في الواجهةمقالات قانونية

أثر حالة الطوارئ على الكراء الحبسي

 

أثر حالة الطوارئ على الكراء الحبسي

                       أمال خليل

باحثة في سلك الدكتوراه

 

مقدمة:

لقد اهتمت مدونة الأوقاف أساسا بوضع جملة من التدابير الإجرائية الهادفة من ورائها إبان تكوين عقد كراء الأملاك الموقوفة تحقيقا الحماية القانونية اللازمة للمال الموقوف وضمان حسن تدبيره وطرق مراجعة السومة الكرائية.

إذا كانت القواعد العامة في عملية الكراء تقتضي بأن يتم الكراء بتراضي الطرفين على الشيء المكري وعلى الأجرة طبقا للفصل 628 من قانون الالتزامات والعقود، فإن التشريع الخاص بالأوقاف ذهب إلى اتجاه آخر حيث قررت أن عملية التعاقد يجب أن تتم في إطار السمسرة العمومية أو طلب العروض وفق مجموعة من الضوابط، والتي لها أهمية كبرى في حماية العقارات الموقوفة وتمكين السلطة المكلفة بالأوقاف من حسن تدبير واستغلال الأملاك الموقوفة.

وتتبلور هذه الضوابط بإتباع مساطر إبرام عقد الكراء المتمثلة في مسطرة السمسرة أو طلب العروض أو الاتفاق المباشر، وهذه المساطر أولت عناية فائقة لالتزامات المكتري والمتمثلة بالأساس في أداء السومة الكرائية التي تعتبر قطب الرحى في العلاقة التعاقدية وأساسه إضافة إلى مجموعة من الالتزامات التي تروم حماية المال الموقوف.

ولا يخفى عن الجميع ما يعيشه العالم والمغرب اليوم من ظروف صحية جمدت الحركة الاقتصادية وشلت المحلات التجارية، مما له من عواقب اقتصادية ومالية يمكن أن يكون لها تأثير عميق على العلاقات التعاقدية، فمنذ بداية الأزمة واجه العديد من التجار والشركات صعوبات في تنفيذ عقودهم، من بينها عقود الكراء بسبب الإغلاق الكلي أو الجزئي للمحلات التجارية وفرض الحجر الصحي على المستهلكين وتقييد حركة السير والجولان داخل الوطن وخارجه.

وأمام هذا الوضع لجأت الحكومة المغربية إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية والاستباقية لمواجهة خطورة هذه الجائحة ومن أهم هذه التدابير إعلان حالة الطوارئ وفرض الحجر الصحي بالمغرب.

إزاء هذا الوضع وبالموازاة مع فرض الحجر الصحي وصدور المرسومين المتعلقين بحالة الطوارئ الصحية، صدر بلاغ لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن أمير المؤمنين الملك محمد السادس، الناظر الأعلى للأوقاف، قام بإعفاء المكترين المحلات المستغلة للتجارة والحرف والمهن والخدمات ويسري أيضا كذلك على المحلات المخصصة للسكن، ما عدا تلك التي يستفيد منها الموظفون.

فعدم المطالبة بالسومة الكرائية هو ربما من بين أهم المواضيع التي كانت قد بدأت تناقش بشكل عالمي خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي للتخفيف من وطأة وحدة وقع هاته الآفة وهي رسالة موجهة لمكونات المجتمع المغربي التي هي مطالبة بأن تحدو حدو هذا القرار ومن المعلوم أن الدولة في المجالات العادية تكون صارمة في حماية حقوق الجميع ولكن في الحالة التي نحن في وضعيتها فإن على الجميع أن يتكافل ويتضامن للتخفيف من آثار هاته الجائحة.

ومن هنا نتساءل حول مدى حصانة السومة الكرائية في الكراء الحبسي؟ وما أثار الإعفاء من أداء السومة الكرائية لحالة الطوارئ الصحية على حماية الأموال الوقفية؟

أولا: الحماية القانونية للسومة الكرائية في الكراء الحبسي

يتميز الكراء الحبسي عن غيره من أنواع الأكرية الأخرى -على مستوى انعقاد العقد – باشتراط السمسرة العمومية كشرط لازم لصحة عقد الكراء، هذه السمسرة هي التي تعتمد أساسا في تعيين المكتري وتحديد الوجيبة الكرائية والتزام المكتري بأدائها، وقد سعى المشرع من وراء إخضاع جميع الأكرية المتعلقة بالأموال الموقوفة وقفا عاما لإجراءات السمسرة إلى تحقيق هدفين رئيسيين أولهما: ضمان المنافسة الحرة والشريفة والمساواة بين المتنافسين، وثانيهما الالتزام بقواعد الشفافية والإشهار المسبق من جهة أخرى.

وفور المزاد يؤدي المكتري مصاريف العقد على وفق ما تقتضي به الأحكام العامة، غير أن المدونة ارتأت أن تلزم المكتري بأداء هذه المصاريف وخاصة ما يتصل منها بالسمسرة إلى جانب مبلغي الكراء والضمان، ومثل هذا الإلزام لا يضر بمصلحة المكتري إذ يستطيع في حالة عدم المصادقة استرداد ما أداه من مصاريف السمسرة ومبلغ الضمان، وفي هذا  الاسترداد يقول محمد الشيلح أنه لا وجوب للرجوع إلى نص خاص لأنه من إملاءات الأحكام العامة في قانون الالتزامات والعقود التي تمنع الإثراء بلا سبب، ومن زاوية المأثور في الفقه المالكي يجعل ما يقدم من التسبيق أو الضمان  قبل صيرورة العقد باتا مترددا بين التثمينية و السلفية شأنه في ذلك شأن ما يقدم في بيع الخيار قبل إمضاء و نقض العقد، وعليه فإن أحكام المادة 81 تتلاءم ومقتضيات قانون الالتزامات والعقود.

كما يمكن إجراء الأكرية المتعلقة بالأموال الموقوفة عن طريق الاتفاق المباشر في حالة تعذر إجراء السمسرة أو طلب العروض أو أجري أحدهما لمرتين متتاليتين دون أن تسفر عن أي نتيجة، ويعتقد أنه من حالات التعذر تحقق إدارة الأوقاف من عدم وجود ما يكفي من المنافسين المحتملين في الدائرة التي من المفروض أن يحصل فيها الإشهار والإعلام، وبذلك يشرع في مسطرة الاتفاق المباشر بواسطة مقرر معلل للسلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف وذلك وفق ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 61 من مدونة الأوقاف.

فالكراء بمعناه الدقيق هو العوض المقدم قصد التمتع بمنفعة العين المكتراة، وهذا المعنى الدقيق احترمته مدونة الأوقاف في (المواد 95 و93 و101 منها) ولكن المدونة تعبر عنه أيضا بالسومة الكرائية المادتان 94 و98 من مدونة الأوقاف أو بالوجيبة الكرائية (المادة 105).

والكراء (أو السومة أو الوجيبة الكرائية) الذي يلتزم به المكتري هو ذلك الذي تسفر عنه نتيجة السمسرة أو طلب العروض أو التراضي في الاتفاق المباشر.

وهذا الكراء لا يقبل المراجعة أثناء مدة العقد من طرف المكتري بالإعفاء أو بالتخفيض حسب المادة 90 من مدونة الأوقاف، ما لم تتوافر الشروط التي حددتها المادة 101 من نفس المدونة لإمكانية الإعفاء أو التخفيض المؤقت من الكراء في العقد الواقع على عقار فلاحي وبمقتضى هذه المادة فإنه لا حق للمكتري في الإعفاء من الكراء أو استرداده كليا إلا إذا زرع الأرض ثم ملك الزرع نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة.

وتجد المادة 101 من مدونة الأوقاف أصلها، على الأقل من حيث صياغتها في الترجمة غير الرسمية المتداولة للفصول 709 و 710 و 711 من ق.ل.م وبما أن الرجوع إلى الأصول يسمح بجعل الفهم سليما لذلك نقول إن القوة القاهرة أو الحادث الفجائي المبرر لطلب الإعفاء أو التخفيض يشترط فيها ألا تكون بفعل المكتري قبل فل المحصول عن الأرض، وإلا يكون المكتري عالما به إذا كان سبب الهلاك موجودا عند إبرام العقد.

فإذا ما اعتبرنا أن حالة الطوارئ الصحية التي يمر بها المغرب قوة قاهرة، وبالتالي أثرت على التزامات التعاقدية ومن ثم أداء السومة الكرائية، وعليه يمكن تكييف الظرفية الصحية التي يعيشها العالم والمغرب على الخصوص قوة قاهرة غير متوقعة ولا يمكن ردها، مما تعفي معه المكتري من أداء السومة الكرائية ، وبالتالي فيمكن التوسع في الإعفاء المنصوص عليه في المادة 101   من مدونة الأوقاف.

ثانيا: أثر حالة الطوارئ الصحية على الكراء الحبسي

لا يخفى عن الجميع على أن فائدة الوقف إنما تظهر بالدرجة الأولى من خلال ما يدره من ريع وما ينتجه من ثمرة، لأنها مناط استفادة الموقوف عليهم من المال الموقوف إما مباشرة عن طريق الانتفاع المباشر من المحلات الموقوفة من طرف الموقوف عليهم، أو بطريقة غير مباشرة من خلال كراء هذه المحلات أو بيع غلتها للغير وأخذ محصلات الكراء.

وإذا كان الأمر كذلك فإن هناك أهمية كبرى للوجيبة الكرائية التي يتم استيفاؤها من مكتريي المحلات الحبسية، وهذه الأهمية لا تقتصر على تحصيل الوجيبة الكرائية، وإنما تتعلق أيضا بمراجعتها لجعلها تتناسب مع قيمة المحل المكرى بحسب القيمة الوقتية.

نظرا للأهمية الاجتماعية والاقتصادية التي تحتلها العقارات الموقوفة ورغبة من المشرع في الحفاظ عليها وتنمية مداخيلها بما يلائم طبيعتها، وتحقيق المصلحة الظاهرة للوقف فقد قام المشرع بمجموعة من الضوابط التي يمكن أن تضمن الحفاظ عليها وغني عن البيان بأن عقد الكراء هو من العقود الزمنية وهي مسألة بديهية مادام الانتفاع بالشيء المكتري والأجرة مقابلة له لا تقاس عادة إلا بهدر زمن يتفق الأطراف عليه صراحة أو ضمنيا.

فقد عمد المشرع المغربي على إحاطة الكراء الحبسي بمجموعة من الضمانات والتي تتجلى بالأساس في السهر على تنفيذ العقد من طرف المكتري والمتمثل في أداء السومة الكرائية خلال مدة الكراء.

والعلاقة الكرائية تأثرت لا محال من الظروف التي يعيشها المغرب وباقي بلدان العالم، وبالتالي سيتأثر تنفيذ التزام أطراف العلاقة التعاقدية، وهذه الظروف لا تخرج عن نطاق القوة القاهرة بوصفها صورة من صور السبب الأجنبي الذي ينفي العلاقة السببية بين فعل المدين وبين الضرر الذي لحق بالمضرور، و باعتبارها حادث خارجي لا يمكن للمدين توقعه، ولا يمكن له دفعه.

والقوة القاهرة ليست محصورة على وقائع محددة دون غيرها، فكل واقعة تحققت بشأنها الشروط وجعلت التنفيذ مستحيلا، إلا وعدت حالة من حالات القوة القاهرة، فلا يمكن للدائن أن يطالب المدين بالتعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة لذلك؛ لأن عدم التنفيذ لا يرجع إلى خطأ المدين، وإنما سببه هو الوباء الذي ضرب العالم عامة والمغرب خاصة، وهو بهذا المعنى يعد قوة قاهرة.

وتجنب إثبات القوة القاهرة من عدمها وطول مدة ذلك، تدخل جلالة الملك  بموجب قرار تم إعفاء المكترين للأملاك الحبسية من أداء السومة الكرائية.

حيث قرر الملك محمد السادس، بتاريخ الأربعاء الثامن من أبريل 2020، إعفاء مكتري المحلات الحبسية، من أداء واجبات الكراء طيلة مدة سريان حالة الطوارئ الصحية ويشمل هذا القرار الفئات المتضررة من آثار جائحة الفيروس كورونا كوفيد 19، ويهم على الخصوص إعفاء مكتري المحلات الحبسية المخصصة للتجارة والحرف والمهن والخدمات، والسكنى ما عدا للموظفين، من أداء الواجبات الكرائية.

من خلال هذا الإعفاء يتبين أن الاستفادة من هذا الإعفاء من حيث الأشخاص:

  • لابد من توفر شرط أساسي متمثل في صفة المكتري حيث لا يسري هذا الإعفاء على الموظفون العموميون.

أما نطاق سريان هذا القرار من حيث الزمان:

  • يسري هذا الإعفاء طيلة مدة الطوارئ الصحية

إلا أن انتهاء مدة الطوارئ الصحية في منتصف الشهر أو أواخره يطرح لنا مدى إمكانية تجزيء السومة الكرائية؟

من هنا نرى أن ضرورة المرحلة قد تتطلب طرق جديدة في تنفيذ الالتزامات، بما يتسم بالمرونة وخلق رابطة تعاقدية ذات بعد أخلاقي.

وختاما

لابد من تثمين الإجراءات التي خطتها الدولة المغربية ملكا وحكومة وإدارات، اتجاه الأفراد المتأثرون من قرار الطوارئ الصحية، مستهدفين بذلك خلق نوع من التوازن الاجتماعي والاقتصادي، وهذا شمل مختلف القطاعات بالمغرب كان أحدثها وليس أخرها الإعفاء من أداء السومة الكرائية الحبسية، والمتمعن في هذا الإعفاء يطرح سؤال التمييز الإيجابي للمكتري على حساب المكري حيث لا يمكننا أن نثمن نجاعة هذا القرار على مستوى امتداده خلال مدة الطوارئ الصحية فحسب بل بعد هذه المرحلة التي ستكون لها أثر سلبيا  على الاقتصاد ومما لا شك فيه سيتأثر هؤلاء الفئة لا محال.

لائحة المراجع

  • محمد الشيلح، التصرفات الجارية على الأموال الموقوفة وقفا عاما في ضوء مدونة الأوقاف، قراءة أولية بعقد الكراء كنموذج، مداخلة ضمن أشغال الندوة ملامح النظام الوقفي المغربي الجديد في ضوء مستجدات مدونة الأوقاف، منشورات مجلة القبس المغربية للدراسات القانونية  والقضائية، مطبعة الأورو متوسطية للمغرب، العدد الرابع يناير 2013 ص 45.
  • ظهير شريف رقم 1.09.236 صادر في 8 ربيع الأول 1431 ( 23 فبراير 2010.

– الجريدة الرسمية عدد 5847 بتاريخ فاتح رجب 1431 ( 14 يونيو 2010) ص 3154

  • الفصل 628 من قانون الالتزامات والعقود
  • الفصل 61 من مدونة الأوقاف
  • المرسوم رقم 2.20.293 في 29 رجب 1441 الموافق ل 24 مارس 2020، المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد 19 الجريدة الرسمية عدد 6867 ص 1789.
  • قانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية واجراءات الاعلان عنها، ومرسوم رقم 2.20.293 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا-كوفيد 19.
  • المادة 90 من مدونة الأوقاف
  • أنظر: https://anibrass.blogspot.coml
  • الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى