في الواجهةمقالات قانونية

محمد المنصوري : الرقابة الدستورية على مشروع قانون الاضراب

 

ذ. محمد المنصوري    

نقابي وباحث في القانون العام

———————————

الرقابة الدستورية على مشروع قانون الاضراب

تفاعلا مع النقاش القديم /الجديد حول الاضراب كحق مقدس  ،وكيف تكفله القوانين الدولية والوطنية كحق نقابي يمارسه العمال والاجراء والموظفين لتحسين ظروف عملهم ومن أجل المطالبة بحقوقهم المشروعة ،وعودة كذلك إلى الالتفاف حول هذا  الحق بمحاولة تكبيله  بمشروع قانون “تنظيمي” ،حيث تتحين الحكومة الفرصة المناسبة  لتمريره، وعودة أيضا إلى الاقتطاعات التي تتعرض لها أجور المضربين طيلة سنوات واستمرارها بذريعة الأجر مقابل العمل ،كإسقاط تعسفي للعلاقة التعاقدية على العلاقة النظامية ، واستحضارا  لهذا المشروع وغيرها من المشاريع  الحكومية اللاشعبية ،منها ما تم تمريره ومنها  ما هو موجود في طور التمرير، مستغلين كل الفرص ،خاصة زمن الأزمات والظروف العصيبة ،واعتبارا لما تشكله المكتسبات من حقوق أساسية تستوجب التضحية والمقاومة من أجل الحفاظ عليها ، وهنا بالضرورة   الاشارة الى أن  جبهات مقاومة الاجهاز على الحقوق والمكتسبات يمكن ان تتخذ صيغ مختلفة ،قد يتداخل ويتمفصل فيها النضال النقابي والترافع القضائي /القانوني والرقابة القضائية والسياسية و الشعبية .

وفي هذا الإطار نعتقد ،انه يمكن أن نستحضر ،ولو بشكل تعسفي ،المادة 35 من الدستور الفرنسي لسنة  1793  “كل شخص يغتصب السيادة يجب أن يموت على أيدي الرجال الأحرار “،حيث يحيل منطوق النص الدستوري ،خلال هذه المرحلة التاريخية،  ان المقاومة تصبح من اقدس الحقوق ،عندما تغتصب الحكومات حقوق الشعوب ،وكما يستدل بهذا النص كذلك  في إطار الرقابة السياسية/الشعبية  الممارسة من طرف الشعب على  دستورية القوانين. لكن   هذا التصور” المقاوماتي” بما فيه اللجوء لخيارات المقاومة المادية واسقاط هذه الحكومات بالقوة ،  يبقى دون  سند قانوني واخلاقي ،بل  متجاوزا في ظل الدولة الحديثة  ، بقدر ما تجد  الصياغة الدستورية هاته سندها بالتأثر بظروف الثورة الفرنسية ،والذي جاء في سياق تبرير تصرفات الثوار آنذاك  ضد الملكية المطلقة [1]،حيث لا يمكن الاعتراف لكل مواطن بتنصيب نفسه قاضيا  دستوريا. وفي السياق ذاته حري بالإشارة إلى  ان الرقابة  على دستورية القوانين  ، في ظل الدول الحديثة ،  تتخذ أشكال وصيغ يتداخل فيه القضائي القانوني والرقابة السياسية القانونية والسياسية الشعبية من اجل اسقاط القوانين غير الدستورية  ،وكذا عدم   تجديد الشعب لثقته  في السلطة التي تخرق او تحاول خرق الدستور في إطار رقابة سياسية شعبية  .وعليه كيف تتحدد الرقابة القضائية والسياسية   على القوانين ومنها القوانين التنظيمية والعادية الاجتماعية(القانون التنظيمي للأضراب نموذجا) ؟وماهي حدود مساهمة المرتكزات الدستورية والواقعية في التفعيل الناجح للرقابة القضائية والسياسية والشعبية على دستورية القوانين ؟

          المطلب  الأول :  الرقابة القضائية على دستورية مشروع قانون الاضراب .

في السياق المغربي ،وفي ظل المناقشة  الحالية لحق ممارسة الاضراب و السعي لتمرير “مشروع  القانون “التكبيلي”  للأضراب ،وكذا  مباشرة تنفيذ بعض  بنود القانون(الاقتطاعات عن ايام الاضراب ) ،فضلا عما يتضمنه من بنود كثيرة تجرم[2] هذا الحق الدستوري ،وهو الحق الذي يكفله الدستور كحق مقدس  بمقتضى الفصل 29 من دستور 2011 [3]. إذ  يحق  القول  أن  مقاومة مشروع قانون الأضراب يمكن أن يسلك الجانب القضائي ، باعتبار أن   أي قانون تنظيمي لا يتناغم مع الضمانة الدستورية التي حظي بها  الحق الدستوري   يضرب في العمق مبدأ سمو الدستور ،حيث تدخل   الرقابة القضائية بشقيها البعدي والقبلي عبر  المحكمة الدستورية لحماية الحريات الدستورية من تعسف المشرع. اذا كيف يتم تفعيل الرقابة القضائية على دستورية القوانين  ؟وإلى اي حد يمكن للمحكمة الدستورية كجهاز قضائي مستقل اسقاط مشروع قانون الاضراب ؟.

الفقرة الأولى :الرقابة القبلية والبعدية على دستورية  القوانين .

  1. الرقابة القبلية القضائية/السياسية على القوانين التنظيمية والعادية

        تفعيلا لمبدأ دستورية  القوانين، تختص المحكمة الدستورية وفق  الفصل 132   من الدستور في مراقبة دستورية القوانين  والاحكام التي تتمتع بالقوة القانونية ،حيث تتولى الرقابة الاختيارية على القوانين العادية[4] وكما تتولى الرقابة الاجبارية على دستورية القوانين التنظيمية [5]قبل اصدار الامر بتنفيذها .اذ تتدخل المحكمة الدستورية  بشكل اجباري للاعتراض واسقاط أي قانون تنظيمي يتعارض مع روح الدستور ، وهي رقابة وقائية تمتد كذلك الى النظام الداخلي لمجلسي النواب والمستشارين  اللذان لا يخضعان لمسطرة الاصدار.

وبما ان القوانين التنظيمية يتم سنها استنادا الى النص الدستوري باعتبارها مكملة للدستور فهي تخضع وجوبا للرقابة الدستورية ،وتسمى بالرقابة القبلية  القضائية من  منظور ان هذه الرقابة مسندة الى هيئة قضائية مختصة (المحكمة الدستورية) ويمكن ان نعتبرها رقابة قبلية سياسية من منطلق تركيبة المحكمة الدستورية ،حيث تتشكل ،بالإضافة للأعضاء المعينون من طرف الملك ،من اعضاء منتخبين من طرف المؤسسة التشريعية [6] .والحالة هذه يمكن ان ندرج القانون التنظيمي للإضراب في هذا الاطار، حيث يجب ان تكون صياغة  مواده ضامنة لهذا الحق  بما يعكس الضمانة الدستورية التي حضي بها . كما من واجب المحكمة الدستورية بعد فحص مواده مادة بمادة الوقوف على دستوريته من عدمها لا قراره او استبعاده.

بالمقابل، على خلاف القوانين التنظيمية، فالقانون العادي لا يخضع للرقابة الدستورية الا بطعن من ذوي الصفة، وهي رقابة سياسية اختيارية من منطلق من يتقدم بالطعن، حيث تحال  القوانين على المحكمة الدستورية  بطلب من  الملك أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب  أو رئيس مجلس المستشارين أو خمس اعضاء مجلس النواب أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين. وهكذا تظهر الرقابة السياسية القبلية على القوانين من خلال الطعن فيها من طرف الهيئات المذكورة قبل اصدار الامر بتنفيذه والترافع بشأنه لدى المحكمة الدستورية ،مما يجعل لجوء المعارضة  للطعن متاحا، سواء عبر مجلس النواب   بعد تخفيض نسبة اعضائه الذين  يحق لهم الطعن في القوانين غير الدستورية، أو عبر مجلس المستشارين ذو الاغلبية المعارضة  ،حيث تشكل تمثيلية الماجورين[7] نصف الاعضاء المخول لهم القيام بالرقابة الدستورية بالتقدم بالطعن لدى المحكمة الدستورية.

ويتضح مما تقدم  ان دستور 2011  وسع هامش المعارضة من اجل التدخل  لفرض الرقابة القضائية على القوانين بممارسة الطعن لدى المحكمة الدستورية  ، ويؤدي الطعن  في   دستورية القوانين الى  وقف اصدار الأمر بتنفيذها الى غاية صدور قرار المحكمة الدستورية، وفي حالة اقرار المحكمة بعدم دستورية قانون معين يتوقف تلقائيا اصدار الامر بالتنفيذ[8]. وبمقتضى الدستور، وبأمر من المحكمة الدستورية، تتوقف كل التشريعات المنافية لما اقره من حقوق وحريات  ومنها الحق في ممارسة الاضراب كحق مضمون شريطة اثبات ان القانون التنظيمي يعاكس الحرية المضمونة دستوريا.                                                                                                                                            

  1. الرقابة القضائية البعدية على القوانين العادية

      بالإضافة للرقابة القبلية ،بتداخل شقيها السياسي والقضائي، التي تمارسها المحكمة الدستورية على القوانين،فقد منح الدستور الجديد رقابة اخرى للمحكمة الدستورية تتعلق بالرقابة البعدية ; حيث ان هذه الرقابة لا يثيرها القضاء سواء الدستوري او العادي من تلقاء نفسه ،بل تثيرها الاطراف المتنازعة امام القضاء من خلال الطعن في دستورية القانون ،بمبرر  مسه بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور .وتتمثل هذه الرقابة في تولي المحكمة الدستورية النظر في الدفع الذي يثيره احد المتقاضين بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه في نازلة معروضة امام المحاكم العادية، وكما تحيله هذه الاخيرة على القضاء الدستوري للبث فيه. وعندما  تقر المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون المطعون فيه،فان الحكم يؤدي الى نسخ القانون ابتداء من التاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية في قرارها[9] .

وهنا يتأكد ،بمقتضى النص الدستوري، ان القوانين المنافية للدستور يمكن نسخها حتى بعد سريان الامر بتنفيذها بإثارة من المتضررين بأحكامها اثناء مرحلة التقاضي. مما جعل امر استبعاد بنود قوانين اجتماعية مصادق عليها امر وارد، شريطة الترافع عليها بشكل يبرز حجم التناقض بينها وبين الاحكام الدستورية من حقوق وحريات.

 

          الفقرة الثانية :محدودية الرقابة القضائية القبلية  والبعدية .

         اذا كانت الرقابة الدستورية  تكتسي اهمية من خلال ما جاء به دستور 2011 من تعديلات همت اختصاصات المحكمة الدستورية وتركيبتها[10]،الا هذا لا يمنع من الوقوف لدى محدودية رقابتها على القوانين الصادرة عن المؤسسات التشريعية نظرا لطبيعة تركيبة هذا الجهاز القضائي ،الذي يفترض فيه الاستقلالية والحياد .فمن منظور تركيبتها يسجل محدودية الاستقلالية لا من حيث الاعضاء المعينون ولا الاعضاء المنتخبون من طرف مجلسي البرلمان. [11]

       ان التعامل مع القضاء الدستوري  بكونه مؤسسة تمتاز  باستقلالية وحياد القضاء المستقل يجب ان تؤخذ بتحفظ شديد ،نظرا  لحضور السلطة التقديرية لدى القضاء اثناء التقاضي  ،وما يمكن ان يستتبع ذلك من تأويل للنصوص القانونية بما يفيد دستوريتها من عدمها. حيث ان تركيبة الهيئة القضائية المذكورة يمكن ان تجعل منها مؤسسة شكلية اثناء تعاملها مع الرقابة الدستورية   للمعارضة، لكون الهيئة المنتخبة داخل الجهاز القضائي تحسم لصالح الاغلبية ،فضلا  عن ان النصف المعين عادة ما يساير توجهات الاغلبية وخاصة اغلب مشاريع القوانين التنظيمية والقوانين  العادية الاجتماعية تحال الى المؤسسة التشريعية من داخل المجلس الوزاري .مما يجعل الترافع بشان اسقاط القوانين التنظيمية منها مشروع قانون الاضراب يكتنفه نوع من التعقيد ،لرجاحة التأويل “القضائي” للبنود ،التي يمكن ان نقول بانها تناقض الدستور في الجانب المتعلق بضمانته كحق وحرية دستورية ،لصالح دستوريتها. لذا يبقى الرهان على الدور القضائي لإسقاط مشروع قانون الاضراب يكتسي محدودية توازي محدودية  الرقابة الدستورية للقضاء الدستوري.

 

  المطلب الثاني : الرقابة الدستورية السياسية والشعبية على مشروع قانون الاضراب .

 

ان أمر الرقابة الدستورية للقوانين،كما سبقت الاشارة الى ذلك سابقا، يتخذ صيغ مختلفة، تتوزع بين القضائي والسياسي،حيث تمارس  الرقابة من قبل هيئات سياسية او هيئات قضائية. إذ أن الرقابة السياسية تفعل عبر هيئات سياسية سواء من حيث تكوينها، او من حيث اختصاصاتها. وكما يمكن للرقابة الدستورية ان تتخذ صورة الرقابة الشعبية المباشرة باليات سياسية .

الفقرة الأولى: الرقابة الدستورية السياسية على القوانين.

الرقابة الدستورية السياسية للقوانين في المغرب بمعنى الصريح للكلمة ومنصوص عليها دستوريا غير واردة كما هو الشأن لدى بعض الدول الاخرى[12]،لكن الرقابة السياسية المقصودة على القوانين تتوزع ضمنيا بين المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة التنفيذية.

  1. رقابة المؤسسة الملكية على القوانين

تتجلى الرقابة على القوانين من طرف المؤسسة الملكية من خلال احالة القانون الذي خضع للتصويت النهائي من طرف البرلمان على رئيس الدولة من اجل التصديق ،وفي هذه المرحلة ،يحق للملك ان يطلب من كلا مجلسي البرلمان قراءة جديدة في مشروع القانون أو مقترح قانون[13] .بالإضافة الى  اجبارية عرض مشاريع القوانين التنظيمية ،حيث يعد تقديم هذه المشاريع اختصاصا اصيلا للحكومة، على المجلس الوزاري الذي ينعقد برئاسة الملك[14].

  1. رقابة السلطة التنفيذية على القوانين

        الرقابة السياسية للحكومة على القوانين تبرز من خلال اختصاص رئيس الحكومة في الطعن  في القوانين لدى المحكمة الدستورية قبل اصدار الامر بتنفيذ ها او قبل المصادقة عليها[15].وتسمى بالرقابة الدستورية الاختيارية كما تمت الاشارة الى ذلك سابقا. وكما تتضح كذلك رقابة السلطة التنفيذية من خلال امكانية الدفع بعدم قبول  المقترحات او التعديلات القانونية من طرف المعارضة ،واي خلاف بشأنها  تبث فيه المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس النواب او رئيس مجلس المستشارين او رئيس الحكومة [16].وكما يحق للحكومة معارضة  أي تعديل من مجلسي البرلمان لم يعرض من قبل  على اللجان  البرلمانية التي  يعنيها الامر[17].

    وكما تنضاف للسلطة التنفيذية،بجانب دورها الرقابي على القوانين،الهيمنة على المساهمة و المبادرة  التشريعية، باعتبارها تتقدم بمشاريع القوانين التنظيمية والعادية  من جهة ،وتأخد المبادرة التشريعية خلال الفترات الفاصلة بين الدورات البرلمانية [18] وخلال حالة الاذن  والتفويض من البرلمان[19]من جهة اخرى.

   وبناء على ما تقدم،ووفق ما يتيحه الدستور للحكومة من صلاحيات تشريعية ورقابية على القوانين، فان حماية بعض الحقوق الدستورية ،كالحق في الاضراب على سبيل المثال ، تبقى بعيدة التحقيق ،نظرا للهيمنة المطلقة للحكومة وامتلاكها من الاليات ما يجعلها  تملك  مصادرة  حق البرلمان في ترافع حقيقي  لا سقاط او تعديل أي قانون  يصادم ،حسب تأويل المعارضة ،بعض المقتضيات الدستورية. ومن ثم تصبح رقابة السلطة التنفيذية للقوانين رقابة “حمائية ” للتشريعات الحكومية ،ولو ادى بها الامر  لاستهداف حقوق وحريات مضمونة دستوريا.

  1. رقابة السلطة التشريعية على القوانين

     يبقى التشريع اختصاصا اصيلا للبرلمان،بمقتضاه يصوت هذا الاخير على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية[20].وكما له صلاحية المبادرة لسن القوانين عبر التقدم من طرف عضو او اكثر  من اعضاء البرلمان بمقترحات قوانين وعرضها على السلطة التشريعية. وهنا يتأكد دور البرلمان الحاسم في انتاج تشريعات قانونية توافق المقتضيات الدستورية من حريات وحقوق مضمونة، سواء من خلال مقترحات القوانين التي يتقدم بها، او  عبر  عدم اقراره ورفضه التصويت   على مشاريع القوانين التي تمس الحقوق والحريات. حيث تتحدد هنا الرقابة السياسية التشريعية القبلية على القوانين، بما يجعلها توافق المقتضيات الدستورية من منظور الصلاحية الرقابية للمعارضة على السلطة التنفيذية.

    لكن اللاتوازن الجديد الذي كرسه دستور 2011 بين مجلسي البرلمان، جعل مجلس النواب ،ذو الاغلبية الحكومية ،يحتل مركز الصدارة. بالمقابل تم تهميش مجلس المستشارين، ذو الاغلبية المعارضة، بتقليص عدد اعضائه [21]،وتقزيم مبادراته التشريعية بجعلها مقتصرة على القوانين العادية دون القوانين التنظيمية مع حصر التداول بالأسبقية في مشاريع القوانين في ثلاث مجالات محددة على سبيل الحصر[22](الجماعات الترابية،التنمية الجهوية،والقضايا الاجتماعية) .مما يطرح استقلالية القرار النيابي داخل البرلمان على المحك ،حيث تصبح اغلب مقترحات القوانين المقدمة من طرف المعارضة تجابه بالرفض عبر التصويت ،في حين مشاريع القوانين تمرر بكل بساطة نظرا للموقع المريح  للفريق النيابي للحكومة ، مما يمكنها من اقرار جميع المشاريع المصادق عليها من طرف المجلس الحكومي او المجلس الوزاري .ومن ثم نكون ازاء رقابة تشريعية ضعيفة على القوانين تجعل منها رقابة صورية لا تقدم ولاتؤخر في مجابهة القوانين الحكومية الماسة بالحقوق والحريات.

الفقرة الثانية: الرقابة الدستورية الشعبية على القوانين.

     اذا كانت الرقابة الدستورية على القوانين تهدف بالأساس الى  منع صدور نصوص قانونية مخالفة للدستور ،ووسيلة لحمايته من تجاوز  سلطة الدول  بأشكالها  المتنوعة ، اعتبارا لسمو مكانته مقارنة بغيره من القوانين الاخرى(القوانين التنظيمية، القوانين العادية، القوانين الفرعية، المراسيم التنظيمية…) ،فان التأصيل التاريخي لهذه الرقابة تحيلنا الى مرحلة الرقابة السياسية المباشرة الممارسة من طرف الشعب ،أو ما يسمى بالرقابة الدستورية “الشعبية”. حيث أجازت بعض الدساتير للشعب  التصدي للسلطة ومقاومتها بالمعنى المادي للكلمة  في حالة تشريعها لقوانين مخالفة للدستور[23].  

       وبما ان التنصيص الدستوري على صيغة المقاومة الشعبية المباشرة للسلطة التي تخرق الدستور، اصبحت متجاوزة في ظل الدولة الحديثة. لذا تبقى المقاومة الشعبية لإسقاط القوانين الدستورية  في اطار الرقابة الدستورية  منحصرة  في  الممارسة السياسية  والنقابية داخل الهيئات السياسية  والجمعيات والنقابات وغيرها ،اذ من خلالها سيحاول الشعب التأثير في صنع القرار عبر مختلف مشاركاته السياسية، وهنا تختلف المشاركة السياسية من نظام لأخر ومجتمع لأخر.

     وعليه فان الرقابة الشعبية المباشرة، وفق هذا المنظور ،تقتضي المشاركة السياسية الجادة من اجل الدفع بعدم تجديد الثقة في السلطة التي تشرع لقوانين تخرق بمقتضاها الدستور كقانون أسمى. وفي هذا الاطار،  وباعتبار مشروع قانون الاضراب ، كقانون من وجهة النظر الشعبية والعمالية ، يصادم الضمانة الدستورية الممنوحة لهذا الحق دستوريا ،تفرض على الشعب  التجند سياسيا ونقابيا لإسقاط هذه السلطة التي تخرق الدستور. لكن تبقى هذه الرقابة كذلك ،ووفق النظام الانتخابي اللائحي النسبي[24] ،تصعب من مأمورية الشعب  في عدم تجديد ثقته في السلطة الحاكمة التي كانت وراء الخرق الدستوري، حيث الحالة المغربية  يمكن ان تكون السلطة المراد محاكمتها بعدم تجديد الثقة خليطا من الاحزاب السياسية ، مما يعقد الامر أكثر في هذا النوع من الرقابة. الامر الذي  يفتح للشعب البحث عن خيارات أخرى ، دائما في اطار الرقابة الشعبية ، أكثر قوة وتأثيرا.

   

وخلاصة القول، تبقى الرقابة الدستورية على القوانين بفعالية ضعيفة ،وخاصة الرقابة على  القانون التنظيمي للإضراب قيد التشاور ومسابقة “السلطة الحاكمة” الزمن لتمريره ،وبالصيغة الاحترافية التي أعدته به الحكومة  ، وكما أن الرهان على  الاليات الرقابية المذكورة تكتسي نوع من  المحدودية مع اختلاف هذه  الرقابات الدستورية في المحدودية نفسها. حيث تساءل محدودية الرقابة للمحكمة الدستورية(دستور 2011) كجهاز قضائي مستقل في تركيبتها كالإبقاء على اختيار رئيسها  بسلطة رئيس الدولة ،تعيين نصف أعضائها من طرف الملك ،اشراك مؤسسة ذات الطابع الديني وباقتراح  أعضائها كذلك من طرف الملك.حيث تكون هذه التركيبة لها من التأثير السلبي  على اسقاط القوانين غير الدستورية ولاسيما القوانين التنظيمية والقوانين  ذات الطابع الاجتماعي .في حين تساءل الرقابة السياسية عبر المؤسسة الملكية والسلطتين التنفيذية والتشريعية في سلطاتها وصلاحياتها مما يجعل المعنى الرقابي يميل لكفة السلطة .ومما يفرض التساؤل  هل محدودية الرقابة القضائية والسياسية  في الحالة المغربية (الدول الحديثة )تجعل من الرقابة الشعبية  ، الخيار الوحيد  لمراقبة دستورية القوانين الاجتماعية عبر عدم تجديد الثقة في السلطة (الحكومة )التي تقوم بخرق الدستور ؟وماهي حدود ممارسة الرقابة الشعبية المتاحة للشعب  لإسقاط  الخيارات اللادستورية  ؟أم يبقى النضال النقابي  والفعل الاحتجاجي رقابة شعبية أكثر فعالية للتأثير في صناع القرار ومقاومة القوانين “التكبيلية” للحقوق  والحريات الدستورية؟

-محمد الرضواني،مدخل الى القانون الدستوري، سلسلة بدائل قانونية وسياسية، العدد 8، مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط، الطبعة الرابعة، 2018، ص.97.  [1]

                                                                                                        -مشروع قانون الاضراب ، المواد المتعلقة بمنع ممارسة الاضراب; 29-30-31-32-33-34-35 .[2]

مشروع قانون الاضراب، المواد المتعلقة بتجريم ممارسة الاضراب بعقوبات;45-46-47-48.

-“حق الاضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته” .-[3]

4 -“يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين  وخمس اعضاء مجلس النواب واربعين عضوا من اعضاء مجلس المستشارين ان حيلوا القوانين او الاتفاقيات الدولية قبل اصدار بتنفيذها  او قبل المصادقة عليها الى المحكمة الدستورية لتبث في مطابقته للدستور، الفصل 132 من الدستور. –

 -“تحال الى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل اصدار الامر بتنقيذها”،الفصل 132 من الدستور.[5]

 6-“تتالف المحكمة الدستورية ة من 12 عضوا،…..،  وستة اعضاء ينتخب نصفهم  من قبل مجلس النواب وينتخب النصف الاخر من قبل مجلس المستشارين “الفصل 130 من الدستور.

7 – عدد اعضاء ممثلي الماجورين داخل مجلس المستشارين  (التمثيلية النقابية ) 20  عضوا.

 –  -محمد الرضواني ،نفس المرجع ،ص.115.[8]

  – نفس المرجع ،ص.115 . [9]

  – الفصل 131 والفصل 132 من الدستور .[10]

   – ضعف استقلالية نصف الاعضاء المعينون  من بينهم رئيس المحكمة تجاه الملك باعتباره هو من يتولى تعينهم ،وتأثير التوجهات السياسية على الفئة المنتخبة من طرف مجلسي النواب .[11]

12- كما هو الشأن  لدستور الجمهورية الفرنسية الرابعة لسنة 1946 ، حيث تشكيل هيئة سياسية خاصة مكونة رئيس الجمهورية بصفته رئيسا ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الجمهورية وسبعة اعضاء مختارين من طرف اعضاء الجمعية الوطنية وثلاثة اعضاء مختارين من قبل مجلس الجمهورية. لتتولى الرقابة الدستورية. نقلا عن    محمد الرضواني ،نفس المرجع ،ص.98.   –

– الفصل 95 من الدستور. [13]

-الفصل 49 من الدستور.[14]

-الفصل 132 من الدستور. [15]

-الفصل 79 من الدستور.[16]

-الفصل 83 من الدستور.،[17]

-الفصل 81 من الدستور.[18]

-الفقرة الثانية من الفصل  70من الدستور. [19]

-الفقرة الاولى من الفصل  70من الدستور. [20]

-الفصل 63 الدستور الذي ينص على ان اعضاء مجلس المستشارين يتراوح بين 90 و120 عضوا.[21]

 22- احمد بوز، القانون والانظمة الدستورية  ،اصدارات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –، جامعة محمد الخامس، الرباط ،ص.260 .

 – المادة 35 من الدستور الفرنسي لسنة 1793. [23]

24- نظام انتخابي يقسم اقليم الدولة الى دوائر انتخابية كبيرة تتنافس فيها اللوائح الانتخابية  ،ويتم التصويت على لائحة واحدة ويتم توزيع المقاعد بين اللوائح حسب نسبة الاصوات التي حصلت عليها ،حيث يتطلب التمثيل النسبي تحديد عدد الاصوات التي يجب على كل لائحة الحصول عليها لمنحها مقعدا انتخابيا، وذلك بإيجاد الخارج الانتخابي بقسمة مجموع الاصوات المعبر عنها على مجموع المقاعد البرلمانية ، ليتم توزيع المقاعد بناء على قاعدة الخارج الانتخابي في المرحلة الاولى ، ثم الانتقال بعد ذبلك لتوزيع المقاعد المتلقية بناء على قاعدة اكبر البقايا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى