تأثير جائحة كورونا على حقوق الطفل
قمرية قباب
باحثة بسلك الدكتوراه
أستاذة زائرة
بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية –السويسي.
مقدمة
تضمن الاتفاقيات والمعايير الدولية حقوق الطفل، من ضمنها حق التعليم وحق اللعب ومزاولة الأنشطة الترفيهية والثقافية، الشيء الذي يتوخى اتخاذ كل تدابير لمنع أي تهديد أو حرمان لهذه الحقوق ، حيث أن جل الاتفاقيات الدولية تسهر على حماية وضمان هذه الحقوق ، ومدى التزام الأطراف على احترامها. وهو ما اتخذه المغرب في مجال النهوض بحقوق الطفل من خلال النصوص التشريعية[1] الساعية لتوفير ضمانات لرعاية الطفولة المغربية وحماية حقوقها من خلال إدراج مقتضيات الاتفاقيات الدولية بها، إلا أن تقييد حقوق الطفل في سياق الأزمة الصحية العالمية التي فرضت حالة الطوارئ في المغرب وكل دول العالم من غربها وشرقها بتطبيق الحجر الصحي وفرض التباعد الاجتماعي، مما أثر سلبا على حياة الأطفال العادية ، إذ أن الهدف من ذلك ضمان سلامتهم الصحية التي هي من الحقوق الأساسية .
فكيف ساهمت جائحة كورونا في التأثير على حقوق الطفل خلال فترة الحجر الصحي؟
أولا : تأثر حق التعليم بجائحة كورونا
يشكل الحق في التعليم حقا من الحقوق العامة للمحافظة على شخصية الطفل الطبيعية، والذي من خلاله يكتسب الطفل مجموعة من المزايا، إذ بالتعليم تنمو الشخصية و ينمو المجتمع معا ، ولقد نص الفصل 32 من الدستور[2] على أن : ((التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والمجتمع))، وذلك بالتساوي للطفل والطفلة، وللغني والفقير على حد السواء ودون تمييز؛ وهو ما نصت عليه المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي جاء فيها :((تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم ، وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.))[3] ، وبالرجوع إلى القرار العام رقم 13(1999) في الفقرة 1 منه بخصوص هذه المادة جاء فيه مايلي: ((إن الحق في التعليم حق من حقوق الإنسان في حد ذاته، وهو في نفس الوقت وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان الأخرى. والتعليم، بوصفه حقاً تمكينياً، هو الأداة الرئيسية التي یمكن بها للكبار والأطفال المهمشين اقتصادیا واجتماعيا أن ینهضوا بأنفسهم من الفقر وأن یحصلوا على وسيلة المشاركة كليا في مجتمعاتهم. وللتعليم دور حيوي في تمكين المرأة، وحمایة الأطفال من العمل الاستغلالي والذي ینطوي على مخاطر، وكذلك من الاستغلال الجنسي، وفي تشجيع حقوق الإنسان والدیمقراطية، وحمایة البيئة، ومراقبة نمو السكان. ویُعترف بالتعليم بشكل متزاید بوصفه واحداً من أفضل الاستثمارات المالية التي یمكن للدول أن تستثمرها. ولكن أهمية التعليم ليست أهمية عملية وحسب، فالعقل المثقف والمستنير والنشط القادر على أن یسرح بحریة وإلى أبعد الحدود هو عقل ینعم بمسرّات الوجود ومكافآته))[4].
لكن هذا الحق عرف نوعا من التقييد بفعل انتشارفيروس كورونا كوفيد 19 الذي لم يسلم منه المغرب. مما دفع الدول عامة والمغرب خاصة بالاستجابة للأنظمة التعليمية عن بعد لضمان استمرارية التعليم والتعلم .إذ منذ انتشار فيروس كورونا وباتخاذ التدابير الاحترازية، من ضمنها إغلاق المدارس وتعليق الدراسة الحضورية كإجراء وقائي، تم الإعلان عن تفعيل البيداغوجية عبر عملية التعليم عن بعد لفائدة التلاميذ من أجل استكمال مقرراتهم الدراسية، من خلال المنصات الرقمية والقنوات التلفزية. وهنا كان مربط الفرس،إذ أن هناك أطفال يعيشون في القرى ومناطق نائية بعيدة عن مقر المدرسة، ناهيك عن الأطفال الذين يستفيدون فقط من التعليم العتيق، وهؤلاء أغلبهم لا يتوفر على تلفاز، أو مذياع، أو هاتف ذكي، ولوحة إلكترونية، وأنترنيت يضمن لهم معرفة ما يحدث في العالم والاستفادة من الدروس عن بعد. إذ ما مصير هؤلاء الأطفال من حق التعليم عن بعد المعلن عنه؟. ذاك أن التعليم يجب أن يكون في متناول الجميع ولاسيما الأطفال الذين يعيشون الفقر وعلى عتبة خط الفقر .
فإذا كان التعليم الرقمي الهدف المنشود في عصر التكنولوجيا السريعة والمتطورة فإننا بالحاجة إلى تعليم متوازن ومتطور من حيث المناهج العلمية ومدرسة متطورة بآلياتها، فإذا كانت المادة 28 في فقرتها رقم 3 من اتفاقية حقوق الطفل تنص على أن : ((تقوم الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بتعزيز وتشجيع التعاون الدولي في الأمور المتعلقة بالتعليم ، وبخاصة بهدف الإسهام في القضاء على الجهل والأمية في جميع أنحاء العالم وتيسير الوصول إلى المعرفة العلمية والتقنية وإلى وسائل التعليم الحديثة…))[5].
فإن الدستور المغربي في الفصل 31 منه نص على أنه :
((تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
-…………
-الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة)).
فانطلاقا من ذلك إن العمل بالتعليم الرقمي يتطلب توفير اللوازم الأساسية لنجاح المنظومة التعليمية عن بعد، حتى يتمكن أطفال وطننا من هذه الاستفادة ، لكن وباء كورونا كشف على أن الدولة ليس لديها الإمكانيات المادية التي بموجبها يمكن ضمان التعليم عن بعد. مما يؤدي إلى عدم استفادة الأطفال بالتساوي من هذه العملية .
كما أن التعليم عن بعد قد يكون صالحا في فترة الحجر الصحي لكنه خارج هذه الفترة من الصعب العمل به إذ لا يشكل راحة نفسية للأطفال، والكل لاحظ ويلاحظ أن إغلاق المدارس في المغرب وعبر العالم وانقطاع الأطفال عن العالم الخارجي بسبب الحجر الصحي المفروض، جعلهم يدخلون في مواجهة حقيقية مع فيروس كورونا وتحديا صعبا انعكس عليهم وعلى أولياء أمورهم ، فمن الآباء من لا يتوفر على قوت يومه فكيف له أن يوفر لطفله أو طفلته لوحة إلكترونية أوهاتف ذكي و الأنترنيت، لاسيما الأسر التي لديها طفلين أو أكثر يواصلون دراستهم في المراحل الابتدائية، وبالتالي فإن المدارس في بعديها المكاني والاعتباري والدراسة الحضورية لها تأثير إيجابي على نفسية الأطفال، وتشكل الاستقرار النفسي والحياة الطبيعية للأطفل لملاقاة أقران من عمرهم وثقافتهم وسلوكياتهم، فهي المكان الذي تتنمى فيه شخصية الطفل، خصوصا في المراحل العمرية الأولى حيث يواجه الغير، مما يبعده عن عزلته، وهو ما نصت عليه المادة 29 من اتفاقية حقوق الطفل المشار إليها أعلاه و التي جاء فيها :
(( توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجها نحو:
أ-تنمية شخصية الطفل ومواهبه و قدراته العقلية و البدنية إلى أقصى إمكاناتها؛
– تنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمبادئ المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة؛
– تنمية احترام الطفل لذويه وهويته الثقافية ولغته وقيمه الخاصة و القيم الوطنية للبلد الذي يعيش فيه الطفل و البلد الذي نشأ فيه بالأصل،والحضارات المختلفة عن حضارته؛
– إعداد الطفل لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر، بروح من التفاهم والسلم و التسامح والمساواة بين الجنسين، والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات الإثنية والوطنية والدينية، والأشخاص الذين ينتمون إلى السكان الأصليين .
– تنمية احترام البيئة الطبيعية .)).
فهذا الفسيفساء المنصوص عليه في هذه المادة من تنمية شخصية الأطفال لن يتأتى إلا بفعل مدرسة فعلية حقيقية ومتطورة باعتبارها العامل الأول المؤثر في شخصية الطفل وبناء مجتمع قوي ومتماسك.
ثانيا : تأثر حق اللعب ومزاولة الأنشطة الترفيهية والثقافية بجائحة كورونا
يعترف المجتمع الدولي منذ وقت طويل بما للعب والاستجمام من أهمية في حياة كل طفل ، كما يدل على ذلك التصريح الذي جاء في إعلان حقوق الطفل لعام 1959: ” يجب أن تتاح للطفل فرصة كاملة للعب واللهو… ؛ وعلى المجتمع والسلطات العامة السعي لتيسير التمتع بهذا الحق ” (المادة 7)[6].
وهو ما نصت عليه المادة 31 في اتفاقية حقوق الطفل التي جاء فيها مايلي:
(( 1- تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون.
2- تحترم الدول الأطراف وتعزز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية وتشجيع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والإستجمامي وأنشطة أوقات الفراغ. ))
إذ يعتبر حق اللعب ومزاولة الأنشطة الترفيهية والثقافية من الحقوق الأساسية للطفل التي من خلالها ينشأ ويترعرع، وينمو الطفل سليما وينمي مهاراته، لكن في ظل الظرفية الاستتثنائية عرفت هذه الحقوق تقييدا بفعل الحجر الصحي المفروض بفعل جائحة كورونا ، حيث أن نفسية الأطفال تغيرت في هذه الفترة بسبب عزلهم عن العالم الخارجي والمحيط الذي اعتادوا عليه، فالطفل دائما بحاجة لفضاء أرحب يستطيع فيه اللهو واللعب كما يشاء، إذ هناك أطفال من يتوفر على أماكن للعب بل ومنتزهات ومسابح داخل منازلهم وحدائق، وهناك من الأطفال من يسكن في بضع أمتار لا متنفس ولا فضاء رحب، إضافة إلى أطفال السكن الاضطراري الذي تضم فيه المساحة جيران متعددين منهم من لا يسمح للطفل حتى برفع صوته فكيف باللعب والترفيه .
إن الأطفال يجب أن توفر لهم الإمكانيات لمزاولة اللعب والأنشطة الترفيهية والثقافية التي تولد في شخصيتهم تنمية روح الابتكار وإعطاء حس الانتماء للثقافة التي ينتمون إليها وإعطاء الشعور بالهوية. ويستنسخ الأطفال الثقافة ويحولونها ويبتكرونها وينقلونها من خلال لعبهم الإبداعي وأغانيهم ورقصهم، ونشاطهم وقصصهم ولوحاتهم، وألعابهم ومسرحهم في الشارع ودماهم ومهرجاناتهم، وما إلى ذلك. ومع اكتسابهم فهماً للحياة الثقافية والفنية حولهم من علاقاتهم بالبالغين والأقران، يترجمون معناها ويكيفونه من خلال التجربة الخاصة بجيلهم. ويقوم الأطفال، من خلال مشاركتهم مع أقرانهم، بابتكار ونقل لغتهم وألعابهم وعوالمهم السرية وتخيلاتهم وغير ذلك من المعارف الثقافية. ويولد لعب الأطفال “ثقافة للطفولة”، من الألعاب في المدارس وساحات اللعب إلى الأنشطة الحضرية[7].
وتبرز الأدلة البحثية أن اللعب يحتل مكانة محورية أيضا في اندفاع الأطفال العفوي نحو النمو، وأنه يؤدي دورا هاما في نمو الدماغ خاصة في السنوات الأولى. وييسر اللعب والاستجمام قدرة الأطفال على التفاوض واستعادة التوازن العاطفي وتسوية النزاعات واتخاذ القرارات. ومن خلال المشاركة في اللعب والاستجمام، يتعلم الأطفال الممارسة؛ ويستكشفون ويختبرون العالم حولهم؛ويختبرون أفكارا وأدوارا وتجارب جديدة، ويتعلمون بذلك فهم وبناء وضعهم الاجتماعي في العالم[8].
إن وباء كورونا وما فرضه من حجر صحي أبان بشكل قطعي عن التمييز الذي يعيشه الأطفال، لا سيما الذين هم في وضعية هشة، وكذا سكان القرى والمناطق النائية، الذين لا يستطيعون ممارسة أبسط الحقوق التي يمكن الاستفادة منها من تعليم ولعب وترفيه ؛ ناهيك عما خلفه هذا الوباء من أضرار نفسية على الأطفال الذين واجهوه بصمت لعدم قدرتهم على إيصال ما بأنفسهم لصغر سنهم، وما يعانونه من أزمة نفسية نتيجة تداعيات وباء كورونا كوفيد-19 والحجر الصحي، وما تركه من ذكريات ستظل عالقة في ذهن كل طفل حسب البيئة التي ينتمي لها والوسط الذي يعيش فيه؛ فمن الأطفال من لم يؤثر عليه الحجر الصحي ولا جائحة كورونا ، ومن الأطفال ما انعكست الجائحة على صحته النفسية والجسدية، وما واجهوه من فقر وتهميش وعنف منزلي، ومن الأطفال من فقد أحد أبويه أو أحد أقاربه بسبب فيروس كورونا. ولا أحد اليوم يستطيع أن يتنبأ بمصير الأطفال في مجتمع الغد الذين عاشوا وتعايشوا مع هذا الوباء والحجر الصحي بكل إيجابياته وسلبياته .
[1] -هناك مجموعة من النصوص التشريعية الوطنية التي تضمن حقوق الطفل في التعليم منها :
-ظهير شريف رقم 1.00.200 صادر بتاريخ 1421(19 ماي2000)بتنفيذ القانون رقم 00.04 بتغيير الظهير الشريف رقم 1.63.071 الصادر في 25 جمادى الآخرة 1383(13نونبر1963) حول إلزامية التعليم الأساسي. الجريدة الرسمية عدد 4798بتاريخ 21صفر1421(25ماي2000).
-ظهير شريف رقم 1.00.3201 صادر بتاريخ 15 صفر1421(19 ماي 2000) بتنفيذ القانون رقم 05.00 بشأن النظام الأساسي للتعليم الأولي.الجريدة الرسمية عدد4798 بتاريخ 21 صفر1421(25 ماي 2000).
-ظهير شريف رقم 1.02.09 صادر في 15ذي القعدة 1422(29يناير2002) بتنفيذ القانون رقم 13.01 في شأن التعليم العتيق .الجريدة الرسمية عدد 4977 بتاريخ 28 ذي القعدة1422(11فبراير2002).
ومن النصوص التشريعية المتعلقة بالحق في مزاولة اللعب و الأنشطة الترفيهية و الثقافية نذكر منها:
– المادتين 15 و16 من الظهير الشريف رقم 1.03.113 صادر بتاريخ 18من ربيع الآخر 142419(19 يونيو2003) بتنفيذ القانون رقم 71.99 المتعلق بالفنان .الجريدة الرسمية عدد5126 بتاريخ 16جمادى الأولى 1424(17يونيو2003).
–ظهير شريف رقم 1.01.299صادر في 29 رجب 1422يقضي بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الجريدة الرسمية عدد4948 بتاريخ 15 شعبان(1نونبر2001).
[2] -ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر بتاريخ 27 شعبان1432(29يوليوز2011)بتنفيذ نص الدستور.الجريدة الرسمية عدد5964مكرربتاريخ 28شعبان1423(30يوليو2011).
[3] -العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، اعتمد وعرض للتوقيع و التصديق والانضمام بقرار الجمعية العامة 2200ألف(د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر1966 تاريخ بدء النفاذ 3يناير1967.
[4] -التعليق العام للأمم المتحدة رقم 13(1999) الحق في التعليم المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية .
[5] -ظهير شريف رقم 1.93.363 صادر في 9 رجب 1417(21 نوفمبر1996) بنشر الاتفاقية المتعلقة بحقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر 1989. الجريدة الرسمية عدد 4440 الصادرة في 8 شعبان 1417(19 ديسمبر1996).
[6] -التعليق العام للأمم المتحدة رقم17(2013) بشأن حق الطفل في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام و المشاركة في الحياة الثقافية وفي الفنون(المادة31).
[7] -التعليق العام رقم 17(2013)،(المادة31).
[8] – التعليق العام (المادة31).