في الواجهةمقالات قانونية

القانون رقم 22.20 بين المشروعية والمصلحة  

 

القانون رقم 22.20 بين المشروعية والمصلحة    

 

وئام البكوري

 طالبة باحثة بسلك ماستر الصياغة القانونية  وتقتيات التشريع بالمغرب

 كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية أيت ملول، جامعة ابن زهر أكادير.                                          

 

 

المقدمة

على غرار ما شهدته المملكة المغربية من تغيرات في أحوالها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. جراء تفشي فيروس كورونا المستجد. الشيء الذي انعكس سلبا على سير مجموعة من مكونات الدولة. و هو ما  دفع السلطات العامة للاستنجاد بمجموعة من التدابير الاحترازية ذلك من أجل بلوغ هدف التصدي لهذا الوباء و كذا الحفاظ على السلامة العامة ، ويمكن حصر أهم هذه الإجراءات في المراسيم التي أصدرتها الحكومة (2.20.292, 2.20.293), والتي تحمل في طياتها مجموعة من الأحكام والقواعد القاضية بإعلان حالة الطوارئ وذلك من خلال التنصيص على العقوبات التي ستتخذ في حق مخالفيها حفاظا على السلامة العامة ، ونجد أيضا ضمن هذا مسلسل التشريعي ، مشروع  قانون 22,20 المتعلق باستعمال شبكة التواصل الاجتماعي هذا الأخير الذي سيكون محط نقاشنا في هذا المقال . ذلك لأنه كان سببا في ولادة جدل و نقاش  واسع و حاد في الوسط الشعبي خصوصا وأن مكونات المجتمع المدني هي الجهة المستهدفة والمتضررة من هذا القانون. القانون الذي سبب ارتباك شعبي وخوفا جماهيريا. مفاده تساؤل(؟؟؟) هل سيشكل هذا القانون سجنا لحرية التعبير التي كانت بمثابة ملاذ و مرسى لأفكار العموم وآراءه. ذلك إذا قمنا بتشريح مضمون هذا المشروع سنكتشف أنه جاء مواجها لسياسات المقاطعات الشعبية لبعض المنتجات,جاء كذلك معاقبا  على كل تصريح صدر في مواقع التواصل الاجتماعي مخالفا أو طاعنا في السياسات التي تنهجها الحكومة. كل هذا إن دل علي شيء فإنما يدل على إن الحكومة تسعى إلى تغيير الحقائق ونشر صور وردية عن الواقع المعاش ، وتقييد حركية المواطن داخل مواقع التواصل الاجتماعية التي عززت من قيمة ومنسوب تفاعل المواطن وانخراطه في الشأن العام . ربما سيقول البعض أن هذا نقاش سابق لأوانه لكننا سنناقش الموضوع انطلاقا من ذلك التسريب الذي حصل للقانون .

ربما  هنا سيصل القول إلى أن تشريع هكذا قانون سيشكل عملية إجهاض فاشلة في حق حرية التعبير و لربما يجعل أقلام الرأي العام تكسر من حسرتها على واقع زيفه حبر يسيل بلا فائدة.كل هذا و ذاك سيجرنا نحو بسط الإشكالات الآتية:

ما مدى مشروعية قانون 22.20 ؟ و ما تجليات الآثار المترتبة عن سنه وتشريعه؟

للإجابة عن ماسبق يمكن التقدم بالتصميم التالي:

الفقرة  الأولى: المشروعية القانونية لقانون 22.20.

الفقرة الثانية : آثار مشروع قانون 22.20 على مجال الحقوق والحريات.

 

 

  • الفقرة الأولى : المشروعية القانونية لقانون 22.20.

بالرجوع لسطور مسودة قانون 22.20 التي تظم على حد التعبير مقتضيات تطعن شيئا ما في حرية التعبير ،  هذا القول معناه  أنه لن  يعود للتعبير حرية ، بل و أكثر من ذلك ستصبح الحرية بشكل عام  في صراح مؤقت ، ذلك أن هذا القانون وباختصار جاء ليلغي صحافة المواطن ، و هو مصطلح يرمز لأعضاء من العامة يلعبون دورا نشيطا في عملية جمع ونقل و تحليل الأخبار التي من صلب اهتمام المواطن ، الذي أصبح مصدرا مصنعا للمعلومة وللمحتوى كذلك إذ لم يعد دوره مقتصرا على تلقي وتطبيق القوانين بل أصبح ممن ينشئون هذه القوانين مستندا بذلك على أسس دستورية جاءت لإقرار حقه في التعبير، وإرساء دعائم المشاركة في هندسة الشأن العام و إخراج المواطن من قوقعة التنفيذ إلى زمرة المساعدة في القيادة ، عبر مجموعة من الوسائل الممنوحة له بقوة القانون كما هو الحال بالنسبة للفصل 12 من الدستور الذي جاء في سياق الديمقراطية التشاركية التي تقوم على أساس إشراك المواطن في صناعة القرار، وبما أن الدستور خول للمواطن هذه الإمكانية ، فالفضول يقودنا إلى التساؤل حول المشروعية التي استند عليها هذا القانون  ، وللإجابة عن هذا الفضول وجب استحضار النصوص التي تشهد أن حرية التعبير  قد أقسم بها الدستور من خلال فصوله . كالفصل 25 و 28  ، وإن أول ما يؤخذ عن هذا القانون هو مخالفته للدستور وبالضبط ما ذكر بالفصل 28 ” للجميع الحق في التعبير…” هذه الجملة ربما قد تكون قاتلة لهذا القانون ، ذلك إذا اعتبرنا أنها تقر وبشكل صريح أن حرية التعبير حق مكفول دستوريا  و بالتالي فإن القانون ملغى بشكل ضمني و ذلك باستحضار عدة أدلة أولها مبدأ دستورية القانون (الذي نجده في سطور الفصل 6 من الدستور ومفاده أنه لا شيء فوق الدستور ، ثاني دليل هو الإمكانية المتاحة في اللجوء إلى المحكمة الدستورية و المختصة بالبث في مدى ملائمة القوانين للدستور ، أما الدليل الثالث الذي يعد بمثابة مفتاح لتثبيت المسؤولية السياسية على الحكومة بكل أعضائها و مكوناتها ذلك إذا قمنا بتفكيك مراحل مسطرة التشريع ، و خصوصا المبادرة التشريعية الحكومية سنجد أن آخر إجراء يمر منه المشروع ، هو عرضه أمام المجلس الحكومي هذا الجهاز الذي يعد بمثابة جهة لمنح تأشيرة المرور بعد تأكدها من مدى خلو القانون من أي عيب سواء في الشكل و في المضمون .

وهنا نكون قد استوفينا عرض الأدلة التي تثبت الخلل الموجود في هذا المشروع كيف أنه يعد ملغى ضمنيا . لكن رغم كل ما ذكر تبقى هناك تساؤلات  تطرح نفسها و بقوة ، ألا وهي،  ما الغاية من تشريع هذا القانون في مثل هذه الظرفية ؟  وهل استغلت الحكومة هذه الظرفية لتنفيذ مخططها ألمصلحي ؟ التي تهدف من خلاله إلى حماية مصلحة الشركات والمقاولات التي تضررت من أحداث المقاطعات التي شهدتها المملكة السنة الماضية و ما مصير الحقوق و الحريات العامة ؟ التي ربما قد ذبحت في إطار هذا القانون، كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها في المطلب الثاني .

 

  • الفقرة الثانية : آثار قانون 22.20 على مجال الحقوق والحريات

ثارت التساؤلات و النقاشات حول هذا القانون الذي وضح العقول في حيرة ، ما إذ كان وجود هذا القانون حق أم هو مجرد بوليميك سياسي خلق من أجل إحداث شوشرة شعبية لا غير ، لكن بما أن مسودة هذا القانون تم تسريبها فإن بإمكاننا  القول أننا أمام قانون قد يخرج للوجود ، لكن السؤال هنا ، ما هي تبعات هذا القانون ؟

إن هذا الأخذ و الرد في الحديث عن هذا القانون ليس الهدف منه جلد الحكومة أو الطعن فيها ، بل إما نقاش هدفه  استيعاب مضمون هذا القانون و كذا معرفة الغاية من وراء تشريعه . وهل بإمكاننا القول أن الحكومة استغلت مشروعيها بالتشريع في هكذا ظروف لتطبيق سياسة  المصلحة التي تهدف لحماية مصالح جهات أخرى عن طريق قمع حرية المواطن .

وإننا وبرجوع لمقتضيات هذا القانون سنجد أنه وعد بإسقاط عقوبات زجرية على مخلفيه ، مددا بإقرار المسؤولية الجنائية لمجرد ممارسة الحق في التعبير عبر الإعلان عن المقاطعات ، ومفهوم المسؤولية الجنائية هنا معناه أن النيابة العامة ستقوم بتحريك المتابعة الزجرية في حق كل من سار على نفس المنوال و هذا ما تؤكده المادة 14 من هذا القانون (22.20) في بابه الثالث المتعلق بالمقتضيات الزجرية بالإضافة لكل من المادة 13و 15   التي تضم عقوبات على أفعال مشابهة . ونجد إلا جانب هذه المقتضيات ، مقتضى يقضي بمعاقبة كل من قام بنشر أو الترويج  أخبار الزائفة ، و ربما هذه نقطة تحسب له ، فلا يختلف اثنان حول خطورة هذه الأخبار ، وما قد تسببه من أضرار على المتلقي ، لكن أن نثني على هذه النقطة لا يعني أننا برئنا القانون من تلك المقتضيات التي سبق ذكرها والتي ستسبب ولادة آثار ربما لن تحمد عقباها فأمام الضغط الذي تعيشه الأنفس و أمام  سياسة تكميم الأفواه المدفونة في سطور هذا القانون ربما هذا سيكون ضغطا ومن تم انفجارا ، كذلك قد تنشأ تبعات نتائجها ستُفقد للقانون قيمته ذلك إذا اعتبرنا أن سن هذا القانون سيشكل ضربا في قواعد القانون كومنه من القواعد الآمرة والعامة ، فبدلا من أن يكون الأصل هو حماية المصلحة العامة و تقديمها على المصلحة الخاصة سيكون العكس ، أيضا من النتائج التي قد تظهر مع تشريع قانون 22,20 هي ربما سيجعل المخاطبين بهذا القانون يفتعلون وسائل غير مشروعة لإخفاء هوياتهم ذلك من أجل إيصال رسائلهم وكما لا يخفى على أحد أن عالم المعلوميات هو عالم بلا حدود و يمكن القول أنه قاتل مأجور.كما أن من الممكن أن يفتح أبواب العش و التزوير في السلع مع العلم أننا أصبحنا في عصر التجارة الرقمية . زد على ذلك أن تشريع هذا القانون سيجعل الحكومة تتمركز في مكان تنسف فيه ثقة الشعب بها.

لكن رغم كل ما ذكر إلا أن هناك تساؤل مركزي سيضل عالقا في أذهاننا وهو : ما هي النية المضمرة وراء هذا القانون ؟.

 

الخاتمة

إن حديثنا حول هذا الموضوع و حول هذا القانون تحديدا ما هو إلا تساؤل طرق باب فضولنا هدفه الإطلاع على خبايا هذا القانون و ليس الهدف منه جلد الحكومة والتحريض ضدها ، إنما هو إشكال تدور محاوره حول معرفة مصير مجال الحقوق و الحريات بعد سن هذا القانون ، وهل سيذهب مبدأ الدستورية أدراج الرياح إذا تم إقرار هذا القانون . هذا ما تمت الإجابة عنه في مثن الموضوع ذلك أدلة منطقية و أخرى قانونية معرجين بذلك على الآثار التي قد تلحق من وراء سنه. لكن ما كانت هذه التساؤلات لتولد لولا ذلك التسريب الذي وقع لمسودة هذا المشروع و الذي أيقظ الرأي العام ليعرف ما له وما عليه.

وبعيدا عن التفسيرات الشعبية و الآراء العامية لهذا القانون ، فإن تشريع هذا القانون سيشكل قنبلة موقوتة في وسط التشريع الوطني و كذا الدولي هذا الأخير الذي كرس للمبادئ العامة لحريات التعبير و التي اعتبرها من المبادئ المقدسة التي تم التوقيع عليها و إقرارها  مند الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى