بلال بوحميد : تقادم الدعوى العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية.
الإسم الكامل : بلال بوحميد، طالب باحث بماستر قانون الأعمال وآليات تسوية المنازعات ،كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية أيت ملول، جامعة إبن زهرأكادير.
عنوان المقال : تقادم الدعوى العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية.
مقدمة
يعد ظهور فيروس كورونا أو ما يسمى “بفيروس كوفيد19″،أحد أهم المستجدات التي عرفها العالم، والذي بات محطة اهتمام مجموعة من الباحثين، وقد سعت جميع دول العالم إلى القيام بعدة تدابير إجرائية سعت من خلالها إلى إحتواء هذا الفيروس، والمغرب من أحد الدول التي قامت بإتخاذ العديد من الإجراءات في إطار سياسته الإحترازية في التصدي لهاته الجائحة العالمية، فكما لايخفى عنكم أن للفيروس عدة نتائج صحية وخيمة، إضافة إلى تأثيره على العديد من القطاعات سواء الإقتصادية أو الإجتماعية أو الثقافية.
وإن كان هذا االوباء سيشكل في حقيقة الأمر أزمة خانقة ستعرفها البشرية في قادم الأيام، إلا أننا سنحسن الظن بالله تعالى، كما جاء في حذيث رسول الله صلى الله عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ،إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن اصابته ضراء صبر فكان خيرا له)[1]. كما نجد اليوم العديد من الدول والأفراد والجماعات أصبحوا وحدة واحدة، والكل بات يفكر في إنقاذ البشرية ومواجهة هذا الخطر الحقيقي.
والمغرب على غرار الدول الأخرى تصدى لهذه الجائحة، فقام بإعلان حالة الطوارئ الصحية التي تلتها عدة إجراءات أخرى منها تعليق الدراسة ونقلها من الفصول الدراسية إلى نظام افتراضي عبر التعليم عن بعد، ومنع التجول ،إضافة إلى تعليق جميع الأنشطة الرياضية والثقافية، وغيرها من الإجراءات الأخرى والتي كان لها تأثير على النظام القانوني والمقتضيات التشريعية بالبلاد، فبإصدار المرسوم رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، حاول المغرب إحتواء الفيروس، الشيئ الذي قد يؤثر على بعض المقتضيات القانونية والتنظيمية والمتعلقة أساسا بسير العدالة والإجراءات القانونية المرتبطة بالنظام التشريعي بالمغرب، خصوصا المادة السادسة من هذا المرسوم والمرتبطة بوقف سريان مفعول جميع الآجال القانونية الجاري بها العمل بإستثناء الآجال المرتبطة بالطعن بالاستئناف الخصة بالأشخاص المتابعين في حالة إعتقال، وكذا مدد الحراسة النظرية والإعتقال الإحتياطي.
وسنحاول من خلال هذه الدراسة الوقوف عند علاقة المادة السادسة من المرسوم أعلاه بتقادم الدعوى العمومية، فما مدى تأثير حالة الطوارئ الصحية على وقف تقادم الدعوى العمومية ؟
للإجابة عن هذه الإشكالية إرتأينا تناول موضوع تقادم الدعوى العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية وذلك من خلال الشكل الأتي:
المطلب الأول: التقادم كسبب من أسباب سقوط الدعوى العمومية.
المطلب الثاني : تأثير حالة الطوارئ الصحية على وقف تقادم الدعوى العمومية.
المطلب الأول: التقادم كسبب من أسباب سقوط الدعوى العمومية
في إطار دراسة تقادم الدعوى العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية ، سنحاول من خلال هذا المطلب تناول كل ما يتعلق بمفهوم وأنواع التقادم، لنعرج في الفقرة الثانية على مدد التقادم حسب مقتضيات قانون الممسطرة الجنائية .
الفقرة الأولى: مفهوم التقادم، أنواعه ومدده
أولا: مفهوم التقادم
التقادم هو تلك الواقعة المادية التي تنشأ بعد مرور وقت حدده المشرع وتكون نقطة احتسابه من يوم اقتراف الجريمة، بحيث إذا انقضت هذه المدة دون أن تتخذ الجهات المسؤولة أي إجراء في حق مرتكب الجريمة فإنه يترتب عنه عدم المتابعة أي سقوط المتابعة ويصبح بذلك النشاط المجرم وكأن المشرع أزاح عنه الوصف الإجرامي وذلك لعدة اعتبارات منها:
- تلاشي وقع الجريمة لدى الرأي العام، بحيث يكون قد تناساها.
- حجم المعاناة التي يكون قد عاناها مقترف الفعل الجرمي بالتخفي والخوف من ملاحقة النيابة العامة.[2]
ثانيا: أنواع التقادم
- التقادم المسقط وهو الذي يؤدي إلى إسقاط الدعوى العمومية كلما توفرت مدة احتسابه ولا يمكن إثارة نفس الدعوى من جديد.
- التقادم القاطع وهو الذي يترتب عليه اعتبار المدة الزمنية السالفة ابتداء من تاريخ ارتكاب الجريمة كأنها لم تكن ويبدأ احتساب مدة التقادم بكاملها من جديد.
- التقادم الموقف وهو الذي يترتب عليه توقيف مدة تقادم الدعوى العمومية عندما يستحيل إقامتها لأسباب ترجع إلى القانون نفسه.
الفقرة الثانية: مدد التقادم
إن المشرع المغربي شرع التقادم من خلال تحديد مدد إذا تم تحريك الدعوى العمومية بعد فواتها فإن المحكمة تصرح بسقوط الدعوى العمومية ، وهذه المدد تختلف حسب ما إذا تعلق الأمر بجناية أم جنحة ام مخالفة.
أما بالنسبة للجناية فإن الدعوى العمومية تتقادم بمرور خمسة عشر سنة كاملة تبتدئ من يوم إرتكاب الجريمة .
وبالنسبة للجنح تتقادم بعد مرور أربع سنوات من إرتكاب الجريمة، وبالنسبة للمخالفة بعد مرور سنة ميلادية كاملة من إرتكاب المخالفة[3] هذا إن لم تنص قوانين خاصة على خلاف ذلك.[4]
المطلب الثاني: أثر حالة الطوارئ الصحية في وقف الدعوى العمومية
علاقة بالظرفية التي تعيشها البلاد والمتعلقة بحالة الطوارئ الصحية ، سنحاول التطرق في هذا المطلب إلى كل من وقف التادم في ظل الحالة العادية وفي ظل حالة الطوارئ الصحية لمعرفة مدى إمكانية تأثير هذه الحالة الإستثنائية في وقف أمد تقادم الدعوى العمومية.
الفقرة الأولى :توقف مدة تقادم الدعوى العمومية في ظل الحالة العادية .
استنادا إلى المادة السادسة في فقرتها الأخيرة من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص ما يلي: ” تتوقف مدة تقادم الدعوى العمومية فيما اذا كانت إستحالة إقامتها ترجع إلى القانون نفسه . ويبدأ التقادم من جديد إبتداءا من اليوم الذي ترتفع فيه الإستحالة لمدة تساوي مابقي من أمده في وقت توقفه.”
وهكذا يحق لنا أن نتساءل عن المانع الذي يجعل مدة التقادم تتوقف ولا تستمر إلا إذا زال هذا المانع، أما بالنسبة للمانع المادي فإنه لا يوقف التقادم كعدم علم القضاء الواقف بوقوع الجريمة او بقاء الظنين مجهولا،غير أنه إذا كنا أمام مانع قانوني فإن مدة التقادم تتوقف لأن القانون نفسه يوقفه، ومن الأمثلة على ذلك :
1 الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها البرلماني عندما تتوقف متابعته على رفع الحصانة .
2 عدم القدرة على الدفاع، حيث يتوجب على المحكمة وقف النظر في الدعوى إذا كان المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه لخلل في قواه العقلية عملا بالفصل من القانون الجنائي.
3 حالة إختطاف القاصرة البالغة المتزوجة من مختطفها ، إذا اختفطت قاصرة وهي بالغة وتزوجت من إختطفها، فقد يتابع المختطف بناء على شكاية من له الحق في إبطال الزواج ، فالمحكمة من خلال هذه المتابعة لا يجوز لها الحكم بمؤاخدته إلا بعد أن يصدر الحكم بالطلاق فعلا، وهذا يعني ان هناك مانع قانوني يوقف التقادم.[5]
الفقرة الثانية: وقف تقادم الدعوى العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية
أدت حالة الطوارئ الصحية التي أعلنها المغرب بمقتضى المرسوم 2.20.292 المتعلق بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، إلى التأثير على السير العادي للعدالة، حيث يتعذر معها، القيام بعدد من الإجراءات المرتبطة بالقضاء وبعمل المحاكم، ونظرا لكون إقامة الدعوى العمومية يتطلب احترام عدة إجراءات مسطرية، ضمانا لحقوق الأفراد، ونظرا لكون الدعوى العمومية، مرتبطة بأسباب سقوطها والذي يعتبر التقادم أحد أبرز هاته الأسباب، وما يثير الإنتباه هنا هو إشكالية وقف تقادم الدعوى العمومية في ظل ماجاء به المرسوم خصوصا المادة السادسة منه والتي جاء فيها :” يوقف سريان مفعول جميع الآجال القانونية الجاري بها العمل بإستثناء الآجال المرتبطة بالطعن بالاستئناف الخاصة بالأشخاص المتابعين في حالة إعتقال، وكذا مدد الحراسة النظرية والإعتقال الإحتياطي.”
كما أنه يمكن إدراج حالة الطوارئ الصحية التي أفرزها الوضع الوبائي بالبلاد ضمن الأسباب المادية التي من شأنها أن توقف أمد تقادم الدعوى العمومية والتي تدخل ضمن خانتها حالة الكوارث الطبيعية والفيضانات والأوبئة والزلازل التي تجعل الإتصال متعذرا بين المناطق المختلفة مما يترتب عليه تعطيل الحياة العامة في البلاد[6]، مع ذلك نجد على أن المشرع المغربي لم يتطرق للأسباب المادية لوقف سريان أمد تقادم الدعوى العمومية بشكل حاسم وصريح إلا أنه أخذ بها في توجه لمحكمة النقض والتي أقرت بوجود مانع مادي، حيث اعتبرت المحكمة من خلاله أن وجود متهم بالسجن لمدة 4 سنوات تنفيذا لعقوبة خارج التراب الوطني يوقف تقادم الدعوى العمومية ولايبدئ سريانها إلا بزوال هذا المانع.[7]
ومنه يمكن اعتبار أن حالة الطوارئ الصحية حالة إستثنائية تدخل ضمن الأسباب المادية التي من شأنها وقف أمد التقادم وذلك راجع لعدة أسباب معينة متعلقة بتعطيل عمل عديد من الأجهزة القضائية، وبالتالي صعوبة القيام بأحد إجراءات المتابعة والنظر في الدعوى العمومية من طرف الهيئة القضائية، إضافة إلى حماية حقوق الأفراد وضحايا الجرائم من خلال إقرار المبدأ الكوني المتمثل في عدم الإفلات من العقاب[8].
خاتمة
يمكن القول على أن المادة السادسة من المرسوم رقم 2.20.292، المتعلق بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، قد جسدت الحكمة الكبيرة التي واجه بها المشرع المغربي جائحة كورونا، بحيث تمت مراعاة الآجال القانونية والمقتضيات المرتبطة بها في ظل هذه الحالة الإستثنائية مما يعتبر ضمانة حقيقة لحقوق الأفراد ومصالحهم وإقرارا للعدالة في ظل هذه الحالة التي كان لها تأثير واضح على سير العدالة.
[1] حذيث صحيح رواه مسلم .
[2] أحمد قيلش ومحمد زنون و السعدية مجيدي وسعاد الحميدي، الشرح العملي للمسطرة الجنائية ،فضاء أدم للنشر والتوزيع الطبعة الرابعة 2018 ،الصفحة 118.
[3] المادة الخامسة من قانون المسطرة الجنائية
[4] الفصل 75 من قانون الصحافة المعدل والمتمم بالقانون 77.00 ” إن الدعوى العمومية التي المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون يسقط الحق في إقامتها برسم التقادم بعد مضي ستة أشهر كاملة يبتدئ من يوم آخر وثيقة من وثائق المتابعة وان كانت هناك متابعة.
[5] أحمد أبو العلاء ، دليل الباحث في قانون المسطرة الجنائية المغربي ،دار النشر غير مذكورة، الطبعة 2016 صفحة 34.
[6] يوسف الحجاج،وقف تقادم الدعوى العمومية في ظل حالة الطوارئ الصحية ، مقال منشور بموقع العلوم القانونية ،تاريخ الإطلاع عليه 3 أبريل 2020 .
[7] القرار عدد 7370 الصادر بتاريخ 14/02/2007 ،ملف جنحي عدد 135550/06 ،قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 69 الصفحة 256.
[8] بلعساوي الطاهر، تأثير عقوبة السجن على أسر السجناء ،مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعية جامعة الشهيد حمة لخضر- الوادي العدد 17 سبتمبر 2016 ص 101.