في الواجهةمقالات قانونية

نظرية الظروف الطارئة وأثرها على العقد الإداري جائحة كورونا فيروس كمجال للتطبيق – إبراهيم أنوض

 

نظرية الظروف الطارئة وأثرها على العقد الإداري

                       جائحة كورونا فيروس كمجال للتطبيق

إبراهيم أنوض

 

أمام طفح شهوة فيروس كورونا المستجد تناسلت العديد من الإجراءات والتدابير المتخذة من قبل الدول لمواجهة الخطر المحدق لهذا الوباء الذي بات يهدد حياة الإنسان. هذه الحزمة من التدابير تجلت بالأساس بالنسبة للدولة المغربية في إعلان حالة الطوارئ الصحية[1]، كإجراء يرمي إلى تطويق انتشار الفيروس، وذلك عن طريق إغلاق الحدود وتقييد حرية التنقل وإغلاق بعض المصانع والشركات والمقاولات التي لا يعد فتحها في ظل حالة الحجر الصحي ضروري وإلزامي لتوفير الحاجيات الضرورية للمواطنين.

كل هذه التدابير تعتبر عصب حيوي، لمنع تفشي الفيروس، ولكن ما مهما كانت شدة وصرامة هذه التدابير لتطويق البؤر المشيعة، لن تعطي النتائج المرجوة منها ما لم يساهم المواطن المغربي بدوره كل من موقعه في الحد من منع تفشي هذا الداء، بالتزامه التام و الصارم بما اتخذته السلطات المعنية لحمايته ولحماية الأخرين من فيروس قد يكون حاملا له دون علمه بذلك.

ومن رحم خطورة هذا الوباء وسرعة انتشاره، لا يعدو أن يكون ظرف طارئ يستعصي، بل إن صح التعبير مستحيل أن يتوقع المرء هذه السرعة في الانتشار وهذا التعاطي الصارم معه. فالمتتبع للإجراءات المتخذة سيلاحظ أن الإجراءات المتخذة وإن كانت تهدف بالأساس في حماية الحياة العامة، إلا أنه لا يمكن أن ينكر أن لها تأثير على عجلة الاقتصاد من كافة الجوانب وعلى السير العادي للمرافق العمومية، سميا في الجانب المتعلق بتنفيذ العقود الإدارية كما تم الاتفاق على بنودها في المقتضيات التنظيمية والتعاقدية والمبرمة قبل أن تجتاح هذه الجائحة البلاد.

ولاشك أنها، أي جائحة كورونا ستكون لها آثار واضحة على التوازن المالي للعقد الإداري. في ظل هذه الأوضاع الاستثنائية التي فرضها فيروس كورونا المستجد الذي أتى على الأخضر واليابس، مما سيفضي إلى جعل تنفيذ العقد الإداري مرهقا وعسيرا.

ولهذا فضمان سير المرفق العام بانتظام واطراد[2] يقتضي إعادة التوازن المالي للعقد، بناء على نظرية الظروف الطارئة، باعتبارها نظرية ابتدعها مجلس الدولة أثناء الحرب العامية الأولى لمواجهة اضطرابات بعض الالتزامات بسبب الزيادة  المفرطة في أسعار المواد الأولية، والعواقب المترتبة عن حالة الحرب والصعوبات المرتبطة بالإمدادات خاصة عن طريق البحر[3]. بهدف إعادة التوازن المالي للعقد الإداري بين الإدارة المتعاقد بما ينعكس إيجابا على تزويد المرفق العام بالخدمات موضوع العقد الإداري. فإلى أي حد إذن ساهمت نظرية الظروف الطارئة في إحقاق التوازن المالي للعقد الإداري بين الإدارة والمتعاقد معها في ظل الظروف الطارئة.؟

ومن أجل الإلمام الموجز بشتات هذا الموضوع ارتأينا تقسيمه تقسيما ثنائيا في فقرتين على الشكل الآتي :

المطلب الأول : مبررات وشروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة

الفقرة الأولى : مبررات تطبيق نظرية الظروف الطارئة

الفقرة الثانية : شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة

المطلب الثاني : الآثار المترتبة عن تطبيق نظرية الظروف الطارئة

الفقرة الأولى : التزام المتعاقد بالاستمرار في تنفيذ العقد

الفقرة الثانية : التزام الإدارة بتعويض المتعاقد

 

المطلب الأول : مبررات وشروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة

إذا كانت الغاية من إبرام العقد الإداري أساسا يكمن في كفالة حسن سير المرافق العامة وأداء الأعمال والخدمات وإنجازها تحقيقا للمصلحة العامة، فإن تلك الغاية قد تصطدم بظروف طارئة يصعب معها تنفيذ ذلك العقد بالشكل المحدد أثناء التعاقد، مما سنعكس بالسلب على ضمان السير العادي للمرفق العام.

ولتفادي ذلك طبقت نظرية الظروف الطارئة التي لها مبررات تطبيقها (الفقرة الأولى)  وشروط المتطلبة توفرها لتطبيقها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : مبررات تطبيق نظرية الظروف الطارئة

إن الشخص المتعاقد مع الإدارة يلقى على عاتقه الالتزام بالاستمرار في أداء الخدمة موضوع العقد، فإذا كان يدير مرفق عمومي يتعين عليه الاستمرار في أداء النشاط المرفقي مهما كانت الصعوبات التي تعترضه، نفس الأمر ينسحب على الصفقات العمومية[4]، حيث يتعين الاستمرار في تنفيذ بنودها.

إلا أن هذه القاعدة لا تؤخد على إطلاقها في كافة الظروف كما هو الحال بالنسبة لحالة فيروس كورونا، حيث أنه يعتبر ظرف طارئ غير متوقع حين إبرام العقد، وخارج عن إرادة طرفي العقد، مما يجعل تنفيذ العقد معسرا، وبالتالي لا يعقل أن يترك المتعاقد الذي صادف صعوبات لم يكن في الإمكان توقعها على الرغم من اتخاذه الحيطة الواجبة ضحية لظروف لا يد له في إحداثها. وهل يصرف النظر عن احتياجات المرفق العام الذي ما أبرم العقد إلا لإشباع ما تقتضيه المصلحة العامة من حاجات.

كل هذه المعطيات تعتبر مبررات تجعل تطبيق نظرية الظروف الطارئة معطى أساسي وجوهري لضمان تزويد المرفق العام باحتياجاته سواء من حيث الديمومة في  تأدية نشاطه أو بتنفيذ بنود الصفقة العمومية.

الفقرة الثانية : شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة

إن تطبيق نظرية الظروف الطارئة يتطلب توفر شروط عدة مجتمعة لا متفرقة، وإذا ما توافرت كلها فإنه حينئذ ترتب آثارها بالنسبة للمتعاقد مع الإدارة ومن هذه الشروط

  • أن يكون الظرف طارئا غير متوقعا حين التعاقد: بمعنى أنه يجب أن يكون خارجا عن إرادة الأطراف، وهكذا لا يجب أن يكون للإدارة يد في حدوث الظرف الطارئ وإلا سنكون أمام نظرية فعل الأمير، إذن يجب أن يكون ناتجا مثلا عن حرب أو كارثة طبيعية كالزلازل أو أزمة اقتصادية كبرى[5]… وجائحة كورنا كظرف استثنائي نتعقد أنه جمع بين الأمرين، باعتبار أنه من الحوادث الطبيعية وفي نفس الوقت فرض ظروف اقتصادية صعبة قد يصعب معه تنفيذ العقد كما متفق عليه.

كما أن الظرف الطارئ يقتضي أن يتوفر على عنصر المباغتة أو المفاجأة وأن لا تسبقه بوادر أو دلائل تشير إلى قرب احتمال حدوثه[6]. ولعل أن فيروس كورونا ينطبق عليه هذا الأمر تماما المطابقة، ذلك أن مفاجئ ومن الحوادث التي تجاوزت كل الاحتمالات التي اعتاد الناس على توقعها.

  • أن يجعل الظرف الطارئ تنفيذ العقد عسيرا أو مرهقا : مفاد ذلك أن يكون تنفيذ العقد ليس مستحيلا بقدر ما يكون مستعصيا وصعبا بشكل يسهم في تعطيل نشاط المرفق وتوقفه وانهيار اقتصادياته[7]. ونفس الأمر يسري على تنفيذ بنود الصفقة العمومية . وبناء على ذلك لا ينبغي أن يدفع الظرف الطارئ المتعاقد إلى توقيف تقديم خدمات موضوع العقد بل يتعين عليه الاستمرار في تنفيذ التزاماته التعاقدية.
  • أن يكون الظرف الطارئ مؤقتا وعرضيا : بمعنى أنه لا يجب أن تتوفر فيه خاصية الديمومة والاستمرارية، أما إذا كان له أثر دائم فيجب أن يعدل العقد الإداري تعديلا يجعله مسايرا للظروف الذي فرضها الظرف الطارئ[8].

المطلب الثاني : الآثار المترتبة عن تطبيق نظرية الظروف الطارئة

إن نظرية الظروف الطارئة يتولد عنها التزامات متبادلة بين طرفي التعاقد، تتمثل في إلزام المتعاقد مع الإدارة بالاستمرار في تنفيذ العقد (الفقرة الأولى) مع إلزام الإدارة المتعاقدة في تحمل جزء من خسارته خلال فترة وجود الظرف الطارئ (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : التزام المتعاقد بالاستمرار في تنفيذ العقد

إذا كان الظرف الطارئ من شأنه أن يؤدي إلى اختلال التوازن الكامل للعقد، فإنه لا يعفي المتعاقد من التزامه بالأداء بقدر ما يمنحه الحق في الحصول على التعويض المالي[9]. وبعبارة أخرى فتوافر شروط نظرية الظروف الطارئة لا يعطي للمتعاقد مع الإدارة مبررا للتحلل والتنصل من التزاماته التعاقدية لما في ذلك من تعارض مع غاية وهدف النظرية. ومهما كان الالتزام مرهقا للمتعاقد فإنه في نفس الوقت ممكن، فهو لا يصل إلى درجة الاستحالة كما هو الحال في القوة القاهرة.

وإذا ما امتنع المتعاقد عن تنفيذ الالتزام وذلك في حالة توفر جميع شروط الظروف الطارئة، فإن ذلك يعد خطأ عقديا يعطي للإدارة الحق في توقيع الجزاء المناسب عليه فلها أن تفسخ العقد أو توقع عليه غرامات تأخير عن الفترة التي توقف فيها عن تنفيذ الالتزام.

 

 

الفقرة الثانية : التزام الإدارة بتعويض المتعاقد

إن التزام المتعاقد مع الإدارة بالاستمرار في تنفيذ العقد في ظل قيام الظرف الطارئ يقابله التزام من الإدارة المتعاقدة معه بتحمل جزء من الخسارة التي ألحقها به هذا الظرف الطارئ، وذلك بهدف مساعدته للاستمرار في تأدية الخدمة موضع العقد.

والتعويض الذي يستحقه المتعاقد هو تعويض جزئي عن الخسارة الحاصلة وليس تعويضا كاملا. باعتبار أن هذه النظرية تهدف إلى مشاركة الإدارة في الخسارة الناتجة عن هذه الظروف وتوزيعها بينهما عن طريق تقديم عونا مؤقتا يقيل عثرة المتعاقد ويعينه على أداء التزاماته التعاقدية.

ولقد قام مجلس الدولة الفرنسي بالأخذ بهذا الحل في قضية شركة غاز بوردو Bordeaux  بتاريخ 30 مارس 1916، ومن حيثيات هذه القضية أن هذه الشركة  تدير مرفقا عاما لتوزيع الغاز والكهرباء في المدينة والتزمت ببيع الغاز للأفراد بثمن معين، إلا أن اندلاع الحرب العالمية الأولى ، أفضى إلى ارتفاع أسعار المواد عموما بما في ذلك أسار الفحم الحجري كمادة خام لتجهيز الغاز، مما دفع بالشركة لتطلب من بلدية بوردو منح ترخيص لها برفع سعر الغاز، ولكن البلدية امتنعت  عن منحها بذريعة أن العقد ملزم لطرفيه مستندة في ذلك على قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.

وبعد تلقي الشركة لقرار الرفض بلدية بوردو لجأت إلى مجلس الدولة الفرنسي بعدما، الذي قدم حلا يتجلى في الحكم للشركة بالتعويض، باعتبار أن تجهيز الغاز للسكان هو مرفق عام يتطلب الاستمرارية في أداء الخدمة، أضف على ذلك أن ارتفاع أسعار الفحم ستؤثر على التوازن المالي للعقد، مما سيخل بتنفيذ العقد، لكل ذلك حكم للشركة بالتعويض مراعاة للمصلحة العامة التي تقتضي معاونة الشركة للتغلب على تلك العثرة الناجمة عن ارتفاع أسعار الفحم.[10]

والأساس في التعويض في هذا الإطار ليس خطأ بلدية بوردو، لأنها لم ترتكب أي خطأ، إنما الأساس هو ضمان تحقيق المصلحة العامة ولاعتبارات قواعد العدل والإنصاف.

 

صفوة القول أن نظرية الظروف الطارئة ساهمت في حماية الطرف الضعيف في العقد الإداري والذي وضعته الظروف لا دخل له فيها في مأزق حرج نتج عنه اضطراب التوازن المالي للعقد. ولا شك أن ما نعيشه اليوم من ظروف استثنائية وصعبة في ظل تفشي هذا الوباء وما تمخض عنه من تداعيات انعكست بالسلب على أشخاص القانون الخاص المرتبطين بعقود إدارية مع الإدارة، سيجعل من هذه النظرية من وجهة نظر متواضعة تحتمل الخطأ والصواب الأساس الذي سيبني عليه القضاء الإداري المغربي مبدأ الحكم بالتعويض للمتعاقد مع الإدارة إذا ما جعلت حالة الطوارئ الصحية من تنفيذ العقد الإداري المبرم مع أشخاص القانون العام أمر مرهقا وعسيرا.

والتمس العذر والعذر بعد الاجتهاد مقبول.

 

 

 

 

 

 

[1]– أعلنت السلطات العمومية ببلاغ لوزارة الداخلية عن فرض حالة الطوارئ الصحية بالمغرب ابتداء من 20 مارس 2020 إلى إشعار أخر. ثم صدر بالعدد 6867 مكرر من الجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020 مرسوم بقانون رقم 2.20.292 صادر في 28 من رجب 1441 الموافق لـ 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها. وتم بناء عليه الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفسي فيروس كورونا- كوفيد 19 إلى غاية 20 أبريل 2020 بموجب مرسوم رقم 2.20.293 صادر في 29 من رجب 1441 الموافق لـ 24 مارس 2020. وتم تمديد هذا الأجل بمرسوم إلى غاية 20 ماي 2020 بموجب المرسوم رقم 2.20.330 الصادر في 24 من شعبان 1441 الموافق لـ 18 أبريل 2020. صدر بالعدد 6874 مكرر من الجريدة الرسمية بتاريخ 19 أبريل 2020.

[2]– يذكر أن دستور 2011 كرس هذا مبدأ استمرارية المرافق العامة في الفصل من 154 منه.

[3] – Michel rousset et olivier rousset, droit administratif – l’action administrative, deuxième édition, p 194.

[4]– إن الصفقة العمومية عقد إداري. وللتفصيل في  معايير تحديد العقود الإدارية يمكن مراجعة عبد العالي ماكوري، أشكال النشاط الإداري ووسائله القانونية، باقي البيانات غير متوفرة، ص 154.

[5] – Pierre – laurent frier jacques petit, droit administratiif, édition 12 2018-2019, p 574.

[6]– إبراهيم كومغار، المرافق العامة على نهج التحديث، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2009، ص 73.

[7]– نفس المرجع، ص 74.

[8]– نفس المرجع، ص 74.

[9] – Michel rousset et olivier rousset, droit administratif – l’action administrative, op.cit,p 194.

[10] – Leticia chaves fretas barbosa, la théorie de l’imprévision dans les contrats de concession de service public, une approche comparée entre la France et le brésil, mémoire de droit public approfondi ,université paris 2 pantheon- assas, 2018, p 32.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى