قرارات وزارة الداخلية زمن كورونا
عَرفت الدولة بمختلف أطيافها تطورات خطيرة أنتجت نخبة متميزة (بمفهوم المخالفة) في خرق مجموعة من القوانين والقرارات التي كانت في العهد القريب تشكل صرحا وسياجا حقوقيا يصعب الاقتراب منه أو مُحاذاته أمام الطفرة والتقدم الفريد لسياسة هذا البلد الأمين بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله والذي أبان (في ظل أزمة كورونا) عن الباع الطويل للتدابير السياسية المتخذة والتي كانت بمثابة الصدمة القوية لأعداء هذا البلد والتي ما فتئت أن تخرج عن صمتها وتكشر عن أنيابها أمام هذا الصرح السياسي و الحقوقي الذي عُرف به المغرب تاريخا ولا يزال..
إلا أنه و بين الفينة والأخرى تظهر خرجات تُكسر لذة ما حققناه زمنا في مسار حقوق الإنسان وتذوق حلاوة أن تنعم في ظل دولة الحق والقانون وإحقاق الحق لأهله.. ولعل الخرجات الاستثنائية لوزارة الداخلية تجعلنا نطرح مجموعة من الأسئلة من قبيل : لماذا نستغل بعض الاستثناءات (ظرفية حالة الحجر الصحي) لنهدم ما شيّدناه حقبة تاريخية من الزمن بعيدة المدى في لحظة ؟
مثلا قرار وزارة الداخلية بخصوص منع مواكبة الحملات التحسيسية والزجرية لرجال السلطة من قِبل رجال الإعلام والصحافيين إلا بترخيص من السلطات المصدرة لهذا القرار.. والتي تشترط فيه التوفر على البطاقة المهنية دون اعتبار لقوانين الملائمة التي قننت القطاع بشروط تعجيزية يعرفها كل من دخل دهاليز هذا الهم الإعلامي والذي صارت البطاقة المهنية شرطا للاعتراف به في خرق سافر للقانون وتعدٍ على جميع اختصاصات النيابة العامة الموكل إليها تطبيق القانون والسهر عليه.. (وكأن قانون الملائمة وما تعلق به من حيثيات قانونية صرفة كوصل الايداع و الشركة الاعلامية ولائحة أعضاء الجريدة لا يساوي شيئا في منظور وزارة الداخلية)..
فهل هذا الخرق والتدخل في الاختصاصات فرضته حالة الطوارئ؟ أم هي مرحلة تريد من خلالها اغتنام الفرصة من أجل إعادة سنوات الرصاص التي ضمد جراحها البعد السياسي والحنكة الموروثة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله ؟ أم أن هذه التجاوزات القانونية التي تكسر وتقيد حرية الصحافة وفق القوانين والقرارات المطبقة هي تنطعات شخصية لبعض المسؤولين جهلا منهم؟
أم هي قرارات اتخذت في ساعة الغضب جراء انتشار بعض المقاطع والصور لجرائد ومواقع كانت في قلب الحدث مسايرة لكل الحملات والتي باركتها الداخلية في بداية الأزمة ؟
علما أن تغطية هذه الحملات كان لها الدور الايجابي في ترميم الصرح الأمني الصادق والصريح من أجل هذا الوطن الحبيب في مفهومه الجديد للسلطة التي تعتبر المواطن هو الأساس في العملية الأمنية بمقاربات إنسانية تعاطف معا الشعب برمته.. ورفعت مكانة رجال السلطة بمختلف أطيافها من أعلى الهرم إلى أسفله رتبة لا اعتبارا بمفهوم الأسفل.. ولا أدل على ذلك معاناة أعوان السلطة (في سياق أسفل الهرم ترتيبا) في تنزيل واقعية بروتوكول خاص بالطوارئ الصحية في أسمى صور التفاني والإخلاص غير آبهين بالخطر الذي يحدق بهم ليلا و نهارا في مقابل الأجر الزهيد الذي قد لا يسد حاجته الضرورية للمطهرات لصد هذا الوباء..
وكلنا يعرف مثلا (في سياق أعلى هرم أمني) جولات الحموشي وما رافقها من تتبع وتغطية إعلامية رفعت من الحس الأمني والمقاربة الأمنية بالمفهوم الجديد في ظل جائحة كورونا والتي لقيت استحسانا من المجتمع ككل..
وغير بعيد عن المواكبة الإعلامية التي هزت صفحات العالم الأزرق لتنتقل العدوى إلى القنوات الوطنية والدولية وأطياف المجتمع المدني التي جعلت الصورة تتكلم وتعبر.. ويتعلق الأمر برئيس الدائرة الأمنية ببنمسيك (الدائرة 23) بزيه الرسمي عقب تدخلاته في المرحلة.. والتي أيضا بفضل التغطية الإعلامية المرافقة.. عرف المغاربة مفهوم الحسن الأمني المفعم بروح الوطنية في أسمى صور التعاطف والحنان الذي اعتقد الكثيرين خلوه في أسلاك الشرطة.. هذا الخطاب الشهير الممزوج بعبارات الدفع الاحترازي اللغوي الرصين والمنبعث من أعماق الإنسانية المحبة لأن تفدي نفسها مقابل سلامة المواطن المغربي.. والمصحوبة بقطرات الدمع الصادق المنهمر من عين تسهر على سلامة المواطنين.. وهذا شق إنساني غيبه كثير من رجال الأمن تحت إكراهات الواقع المرير الذي لا نفقه فيه شيء كمواطنين في منأى عن الواقع الإجرامي الذي يحيط بنا.. ولا نعرف تفاصيله لأننا آمنين مطمئنين تحت وطأة من يحاربونه في صمت دون تبجح بأداء الواجب المهني.
ولعل عبارة إحدى القائدات المدوية والراسخة في ذهن المغاربة “بقا حال فومك أوتكركر” بأسلوبٍ بسيطٍ لأهل أسفي خلدت ذكرها في التاريخ.. أن هناك رجال ونساء سلطة ينزّلون حملاتهم وفق منظور واقعي يؤسس لمفاهيم القرب ومعايشة الواقع ببساطة تكسر المفاهيم القديمة لهالة المخزن في الموروث الثقافي الشعبي لدى المغاربة قاطبة..
وهنا أقول : بغض النظر عن المنظومة المؤسِّسة لقانون الصحافة ككل من قبيل أن المجلس الوطني للصحافة هو المخول له الدفاع عن الجسم الصحفي ككل فهل انسلخ من مهامه ونسي الميثاق الذي تعهده؟ أم أنه بخرجات بعض أعضائه أصبح يشكل القاضي والجلاد في الآن نفسه وفق هذه المرحلة الاستثنائية؟
خلاصة لا يسعني إلا أن أقول: إن لكورونا الفضل الكبير ــ رغم أننا لا نطلبها ــ لأن يخرج القابعون في جحورهم ليعبروا عن مواقفهم وقراراتهم الارتجالية التي تتدخل في الاختصاصات (كل من وجهته) وتعرقل مسارات التشييد الحقوقي والسياسي المحنك لهذا البلد الأمين تحت ظل السياسة المولوية الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس المنصور بالله.
كتبه الدكتور عبدالجليل جودات
الدارالبيضار المحروسة الأربعاء 29 أبريل 2020