الاستاذ فيصل كرمات
موظف بالمحكمة الابتدائية بامنتانوت
باحث بسلك الدكتوراه
الوساطة الجنائية على ضوء التشريعات المقارنة
أصبحت الوساطة الآن تحضى بأهمية كبيرة من طرف الباحثين والممارسين في المجال القضائي والقانوني في اغلب دول العالم، كما أصبحت تخصص لها حلقات دراسية وندوات، إضافة إلى تناولها من طرف مجموعة من الرسائل الجامعية، وذلك راجع إلى تفوق الوساطة عن غيرها من الطرق التقليدية ولكونها تراعي المنافع المعنوية والنفسية للأطراف المتنازعة، بمقدار مراعاتها للمنافع المادية المباشرة، الأمر الذي يؤدي إلى ضمان استمرار العلاقات المستقبلية.
وتعد الوساطة الجنائية احد الوسائل المستحدثة من الناحية الإجراءات القانونية التي أفرزتها السياسة الجنائية المعاصرة، لتساهم في علاج الزيادة الهائلة والمستمرة في عدد القضايا التي تنظرها المحاكم ، فدور الوساطة لا يقتصر على هذا فحسب، بل إنها إحدى الوسائل التي تهدف إلى تنمية روح الصلح بين الجاني والمجني عليه، عن طريق التوصل إلى اتفاق حول كيفية قيام الجاني بإصلاح الأضرار التي لحقت بالمجني عليه من جراء جريمته، دون أن يتكبد في ذلك مشاق التقاضي وطول الإجراءات وتوفير المال والجهد من ناحية، ومن ناحية أخرى مما يحققه رضا نفوس أطراف النزاع بصورة قد لا يصل إليها الحكم القضائي[1].
على الرغم من أن إجراء الوساطة الجنائية غير مألوف حتى يمكن تطبيقه في التشريعات الجنائية العربية، فإنه من الإجراءات التي تؤدي دورا مهما في التشريعات المقارنة الأخرى، سواء كانت تلك التشريعات تعتمد في نظامها القانوني على النظام اللاتيني أم على النظام الانجلوسكسوني، فقد عرفت تلك الأنظمة إجراء الوساطة الجنائية كأسلوب لحل بعض المنازعات الجنائية على الرغم من اختلافهما البسيط في آلية تطبيقه، الأمر الذي يجعلنا نطرح معالم هذا الإجراء في كل نظام.
ونظرا لأهمية الموضوع فإننا سنتناول في فقرته الأولى الوساطة الجنائية في الأنظمة الغربية، على ان نتناول في الفقرة الثانية الوساطة الجنائية في الأنظمة العربية.
الفقرة الأولى: الوساطة الجنائية في الانظمة الغربية
لاقت الوساطة الجنائية نجاحا ملحوظا في كافة النظم القانونية، لما تحققه من أهداف قد لا يصل اليها الحكم الصادر في كثير من الأحيان، وقد عرفت العديد من التشريعات المقارنة الوساطة، نذكر منها كل من النظام الانجلوسكسوني والنظام اللاتيني.
1/ الوساطة الجنائية في النظام الانجلوسكسوني
بدأت فكرة الوساطة الجنائية في الظهور عام 1974 في كندا وذلك مع تصاعد المطالبات بالمحافظة على حقوق الضحايا في عام 1970، عن طريق جمعيات أنشأت لغرض الدفع نحو إقرار هذا الإجراء، وفي عام 1973 قامت جمعيتا “المساجين” و”اللجان” معا بتقويم دليل كامل للوساطة الجنائية يضم 32 برنامج ووصلت هذه البرامج في عام 1974 إلى 47 برنامج ثم إلى 86 في عام 1979، وعلى غرار كندا قامت جمعية “الوساطة بين الجناة والمجني عليهم في الولايات المتحدة الأمريكية” بقيادة فكرة الوساطة الجنائية، والتي أصبحت جمعية عالمية سنة 2000 حيث تضم 350 عضوا ولها 300 مكتب في أربعين ولاية أمريكية وسبع دول، وكونت ما يقارب 1200 برنامجا للوساطة الجنائية[2].
وظهرت الوساطة في الولايات المتحدة الأمريكية، كجزء من الحلول البديلة لتسوية النزعات مند 1970 ، ذلك أنه في العشرين سنة الماضية، شعر المدراء في الولايات المتحدة الأمريكية بارتفاع تكاليف النزعات، والتأخر في إجراءات التقاضي، وهو ما يتعارض وسرعة المعاملات بهذه الدولة، وفي نفس الوقت توسعت المؤسسات القانونية، التي تمثل الشركات، مما أدى إلى ارتفاع الأجور، مع زيادة عدد القضايا، وكل ذلك دفع بنقابة التحكيم الأمريكية لوضع أول قانون للوساطة بتاريخ 1 شتنبر 2000[3].
يمكن القول، من جهة أولى، أن نشر الوسائل البديلة عبر النظم القانونية والقضائية الدولية، واتساع مجالات اختصاصات الوسطاء، وتزايد نسبة نجاح الوساطة، وإشعاع المؤسسات المختصة، على غرار مراكز الوسائل الفعالة لحل المنازعات الكائن مقره بلندن (CEDR)، كلها عوامل ساعدت على تطور هذه الطرق وإشعاعها، والتخفيف على القضاء، ومن جهة ثانية، أن مظاهر نجاح المركز المذكور في إشعاع ونشر الوساطة داخل المملكة المتحدة قيام أطره والوسطاء العاملين به بحملة تحسيسية على مستوى المجتمع المدني والمنظمات، والقطاعات الحكومية وغير الحكومية، واكبتها جهود رسمية للحكومة البريطانية بإجراء تعديل على قانون المسطرة المدنية، وحث القضاة، على مستوى مختلف درجات التقاضي، الأطراف على سلوك الوساطة عوض التقاضي، ومنح المحكمة صلاحية إيقاف البت في الدعوى لمنح الأطراف فرصة سلوك الوساطة، وتحميل الجانب الرافض لها مصاريف الدعوى، ومن جهة ثالثة أن من مظاهر نجاح المركز في إشعاعه ونشر الوساطة خارج المملكة المتحدة، تقديمه لاستشارات قانونية وعملية للحكومات والأنظمة القضائية في مجال تخصصه، وتنظيمه لحلقات و ورشات تكوينية داخل وخارج بريطانيا لفائدة مهنيين من قضاة ومحامين ورجال أعمال ووسطاء ممارسين ومتمرنين، وإبرامه لعلاقات شراكة وتعاون مع هيئات ومراكز دولية عبر العالم، وعادة ما يرتبط مجال عمل المركز في التكوين بتقديم الاستشارات اللازمة للدول والجهات التي ترغب في إدماج الوساطة ضمن نظامها القضائي، كما هو الحال بالنسبة للتجربة الحالية للملكة المغربية، وكما حصل بكرواتيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا[4].
ومن الملاحظ انه لا يوجد أي نص قانوني مستقل وقائم بذاته ينظم الوساطة ببريطانيا، كما هو الحال بالنسبة للتحكيم، بل توجد نصوص متفرقة تشير إليها في قانون المسطرة المدنية، أما القضايا التي يمكن حلها عن طريق الوساطة، حسب التجربة البريطانية، فهي القضايا المدنية والتجارية ونزعات الأسرة، خاصة ما يتعلق منها بحضانة الأبناء وزيارتهم والإنفاق عليهم، باستثناء الطلاق الذي يفصل فيه القضاء.
وهكذا، فالنظام الانجلوسكسوني عامة يعتمد على السوابق القضائية والقانون غير المدون، كما أن الوساطة لا توجد لها أرضية قانونية أو تشريعية، وفي هذا النظام تجري الوساطة حتى في المجال الجنائي، حيث يتم التفاوض من اجل العقوبة، وهي تجربة بدأت باتفاق مجموعة من المحامين والقضاة في سان فرانسيسكو، ولاية كاليفورنيا، على تشكيل جمعية انبثقت عنها مؤسسة الوساطة، واستمر العمل بالوساطة إلى غاية سنة 1990 حيث صدر عن الكونغرس الأمريكي قانون يتضمن ثلاث مواد فقط تنص على أن للمحكمة أن تعين وسيطا إذا لم يتفق عليه الأطراف، و أن الوسيط يمكنه أن يتولىفض النزاع.
تبقى الإشارة إلى أن الوساطة الجنائية في النظام الانجلوسكسوني تتميز بكونها نظاما قضائيا، على عكس النظام اللاتيني، ولذلك يطلقون عليها ‘بدائل قضائية’[5].
2/ الوساطة الجنائية في النظام اللاتيني
لم يمض على طهور أسلوب الوساطة الجنائية في النظام الانجلوسكسوني كثيرا من الوقت، حتى انتقل إلى النظام اللاتيني، إذ ونظرا لما تلعبه هذه الوسيلة من دور كبير في الحفاظ على العلاقات الاجتماعية وتسوية المنازعات وتخفيف العبء على الأجهزة القضائية، سارعت أغلبية التشريعات الأوربية إلى إقرار هذه الآلية في أنظمتها الجنائية وذلك على غرار الأنظمة الانجلوسكسونية.
ويتصدر هذه التشريعات النظام الجنائي الفرنسي، حيث كان للنيابة العامة في فرنسا دور كبير في ظهور الوساطة الجنائية وكذلك في منتصف العقد الثامن من القرن التاسع عشر، حينما دعا جهاز النيابة العامة إلى إنشاء جمعية تسعى إلى الإمساك بعملية الوساطة الجنائية وهي جمعية “مساعدة الضحايا والرقابة القضائية”، والتي تلتها مجموعة من الجمعيات الأخرى كجمعية “مساعدة الضحايا بالمعلومات”، وجمعية “مساعدة ضحايا الجريمة” وغيرها من الجمعيات، لتتحدد بعد ذلك المعالم النهائية لهذه الوسيلة في القانون الفرنسي رقم 93-02 الصادر 04 يناير 1993 والذي تم تعديله بمقتضى القانون 99-515 الصادر في 23 يونيو 1999 والقانون رقم 2004-204 الصادر سنة2004.
ولإقناع السلطة التشريعية بتقنين إجراء الوساطة الجنائية وجعلها نظاما مشروعا بالنظر إلى أنها تمارس في الواقع دون نصوص قانونية واضحة وصريحة، قدم وزير العدل الفرنسي أمام الجمعية الوطنية مبررات تبني هذا النظام معتبرا إياه طريقا ثالثا تلتجئ إليه النيابة العامة للتصدي للجريمة، يقع بين الأمر بحفظ الملف وبين تحريك الدعوى العمومية، مبرزا انه نظام يتيح معالجة ملائمة للجرائم قليلة ومتوسطة الخطورة لكنها كثيرة الوقوع من الناحية العملية، كما انه يتضمن رد فعل سريع وفعال ومفيد للمجني عليهم[6].
وطبقا لمقتضيات المادة 41 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، فإن الوساطة الجنائية يضطلع بها نائب أو وكيل الجمهورية ويتخذها قبل تحريك الدعوى العمومية برضى جميع الأطراف ومع مراعاة الشروط التالية:
*أن تفضي الوساطة الجنائية إلى إصلاح الضرر الحاصل بالمجني عليه.
*أن تضع حدا للاضطراب الحاصل الناتج عن الجريمة.
*أن تساهم في إعادة إصلاح و إدماج الجاني في المجتمع.
وانطلاقا من المادة أعلاه يتبين أن نظام الوساطة الجنائية في القانون الفرنسي إجراء يتم خارج إطار القضاء لكن غير منفصل عن سلطات الدولة، فهي التي تتولاه وتراقبه عن طريق جهاز النيابة العامة، ولكن بالرغم من أن النيابة العامة هي التي تتولى القيام بهذه المهمة، إلا أن المشرع الفرنسي لم يعتبر نظام الوساطة الجنائية نظاما قضائيا مثل ما هو الحال عليه في النظام الانجلوسكسوني، وإنما بقي هذا الإجراء محتفظا بتسمية الوساطة الجنائية « Médiation pénal » ولم يسم إصلاحا قضائيا Réparatrice justice [7].
ويعتبر النظام القضائي البلجيكي من الأنظمة التي تلعب فيها الوسائل البديلة لحل المنازعات، ومنها الوساطة، دورا كبيرا في فض النزعات ، وقد خصص المشرع البلجيكي للوساطة نصا قانونيا مستقلا يتكون من 25 مادة، وهو القانون الصادر في 21/2/2005، الذي عدل بمقتضاه مجموعة من المواد ومقتضياتها مع حذف وإضافة مواد جديدة تنظم مجموعة من الجوانب المتعلقة بالوساطة بنوع من الدقة والتفصيل، علما بأن الوساطة كانت قائمة في مجموعة من قضايا حوادث الشغل والنزعات ذات الطابع الأسري.
وبالرجوع إلى مقتضيات القانون البلجيكي الجديد المنظم للوساطة يتضح أن هذا القانون نص صراحة على الوساطة الاتفاقية والوساطة القضائية، وحدد نوعية القضايا التي يمكن أن تكون محلا لهذه الوساطة، ووضع قاعدة عامة لذلك، كتلك المنصوص عليها في مشروع القانون رقم 08.05 المعروض على برلمان المغرب بشأن التحكيم والوساطة الاتفاقية، مفادها أن الوساطة تجوز في كل ما يجوز فيه الصلح[8].
ولقد أشار بعض الباحثين لمجموعة من الممارسات العملية للوساطة الجنائية في بلجيكا قبل تقنين سنة 1994،حيث عرفت بعض المقاطعات البلجيكية تجربة رائدة في مجال الوساطة الجنائية والتي تقوم على ثلاثة أنماط من الوساطة:
-وساطة التعويض: الذي تقوم فيه الشرطة بدور مهم من خلال انتقاء عميد الشرطة الملفات المتعلقة بالجرائم غير الخطيرة تم تحويلها إلى وسيط الذي يسعى لإجراء الوساطة الهادفة إما لتعويض جزئي أو كلي للضرر، وذلك بناء على ضوابط موضوعة من طرف النيابة العامة.
– وساطة الحي: والتي تتم بتفويض من وكيل الملك إلى وسطاء تابعين للحي الذي ارتكبت فيه الجريمة موضوع الوساطة، وقد كان أول مشروع لها كان سنة 1983 م بمدينة لاهاي البلجيكية.
– وساطة الإصلاح: وهي التي يقوم بها وكيل الملك، حيث يقترح الوساطة بين الفاعل والضحية، وهي تكون في القضايا المعروضة على القضاء الجنحي، وهي التي تتم في الفترة الممتدة بين الاستدعاء والمثول أمام المحكمة[9].
وقد قام المشرع البلجيكي بتقنين الوساطة الجنائية من خلال المادة 216 مكرر 3 من قانون التحقيقات الجنائية البلجيكي بمقتضى القانون الصادر في 10 فبراير 1994، الذي عرف تعديلين بموجب قانون الصادر في 7 ماي 1999 وكذا قانون الصادر سنة 6 غشت 2005.
فالمشرع خول للنيابة العامة سلطة اللجوء إلى الوساطة الجنائية، باستثناء إذا انتقلت القضية إلى قاضي التحقيق أو المحكمة، وبالتالي يتبين أن النطاق الزمني للوساطة الجنائية في بلجيكا يتحدد في مرحلة ما قبل تحريك الدعوى العمومية.
أما النطاق الموضوعي للوساطة الجنائية في بلجيكا، فهو لا يهم المخالفات والجنح فقط، بل يشمل كذلك الجنايات المعاقب عليها بالأشغال الشاقة لمد لا تزيد على عشرين سنة[10].
الفقرة الثانية: الوساطة الجنائية في التشريعات العربية
إذا كانت التطور التشريعي العالمي يتجه نحو تكريس تسوية النزعات بالطرق الودية، ومنها الوساطة الجنائية التي استطاعت أن تفرض وجودها عبر العالم فحققت نجاحا مشهودا اعتبارا للفوائد التي أبانت عنها التجربتين الانجلوسكسونية واللاتينية، فإن الأنظمة القانونية والقضائية العربية حاولت بدورها أن تستفيد من هذه التجربة، وتستلهم من عناصر نجاحها لكون القضاء بها يشكو من نفس المعيقات التي يشكو منها نظيره بالأنظمة الأخرى، ولكن مزايا الوساطة الجنائية، وتحفيزها لنتائجها المشجعة، وتكريسها للحل الودي، دفعت بعض الدول العربية إلى تبني نظام الوساطة الجنائية.
سنعرض في هذه الفقرة لتجربة الوساطة الجنائية في التشريعات العربية، في كل من دولة تونس و الجزائر والمغرب.
1/الوساطة الجنائية في القانون التونسي
يعد القانون التونسي نموذج التشريعات العربية التي أقرت نظام الوساطة الجنائية ضمن القانون الإجراءات الجنائية وقانون حماية الطفل، وذلك تأثرا بالمشرع البلجيكي.
وقد تم اعتماد الوساطة بصورة تدريجية، فقد تم تكريسها بداية ضمن القوانين المتعلقة بالاقتصاد العام للدولة كالقانون القمري، وقانون المنافسة والأسعار الصادر بتاريخ 29/7/1991 تحت فصله 09، وقانون حماية المستهلك عدد 117 الصادر في 7/12/1992.
وقد أقر المشرع التونسي إجراء الصلح عن طريق الوساطة الجنائية حسب القانون 93 لسنة 2002 بإضافة بند تاسع على الكتاب الرابع من مجلة الإجراءات الجنائية التونسية بعنوان ” الصلح بالوساطة في المادة الجزائية” وقد تضمن الباب ستة مواد تتعلق بنطاق وإجراءات وآثار الوساطة الجنائية في القانون التونسي، وقد وضع المشرع التونسي الأسباب الموجبة لإقرار هذا القانون، بأن الهدف من إقرار الوساطة الجنائية هو ضمان تعويض الأضرار الناجمة عن الجريمة، وإعادة تأهيل واندماج الجناة في المجتمع، وتدعيم الشعور لديهم بالمسؤولية[11].
ونص الفصل 335 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية التونسية على أنه “يهدف الصلح بالوساطة في المادة الجزائية إلى ضمان جبرالأضرار الحاصلة للمتضرر من الأفعال المنسوبة للمشتكى به مع إذكاء الشعور لديه بالمسؤولية والحفاظ على إدماجه في الحياة الاجتماعية” .
فمن منطوق هذا الفصل نستنتج أن الصلح بالوساطة في المادة الجنائية يقوم على ازدواجية الهدف المتمثل في حصول جبر الضرر للضحية، والحفاظ على إدماج الجاني في المجتمع، وبالتالي فإن الصلح بالوساطة الجنائية في التشريع التونسي يقتضي توفر مجموعة من الشروط متمثلة في : ضرورة وجود جريمة معينة ونسبتها لشخص معين ووجود ضرر حاصل لشخص معين، أي شروط مرتبطة بوجود جريمة معينة وأخرى بأطراف النزاع.
بخلاف التشريع الفرنسي الذي لم يحدد الجرائم التي تخضع لنظام الوساطة الجنائية، فإن الفصل 335 ثالثا من مجلة الإجراءات الجزائية التونسية أكد على أن “لوكيل الجمهورية عرض الصلح بالوساطة في المادة الجزائية على الطرفين وذلك في مادة المخالفات وفي الجنح المنصوص عليها بالفقرة الأولى من الفصل 218 و الفصول 220 و225 و247 و248 و255 و256 و277 و280 و282 و286 و293 والفقرة الأولى من الفصل 297 والفصول 298 و304 و309 من المجلة الجزائية وفي القانون عدد22 لسنة 1962 المؤرخ في 24ماي 1962 المتعلق بجريمة عدم إحضار المحضون”.
و من خلال منطوق هذا الفصل نستنتج أن المشرع التونسي أجاز الصلح بالوساطة في المادة الجزائية في كل المخالفات دون استثناء أو حصر، والمخالفة هي كل جريمة ينص عليها القانون بالسجن لمدة لا تتجاوز 15 يوما أو بغرامة لا تتجاوز ستين دينارا وذلك مهما كان نوع المخالفة سواء وردت في المجلة الجزائية أو في القوانين الخاصة كقانون الطرقات.
أما الجنح التي يمكن أن تخضع لنظام الصلح بالوساطة فقد حددها المشرع على سبيل الحصر وهي:
العنف الشديد (الفصل 218) المشاركة في المعركة (الفصل220) إحداث أو التسبب في أضرار بدنية للغير عن غير قصد (الفصل225) النميمة والقذف (الفصل 247) الإدعاء الباطل (الفصل 248) افتكاك حوز بقوة (الفصل 255) الدخول لمحل الغير بالرغم من إرادة صاحبه (الفصل 256) عدم القدرة على الدفع (الفصل282) تكسير حد ( الفصل286) تتبع استخلاص دين مرتين (الفصل293) الخيانة المجردة (الفصل 297) الامتناع عن تنفيذ اتفاق (الفصل 298) الإضرار عمدا بملك الغير ( الفصل 304) إحداث حريق عن غير قصد بمنقول أو بعقار الغير (الفصل 309) وعدم إحضار محضون(القانون عدد22 الصادر بتاريخ 24ماي 1962[12].
ومن خلال هذا التصنيف نستنتج أن المشرع التونسي نص على نظام الصلح بالوساطة في جرائم متعددة وتمس مجالات مختلفة على سبيل الحصر، ولكنها جرائم لا ترقى إلى درجة الجنايات و ذلك لكون الجناية يصعب جبر الضرر فيها بالصلح بالوساطة، بل تقتضي تدخل الدولة بأجهزتها الزجرية لوضع حد للخلل الذي أحدثته الجريمة ومعاقبة الجاني.
كما أن هذه الجرائم التي أجاز فيها المشرع الصلح بالوساطة هي جنح تنطوي على أضرار إما بدنية، كالتي تحصل عن العنف الشديد و المشاركة في المعركة، أو أضرار مادية كالتي تنتج عن افتكاك حوز بالقوة أو الإضرار بملك الغير أو أضرار معنوية كالنميمة أو القذف.
2/الوساطة الجنائية في التشريع الجزائري
أحدث المشرع الجزائري نظام الوساطة الجنائية كبديل عن الدعوى العمومية بمقتضى الأمر 15/02 المؤرخ في 23 يوليو 2015 حيث خصص لها فصل مكرر من المواد 37 مكرر إلى 37 مكرر9، وبالرجوع لمجمل هذه المواد فإن القانون اقتصر فقط على تحديد أطراف الوساطة، والجهة المؤهلة لإجرائها، كما حدد نطاق الوساطة من حيث الموضوع.
وهناك عدة شروط ينبغي توافرها لتطبيق نظام الوساطة الجنائية بعضها موضوعية وأخرى إجرائية، الشروط الموضوعية تتمثل في:
- مشروعية الوساطة: وهي السند القانوني لهذا الإجراء تطبيقا لمبدأ الشرعية، حيث تستمد الوساطة مشروعيتها من نصوص المواد 37 مكرر إلى 37 مكرر9 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم بمقتضى الأمر 15/02 المؤرخ في 15 يوليو 2015.
- وجود دعوى عمومية مطروحة أمام النيابة العامة: يشترط لتطبيق الوساطة وجود دعوى عمومية، تتطلب افتراض تحريكها نظرا لوقوع جريمة ونسبتها إلى شخص معين ووجود مجني عليه، وأن يكون هناك ضرر واقع عليه بسبب الجريمة، ويشترط ألا تكون النيابة قد اتخذت قرارها بالتصرف في الدعوى في المرحلة السابقة لتحريكها والتي تبدأ من لحظة علم النيابة بالجريمة إلى لحظة تحريك الدعوى.
- ملائمة النيابة العامة لإجراء الوساطة: يتمتع وكيل الجمهورية بسلطة الملائمة في اتخاذ إجراء الوساطة، ومنه فإن هذا الأخير له مطلق الحرية في ملائمة اللجوء للوساطة وهو ما أشارت إليه المادة 37 مكرر من القانون الإجراءات الجزائية الجزائري، فلا يجوز للأطراف إجبار النيابة على قبول الوساطة، كما انه لا يجوز طرح النزاع للوساطة دون موافقة وكيل الجمهورية .
كما تجوز الوساطة بناءا على طلب الضحية، وهو كل شخص أصيب بضرر من الجريمة، سواء كان ضررا مباشرا أو غير مباشر، وطلبه يقتصر على التعويض المالي حتى ولو بعد تحريك الدعوى العمومية كما تتم الوساطة بطلب من المشتكى منه وهو كل شخص توجه إليه الضحية بالشكوى، وذلك بعد موافقة وكيل الجمهورية والضحية[13].
- قبول الأطراف لمبدأ الوساطة: يشترط للسير في عملية الوساطة قبول الأطراف الضحية والمشتكى منه فلا يمكن أن تنجح عملية الوساطة بدون توافر رضا أطرافها، وقد نصت على ذلك صراحة المادة 37 مكرر1 على أن: )يشترط لإجراء الوساطة قبول الضحية و المشتكى منه…).
بالنسبة لرضا الضحية، يعتبر الهدف من إجراء الوساطة هو تفعيل مشاركة الضحية في الإجراءات الجزائية لذلك كان قبوله بالوساطة شرط أساسي وضروري لقيامها، وفي الواقع أن بطء إجراءات العدالة الجزائية التقليدية واحتمال عدم متابعة الجاني في الغالب هو ما يدفع الضحية لقبول الوساطة.
كما يشترط لإجراء الوساطة قبول المشتكى منه، وفي حالة رفضه يمكن السير في إجراءات الدعوى العمومية ولا يجوز إجباره على قبول الوساطة، فله الحق في اللجوء إلى القضاء.
أما بالنسبة للشروط الإجرائية: فتتمثل الشروط الإجرائية للوساطة الجزائية في ضرورة توافر الأهلية الإجرائية والرضا والشكلية .
- الأهلية الإجرائية: وهي صلاحية كل طرف من أطراف النزاع في مباشرة الإجراءات الجزائية بصفة عامة والموافقة على إجراء الوساطة، وتتحد الأهلية في القانون الجزائي طبقا لسن الشخص،ويكون الشخص كامل الأهلية إذا كان بالغا سن 18سنة، واستثناءات يمكن للطفل الجانح أن يلجأ إلى الوساطة الجزائية عن طريق ممثله الشرعي.
- الرضـــــــــــــــا: تقوم الوساطة الجزائية على مبدأ حرية الإرادة، أي حرية الأفراد في اللجوء لهذه الآلية، وأن تكون هذه الإرادة صحيحة غير مشوبة بعيوب الإرادة، كالغلط والتدليس والإكراه، فلا يتصور قيام الوساطة إذا كان قبول المشتكى منه أو الضحية نتيجة إكراه أو غلط أ وتدليس.
- الشكليــــــــة: يقصد بها إفراغ اتفاق الوساطة في شكل معين، وهذا استنادا لنص المادة 37 مكرر2 حيث تنص على ضرورة أن تتم الوساطة باتفاق مكتوب وليس شفهي بين مرتكب الجريمة والضحية، يدون هذا الاتفاق في محضر يتضمن هوية الأطراف وعنوان الأطراف، كما يتضمن الاتفاق جبر الأضرار المترتبة عن الفعل الإجرامي، وإذا لم يتم تنفيذ الوساطة في الوقت المحدد في الاتفاق، يتم تحريك الدعوى العمومية، ولم يحدد المشرع الشكل الذي تتم فيه الوساطة ما يفتح المجال لاجتهاد النيابة العامة، أو انتظار تعليمات وزارية تحدد كيفية ذلك .
وتمر الوساطة بثلاث مراحل المرحلة الأولى الاقتراح الذي يكون في شكل استدعاء يتضمن الجريمة موضوع الوساطة، والتدابير المقترحة، والمدة القانونية لهذا الإجراء وتاريخ الحضور، والتنبيه بالاستعانة بمحامي، أما المرحلة الثانية هي جلسة الوساطة والتي لم يبين المشرع كيفية تنظيمها، لكن مبدئيا تقسم إلى مرحلة التفاوض ومرحلة الاتفاق، فمرحلة التفاوض تتوقف على ما يبديه أطراف النزاع من تفاهم وتوافق من أجل الوصول إلى حل النزاع بمكتب وكيل الجمهورية أو أحد مساعديه، أما الخطوة الثانية هي الاتفاق على حل النزاع عن طريق إجراء الوساطة، وإذا لم يتم الاتفاق يحرر وكيل الجمهورية محضر عدم الاتفاق ويعلن صراحة فشل الوساطة ويتخذ الإجراءات اللازمة لتحريك الدعوى العمومية في إطار مبدأ الملائمة[14].
و في حالة الاتفاق على حل النزاع عن طريق هذا الإجراء يحرر وكيل الجمهورية محضر الاتفاق الذي يتضمن صياغة التزامات الأطراف، والتأكد من تنفيذها في الوقت المحدد، والتوصل لاتفاق الوساطة والذي يدون في محضر يشمل طبقا للمادة 37مكرر 3 من ق إ ج هوية وعنوان الأطراف، وعرضا وجيزا للأفعال وتاريخ ومكان وقوعها، ومضمون اتفاق الوساطة وأجل تنفيذها، ويوقع المحضر من وكيل الجمهورية وأمين الضبط والأطراف وتسلم نسخة لكل طرف (.
إلى جانب الشروط أعلاه يجب أن يتضمن اتفاق الوساطة على الخصوص ما يلي:
- إعادة الحال إلى ما كانت عليه، بمعنى أن يقوم الجاني مثلا في جريمة عدم تسليم طفل بتسليمه إلى من له حق الحضانة، أو رد أموال الإرث إذا استولى عليها بطريق الغش .
- تعويض مالي نقدي أو عيني بمعنى أن يخير الجاني في جنحة التخريب العمدي لأموال الغير إما بدفع مبلغ مالي للضحية مقابل الأموال المخربة، أو التعويض العيني عن طريق إصلاح الأضرار التي لحقت بممتلكات الضحية.
و يقتصر نطاق الوساطة الجنائية في الجزائر على بعض الجنح المعاقب عليها بالحبس أو بالغرامة، كما تجوز الوساطة في مواد المخالفات، وحدد المشرع هذه الجنح على سبيل الحصر ويمكن تقسيمها لعدة فئات:
- الجرائم التي تمس بالشخص واعتباره: وحددها في المادة 37 مكرر2 من القانون الإجراءات الجزائية الجزائري، وهي جرائم السب المادة 297 ، القذف المادة 296 ، جنحة الاعتداء على الحياة الخاصة المادة303 مكرر، التهديد والأفعال المنصوص عليها في المواد 185،186،187، الوشاية الكاذبة المادة303، ترك الأسرة المادة 330، جريمة الامتناع العمدي عن تقديم مبالغ النفقة331، عدم تسليم طفل المادة 328 ، الضرب والجرح غير العمدي المادة 289، الضرب والجرح دون سبق الإصرار والترصد المادة 264 قانون الإجراءات الجزائية الجزائري.
- جرائم الأموال: جنحة إصدار شيك بدون رصيد المادة 374، جنحة الاستيلاء على أموال التركة قبل قسمتها المادة 363، الاستيلاء على أموال الشركة المادة 363/1، الاعتداء على الملكية العقارية المادة 386، التخريب والإتلاف العمدي لأموال الغير المادة 407، إتلاف المحاصيل الزراعية و الرعي في أملاك الغير المادة 413، استهلاك مأكولات أو مشروبات من خدمات أخرى عن طريق التحايل (الباب الرابع من الكتاب الثالث :الغش في بيع السلع والتدليس في المواد الغذائية والطبية(.
أما في جرائم الأحداث فإن الوساطة تجوز في الجنح والمخالفات وتستثنى من هذا الإجراء الجنايات طبقا لنص المادة 111 من القانون المتعلق بحماية الطفل[15].
/3 الوساطة الجنائية في مشروع قانون المسطرة الجنائية المغربي
في إطار تنزيل بنود ميثاق إصلاح منظومة العدالة الجنائية، ومن منطلق الوعي بأهمية العدالة الإجرائية والقواعد المسطرية في ضمان النجاعة القضائية، تمت مراجعة قانون المسطرة الجنائية بهدف تحيين نصوصه لتتلاءم ومقتضيات الدستور الجديد وميثاق إصلاح منظومة العدالة وتطعيمها بمختلف المجهودات المعرفية و الاجتهادات القضائية والممارسات الفضلى للمحاكم، من أجل تكوين لجنة موسعة لأجل الاشتغال على إعداد مسودة لمشروع قانون المسطرة الجنائية، ضمت هذه اللجنة مجموعة من المسؤولين القضائيين والقضاة بالوزارة ومختلف المحاكم إضافة إلى محامين و مسؤولين من كتابة الضبط وأساتذة جامعين ومفوضين قضائيين عقدت عدة اجتماعات أسفرت عن وضع المسودة الأولى لمشروع قانون التي تم نشرها بموقع الوزارة الالكتروني، ولقد أسفر ذلك عن تسجيل مجموعة من الملاحظات قامت لجنة الصياغة باعتماد المنتج منها، وبالتالي وضع مسودة قانون يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، تضمنت ضمن طياتها مجموعة من المستجدات الهامة التي تشكل ثورة حقوقية في مجال تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة و الارتقاء بأداء العدالة الجنائية، وفق ما أقرته المبادئ والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ودستور المملكة.
ومن بين أهم المستجدات التي جاءت بها مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية تبسيط إجراءات التقاضي و سير الدعوى العمومية أمام المحاكم في إطار العدد الكبير للقضايا المعروضة عليها، بالإضافة إلى ضمان نجاعة آليات العدالة الجنائية وتحديثها، من خلال وضع أساليب أخرى لحل المنازعات الجنائية تتميز ببساطة وسهول الإجراءات، وتبسيط المساطر المنصوص عليها وتجاوز الانتقادات الموجهة إليها.
حيث جاء في المادة 41 من مشروع قانون المسطرة الجنائية المغربي:
(يعتبر الصلح بديلا عن الدعوى العمومية إذا توفرت شروط إقامتها، ولا يمس بقرينة البراءة.
يمكن للمتضرر أو المشتكي به قبل إقامة الدعوى العمومية أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر.
يمكن لوكيل الملك إذا بدت له مؤشرات كافية لإقامة الدعوى العمومية وقبل تحريكها، أن يقترح الصلح على الطرفين ويسعى إلى تحقيقه بينهما أو يمهلهما لإجرائه.
كما يمكنه أن يعهد بذلك إلى محامي الطرفين آو وسيط أو أكثر يقترحه الأطراف أو يختاره وكيل الملك.
يمكنه كذلك أن يستعين بالموظفين المكلفين بمهام المساعدة الاجتماعية بخلايا التكفل بالنساء و الأطفال بالمحاكم إذا تعلق الأمر بقضايا الأسرة والأطفال.).
يستفاد من خلال تحليل المقتضيات السابقة، توجه المشرع المغربي نحو الانفتاح على رهانات جديدة منها الاعتماد على الوساطة الجنائية، وذلك من خلال ما تضمنته المادة 41 من المشروع التي نصت على إمكانية إجراء الصلح بالوساطة الجنائية، يعد بحق بادرة مهمة من طرف التشريع الجنائي المغربي، الأخذ بنظام الوساطة الجنائية والذي جاء استجابة للعديد من المرجعيات الأساسية في مقدمتها الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب في 20 غشت 2009، والمتعلق بإصلاح القضاء والذي أكد من خلاله صاحب الجلالة على تطوير الطرق القضائية البديلة، وكان من بينها هذه الطرق الوساطة والصلح، ويليه التوصيات التي خلص إليها الميثاق الوطني حول إصلاح منظومة العدالة لسنة 2013 والتي أبانت هي الأخرى عن تشجيع اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل المنازعات من خلال إقرارها لبدائل للدعوى العمومية.
لا شك أن تشابك العلاقات الإنسانية وتعقيدها ألقى بظلاله لبروز وجه جديد للعدالة الجنائية ومن ابرز هذه الوجوه هي الوساطة الجنائية، لما لها من أهمية ودور فعال في معالجة الآثار السلبية للجريمة عن طريق وضع حد لحالة الاضطراب التي أحدثتها الجريمة مع نبد مشاعر الكراهية والبغضاء وإيجاد مساحة للنقاش والتحاور بين المتخاصمين، وهو الأمر الذي يسهم في تيسير سير العدالة الاجتماعية، ومساعدتها في إصلاح الجاني وتأهيله وإعادة إدماجه في المجتمع إلى جانب تعويض المجني عليه بما يجبر عنه الضرر، ويتم هذا كله تحت إشراف ورقابة السلطة القضائية صاحبة الاختصاص، ولا يسلب منها اختصاصها الأصيل في سعيها نحو تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية
ويتمثل جوهر الوساطة الجنائية ليس فقط في علاج الآثار النفسية التي تخلفها الجريمة أو مباشرة الإجراءات القضائية، والتي عادة ما تقع على عاتق طرفي الدعوى، بل إضفاء ذلك الشعور بالرضا بنظام العدالة الجنائية.
فالوساطة الجنائية هي توجّه بديل للإجراء الجنائي العادي في حالات معينة، فالنظام القضائي ليس هو الإجراء الوحيد الذي يجب أن يعالج ظاهرة الجناة المخالفين للقانون في كل الحالات، ففي حالات معينة من الأفضل إجراء حوار ووساطة بين الجناة والمجني عليهم، بهدف التوصل لتصحيح الضرر وتأهيل الجاني وفق تدابير خارج النظام القضائي.
ألهمتنا مختلف النتائج التي استعرضناها آنفا، توصيات واقتراحات، نوجهها إلى المسؤولين عن السياسة التشريعية ببلادنا، لعلها تساهم في إعطاء هذه البديل الدور الذي يجب أن تؤديه كآلية قانونية حديثة في السياسة الجنائية المعاصرة، وذلك على الشكل التالي:
- ضرورة التنصيص على نظام الوساطة الجنائية في التشريع الجنائي المغربي لما لهذا النظام من مزايا مهمة لاشك أنها سوف تساهم التخفيف من أزمة العدالة الجنائية المغربية.
- وضع الثقة في هذا البديل وتهيئة كل الوسائل المادية والبشرية وتوفير الآليات القانونية الكفيلة لإنجاحه.
- نقترح ضرورة توعية المواطنين بمزايا سلوك بدائل الدعوى العمومية ومنها الوساطة الجنائية.
[1]محمد صلاح عبد الرؤوف الدمياطي، بدائل الدعوى الجزائية ودورها في تحقيق العدالة في فلسطين ، بحث الحصول على درجة الماجستير في القانون العام ، كلية الشريعة والقانون، الجامعة الاسلامية بغزة، السنة الجامعية 2012_2013، ص75.
[2] ابراهيم العسري، العدالة التصالحية: مبررات بروزها وآفاقها بالمغرب، الوساطة الجنائية نموذجا، مجلة القبس المغربية، العدد الثالث، يوليوز 2012،ص265.
[3]امحمد برادة غزيول، تقنيات الوساطة لتسوية النزعات دون اللجوء إلى القضاء،ص167.
[4]بنسالم اوديجا، الوساطة كوسيلة من وسائل البديلة لفض النزعات، مطبعة دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى، سنة 2009.
[5] هناء جبوري، الوساطة الجنائية كطريقة من طرق انقضاء الدعوى الجزائية، ص 213.
[6]بدر الدين يونس، الوساطة في المادة الجزائية، قراءة تحليلية في الامر رقم 02-15، مجلة البحوث والدراسات الانسانية العدد 12-2016، ص 96.
[7] ابراهيم العسري، العدالة التصالحية: مبررات بروزها وآفاقها بالمغرب، الوساطة الجنائية نموذجا، المجلة المغربة للدراسات والاستشارات القانونية، مرجع سابق ص 189.
[8]بنسالم اوديجا، الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات، مرجع سابق، ص164.
[9] لطيفة المهداتي، الشرعية في تنفيد العقوبات السالبة للحرية، الشركة الشرقية، الرباط،، س 2005، ص97 ,
[10]حمزة الرنقي، الوساطة الجنائية كآلية بديلة للدعوى العمومية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم الجنائية، جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2013/2014.
[11] صباح احمد نادر، التنظيم القانوني للوساطة الجنائية وامكانية تطبيقها في العراق دراسة مقارنة، بحث مقدم الى مجلس القضاء في اقليم كوردستان-العراق، س 2014، ص 26.
[12]العابد العمراني الملودي، الوساطة الجنائية–التشريع الفرنسي و التونسي نموذجا، مجلة القانون والأعمال ، 6 أكتوبر 2014،http://www.droitetentreprise.com تم الدخول إلى هذا الموقع يوم الأربعاء 07 مارس 2018 على الساعة 12:20 بعد الزوال.
[13] يعقوب فايزي ومحمد موادنة، نظام الوساطة القضائية، في التشريع الجزائري، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماستر في قانون الأعمال، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قالمة الجزائر، السنة الجامعية 2015/2016، ص 42.
[14] مغني دليلة، نظام الوساطة الجزائية في الجزائر على ضوء القانون رقم 15/12 والامر رقم 15/02 ، مجلة افاق للعلوم، جامعة الجلفة، العدد العاشر يناير 2018، ص 11.
[15]نورة بن بو عبد الله، الوساطة الجنائية في القانون الإجراءات الجزائية، مجلة الباحث للدراسات الاكاديمية-العدد 10،يناير 2017، ص134.