الحقوق الأساسية في حالة الطوارئ الصحية – حرية التنقل نموذجا –
الحقوق الأساسية في حالة الطوارئ الصحية – حرية التنقل نموذجا –
عندما تصبح معظم الدول في العالم عاجزة عن حماية مكوناتها، تلجأ إلى سن قوانين استثنائية تجعلها في مأمن من الأخطار التي تهددها، وعلى غرار جائحة تفشي فيروس كوفيد-19، فقد لجأت الدولة المغربية إلى سن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، والإعلان عنها بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة انتشار الوباء، كوفيد-19، وهي حالة بادرت إلى تقييد جزئي للحريات الأساسية، كما هو الشأن بالنسبة لحرية التنقل و حرية التجمع، مع اتخاذ تدابير تنظيمية وإدارية، يمكن لها أن تكون مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية المشروعة.
ومن هذا المنطلق فإعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب يطرح معه إشكالية تتعلق بحرية التنقل بين التشريع الوطني و التشريع الدولي، في منظور الاتفاقيات الدولية.
ومن خلال هذا الطرح الإشكالي سنحاول معالجته وفق نقطتين محوريتين:
- تجليات حرية التنقل في النصوص التشريعية الوطنية خلال الطوارئ الصحية
- المعايير الدولية التي تنطبق على حرية التنقل خلال حالة الطوارئ الصحية.
- تجليات حرية التنقل في النصوص التشريعية الوطنية خلال الطوارئ الصحية.
عرف إعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب نقاشا قانونيا ودستوريا بحيث لم يرد في الدستور المغربي لسنة2011 صيغة قانونية تنظم حالات الطوارئ الصحية، إذ أنه
اكتفى فقط بالنص على حالة الحصار “الفصل74″،بعد التداول بشأنها في المجلس الوزاري، حيث يمكن للملك إعلان حالة الحصار بمقتضى ظهير موقع بالعطف من قبل رئيس الحكومة.
كما نص الدستور على حالة الاستثناء في “الفصل59″ وربطها المشرع بمجموعة من الشروط الشكلة حث يتعين على الملك استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ، ورئيس المحكمة الدستورية وتوجيه خطاب إلى الامة.
وقد اعتمدت الحكومة على إصدار بلاغ لوزارة الداخلية في 19مارس 2020، غير أنها تداركت الوضع في 23مارس2020 بإصدار مرسوم بقانون رقم2.20.292 في إطار التدابير المتخذة من طرف الحكومة، ويتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، على أساس أنه يخول اتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية الأشخاص وضمان سلامتهم، كما أنه لا تحول هذه التدابير المتخذة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.
وقد جاء هذا المرسوم في إطار تطبيق الفصل 21 والفصل24- الفقرة الرابعة – من الدستور، وأيضا تطبيقا لما جاء في الفصل 81 من الدستور، ومن خلاله ” يمكن للحكومة أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين مراسيم قوانين ،يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان خلال دورته العادية الموالية”، ثم بناء على اللوائح التنظيمية لمنظمة الصحة العالمية، وبالاتفاق مع اللجنتين المعنيتين بحيث صادقت عليه كل من “لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب، ثم لجنة الداخلية والجماعات الترابية والبنايات الأساسية بمجلس المستشارين” .
وبقراءتنا لهذا المرسوم يتبين لنا ما يلي :
- بناء ديباجة مرسوم القانون على الفصلين 21 و24 من الدستور لكي يكون محترما لمبدأ الشرعية الدستورية، حيث جاء “الفصل 21” المشار إليه بصيغة الزام السلطات العمومية بالمحافظة على سلامة الفرد وأقربائه وحماية ممتلكاته، بينما “الفصل 24” من الدستور فهو جاء بحماية مجموعة من الحقوق وهي الحق في حماية الحياة الخاصة والحق في حماية الاتصالات الشخصية والحق في التنقل، فإنه من الملاحظ أن هذا المرسوم جاء لحماية الحياة الشخصية وفي نفس الوقت جاء بمقتضيات تحدد من حرية التنقل المكفولة دستوريا .
- تحديد الجهة المسندة إليها تطبيق هذا المرسوم و هي الحكومة من خلال وزارة الداخلية ووزارة الصحة فقط باتفاق مشترك بينهما.(المادة الثانية من المرسوم المشار إليه اعلاه)
- تنصيص على التزامات المواطنين وعلى واجبات الحكومة تجاههم بحيث أن المادة 04 من هذه المرسوم جاءت بصيغة إلزامية التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطة العمومية، وكل مخالف لها يتعرض بعقوبات زجرية المشار إليها في الفقرة الثانية منها الى جانب العقوبات الجنائية الاشد لتفسح المجال أمام تطبيق القانون الجنائي المغربي حسب الفعل المرتكب.
ومن خلال هذا المرسوم يتضح استناده على الفقرة الرابعة من الفصل24 من الدستور التي تنص على أن حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه والخروج منه، والعودة إليه مضمونة للجميع وفق القانون.
واعتبارا لما نحن عليه اليوم من قوانين جديدة واستثنائية في تنظيم حرية التنقل، فصحيح أن الفقرة الرابعة من هذا الفصل، تضمن للجميع حرية التنقل، إلا أنها لم تنص على ممارسة هذه الحرية بشكل عادي وإنما وفق القانون المنظم لها و المتعلق بسن الأحكام الخاصة بحالة الطوارئ الصحية.
ولتطبيق حالة الطوارئ، فقد صدر يوم 20 مارس 2020 مرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورنا”كوفيد19″، ينص هذا المرسوم على مجموعة من التدبير اللازمة التي تتخذها الحكومة لمنع الأشخاص من مغادرة مساكنهم والمحلات سكناهم إلا في حالات الضرورة القصوى، بالإضافة إلى منع أي تجمهر أو اجتماع لمجموعة من أشخاص مهما كانت أسباب الداعية إلى ذلك ،وكل هذه الإجراءات تهدف إلى حماية حياة المواطنين وإن كانت قد حرمتهم من بعض الحقوق الاخرى كحق التنقل وحق العمل.
و انطلاقا من هذين المرسومين قد تقرر إعلان حالة الطوارئ الصحية وتقييد حركة التنقل في البلاد من يوم الجمعة 20مارس 2020 على الساعة السادسة مساءا، كإجراء وقائي من انتشار الوباء.
ثم القيام باتخاذ تدابير استثنائية تستوجب الحد من حركة المواطنين من خلال ضرورة استصدار وثيقة رسمية من لدن رجال وأعوان السلطة وفق الحالات التي تقرر العمل بها المادة الثانية من مرسوم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ.
بالإضافة إلى تقييد حق التنقل داخل التراب الوطني، فقد ثم حظر الرحلات البرية والجوية والبحرية وكذا حظر عودة المغاربة المقيمين في بلدان المهجر إلى ترابهم الوطني وحظر لجوء الأجانب المقيمين في المغرب إلى بلدانهم، هو حق مشروع وطنيا ودوليا وذلك لما فيه من مساس بسلامة الشعب وكذا تهديد لحوزة التراب الوطني استنادا للمقتضيات الدستورية والأحكام العامة لحالة الطوارئ الصحية.
- المعايير الدولية التي تنطبق على حرية التنقل خلال حالة الطوارئ الصحية.
أدى إنشار فيروس “كورونا”covid19 في أغلب دول العالم إلى اتخاذ إجراءات استثنائية متسارعة لاحتواء العدوى، بعد إعلان منظمة الصحة العالمية أن تفشي الفيروس يصنف كحالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا، وإعلانها أيضا أن فيروس كونا – كوفيد19-جائحة عالمية، بحيث دعت دول العالم إلى ضرورة مواجهة ومحاصرة انتشاره.
بالرجوع إلى العديد من المواثيق الدولية نجدها أطرت حالة الإعلان عن حالة الطوارئ كالتي تعيشها المملكة المغربية في الوقت الراهن المتخذة للوقاية من فيروس كوروناcovid19– للحفاظ على سلامة المواطنين وصحتهم وأمنهم، ولعل أبرزها يكمن من خلال:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث نصت المادة 29 منه على مشروعية إقرار حالة الطوارئ التي يفرضها القانون وما يترتب عنها من تقييد الأفراد في جزء من حرياتهم الأساسية متى ارتبط ذلك بضرورة حفظ النظام العام وأساسا المصلحة العامة في الوضعية الصحية الراهنة ، وهو ما يمكن تفسيره مباشرة من الفقرة الثانية من نفس المادة التي تقول “لا يخضع أي فرد، في ممارسة حقوقه وحرياته، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفا منها، حصرا، ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي”.
ثم بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، نجده أقر بمجموعة من الشروط الأساسية لفرض حالة الطوارئ عند وجود خطر عام واستثنائي يتهدد وجود الأمة، من خلال تأكده على أن حالة الطوارئ هاته تعلن في ضوء تقدير دقيق وموضوعي للأحداث بحيث تناسب التدابير المتخذة الوضعية القائمة دون مبالغة فيها، على أن يتم إعلان حالة الطوارئ بشكلٍ رسمي وذلك منعا لانتشار الممارسات الضارة بالحريات في أوقات ليس لها طابع الطوارئ، وهو السند القانوني الدولي الذي يدعو إلى إصدار القانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها حسب “المادة الرابعة” من العهد التي تنص على: “أنه في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد…”.
وفي الاتجاه نفسه نص العهد الدولي في الفقرة الأولى من “المادة 4” ألا تكون التدابير المتخذة متعارضة مع التزامات الدولة المعنية بموجب القانون الدولي، كما أنه قد حذر من أن تأخذ إجراءات الطوارئ نزعة تميزية قائمة على العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، هذه الأخيرة التي لم تتناولها الحكومة في المرسومين المتعلقين بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، ثم المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية.
أما الفقرة الأولى من “مادته 12″فإنها تنص على “أنه لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم ما له حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته”، وجاء في الفقرة الثانية منه “أنه لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده”، أما الفقرة الثالثة منه فتدعو إلى تقييد الحرية لضرورة حماية مجموعة من الحقوق والحريات ضد أخطار تهدد حماية الصحة العامة والتي تنص على : “أنه لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متماشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد”.
ومن خلال التعليق العام رقم 27 على المادة 12 في فقرتها الرابعة على أنه “لا يجوز حرمان أحد تعسفا من حق الدخول إلى بلده”، وبهذا الصدد فإنه قد ترد بعض الاستثناءات قلما تكون فيها ظروف يمكن اعتبارها معقولة لحرمان شخص ما من الدخول إلى بلده، وكما هو الحال بالنسبة للتدابير والإجراءات التي اتخذتها الدولة المغربية خلال حالة الطوارئ الصحية جراء تفشي وباء كورنا- كوفيد19-.
بحيث أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط شعبة القضاء الاستعجالي أمرا تحت رقم 955 بتاريخ 31-03-2020،في ملف رقم 661/7101/2020، وبرفض طلب زوجين مغربيين الجنسية للدخول إلى المغرب عبر ميناء طنجة المتوسطي بواسطة سيارتهما بعدما ظلا عالقين بالجزيرة الخضراء على إثر إعلان حالة الطوارئ الصحية .
حيث أن الطلب قدم أمام القضاء الاستعجالي في إطار حماية حق دستوري تم المساس به وهو حق الدخول والخروج إلى التراب الوطني المكفول بمقتضى “الفصل24 “من الدستور والمؤكد بالمواثيق الدولية والتي من شأن المساس بها يتوافر عنصر الاستعجالي المبرر لتدخل قاضي المستعجلات.
فإنه عطفا على ما ذكر أعلاه فإن طلب الزوجين عن الطريق الإذن بالدخول إلى التراب الوطني يبقى مستند على غير ذي أساس وخرق لحالة الطوارئ الصحية، وخاصة أن ما قامت به السلطات المغربية يمثل المشروعية الآنية في ظل الوضع السائد وأن القاضي الإداري الاستعجالي يحمي المشروعية في كل الأحوال، مما يتعين معه رفض الطلب.
ثم الرجوع إلى مقتضيات الوثيقة الدستورية لسنة 2011 والتي تشكل أسمى قانون بالبلاد، نجدها تجعل من الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية تسمو على التشريعات الوطنية، وعليه فإن الاعتماد على هذه الاتفاقيات في إعلان حالة الطوارئ الصحية خلال الظرفية الراهنة، جاء كمعيار ينطبق مع هذه المرحلة الراهنة، و كسند مرجعي للمغرب في فرض القيود والتدابير المتخذة لمواجهة هذا الوباء ، وهكذا جاء في الفقرة الأخيرة من ديباجة الدستور ما يلي: “… جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة”.
وختاما لما تم استخلاصه عند إعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب من ملاحظات يمكن سردها كالآتي:
- أنه من أجل ضمان سلامة المواطنين، من الضروري الاتجاه إلى أنجع الوسائل لمواجهة الأزمات العصيبة.
- أن تقييد حق التنقل داخل الوطن وحظر الرحلات البرية والجوية والبحرية، وكذلك حظر عودة المغاربة المقيمين في بلدام المهجر إلى أرض الوطن هو حق مشروع وطنيا ودوليا، وذلك لما فيه مساس بسلامة الشعب وكذا تهديد التراب الوطني استنادا للفصول 21و49و50و59و92.
- ثم انه ما يمكن ان نستشفه من حالة الطوارئ التي يعرفها العالم عامة والمملكة المغربية خاصة بسبب فيروس كورونا تستدعي الخروج عن السير العادي لبعض القوانين والإجراءات المعتمدة أثناء الاحوال العادية.
- أن الدولة المغربية من خلال هذه التدابير الاحترازية الواسعة لتعزيز وحماية المجتمع من التداعيات المحتملة منذ تسجيل أول إصابة إلى الآن دليل على وعيها الكامل بمسؤوليتها تجاه المواطنين وتقديرها لحقوقهم المتنوعة والمتعددة بحيث أنها حافظت على حق من حقوق الإنسان والمتمثلة في حق الحياة وضمان سلامة المواطنين من خلال حظر السفر وتقييد التنقلات داخل المدن ، وعليه فإن حق الحياة هو حق مشترك لجميع الأفراد، لذلك لا يمكن المساس به مهما كانت الدواعي والمبررات.
أهم المراجع المعتمدة:
- دستور المملكة المغربية لسنة2011 الصادر بشأن تنفيذه الظهير الشريف1.11.91 بتاريخ27شعبان 1432 الموافق ل29 يوليوز 2011.
- مرسوم بقانون رقم2.20.292 الصادر بتاريخ 23 مارس2020،الذييتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الجريدة الرسمية عدد6867 .
- مرسوم رقم 2.20.293 الصادر بتاريخ 24مارس 2020المتعاق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة فيروس كورونا – كوفيد19-، الجريدة الرسمية عدد6867.
- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966.
- التعليقات العامة والتوصيات العامة للجنة حقوق الإنسان، الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، المجلد الأول، 2008.