في الواجهةمقالات قانونية

الرقمنة في زمن جائحة كورونا (كوفيد 19) “الدراسة عن بعد نموذجا”

 

الرقمنة في زمن جائحة كورونا (كوفيد 19)

“الدراسة عن بعد نموذجا”

يعد فيروس كورونا جائحة عالمية حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية في 11 مارس 2020، اكتشف المرض في دجنبر 2019 في مدينة ووهان وسط الصين، أطلق عليه علميا اسم كورونا –كوفيد19- وهو فيروس مرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة  sars-cov-2)) ، كما هو معلوم فيروسات كورونا هي مجموعة كبيرة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان على حد سواء ، ومن المعروف أن عددا من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر حالات عدوى الجهاز التنفسي التي تتراوح حدتها من نزلات االبرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسيبة الحادة الوخيمة (السارس)، ويسبب فيروس كورونا المكتشف مؤخرا مرض فيروس كورونا كوفيد – 19.

أدى انتشار فيروس كورونا المستجد في جل دول العالم إلى زعزعة أمنها الداخلي وتهديد الاقتصاد العالمي ومختلف القطاعات الحيوية في الدول، بل الأكثر من ذلك هذا الوباء العالمي يهدد الاستقرار على الكرة الأرضية، ويعد المغرب من بين الدول التي أصابها فيروس كورونا المستجد عن طريق بعض الحالات الوافدة من أوروبا، الأمر الذي بالمغرب إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية والاحترازية تجنبا لانتشار  وتفشي الوباء بين الأشخاص، منها إغلاق المغرب لحدوده البحرية والجوية والبرية وإغلاق المدارس والجامعات وتجميد مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية …حفاظا على سلامة المواطنين المغاربة.[1]

ليجد العالم ومن ضمنه المغرب نفسه أمام ضرورة الاعتماد على الرقمنة يقصد بالرقمنة تطبيق تقنيات التحول الرقمي، حيث يساعد هذا الأخير على تحسين الجودة وتبسيط الإجراءات للحصول على الخدمات المقدمة للمستفيدين- من أجل ضمان استمرارية بعض القطاعات ولو عن بعد ، من بينها التعليم.

فكيف ساهمت الرقمنة في استمرارية الدراسة عن بعد في ظل جائحة كورونا؟ وماذا عن توظيفها في المستقبل؟

أولا: الدراسة عن بعد في ظل جائحة كورونا.

مثلما اجتاح وباء كورونا المستجد “كوفيد 19” حواجز الزمان والمكان، جاءت دعوات “التعلم عن بعد” –التي صاحبت انتشار الفيروس- لتجتاح هي الأخرى حواجز المكان والزمان.

اجتياح مكاني جعل من غياب الحواجز المكانية الثابتة مثارًا للارتقاء إلى عوالم مختلفة عن طريق شبكات الإنترنت الفسيحة، واجتياح زماني امتلك أدوات التخلص من روتين الذهاب والإياب ومزاحمة الآخرين بحثًا عن سرعة الوصول إلى حيز مكاني ربما كان أضيق مما تحتمله رحابة العقول.

انتشار الفيروس سجل رقمًا قياسيًّا ، حيث قامت أغلب الدول في العالم بإغلاق المدارس لمنع انتشار الفيروس أو لاحتوائه. وفي ظل هذه الأوضاع ،تحول التعليم عن بعد من أسلوب “التلقين” إلى أسلوب “تفاعلي” مصحوب بمؤثرات بصرية وسمعية، تجعل من العملية التعليمية عملية أكثر جذبًا، وتساعد الطلاب على الدخول إلى المحتوى دون التوقف عند عتبات رائحة الأوراق، وهو ما سارعت وزارة التربية الوطنية  لاعتماده كوسيلة للتغلب على تعليق الدراسة .

ما يحدث اليوم في العالم من انتشار الفيروسات والأوبئة دفعت الحكومة المغربية إلى توقيف الدراسة في مؤسسات التعليم ، وذلك حفاظا على المتعلم ولدفع الضرر على المتعلمين.
إن الحكومة المغربية فكرت في حل هذه الأزمة التي يعرفها العالم بصفة عامة والمغرب بصفة خاصة في طريقة للتعلم، ويعد التعليم الإلكتروني من طرائق الحديثة التي يعرفها العالم، وليست وليدة اليوم. فالعملية التعليمية التعلمية عبر وسائل الاتصال التكنولوجية ( التعليم الإلكتروني) أعطت نتائج ملموسة في الدول الأوربية والتي تعرف بأعلى درجة من الكفاءة.

مباشرة بعد قرار المغرب تعليق الدراسة بجميع المؤسسات التعليمة، قررت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي اعتماد منصة رقمية للتعليم عن بعد، في إطار إجراءات احتواء فيروس “كورونا” المستجد.

لكن رغم التطور التكنولوجي وتقنيات التوظيف التربوي عن بعد فعملية التدريس ستعرف بعض الاختلالات في ضبط عمليات الاختبار الإلكتروني عن بعد بشكل لا يحقق مبدأ القياس والتقويم ، بالإضافة إلى أن التعليم التقليدي يعمل على تسهيل العملية التعلمية وتيسيرها داخل الفصول الدراسية.
بعدما قررت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي تعليق الدراسة بالمغرب في إطار التدابير الاحترازية الرامية إلى الحد من عدوى انتشار وباء كرونا ، تجاوب عدد كبير من الطلبة والمتعلمين والأسر في المناطق الحضرية مع بوابة ومنصة التعلم عن بعد ، هذه الأخيرة عرفت ترحابا كبيرا من الأسر الحضرية وشبه الحضرية حيث إن معظم هده الأسر تتوفر على حواسب وهواتف ذكية في المنازل لتتبع الدروس التربوية عن بعد بشكل مؤقت حتى القضاء على هذا الوباء الفاتك.
في حين عرفت معظم الأسر البدوية القروية الخبر بالاستهتار وأن الخبر لا يعنيهم، إذ أن معظم هذه الأسر لا تتوفر على شبكات الإنترنيت في بعض القرى الجبلية المعزولة و التي تعرف أيضا في بعض الأحيان عدم التوفر عن الربط بالكهرباء لمتابعة الدروس في القنوات التلفزية الثقافية.
حيث تم العمل بتقنية “التعليم عن بعد”، بالنسبة لتلاميذ المؤسسات التعليمية المغربية، بعد قرار وزارة التربية الوطنية تعليق الدراسة كإجراء احترازي ضمن الإجراءات التي اتخذتها السلطات لمنع انتشار مرض فيروس “كورونا” المستجد.

وفي الوقت الذي لا يُعرف متى ستعود الدراسة إلى وتيرتها العادية، يطرح التعليم عن بعد أسئلة كثيرة حول مدى قدرة هذه التقنية على ضمان إيصال محتوى المقررات الدراسية إلى التلاميذ على النحو المطلوب، وما إن كان التلاميذ سيُقبلون عليها، خاصة وأن شريحة واسعة من الأسر، خاصة في العالم القروي، لا تتوفر على حواسيب وغير مرتبطة بالأنترنيت.

فوزارة التربية الوطنية قامت بتعليق الدراسة وليس توقيفها، فما دام أن الدراسة ستتم عن بعد، فالصحيح هو تعليق الدراسة، وليس توقيفها.بالنسبة للتعليم عن بُعد، وهذا الأمر اقتضى التوفر على منصة رقمية، هذه المنصة تتيح إنشاء حصص افتراضية، وتسجيل الغياب، ومراقبة الطلاب، وكأنك في الفصل الدراسي؛ كما تسمح هذه المنصة للطلاب بالمشاركة في النقاش، وإضافة زائر أو ضيف لإغناء النقاش، وتسمح، أيضا، بعرض المحتوى Power Point، أو غيره، وإجراء الاختبارات، وتتيح للطلاب رفع تقاريرهم، وللأساتذة بالتصحيح مباشرة. وكل ذلك من أجل تحقيق الغاية وهي استمرار الدراسة وجعْل الطلاب يلزمون بيوتهم لتقليل عدد الإصابات بفيروس “كورونا” وإبطاء سرعة انتشاره.[2]

أما بالنسبة للطلبة قامت الوزارة بمجموعة من الخطوات ببث الدروس في  قنوات رقمية، يتابع فيها التلاميذ دروسهم كل حسب صفّه، ويرفعون واجباتهم المدرسية. ومن أجل تعميم الدراسة عن بقدر الإمكان قامت وزارة التربية بالاستعانة بالقناة التلفزيونية الثقافية، من أجل بث الدروس للطلبة والجامعات، بالإضافة إلى الإذاعات الجهوية والوطنية.

أما فيما يخص تلاميذ الابتدائي والاعدادي والثانوي، وضعت الوزارة رهن إشارتهم  TELMIDETICE للدراسة عن بعد عبر هذا الموقع والمكوث في منازلهم.

ثانيا: الدراسة عن بعد ما بعد جائحة كورونا

هذا الإجراء اعتبر بمثابة تدشين لعملية كانت مطلب منذ مدة في المغرب، لكن بسبب غياب التجهيزات الضرورية لم يتم تفعيله إلى أن وجد المغرب نفسه ملزما بذلك بداية مارس 2020، لإنقاذ الموسم الدراسي.

فبعد هذه الجائحة هل سيتم اعتماد التعليم أن التعليم عن بعد مستقبلا؟

بما أن القانون الإطار للتربية والتكوين ينص على اعتماد التدريس عن بعد،يمكن القول أنه بعد نهاية هذه الأزمة سيتم التفكير فيه بشكل جدي وتوفير شروط إنجاحه.

وينص القانون الإطار للتربية والتعليم على أنه، يتعين على الحكومة أن تتخذ جميع التدابير اللازمة والمناسبة لتمكين مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في القطاعين العام والخاص من تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم والبحث.

وأكد القانون المنظم للتعليم في المغرب، والذي جاء بعد الرؤية الإستراتيجية للتربية والتعليم 2020-2030، ضرورة  تنمية وتطوير التعلم عن بعد باعتباره مكملا للتعلم الحضوري ، من جهة ثانية أكد القانون الإطار على أهمية ، تنويع أساليب التكوين والدعم الموازية للتربية المدرسية المساعدة لها، معلنا أنه سيتم “إدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه”.

بالإضافة إلى تعزيز إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النهوض بجودة التعلمات وتحسين مردوديتها، وفي وقت تم تعليق الدراسة في جميع المستويات، ليكون التدريس الإلكتروني والتلفزي في البيت هو البديل الاضطراري في الظرفية الراهنة، وجهت العديد من الانتقادات للطريقة التي اعتمدتها الوزارة، خصوصا في ما يتعلق بغياب تكافؤ الفرص في التعليم عن بعد، وخصوصا بالنسبة لتلاميذ العالم القروي.

يمكن القول باستعمال التلفزيون كأداة للتعليم عن بعد، هل يحضر التلاميذ الحصص الدراسية المبثوثة أم لا،بل إن هذه الوسيلة لا تمكّننا حتى من معرفة ما إن كان التلميذ يتابع الدروس أم لا.

وفي هذا الصدد ينص الدستور في الفصل 31 منه على أن “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين على قدم المساواة من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، والتكوين المهني، والاستفادة من التربية البدنية والفنية”.

وبالإضافة إلى ذلك ومن  أجل إنجاح هذه العملية يجب تكوين الأساتذة في إطار التكوين المستمر لاستعمال تقنية التعليم عن بعد. مع رفع صبيب الإنترنيت من أجل تفادي حصول مشاكل تقنية في التواصل عن بعد.

رغم كل هذه المعيقات التي تقف أمام التعليم الإلكتروني، تبقى هذه الإجراءات الاحترازية جيدة ومحكمة من وزارة التربية الوطنية بالمغرب ، من أجل استمرارية التعليم والدراسة .

يمكن القول في ظل هذه الجائحة أن برامج التعليم الافتراضي حاليا تقدم طوق النجاة لما تبقى من الدراسة و تحقيق نوع من التوازن لاستكمال الموسم الدراسي.

 

 

[1] – كوثر بهطاط ،تأجيل سداد القروض و حماية المستهلك المقترض في ظل جائحة كورونا، مقال منشور بمجلة مغرب القانون، 16 أبريل 2020.

[2]  – التعليم عن بعد يرتكز على منصة رقمية تفاعلية، مقال منشور بجريدة هسبرس، الخميس 19 مارس 2020 .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى