في الواجهةمقالات قانونية

اتفاق التحكيم في ظل التشريع المغربي و الاتفاقيات الدولية

اتفاق التحكيم في ظل التشريع المغربي و الاتفاقيات الدولية

قائمة المختصرات

 

ق ل ع قانون الالتزامات و العقود
ق م م قانون المسطرة المدنية
ص صفحة

 

 

 

 

مقدمة

التحكيم بصفة عامة هو نظام للقضاء الخاص يعهد فيه الى اشخاص هم المحكمون من أجل البت في نزاع ينشب بين الاطراف، و سواء كان التحكيم حرا أو مؤسساتيا، داخليا أو دوليا، فإن جوهره كائن في تلك السلطة التي تمنح للمحكم للفصل في النزاع بقرار ملزم للاطراف، حيث يكون التحكيم نوعا من القضاء، و المحكم بمثابة قاض خاص.

هذه السلطة المخولة للمحكم تجد تأصيلها و مصدرها في العلاقة التعاقدية التي من خلالها يعبر فيها الاطراف عن نيتهم اللجوء للتحكيم عوض قضاء الدولة. هذه الرابطة القانونية هي ما يطلق عليها باتفاق التحكيم.

يعتبر إذن اتفاق التحكيم نقطة البداية في مسيرة المسطرة التحكيمية، بل هو الحجر الأساس أو مركز الثقل في بناء التحكيم كنظام لحل النزاعات المتعلقة بالعقود المبرمة بين الأطراف وبدونه لا يمكن اللجوء إلى هذه التقنية لفض الخصومات.

فلا يتصور إذن الدخول في تفاصيل التحكيم و اشكالاته دون الإحاطة بأساسيات اتفاق التحكيم، و التي هي الاخرى تتشعب بتشعب المجالات التي يشملها. و بقدر وزن اتفاق التحكيم في منظومة التحكيم، جاءت الدراسات و الابحاث في هذا الباب من توجهات فقهية و صياغة تشريعية و ايضا عمل و اجتهاد قضائيين. و لم يكن المشرع المغربي قاصرا في هذه الاحاطة شانه في باقي التشريعات المقارنة الوطنية منها و الدولية.

 

 

اهمية الموضوع:

تتمثل اهمية موضوع البحث في كون اتفاق التحكيم النجم الذي يدور في فلكه نظام التحكيم، و الذي تتباين فيه مواقف التشريعات الوطنية، و من بينها التشريع المغربي، و التشريع الدولي، فرغم قدمه قدم الانسان، إلا أنه يعيش حاليا فترة نهضة و اعادة بناء معالم جديدة له.

 

اشكالية البحث :

و بالعودة الى عنوان موضوع البحث ” اتفاق التحكيم في ظل التشريع المغربي و الاتفاقيات الدولية”، نثير اشكالية البحث الاتية :

إلى أي حد تمكن المشرع المغربي من الاستفادة من الاتفاقيات الدولية في تنظيمه لمادة اتفاق التحكيم ؟

اشكالية تفرعت عنها اسئلة بحثية:

ما هو الإطار التنظيمي لاتفاق التحكيم ؟

و ما هي اركان انعقاد اتفاق التحكيم؟

و ما هي الآثار الناتجة عن اتفاق التحكيم الصحيح ؟

مناهج البحث:

أثناء الخوض في دراسة موضوع البحث، تم اعتماد المنهج المقارن من خلال الخوض في ما تطرقت له مختلف التشريعات الوطنية و الدولية، كما تم اعتماد اسلوب التحليل اثناء دراسة و تفكيك النصوص القانونية.

تصميم البحث:

المبحث الأول: الإطار التنظيمي لاتفاق التحكيم

 

المبحث الثاني: اركان اتفاق التحكيم و آثاره

 

 

 

 

المبحث الأول: الإطار التنظيمي لاتفاق التحكيم

نظمت غالبية التشريعات في قوانينها الوطنية و كذلك التشريع الدولي اتفاق التحكيم بدءا من تحديد ماهيته  (المطلب الأول) و مرورا بتحديد صوره  (المطلب الثاني)

المطلب الأول: ماهية اتفاق التحكيم

و لتحديد ماهية التحكيم لابد من تحديد تعريف اتفاق التحكيم فقها و تشريعا (الفقرة الاولى)، ثم بعد ذلك تصنيفه بين مختلف انواع العقود (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: تعريف اتفاق التحكيم

أولا: الفقه

عرفه بعض الفقه الفرنسي على انه شرط و مشارطة التحكيم اللذين يمثلان، كل على حدة، تصرفا قانونيا بمقتضاه يلتزم طرفاه باللجوء إلى التحكيم لحل ما يثور بينهما من نزاعات. هذا بينما عرفه البعض بأنه عقد بمقتضاه يتفق طرفاه على عرض المنازعات التي نشأت أو تنشأ بينهما على شخص أو أشخاص معينين ليتولوا الفصل فيها بدلا من المحكمة المختصة أصلا بنظر هذه المنازعات؛ و يقترب من ذلك تعريف بعض آخر لاتفاق التحكيم بأنه العقد الذي يتفق الاطراف بمقتضاه على عرض النزاع القائم فعلا أو النزاع الذي قد ينشأ في المستقبل بمناسبة تنفيذ عقد معين على محكمين بدلا من عرضه على قضاء الدولة[1].

ثانيا: التشريعات الوطنية

جاءت بعض القوانين الوطنية بتعريف لاتفاق التحكيم، بحيث عرفه المشرع المصري بأنه: “اتفاق الطرفين للالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية”[2]. عرفه كذلك المشرع الجزائري في قانون الاجراءات المدنية الجديد في المادة 1011 كما يلي: ” اتفاق التحكيم هو الاتفاق الذي يقبل الأطراف بموجبه عرض نزاع سبق نشوؤه على التحكيم”.

استعمل المشرع التونسي مصطلح اتفاقية التحكيم ويعرفها الفصل الثاني من مجلة التحكيم التونسية بما يلي: ” اتفاقية التحكيم هي التزام أطراف على أن يفضوا بواسطة التحكيم كل أو بعض النزاعات القائمة أو التي قد تقوم بينهم بشأن علاقة قانونية معينة تعاقدية كانت أم غير تعاقدية، وتكتسي الاتفاقية صيغة الشرط التحكيمي أو صيغة الاتفاق على التحكيم”؛ أما القانون الاتحادي الإماراتي لسنة 2018 بشأن التحكيم عرف اتفاق التحكيم في المادة الأولى على أنه اتفاق الأطراف على اللجوء الى التحكيم سواء تم هذا الاتفاق قبل حدوث النزاع أو بعده.

و على غرار التشريعات المقارنة، استقر المشرع المغربي على تعريف اتفاق التحكيم في الفصل 307 من القانون 05-08 بأنه التزام الاطراف باللجوء الى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة  تعاقدية أو غير تعاقدية، و هو نفس التعريف المدرج في مشروع قانون 17-95  المتعلق بمدونة التحكيم و الوساطة الاتفاقية.

ثالثا: الاتفاقيات الدولية

تشير المادة الثانية من اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم بأن اتفاق التحكيم هو اتفاق مكتوب يتعهد فيه الطرفان بأن يحيلوا إلى التحكيم جميع الخلافات التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بالنسبة لعلاقة قانونية محددة، تعاقدية أو غير تعاقدية، تتصل بموضوع يمكن تسويته عن طريق التحكيم؛ و قريبا من ذلك عرفه القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي لعام 1985.

الفقرة الثانية: تصنيف اتفاق التحكيم من بين العقود

أولا: من حيث الموضوع

إن اتفاق التحكيم عقد مسمى لأن العقد المسمى هو الذي خصه القانون باسم معين و بنصوص تنظم احكامه بالذات[3]، فالقانون المغربي على سبيل المثال نظم هذا الاتفاق في فصول الباب الثامن من القسم الخامس من قانون المسطرة المدنية تحت عنوان التحكيم و الوساطة الاتفاقية. كما تقسم العقود من حيث الموضوع إلى عقود بسيطة وعقود مختلطة، فالعقد البسيط هو الذي تتجه إرادة المتعاقدين فيه إلى إحداث أثر محدد، سواء كان عقدا مسمى أو غير مسمى فهو لا يأخذ إلا حكم عقد واحد ولو شمل عدة أشياء،  والعقد المختلط هو الذي يحتوي على خصائص قانونية لأكثر من عقد، فاتفاق التحكيم عقد يلتزم بمقتضاه الأطراف التزاما واحدا وهو إسناد النزاع للتحكيم ولو تعددت موضوعاته، فهو بهذا يعتبر عقدا بسيطا[4].

ثانيا: من حيث الأثر

تنقسم العقود من حيث أثرها إلى عقود ملزمة للجانبين وعقود ملزمة لجانب واحد، وقد رأينا عند دراستنا لتعريف اتفاق التحكيم بأنه عقد ملزم للطرفين وهو ينشأ منذ تكوينه التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين، وهو التزام بإخضاع النزاع الذي قد يثور أو قد ثار للتحكيم؛ ينشا اتفاق التحكيم بهذا الخصوص التزاما واحدا يقع على عاتق كل من طرفيه على سبيل التبادل، فهي ليست التزامات مختلفة كما هو الشأن في العقود الأخرى، مثل عقد البيع الذي يلتزم فيه البائع بتسليم المبيع بينما يلتزم المشتري بدفع الثمن، فالالتزامات في اتفاق التحكيم متطابقة، حيث يقع الالتزام نفسه على كلا الطرفين أو الأطراف في اتفاق التحكيم.

ثالثا: من حيث تنفيذه

إن اتفاق التحكيم عقد فوري بحيث لا دخل للزمن في تنفيذه، في حالة ما إذا ثار نزاع يخص تنفيذ العقد الأصلي يلتزم الطرفان بإخضاع النزاع للتحكيم.

رابعا: من حيث تكوينه

كما هو معلوم فالعقود تنقسم من حيث تكوينها إلي عقود رضائية تنتج آثارها بمجرد تلاقي ارادة الأطراف، و عقود شكلية يجب إفراغها في شكلية معينة حتى تصح و تسري آثارها. و اتفاق التحكيم من العقود الشكلية بالنظر لأركانه كما سنرى فيما بعد.

المطلب الثاني: صور اتفاق التحكيم

قد يأتي الاتفاق على التحكيم ضمن بنود العقد محل النزاع أو في اتفاق مستقل قبل أن يكون هناك نزاع بين الطرفين، حيث يسمى الاتفاق على التحكيم في هذه الحالة بشرط التحكيم (الفقرة الاولى). و قد يأتي في صورة اتفاق مستقل بشأن كل أو بعض المنازعات التي نشأت بين الطرفين، فيطلق عليه مسمى مشارطة التحكيم (الفقرة الثانية)[5].

الفقرة الأولى: شرط التحكيم

أولا: مفهومه

يرى بعض الفقه تعريفه بأنه اتفاق التحكيم الذي يواجه منازعات احتمالية غير قائمة بالفعل و إنما يمكن أن تنشأ في المستقبل[6]. و يرد شرط التحكيم عادة في نفس العقد الأصلي مصدر الرابطة القانونية، سواء كان عقدا مدنيا أو تجاريا أو إداريا، فيتفق طرفا العقد-مثلا- على أن ما ينشأ من نزاع حول تفسير أو تنفيذ هذا العقد يفصل فيه بواسطة التحكيم، و عندئذ يرد التحكيم على أي نزاع يحدث في المستقبل حول هذا التفسير أو التنفيذ؛ على أنه لا يوجد ما يمنع من ورود الشرط في اتفاق لاحق قيل نشوء أي نزاع[7].

و على خلاف بعض التشريعات الوطنية التي لم تضع تعريفا لشرط التحكيم في قوانينها الوطنية، عرفه المشرع الفرنسي بأنه اتفاق الأطراف في عقد أو أكثر على خضوع النزاعات الناشئة عن تلك العقود للتحكيم[8] .

أما المشرع المغربي فهو الآخر أشار لشرط التحكيم كصورة من صور اتفاق التحكيم في الفصل 307 من القانون 05-08  إلى جانب عقد التحكيم، و قدم له تعريفا بنص الفصل 316 من نفس القانون: ” شرط التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور”.

و تعليقا على هذا النص، يختلف شرط التحكيم مع عقد التحكيم بالنظر إلى زمن الإنشاء، إذ يقوم الشرط قبل وقوع النزاع، و يضمن عادة في العقد الأصلي، في حين يبرم عقد التحكيم بعد نشوب النزاع. ويفسر هذا الاختلاف الزمني الاهداف المسطرة و القواعد التي تحكم صورتا اتفاق التحكيم، و يسهل عادة قبول الشرط في التحكيم من أطرافه حيث النزاع في حكم الاحتمال، خلاف عقد التحكيم حيث يصعب الركون إليه و الاتفاق على محله[9].

ثانيا: نماذج لشرط التحكيم

توجد بمراكز التحكيم عدة نماذج لشرط التحكيم الذي يتم تحت إشراف هذه المراكز، نذكر منها :

  • غرفة التجارة الدولية بباريس : “جميع المنازعات التي تنشأ عن العقد أو تتعلق به يتم الفصل فيها نهائيا وفقا لقواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية من خلال محكم أو أكثر يتم تعينهم طبقا للقواعد المذكورة”[10].
  • قواعد الاونسيترال للتحكيم: “كل المنازعات أو الخلافات أو المطالبات الـتي تنـشَأُ عـن هـذا العقـد أو تتعلَّـقُ بـه، أو عـن الإخـلال بـه أو إنهائـه أو بُطلانـه، تُـسوَّى بواسـطة التحكـيم وفقا لقواعد الأونسيترال للتحكيم.”

ثالثا: شرط التحكيم بالإحالة

اذا كان الأصل أن يتم الاشارة لشرط التحكيم بشكل مباشر، فإنه لا مانع من الإحالة عليه في نص أو وثيقة و بصورة غير مباشرة، و هذا ما يطلق عليه بشرط التحكيم بالإحالة.

و قد تم الإشارة إلى هذا النوع في أغلب التشريعات الوطنية كقانون التحكيم المصري[11] و المادة 1443 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي[12] و كذا الاتفاقيات الدولية[13]. و قد أقر المشرع المغربي هو الآخر بجواز إبرام اتفاق التحكيم عن طريق الإحالة إذ تنص الفقرة الثالثة من الفصل 313 من القانون    05-08 على أنه يعد في حكم اتفاق التحكيم المبرم كتابة كل إحالة في عقد مكتوب إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية، أو إلى أي وثيقة أخرى تتضمن شرطا تحكيميا إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد.

عرف القضاء الفرنسي مثل هذا الإشكال في قضيةBOMAR OïL و أقر صحة شرط التحكيم بالإحالة رغم ادعاءات الشركة المدعى عليها بأنها لم تكن على علم بهذا الشرط، حيث تعاقدت شركة بترول تونسية ” ETAP ” مع شركة هولندية تدعى BOMAR OïL على بيع كمية من البترول الخام للشركة الهولندية، وتمت عملية البيع عن طريق تبادل التلكسات Telex والتي أشير فيها على تطبيق الشروط العامة الملحقة من قبل شركة ETAP التونسية والتي تحمل في البند السادس عشر شرط تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس، وبسبب ارتفاع سعر البترول في الأسواق العالمية طلبت الشركة التونسية من الشركة الهولندية إعادة التفاوض من أجل تحديد سعر جديد للبيع وفق المعطيات الجديدة ووفقا لبند منصوص عليه في العقد يقضي بذلك، لكن الشركة الهولندية رفضت ذلك وتمسكت بالسعر المتفق علية فقامت شركة  ETAP التونسية باتخاذ إجراءات التحكيم، لكن امتنعت الشركة الهولندية عن تعين محكم عنها. وقضت بالآتي: “ومن حيث أن نشاط الأطراف ينصب حول قطاع مهني خاص وهو البترول، ويكتسب كل منهما صفة التاجر ويحترف العمل بهذا النشاط، فإنه لا يمكن لأحدهما أن يدعي عدم معرفته بهذا الشرط كوسيلة لتسوية المنازعات التي تثور في هذا القطاع من النشاط”؛ و رغم الطعن ضد هذا الحكم التحكيمي، فإن محكمة الاستئناف بباريس وبعد ذلك محكمة النقض أيدتا الحكم المطعون[14].

وهو نفس ما جرى به العمل في القضاء المغربي إذ صدر أمر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتخويل الصيغة التنفيذية للمقرر التحكيمي بعد نزاع بين طرفين حول وجود اتفاق التحكيم، هذا الأخير كان قد اتخد شكل شرط تحكيم بالإحالة و هو ما ينص عليه المشرع المغربي في الفصل 313 من القانون 05-08 و كذا المادة الثانية من اتفاقية نيويورك 1958 [15].

رابعا: استقلالية اتفاق التحكيم

و المقصود من استقلالية شرط التحكيم عن العقد الاصلي مهناها أن عدم مشروعية العقد الاصلي أو بطلانه أو فسخه لا يؤثر على شرط التحكيم، و ذلك لأن شرط التحكيم يعالج موضوعا مختلفا عن موضوع العقد الاصلي، و لعل اهم هذه المبررات هو اختلاف موضوع شرط التحكيم عن موضوع العقد الأصلي. فالعقد الاصلي قد يتعلق مثلا بشراء أو بيع أو بتوريد، أما شرط  التحكيم فموضوعه حل المنازعات التي قد تثور مستقبلا حول تنفيذ أو تفسير العقد الأصلي. و من هذه المبررات ايضا اختلاف سبب كل منهما، فالسبب في شرط التحكيم هو التعهد بعدم اللجوء الى القضاء في حين السبب في العقد الاصلي مختلف تماما. إن مبدأ استقلالية شرط التحكيم نصت عليه الغالبية العظمى من القوانين الوطنية، كما كرسه القضاء في العديد من احكامه، و لذلك فإن هذا المبدأ اصبح معترفا و مسلما به[16].

و المشرع المغربي لم يغفل هذا المبدأ اثناء تنظيمه لمادة التحكيم فنص الفصل 318 من ق م م على أنه: ” يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته”

الفقرة الثانية: مشارطة التحكيم

أولا: تعريف

هي الاتفاق الذي يتم بين الطرفين بعد قيام النزاع بينهما لعرضه على التحكيم، ويسمى أحيانا “وثيقة التحكيم الخاصة”[17].  و يتضمن تحديدا واضحا للنزاع ، و يجب أن يتعلق بنزاع قائم فعلا، كما يجب أن يشتمل على تحديد واضح و دقيق للموضوعات محل النزاع التي ستحسم عن طريق التحكيم[18].

و تجدر الإشارة إلى أن التشريعات تباينت من حيث تسمية هذا النوع من اتفاق التحكيم، في الوقت الذي ذهبت بعضها لتسميته بمشارطة التحكيم، أطلق عليه البعض الآخر لفظ “عقد التحكيم” كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المغربي. هذا الأخير عرفه في الفقرة الأولى من الفصل 314 من قانون التحكيم و الوساطة الإتفاقية (05-08) بأنه : ” عقد التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية”

و عموما يعرف الفقه العربي مشارطة التحكيم بأنها: “اتفاق بين الأطراف بمناسبة نزاع معين قائم بالفعل بينهم يلتزمون بمقتضاه بعرض هذا النزاع على المحكم أو المحكمين المختارين من قبلهم، بدلا من عرض تلك المنازعة على المحكمة المختصة أصلا بنظره[19].

ثانيا: خصائص مشارطة (أو عقد) التحكيم

و إن كانت الغاية من شرط التحكيم هي نفسها المتوخاة من عقد التحكيم، فإن هذا الأخير يتميز بمجموعة من الخصائص:

  • وجود نزاع قائم و حال : يتجه اغلب الرأي في التشريعات الوطنية و منها التشريع المغربي إلى التأكيد على هذا المقتضى؛ فالفرق بين شرط التحكيم و مشارطة التحكيم هو أن الأول يتعلق بنزاع مستقبلي محتمل، في حين تتعلق المشارطة بنزاع أكيد وقع فعلا. و يرى الفقهاء أن للنزاع معنى محددا يميزه عن مجرد الاعتراض أو الشقاق، إذ يعني النزاع – في آن معا- وجود خصومة بين بين الطرفين من جهة، ووجوب فض هذه الخصومة بطريق التحكيم من جهة أخرى[20].
  • تحديد موضوع النزاع في المشارطة: يعتبر عنصر تحديد موضوع النزاع l’objet de litige عنصرا جوهريا في مشارطة التحكيم بعكس شرط التحكيم، لأن المشارطة لا تبرم إلا بعد وقوع النزاع فعلا، فإذا خلت من تحديد موضوعه ما أمكن انعقاد اختصاص المحكمين بالفصل فيه. و قد شددت التشريعات الوطنية على هذا المقتضى و قرنت عدم تضمين المشارطة لموضوع النزاع بجزاء هو البطلان، كما تنص على ذلك المادة 1445 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي[21] ؛ و الفقرة الثانية من المادة العاشرة من قانون التحكيم المصري[22].

و كان موقف المشرع المغربي واضحا في هذه المسألة من خلال منطوق الفقرة الأولى من الفصل 315 من القانون 05-08 ، إذ ينص على أنه: ” يجب أن يتضمن عقد التحكيم تحت طائلة البطلان :

1-تحديد موضوع النزاع؛ …”

 

 

 

 

 

المبحث الثاني: أركان اتفاق التحكيم و آثاره

و لكون اتفاق التحكيم عبارة عن عقد فلابد من استجماعه لأركانه (المطلب الأول)، و نتيجة لذلك فأنه يرتب جملة من الآثار (المطلب الثاني)

المطلب الأول : أركان اتفاق التحكيم

و من هذه الاركان ما يأخذ صفة الاركان الموضوعية من اهليه و رضا و محل (الفقرة الاولى)، و لان اتفاق التحكيم من العقود الشكلية فيتوجب افراغه في شكليات معينة (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: الأركان الموضوعية

أولا: الاهلية

إن اتفاق التحكيم كسائر التصرفات القانونية يحتاج لإبرامه أهلية الطرفين المتعاقدين، و يتعلق الأمر هنا بأهلية التصرف في الحقوق المتعلقة بالنزاعات المراد حسمها بالتحكيم، و اهلية التصرف هذه لا تثبت إلا لمن بلغ سن الرشد و لم يكن محجورا عليه لجنون أو سفه أو عته. و قد حرص المشرعون على ابراز الاهلية عند تنظيمهم لمادة التحكيم حيث نصت على ذلك المادة 2059 من القانون الفرنسي و ايضا المادة 11 من قانون التحكيم المصري.

أما بالنسبة للتشريع المغربي، فقد جاء في الفصل 308 من ق م م انه : ” يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق تحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها ضمن الحدود ووفق الإجراءات والمساطر المنصوص عليها في هذا الباب وذلك مع التقيد بمقتضيات الظهير الشريف الصادر في 12غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات و العقود ، كما وقع تغييره وتتميمه ولا سيما الفصل 62  منه” .

فالعبرة بالأهلية هنا ليست اهلية التعاقد فقط، و إنما أهلية التصرف في الحقوق موضوع النزاع و أن تكون الاهلية كاملة أي بلوغ سن الرشد القانوني 18 سنة شمسية كاملة طبقا لنص المادتين 209 و 210 من مدونة الاسرة.

و لما كان تمام الأهلية بالنسبة للشخص الطبيعي  لا يطرح إشكالا، فماذا عن الحالات التي تختص بخصوصيات  في هذا الباب ؟

 

 

 

 

  • القاضر المأذون له :

عند استقراء مضمون الفصلين 7 و 11 من ق ل ع  نجد بأن القاصر المأذون له يجوز له ابرام اتفاق التحكيم، غير أن الاب و الوصي و المقدم الذي يدير اعمال القاصر أو ناقص الاهلية لا يمكن له إبرام اتفاق التحكيم إلا بعد الحصول على إذن خاص بذلك من القاضي المختص[23].

  • الشركات التجارية:

منح نص الفصل 308 السابق ذكره صلاحية ابرام اتفاق التحكيم باعتبارها شخصا اعتباريا متمتعا بالشخصية المعنوية، لكن من هو الشخص المخول له صفة تمثيلها ؟ لم يتطرق المشرع لهذه المسألة بشكل صريح اثناء تنظيمه للتحكيم و ايضا في القوانين المنظمة للشركات، لكن في رأينا ما دام أن اتفاق التحكيم يكسب حقوقا أو يحمل التزامات فإنه في ذلك يوافق الأعمال التي يقوم بها جهاز التسيير في الشركة، و بالتالي يكتسب الشخص أو الجهاز المكلف بالتسيير هذه الصفة إلا إذا تم التنصيص في عقد التأسيس على مقتضى مخالف أو قرار للجمعية العامة.

  • الاشخاص العامة:

الدولة و الجماعات الترابية: يمكن أن تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات الترابية محل اتفاق التحكيم و تكون مقيدة في ذلك بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة و الوصاية المنصوص عليهما فالنصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل فيما يخص العقود المعنية ( الفقرة الثالثة من الفصل 310 ق م م).

المقاولات العامة الخاضعة لقانون الشركات التجارية: يجوز لها أن تبرم اتفاق التحكيم وفق الإجراءات و الشروط المحددة من لدن مجالس إدارتها أو رقابتها أو أجهزة تسييرها (الفقرة الأولى من الفصل 311 ق م م).

المؤسسات العامة : انطلاقا من مقتضيات القرة الثانية من الفصل 311 فإن المشرع المغربي ميز بين حالة عقد التحكيم و التي ربطها المشرع بضرورة التقيد بالإجراءات و الشروط المحددة من قبل مجالس إدارتها، و حالة شرط التحكيم حيث اشترط المشرع المغربي اخضاع هذا الشرط لمداولة خاصة يجريها مجلس الإدارة.

و كاستنتاج من المقتضيات السابقة بعد مقارنتها مع النسخة الملغاة لمادة التحكيم (1974)، نشير إلى أن المشرع المغربي وسع من صلاحيات الاشخاص المعنوية العامة في ما يخص اهليتها لاكتساب الحقوق و التحمل بالالتزامات، و من ذلك اهليتها لإبرام اتفاق التحكيم  بعد أن كان ذلك ضيقا في القانون القديم ( الفصل 306 من القانون الملغى)، لكنه في المقابل قيد هذه الامكانية ضوابط تنظيمية و تشريعية.

في المقابل مازالت بعض التشريعات المقارنة متحفظة في هذا الجانب، فالمشرع الفرنسي منع على المؤسسات العامة الاتفاق علي التحكيم، و استثنى من ذلك المؤسسات ذات الطابع الصناعي و التجاري شريطة صدور قرار بذلك من الجهة المختصة[24].

و يترتب على تمتع الدولة و الاشخاص الاعتبارية بأهلية اتفاق التحكيم عدم جواز الدفع بعدم اهليتها لكي لا تتخلص من اتفاق التحكيم الذي ابرمه الشخص الاعتباري التابع لها مع المتعاقد الاجنبي، و هذا المبدأ كرسته اتفاقيات التحكيم الدولية. و كذلك ايضا عدم جواز أن تدفع الدولة بحصانتها القضائية بالاستناد الى فكرة السيادة أمام هيئة التحكيم، كما أن كافة الاتفاقيات الدولية المعنية بالتحكيم التجاري الدولي قد كرست قاعدة منع قضاء الدولة من الاختصاص القضائي بنظر النزاع محل الاتفاق التحكيمي، و أصبحت هذه القاعدة من أهم القواعد الأساسية في التحكيم التجاري الدولي[25].

  • الوكيل:

الاصل انه لا يجوز للوكيلmandataire  المزود بتوكيل عام على الاتفاق على التحكيم، حيث يحتاج هذا الاتفاق على توكيل خاص يخوله هذه السلطة الخاصة. و مع ذلك فقد استقر العمل التجاري على أن الوكالة العامة تكفي لصحة شرط التحكيم الذي يبرمه الوكيل التجاري متى خولت له هذه الوكالة سلطة التعامل وفق العادات و الاعراف التجارية السائدة في تجارة معينة أو في مكان معين[26].

  • التحكيم الاكتروني:

يطرح موضوع الاهلية إشكالا بالنسبة للتحكيم الالكتروني حيث تصعب مهمة التأكد من اهلية الطرف الآخر. فبينما يرى البعض أن بحث الاهلية لا ضرورة له إذ تتم العملية التحكيمية عن طريق الانترنت بواسطة مراكز كبرى تحرص على الدقة في شتى الجوانب و خصوصا الاساسية منها، هناك جانب آخر يرى أن الرجوع إلى شبكة الانترنت لا يقدم اية اجابة شافية ذلك ان طبيعة الانترنت في الوقت الحاضر تأبى ذلك، ولكن هذا لا ينفي وجود تطورات تقنية كالبطاقة الذكية التي قد توفر حلولا اكثر نجاعة في المستقبل. حيث انه على الرغم مما تتيحه التقنية العالية من امكانية التأكد من هوية و اهلية المتعاقد إلا أن ذلك يشكل عبئا ماديا اضافيا على فريقي النزاع مما قد يتسبب في العزوف عن اللجوء للتحكيم الالكتروني كوسيلة لحل المنازعات[27].

ثانيا: الرضا

لقيام اتفاق التحكيم لابد من تطابق ارادة الاطراف المعنية به تطابقا تاما، لان انعدام الارادة سيؤدي الى بطلانه بسبب عيب من العيوب كالغلط و التدليس و الاكراه و الغبن، فلا ينعقد الاتفاق الا بالتقاء الايجاب و القبول  حول جميع المسائل التي تضمنها الاتفاق دون اختلاف أو زيادة او نقصان.

و إن كان هذا الركن لا يطرح اشكالا في نظرنا بخصوص الاتفاقات التي يكون موضوعها عقد تجاري، إذ يتصور في الاطراف المامهم بالمعاملات التجارية و اعرافها و ظروف ابرام العقود و ذلك راجع لممارستهم الانشطة التجارية على سبيل الاعتياد أو الاحتراف.

 الاعتداد بالسكوت : فباعتبار التحكيم طريقا استثنائيا لفض المنازعات معلق على شرط واقف، فيجب أن يثبت قبول الاطراف اياه و أن يكون القبول هذا صريحا، فلا يعتد بالسكوت قبولا لانعقاد اتفاق التحكيم، و مثال ذلك أن يوجه احد الطرفين ايجابا يعرض فيه فض المنازعات الناشئة عن العقد بواسطة التحكيم و أن يحدد ميعادا للرد على ايجابه، فغذا انصرم الاجل من دون رد لا يعتر ذلك قبولا بالتحكيم.

الاعتداد بوجود اتفاق ضمني : مثال ذلك حالة طرفين يجري بينهما العمل في مرات عديدة على النص في العقد المبرم على اللجوء للتحكيم، الا انهما يبرمان بعد ذلك عقدا لا ينص فيه على شرط التحكيم، فهل يجوز القول بوجود اتفاق ضمني على اللجوء للتحكيم فيما بينهما نظرا لتواتر العمل بينهما على النص على شرط التحكيم ؟

باستقراء النصوص الواردة في الاتفاقيات الدولية كالقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي و كذا نصوص الدول التي اخذت به و منها قانون التحكيم المغربي، يمكن القول ان هناك مجموعة من الملاحظات التي تصب في اتجاه عدم الاعتداد بالرادة الضمنية لانعقاد اتفاق التحكيم، منها ان اشتراط الكتابة للإقرار بصحة اتفاق التحكيم كان لسد الباب امام جميع المطالبات اللاحقة التي قد ياتيها احد الطرفين سواء من حيت انكار هذه الارادة او التراجع عنها[28].

و في نظرنا، فاشتراط المشرع تضمين اتفاق التحكيم بمجموعة من البيانات كتعيين الموضوع المعني بالتحكيم و كذا تشكيل المحكمين هي امور تستلزم رضا الاطراف و التعبير الصريح و المباشر من المعني بالاتفاق.

ثالثا: المحل

يقصد بمحل اتفاق التحكيم موضوع المنازعات التي يشملها الاتفاق و التي ينص على حلها عن طريق التحكيم، و يفهم من منطوق الفصل 308 من ق م م  أن محل اتفاق التحكيم يشمل جميع المنازعات الا ما تم وضعه في دائرة المنع و كذلك ما لا يتطابق مع الفصل 62 من ق ل ع، هذا الاخير يحيل على الاسباب التي تعدم الاتزام  اي الاسباب الغير المشروعة و التي تخالف الاخلاق الحميدة او النظام العام او الفانون. فما هي اذن موضوعات النزاعات التي لا يصح ان تكون محلا لاتفاق التحكيم في التشريع المغربي ؟

  • الاحوال و الحقوق الشخصية : ” مع مراعاة مقتضيات الفصل 308، لا يجوز أن يبرم اتفاق التحكيم بشان تسوية النزاعات التي تهم حالة الاشخاص و اهليتهم او الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة” الفصل 309 ق م م.
  • التصرفات الاحادية لأشخاص القانون العام و النزاعات غير المالية الناتجة عنها : ” لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو

الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.

غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها، يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي.” الفقرتين الاولى و الثانية من الفصل 310 من ق م م.

  • النزاعات الجبائية : “لا يمكن للنزاعات المتعلقة بتطبيق القانون الجبائي ان تكون موضوع تحكيم” المادة 244 من المدونة العامة للضرائب
  • القانون الجنائي: بالنظر لما تحدثه الجريمة من اضطراب يصيب المجتمع، فلا يمكن ان تكون موضوع تحكيم، الا أن المشرع اعطى للمتضرر و المعتدي حق اجراء صلح طبقا للفصل 41 من ق م ج.

الفقرة الثانية: الاركان الشكلية

أولا: الكتابة

أجمعت مختلف التشريعات الوطنية و الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتحكيم على اشتراط قاعدة شكلية لصحة اتفاق التحكيم و هي الكتابة.

فبينما ترى بعض التشريعات مؤيدة بالفقه وأحكام القضاء أن اشتراط الكتابة في اتفاق التحكيم للإثبات، يرى بعضهم الآخر إلى اعتبار اشتراط الكتابة في اتفاق التحكيم للانعقاد، ولعل عدم اتفاق الرأي حول ركن الكتابة في اتفاق التحكيم يرجع إلى اختلاف الآثار التي قد تترتب على تبني هذا الاتجاه أو ذاك[29].

  • الكتابة وسيلة اثبات:

إن النظم الانجلوساكسونية لم تجد مبررا لاخضاع اتفاق التحكيم لشكل معين يميزه عن سائر التصرفات القانونية التي يكون تطلب الكتابة فيها لمجرد الاثبات، و هذا الموقف يرتد في مغزاه البعيد الى نظرتها للتحكيم باعتباره نظاما للتقاضي يوازي قضاء الدولة و ليس مجرد استثناء عليه[30].

ومن التشريعات التي اعتمدت هذا المبدأ قانون المرافعات العراقي والذي ينص في المادة 252 أنه “لا يثبت الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة”، وكذلك نص المادة 173 قانون التحكيم الكويتي والتي تنص على أنه “و لا يثبت التحكيم إلا بالكتابة” كما أقرت المادة 742 من قانون المرافعات الليبي والمادة من القانون 509 السوري نفس المقتضى.

ويلاحظ أن هذه التشريعات التي تبنت هذا الاتجاه، لم تبين الجزاء الذي يترتب على تخلف الكتابة في اتفاق التحكيم، وإزاء هذا الصمت يمكن القول إن الكتابة، حسب هذا الرأي، مع استلزامها في كل حال، هي مجرد وسيلة لإثبات التحكيم، وإن انعدام الكتابة لا يستتبع بطبيعة الحال انعدام اتفاق التحكيم، بل يجعل إنكاره غير فعال، ومن ثم يتعين البحث عن وسيلة لإثباته.

  • الكتابة كشرط انعقاد

اعتمدت هذا التوجه غالبية التشريعات الوطنية الحديثة كالتشريع الجزائري في المادة 1040 و المصري في المادة 12، و قانون المسطرة المدنية الفرنسي في المادة 1443. فكل هذه النصوص تحرص على أن تكون الكتابة شرطا من شروط الصحة وركنا من أركان العقد، وتقررت الكتابة تحت طائلة البطلان، فلا يمكن لاتفاق التحكيم أن يكون صحيحا بدونها.

  • موقف التشريع المغربي

باستقراء نصوص الفصول 313، 315 و 317 من القانون 05-08 ، نجد أن المشرع المغربي اتخذ الموقفين معا و ذلك بحسب الصورة التي عليها اتفاق التحكيم. فالفصل 313 ينص على أنه: ” يجب أن يبرم اتفاق التحكيم كتابة، إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة .

يعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال والتي تعد بمثابة الاتفاق تثبت وجوده أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف الآخر في ذلك “. و يلاحظ اشتمال النص على عبارة ” بمثابة الاتفاق تثبت وجوده”، اضافة الى أن وجوب الكتابة المقرر في الفقرة الاولى لم يقترن بجزاء.

أما الفصل 315 و إن رتب في ظاهره جزاء البطلان على عقد التحكيم، فإن هذا الجزاء مقترن بعدم تضمين العقد لتحديد موضوع النزاع و تعيين الهيئة التحكيمية،  و ليس اتخاذه شكلا مكتوبا، و حتى تعريف عقد التحكيم في الفصل 314 لم يشر الى الكتابة، و يفهم من هذا إذن أن الكتابة بالنسبة لعقد التحكيم لا تعدو أن تكون للإثبات. و في رأينا أن هذا المبدأ لا يتوافق مع الواقع العملي ذلك أن عقد التحكيم يتم اللجوء اليه بعد نشوء النزاع و في غياب أو بطلان شرط التحكيم، و هي ظروف خاصة تستلزم تضمينه في شكلية محددة وجوبا تحت طائلة البطلان ضمانا لفعالية المسطرة.

بخلاف ذلك، نص الفصل 317 بشكل صريح يرفع كل اللبس على كون الكتابة في شرط التحكيم هي ركن اساسي في الاتفاق و شكلية انعقاد و بدونها رتب المشرع جزاء البطلان. و الملاحظ أن هذا التباين رافق النصوص ايضا في مشروع قانون 17-95 بمثابة مدونة التحطيم و الوساطة الاتفاقية.

ثانيا: تحديد موضوع النزاع

و الحديث عن هذا الشرط إنما يكون في عقد(مشارطة) التحكيم، حيث يكون النزاع قد نشأ بالفعل بخلاف شرط التحكيم (تم التفصيل في هذه المسالة مسبقا في الفقرة المخصصة لمشارطة التحكيم كصورة من صور اتفاق التحكيم).

ثالثا: تعيين المحكمين

إن تعيين النزاع موضوع اتفاق التحكيم من شأنه أن يساعد على تعيين المحكم ، إذ جرى العمل على اختياره على أساس طبيعة النزاع من مختلف النواحي الفنية و القانونية، و بالتالي ليس هناك ما يمنع من اشتمال اتفاق التحكيم على تعيينهم أو على الاقل الاشارة الى طريقة تعيينهم، فماذا كان موقف المشرع المغربي من هذا التعيين ؟

قبل الخوض في فصول فانون التحكيم المغربي، و بعد دراسة بعض التشريعات المقارنة، و أخص بالذكر القانون الفرنسي[31] و القانون المصري[32] تبين أن تعيين المحكم أو الهيئة التحكيمية ترك لأطراف النزاع و في حالة تعذر ذلك تمت الإحالة الى السلطة المختصة، و هو نفس التوجه المعتمد في القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي في مادته الحادية عشر.

على خلاف التشريعات السابق اثارتها، يعاني التشريع المغربي حالة من الفوضى، فهو تارة يؤكد على مقتضى تعيين المحكم في اتفاق التحكيم ،سواء تعلق الأمر بشرط أو عقد تحكيم، بل و يرتب على عدم هذا التعيين جزاء شديدا يتمثل في البطلان، و ذلك بصريح نص الفصل 315 ” يجب أن يتضمن عقد التحكيم تحت طائلة البطلان …تعيين الهيئة التحكيمية أو التنصيص على طريقة تعينها” و نص الفصل 317 “يجب تحت طائلة البطلان…ان ينص في شرط التحكيم إما على تعيين المحكم أو المحكمين، و إما على طريقة تعيينهم”.

في حين تغيب هذه الشدة في نفس النقطة و في نفس القانون، فعلى خلاف النصوص المذكورة سلفا، يشير الفصل 5-327 الى كيفيات تحديد الهيئة التحكيمية في حالة عدم تعيينها مسبقا، الامر نفسه يتكرر في فصول فرع التحكيم الدولي و بالتحديد الفصل 41-327.

و الملاحظ أن هذا الارتباك استمر حتى مع مشروع قانون 17-95 بمثابة مدونة التجارة، و التي ابقت على جزاء البطلان بالنسبة لعقد التحكيم (المادة 5) دون شرط التحكيم (المادة 7)، في حين احتفظ الفصل 41-327 تقريبا على نفس المقتضيات في المادة 21 من المدونة.

و أمام هذا التباين في النصوص، استقرت  الغرفة التجارية بمحكمة النقض في أحد قراراتها على الاستناد للنصوص الاقل تشديدا، من ذلك قرار عدد 249/1 الصادر بتاريخ 2016/06/16 في الملف التجاري عدد 789/3/1/2015 حيث قررت أن عدم الاتفاق على تعيين محكم لا يعطل شرط التحكيم و تبقى الجهة المختصة لتعيينه أو لتعيين محكم بديل هو رئيس المحكمة المختصة بناء على طلب أي من الطرفين و استندت في ذلك على الفصلين 4-327 و 5-327 من القانون 05-08[33] .

المطلب الثاني: آثار اتفاق التحكيم

الثابت قانونا، فقها ة قضاء أن اتفاق التحكيم الصحيح ينتج آثارا منها ما هو موضوعي (الفقرة الأولى)، و منها ما يتصل بالشق الاجرائي (الفقرة الثانية)

 

 

الفقرة الأولى: الآثار الموضوعية لاتفاق التحكيم

اتفاق التحكيم كغيره من الاتفاقات يتمتع بقوة الإلزام، و الاصل ان هذه القوة تقوم في مواجهة أطرافه (أولا)، و لا تقوم في مواجهة الغير الا في احوال خاصة يقررها القانون (ثانيا)

أولا: مبدأ نسبية الأثر

القاعدة العامة هي أن اثر العقد لا ينصرف الا الى الاطراف المتعاقدة (أ)، و ينصرف كذلك الى من يقوم مقتم طرفي العقد كالخلف العام(ب) و الخلف الخاص (ج).

  • اثر اتفاق التحكيم على الاطراف

كما سبقت الاشارة الى ذلك، يصنف اتفاق التحكيم من بين العقود على انه عقد ملزم للجانبين، فبمجرد استجماعه لاركانه، اكتسب قوته الملزمة و ترتب عن ذلك انخراط الاطراف في مسطرة التحكيم.

و لان التحكيم طريق استثنائي للتقاضي يقوم على رضاء الاطراف، فارادة الاطراف هي التي توجد التحكيم و هي التي تحدد نطاقه، و من هنا اعترف بنسبية اتفاق التحكيم، فهو لا يحتج به و لا يرتب آثاره الا بالنسبة للشخص الذي اتجهت ارادته اليه، و بعبارة أخرى الطرف الذي ارتضاه و قبل خصومته، فاتفاق التحكيم لا يلزم الغير الذي لم يكن طرفا في الاتفاق كما لا يخوله اي حق شانه في لك شان اي اتفاق[34].

  • الخلف العام

الأصل أن الخلف العام لا یعتبر من الغیر، ومن ثمة تنصرف إلیه آثار العقد الذي یبرمه سلفه وفق اً لقاعدة النسبیة، ویقصد بذلك أنه یأخذ حكم الطرف بالنسبة للتصرف الذي أبرمه سلفه[35].

و لأن اتفاق التحكيم يشترك مع القضاء في كونه طريق من طرق اكتساب الحقوق، و عملا بالقاعدة الفقهية “الغنم بالغرم”، فإن هذا الخلف العام يصبح طرفا في الاتفاق حتى و لو يرتضي في ذلك وقت ابرامه.

  • الخلف الخاص

الخلف الخاص هو من یخلف الشخص في عین معینة بالذات، أو في حق عيني علیها، كالمشتري یخلف البائع في المبیع، والمنتفع یخلف المالك في حق الانتفاع. والخلف الخاص بعكس الخلف العام لا تنصرف إلیه آثار العقود التي یبرمها السلف، ومع ذلك تنصرف إلیه آثار هذه العقود إذا توافرت الشروط التالیة:

الشرط الأول: أن یكون العقد الذي أبرمه السلف سابقاً على العقد الذي انتقل به الشيء إلى الخلف الخاص، أما جمیع العقود التي یبرمها السلف بعد انتقال الشيء إلى الخلف لا تسري في مواجهة الخلف ویعتبر من الغیر بالنسبة لها.

الشرط الثاني: أن یكون الحق أو الالت ا زم الذي نشأ عن العقد الذي أبرمه السلف بشأن الشيء الذي انتقل إلى الخلف من مستلزمات هذا الحق، والحقوق التي تعتبر من مستلزمات الشيء هي المكملة للحق الذي انتقل إلى الخلف.

الشرط الثالث: أن یكون الخلف عالم اً وقت انتقال الشيء إلیه بالحق أو الالت ا زم الذي سبق لسلفه أن أبرمه، وٕ ان كان اشت ا رط العلم لا یثور من الناحیة العملیة إلا في حالة الالت ا زمات أما في حالة الحقوق فلا تثور مشكلة علم الخلف من عدمه، فهو لن یعترض على إضافة حق إلى حقوقه ولكنه سیتذرع بعدم علمه لكي لا یضاف التزام إلى التزاماته.

في حالة توفر هذه الشروط تنتقل آثار العقد إلى الخلف الخاص والتي بدونها أو في حالة تخلف إحدى هذه الشروط یصبح الخلف الخاص من الغیر بالنسبة للعقود التي أبرمها السلف[36].

ثانيا: امتداد اتفاق التحكيم الى الغير

استثناءا من نسبية اتفاق التحكيم، قد يرتب الاتفاق آثاره بالنسبة للغير، و يتخذ هذا الامتداد عدة صور كالاشتراط لمصلحة الغير (أ) و اشتراك الشركات في كونسورسيوم  (ب).

  • الاشتراط لمصلحة الغير

هو عقد یشترط أحد أطرافه (المشترط) على الطرف الآخر (المتعهد) التزاما لصالح شخص ثالث (المنتفع أو المستفید) وینشأ حقاً مباشرًا للمنتفع من قبل المتعهد. للاشتراط لمصلحة الغیر تطبیقات عملیة كثیرة نجد أهمها في عقد التأمین على الحیاة، حیث یتم التأمین لمصلحة الغیر إما على سبیل التبرع وهو الغالب، أو يؤمن شخص على حیاته لمصلحة أولاده أو زوجته، فالاشتراط لمصلحة الغیر یمثل خروجاً على قاعدة نسبیة أثر العقد، إذ أن المنتفع وهو شخص أجنبي عن عقد الاشتراط، یكتسب حقاً مباشرا من قبل المتعهد، ومصدره عقد الاشتراط الذي لم یكن طرفا فیه ولا حاجة إلى قبوله، لأنه لو كان كذلك لما كان هناك خروجا عن مبدأ الأثر النسبي للعقد، ویشترط لتحقق الاشتراط  لمصلحة الغیر توفر ثلاثة شروط تتمثل في:

-1أن یتعاقد المشترط باسمه لا باسم المنتفع ودون أن یدخل المنتفع طرفا في التعاقد.

-2یجب أن یشترط المشترط على المتعهد حقا مباشرا للمنتفع، وعلیه لا محل للقول بوجود عقد الاشتراط إذا كان الحق الذي اشترطه الشخص إنما اشترطه لنفسه، ولكن یعود بالفائدة على الغیر.

-3یجب أن یكون للمنتفع مصلحة شخصیة مادیة أو أدبیة من وراء عقد الاشتراط.

و القاعدة العامة أن المشترط یستطیع الرجوع في الاشتراط قبل قبول المنتفع وینتهي حقه في الرجوع بهذا القبول وإذا كان یجوز له الرجوع في هذه الحدود فإنه یجوز له التعدیل أیضا[37].

  • اشتراك الشركات

اذا اشتركت عدة شركات في نشاط اقتصادي أو كونت فيما بينها كونسورسيوم، فهل يسري اتفاق التحكيم التي تبرمه احداها مع الغير في مواجهة باقي الشركات ؟

ذهب القضاء الفرنسي الى اعتبار سريان الاتفاق في مواجهة باقي الشركات، و استندت محكمة استئناف باريس في ذلك على الارادة المشتركة لهذه الشركات في الاشتراك في جميع الاتفاقات التي توقعها احداها و لو لم يقم بعضها بالتوقيع، و أضافت أن شرط التحكيم يمتد الى باقي الشركات التي انغمست في تنفيذ العقد المحتوي على الشرط [38]. و نحن نرى أن هذا التوجه يعتبر سليما بالنظر لطبيعة هذه المعاملات و التي يفترض في اصحابها و القائمين عليها علمهم بهذه الشروط و حيث أن الشركات قبل انخراطها في هذا التجمع تدقق في صغائر التفاصيل قبل كبائرها و اتفاق التحكيم من الشروط التي لا يكاد يخلو منها هذا النوع من الالتزامات.

الفقرة الثانية: الآثار الاجرائية لاتفاق التحكيم

يترتب على اتفاق التحكيم أيا كانت صورته، سواء كان شرط تحكيم أو عقد تحكيم، أثرا ايجابيا (أولا) و اثرا سلبيا (ثانيا)

أولا: الاثر الايجابي لاتفاق التحكيم

يقصد بالأثر الايجابي لاتفاق التحكيم فيما يرتبه هذا الاتفاق بين أطرافه والمستفيدين منه من الالتزام بالالتجاء أو البدء في التحكيم أو الاستمرار فيه في حالة وجود نزاع بين الأطراف أو فيما سينشب بينهم مستقبلاً من منازعات[39]. أي ان التجاء اطراف الاتفاق الى عرض النزاع مباشرة امام هيئة التحكيم يعتبر حقا لهم، و في الآن ذاته التزاما على عاتقهم و بمفهوم آخر اكتساب هيئة التحكيم لولاية البت في النزاع.

و يتخذ هذا الأثر عدة صور على المستوى الاجرائي بداية بتعيين المحكم أو الهيئة التحكيمية (الفصول 4-327 و 5-327 من ق م م)، و ما يتبع ذلك من المثول امام الهيئة و الانخراط في الاجراءات و تقديم الطلبات (الفصول من 9-327 إلى 18-327 ق م م). و لا يتوقف هذا الاثر عند هذا الحد، إذ يمتد الى حين تنفيذ الحكم التحكيمي أو انقضاء مسطرة التحكيم.

ثانيا: الاثر السلبي لاتفاق التحكيم

عبر جمهور الفقه عن أن الأثر السلبي لاتفاق التحكيم يتمثل في التزام أطرافه بالامتناع عن الالتجاء للقضاء، وعبر البعض الآخر بأنه يترتب على اتفاق التحكيم إقصاء النزاع عن القضاء وجعله من اختصاص هيئة التحكيم، وبتعبير ثالث أنه يترتب على اتفاق التحكيم أثرا سلبيا يتمثل في سلب ولاية القضاء الدولة بنظر النزاع موضوع اتفاق التحكيم وبتعبير آخر يترتب على اتفاق التحكيم امتناع المحاكم عن نظر النزاع وبتعبير رابع يترتب على اتفاق التحكيم حجب اختصاص القضاء مؤقتا عن نظر النزاع، ويطلق عليه البعض الأثر المانع لاتفاق التحكيم. الواقع أن اتفاق التحكيم لا يسلب القضاء ولاية نظر النزاع، ولا يترتب عليه اختصاص هيئة التحكيم وحدها بنظر النزاع وعدم اختصاص القضاء بنظره؛ إذ يتعين التمييز بين التزام الخصوم بالالتجاء للتحكيم أو الاستمرار فيه دون قضاء الدولة، وما يترتب عليه سلبيا من نشأة حق الخصم في الدفع بوجود اتفاق التحكيم في حالة مخالفة الطرف الآخر لاتفاق التحكيم، والتزام المحكمة في هذه الحالة بالحكم بعدم الاختصاص أو القبول لوجود اتفاق التحكيم، وبين ما يترتب على هذا الاتفاق من اختصاص هيئة التحكيم بالنزاع وعدم اختصاص القضاء بنظره، فيترتب على اتفاق التحكيم من الناحية السلبية نشأة حق الخصم في الدفع بوجود اتفاق التحكيم في حالة مخالفة الخصم الآخر لاتفاق التحكيم، ويكون للخصم الدفع بوجود اتفاق التحكيم قبل الكلام في الموضوع والتزام المحكمة بالحكم بعدم الاختصاص أو القبول في حالة تحقق المحكمة من وجود اتفاق التحكيم، دون أن يترتب على اتفاق التحكيم اختصاص هيئة التحكيم بالنزاع وعدم اختصاص القضاء بنظر موضوع النزاع أو حجب هذا الاختصاص مؤقتا عن قضاء الدولة لصالح هيئات التحكيم؛ إذ يظل القضاء هو صاحب الولاية العامة بنظر النزاع، ويكون اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع إلى جانب اختصاص القضاء العام، ويكون للطرف الآخر في هذه الحالة التمسك بوجود اتفاق التحكيم إذا لجأ الطرف الأول للقضاء، بشرط التمسك بوجود اتفاق التحكيم قبل أي طلب أو دفاع موضوعي[40].

و هذا المبدأ اعتمده المشرع المغربي بنص الفصل 327 من ق م م: ” عندما يعرض نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عملا باتفاق تحكيم، على نظر إحدى المحاكم، وجب على هذه الأخيرة إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع أن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاد مسطرة التحكيم أو إبطال اتفاق التحكيم.

إذا كان النزاع لم يعرض بعد على الهيئة التحكيمية، وجب كذلك على المحكمة بطلب من المدعى عليه أن تصرح بعدم القبول ما لم يكن بطلان اتفاق التحكيم واضحا.

يتعين على المدعى عليه أن يدفع بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع، ولا يجوز للمحكمة في كلتا الحالتين أن تصرح تلقائيا بعدم القبول.

عندما ترفع أمام المحكمة الدعوى المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية أعلاه، يمكن، بالرغم من ذلك، مباشرة مسطرة التحكيم أو متابعتها، ويمكن إصدار حكم تحكيمي في انتظار أن تبت المحكمة في ذلك.”

و هي نفس المقتضيات الواردة في الاتفاقيات الدولية حيث تنص المادة الثامنة من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي 1985 كما تم تعديله.

 

 

 

 

 

خاتمة

 

قد يتفق الاطراف على اللجوء الى التحكيم  قبل نشأة اي نزاع بينهما و يكون اتفاقهما هذا على ما قد ينشأ في المستقبل بيتهما من نزاعات و الحالة هذه تتعلق بشرط تحكيم. وقد لا يتفق الاطراف على اللجوء للتحكيم الا بعد أن يثور بينهم النزاع، فيتم الاتفاق على عقد أو مشارطة تحكيم.

و في جميع الاحوال، لا مناص من توافر الاركان الموضوعية لاتفاق التحكيم من اهلية و رضا، محل و سبب، بل و يجب افراغ هذا الاتفاق في شكلية محددة قانونا. و باستجماع الاركان السابقة يرتب الاتفاق مجموعة من الآثار منها ما هو موضوعي من جهة، و منها ما هو اجرائي من جهة ثانية.

و المشرع المغربي اثناء تناوله لمادة اتفاق التحكيم وفق إلى حدا ما في تنظيمه لها على الرغم انه في بعض الاحيان لم يستفد من المرونة التي توفره بعض من مقتضيات الاتفاقيات الدولية.

لكن ما يعاب على المشرع المغربي ارتباكه الواضح و الجلي في بعض النصوص القانونية خاصة في الجانب المتعلق بالأركان شكلية من اثبات و تعيين للمحكمين، و إذ نقترح التدخل لفك الغموض و رفع الارتباك خاصة و أنه في طريقه لاعتماد مدونة جديدة للتحكيم و الوساطة الاتفاقية لا تختلف الى حد كبير مع سابقتها.

 

 

قائمة المراجع

الكتب

  • حسن المصري، “التحكيم التجاري الدولي ( دراسة مقارنة)”، 2006
  • عليوة مصطفى فتح الباب، “التحكيم كوسيلة لفض المنازعات(دراسة فقهية عملية)”، الطبعة الأولى 2013
  • عصام عبد الفتاح مطر، “التحكيم الإلكتروني”، طبعة 2009
  • فتحي والي، “قانون التجكيم في النظرية و التطبيق”، الطبعة الأولى 2007
  • مصطفى بونجة – نهال اللواح، “التعليق على قانون التحكيم”، الطبعة الاولى 2019
  • سمير جاويد، “التحكيم كآلية لفض المنازعات”، الطبعة الاولى 2014
  • زضاكي عبد الرحيم، “التحكيم الداخلي و الدولي لفض المنازعات التجارية في القانون المغربي و المقارن”، ابريل 2014
  • محسن جميل جريح، “التحكيم التجاري الدولي و التحكيم الداخلي – دراسة مقارنة”، الطبعة الاولى 2016
  • مولاي حفيظ علوي قاديري، “طرق فض المنازعات في التجارة الاكترونية”، الطبعة الاولى 2013
  • مصطفى محمد – عكاشة محمد عبد العلي، “التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية و الداخلية”، الجزء الاول، الطبعة الاولي 1998
  • أحمد ابراهيم عبد التواب، ” الاثر الايجابي و السلبي لاتفاق التحكيم”، طبعة 2013

مجلات :

  • مجلة الشؤون القانونية و القضائية، العدد الاول – فبراير 2016
  • مجلة قرارات متنوعة من محكمة النقض، طبعة 2019

مقالات:

  • علي القناص – عبد الرحيم ابو القاسم الحريزي، “اتفاق التحكيم بين الرضائية و الشكلية في ظل القانون الليبي”، مقال منشور بمجلة العلوم القانونية و الشرعية، العدد الثامن
  • علالي عبد الرحمن، “استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الاصلي”، مقال منشور بمجلة حقوق الانسان و الحريات العامة-جامعة مستغانم، العدد السادس يونيو 2018
  • نبيهة بومعزة، “الطبيعة القانونية لاتفاقية التحكيم في القانون الجزائري “، مقال منشور بمجلة التواصل في الاقتصاد و الإدارة و القانون،    عدد 35 – شتنبر 2013

 

رسائل و اطروحات:

  • بحرية وهيبة-عيساني نعيمة، “الغير في خصومة التحكيم”، مذكرة لنيل شهادة الماستر في الحقوق، نوقشت بتاريخ 22 يونيو 2016، ص8
  • بكلي نور الدين، “فعالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي في الانظمة القانونية العربية”، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في القانون الخاص، 2007/2008

اتفاقيات دولية:

  • غرفة التجارة الدولية، “منشور قواعد التحكيم و قواعد الوساطة”، فبراير 2018
  • قانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي
  • اتفاقية نيويورك 1958 بشأن تنفيذ الاحكام التحكيمية

نصوص قانونية:

  • قانون المسطرة المدنية المعدلة بالقانون 05-08
  • مشروع قانون 17-95 بمثابة مدونة التحكيم و الوساطة الاتفاقية
  • قانون المسطرة المدنية الفرنسي
  • قانون التحكيم في المواد المدنية و التجارية 1994

 

 

الفهرس

مقدمة  ……………………………………………………….. 2
المبحث الأول : الإطار التنظيمي لاتفاق التحكيم ……………………… 4
     المطلب الأول: ماهية اتفاق التحكيم…………………………….. 4
          الفقرة الأولى: تعريف اتفاق التحكيم ………………………… 4
          الفقرة الثانية: تصنيف اتفاق التحكيم بين العقود ……………….. 5
     المطلب الثاني: صور اتفاق التحكيم ……………………………. 6
          الفقرة الاولى: شرط التحكيم ………………………………. 6
          الفقرة الثانية: عقد(مشارطة) التحكيم ……………………….. 9
المبحث الثاني: اركان اتفاق التحكيم و آثاره ………………………… 11
     المطلب الأول: اركان اتفاق التحكيم ……………………………. 11
          الفقرة الأولى: الاركان الموضوعية ………………………… 11
          الفقرة الثانية: الاركان الشكلية …………………………….. 15
     المطلب الثاني: آثار اتفاق التحكيم ……………………………… 17
          الفقرة الأولى: الاثار الموضوعية ………………………….. 18
          الفقرة الثانية: الآثار الإجرائية …………………………….. 20
خاتمة ………………………………………………………… 22
قائمة المراجع …………………………………………………. 23

 

[1]  حسن المصري، “التحكيم التجاري الدولي ( دراسة مقارنة)”، 2006، ص55

[2] المادة العاشرة من قانون التحكيم في المواد المدنية و التجارية الصادر سنة 1994

[3]  نبيهة بومعزة، “الطبيعة القانونية لاتفاقية التحكيم  في القانون الجزائري “، مقال منشور بمجلة التواصل في الاقتصاد و الإدارة و القانون،    عدد 35 – شتنبر 2013، ص227

[4]  بكلي نور الدين، “فعالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي في الانظمة القانونية العربية”، أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في القانون الخاص،    2007/2008

[5]  عليوة مصطفى فتح الباب، “التحكيم كوسيلة لفض المنازعات(دراسة فقهية عملية)”، الطبعة الأولى 2013، ص81

[6]  عصام عبد الفتاح مطر، “التحكيم الإلكتروني”، طبعة 2009، ص 68

[7]  فتحي والي، “قانون التجكيم في النظرية و التطبيق”، الطبعة الأولى 2007، ص91

[8] المادة 1442من قانون المسطرة المدنية الفرنسي، و جاء النص بالللغة الفرنسية على الشكل الآتي :

“la clause compromissoire est la convention par laquelle les parties à un ou plusieurs contrats s’engagent à soumettre l’arbitrage les litiges qui pourraient naitre relativement à ce ou à ces contrats ”

[9]  مصطفى بونجة – نهال اللواح، “التعليق على قانون التحكيم”، الطبعة الاولى 2019، ص 57

[10]  غرفة التجارة الدولية، “منشور قواعد التحكيم و قواعد الوساطة”، فبراير 2018

[11]  الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من قانون التحكيم في المواد المدنية و التجارية

[12]  ” Elle peut résulter d’un échange d’écrits ou d’un document auquel il est fait référence dans la convention principale%

[13]  المادة السابعة من قانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي

[14]  قرار محكمة النقض الفرنسية 23 يناير 1991 عدد 10988/89

[15]   ملف رقم 1981/11/211 أمر رقم 309 بتاريخ 2012/01/30 منشور بمجلة الشؤون القانونية و القضائية العدد الأول 2016 ص 245

[16]  علالي عبد الرحمن، “استقلالية اتفاق التحكيم التجاري الدولي عن العقد الاصلي”، مقال منشور بمجلة حقوق الانسان و الحريات العامة-جامعة مستغانم، العدد السادس يونيو 2018، ص 379

[17]  فتحي والي، مرجع سابق، ص103

[18]  سمير جاويد، “التحكيم كآلية لفض المنازعات”، الطبعة الاولى 2014، 45

[19]  بكلي نور الدين، مرجع سابق، 55

[20]  حسني المصري، مرجع سابق، ص156

[21]  « A peine de nullité, le compromis détermine l’objet du litige »

[22]  ” … وفي هذه الحالة يجب أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم و إلا كان الاتفاق باطلا”

[23]  زضاكي عبد الرحيم، “التحكيم الداخلي و الدولي لفض المنازعات التجارية في القانون المغربي و المقارن”، ابريل 2014، ص12

[24] ARTICLE 2060 du Code Civile : « On ne peut compromettre sur les questions d’état et de capacité des personnes, sur celles relatives au divorce et à la séparation de corps ou sur les contestations intéressant les collectivités publiques et les établissements publics et plus généralement dans toutes les matières qui intéressent l’ordre public.

Toutefois, des catégories d’établissements publics à caractère industriel et commercial peuvent être autorisées par décret à compromettre. »

[25]  محسن جميل جريح، “التحكيم التجاري الدولي و التحكيم الداخلي – دراسة مقارنة”، الطبعة الاولى 2016، ص 66

[26]  حسني المصري، مرجع سابق، ص 123

[27]  مولاي حفيظ علوي قاديري، “طرق فض المنازعات في التجارة الاكترونية”، الطبعة الاولى 2013، ص 150

[28]  مولاي حفيظ علوي قاديري، مرجع سابق ، ص 153

[29]   علي القناص – عبد الرحيم ابو القاسم الحريزي، “اتفاق التحكيم بين الرضائية و الشكلية في ظل القانون الليبي”، مقال منشور بمجلة العلوم القانونية و الشرعية، العدد الثامن، ص 164

[30]  مصطفى محمد – عكاشة محمد عبد العلي، “التحكيم في العلاقات الخاصة الدولية و الداخلية”، الجزء الاول، الطبعة الاولي 1998،ص 373

[31]  المادة 1444 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي

[32]  المادة 17 من قانون التحكيم في المواد المدنية و التجارية 1994

[33]  قرار منشور بمجلة قرارات متنوعة من محكمة النقض، طبعة 2019، ص 188

[34]  فتحي والي، مرجع سابق، ص 161

[35]  بحرية وهيبة-عيساني نعيمة، “الغير في خصومة التحكيم”، مذكرة لنيل شهادة الماستر في الحقوق، نوقشت بتاريخ 22 يونيو 2016، ص8

[36]     بحرية وهيبة-عيساني نعيمة، مرجع سابق، ص 9

[37]  بحرية وهيبة-عيساني نعيمة، مرجع سابق، ص 12

[38]  فتحي والي، مرجع سابق، ص 173

[39]  أحمد ابراهيم عبد التواب، ” الاثر الايجابي و السلبي لاتفاق التحكيم”، طبعة 2013، ص 21

[40]  احمد ابراهيم عبد التواب، مرجع سابق، ص 207

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى