(يونس بن احدش)
طالب بسلك الدكتوراه – قانون عام-
كورونا …جائحة أم حرب باردة من نوع اخر؟
- تعددت الأسماء وكثرت الاشاعات لكن ما نعلمه حتى الان هو أن العالم بأكمله عاجز اليوم على محاصرة جرثومة لعينة استطاعت أن تتنقل في الجو كيفما شاءت من دون حسيب ولا رقيب تخترق الحدود وتجول البلدان وتسافر عبر القارات دونما تأشيرة ولا فيزا.
ففي اواخر السنة الماضية أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية بإصابة عشرات الأشخاص في مدينة ووهان بنوع غير معروف من الالتهاب الرئوي وقتها لم يكن الذعر قد تفشى بعد.
تضاربت الاراء واختلفت الأقوال عن السبب الحقيقي وراء ظهور هذه الجرثومة الخبيثة وبعد دراسة الحالات توصلوا الى مسببات الخطر الجديد “كورنا المستجد” أحد عائلة الفيروسات التاجية شديدة العدوى والانتقال أويصطلح عليه مرض “الكوفيد19″، الذي اشتقت تسميته الجديدة من اسم الفيروس المتسبب بيه “كورونا”، وكلمتي “فيروس virus و”مرض disease” وإشارة إلى السنة التي ظهر فيها (2019)، والذي اكتشف حديثا من طبيب العيون الصيني فى مستشفى ووهان المركزى في دجنبر الماضي بعدما حصل على تقرير مريض يشير إلى علامات إيجابية لفيروس كورونا الذى يشبه السارس.
فمنذ اليوم الأول لانتشار فيروس كورونا ظلت نظرية المؤامرة والحرب البيولوجية حبيسة الانترنيت ما أعطى الانطلاقة لبداية نشوب حرب كلامية وتبادل الاتهامات حول أصل تصنيع الفيروس بين الولايات المتحدة والصين رغم اعتراف هذه الأخيرة من خلال متحدثيها في وقت سابق بأنه انطلق من مطعم للمأكولات يقدم أطباق لحساء الخفافيش بمدينة ووهان الصينية، لكن سرعان ما تطور النقاش وبدأت تطفو المشاكل السياسية والاقتصادية إلى السطح خصوصا بين الصين والولايات المتحدة.
كورونا المستجد تفشى بسرعة كبيرة كثرت معه التساؤلات وتزايدت معه الاستفسارات حول أصله وطبيعته.
فهل فعلا انتشر بسبب حساء الخفافيش أم نحن أمام فرضيات أخرى؟
أليس من المحتمل أن تكون البشرية ضحية لعبة قذرة يقودها التسابق السياسي والاقتصادي الصيني الأمريكي؟ وهل يمكن القول أننا أمام مؤامرة ملعونة تعتبر كرونا سلاحا بيولوجيا من صنع البشر؟
- الجانب الأمريكي:
في محاولة للتملص من المسؤولية وكعادتها أمريكا تلعب دور الضحية وتوجه النبال و السهام الى السلطات الصينية التي تعتبرها هي المسؤولة الوحيدة عن تفشي فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم وهو ما أكده صراحة ترامب و ووزير خارجيته بومبيو.
اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أحد خرجاته الاستعراضية كعادته الصين بأنها السبب رقم واحد في انتشار فيروس كورنا المستجد بل و أكثر من ذلك نعت جائحة كورونا “بالفيروس الصيني” وكررها لثلاث مرات في سلسلة تغريداته والتي بدأها في تويتر.
و قال: “لأولئك الأشخاص الذين هم الآن عاطلون عن العمل بسبب سياسات الاحتواء الهامة والضرورية نتيجة إغلاق الفنادق والحانات والمطاعم… على سبيل المثال، سنرسل لكم الأموال قريبا، فهجوم الفيروس الصيني ليس بخطئكم سنكون أقوى من أي وقت مضى.”
وأضاف مرة أخرى ” سأعقد مؤتمرا صحفيا اليوم لبحث الأنباء الهامة جدا من إدارة الأغذية والأدوية بشأن الفيروس الصيني.”
وختم سلسلة هجماته على الصين “أنا دائما ما تعاطيت مع الفيروس الصيني بجدية قصوى وأبليت بلاءا حسنا للغاية مند البداية بما في ذلك قراري المبكر جدا بإغلاق “الحدود” مع الصين- وذلك ضد رغبة الجميع تقريبا.
ما أثار غضب بكين واستنكارها لما جاء على لسان ترامب بنعته للفيروس بالصيني واعتبرها “تصريحات عنصرية وكارهة للآخر من أجل تحميل دول أخرى مسؤولية الوباء ما يكشف انعدام مسؤولية وكفاءة بعض السياسيين.”
لم يكتفي الجانب الأمريكي بما جاء على لسان رئيسه الذي نعت فيروس كورونا “بفيروس صيني” بل أيضا اتهم وزير خارجيتها الصين بالتسبب في انتشار الفيروس بهذه الوثيرة بتضليل الرأي العام الدولي وتعتيم الحقائق في محاولة منها لتسهيل انتشار الوباء بهذه الكيفية السريعة ودعاها لعدم نشر أخبار مضللة حول فيروس كورونا المستجد .
وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان أن “بومبيو” أكد في اتصال هاتفي مع مسؤول السياسة الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني السيد “يانغ جيشيان” وأخبره “أن الوقت ليس مناسبا لنشر معلومات مضللة وشائعات غريبة وإنما لأن توحد كل الأمم جهودها من أجل مكافحة هذا التهديد المشترك .”
وخرج ترامب كذلك بعد أيام من اتهام وزير خارجيته للصين بإخفاء الحقائق حول الفيروس يوم الثلاثاء 14 أبريل بعدما تجاوز عدد الاصابات داخل بلده النصف مليون، وخلال مؤتمره الصحافي اليومي في البيت الأبيض حول فيروس كورونا قائلا: “إنني اليوم آمر بتعليق تمويل منظمة الصحة العالمية كما نعكف على مراجعة لتقييم دور المنظمة في سوء الإدارة الشديد والتعتيم على تفشي فيروس كورونا”. إذ تعد الولايات المتحدة أكبر ممول فردي لمنظمة الصحة العالمية، حيث قدمت 400 مليون دولار العام الماضي ما يعادل نحو 15 في المائة من ميزانية المنظمة بالكامل.
ووجه الرئيس الأمريكي عدة اتهامات لمنظمة الصحة العالمية بالقول إن “العالم تلقى الكثير من المعلومات الخاطئة حول انتقال العدوى والوفيات الناجمة عن الوباء، وأضاف أن المنظمة “أخفقت في واجبها الأساسي ويجب محاسبتها” لمساهمتها في تفشي وباء كوفيد-19 في العالم بهاته الوتيرة بعد ظهوره في الصين وأنه كان من الممكن حصر الوباء داخلها ومنع انتشاره في باقي دول العالم. خصوصا مع تحديث أرقام الوفيات المعلن عنها سابقا في بسبب كورونا وزيادة 1300 حالة وفاة بررتها بكين بأنه كان من الصعب احصاءها انذاك لأنها توفيت داخل منازلها وشكك ترامب في عدد الضحايا التي أحصتها الصين بسبب الفيروس بأنه يفوق بكثير ما تم الإعلان عنه في وسائل الإعلام الرسمية، وهدد الصين بعقوبات قاسية في حالة ثبوت مسؤوليتها في انتشار الفيروس وتسريبه من مختبر ووهان للفيروسات بعدما وأفادت تقارير أن السفارة الأمريكية قد حذرت من قبل في يناير/كانون الثاني 2018 من عدم كفاية السلامة في مختبر معهد ووهان للفيروسات، وحذر مسؤولوا السفارة، أيضاً، من الأبحاث المحفوفة بالمخاطر التي يقوم بها العلماء حول الفيروسات التاجية من الخفافيش..
فمن جهة اعتبر الديقراطيون كلام وتصريحات ترامب الأخيرة باتهام الصين مجرد وسيلة للتهرب من المسؤولية في فشل تدبير المرحلة وضعف إدارته في التعامل مع الجائحة وكمحاولة لتبرير أخطائه.
ومن جهة أخرى وجد موقف ترامب ترحيبا وتأييدا في عدد من الدول حيث صرح وزير الخارجية البريطاني بأن مستقبل العلاقات مع الصين ستتأثر كثيرا بعد أزمة كورونا، وصرح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي كان قد عبر في البداية عن دعمه الكامل لمنظمة الصحة العالمية في اتصال مع مديرها بعد يوم من إعلان أمريكا على وقف مساهمتها لمنظمة الصحة العالمية، لكن سرعان ما غير موقفه وأعتبر أنه من الصعب تصديق الرواية الصينية حول عدد ضحايا الصين من كورونا، وعبرت وزيرة الخارجية الأسترالية هي الأخرى عن ضرورة التقصي والبحث عن مصدر الوباء، قبل أن تنظم مجموعة الدول السبع الصناعية العظمى الى هذا الطرح ضمنيا بالدعوة إلى ضرورة التسريع بتطهير وإصلاح منظمة الصحة العالمية.
- الجانب الصيني :
بدوره الجانب الصيني لم يترك التصريحات الأمريكية والاتهامات الأميريكية التي طالما ربطت فيروس كورونا المستجد بالصين تمر دون التذكير بأنه ليس هناك حقيقة علمية تقول أن الفيروس انطلق من الصين وأن ووهان هي مصدر الفيروس وقد يكون جاء من الخارج، و أنه لابد من التقصي والبحث عن المصدر الحقيقي للفيروس هل الصين أم أمريكا؟ كما جاء على لسان المسؤولين الصينيين الذين أعادوا نظرية المؤامرة والحرب البيولوجية إلى الواجهة.
- جاء على لسان “تشاولي جيان” المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصيني في سلسة تغريداته بمطالبت الولايات المتحدة بالشفافية والإجابة على سؤاله بكل وضوح عن “عدد الأمركيين الذين توفوا بسبب فيروس كورونا قبل أن يتفشى في الصين؟” وأرفقه بفيديو لمسؤول أميريكي وهو “روبرت رودفيلت” مدير مركز مكافحة الامراض والوقاية منها والذي خضع لجلسة استماع في الكونغرس الأميريكي بشأن فيروس كورونا وانتشاره في الولايات المتحدة ودور منظمته، حيث تقدمت المستشارة “بورتر” من داخل الكونغرس باستفساره على “أنه عدد من الأمريكين كانوا قد توفوا بسبب الانفلونزا ولكن يمكن أن يكون بسبب فيروس كورونا الجديد أليس كذلك؟” وقد جاء جوابه متعتما مبهما وغامضا ” كان هذا هو الحال في بعض الحالات في الولايات المتحدة حتى الان.”
هذا مادفع المسؤول الصيني من مهاجمته بمجموعة من التغريدات في تويتر مستشهدا كذلك بمقالات من مركز أبحاث كندي معروف بدفاعه عن نظرية المؤامرة والحرب البيولوجية، بل وأكثر من ذلك لم يستبعد أن تكون أميريكا هي من أدخلت الفيروس إلى الصين عن طريق جنودها الذين شاركوا في مسابقة عالمية للرياضة العسكرية في أكتوبر بووهان قبل أسابيع من تفشي المرض بالصين. وتمسّك براويته الأولى عن وجود إثباتات تؤكّد أنّ هذا الفيروس تمّ اختِراعه وتطويره من قبل عُلماء أمريكيين عام 2015 وأنّ مجلة Nature Medicine الأمريكيّة أكّدت في بحثٍ نشرته في أحد أعدادها في العام نفسه أيّ عام 2015.
ولم يدع المسؤول الصيني كذلك التصريحات الأخيرة لترامب التي اتهمت مختبر ووهان لعلم الفيروسات بالمسؤولية عن نشأة الفيروس وتطوره والدعوة إلى وقف التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية كعقاب لها بعد اتهامها بمجاملة الصين وعدم التعامل بشفافية مع المعطيات التي قدمتها عن هذه الأخيرة حول فيروس كورونا، تمر دون التعقيب والرد عليها بتكذيب كل هذه الادعاءات والاتهامات ونفى مدير معهد الفيروسات بووهان السيد “يوان تشي مينغ” وقال في تصريحات لشبكة “سي جي تي إن” التلفزيونية الرسمية إنه “من المستحيل أن يكون هذا الفيروس صادرا عنا”، معربا عن رفضه الشديد لما وصفها بنظريات المؤامرة المتعلقة بنشأة الفيروس، ونافيا أن يكون الفيروس قد تم تصنيعه داخل المختبر.
ووقفت روسيا إلى جانب حليفتها الصين ودعت أمريكا وكل الدول إلى عدم تسييس القضية لما يمكن أن يترتب عن ذلك من نتائج عكسية ليس في صالح الأطراف ويساهم في انتشار أكثر للفيروس في هذه الظرفية التي يجب على العالم التكتل لمواجهة عدو واحد هو فيروس كورونا الذي تجاوزت عدد الاصابات بيه في العالم أكثر من مليار ونصف حالة تتصدرها أمريكا بأكثر من نصف الحالات.
- رغم تصدر الولايات المتحدة لعدد الاصابات والوفيات في العالم بأرقام قياسية واعتبارها أكبر متضرر من الجائحة وفشل الإدارة الأمريكية في التعامل مع الفيروس إلا أنه وانطلاقا مما سبق يبقى الباب مفتوح على مصرعيه لطرح نظرية المؤامرة الخبيثة التي يمكن أن تكون الولايات المتحدة المعروفة بكذبها وخططها التآمرية ونشرها للأوبئة والفيروسات عبر العالم وزرع الفتن والحروح على مر التاريخ، إضافة الى استهدافها للاقتصاد الصيني والحرب التجارية التي لطالما تقودها على الصين، بعدما اتهمتها بتصنيع هذا الفيروس في مختبراتها في مدينة ووهان وتسريبه، وما يقوي هذا الطرح سكوت الولايات الأمريكية وعدم تقديم تبريرات واضحة على التساؤلات الصينية، وكدى محاولة الولايات المتحدة ضم أحد المختبرات الألمانية التي اقتربت من انتاج “مصل” للفيروس، بملايين الدولارات مُقابل انتِقالها إلى الولايات المتحدة وجعل نتائج اختِباراتها المخبرية الطبيّة في يد أميركا.
وفي نفس الوقت لا يمكن تبرئة بكين من نفس الاتهامات الموجهة إلى أمريكا خصوصا في ظل المشاكل التي طالما عانى منها الاقتصاد الصيني مع التضييقات والعقوبات التي طالته من أمريكا وحلفائها وكدى رغبة الصين في حسم السباق التجاري واعتلاء عرش الاقتصاديات العالمية.
ويمكن تعزيز هذا الطرح بالأسلوب الاحترافي الذي أدهش العالم في كيفية التعامل والحد من تداعيات فيروس كورونا في ضرف قياسي وبأقل الأضرار إلى جانب حليفتها روسيا والتي لم تتضرر كثيرا مقارنة بباقي دول الجوار وأكثر من ذلك وفي عز الأزمة قدمت المساعدات إلى الولايات المتحدة وباقي دول العالم.