في الواجهةمقالات قانونية

أية حماية للعمّال المنزليين في ظل جائحة كورونا

 

“أية حماية للعمّال المنزليين في ظل جائحة كورونا”

بقلم الدّكتورة أمينة رضوان

باحثة في العلوم القانونية

العمّال المنزليون هم الأشخاص الذين يعملون داخل الأسر، ويقومون بمجموعة متنوعة من الخدمات المنزلية للفرد أو الأسرة من توفير الرعاية للأطفال والكبار المسنين إلى القيام بأمور المنزل، بما في ذلك التنظيف وحماية المنزل، وقد تشمل مسؤولیات أخرى  مثل الطھي و الغسیل و الکيّ والتسوق لشراء الطعام والمھام المنزلیة الأخرى، هذا العمل كان دائما بحاجة إلى من يقوم به ولكن قبل الثورة الصناعية وظهور أجهزة الخدمة المنزلية مثل الغسالات ومواقد الغاز كان هذا العمل صعبًا جسديا.

وكان قانون المملكة المتحدة للسادة والخدم لعام 1823 هو الأول من نوعه وأدى إلى إنشاء قوانين الخدمة المنزلية في دول أخرى، على الرغم من أن التشريعات تميل إلى تفضيل أصحاب العمل. ومع ذلك، قبل أن توضع هذه القوانين التي تمثل هؤلاء العمال لم تكن هناك أية حماية في القانون. والميزة الحقيقية الوحيدة التي توفرها الخدمة المنزلية للعاملين فيها هي توفير الوجبات والسكن وأحيانا الملابس، بالإضافة إلى أجر متواضع.

وقد وافق مجلس إدارة منظمة العمل الدولية في دورته 301  المنعقدة في مارس 2008 على وضع بند بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين في جدول أعمال الدورة التاسعة والتسعين لمؤتمر العمل الدولي (2010) بهدف وضع  معايير العمل.  وقد تفاوتت الظروف التي يواجهها العمال المنزليون تفاوتا كبيرا عبر التاريخ وفي العالم المعاصر. وفي سياق تحركات القرن العشرين من أجل حقوق العمل وحقوق المرأة وحقوق المهاجرين، ظهرت الظروف التي يواجهها العمال المنزليون والمشاكل الخاصة بطبقة العمال. وفي عام 2011، اعتمدت منظمة العمل الدولية الاتفاقية المتعلقة بالعمل اللائق للعمال المنزليين.

وفي يوليوز 2011،  في مؤتمر العمل الدولي السنوي، الذي عقدته منظمة العمل الدولية، اعتمد المندوبون اتفاقية العمالة المنزلية بأغلبية 396 صوتا مقابل 16 صوتا وامتناع 63 عضوا عن التصويت. واعترفت الاتفاقية بأن العمال المنزليين هم عاملون لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها العمال الآخرون. وفي 26 أبريل 2012، كانت الأوروجواي أول بلد يصدق على الاتفاقية  (1)

و المغرب سعيا منه إلى مواكبة المنظومة التشريعية الدولية أصدر الظهير الشريف رقم 1.16.121 الصادر في 06 ذي القعدة 1437 الموافق ل 10 أغسطس 2016 بتنفيذ القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين. (2)

ومن خلال هذه الدراسة نسعى إلى مقاربة أوضاع العمال المنزليين في ظل جائحة كورونا كوفيد 19. من خلال التعرض بداية إلى تحديد  المقصود منهم و بيان الأعمال المرتبطة بهم ، ثم بعد ذلك البحث عن أوجه الحماية المقررة لهم في ظل التشريع الخاص بهم، و هل مقتضيات هذا القانون توفّر لهم إطارا حمائيا من الأوبئة  التي تجتاح البشرية كوباء كورونا مثلا. و ذلك من خلال مطلبين كالآتي:

المطلب الأول: تحديد المقصود بالعمّال المنزليين و بيان الأعمال المرتبطة بهم

المطلب الثاني: ضمانات حماية العمّال المنزليين في ظل جائحة كورونا

المطلب الأول

تحديد المقصود بالعمال المنزليين و بيان الأعمال المرتبطة بهم

حدّد المشرع المغربي في المادة الرابعة من مدونة الشغل مجموعة من الفئات المستثناة من تطبيق مقتضيات قانون الشغل، و منهم العمال المنزليون ، حيث  أشار في الفقرة الأولى من المادة أعلاه إلى أنه “يحدد قانون خاص شروط التشغيل و الشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت”

فما المقصود بالعمّال المنزليين (فقرة أولى) و ما هي طبيعة الأعمال المرتبطة بهم (فقرة ثانية)

الفقرة الأولى: تحديد المقصود بالعمال المنزليين

أشارت مدونة الشغل (3) إلى أن الأشخاص الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب المنزل هم خدم المنازل، مشيرة إلى أن قانون خاص سيحدد شروط التشغيل والشغل المرتبط بهم، ومنذ ذلك الوقت صدر فقط مشروع قانون (4) متعلق بهم يحمل رقم 12-19 والمتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاصة بالعمال المنزليين، والذي صادق عليه مجلس الحكومة المغربي برئاسة رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران. هذا المشروع الذي عمل على استبدال تسميتهم إلى العمال المنزليين (5) تكريسا لمفهوم العمل اللائق، وهو مكون من ستة عشر مادة موزعة بين خمسة أبواب.

في هذه المرحلة عمل المشرع المغربي على استثناء العمال المنزليين من تشريع الشغل دون أن يضفي عليهم تعريفا معينا، بخلاف ما صارت عليه عدد من التشريعات المقارنة، كالتشريع الفرنسي الذي عرفهم في المادة L772.1 من مدونة الشغل بأنهم: «كل الأجراء المشغلين عند الخواص في أعمال منزلية»، أو التشريع الإيطالي بمقتضى القانون رقم 339 المؤرخ في 02 أبريل 1958 الذي «يحدد مجال العمل المنزلي بالنسبة للأشخاص الذين يمارسون أعمالا لحساب مشغل واحد، وعلى الأقل أربع ساعات في اليوم»، أو التشريع التونسي من خلال الفصل الأول من القانون رقم 25 المؤرخ في فاتح يوليوز 1965 المتعلق بعملة المنازل، الذي عرف العامل المنزلي بأنه: «كل أجير مرتبط بخدمة المنزل كيفما كانت طريقة أداء أجرته ودوريتها، ومستخدم في الأعمال المنزلية بصفة عادية من طرف مستأجر أو عدة مستأجرين».

وعلى غرار تشريعنا المغربي استثنى التشريع المصري بمقتضى المادة الثالثة من قانون العمل المصري هذه الفئة من الأجراء من الخضوع لقانون الشغل(6) وينبغي التمييز في هذا المقام بين خدم البيوت المتحدث عنهم سالفا وعمال المنازل الذين يخضعون لمراقبة مفتشي الشغل (7)  ، و الذين يقومون بعمل مأجور داخل منازلهم لصالح المشغل في مؤسسة خاصة دون البحث عن كونهم يشتغلون مباشرة واعتياديا تحت إشراف مشغلهم. ولا عن كون المحل الذي يعملون فيه والمعدات التي يستعملونها ملكا لهم، وهم يشتغلون إما فرادى وإما بمعية مساعد وأحد أزواجهم وأبنائهم غير المأجورين (8)

وخلال هذه المرحلة لم تطبق المحاكم بمناسبة عرض نزاع يتعلق بالعمال المنزليين مقتضيات مدونة الشغل، بل كانت تطبق حرفية نص المادة الرابعة من هذه المدونة المذكورة وعملت بالتالي على تكريس(9) إقصاء هذه الفئة من الخضوع لأحكامها. و ظهر لنا ذلك من خلال حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء(10) «إن الخادمة المنزلية تعمل في منزل وليس في مؤسسة تجارية أو صناعية أو مهنة حرة، ومن تم فطبيعة البيت أو حرمة المنزل تتنافى مع بعض قانون العمل، التي تقتضي زيارة مفتش الشغل، لمراقبة كيفية وطرق تنفيذ العمل، كما جرى به العمل في مؤسسات أخرى» و على هذا سارت محاكم الاستئناف  و نسوق في ذلك قرار لمحكمة الاستئناف بالقنيطرة (11) أن: «خدم البيوت ولو في ظل مدونة الشغل لازالوا غير خاضعين لقانون الشغل بما في ذلك القوانين المنظمة للحد الأدنى للأجور، وكذا النظام النموذجي المؤرخ في 23/10/1948، وبذلك فإن كل اتفاق كان كتابيا أو شفويا يبقى هو القانون المنظم للعلاقة بين المدعي والمدعى عليه. ويكون كل أجر متفق عليه هو الملزم لهما، ولا يمكن إلزام المدعى عليه باحترام الحد الأدنى للأجر، ولا يمكن إلزامه بعدم التطبيق في استعمال فسخ عقد الشغل وتبرير الطرد…» (12) وهذا الموقف زكته محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) في مجموعة من قرارتها  التي استبعدت من خلالها العمال المنزليين و العاملات المنزليات من الاستفادة من أحكام مدونة الشغل. وفي هذا الصدد ورد في قرار(13)  لها جاء فيه: «حيث تعيب الطاعنة على الحكم عدم ارتكازه على أساس ونقصان التعليل، ذلك أن الطاعنة تقدمت بمقال اجتماعي أمام رئيس المحكمة الاجتماعية وهو يبت في قضايا نزاعات الشغل. وأرفقت مقالها بمحضر مفتش الشغل المؤرخ في …. المتضمن لما تستحقه العارضة من حقوق بصفتها خادمة منزل وأنها اعتمدت في مقالها على مقتضيات قانونية كأجيرة تؤدي خدماتها لفائدة مخدومتها في مقابل أجر طبق الفصول 723 وما بعده من قانون العقود والالتزامات. والقرار المطعون فيه لم يشر إلى تقرير مفتش الشغل ولم يعلل كون الطاعنة لم يشملها قانون الشغل… لكن حيث إن خادمات المنازل لسن بعاملات ورش طبق ما ينص عليه الفصل الأول من النظام النموذجي المؤرخ في 23 أكتوبر 1948 حتى يصح إدراجهن ضمن مقتضيات الفصل 754 المحتج به وأن مفهوم عقد الإيجار المنصوص عليه في الفصل 723 المشار إليه يقضي أن يكون مؤجر الخدمة مختصا أوتقنيا أو يثقن عملا ما الشيء الذي لم تتوفر عليه المستخدمات في أشغال المنازل، كما أن مقتضيات الفصل 1248 تطبق على العاملين لدى المؤسسات التجارية، مما تكون معه الوسيلة على غير أساس». وجاء في قرار(14) آخر لها: «إن وضعية المستأنفة كخادمة بمنزل المستأنف عليها لا تجعلها تستفيد من المقتضيات الواردة في قانون الالتزامات والعقود المتعلقة بالالتزامات التعاقدية الناتجة عن عقد الشغل، وكذا الحقوق التي يخولها قانون الشغل لمختلف الأجراء… وأنها باعتبار نوعية عملها ليست لها صفة المطالبة بالتعويضات» .

وبعد ذلك صدر ظهير شريف رقم 1.16.121 الصادر في 06 ذي القعدة 1437 الموافق ل 10 أغسطس 2016 بتنفيذ القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين. الذي حدد في المادة الأولى منه المراد بالعامل المنزلي كالاتي ”  العاملة أو العامل المنزلي: العاملة أو العامل الذي يقوم، بصفة دائمة و اعتيادية، مقابل اجر، بإنجاز اشغال مرتبطة بالبيت أو بالأسرة كما هي محددة في المادة 2 من هذا القانون، سواء عند مشغل واحد أو اكثر. لا تعتبر عاملة  أو عاملا منزليا العاملة أو العامل الذي يتم وضعه رهن إشارة المشغل من قبل مقاولة التشغيل المؤقت، و البوابون في البنايات المعدة للسكنى الخاضعون لأحكام الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.76.258 الصادر في 24 من شوال 1397 (8 أكتوبر 1977)، و كذا العمال الذين ينجزون أشغالا لفائدة المشغل بصفة مؤقتة. كما لا تعتبر عاملة أو عاملا منزليا حارس البيت المرتبط بعقد شغل مع إحدى شركات الحراسة الخاضع نشاطها لمقتضيات القانون رقم 1.07.155 بتاريخ 19 من ذي القعدة 1428 ( 30 نوفمبر 2007)….”

وحسنا من المشرع  المغربي حين تدخّل لتحديد المقصود بالعمال المنزليين، رفعا لكل لبس قد يقع بينهم و بين بعض المهن المشابهة، كما أن المشرع غيّر لفظة “خدم البيوت” بلفظة “العاملات أو العمال المنزليين” ولفظة “صاحب البيت “بلفظ ” المشغل” (15) ، و هي تسمية تحافظ على كرامتهم و تحفظ إنسانيتهم باعتبارها أرقى من سابقتها في التوصيف.

الفقرة الثانية : طبيعة الأعمال المرتبطة بالعمال المنزليين

لا يكفي تحديد المقصود بالعمال المنزليين حتّى يطبق عليهم الظهير الخاص بهم و يستفيدون من أحكامه بل لا بد من تحديد أيضا الأعمال المرتبطة بهم.

وتشمل الأشغال المرتبطة بالبيت أو بالأسرة على وجه الخصوص الأعمال التالية:

  • الاعتناء بشؤون البيت،
  • الاعتناء بالأطفال،
  • الاعتناء بفرد من أفراد البيت بسبب سنه أو عجزه، أو مرضه، أو كونه من الاشخاص في وضعية إعاقة،
  • السياقة،
  • أعمال البستنة،
  • حراسة البيت (16)

والملاحظ أن المشرع المغربي من خلال المادة أعلاه لم يحصر الأشغال المرتبطة بالعمال المنزليين فيما ورد أعلاه  فحسب،  و إنما حددها  على وجه الخصوص فقط ، مما يعني أنه يمكن إضافة أشغال أخرى من صميم العمل المنزلي.

ويبقى العمل المنزلي هو العمل المنجز لدى أسرة أو عدة أسر (17) .

والعمل المنزلي الذي  يعتد به حتى يستفيد العامل أو العاملة المنزلية من التعويضات المحددة في إطار الظهير الخاص بهم، هو ” العمل الأصلي” لا العمل العرضي. و في هذا ذهبت محكمة النقض في قرار حديث لها أن العمل الأصلي للأجير هو المعتبر في تطبيق مدونة الشغل، في حين أن العمل العارض لايعتد به، وعليه فإن الأجيرة التي قامت عرضا بالخدمة المنزلية في بيت مدير المقاولة لا تعتبر من خادمات المنازل، وإنما تحتفظ بصفتها كأجيرة لدى المقاولة، باعتبار أن عقد شغلها يفرض عليها القيام بعملها كمنظفة داخل أو خارج المقاولة، جاء في القرار(18) : «حيث تبين صحة ما عابته الطاعنة على القرار، ذلك أنه من الثابت من عقد الشغل وشهادة العمل وأوراق أداء الأجور المدلى بها أن الطالبة كانت تعمل لدى المطلوبة منظفة داخل الشركة، وأن قيامها بأشغال المنزل داخل منزل المدير لا ينفي عنها صفة مستخدمة لدى الشركة المطلوبة ما دام عملها الأصلي يكون داخل الشركة، خاصة وأن العقد الرابط بين الطرفين يفرض عليها القيام بعملها داخل أو خارج الشركة، إلا أن المحكمة المطعون في قرارها اعتبرت عملها يدخل في إطار عمل خدم المنازل، واستثنتها من تطبيق مدونة الشغل، مما تكون معه قد بنت قرارها على تعليل فاسد وعرضت قرارها للنقض. وأن حسن سير العدالة يقتضي إحالة القضية على نفس المحكمة».

بعدما حدّدنا المقصود بالعمال المنزليين و الأشغال المرتبطة بهم، يحق لنا أن نتساءل عن ضمانات حماية العمّال المنزليين في ظل جائحة كورونا. ذلك ما سنعالجه في المطلب الموالي.

المطلب الثاني

ضمانات حماية العمّال المنزليين في ظل جائحة كورونا

لقد تم إعداد القانون المتعلق بالعمال المنزليين في ضوء تطور القانون الدولي للشغل، الذي يتجسد في مصادقة منظمة العمل الدولية خلال دورتها المائة على اتفاقية وتوصية دوليتين للشغل حول «العمل اللائق للعمال المنزليين» .

ويندرج وضع هذا القانون في إطار توفير الحماية القانونية للعمال المنزليين، وتحسين ظروف عملهم، وصون كرامتهم، وذرء أي استغلال قد يطالهم، تكريسا للحقوق التي تضمنتها الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، كالاتفاقية الأممية لسنة 1989 حول حماية حقوق الطفل، واتفاقية العمل الدولية رقم 138 حول السن الدنيا للقبول في العمل، والاتفاقية رقم 182 حول محاربة أسوأ أشكال عمل الأطفال. وغيرها من الاتفاقيات التي تروم كلها ضمان حماية للعمال المنزليين، سواء أكانوا قاصرين أو راشدين.

ويأتي هذا القانون استجابة كذلك لتأهيل التشريع المغربي للاندماج مع مقتضيات الدستور الجديد، وملاءمته مع مضامين الاتفاقية والتوصية الدوليتين السالفتي الذكر والمتعلقتين بالعمل اللائق للعمال المنزليين.

ولأهمية هذا القانون فقد أصدر السيد رئيس النيابة العامة دورية وجهها إلى الوكلاء العامون ووكلاء الملك يطالب فيها بحماية العاملات و العمال المنزليين و بعقدهم اجتماعات لدراسة فحوى القانون و مستجداته، من أجل توحيد العمل به و تفعيل مكتسبات هذه الفئة من العمال، و إلى اعتماد مبــدأ التخصص و ذلك بتعيين نائب واحد أو اكثر لتلقي استقبال الشكايات المتعلقة بالعامل المنزلي و تحرير محاضر بشأن المخالفات و الجنح  المرتكبة من طرف المشغلين من طرف مفتشي الشغل، كما طالب بفتح قنوات التواصل مع الجهات المعنية بتطبيق هذا القانون خاصة مفتشيات الشغل من أجل تجاوز كل العراقيل التي قد تعترض التنفيذ السليم للمقتضيات الزجرية لهذا القانون و العمل على خلق سجلات خاصة بالمخالفات و الجنح و تحديد العراقيل التي قد تعترض التفعيل و موافاة النيابة العامة بدوريات حول عدد القضايا المسجلة و المحكومة في إطار كل ثلاثة أشهر(19)

ومع تفشي فيروس كورنا القاتل و ما خلّفه من خوف و هلع في مختلف المجتمعات لخطورته القصوى، ونظرا لاشتغال العمال المنزليين في أعمال من صميم العمل المنزلي و صعوبة استمرارهم في عملهم فضّلت أغلب الأسر تسريحهم في ظل ما استوجبته حالة الطوارئ الصحية.

و فصل المشغل  العامل أو العاملة المنزلية من عملها بدون مبرر يترتب عنه التعويض عن الفصل إذا قضى ما لا يقل عن سنة متواصلة من الشغل الفعلي لدى نفس المشغل و يعادل مبلغ التعويض، عن كل سنة، أو جزء من السنة من الشغل الفعلي، مايلي:

  • 96 ساعة من الأجر، فيما يخص فترة الشغل الفعلي المقضية خلال الخمس سنوات الاولى،
  • 144 ساعة من الأجر، فيما يخص فترة الشغل الفعلي المقضية خلال السنة السادسة إلى السنة العاشرة،
  • 192 ساعة من الأجر، فيما يخص فترة الشغل الفعلي المقضية خلال السنة الحادية عشر إلى السنة الخامسة عشرة،
  • 240 ساعة من الأجر، فيما يخص فترة الشغل الفعلي المقضية بعد السنة الخامسة (20)

ويبدو من خلال الظهير المنظم لتشغيل العمال المنزليين انه حصر التعويضات المخولة  لهم في التعويض عن الفصل دون غيره من التعويضات الأخرى.

لكن في ظل جائحة كورونا إذا فضّل رب الأسرة تسريحهم لهذا السبب، هل يعتبر فصلهم مبررا لا يستحقون عليه التعويض عن الفصل بسبب وباء كورونا، أم يعتبر فصلا تعسفيا يستحقون عنه التعويض عن الفصل ؟

بخلاف القانون رقم 99_65 بمثابة مدونة الشغل الذي  أدرج المشرع  من خلاله في نص الفقرة الثانية من المادة 33 منه أن “القوة القاهرة”  تنهي عقد الشغل بدون أي تعويض للطرف الآخر ، و طبعا سالت أقلام عدة باحثين بين ما إذا كان عقد الشغل تنطبق عليه شروط القوة القاهرة أم الظروف الطارئة المبررة للفصل بسبب وباء كورونا، فإن القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين  لم نجد فيه أي نص أو مادة مشابهة يتم من خلالها تحديد  حالات إنهاء عقد شغل العمال المنزليين، مما نسجل معه فراغا تشريعيا في هذا الشق ، و من هنا نذهب أن فصل عامل منزلي بسبب وباء كورونا يشكل فصلا تعسفيا يخوّل عنه التعويض عن الفصل من العمل من جانب المشغل. لكن إذا رجعنا إلى الفقرة  الرابعة من المادة السادسة من القانون أعلاه فإن المشرع بموجبها “يمنع تشغيل العاملات أو العمال المنزليين المشار إليهم في الفقرة السابقة ليلا، كما يمنع تشغيلهم في الأماكن المرتفعة غير الآمنة، و في حمل الأجسام الثقيلة، و استعمال التجهيزات و الأدوات و المواد الخطرة، و في كل الأشغال التي تشكل خطرا بيّنا يضر بصحتهم أو بسلامتهم أو بسلوكهم الأخلاقي أو قد يترتب عنه ما قد يخل بالآداب العامة” و بطبيعة الحال فإن فيروس كورونا يشكّل خطرا بيّنا على صحة و سلامة العامل أو العاملة المنزلية، يخوّل للعامل أو العاملة المنزلية مغادرة العمل أو التوقف عنه إلى حين زوال الجائحة تفاديا لإصابته بفيروس كورونا حفاظا على  سلامته الجسدية خاصة أن العاملة المنزلية ترتبط  بأفراد الأسرة في أعمال متصلة بالعمل المنزلي من قبل التنظيف و غيره من الأعمال ، مما يجعلها أكثر من غيرها معرضة للعدوى، و لعلّ ما يعضد هذا القول مقتضيات الفقرة الثالثة من التشريع الخاص بهم  التي مكّنت المشغل بأن يطلب من العاملة أو العامل المنزلي قبل تشغيله بأن يدلي له بشهادة طبية تثبت سلامته الصحية ، كما أوجبت الفقرة الرابعة  من  نفس التشريع على العاملة أو العامل المنزلي أن يصرح لدى مشغله بأي مرض مصاب به و لا سيما إذا كان مرضا مزمنا، وأيضا ألزمت الفقرة الخامسة من نفس التشريع  التي ألزمت المشغل أن يخبر العاملة أو العامل المنزلي بأي مرض معد يعاني منه أو يعاني منه أي فرد من أفراد أسرته، و هذا “الإخبار” إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن المشرع يهتم بصحة و سلامة العامل المنزلي.

وعلى العموم، فإنه رعيا لهذا الظرف فقد أحدثت لجنة اليقظة الاقتصادية التي عملت على الاهتمام بالجانب الاجتماعي ، وبالفعل عمل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على منح تعويضات للأجراء المتوقفون عن العمل أو المفصولون منه وذلك بمنحهم  تعويضات شرط أن يكونوا مصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو مستفيدين من بطاقة المساعدة الطبية “راميد”.

لكنّ الإشكال يبقى بالنسبة للعمال الأجانب ( 21) المتواجدون بالمغرب والمتشكلون أغلبيتهم من دول آسيا و افريقيا ، حيث إن أغلب مشغليهم لم يصرّحوا بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و هذا يشكل خرقا لقانون الشغل،  كما أنهم لا يستفيدون من بطاقة المساعدة القضائية “راميد”، و بذلك فإنهم لن يستفيدوا من المنح التي يمنحها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و غالبا ما يكونون ملتزمون بالتزامات من قبل الكراء و الغذاء و غيره.

هذا بالنسبة إذا ما فضّل أرباب الأسر تسريح العمال المنزليين، أما إذا فضّلوا استمرارهم في عملهم، فإن المشرع ألزم على المشغل أن يتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية العاملات و العمال المنزليين و صحتهم و كرامتهم عند قيامهم بالأشغال التي ينجزونها تحت إمرته، و يزداد حجم تصعيد هاته التدابير الحمائية  زمن الأوبئة ، حيث يجب أن تضاعف من أجل الحيلولة دون إصابة العامل أو العاملة  المنزلية من هذا الفيروس.

وإذا فضّل المشغل استمرار العامل المنزلي في عمله  فإنه لا يجب أن ينطلق من قرار فردي بل يؤخذ فيه برأي العامل كذلك ، خاصة في وقت  الكوارث والأوبئة الخطيرة كوباء كورونا مثلا، ومن أجل هذا  فإن المشرع بموجب المادة السابعة من القانون المتعلق بتحديد شروط الشغل و التشغيل المتعلقة بالعاملات و العمال المنزليين منع تسخير العاملة أو العامل المنزلي لأداء الشغل قهرا أو جبرا. لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: كيف تستفيد العاملة أو العامل المنزلي من حقوقهم خاصة تلك المرتبطة بالراحة الأسبوعية  و العطلة السنوية وأيام العطل؟.

بالنسبة للراحة الأسبوعية فإن المشرع خوّل للعاملة أو العامل المنزلي الاستفادة من راحة أسبوعية لا تقل عن 24 ساعة متصلة. لكن الإشكال يطرح كيف يستفيد منها العامل المنزلي و هذا الأخير قد لا يسمح له بمغادرة المنزل متى كان يقطن مع الأسرة المحتضنة خاصة أن الظرفية الحالية بسبب وباء كورونا لا تسمح له بالخروج ؟

في هذه الحالة أجاز المشرع إمكانية اتفاق المشغل و العامل المنزلي  على تأجيل الاستفادة من الراحة الأسبوعية و تعويضها في أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر(22).

وبخصوص العطلة السنوية المدفوعة الأجر التي تبقى من حق العامل المنزلي إذا قضى ستة أشهر متّصلة في خدمة المشغل، فقد أتاح المشرع إمكانية تجزئة العطلة السنوية أو الجمع بين أجزاء من مددها على مدى سنتين متتاليتين باتفاق المشغل و العامل المنزلي ، و بذلك يمكن للعامل المنزلي الجمع بين مدد العطلة السنوية و تأجيلها (23) إلى ما بعد الحجر الصحي.

ونفس الأمر يصدق على الراحة المؤدى عنها خلال أيام الأعياد الدينية و الوطنية، ففي ظل الحجر الصحي يمكن تأجيل الاستفادة منها إلى تاريخ لاحق يحدد باتفاق المشغل و العامل المنزلي (24).

وقد أوكل المشرع احترام تطبيق أحكام هذا الظهير لهيئتين:  الأولى إدارية والثانية قضائية.

فبالنسبة للهيئة الإدارية تتمثل في مفتشية الشغل، وقد أوكل المشرع مراقبة تطبيق أحكام هذا الظهير للأعوان المكلفين بتفتيش الشغل، من خلال تلقّيهم الشكايات التي يتقدم بها العامل المنزلي ضد صاحب البيت أو المشغل ضد عامله المنزلي، حيث يستدعي مفتش الشغل الطرفين للتحقق من مدى تطبيق هذا القانون، ثم يقوم بإجراء محاولات التصالح بين الطرفين، وعند تعذر ذلك، يحرر محضرا في الموضوع يسلّم إلى العامل المنزلي ليدلي به إذا قرر اللجوء إلى المحكمة المختصة قصد البت في النزاع (25)  .

وبالنسبة للهيئة القضائية  تتمثل في جهاز القضاء ، الذي يكفل تطبيق أحكام هذا الظهير بتطبيق المقتضيات الزجرية التي حدّدها الباب الخامس من الظهير المعنون  بالمراقبة و العقوبات، حيث أورد في المادة 25 من الظهير على أنه يعاقب بغرامة تتراوح ما بين 500 و 1200 درهم كل مشغل لم يتقيد بإلزامية إتاحة الراحة الأسبوعية للعامل أو العاملة المنزلية أو امتنع عن منحها حقها في الراحة التعويضية  وحقها في العطلة السنوية المؤدى عنها ، و قام بتشغيل عاملة أو عامل منزلي في أيام العطل و الأعياد المؤدى عنها  ما لم يتفق الطرفان على تأجيل الاستفادة منها إلى وقت لاحق.  كما  جاء في  المادة 23 من نفس الظهير أنه “يعاقب بغرامة من 25.000 الى 30.000 درهم كل شخص استخدم عاملة أو عاملا منزليا جبرا، و في حالة العود يحكم على مرتكب هذا الفعل بضعف الغرامة و بحبس تتراوح مدته بين شهر و 3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط”.

بقي أن نشير إلى أن هناك مطالبات بعدم تشغيل العاملات المنزليات بنظام الساعة الذي أصبحت تنحو إليه العائلات و الأسر بسبب معاناتهم من استقدام العاملات المنزليات،  والتي فضلت التعامل مع الوكالات (26 ) المعدة لغرض توفير عاملات منزليات بنظام الساعة، حيث تحضر العاملة المنزلية إلى المنزل لتقوم بالمهام المتفق عليها و تغادر و لا يتكلف ربّ الأسرة بأية التزامات من قبيل الفحص الطبي أو يتحمل مسؤوليتها عند انخراطها في أعمال غير مشروعة أو عند هروبها من المنزل أو يتكفل بإقامتها، و تشغيل العاملات المنزليات في هذه الآونة التي يعرف فيها العالم اجتياح وباء كورونا يشكل خطرا على العاملة المنزلية و خطرا على الأسر التي تشتغل لديها، بفعل تنقلها بين الأسر مما يجعلها تتلقى الاصابة بفيروس كورونا و تنقله إلى أسر أخرى ( 27)  .

وفي الأخير نناشد المشرع المغربي إلى ضرورة توفير تأمين صحي للعمال المنزليين ، مع إحاطتهم بالحماية الاجتماعية وحمايتهم من شتى أنواع العنف الذي قد يمارس عليهم من طرف أصحاب المنازل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الهوامش

(3)- الفقرة الأولى من المادة الرابعة من م.ش.

 (4) – هذا المشروع الذي صادق عليه مجلس الحكومة بتاريخ 02 ماي 2013 (بعد تحيينه من طرف وزارة التشغيل والتكوين المهني) بعد مراحل طويلة، حيث كانت الصيغة الأولى له أعدت خلال اليوم الدراسي، الذي نظمته الوزارة المكلفة بالتشغيل صيف سنة 2006، ليتم إحالته على الأمانة العامة للحكومة، حيث أبدت مختلف الوزارات بشأنه العديد من المقترحات، وليعرض من جديد في صيغته الجديدة على الأمانة العامة للحكومة في ماي 2008.

(5) – تنص المادة 15 من المشروع أعلاه على ما يلي : «تغييرا لأحكام الفقرة الأولى من المادة 4 من القانون السالف الذكر رقم 99.65 تحل تسمية “العمال المنزليين” محل تسمية “خدم البيوت”».

(6)  – تنص المادة أعلاه على أنه: «لا تسري أحكام هذا القانون على خدم البيوت ومن في حكمهم إلا فيما يرد بشأنه نص خاص»

 (7) – أنظر تعريفهم كذلك في المادة الثامنة من م.ش.

(8)  – حسن كيرة. أصول قانون العمل. ط الثالثة. منشأة المعارف الإسكندرية. 1983. ص 137.

(9) – على اعتبار أن العمال المنزليون كانوا مقصيون من الخضوع لأحكام قانون الشغل في ظل المقتضيات القانونية الشغلية السابقة عن مدونة الشغل. ونورد على سبيل المثال ظهير 9 يناير 1946 المتعلق بالعطلة السنوية المؤدى عنها، والذي كان لا يطبق على هذه الفئة المذكورة.

(10)  – حكم ع. 648 بتاريخ 31 دجنبر 1986. منشور بالمجلة المغربية للقانون. ع 12. ص 129

 (11)  قرار بتاريخ 27 دجنبر 2004. غير منشور.

(12) – وهو ما سارت عليه استئنافية الدار البيضاء في عدد من قراراتها نذكر منها:

– قرار بتاريخ 08 أبريل 2008 في الملف ع. 5205/2006. غير منشور الذي جاء فيه: « حيث إنه بمراجعة أوراق الملف يتبين أن الحكم الابتدائي جاء مصادفا للصواب ومعللا تعليلا كافيا، مما ينبغي معه تأييده، خصوصا وأن المستأنفة هي مجرد طباخة، خادمة بيت، لا يسري عليها قانون الشغل…»

 (13) – قرار بتاريخ 10 فبراير 1986 في الملف الاجتماعي ع. 5431. وارد ضمن مجموعة القرارات الاجتماعية التي وجهتها وزارة العدل والحريات إلى المحاكم.

(14) – قرار ع. 417 بتاريخ 25 أبريل 1995 في الملف الاجتماعي رقم 8461/92. منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى. ع 47، يوليوز 1995. ص 270 إلى 272.

        (15) الفقرة الأولى من المادة26 من القانون رقم 19.12.

(16) المادة الثانية من القانون أعلاه.

(17) الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من القانون أعلاه.  

(18)– القرار ع. 1072 بتاريخ 14 أكتوبر 2009 في الملف رقم 1448/5/1/2008. منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى. ع72. مطبعة الأمنية الرباط. دجنبر 2010. ص 254 – 255.

(19)  www.presitenceministerpublic.ma

(20) المادة 21 من القانون رقم 19.12.

(21) إذا تعلق الأمر بعاملات أو عمال منزليين أجانب، تطبق أحكام البابين الخامس و السادس من الكتاب الرابع من القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، و التي تهم تشغيل الاجراء الأجانب ( أنظر الفقرة الثالثة من المادة الثالثة من القانون رقم 19.12).

(22) المادة 14 من القانون رقم  19-12

(23) المادة 16 من نفس القانون

(24) المادة 17 من نفس القانون.

(25)المادة 22 من القانون رقم 12.19.

(26) في هذا الصدد نصت الفقرة الأولى من المادة الرابعة من مدونة الشغل على ما يلي: “يمكن تشغيل العاملات أو العمال المنزليين المغاربة أو الأجانب عن طريق وكالات التشغيل الخصوصية المحدثة طبقا لأحكام الكتاب الرابع من القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل حول الوساطة في الاستخدام و تشغيل الأجراء المرخص لها”

(27) ذة . نجوى عبد اللطيف جناحي – الخادمات بنظام الساعات و كورونا https://alwatannews.net/article    7

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى