بكلية الحقوق بالدار البيضاء
مقدمة
لقد نظم المشرع التجاري الأعمال التجارية في الكتاب الأول وعددها على سبيل المثال في المادة 6 وما يليها من مدونة التجارة، ثم عاد لينظم العقود التجارية في الكتاب الرابع من نفس المدونة، وما بين الكتاب الأول و الرابع علاقة تبعية صريحة، إذ أن ذلك التعداد للأنشطة التجارية المنصوص عليها في الكتاب الأول والذي يكتسب ممارسها على سبيل الاعتياد والاحتراف الصفة التجارية، غالبا ما تصاغ في شكل عقود واتفاقات، منها ما نظمه المشرع في الكتاب الرابع ومنها ما هو غير منظم فيه، ومن أهم الأنشطة التجارية التي عددها المشرع في المادة السادسة وأطرها ونظمها كعقود تجارية في الكتاب الرابع، ما سماه المشرع بأعمال الوساطة، والتي حددها على سبيل المثال في السمسرة والوكالة بعمولة وترك المجال مفتوحا أمام الاجتهاد في ابتداع أعمال أخرى للوساطة، وقد حدد المشرع في الكتاب الرابع من مدونة التجارة أعمال الوساطة هذه في عقد الوكالة بعمولة وعقد الوكالة التجارية وعقد السمسرة، ويعتبر هذا الأخير من أهم العقود التي نشهدها شائعة في الممارسة العملية، وبما أن عمل السمسار هذه هو عمل تجاري ويمارس في شكل عقد تجارين فهو بذلك يستهدف الربح كغاية أسمى، ويعتبر القائم به تاجرا هدفه المضاربة والربح، لأجل ذلك حاول المشرع تنظيم أجرة السمسار وتأطيرها حد الإمكان، لكنه لم يحدد لهذه الأجرة نسبا واحتسابات خاصة، فأحال بشأنها إلى الاتفاقات الثنائية، والقواعد العرفية، إضافة إلى سلطة القاضي في التدخل لإضفاء أحكام حمائية، مما يجعلنا نطرح إشكالية محورية كالآتي:
“ إلى أي حد تساهم القواعد العرفية والتدخلات القضائية في وضع أحكام ناجعة تؤطر أجرة السمسار في المغرب”
وتنبثق عن هذه الإشكالية المحورية تساؤلات فرعية نجملها كالآتي:
- ما هي أهم القواعد العرفية المحددة لأجرة السمسار؟
- كيف يحدد العرف النسبة المئوية المشترطة في هذه الأجرة؟
- كيف تدخل القضاء في قواعد أجرة السمسار ؟
- وما هي أهم خلاصات تعامل القضاء مع أجرة السمسار؟
أسئلة وأخرى سنحاول الإجابة عليها وفق التصميم الآتي:
المحور الأول: أجرة السمسار في ضوء القواعد العرفية.
المحور الثاني: أجرة السمسار في ضوء العمل القضائي
المحور الأول: أجرة السمسار في ضوء القواعد العرفية
سنحاول التطرق بإيجاز إلى دور العرف في أجرة السمسار ( الفقرة الأولى) مع إعطاء أمثلة ونسب تطبيقية وقفنا عليها إثر مجموعة من الدراسات الميدانية ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دور العرف في أجرة السمسار
إن قيمة العرف كمصدر أساسي تستمد منه العديد من المعاملات أساسها، يظهر جليا في بعض المجالات والتعاملات أكثر من غيرها، إذ أنها ولقدمها مثلا أو لقربها من المجتمع، نشأت عنها قواعد عرفية تعارف الأفراد عليها وشعروا بإلزاميتها اتجاههم. ويعرف بعض الفقه العرف أنه درج الناس– عامة أو فئة منهم- على إتباع سلوك معين بصدد مسألة معينة لمدة طويلة مع رسوخ الاعتقاد لديهم بإلزام هذا السلوك، وبأن مخالفته تستتبع توقيع جزاء مادي[1].
وفي باب أجرة السمسار، فالمشرع يحيل صراحة إلى القواعد العرفية فيما يتعلق بنسبة هذه الأجرة، خاصة أن المشرع لم يحدد هذه النسبة ولم يبين طرق احتسابها، فأحال إلى العرف الذي وجب على القاضي في حالة النزاع الحكم وفقه، وهنا نقول أنه في حالة عدم نشوء النزاع واتفاق الأطراف على الأجرة المحددة عرفا، أو عدم اتفاقهم ولكن قبول الموكل مثلا لنسبة الأجرة التي اقترحها السمسار عليه، فهنا لا يطرح أي غموض، لكن الإشكال يطرح عندما ينازع الطرف الآخر في ذلك النسبة التي يعتبر السمسار أنها محددة عرفا، فيعرض النزاع على القاضي للبت فيه، هنا وجب الانطلاق من قواعد أساسية تحكم العرف وتؤطره، أولها قاعدة أن من يدعي العرف وجب عليه إثباته، فكما هو معروف أن قواعد العرف هي قواعد معنوية غير ملموسة وغير مدعمة في دعامات ورقية، ويمكن لأي واحد ادعاء العرف وإنسابه لأحد الوقائع أو التصرفات، لكن إضفاء الصبغة العرفية على هذه الوقائع، أو التصرفات، أو النسب، قد يصح وقد يخطئ، لأجل ذلك وجب على كل من يدعي العرف أن يثبت أمام المحكمة أن هذه القاعدة هي قاعدة عرفية، ويصعب هذا النوع من الإثبات، وفي بعض الأحيان يتم الاعتماد على أمناء الحرفة للإقرار بثبوت ذلك التصرف كعرف، كأن يحدد سمسار مثلا في بيع عقاري نسبة 2.5 ويستدل بشأن ذلك على أمين السمسرة أو عدة أمناء.
القاعدة الثانية هي أن القاضي يفترض فيه العلم بالعرف، فتمسك السمسار بأحد النسب وإثباتها يجب أن لا ينتج عنه رفض البت في النزاع من القضاء، بعلة عدم معرفة العرف والعلم به، وإلا قوبل بجريمة إنكار العدالة، وهذه المسألة عمليا صعبة على القاضي، فكيف له أن يعرف كل القواعد العرفية بقدمها وتشعبها، لكن الحل الأساس له هنا هو الاستعانة بذوي الخبرة في المجال، وأساسه في ذلك المادة 419 من مدونة التجارة ليبث في حجم تلك النسبة أو تحديد قيمتها عرفا.
الفقرة الثانية: أمثلة تطبيقية لأجرة السمسار عرفا
إن نسبة أجرة السمسار يحكمها العرف وما جرى به العمل، وتختلف باختلاف المناطق والأقاليم، كما تختلف باختلاف موضوعها من منقول أو عقار، كما تختلف حسب قيمة الصفقة المتوسط فيها[2]. وفي محاولة منا حصر هذه النسب باختلافاتها وبعد زيارات ميدانية للعديد من الوكالات العقارية للسمسرة وبعض الخبراء العقاريين[3] في المجال فقد توصلنا إلى بعض المعلومات والنسب نجملها كالآتي:
- بالنسبة للبيع العقاري يختلف باختلاف المناطق، ففي منطقة القنيطرة و ما فوقها إلى حدود المناطق الشمالية تحدد نسبة أجرة السمسار في البيع العقاري في 4 في المئة فما فوق، وهي نسبة مرتفعة مقارنة مع نسب أخرى في مناطق أخرى، ولأجل ذلك جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بالقنيطرة “البائع والمشتري ملزمان بأداء نسبة 4 في المئة للسمسار الذي كان مجرد سبب في لقائهما رغم انعدام وجود أي نص قانوني يحدد هذه النسبة” ورغم أن هذا القرار قد أقرن النسبة بالطرفين معا البائع و المشتري، لكنه اعترف بنسبة 4 في المئة وأقر بوجودها.
بالنسبة للدار البيضاء فتحدد نسبة أجرة السمسار في البيع العقاري ما بين 1 في المئة و 2.5 في المئة كنسبة عامة، وهي نسبة قليلة مقارنة مع النسبة المحدد في المناطق الشمالية، لكن الغريب في هذه النسبة هو أنه لا يوجد استقرار قضائي عليها في محاكم الدار البيضاء، فثارة تأخذ بها المحكمة وثارة تخرج عنها، وكمثال لذلك ما جاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء ” وحيث إنه فيما يتعلق بالعمولة المطالب بها من قبل المدعي، المحددة في نسبة 2,5 في المائة لا دليل على استحقاقها عرفيا وقانونيا مما يتعين معه استبعاد هذه النسبة”[4]
وجاء في قرار معارض له لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء “وحيث إن مبلغ 10.000 درهم المقدمة للطرف الطاعن كواجب السمسرة مقارنة مع قيمة المبيع الذي تجاوز مبلغ 3.500.000 درهم لا يعتبر مبلغا مناسبا كعمولة لهذا التصرف وأن العرف في مثل هذه النوازل حدد واجبات السمسرة في مبلغ 2.5 في المئة من قيمة المبيع”[5]
مما يتضح معه هنا أن القضاء غير مستقر على التسليم بنسبة 2.5 كعمولة لسمسار في البيع العقاري.
- بالنسبة لمراكش فتحدد نسبة أجرة السمار في البيع العقاري في 2.5 فما فوق، وقد تصل إلى 5 في المئة كصقف أعلى.
وعموما فبالنسبة للبيع العقاري تختلف النسب حسب المناطق. ومن ما هو متعارف عليه عرفا وكثيرا ما يستعمله السمسارة في بيع العقار خاصة في البوادي هو تحديد صقف أعلى لقيمة العقار فيضارب السمسار حسب المبلغ المحدد ليرفع من ثمن العقار، فيؤدي واجب البيع للبائع في حدود الصقف المتفق عليه، ويضارب في الباقي كأجر وربح صافي له، وهذا من وجهة نظرنا يدخل في الاتفاق العادي ولا إشكال فيه، كما إن كانت تلك الأجرة التي بقية للسمسار فيها درجة كبيرة من الفحش والربح، فيمكن للموكل أن ينازع السمسار قضائيا فيها عبر المطالبة بتخفيض هذه الأجرة بمدلول الفقرة الأخيرة من المادة 415.
- بالنسبة لبيع السيارات فتختلف الأجرة باختلاف نوع السيارة وجودتها وثمنها، وتتراوح إجمالا نسبة أجرة السمسار فيها ما بين 200 درهم و2000 درهم، و تختلف باختلاف عدد السماسرة المتدخلين، فإن كان عدد السمسارة متعدد فتتراوح نسبة الواحد فيهم ما بين 200 إلى 600 درهم. و من ما هو متعارف عليه أيضا في بيع السيارات أن السمسار يأخذ قيمة 1000 درهم عند كل من الطرفين، فتحدد النسبة في 2000 درهم كأجر.
- بالنسبة للكراء السكني فالمتعارف عليه وما جرى به العمل هو أن نسبة أجرة السمسار هي قيمة الشهر الأول من ثمن الكراء، فإن توسط سمسار في كراء سكني مثلا قيمته 2000 درهم شهريا، فأجرته محددة في 2000 درهم
- أما الكراء السكني في مراكش فالمتعارف عليه عمليا هو أن أجرة السمسار تحدد في مبلغ كراء شهر، لكنها تؤدى مناصفة ما بين المكري و المكتري، وهنا نلاحظ أن المشرع في المادة 418 قد قال بوجوب أداء الأجرة من من كلف السمسار، لكنه أحال إلى العرف و الاتفاق بشأن ذلك.
- أما الكراء التجاري و بيوع الأصل التجاري كذلك فقيمتها تحدد حسب قيمة ذلك الأصل و الموقع وغيرها، أي حسب ثمن البيع أو الكراء وليس هناك قيمة محددة متعارف عليها.
- أما الرهون فتحدد نسبة أجرة السمسار فيها حسب الموقع و القيمة أيضا فإما أن تؤدى النسبة بقيمة الشهر أيضا كما في الكراء، أو تحدد بثمن معين، وكمثال لذلك في وساطة عملية توسط فيها سمسار، فكانت قيمة الرهن 20 مليون و 1500 درهم للشهر، وحدد أجر السمسار في 10.000 درهم.
- آخر نوع هو بيع المواشي والذي تكون فيه السمسرة حاضرة خاصة في البوادي والمناطق القروية، ويسمون في أعراف المهنة “السبيبية”، وتحدد نسبة أجرة السمسار في هذا النوع من البيوع بحسب عدد رؤوس الماشية، فكلما ارتفع عدد المواشي انخفضت قيمة الأجرة، فبيع بقرة واحدة مثلا تحدد أجرته ما بين 50 و 200 درهم، أما إذا توسط في بيع 100 رأس ماشية مثلا فتحدد الأجرة ما بين 10 و 20 درهم للرأس.
هذه كانت إذن أهم النسب والاحتسابات المتعرف عليها عرفا، والتي تختلف باختلاف المناطق، و القيمة، و النوع، وغيرها من المسائل المتداخلة فيما بينها، والتي من خلالها يحدد صافي أجرة السمسار، وتجدر الإشارة إلا أن نسبة الأجرة تختلف أيضا باختلاف نوع السمسار وشكله، إذ أن السمسارة الذين يتخذون شكل شركات تجارية غالبا ما تكون نسبهم أعلى من هذه النسب المذكورة، لكنهم يبرمون عقودا مكتوبة ويحددون فيها الشروط اللازمة و ثمن الأجرة المتفق عليها للوقاية من وقوع النزاع.
المحور الثاني: أجرة السمسار في ضوء العمل القضائي المغربي.
يعتبر القضاء المصدر الأساسي لحل النزاعات القانونية، إذ هو الفاعل الأساس للبت في كل الخلافات بين الأفراد، لما لأحكامه من حجية قانونية وتنفيذية مطلقة، وفي باب العقود التجارية وبضبط في عقد السمسرة، كثيرا ما يتدخل القضاء لفض النزاعات الناشئة، وأهما وأكثرها حضورا نزاعات أجرة السمسار، لما تطرحه من إشكالات عملية وواقعية، نظرا أولا لأن عمل السمسار هو عمل واقعي مادي أكثر منه قانوني، و لعدم تحديد المشرع لنسبة معينة محددة تحدد هذه الأجرة.
لأجل كل ذلك أحال المشرع على القضاء للتدخل في تحديد هذه الأجرة (الفقرة الأولى) كما يتدخل أيضا للقول بثبوت العلاقة التعاقدية من عدمها وبالتبعية استحقاق الأجر من عدمه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تدخل القضاء في تحديد أجرة السمسار.
إن الأساس القانوني لتدخل المحكمة في تحديد نسبة أجرة السمسار هو المادة 419 من مدونة التجارة التي جاء فيها “إذا لم يحدد مقدار أجرة السمسار باتفاق أو بعرف فعلى المحكمة تحديده إما حسب سلطتها التقديرية الخاصة أو استنادا إلى رأي الخبراء اعتمادا على ما يجري به العمل في الخدمات المماثلة، مع مراعاة ظروف العملية الخاصة كالوقت الذي تطلبته وطبيعة الخدمة التي قام بها” وبذلك فعقد السمسرة الذي لم يضمن فيه الأجر بموجب اتفاق بين السمسار و الطرف الموكل، والذي لم يحدد العرف أجرة له، فالتدخل هنا يكون للمحكمة بتحديدها لهذه الأجرة إما اعتمادا على سلطتها التقديرية، أو على خبرة قضائية مع مراعاة ظروف الخدمة المقدمة من هذا السمسار، كالوقت والمجهود وطبيعة الخدمة. وغالبا ما تلجئ المحكمة للخبرة في تحديد الأجر، حيث أن القاضي وفقا لاختصاصه القانوني لا يمكنه تحديد هذه الأجرة بنسبها المختلفة خاصة في العقارات، مما يجعل تعيين خبير هو الحل الأنسب و الملائم لمثل هذه العمليات[6].
عموما فيبقى للقضاء و الحالة هذه الدور الأساسي والفعال لإقرار نسبة أجرة السمسار، لأجل ذلك جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي ” أجرة السمسار قد يكون مبلغا معينا، وقد يكون نسبة معينة من الصفقة التي تقع على يد السمسار، وإذا لم يتم الاتفاق على تعيين الأجر، فعلى القاضي أن يحدده مستعينا في ذلك بالعرف، فإن لم يجد قام بتقديره حسب ما بذله السمسار من جهد ووقت لإبرام الصفقة[7]
وعلى ذلك سارت محاكم الموضوع، حيث جاء في قرار استئنافي ما يلي :
” وحيث إنه فيما يتعلق بالعمولة المطالب بها من قبل المدعي، المحددة في نسبة 2,5 في المائة لا دليل على استحقاقها عرفيا وقانونيا مما يتعين معه استبعاد هذه النسبة
وحيث إنه في غياب إثبات أية نسبة تم الاتفاق عليها بين الطرفين يكون المبلغ المستحق للمدعي عما قام به من تقريب لوجهات النظر بين المتعاقدين خاصة للسلطة التقديرية للمحكمة .
وحيث إنه طبقا لمقتضيات الفصل 418 من مدونة التجارة فإن السمسار يستحق أجرته من الطرف الذي كلفه ما لم يوجد اتفاق أو عرف أو عادة تقضي بخلاف ذلك.
وحيث إنه طبقا للمادة 419 من مدونة التجارة التي تنص على إنه إذا لم يحدد مقدرا أجرة السمسار باتفاق أو بعرف فعلى المحكمة تحديده إما بحسب سلطتها التقديرية الخاصة أو استنادا إلى رأي الخبراء اعتمادا على ما يجري به العمل في الخدمات المماثلة، وحيث تبعا لذلك يكون المبلغ المستحق لفائدة المدعي هو مبلغ 30000 درهم.” [8]
فالملاحظ إذن من هذا القرار أن المحكمة استعملت ما لها من سلطة تقديرية في تقدير نسبة أو مقدار أجرة السمسار، مستعملة المعايير التشريعية التي أعطاها لها المشرع في التقدير، لتقر بأجر 30000 درهم كأجرة للسمسار. والملاحظ أيضا هو أن المحكمة نفت نسبة 2,5 وقالت بعدم ثبوتها لا عرفا ولا قانونا.
وفي نفس التوجه جاء في حكم جديد للمحكمة التجارية بالدار البيضاء صادر سنة 2018 ما يلي:
“وحيث إنه لا يوجد أي نص قانوني يقضي بتحديد العمولة بنسبة 2.5 في المئة وفي غياب إدلاء المدعي ما يفيد الاتفاق مع المدعى عليه على هذه النسبة، مما ارتأت معه المحكمة إعمالا لسلطتها التقديرية واستئناسا بقيمة العقار وثمن المبيع الحكم على المدعى عليه بأدائه للمدعي مبلغ 18000 درهم بالنظر إلى عدم إثبات هذا الأخير للجهد والوقت المبذولين من طرفه في عملية التوسط.”[9]
وفي نفس الصدد جاء في حكم آخر للمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء ” وحيث إنه وبموجب المواد 415 و418 و419 من مدونة التجارة فيحق الأجر للسمسار إذا تم إبرام العقد الذي توسط فيه ويستحق أجرته من الطرف الذي كلفه، وانه إذا لم يحدد أجرة السمسار باتفاق أو بعرف فعلى المحكمة تحديده أما حسب سلطتها التقديرية الخاصة أو استنادا إلى رأي الخبراء اعتمادا على ما يجري به العمل في الخدمات المماثلة ، مع مراعاة ظروف العملية الخاصة كالوقت الذي تطلبته وطبيعة الخدمة التي قام بها . وحيث وتبعا للإشهاد المرفق بوثائق الملف وبيع المدعى عليه للعقار موضوع الوساطة مما يكون معه المدعي محقا في استحقاقه لعمولة عن توسطه في عملية البيع والشراء.
وحيث أنه لا يوجد أي نص قانوني يقضي بتحديد العمولة بنسبة 2.5 في المئة وفي غياب إدلاء المدعي ما يفيد الاتفاق مع المدعى عليه على هذه النسبة ، مما ارتأت معه المحكمة إعمالا لسلطتها التقديرية واستئناسا بقيمة العقار وثمن المبيع الحكم على المدعى عليه بأدائه للمدعي مبلغ 18000 درهم بالنظر إلى عدم إثبات هذا الأخير للجهد والوقت المبدولين من طرفه في عملية التوسط.[10]
فحددت المحكمة في الحكمين أعلاه الأجرة في 18000 درهم معللة حكمها بنفس التعليل السالف الذكر في الحكم الأول، جاعلة المادة 419 من مدونة التجارة أساسها القانوني لإقرار سلطتها القديرية، كما أقرت أيضا نفيها لنسبة 2.5 لغياب أساساها القانوني و العرفي[11].
وإن كانت هذه الأحكام كما قلنا قد نفت نسبة 2.5 على اعتبار أنها غير مؤسسة على أساس قانوني أو عرفي، فإن محكمة الاستئناف بالقنيطرة قالت في أحد قراراتها بنسبة 4 في المئة مناصفة بين البائع و المشتري، حيث جاء في القرار “البائع والمشتري ملزمان بأداء نسبة 4 في المئة للسمسار الذي كان مجرد سبب في لقائهما رغم انعدام وجود أي نص قانوني يحدد هذه النسبة”[12]
أما محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء فقد أخذت بنسبة 2.5 في أحد القرارات المتعلقة بعقد السمسرة موضوعه البحث عن مشتري لبيع العقار تم بيعه بمبلغ 3.500.000.00 فجاء في القرار “ وحيث إن مبلغ 10.000 درهم المقدمة للطرف الطاعن كواجب السمسرة مقارنة مع قيمة المبيع الذي تجاوز مبلغ 3.500.000 درهم لا يعتبر مبلغا مناسبا كعمولة لهذا التصرف وأن العرف في مثل هذه النوازل حدد واجبات السمسرة في مبلغ 2.5 في المئة من قيمة المبيع …… في الموضوع: بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم قبول الطلب والحكم من جديد بقبول الطلب شكلا وموضوعا بأداء الطرف المستأنف عليه في حدود ماناب كل واحد منهم من تركة الهالك لفائدة الطاعنين مبلغ 77500.00 درهم المتبقى من واجبات السمسرة وتحميلهم الصائر ورد باقي الطلبات”[13]
وقد تختلف الوقائع و الأحداث في الملفات المعروضة على القضاء، لكن السلطة التقديرية المكرسة للمحكمة قانونا تبقى قائمة، إذ يمكن أن نسقط في حالة تسبيق لثمن معين من طرف الموكل للسمسار، فيختلف الطرفان في الثمن المتبقي ما دام أنهما لم يتفقا مسبقا على ثمن محدد عقدا، فتتدخل المحكمة والحالة هذه لإقرار سلطتها التقديرية في تقدير الأجر المستحق، وبالتبعية المبلغ الذي وجب تأديته، فإما أن تحكم بمبلغ أكثر فتحدد الباقي قياسا على المبلغ المؤدى كتسبيق، أو تجعل من ذلك التسبيق هو المبلغ المستحق، أو تنقص من المبلغ المسبق إن قدرت أن المبلغ المستحق هو أقل من التسبيق، وقد عرض ملف في نفس التوجه على أنظار المحكمة التجارية بالدار البيضاء جاء فيه ” وحيث إنه يستخلص مما ذكر أن المدعى عليه كلف الفريق المدعي للتوسط في بيع العقار وسلمه تسبيقا بمقدار أربعين ألف درهم إلا أن الخلاف حاصل في حقيقته في تحديد مقدار الأجرة المستحقة، وهذا الخلاف انبرى له المشرع بسن مقتضى نظمه في المادة 419 من مدونة التجارة بالتنصيص على أنه: (إذا لم يحدد مقدار أجر السمسار باتفاق أو عرف فعلى المحكمة تحديده …مع مراعاة ظروف العملية الخاصة كالوقت الذي تطلبته وطبيعة الخدمة التي قام بها.)
وحيث إن البين من خلال أوراق الملف أن ثمن الشيء المبيع يبلغ ثلاثة ملايين درهم واعتبارا للوقت الذي يستلزم عادة لبيع عقار مماثل في منطقة مماثلة ونظرا لطبيعة العملية فإن المحكمة ارتأت تحديد الأجرة المستحقة لهما في مبلغ 50.000,00 درهم نظير الخدمات التي قدماها والجهد الذي بذلاه لإتمام عقد البيع وليس بناء على النسبة التي حددها السمساران لعدم وجود اتفاق على تحديد هذه النسبة من ثمن البيع.
وحيث إن المدعيين تسلما منه وبإقرارهما مبلغ 40.000,00 درهم فبقي بذمة المدعى عليه مبلغ 10.000,00 درهم هو كل ما يجب أداؤه لهما.”[14]
فحددت المحكمة في هذا الحكم المبلغ في 50.000.00 درهم وكان قد أدى الموكل 40.000.00 درهم لتحكم المحكمة بالأداء في حدود 10.000.00 عملا بسلطتها التقديرية، وهو ما يؤكد الطرح أعلاه.
وفي محاولة منا لاستجلاء الأمن القضائي في مسألة تدخل القضاء في إقرار أجرة السمسار، وإتباع مآل بعض الأحكام الابتدائية في مرحلة استئنافها، خلصنا على أن غالبية الأحكام التي تتدخل فيها المحكمة التجارية في تقدير أجرة معينة تكون قد وافقت الصواب –من وجهة نظر المحكمة المستأنف أمامها-، فتؤيد أحكامها استئنافيا أمام محكمة الاستئناف التجارية، وكمثال لذلك ما جاء في حكم ابتدائي صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء جاء فيه ” وحيث وخلافا لما ورد بالفاتورة التي حددت من خلالها المدعية مبلغ العمولة فإنه لا يوجد أي نص قانوني قضي بتحديدها بنسبة 2.5 في المئة، مما ارتأت معه المحكمة إعمالا لسلطتها التقديرية واستئناسا بقيمة العقار وثمن المبيع وبالنظر لوجود أطراف أخرى ساهمت في عملية البيع، يتعين الحكم على المدعي عليه الأول بأدائه للمدعية مبلغ 60.000 “[15]
هذا الحكم الذي تم تأييده استئنافيا من طرف محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء والذي جاء فيه ” خلافا لما أثير بهذا الصدد فإن المستأنف عليها مادامت لم تدل بما يثبت اتفاق الطاعن على المبلغ المطلوب وقت الاتفاق شفويا على القيام بالوساطة، فإنه في هذه الحالة يتعين على المحكمة إعمال مقتضيات المادة 419 من مدونة التجارة ….. وأن محكمة البداية ارتأت تحديد التعويض في إطار سلطتها التقديرية في المبلغ المحكوم به استنادا لما توفر لديها من معلومات، واعتبارا لكون ممثل المستأنف عليها تكلف بإيجاد الفيلا موضوع عقد البيع ومراعاة منها للتنقلات التي قام بها صحبة المستأنف وحصرت التعويض في مبلغ 60.000 درهم …. في الجوهر: برد الاستئناف الأصلي و الفرعي وتأييد حكم المستأنف وجعل صائر كل استئناف على رافعه”[16]
كما جاء أيضا في حكم ابتدائي آخر يهم نفس النزاع ما يلي ” وحيث لأنه بموجب المواد 415، 418، 415 من مدونة التجارة فيحق الأجر للسمسار إذا تم إبرام العقد الذي توسط فيه ويستحق أجرته من الطرف الذي كلفه، وأنه إذا لم يحدد أجرة السمسار باتفاق أو عرف فعلى المحكمة تحديده إما حسب سلطتها التقديرية الخاصة أو استنادا إلى رأي الخبراء اعتمادا على ما يجري به العمل في الخدمات المماثلة، مع مراعاة ظروف العملية الخاصة كالوقت الذي تطلبه وطبيعة الخدمة التي قام بها …. مما ارتأت معه المحكمة إعمال سلطتها التقديرية واستئناسا بقيمة العقار وثمن المبيع وبالنظر لوجود أطراف أخرى ساهمت في عملية البيع، يتعين الحكم على المدعي عليه الأول بأدائه للمدعية مبلغ 60.000 بالنظر إلى عدم إثبات هذه الأخيرة للجهد والوقت المبذولين من طرفها في عملية التوسط”[17]
وتم تأييد هذا الحكم استئنافيا بقرار استئنافي صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء جاء فيه “ وحيث لا يوجد بالملف أي اتفاق على تحديد عمولة المستأنفة فرعيا في المبلغ المطالب به، وبذلك تكون المحكمة على صواب بإعمالها لسلطتها التقديرية في تحديد المبلغ المستحق للمستأنف عليها كعمولة في عملية الوساطة التي قامت بها لفائدة المستأنف فرعيا.”[18]
الفقرة الثانية: التدخل القضائي في إثبات العلاقة التعاقدية
سبق لنا أن أشرنا في المطلب الأول من هذا المبحث، أن لاستحقاق السمسار لأجره شروطا و أحكام، وأن اختلال هذه الشروط و الأحكام تنتج آثارا وخيمة أهمها سقوط حق استحقاق السمسار لأجرته، والتي هي جوهر عقد السمسرة وفحواها، ومن أهم هذه الشروط شرط قيام ووجود عقد السمسرة، إذ بعدم وجود وثبوت العلاقة التعاقدية ما بين السمسار والموكل فلا نتحدث عن أحكام عقد السمسرة وآثارها وعلى رأسها الأجرة.
إن أمر ثبوت أي علاقة تعاقدية يزداد صعوبة و تعقيدا عندما لا يشترط المشرع الشكلية في العقد[19]، وعقد السمسرة من جملة هذه العقود الرضائية التي لم يشترط فيها المشرع الكتابة، وبذلك غالبا ما يجد القاضي نفسه مضطرا إلى البحث في الوسائل و الوقائع المعروضة أمامه، لاستجلاء وجود العلاقة التعاقدية من عدمها، ومن تم استحقاقه للأجر من عدمه. وباتباع بعض الأحكام و القرارات القضائية، نجد أن القضاء يتبع طرق ومعايير للبحث في تحقق العلاقة التعاقدية، أولها حرية الإثبات في المادة التجارية، فجاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية “وحيث أن عقد السمسرة من العقود التجارية الشفوية الذي يمكن إثباته بجميع الوسائل عملا بالفصلين 334 و405 من مدونة التجارة وأن المشرع لم يشترط الكتابة لإثبات هذا العقد”[20]، فيبقى إذن أهم أساس تأخذ به المحكمة هو الإثباتات التي سيأتي بها مدعي وجود العقد أو مدعي عدم وجوده، وكيف يمكنه استغلال حرية الإثبات التجارية لإقناع المحكمة بوجود العقد، فجاء في حكم للمحكمة التجارية بالدار البيضاء ” وحيث وتبعا للإشهاد المرفق بوثائق الملف وبيع المدعى عليه للعقار موضوع الوساطة مما يكون معه المدعي محقا في استحقاقه للعمولة عن توسطه في عملية البيع والشراء”[21]
فاستطاع السمسار هنا إقناع المحكمة بوجود العلاقة التعاقدية، عبر الإشهاد من الموثق الذي أبرم العقد المتوسط فيه، ومن تم استحقاقه لعمولة السمسرة، لكن ذلك لا يحصل دائما بل في كثير من الحالات لا يستطيع السمسار إقناع المحكمة بقيام وساطته مما يتبعه عدم استحقاقه للأجرة، وأبرز مثال لذلك، أحد القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء والذي جاء فيه” وحيث أن المستأنف عليهما السيد والسيدة برونيي نفيا أية وساطة من طرف المستأنف بل أكدا على أن اقتناءهما للفيلا تم عن طريق الشبكة العنكبوتية وان المستأنفة بعد الاتصال بها دلتهما على عدة فيلات أخرى معروضة للبيع دون الفيلا موضوع النزاع، وهو ما أكده الإشهار الصادر عن الموثق علي شريف العلمي الذي أفاد أن عملية البيع والشراء تمت بدون أي تدخل أو وساطة من المستأنفة أو من يمثلها …. مما يجعل الحكم المستأنف مصادف للصواب فيما قضى به ويتعين لذلك تأييده”[22]
وفي نفس النهج جاء في أحد الأحكام ” وحيث إن المدعي يؤسس مطالبه استنادا إلى تكليفه من طرف ورثة أحمد الطالبي قصد إيجاد مشتري لعقارهم
وحيث أنه بالاطلاع على وثائق الملف يتضح أنها تخلو مما يفيد تكليف المدعى عليهم للمدعي قصد القيام بعملية السمسرة
وحيث أنه وفضلا عن ذلك فإن عقد البيع المدلى به لا يشير إلى كون المدعي توسط في عملية البيع
وحيث أنه فيما يخص الإشهاد المدلى به فإن صاحبه لم يحدد مصدر علمه بكون المدعي هو الذي توسط في عملية البيع , ذلك أن الإشهاد لا يتضمن الإشارة إلى حضور عملية التكليف أو حضور عملية القيام بالوساطة وبالتالي فإنه يكون غير كاف لإثبات قيام المدعي بالوساطة ، خاصة أمام منازعة المتعاقدين في العملية”[23]
وما يتضح من خلال هذه الأحكام القضائية وهي مسألة في غاية الأهمية، أن المحكمة تأخذ كثيرا بالإشهاد، هذا الإشهاد الذي يوقعه غالبا الموثق كاتب العقد الذي جمع بين الموكل والغير، والذي يشهد فيه أن السمسار فعلا قد توسط في عملية البيع هذه مثلا، فإن نص على ذلك صراحة اعتبرته المحكمة إشهادا لصالح السمسار و قرينة على وساطته، وإن لم ينص على ذلك صراحة اعتبرته المحكمة قرينة على عدم وجود تلك الوساطة، ونتاجا لذلك نصبح كأننا أمام عقد شكلي تشترط فيه المحاكم الإشهاد من كاتب العقد بأصحية وساطة السمسار، وهذا أمر إن كان يصح في بعض الأحيان على حسب الوقائع، فإنه لا يستقيم دائما، كما فيه مس بالرضائية في هذا العقد و التي كرسها المشرع ووجب احترام إرادته فيها. كما أن المحكمة في بعض الأحيان تأخذ كقرينة في إثبات عقد السمسرة حضور السمسار في مجلس العقد موضوع الوساطة وتتبعه لكل الإجراءات بمثابة حجة له لقيام العلاقة التعاقدية، وهو الأمر الذي أخذت به محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء التي جاء فيها “ وحيث أن الثابت من خلال الوثائق وأيضا من خلال ما راج بجلسة البحث والاستماع إلى الموثق أن المستأنف عليه قد توسط في عملية البيع بصفته سمسارا حضر جميع إجراءات عملية البيع العقاري الذي فوته المستأنف لفائدة المشترية مما يستفاد معه أنه حضر مجلس العقد باعتباره هو من توسط لفائدة البائع في البحث عن مشتري لعقاره وبذلك يبقى الحكم مصادفا للصواب فيما قضى به”
ومن الوسائل التي يعتمدها القضاء أيضا للاقتناع بوجود عقد السمسرة، هو ما يسميه القضاء بالتكليف المباشر، فيبحث في الإشهاد السالف الذكر أو يستعمل قرائن أخرى متعددة للقول بوجود العلاقة من عدمها، ويقصد بالتكليف المباشر هذا، أن الشخص الذي أبرم عقد بيع عقار مثلا قد كلف السمسار مباشرة للبحث له على مشتري لبيع ذلك العقار، أي أن إرادته اتجهت كاملة لهذا التكليف، ومن أوضح الأحكام التي أخذت بمعيار التكليف المباشر وقرينة وجوده من عدمه حكم صادر عن المحكمة التجارية بالبيضاء جاء فيه ” لكن حيث إنه غني عن البيان أن عبء إثبات واقعة ما تكون على من يدعيها وهو أمر لم يحصل من طرف المدعى عليه وجاء مجردا خاليا من كل بيان أو حجة تؤكده، مما يكون ما أثاره هذا الأخير مردودا وغير منتج.
وحيث أورد المدعى عليه في الفقرة الأخيرة من مذكرته الجوابية بعدم وجود اتفاق على تحديد الأجرة المستحقة للسمسارين وأنه بوسع المحكمة لما لها من سلطة تقديرية في تحديد أجرتهما تلقائيا اعتبارا للمجهود المبذول وطبيعة الخدمة المنجزة والوقت المتطلب، هذا العمل الذي اعتبره المدعي ضئيلا؛ وهو ما يعتبر إقرارا على تمام المعاملة وصحة العلاقة وثبوت التكليف، وهو واقع يغني عن البحث والاستماع للشهود للتحقق من معطيات النازلة بما يدعم ركائزها من عدمه”[24].
كما جاء في حكم آخر ” وحيث إن المدعي ملزم ببيان وجه تكليفه من المدعى عليهم بأية وسيلة من وسائل الإثبات القانونية.
وحيث إن البين من خلال أوراق الملف أن الأمر يخلو من التكليف المباشر والأكيد من المدعى عليهم من أجل التوسط في عملية البيع والشراء للعقار وهو شرط لازم لقيام عقد السمسرة وأنه بتخلفه يكون الأجر المطلوب غير مستحق.
وحيث تكون الدعوى غير مؤسسة على أسباب قانونية سائغة مما يتعين رفض الطلب بشأنها”[25]
لكن وإن كانت الشفوية في عقد السمسرة هي القاعدة العامة، فإنه وبإطلاعنا على بعض القرارات القضائية، نقول أن المحكمة في بعض الأحيان وعلى حسب طبيعة موضوع الوساطة التي توسط فيها السمسار، قد تخرج عن هذه القاعدة، فتشترط شكلية الكتابة فيه تحت طائلة سقوط حق السمسار في الأجرة بناء على عدم ثبوت عملية التوسط، وهو أمر خطير يضرب بمبدأ الرضائية التي ارتئ المشرع إقرارها، ونمثل ذلك في أحد القرارات الفريدة لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء والتي ألغت بواسطته الحكم الابتدائي، واعتبرت عملية التوسط في التنازل عن الأسهم ومقايضتها وساطة من نوع خاص تستوجب عقدا مكتوبا لإثباتها، فجاء في القرار “وحيث أن الأمر وخلافا لما ورد بالحكم المستأنف لا يتعلق بعملية سمسرة عادية وإنما ينصب على عملية التنازل عن الأسهم ومقايضتها … وحيث أنه وفضلا على ذلك فإن قيام المستأنف عليه بأي دور في عملية التعريف بين الأطراف ويستوجب إبرام عقد يؤطر العلاقة بينهم … وأن الأمر يتعلق بعملية سمسرة من نوع خاص يستوجب إبرام عقد مكتوب يحدد التزامات كل طرف اتجاه الآخر.. وحيث يترتب على ما سبق أنه وفي غياب ما يثبت أي عقد مكتوب يفيد تكليف الطرف المستأنف عليه بالواسطة في عملية التنازل عن الأسهم أو مقايضتها وكذا ما يثبت إتمام أية عملية بيع أو شراء فإن الطلب يبقى بذلك غير مبرر من الناحية الشكلية مما يتعين معه إلغاء الحكم المستأنف والحكم من جديد بعدم قبول الطلب”[26]، فهو إذن قرار فريد خرج فيه القضاء عن الشفوية المتأصلة في عقد السمسرة واشترط شكلية الكتابة فيه نظرا لطبيعة موضوع التوسط، وأنه عقد سمسرة من نوع خاص، والخطير هو أن المحكمة لم تستدل بأي أساس قانوني في هذا التكييف وهذا الخروج عن النص مما يجعل قرارها معرضا للنقض بموجب خرق القانون الداخلي المتمثل في الشفوية التي أقرها المشرع.
وفي محاولة منا لاستجلاء الأمن القضائي في مسألة الإثبات هذه وخاصة إقرار الشفوية و الرضائية في عقد السمسرة، سلكنا مجددا طريق اتباع مآل الحكم الابتدائي.
فجاء في حكم ابتدائي صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء ” ولكن حيث وعكس ما دفع به المدعى عليه فإن عقد السمسرة من العقود التجارية الشفوية الذي يمكن إثباته بجميع الوسائل عملا بالفصلين 405و334 من مدونة التجارة، وأن المشرع لم يشترط الكتابة لإثبات هذه العقد”[27]
هذا الحكم الذي أيد استئنافيا في شقه المتعلق بالإثبات وفق قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء الذي جاء فيه ” بخصوص خرق المادة 405 من مدونة التجارة، فإنه خلافا لما أثاره الطاعن كون عقد السمسرة يجب أن يحرر به عقد كتابي لإثبات خدمة الوساطة فإن المادة 405 من مدونة التجارة ولئن كانت اعتبرت السمسرة عقد يكلف بموجبه السمسار من طرف شخص بالبحث عن شخص آخر لربط علاقة بينهما قصد إبرام عقد، فإنها لم تشترط الكتابة وأن عقد السمسرة يمكن أن يحرر في شكل عقد كتابي ويمكن أن يكون شفويا”[28]
وقد سارت مجموعة من الأحكام على نفس القاعدة و النهج وتم تأييد أحكامها استئنافيا، فبعدما يتمسك أحد الأطراف بضرورة كتابة عقد السمسرة لإثباته، تجيبه المحكمة الابتدائية بشفوية عقد السمسرة، ويتمسك بنفس الدفع أمام محكمة الاستئناف لتؤيد الحكم الابتدائي وتواجهه بشفوية عقد السمسرة [29]
تجدر الإشارة، إلى أن القضاء في بعض الأحيان وعندما تكون صفة الأطراف متشابكة وفيها بعض الغموض واللبس عند إبرام عقد السمسرة أو العقد المتوسط فيه، فإنها تصدر قرارا أو حكما تمهيديا –حسب الأحوال- تأمر فيه بإجراء بحث لاستجلاء بعض النقط الغامضة، ومن أمثلة ذلك ما جاء في أحد القرارات التمهيدية: “وحيث ارتأت المحكمة وقبل البث في النازلة الأمر بإجراء بحث بين الطرفين بواسطة المستشار المقرر وذلك قصد استجلاء بعض النقط الغامضة حول: – صفة وأهلية المستأنف عليه للقيام بعملية السمسرة وكيفية القيام بها عادة وطريقة تنظيمها. – صفة السيد آلان مازيل في الشركة الطاعنة وقت إبرامه للعملية وتكليف الطرف المستأنف عليه للقيام بعملية السمسرة وتاريخ مغادرته للعمل والصلاحيات التي كانت مخولة له داخل الشركة المستأنفة”[30].
تجدر الإشارة في الأخير إلى أن المشرع -كباقي التشريعات الأخرى مثل المشرع المصري و المشرع الإماراتي و المشرع الأردني[31]– قد أعطى للقضاء صلاحية تخفيض أجرة السمسار وفق المادة 415 من مدونة التجارة والتي جاء في فقرتها الثالثة “إذا كان الأجر المتعهد به للسمسار يفوق ما تتطلبه الخدمة المقدمة فيمكن طلب تخفيضه ما لم يكن الأجر قد تم تحديده أو دفعه بعد إبرام العقد.”
وبذلك أعطى المشرع لمن تضرر من الأجر المتعهد به مع السمسار واعتبره مبالغا فيه أن يتقدم إلى المحكمة لطلب تخفيضه، مع قيد عدم تحديد الأجرة أو دفعها بعد إبرام العقد.
خاتمة
صفوة القول، أن موضوع أجرة السمسار من المواضيع الأساسية التي تطرح العديد من الإشكالات القانونية التي حاولنا طرح بعضها، وذلك يبرز من خلال المجالات المتعددة التي تدخل كفاعل أساس في هذه الأجرة وأحكامها، غير أن كل هذه المجالات التدخلية تتوسطها عوائق وتحديات جعلت من خلاصة عملها يتأرجح بين المتوسط و الضعيف، فالمشرع وإن نظم أجرة السمسار، إلى أنه نظمها في شق مدى استحقاقه لها وميعاد استيفاءها، فلم ينظم نسبها وطرق احتسابها، كذلك فالأعراف والعادة هي كثيرة ومختلف وتتنوع حسب موضوع لوساطة وقيمة الصفقة ووقتها والمنطقة المبرمة فيها، مما يجعل الأمر مستعصيا على تنظيمها تشريعيا، أما القضاء فهو الحل والملجئ لأطراف هذه العلاقة التعاقدية بعد أن تماطل التشريع في تحديدها واستشكل الأمر أمام العرف في توضيحها، بيد أن القضاء وكما بينا أعلاه يشهد بعض التناقض والتضارب في بعض النقط الأساسية المنتجة خاصة في تدخله في تحديد هذه الأجرة، كما أن عقد السمسرة وشفويته التي جعل منها المشرع الأصل الأساس كثيرا ما تجعل من تلك العلاقة التعاقدية موضع شكا وريبة، وما يصحب ذلك من ضياع الحقوق وفتح المجال أمام سوء نية الأفراد.
ونختم في الأخير ببعض الاقتراحات التي يمكن أن تسهم في نجاعة أجرة السمسار وتوضيحها:
- إقرار شكلية الكتابة كأصل في عقد السمسرة وما قد تساهم فيه من ثبوت العلاقة التعاقدية من جهة وفرصة لتبين نسبة الأجرة من جهة أخرى؛
- تنظيم المشرع في مدونة التجارة تعدادا لأهم النسب وطرق احتساب أجرة السمسار على سبيل المثال مما قد يساهم في حل مبدئي لأجرة السمسار؛
- تعديل المشرع لتلك الازدواجية اللفظية المعيبة لمصطلح “العقد” من دون توضيح لقصد المشرع هل عقد السمسرة أم عقد الصفقة المتوسط فيها؛
- توضيح المقصود بالخطأ الجسيم المنصوص عليه في المادة 415 من مدونة التجارة؛
- وضع غرامات مالية مهمة بشأن المماطلين في أداء أجرة السمسار لما قد يصاحب ذلك من ردع وحماية للسمسار من سوء نية بعض الأشخاص؛
- صياغة قواعد عرفية مكتوبة يرجع لها القضاء للبحث عن أعراف أجرة السمسرة وما قد ينتج عن ذلك من توحيد قضائي في النسب؛
- عقد دورات تكوينية مفيدة للسماسرة بهدف التوعية القانونية، إذ من خلاصات زياراتنا الميدانية مع مجموعة من السمسارة جهل العديد منهم بحقوقهم القانونية وتوجهات القضاء في حمايتهم؛
[1] – الدكتورة نجاة بضراني، مدخل لدراسة القانون الطبعة الثانية 2001 ص 194
[2] – وهو ما أكده لنا الأستاذ المحامي عمر أزوكار عند الزيارة الميدانية للمحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 22 نونبر 2018 على الساعة 11 صباحا.
[3] – في تحديد كل هذه النسب العرفية التي سنعرضها في هذه الفقرة، ولإضفاء الحجية عليها والتأكد من صحتها استعنا بسمسارة ممارسين في الميدان ووكالات عقارية، كما كانت لنا زيارة ميدانية للأستاذة أمينة التاقي وهي خبيرة محلفة بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء والكائن مكتبها ب درب الفقراء زنقة 47 رقم 6 وذلك يومه الخميس 23 نونبر 2018 الساعة 12 زوالا.
[4] – قرار لمحكمة الاستئناف بالقنيطرة عدد 8998 صادر بتاريخ 17 يوليوز 2000 في الملف المدني رقم 99،154 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 23 ص 163
[5] – قرار عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء رقم 2947 بتاريخ 2017/05/17 ملف عدد 2016/8202/6212 غير منشور
[6] – معلومة مقتبسة من لقاء ميداني لنا مع الأستاذ إدريس مساعد نائب رئيس محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء يوم 19 نونبر 2018 على الساعة 11.00 قبل الزوال بمكتبه الكائن بمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء.
[7] – قرار محكمة النقض عدد 1202 المؤرخ في 2004/11/03 ملف تجاري رقم 1067/3/1/2003 غير منشور.
[8] – حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم:2252 بتاريخ: 2016/03/08 ملف رقم 2016/8202/591، غير منشور.
[9]– حكم عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم 2088 بتاريخ 2018/03/08 ملف رقم 2015/8202/3905 غير منشور.
[10] – حكم صادر عن المحكمة الابتدائية التجارية بالدار البيضاء رقم: 2088 بتاريخ: 08/03/2018، ملف رقم 3905/8202/2015 غير منشور.
[11] – هذا عن توجه محكمة النقض و المحكمة التجارية بالدار البيضاء وكذلك محكمة الاستئناف بالقنيطرة، ويبقى للمحاكم الأخرى نفس التوجه تقريبا، وكمثال لذلك جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بفاس رقم 259 في الملف عدد 1793/07 بتاريخ 14 فبراير 2008 (غير منشور) “وحيث إنه لما كانت حقوق والتزامات الوسيط محددة بنص القانون المومأ إليه أعلاه، إلا انه يبقى الأجر الذي يستحقه مقابل الأعمال والمجهودات التي قام بها وكذا المعلومات التي قدمها للأطراف والكل من أجل التوفيق بين الإرادتين لإحداث أثر قانوني، طالما لم يثبت من اتفاق ولا من عرف تحديده، أن يوكل للمحكمة هذا الأمر، وأنها بما لها من سلطة تقديرية غي ملائمة الأجر المستحق للوسيط مقابل الجهود المبذولة من طرفه ترى تحديده في مبلغ 40000 درهم.
[12] – قرار لمحكمة الاستئناف بالقنيطرة عدد 8998 صادر بتاريخ 17 يوليوز 2000 في الملف المدني رقم 99،154 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 23 ص 163.
[13] – قرار عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء رقم 2947 بتاريخ 2017/05/17 ملف عدد 2016/8202/6212 غير منشور
[14] – حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم: 11433 بتاريخ: 07/12/2016 ملف رقم 2015/8202/9741 غير منشور.
[15] – حكم عن المحكمة التجارية بالبيضاء رقم 10215، بتاريخ 2017/11/09 ملف رقم 2017/8202/5814 غير منشور.
[16] – قرار عن محكمة الاستئناف التجارية رقم 1110 بتاريخ 2018/03/01 ملف رقم 2018/8202/126 غير منشور.
[17] حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم 1021 ملف رقم 2017/8202/5815 بتاريخ 2017/11/09 غير منشور
[18]– قرار عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء، رقم 2356، بتاريخ 2018/05/08 ملف رقم 2018/8202/541 غير منشور.
[19] – و هي من المنافع التي جعلت العديد من الباحثين ينادون بإقرار الشكلية في العقد كركن و كأصل
[20] – قرار محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء عدد 5274 وتاريخ 09/12/2010 ملف عدد 2108/9/2010 غير منشور.
[21] – حكم رقم: 2088 بتاريخ: 08/03/2018 ملف رقم:3905 /8202/2015 غير منشور
[22] – قرار عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء رقم 1834 بتاريخ 2016/03/22 ملف عدد 2015/8201/2395 غير منشور
[23] – حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم: 16 بتاريخ: 2017/01/03 ملف رقم: 2016/8202/2837 غير منشور
[24]– حكم صادر عن المحكمة التجارية بالبيضاء رقم: 11433 بتاريخ: 07/12/201، ملف رقم: 9741/8202/2015 غير منشور
[25]– حكم صادر عن المحكمة التجارية بالبيضاء رقم: 4229 بتاريخ: 02/05/2018 ملف رقم: 121/8202/2017 غير منشور
[26] – قرار عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء رقم 1782 بتاريخ 2917/03/23 ملف عدد 2016/8202/3159 غير منشور.
[27] – حكم عن المحكمة التجارية بالبيضاء رقم 10215، بتاريخ 2017/11/09 ملف رقم 2017/8202/5814 غير منشور.
[28] – قرار عن محكمة الاستئناف التجارية رقم 1110 بتاريخ 2018/03/01 ملف رقم 2018/8202/126 غير منشور
[29] – ومثال ذلك الحكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء رقم 1021 ملف رقم 2017/8202/5815 بتاريخ 2017/11/09 غير منشور، والذي تم تأييده بموجب القرار الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء، رقم 2356، بتاريخ 2018/05/08 ملف رقم 2018/8202/541 غير منشور.
[30]– قرار تمهيدي صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء رقم 859 بتاريخ 2016/10/27 ملف رقم 2016/8202/3159 غير منشور.
[31]– قانون المعاملات التجارية لدولة الإمارات العربية المتحدة القانون الاتحادي رقم 18 لسنة 1993 . “المادة 255:
ثالثا: و يجوز للقاضي أن يخفض الأجر المتفق عليه إذا كان غير متناسب مع ماهية الصفقة والجهد الذي قام بها لسمسار ولا مجال للتخفيض إذا تم الاتفاق على الأجر أ ودفعه العميل مختارا بعد إبرام العقد الذي توسط فيها لسمسار”
- قانون التجاري المصري رقم 17 لسنة 1999.
المادة 196: ” يجوز للمحكمة أن تخفض أجر السمسار إذا كان متناسب مع الجهد الذي بذله إلا إذا دفع الأجر المتفق عليه بعد إبرام العقد الذي توسط السمسار فبإبرامه”.