المحاكم المصنفة بالمغرب – الواقع والتحديات – عبد الكريم بومسكيو؛
المحاكم المصنفة بالمغرب – الواقع والتحديات –
عبد الكريم بومسكيو؛
طالب باحث بسلك الماستر، تخصص قانون الأعمال وآليات تسوية المنازعات، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ايت ملول – جامعة ابن زهر، أكادير
لقد شهد التنظيم القضائي للمملكة عدة تطورات على مستوى الجسم القضائي، والتي فرضتها ظروف الحال، سواء تعلق الأمر بتشجيع الاستثمار، أو تشجيعا لسياسة القرب ببلادنا، ويشكل تأسيس المحاكم أو المؤسسات القضائية بصفة عامة دعامة أساسية في سبيل إنشاء دولة الحق بالقانون، أي تنظيم وتأطير المؤسسات بما يكفل للأفراد حقوقهم، وهذا ما حدا بالمشرع المغربي إلى الاستفادة من تجارب الدول السباقة في هذا المجال، فاتجه بذلك إلى تحيين المنظومة القانونية للتنظيم القضائي للمملكة من أجل مسايرة التطورات الحاصلة في جل الميادين، حيث مرت التجربة المغربية بمحطات مهمة أبرزها مرحلة بناء النموذج القضائي الجديد سنة 1974، مرورا بمرحلة إصلاحات التسعينيات(القضاء المتخصص)، وصولا إلى أبرز مرحلة والتي شكلت طفرة نوعية في الجسم القضائي ألا وهي مرحلة استقلال السلطة القضائية بعد دستور 2011، هذه الفترة بالذات شهدت إحداث المحاكم المصنفة و كتجربة أولى بعد أن نصت الفقرة السابعة من الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي على أنه ” يمكن تقسيم المحاكم الابتدائية حسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى محاكم ابتدائية مدنية ومحاكم ابتدائية اجتماعية ومحاكم ابتدائية زجرية.” تم احداث هذا النوع من المحاكم بناء على تغيير الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي لسنة 1974 وكان ذلك بتاريخ 17 غشت 2011.
ولعل دراسة هذه المحاكم سيسائلنا حول واقع هذه المحاكم وأبرز التحديات التي لا زلت ترخي بظلالها عليها، فإننا حاولنا أن نقسم موضوعنا هذا إلى فقرتين:
الفقرة الأولى: واقع المحاكم المصنفة بالمغرب
الفقرة الثانية: التحديات التي تواجه المحاكم المصنفة
الفقرة الأولى: واقع المحاكم المصنفة بالمغرب
كما تمت الإشارة أعلاه فإن هذا النوع من المحاكم جاء بعد تعديل الفصل الثاني من ظهير 1974 وذلك بتاريخ 17 غشت 2011، حيث أن هذا الفصل هو الذي يحدد التأليف الهيكلي للمحكمة الابتدائية.
يمكن تقسيم المحاكم الابتدائية حسب نوعية القضايا التي تختص بالنظر فيها إلى محاكم ابتدائية مدنية ومحاكم ابتدائية اجتماعية ومحاكم ابتدائية زجرية.
تقسم المحاكم الابتدائية المدنية إلى أقسام قضاء القرب وغرف مدنية وغرف تجارية وغرف عقارية، بينما تقسم المحاكم الابتدائية الاجتماعية إلى أقسام قضاء الأسرة وغرف حوادث الشغل والأمراض المهنية وغرف نزاعات الشغل، وتقسم المحاكم الابتدائية الزجرية إلى أقسام قضاء القرب وغرف جنحية وغرف حوادث الشغل وغرف قضاء الأحداث.
إن إمعان النظر في العبارة التي أوردها المشرع المغربي في بداية هذه الفقرة “يمكن” تفيد أن هذا التقسيم ليس ملزما، ولكن يمكن العمل به فقط إذا كانت هنالك مصلحة من إقراره، لأن أي اصلاح إنما يكون الغرض منه حماية المصلحة العامة للأفراد وتعزيز ثقتهم بمرفق العدالة، ومتى كذلك توفرت شروط هذا التقسيم، لذلك فقد تم العمل على إحداث هذه المحاكم بالدار البيضاء لمجموعة من الاعتبارات، تعود بالأساس إلى الكثافة السكانية بهذه المدينة وبالتالي كثرة القضايا التي تعج بها المحكمة الابتدائية بهذه المدينة أو لدواعي أمنية من أجل تخصيص القضايا الزجرية بمحكمة واحدة حفاظا على الأمن العام.
إن المحاكم المصنفة بالدار البيضاء جاءت لتقييم هذه التجربة ليتم تعميمها في حالة نجاحها على جميع محاكم المملكة، وهذا من الصعوبة بما كان وذلك بسبب التباين الذي تشهده مدن المملكة من حيث الكثافة السكانية ومن حيث القضايا التي تروج على المحاكم فهناك مدن تكثر فيها القضايا المدنية وتقل فيها الاجتماعية والزجرية، أو العكس، لذلك وفي نظرنا يصعب تعميم هذه المحاكم على كافة التراب الوطني.
ولان أي تجربة تواجهها مجموعة من التحديات فإن الأمر هذا الأمر ينطبق على هذه المحاكم المصنفة، والتي نورد البعض منها في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية: التحديات التي تواجه المحاكم المصنفة
تواجه المحاكم المصنفة عدة تحديات يأتي على رأسها غياب هذا النوع من المحاكم عن الخريطة القضائية للمملكة الواردة في الفصل الأول من ظهير التنظيم القضائي. مما يثار معه تساؤل حول محل هذه المحاكم من الجسم القضائي المغربي، هل هو إغفال من المشرع، علما أن المحاكم المختصة مذكورة في هذا الفصل، كما أحدث نصوص مؤطرة لها سواء المحاكم التجارية أو المحاكم الإدارية، لكن أثناء احداث المحاكم المصنفة فلم يتم تعدادها ضمن محاكم المملكة، ولا تنظيمها بنص خاص، يحدد اختصاصها.
لو افترضنا أن عدم ذكرها في الخريطة القضائية أن المشرع اعتبرها ضمن المحاكم الابتدائية، فلماذا لم يفعل كذلك بالنسبة للمحاكم المتخصصة علما أنها ابتدائية، كذلك القول بالنسبة للاتجاه المستند على الفصل 71 من الدستور المغربي على أن القانون يختص بالتشريع في الميادين التالية وأورد ضمنها ” التنظيم القضائي وإحداث أصناف جديدة من المحاكم”، لكن الاشكال ليس في إقرار محاكم مصنفة من عدمه بل إن الأمر تولدت عليه مشاكل في الواقع العملي.
هل المحاكم المصنفة بالدار البيضاء مستقلة بذاتها؟ ولو افترضنا أنها مستقلة لماذا لم يتم إدراجها ضمن لائحة المحاكم بالمملكة. وإذا كانت تابعة لمحكمة “أم” أي المحكمة الابتدائية الكبرى بالدار البيضاء، فإن المشرع المغربي قام بإلغائها بموجب التنظيم القضائي الجديد، وبالتالي يثار التساؤل حول أنه إذا كانت الولاية العامة للمحكمة الابتدائية بموجب الفصل 5 من ظهير التنظيم القضائي والفصل 18 من قانون المسطرة المدنية، فلمن سيؤول الاختصاص في حالة قضية معينة خارجة عن اختصاص المحاكم المصنفة؟
كما إذا صرحت المحاكم المصنفة بعدم الاختصاص، فماهي الجهة القضائية التي سيحال عليها الملف؟
بل الأكثر من هذا كله نجد أن الفصل 20 من قانون المسطرة المدنية ينص عل أنه ” تختص المحاكم الابتدائية في القضايا الاجتماعية بالنظر في: . . . النزاعات التي قد تترتب عن تطبيق المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضمان الاجتماعي.”
وبالرجوع إلى الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي للمملكة والذي ينص على أنه ” … تقسم المحاكم الابتدائية الاجتماعية إلى أقسام قضاء الأسرة وغرف حوادث الشغل والأمراض المهنية وغرف نزاعات الشغل”
باستقرائنا للفصلين أعلاه يظهر لنا أن قانون المسطرة المدنية أسند الاختصاص في النزاعات المتعلقة بالضمان الاجتماعي إلى المحاكم الابتدائية، فيما أغفل النص الثاني من ظهير التنظيم القضائي هذا النوع من النزاعات مما يدفعنا إلى التساؤل عن مآل هذه النزاعات، ما هي المحكمة المختصة بالنظر فيها في غياب المحكمة ذات الولاية العامة بالدار البيضاء.
خاتمة:
إن تجربة المحاكم المصنفة بالمغرب لا زالت لم تصل إلى المستوى المطلوب منها، حيث أنها تتعارض وسياسة القرب، بعد أن كانت الدار البيضاء ممثلة بخمس محاكم ابتدائية، ثم توحيدها بمحكمة ابتدائية كبرى والتي تتضمن آنذاك ثلاثة أقطاب ( القطب المدني ؛ القطب الجنحي ؛ القطب الاجتماعي )، ومن هنا تولدت فكرة المحاكم المصنفة التي جاءت سنة 2011، لتكون بذلك الدار البيضاء مركز التجارب، مما يدفعنا إلى القول بنجاح هذه التجربة بالدار البيضاء هل هو رهين بنجاحها في مدن أخرى، علما أن لكل مدينة خصوصياتها بالنظر إلى حجمها وكثافتها السكانية و نوعية القضايا التي تروج أمام محاكمها.
لا يخفى على أحد أهمية التنظيم القضائي، لذلك وجب إعادة النظر في هذا الظهير نظرا لشيخوخته، حيث مرت عليه 46 سنة والذي شهد فيها عدة تغييرات بمدونة جديدة تساير التوجهات الحديثة لمنظومة اصلاح العدالة، وتجاوز كافة الإشكالات التي يطرحها في الوقت الحالي.
تم بعون الله