تأثير جائحة كورونا على عقود الشغل الفردية
تقديم:
يقال في طية كل نقمة نعمة وفي المحن تظهر المنح، في زمن السرعة صار الجميع مطالبا بالدخول في سباق ضد السرعة من أجل الهدوء والحكمة والتبصر، في زمن تتكاثف معها الجهود وحرب يجهل فيه العدو وتكثر فيه الضحايا فقد أثارت مخاطر الأمراض والأوبئة عبرالعصور الكثير من الأسئلة والاشكالات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية كذلك، وهو نفس النقاش الذي تطرحه الان جائحة كورونا المستجد الذي ظهر بمدينة وهان الصينية، لينطلق بعدها وينتشر في العديد من الدول، منها الاوربية، والأمريكية، وصولا للقارة الأفريقية.
فالأوبئة الصحية واقعة مادية صرفة، تكون لها آثار سلبية واضحة يمكن رصد ملامحها على العلاقات القانونية بوجه عام والعلاقات التعاقدية على وجه الخصوص، حيث تتصدع هذه الروابط نتيجة ركود أو شلل يصيب بعض القطاعات الاستثمارية، ما يجعل من المستحيل أو على الأقل من الصعب تنفيذ بعض الالتزامات أو يؤخّر تنفيذها.
ومع تفشي هذا الوباء في جل بقاع العالم فقد كان له عظيم الأثرعلى حياة الشعوب وعلى الاقتصاد العالمي مما زاد من تفاقم المشاكل الاجتماعية من تسريح وفصل وانهاء لعلاقات الشغل.
وقد أحاط المشرع المغربي عقد الشغل بمجموعة من الضمانات من بداية انشائه إلى حين انتهائه وحل العلاقة الشغلية، اذ لا يمكن أن يتم انهاؤه الا وفق مبررات معينة مبنية على شكليات خاصة نذكر منها حالة القوة القاهرة كسبب مبررلانتهاء عقد الشغل.
فإلى أي حد يمكن اعتبار جائجة كورونا كقوة قاهرة؟ وما هو تأثير الجائحة على عقود الشغل؟ وماهي الإجراءات المطبقة للحفاظ على المراكز الاجتماعية والمالية للأجراء؟
للإجابة على كل هذه الإشكالات المطروحة أعلاه ارتأينا من خلال مقاربتنا للموضوع الاعتماد على التصميم التالي :
- المطلب الأول : القوة القاهرة في القانون المغربي.
- المطلب الثاني : تأثير فيروس كورونا على عقود الشغل.
المطلب الأول : القوة القاهرة في القانون المغربي
تقضي القاعدة العامة بأن انتفاء المسؤولية كانت تعاقدية أو تقصيرية يكون بسبب أحد الأسباب المعفية منها، ومن بينها القوة القاهرة إذا ما اكتملت فيها كل الشروط، غير أن تطبيق نظرية القوة القاهرة على جميع الإلتزامات التعاقدية هو أمر لا يستقيم وطبيعة بعض المعاملات، الأمر الذي يستدعي إسنادها إلى أحكام أخرى، هذا يدفعنا إلى دراسة نظرية القوة القاهرة من خلال تعريفها(الفقرة الأولى)، والتطرق إلى مدى إنطباقها على جائحة كورونا المستجد(الفقرة الثانية)، بغية معرفة حدود التأثير الذي تحدثه على الالتزامات التعاقدية عامة وعلى عقود الشغل الفردية خاصة.
الفقرة الأولى: تعريف القوة القاهرة في القانون المغربي
عرف المشرع المغربي القوة القاهرة في الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود[1] بقوله:
” القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية، (الفياضانات والجفاف ،والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو، وفعل السلطة ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.
ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”.
فالقوة القاهرة حسب التعريف أعلاه حدث يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط ينتج عنه استحالة مطلقة في التنفيذ. وبالتالي فالشروط اللازم توفرها لكي تتحقق، تتمثل في ضرورة:
1ــــ أن يكون الحادث مما لا يمكن توقعه ولا يخطر في الحسبان حصول مثله عند وقوع الفعل الضار[2]، مما يعني أن هذا الشرط لا يعني ضرورة أن نتواجد أمام حدث لم يقع من قبل أو لم يقع أبدا؛ فحالات القوة القاهرة عموما تكون أحداثا طبيعية.
2 ــ أن يكون مما لا يمكن رده، أي أن تكون واقعتها مستحيلة الدفع من قبل المدين الذي احتج بها للتحلل من التزامه التعاقدي ويقتضي هذا أمرين، الأول عدم استطاعته تلافي وجود الواقعة المكونة للقوة القاهرة، والثاني قي عجزه – بعد نشوء هذه الواقعة – عن تجنب الآثار الناجمة عنها.[3]
3 ـ. أن يكون الحادث عنصرا خارجيا، بمعنى أن لا يكون للفعل المتسبب في الأضرار علاقة بنشاط المدين أو المتعاقد ، بحيث لم يكن لإرادته دخل في حصوله ولا في الأضرار الناجمة عن حصوله.
إذا فالقوة القاهرة عبارة عن حدث ينتج عنه إخلال بوضعية معينة، والذي باستجماعه للشروط والعناصر السالفة الذكر يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا أو قد يؤدي إلى الإخلال بتنفيذه فيعفي بالتالي من المسؤولية.
ومع أن النص القانوني كان واضحا في تعريفه للقوة القاهرة من خلال إدراجه لبعض صورها وذلك على سبيل المثال ،باعتبارها سببا معفيا من المسؤولية ، فإنه يمكن لأطراف العقد الاتفاق على اعتبار أحداث أخرى صورة من صور القوة القاهرة أو الاتفاق على عدم اعتبارها كذلك وإن كان القانون قد أشار إليها.
الفقرة الثانية: مدى اعتبار فيروس كورونا ضمن حالات القوة القاهرة
الأصل أن اعتبار الأمراض والأوبئة قوة قاهرة مما يجعلها سببا معفيا من المسؤولية إذ عرف إجماعا فقهيا حول عدم اتصافها بهذه الصفة، وهذا ما تبناه القضاء الفرنسي حينما رفض سنة 2009 اعتبار فيروس H1N1 قوة قاهرة ، حيث تم الإعلان عنه والتعريف به ، وتوفر الوقت من أجل اتخاذ الاحتياطات اللازمة مسبقا للتصدي له ، وهو نفس التوجه الذي تبناه من خلال محكمة الاستيناف Basse – Terre في قرارها عدد 00739/ 17 بتاريخ 17 دجنبر 2018 جاء فيه: “فيما يتعلق بفيروس الشيكونغونيا Chikungunya، ورغم توفره على الخصائص التالية ( آلام المفاصل، الحمى، والصداع، والتعب، وما إلى ذلك)، وانتشاره في جزر الهند الغربية، خاصة في جزيرة سانت بارتيليمي ما بين 2013 و 2014 ، فإن هذا الحدث لا يمكن اعتباره قوة قاهرة بالمعنى المقصود في المادة 1148 من القانون المدني، بحيث لا يمكن اعتباره وباءا غير متوقع، ولا يمكن مقاومته ، مادام أنه مرض يمكن التخفيف من حدته بالمسكنات، وفي كل الأحول مقاومته…”.
لكن الملاحظ أن القضاء الفرنسي اعتد في إصدار هذه القرارات على الظروف الخاصة بكل حالة على حدة، بحيث لا يمكن القياس عليها فيما يتعلق بفيروس كورونا، وهو وباء يمكن القول بأنه لم يكن متوقعا، حيث أصدرت الغرفة 6 لمحكمة الإستئناف كولماربتاريخ 12 مارس 2020 قرار يعتبر وباء كورونا “قوة قاهرة”[4].
هذه المعطيات تجعلنا أمام وباء يشكل حدثا غير متوقع ولا يمكن رده ولا علاقة للمدين به بمفهوم الفصل 269 من قانون الإلتزامات والعقود، بحيث لم يكن له دخل في حصوله، وهي مواصفات قد تدفع بنا إلى اعتباره قوة قاهرة، وعليه ما يمكن قوله في هذه الحالة ،هو أن هذا الفيروس إلى حدود فترة معينة لم يجعل تنفيذ الالتزامات مستحيلا ـ قد يكون مرهقا نوعا ما لكن ليس مستحيلا ـ بحيث ظلت المقاولات والمصانع وباقي المؤسسات تعمل وتترقب الأوضاع، وبالتالي يمكن القول بأن شرط عدم التوقع قد اختل بشكل نسبي، فالوباء كان متوقعا لكن حدوده ونسبة تطوره هي التي لم يكن من الممكن توقعها.
لكن هذا يثير الشكوك فيما يخص ترجيح فيروس كورونا المستجد كقوة قاهرة ستتمسك بها معظم الشركات وأرباب العمل من أجل التملص من مسؤوليتهم اتجاه الأجراء واعتبار ذلك سببا مبررا للفصل، بحيث أنه بالمقابل يمكن اعتباره كظرف طارئ وذلك للاعتبارات التالية:
أ ـ أن وباء كورونا حدث عام، بل يمكن القول بأنه وباء عالمي، وهذه صفة تختص بها الظروف الطارئة عكس القوة القاهرة التي من الممكن أن تخص مدينا واحدا أوعدة مدينين في نفس القطاع أو المجال.
ب ـ أنه حدث حصل بعد إبرام العقد ـ وهو ما نحبذه بالنسبة لغالبية العقود والمعاملات القانونية، بحيث لم يكن ممكنا توقعه أثناء التعاقد، ذلك أن وقت تقدير شرط عدم التوقع يكون عند إبرام العقد والاتفاق على كيفية تنفيذ الالتزامات الناتجة عنه؛ وقتها يكون المدين في موقف يسمح له بتقدير ظروف تنفيذ العقد ومدى إمكانية ذلك، فيأخذ بعين الاعتبار كل العوائق والصعوبات التي يمكن أن تنشا خلال سريان هذا العقد.
وهكذا، فإذا أقدم المدين على التعاقد مع علمه باحتمال وقوع أحداث قد تجعل تنفيذ التزاماته صعبة أو مستحيلة في المستقبل فلا يجوز له الاحتجاج بالقوة القاهرة وهذا مانجده شبه مستحيل في عقود الشغل.
ت ـ أنه حدث جعل تنفيذ الالتزام صعبا ومرهقا وليس مستحيلا لا يمكن للمدين منعه أو التخفيف من حدته والتغلب عليه بأي وسيلة متاحة لديه.
وأخيرا فإن تحديد ما إذا كان الأمر يتعلق بقوة قاهرة أو بظروف طارئة، يخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع أو المحكم الذي له الصلاحية لاعتبار فيروس كورونا المستجد كذلك أم لا، فيقضي إما بالإعفاء من المسؤولية أو بثبوتها.
خلاصة القول، أن آثار فيروس كورونا المباشرة والتي ستثير الكثير من النقاش أمام أنظار المحاكم نظرا لتوافر شروط القوة القاهرة يجعل الالتزام مستحيل التنفيذ كما أن بعض الإجراءات الإحترازية التي اتخذتها السلطات المعنية تشكل في حد ذاتها صورة من صور القوة القاهرة وذلك بصريح النص القانوني ويتعلق الأمر بفعل السلطة. فما هي تبعات هذه الفيروس على عقود الشغل الجارية ؟
وما هي الإجراءات المتخذة من طرف الدولة للتصدي للتعسف بعض أرباب العمل لستغلال هذه الظرفية الحالية للتحلل من العلاقة الشغلية؟ أوالتملص من تنفيذ بعض الالتزامات التي يفرضها القانون على المشغل بالخصوص؟
المطلب الثاني : تأثير فيروس كورونا على عقود الشغل
تشير منظمة العمل الدولية في تقرير أولي لتأثير مرض covid19 على مجال العمل في العالم إلى أن آثاره ستكون بعيدة المدى، وستدفع الملايين من الناس إلى البطالة والعمالة الناقصة وفقرالعاملين، وأن قرابة 25 مليون وظيفة في العالم معرضة للضياع نتيجة تفشي فيروس كورونا. ويقول غاري رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية، إن وباء فيروس كورونا ليس مجرد أزمة طبية فحسب ، بل اجتماعية واقتصادية أيضا.[5]
ولا يخفى علينا كذلك أن المغرب لم يسلم من هذه الجائحة العالمية، إذ في يوم 2 مارس 2020 عرف المغرب ظهور اول حالة إصابة بفيروس كورونا، وبتاريخ 19 مارس 2020 أعلنت السلطات الرسمية العمومية المغربية عن حالة الطوارئ في ظرف استثنائي اقتضته المصلحة العليا للبلاد، وأمام هذه الحالة الإستعجالية صادق المغرب على مرسوم رقم 292-20-2 بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها[6]، ثم اسنادا إليه صدر المرسوم رقم 293-20-2 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا -كوفيد19- بتاريخ 24 مارس 2020 [7]، ولتتبع الشق الاقتصادي والإجتماعي تم تشكيل لجنة اليقضة الاقتصادية، التي يترأسها وزير الإقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة وتضم في عضويتها العديد من القطاعات الحكومية إضافة إلى ممثلي القطاع البنكي والمالي وممثلي المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية الوطنية.
وبهذا فإن معظم المقاولات والمطاعم والمقاهي قد أوقفت أنشطتها، وكل الأنشطة غير الضرورية، هذا ما دفع معظم أرباب العمل إلى تسريح الأجراء، إما بشكل كلي أوجزئي، ما خلق نوع من شلل لدى الأجراء، جراء توقفهم عن العمل.
كأصل عام يعتبر عقد الشغل من العقود الرضائية، الأمر الذي يجعل الحرية في تحديد مكوناته ومضمونه وشروطه في يد طرفي العقد، دون تجاوز الضوابط القانونية المؤطرة لهذا العقد. وإذا كان للأفراد كامل الحرية في الإتفاق أو عدم الإتفاق على إبرام عقد الشغل كعقد عام، فإنهم يتمتعون بنفس الحرية في إلغاء هذا العقد الذي أبرموه بينهم، غيرأن الطبيعة الخاصة لعقد الشغل تستوجب سلوك إجراءات خاصة لإنهاء هذه الرابطة القانونية.[8]
بما أن عقد الشغل يندرج ضمن عقود المعاوضة فإن الأجير في عقد الشغل يقدم عمله لحساب مشغله، ليحصل على أجر يدفعه المشغل نظير العمل الذي أنجزه له الأجير، وطبقا للفصل 228 من قانون الالتزامات والعقود فإن: ” الالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد، فهي لا تضر الغيرولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون “. فما مدى تأثير جائحة كورونا على تنفيذ إلتزامات طرفي عقد الشغل؟
الفقرة الأولى : الإلتزامات التي يخضع لها الأجير
انطللاقا من كون عقد الشغل عقد تبادلي، يرتب إلتزامات متبادلة في ذمة طرفيه، فإن الأجير، وفي إطار الالتزامات التي تفرضها عليه مدونة الشغل[9]، يكون مسؤولا في إطار شغله عن فعله، أوإهماله، أو تقصيره، أو عدم احتياطه[10]، وبصفة عامة فإن التزامات الأجير تتحدد أساسا في أداء العمل المتفق عليه، مع المحافظة على الأدوات والأشياء التي تسلم إليه لتنفيذه، وطالما أن أداء هذا العمل يتم تحت إشراف وتوجيه ومراقبة المشغل، فإن على الأجير بلورة لهذه المظاهر أن يأتمر بأوامر مشغله وينفذ تعليماته، كما أن حسن النية الذي يتعين أن يهيمن على تنفيذ عقد الشغل، يوجب عليه الاحتفاظ بأسرار الشغل وعدم إفشائها، وأن يمتنع عن منافسة مشغله إذا وجد أي شرط إتفاقي بذلك[11]، لكن سنتناول في موضوعنا هذا بعض الالتزامات التي تثير إشكالا في هذه الظرفية، تتمثل في الالتزام بتنفيذ تعليمات المشغل (أولا)، وتنفيذ الشغل حسب قواعد المهنة (ثانيا).
أولا : تنفيذ تعليمات المشغل
إذ يعتبر من أهم ما يترتب عن العلاقة التبعية التي ينشئها عقد الشغل وهذا ما نصت عليه المادة 21 من مدونة الشغل : ” يمتثل الأجيرلأوامر المشغل في نطاق المقتضيات القانونية أو التنظيمية ،أو عقد الشغل أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي، وكذا النصوص المنظمة لأخلاقيات المهنة. ”
من المعلوم أنه لكلى الطرفين الحق في توقيف عقد الشغل بشكل مؤقت كل ما كان ذلك ضروريا ووفقا لما يقتضيه القانون، وقد يتوقف عقد الشغل مؤقتا “إذا تغيب الأجيرلمرض، أوإصابة، يثبتهما طبيب إثباتا قانونيا…” طبقا للمادة 32 من مدونة الشغل.
ففي حالة مرض الأجير بسبب فيروس كوروونا وكان المرض مثبتا بواسطة شهادة طبية أثناء الحجر الصحي الإجباري الذي يفرض على المريض لكي لا ينقل العدوى في محيطه، ومكن له استأناف عمله بزوال المرض، بشرط أن لا يكون المرض قد ترك أعراضا جانبية قد يستحيل معه الأمر بمزاولة مهامه، وأي فصل قد يكون أثنائه سيكون فصلا تعسفيا.
أما في حالة اختيارالأجير بوضع نفسه في حجر صحي(طوعي) لتفادي دواعي انتشارالفيروس في مكان العمل، فإن تغيبه لمدة أربعة أيام متتالية يعد مبررا للفصل بمفهوم المادة 39 من مدونة الشغل، اللهم إذا كان قد اتفق مع المشغل في تلك الفترة بالإستفادة من عطلة سنوية. لكن ماذا لو كان تغيب الأجير في هذه الحالة راجع لعدم توفير المشغل لما يكفي من الوسائل والمواد الوقائية للأجراء داخل مكان العمل وفضل وضع نفسه في حجر صحي؟
هنا يمكننا الرجوع إلى الفصل 738 من قانون الإلتزامات والعقود بكون الأجير يسأل عن النتائج المترتبة عن عدم مراعاة التعليمات التي تلقاها إن كانت صريحة، وغير مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية، ولم يكن له مبرر وجيه يدعوه لمخالفتها، أي أن لا يكون في إطاعتها ما يعرضه للخطر أو غيره، بحيث إذا وجد هذا المبرر لزمه أن يخطر رب عمله وأن ينتظر تعليماته، ما لم يكن في التأخير ما تخشى عاقبته.[12]
نستفيد من هذا النص أن الأجير بإمكانه مخالفة تعليمات المشغل إذا كان هناك مبرر يستدعي ذلك شريطة إخطار المشغل، أي أن عدم وجود ما يكفي من الوسائل والمواد التي تضمن شروط الصحة والسلامة خصوصا لموجهة هذا الوباء العالمي، تجعل الأجراء أمام خوف شديد أمام التعرض للفيروس في سبيل ضمان استمرارية نشاط الشركة، كما يمكن في هذه الحالة ربط الإتصال مع مندوب الأجراء و لجنة حفظ الصحة والسلامة من أجل عقد اجتماع طارئ مع المشغل لحل المشكل وذلك تحت مسؤوليته، غير أن الأجير يعتبر مسؤولا عن عدم مراعاة التعليمات اللازم اتباعها لحفظ الصحة والسلامة في الشغل، وسلامة المؤسسة ويوجب الفصل.
ثانيا: تنفيذ الشغل حسب قواعد المهنة.
وقد نص عليه الفصل 737 من قانون الالتزامات والعقود: ” من يلزم بإنجاز صنع أو أداء خدمة يسأل ليس فقط عن فعله ولكن أيضا عن إهماله وعدم مهارته…”. فالأجير يسأل مسؤولية عقدية عن جميع الأضرار التي ألحقها بصاحب المهنة إذ لا يمكنه التحلل منها وكل شرط مخالف يكون عديم الأثر[13].
وينظر إلى هذه المهارة من زاوية مهارة الأجير المتوسط من نفس المهنة ما لم يشترط خلاف ذلك[14].وتبرز تجليات هذا الأمر بالخصوص في عصرنا الحالي وما يواجه العالم من تطور وتحديات اقتصادية، على إمكانية تسريح العمال خاصة في مثل هذه الظرف الطارئ ، وقد يدفع المشغل للجوء إلى بعض الإجراءات للحفاظ على استمرارية نشاط المقاولة ويكون الأجير منخرطا بطبيعة الحال في مواجهة تلك الأزمة نذكر منها:
أ-الإشتغال عن بعد:
يمكن للمشغل والأجير الإتفاق على الإشتغال عن بعد أو ما يعرف باللغة الإنجليزية ب “Telework” ولم تكن بلادنا في منئ عن إكراهات ثورة الإعلام والإتصال، إذ جاء في الرسالة الملكية السامية حول العمل عن بعد[15]“…إن العمل البعدي كأسلوب جديد لتنظيم العمل يعكس بحق التطورات التي أفرزتها التكنولوجيا الحديثة للإعلام والتواصل…”.
وبالرجوع إلى مدونة الشغل يتبين أن المشرع المغربي لم يشر إلى مفهوم الإشتغال عن بعد حيث لايوجد نص قانوني يشير إلى أسلوب الشغل عن بعد، غيرأن منظمة العمل الدولية عرفت العمل عن بعد بأنه نظام عمل قائم في مكان بعيد المقر الرئيسي أو موقع الإنتاج إذ يكون الأجير في معزل عن الإتصال الشخصي مع باقي الأجراء الآخرين، وتقوم التكنولوجيا الحديثة بتسهيل عملية الإتصال.
وبهذا يكون الأجير تحت تصرف المشغل، ويجب عليه أن ينفذ العمل وفق توجيهات المشغل دون أن تكون له سلطة التفرغ للاهتمامات الشخصية[16]. ولعل من أبرز الإشكالات التي تطرح في هذه الحالة هي صعوبة التمييز بين أوقات العمل والوقت الشخصي للأجير، لا سيما أن الأجير لايخضع للمراقبة الفعلية للمشغل اللهم إذا توفرت وسائل المراقبة عن بعد، رغم أن هذه الأخير تثير مجموعة من الإشكالات بخصوص حماية الحياة الخاصة إزاء نظام معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
نتيجة لذلك تبنى المشرع المغربي مجموعة من القواعد قانونية للحفاظ على الحياة الخاصة للفرد من خلال إصدار قانون رقم 09.08 بتاريخ 18 فبراير 2009 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
ومن القضايا المطروحة على القضاء الفرنسي، في هذا الجانب نجد قضية السيد Denis.G البالغ من العمر 47 سنة، مكلف بالبيوعات داخل المقاولة، تم فصله من قبل مشغله في يناير 2000، بسبب استعماله المنحرف والمخالف للنظام الداخلي خاصة البند المتعلق بالولوج إلى الأنترنت، وذلك بقيامه بالدخول إلى مواقع إباحية، وقد اعتبرت هذه المخالفة خطأ جسيما من شأنه أن يلحق ضرارا فادحا بصورة وسمعة المقاولة، وقد تبين أن أوقات ولوجه إلى هذه المواقع تمت في 08/10/1999 بعد الثامنة والنصف صباحا، وفي 9/10/1999 من الساعة الحادية عشر الى الرابعة والنصف بعد الظهر.
وقد رفض مجلس الخبراء ل Nantene اعتبار أن الفصل كان تعسفيا، لكون الخطأ المرتكب جدي وواقعي، إلا أن قضاة فرساي رجعوا إلى اجندة 1999، وتأكد لهم أن الثامن والتاسع من أكتوبر موافق ليوم الجمعة والسبت، كما أن استعمال الأنترنت تم بمنزل الأجير خارج أوقات الشغل، وأنه تم خلال الأوقات المخصصة للحياة الخاصة والعائلية كما تبين لهم أن المقاولة المعنية ترخص لمدرائها العاملين بأخذ الحاسوب المتنقل إلى منازلهم، تعترف لهم بالاستعمال الشخصي، باستثناء أوقات الشغل، أما أوقات الراحة فلا مانع في ذلك، دون الحاجة إلى طلب الأجير لرخصة الاستعمال.[17]
رغم كل ذلك مازالت هذه الأخيرة لا ترقى إلى توفيرالحماية الكافية للأجراء، إذ أن تعسف المشغل بالتدخل في الحياة الشخصية للأجير لا تزال قائمة، خاصة في ظل انتشار البطالة وقلة فرص الشغل مما يجعل المشغل يفرض سلطته التامة على الأجراء في شتى مناحي حياتهم العملية والشخصية كذلك.
وفي إطار الشغل عن بعد يبقى الأجير محميا من المخاطر المهنية التي قد تواجهه أثناء قيامه بمهامه، منها حوادث الشغل رغم صعوبة الإثبات بالنظر للتباعد بين الأجير والمشغل في تنفيذ العمل وعدم وجود أجراء آخرين إلى جانبه لمعاينة الحادثة طالما أنها واقعة مادية.
كما هو الحال كذلك بالنسبة للأمراض المهنية، رغم أن المشرع لم يلزم الأجير الذي يصاب بمرض مهني من عبأ إثبات العلاقة السببية بين المرض والشغل الذي يقوم به، وإنما عددها في الفصل الثاني من ظهير 31 ماي 1943 المعدل بظهير 16 أكتوبر 1947 وظهير شتنبر 1952[18]. وفي حالة الإصابة بإحدى هذه الأمراض يستفيد الأجير أوذوي حقوقه في حالة وفاته من مختلف التعويضات المنصوص عليها في ظهير 6 فبراير 1963، وقد وردت هذه الأمراض على سبيل الحصر، وعليه فإن الأجير الذي يصاب بمرض غير مذكور في جداول الأمراض المهنية لا يستفيد من التعويضات الممنوحة بمقتضى ظهير 6 فبراير 1963.
ب-التقليص من مدة الشغل:
اعتمدت مدونة الشغل على شكل من أشكال المرونة الداخلية بحيث خولت المادة 185 من مدونة الشغل إمكانية توزيع مدة العمل السنوية أي 2496 ساعة حسب حاجيات المقاولة، شريطة أن لا تتجاوز 10 ساعات في اليوم بعد استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين إن وجدوا.
ولا يترتب عن هذا الإجراء أي تخفيض في الأجر الشهري، وعند حدوث أزمة اقتصادية أو لطارئ خارج عن إرادة المقاولة يمكن تقليص مدة العمل شريطة أن لا تتجاوز 60 يوما في السنة.
وفي هذا الصدد وجب على المشغل استتشارة ممثلي الأجراء في المقاولة، وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق أكدت مدونة الشغل على أنه لايسمح بالتقليص إلا بإذن يسلمه عامل الإقليم أو العمالة طبقا للمسطرة الإدارية التي حددتها المادة 67 من مدونة الشغل. هذا وقد عملت مدونة الشغل على توحيد نسبة الزيادة في الأجر عن الساعات الإضافية في الأنشطة الفلاحية والغير الفلاحية.[19]
الفقرة الثانية: إلتزامات المشغل
يترتب عن عقد الشغل إلتزام المشغل مثله مثل الأجير باعتبارهما طرفا العقد بالإلتزامات تشمل مرحلة التعاقد كما هو مسطر في المادة 9 من مدونة الشغل وكذلك المادة 379 من نفس القانون، كما يقع على عاتق المشغل مجموعة من الإلتزامات على مستوى سريان العقد، وهو ما يهمنا بالأساس إذ يثير مجموعة من الإشكالات في ظل الأزمة التي يواجهها العالم الآن مع ظهور وباء كورونا المستجد.
أولا: الإلتزام بأداء الأجر
هنا يجب الإشارة الى أنه في مقابل إلتزام بأداء العمل، يلتزم المشغل بأداء الأجر باعتباره السبب الرئيسي الذي لأجله يشتغل غالبية الناس، غير أنه في ظل الأزمة الحالية فإن جل المقاولات يصعب عليها تنفيذ أهم التزاماتها اتجاه أجرائها في ما يخص دفع الأجور وذلك لتوقف نشاطها بشكل كلي أو جزئي.
وفي هذا الصدد ومن أجل التصدي لوباء كورونا، وما خلفه، وما سيخلفه من أضراراقتصادية واجتماعية على صعيد المملكة المغربية، وبمبادرة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وتنفيذا لتعليماته تم إحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل إسم ” الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد-19″[20]، وقد تم وضع بعض الشروط الواجب توفرها حتى يستفيد الأجيرمن التعويض عن فقدان الشغل وهي:
-أن يكون الاجير يشتغل ضمن مقاولة خاصة.
-أن تكون المقاولة في وضعية صعبة بسبب وباء كورونا، مع وضع تصريح بالشرف في الموقع المخصص للتصريح بالأجراء.
-أن يتم تسريح الأجير بسبب وضعية الصعبة للمقاولة بسبب كورونا.
-أن يكون الاجير مصرح به لدى الصندوق الوطني لضمان الاجتماعي في فبراير 2020.
كما تم تحديد مبلغ تعويض في 2000 درهم، بالإضافة إلى الإبقاء على التعويضات العائلية وتلك المتعلقة بالتأمين الإجباري عن المرض (AMO)، ومع إستفادة الأجراء أيضا من تأجيل سداد القروض البنكية (قروض الإستهلاك وقروض السكن) إلى غاية 30 يونيو 2020وتعويض يكون على الشكل التالي:
-1000درهم كتعويض عن شهر مارس الجاري، للفترة ما بين 15 و30 مارس. -2000 درهم كتعويض عن لشهور ابريل، وماي، ويونيو.
وفي نفس السياق ركزت لجنة اليقضة الاقتصادية في اجتماعها ليوم الاثنين 23 مارس 2020 على تدابير دعم القطاع غيرالمهيكل المتأثرة مباشرة بالحجر الصحي وذلك على مرحلتين، الأولى تهم الأسر التي تستفيد من خدمة راميد وتشتغل في القطاع غير المهيكل، فيما خصت المرحلة الثانية بالنسبة للأسر التي لا تستفيد من خدمة راميد.[21]
لكن الإشكال الذي مازال مطروحا لحد الآن فيما يخص عدم التصريح بالأجراء من طرف المشغل، إذ أن معضم الأجراء يجدون أنفسهم غير مصرح بهم في ورقة التصريح بالأجراء التي تعد من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من أجل الإستفادة من التعويض المخول لهم بقوة القانون، وبالتالي ضياع حقوقهم.
كما أن الدولة أغفلت التنصيص على العقوبات التي يؤدي بها كل تصريح زائف عن توقف المقاولة عن مزاولة نشاطها، إذ نجد بعض الشركات التي مازالت تؤدي نشاطها بشكل اعتيادي قد صرحت بأجراءها من أجل استخلاص التعويضات من الصندوق المخصص لمواجهة جائحة كورونا، وهذا مخالف لطابع التعاون والمؤازرة التي تقتضيها هذه الظرفية الحالية، مما يجب معه الأمر التشديد من العقوبات التي قد تطال كل مخالف للقانون .
ثانيا: اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ صحة وسلامة الأجراء
لقد ألزم المشرع المغربي في مدونة الشغل، المشغل بمجموعة من الإلتزامات إلى جانب الإلتزام الأصلي بدفع الأجر والحماية المتعلقة به، الإلتزام بالحفاظ على صحة وسلامة الأجراء سوء أثناء أداء العمل أو بعد انتهاءه والتي يجب تنفيذها بحسن النية إذ تعتبرمن المستلزمات من أجل تنفيذ العقد.
وعليه فإنه أمام حدة المواجهات بين العمال وبين أرباب العمل اضطر المشرع للتدخل لسن مجموعة من النصوص القانونية التي تنظم أحكام المسؤولية والتعويض عن حوادث االشغل والأمراض وطرق الوقاية منها[22]، وكذلك في إطار تجويد الخدمات المقدمة لضحايا حوادث الشغل تم إقرار الزيادة في نسبة الإرادات بنسبة 20% لضحايا حوادث الشغل من دوي الإرادات العمرية وذلك بالمصادقة على المرسوم رقم 2.19.770 الصادر في 8 أكتوبر 2019[23]
وفي هذا الصدد نص المشرع في المادة 24 من مدونة الشغل على وجوب توفير الظروف المناسبة للعمل واتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء وصحتهم، كما تم خلق مجموعة من المؤسسات القانونية لحماية صحة وسلامة الأجراء، بدءا بتنظيم مهام واختصاصات طبيب الشغل والمصلحة الطبية للشغل وذلك في( المادة 307 )، ولجنة الصحة والسلامة المهنية،(المادة 337)، وتعزيز اختصاصات مفتش الشغل في مجال الصحة والسلامة المهنية (المادة 530)، ومن أجل النهوض بالصحة والسلامة المهنية في العمل، تمت مواصلة ورش تطوير وتأهيل الإطار القانوني والمؤسساتي للصحة والسلامة المهنية، إذ تم التصديق على اتفاقية العمل الدولية رقم 187 المتعلقة بالإطار الترويجي للسلامة والصحة في العمل واستكمال مسطرة إيداعها خلال المؤتمر 108 لمننظمة العمل الدولية.
وبهذا فإن الأجير يكون محميا أمام المخاطرالتي قد تواجهه أثناء مزاولته لمهامه، فبعد الإعلان عن أول حالة إصابة، ومع تفشي فيروس كورونا المستجد في المغرب، فقد كان من الضروري على المقاولات وكل الأماكن التي تشغل مجموعة من الأشخاص أن تتخذ كل التدابير الوقائية للمحافظة على صحة الأجراء، وهي من بين الشروط اللازمة من أجل استمرار نشاطها بشكل جزئي أو كلي خصوصا بعد فرض حالة الطوارئ بتاريخ 24 مارس 2020، ومن بين التدابير الواجب إتخاذها في هذا الجانب وحفاظا على صحة وسلامة الأجراء نجد:
- اللجوء إلى العمل عن بعد بالنسبة لكل الوظائف التي تسمح بذلك.
- قياس درجة حرارة المستخدمين قبل الولوج إلى المقاولة.
- إحترام مسافة الأمان بين الأجراء وسط أماكن العمل.
- توفير مواد التعقيم ومواد التنظيف.
- الحرص على تعقيم وتنظيف الأماكن المشتركة بين الأجراء وكذلك الآلات والمعدات المعدة للشغل والتي تكون مشتركة بين العمال.
- عدم المصافحة بين الأجراء.
- إحترام مسافة الأمان في حالة عقد الإجتماعات في قاعات الاجتماع، أو استبدالها بالإجتماع عن بعد عن طريق تقنيات التواصل عن بعد.
- توفير الكمامات للمستخدمين وإلزامية ارتدائها.
- الحرص على توفير تهوية كافية في جميع فضاءات العمل.
- عرض ملصقات إخبارية لتحسيس المستخدمين بإجراءات السلامة.
- إعادة تنظيم العمل بما يضمن التقليص من كثافة المستخدمين أو الزبائن المتاواجدين في وقت واحد.
- الإستعمال الإجباري للكمامات والقفازات بالنسبة للعاملين في الإستقبال والطبخ والتحضير في حالة توفر مكان العمل على مطاعم جماعية.
- تعقيم وسائل نقل المستخدمين بعد كل رحلة ذهاب وإياب.
- التنظيف الكلي لوسائل النقل من الداخل والخارج على الأقل مرتين في الأسبوع.
- يستوجب توجيه الأجراء المتابعين طبيا أو المرضى إلى العمل عن بعد أو التوقف عن العمل.[24]
غير أنه في مثل هذه الظروف التي نعيشها حاليا، فإن معالم الخلل في هذه المنظومة قد أبانت عن نتائج وخيمة ليس على الأجير فقط بل على المجتمع ككل، وهذا ما لحظناه في مجموعة من القطاعات الصناعية التي ما زالت تمارس نشاطها رغم الإجراءات الحازمة التي فرضتها الدولة لمواجهة هذه الجائحة، لكن جشع أرباب العمل وأصحاب الشركات لم يعيروا اهتماما لصحة وسلامة العمال، ولا للتدابير الإحترازية الواجب اتخادها في وسط أماكن العمل، هذا ما زاد من تفشي الوباء في الآونة الأخيرة إذ ارتفعت نسبة الإصابات وتجاوزت 5000 إصابة، وهذا عائد إلى التراخي في اتخاذ التدابير الإحترازية والوقائية لمواجهة هذه الجائحة من طرف المقاولات، لكن الدولة بدورها تتحمل المسؤولية، إذ ظهرت بعض الإصابات في صفوف بعض العمال في قطاعات صناعية، رغم أن الأنشطة التي تزاولها ليست ضرورية لتلبية حاجيات المواطنين.
خاتمة :
في الختام فإنه بالرغم من كل التدابيرالاستثنائية والاحترازية المتخذة لمواجهة تداعيات هذا الوباء العالمي سواء على المجال الاقتصادي والاجتماعي، إلا أنه سيخلق نقاشات ونزاعات مختلفة أمام المحاكم، خصوصا في نزاعات الشغل، وذلك مع ظهور بعض الخروقات التي تطال استفادة الأجراء من التسجيل في البوابة الإكترونية التي خصصها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للتكفل بأجور الأجراء المتوقفين عن العمل، كما نجد أن معظم الأجراء يتعرضون لضغوطات نفسية من طرف مشغليهم من أجل الحفاظ على مناصب الشغل ولو اقتضى الأمر خرق إجراءات الحجر الصحي، أو دفعهم إلى تقديم إستقالة مقابل العودة إلى العمل بعد زوال الجائحة، لكن لا يخفى علينا أنه من الصعب على المقاولات فتح عروض التشغيل في ظل الأزمة المالية الخانقة التي ستواجهها، ويبقى الأجير دائما الحلقة الضعيفة في العلاقة الشغلية، ويمكن القول بأن الحماية القانونية للأجراء يشوبها القصورخصوصا في مثل هذه الظروف الحالية، إذ لا تؤمن له الحماية الكافية ضد من يستعمل ضعف الحالة المادية والاجتماعية الهشة للأجير بغية تحقيق الربح دون الاكتراث للحفاظ على الصحة العامة لهذه الفئة والأمن الصحي للمواطنين عامة.
[1] – ظهير شريف رقم 1.11.140 صادر في 16 من رمضان 1432 ( 17 أغسطس 2011)، الجريدة الرسمية عدد 5980 بتاريخ 23 1432 (22 سبتمبر 2011)، ص 4678.
[2] – عبد القادر العرعاري ، مصادر الالتزامات، الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية، الطبعة الثالثة، مطبعة الكرامة، الرباط.ص 122.
[3] – عبد الحق صافي آثار العقد، الجزء الأول، المصادر الإرادية للالتزامات، مطبعة النجاح، الجديدة 2007.ص332.
[4] – , jurisprudence.Téléchargé le 25/03/2020 Document consulté sur https://www.lexis360.fr
[5] دراسة بعنوان وباء COVID19 وعالم العمل: آثار المرض وردود الأفعال عليه. منظمة العمل الدولية 18مارس 2020
[6]– المرسوم رقم 292-20-2 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها الصادر في 28 رجب 1441 الموافق ل (23 مارس 2020)، جريدة رسمية، عدد 6867 بتاريخ 29 رجب 1441 الموافق ل (24 مارس 2020)،ص.1782.
[7]– المرسوم رقم 293-20-2 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا -كوفيد19- الصادر بتاريخ 29 رجب 1441 الموافق ل (24 مارس 2020).
[8]– بدر الصيلي : الخصوصيات المسطرية في نزاعات الشغل الفردية ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 2015، ص:83
[9] – ظهير شريف رقم 1.03.194 صادر في 14 رجب 1424 (11 سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، الجريدة الرسمية عدد 5167 بتاريخ 13 شوال 1424 ( 8 سبتمبر 2003)، ص3969
[10] – المادة 20 من مدونة الشغل.
[11] – عبد اللطيف خالفي، الوسيط في مدونة الشغل، الطبعة الأولى 2004، مراكش.ص 408.
[12] -عبد اللطيف خالفي، مرجع سابق، ص 411.
[13] -الفقرة الثانية من الفصل 737 من قانون الالتزامات والعقود.
[14] -عبد الكريم غالي: القانون الاجتماعي المغربي، منشورات دار العلم. الرباط 2001، ص 78.
[15]- مقتطف من الرسالة الملكية السامية حول العمل عن بعد ، وجهها صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني إلى المشاركين في الأيام الوطنية الثانية
للإتصالات المنعقدة بالرباط خلال يومي 16 و17 ماي 1994.
[16] – المادة 6 من اتفاقية منظمة العمل الدولية لسنة 1930.
[17] -Jean-E Mnaruel Ray : Temps professionnel et temps personnels, Revue droit social N*1 Janvier,2004,p 59
[18] ينص الفصل الثاني من ظهير 31 ماي 1943 المعدل بظهير 16 أكتوبر 1947 وظهير شتنبر 1952:” تعتبر كأمراض مهنية في مفهوم هذا الظهير كل العلل المؤلمة والأمراض المتسببة عن الجراثيم التعفنية، وكذا الأمراض المبينة في قرار وزير الشغل والشؤون اللاجتماعية المتخذ بعد استشارة وزير الصحة”
[19] مصطفى مالكي: قراءة تحليلية لمدونة الشغل.
[20] – مرسوم رقم 2.20.269 ،متعلق بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يسمى” الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا كوفيد19″ تم نشره بالجريدة الرسمية ليوم الثلاثاء في 22 رجب 1441 ( 17 مارس 2020)، بعد المصادقة عليه من لدن مجلس استثنائي للحكومة بتاريخ 16 مارس2020.
www.finances.gov.ma/covid19 [21]
[22] – بلال العشري، حوادث الشغل والأمراض المهنية، دراسة نظرية وتطبيقية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2009، ص7.
[23] – كلمة السيد محمد أمكراز وزير الشغل والإدماج المهني بمناسبة فاتح ماي 2020.
[24] – Mesures de prévention en milieu de travail, le Ministre de la Santé et la direction de l’epidemilogie et de lutte contre les maladies liées à l’apedimie du COVID-19. Téléchargé le 30 avril 2020.