محدودية الاختصاص المالي للبرلمان الاسباني
مما لا شك فيه أن الدول الديمقراطية تقوم على أساس ثلاث سلطات أساسية هي السلطة التشريعية مهامها سن القوانين و التنفيذية ينحصر دورها في تسير السياسات الخارجية و الداخلية لدولة في كافة المجالات و القضائية يبقى دورها فض المنازعات بكافة مستوياتها العامة أو المتخصصة.
و يشكل الدستور القانون الأسمى داخل الدولة لما له من أدوار طلائعية في تحديد الاختصاص الموكول الى كل سلطة على حدى وتوضيح حدودها القانونية و هذا التحديد يبرز العلاقة الرابطة بين السلطات الثلاث و هذه العلاقة هي التي تحدد نوعية النظام السياسي الذي تقوم عليه كل دولة على حدى.
تعتبر اسبانية من بين الدول التي أخذت بنظام البرلماني منذ سنة 1975 و تحديدا بعد انهيار النظام الفاشي بقيادة الجنرال فرانكو الذي امتد حكمه لمدة خمس و ثلاثون سنة و شكل دستور 1978 المعدل سنة 2011 الحجر الأساس الذي يقوم عليه النظام الملكي البرلماني في اسبانيا في كافة المجالات ولا سيما الجانب المالي على اعتبار أن مسألة الاختصاص المالي في ظل النظام البرلماني تشكل اساس ظهور هذا النموذج الاول مرة في بريطانيا فبعد صراع طويل انتهى بإخضاع الملك الى ضرورة موافقة البرلمان على فرض أي ضريبة جديدة ومن المعلوم أن النظام التمثيلي ليس حديث النشأة وإنما شهدته العديد من الحضارات إلا أن النظام البرلماني أبرز العديد من الايجابيات كقيام المؤسسة البرلمانية صاحبة الاختصاص بمهامها في العديد من المجالات و أبرزها المجال المالي و بالعودة الى النظام الاسباني فقد أطر الدستور مجموعة من مقتضيات التي تمنح للبرلمان بعض الصلاحيات في المجال المالي كحق المبادرة و الاقتراح ثم التعديل و كذا التصويت في ما يخص قانون الميزانية و من جهة أخرى عبر تدخله في الموافقة على فرض الضرائب و كدا الموافقة على الاتفاقيات و المعاهدات التي تكلف مالية الدولة و كذا موافقته أيضا على المخططات الاقتصادية لتنمية .
ومن هنا يمكننا بسط ا اشكال التالي :
الى أي حد تبرز أوجه المحدودية المالية للبرلمان الاسباني؟
لكي نستطيع مقاربة هذه الاشكالية ارتأينا تقسم الموضوع على الشكل التالي :
- المحور الاول : حدود صلاحية البرلمان الاسباني في اعتماد قانون الميزانية
- المحور الثاني : حدود صلاحية البرلمان على مستوى الضرائب والمعاهدات و المخططات التنموية
المحور الاول : حدود صلاحية البرلمان في اعتماد قانون الميزانية
يعتبر النظام البرلماني من بين الأنظمة الرئيسية لبناء الديمقراطيات الحديثة، حيث يشكل البرلمان الإسباني مظهرا من مظاهر نجاح هذا النظام من كافة النواحي ولا سيما في المجال المالي رغم المحدوديات التي تعتريه، ويشكل البرلمان الإسباني ” Cortes Generales ” أحد أهم المؤسسات التي يوكل إليها بمقتضى القانون صلاحية الحارس على تحصين إدارة المال العام، و بالرغم من هذه الصلاحيات الممنوحة له دستوريا إلا أن دوره يبقى قاصرا ومحدودا على مستوى الواقع، فالحكومة تتعدى سلطة البرلمان في الكثير من الحالات على المستوى المالي.
تحتاج الدولة بمفهومها الشمولي الجامع لممارسة وظائفها إلى عائدات مالية متعددة المصادر و المنابع الشيء الذي يمنح للدولة آليات لممارسة وظائفها، ويعتبر قانون الميزانية تلك العلاقة الرابطة بين الموارد العامة و النفقات العامة و مدى تأثيرهما على الشأن العام، بحيث تتبوأ المؤسسة التشريعية بدورها الفعال وفقا للدستور، إلا أن هناك حدود على مستوى اعتماد هذه الميزانية من قبل البرلمان.
أولا : حدود المبادرة البرلمانية في الاقتراح و التعديل
تعزى المبادرة التشريعية في إسبانيا كما حددتها المادة 87 من الدستور إلى كل من الحكومة و مجلسي النواب و الشيوخ معا وذلك فيما يخص أحقية اقتراح القوانين، كما يمكن للبرلمانات المحلية التابعة لمناطق الحكم الذاتي أن تساهم في المبادرة التشريعية وفق القواعد المنصوص عليها دستوريا، غير أن مقترحات هذه القوانين لا يجب أن تشمل المجالات التي تنظمها القوانين التنظيمية و الضريبية وتلك التي تطال صلاحيات إصدار العفو وغيرها….[1]
تنفرد الحكومة بصلاحية إقرار الميزانية العامة للدولة، ويبقى للبرلمان أحقية بحثها و تعديلها قبل الموافقة عليها حيت نصت المادة 134 من الدستور الاسباني و تحديدا الفقرة السادسة منه “يتطلب أي اقتراح أو تعديل مقدم من قبل البرلمان يخص الزيادة في الاعتمادات أو تقليص عوائد الميزانية إلى موافقة الحكومة[2]، ولهذه الغاية يرسل التقرير الذي تضمن هذه التعديلات إلى الحكومة عن طريق رئيس مجلس الشيوخ قصد الإدلاء برأيها في هذا الأمر، و يجب على الحكومة تقديم رد معقول في غضون خمسة عشر يوما، وإلا فإن سكوت الحكومة سيتم اعتباره بمثابة موافقة على التعديلات المقدمة، و يجوز للحكومة أن تعرب عن عدم موافقتها على هذه التعديلات التي تخص الزيادة في الاعتمادات أو تقليص عائدات الميزانية في أي وقت أثناء المعالجة وفي حالة عدم احترام المقتضيات الواردة في الفقرات الاولى و الثانية و الثالثة من المادة 111 من النظام الاساسي للكونجرس الاسباني.[3]
وهذه المقتضيات تبرز إلى حد كبير مدى ضعف البرلمان في المجال المالي، حيت لا يحق له إجراء أي تعديل أو تنزيل أي اقتراح إلا بموافقة الحكومة، مما جعل البرلمان بالرغم من دوره الفعال مجرد وسيلة لإضفاء طابع الشرعية على القوانين و التدابير التي تقرها الحكومة ولا سيما على المستوى المالي.
ثانيا : قيود الدراسة و التصويت
طبقا لما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 134 من الدستور الاسباني لسنة 1978 المعدل سنة 2011 واستنادا الى الفقرة الثالثة من المادة 28 من مدونة التشريعات المالية : يتولى وزير المالية بإعتباره ممثل السلطة الحكومية المكلفة بالمالية إعداد مشروع قانون الميزانية متعددت السنوات و يتقديم بتقرير للمجلس الوزاري قبل الموافقة عليها من قبل البرلمان[4] وطبقا لمقتضيات الفقرة الاولى من المادة 37 من نفس القانون أن مشروع قانون الميزانية يجب أن يرسل الى البرلمان قبل الاول من أكتوبر من كل سنة و استنادا على نفس المادة يجب أن يرفق مشروع قانون الميزانية بمجموعة من الوثائق تلك المنصوص عليها في نطاق الفقرة الثانية من نفس المادة[5] على أن يعرض أمام مجلس النواب ” Palacio de las Cortes ” وذلك قبل أن ينتهي العمل بميزانية السنة المنصرمة بثلاثة أشهر على الأقل، [6] وقد جاء في الفقرة التي تليها أنه إذا لم تتم الموافقة على قانون الميزانية قبل أول يوم من السنة المالية التي تدخل فيها حيز التنفيذ تمدد ميزانية السنة المالية المنقضية تلقائياً وذلك إلى أن تتم المصادقة على الميزانية الجديدة،[7] وقد أعلنت المحكمة الدستورية أن مبدأ القسط السنوي قابل للتطبيق، قياسا، على ميزانيات الكيانات المحلية.[8]
يتبين مما سبق أن البرلمان محدود الصلاحيات بالمقارنة مع الحكومة التي تبقى لها السلطة و الامتياز في مجال المالي ” العقلانة البرلمانية ” و يمكن للحكومة بعد الموافقة على الميزانية العامة للدولة أن تتقدم بمشاريع قوانين تخص الزيادة في النفقات العمومية وتقليص العوائد الخاصة بنفس السنة المالية [9] و يتميز هذا الاجراء بالأفضلية على الأعمال الأخرى للغرفة المختصة طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 148 من النظام الاساسي لمجلس الشيوخ[10] وبهذه الافضلية التي تتحلى بها مقترحات الحكومة في ما يخص قانون الميزانية تشكل قيد بحد ذاته الشئ الذي لا يتيح للبرلمان أحقية التعديل بصفته مراقبا سياسيا على عمل الحكومة و المال العام الا بعد موافقة هذه الاخيرة ويشكل بذالك حذا للبرلمان في ما يخص التصويت.
المحور الثاني : حدود صلاحية البرلمان في الجبايات و المعاهدات الملزمة لمالية الدولة
علاوة على الحدود سالفة الذكر فهناك قيود أخرى تقلص من صلاحيات البرلمان على المستوى اعتماد المخططات الاقتصادية لتنمية بالإضافة الى قصوره في المجال الجبائي و كذا الاتفاقيات أو المعاهدات التي من شأنها تكليف ميزانية الدولة.
أولا : الحدود الواردة على البرلمان في المجال الجبائي
تشكل المادة 133 من الدستور اساس الضريبة حيت أنه هناك ثلات مستويات للإدارة العامة في إسبانية التي تكمن لها الصلاحية في المجال الضريبي[11]
- الدولة
- مجتمعات الحكم الذاتي ” كتالونيا، سبتة و مليلية “
- الكيانات المحلية ” جزر البليار و جزر الكناري”
استنادا الى الفقرة الثالثة من المادة 31 و المادة 133 من الدستور وفي نفس السياق نجد أن المادة الرابعة من مدونة التشريعات المالية رقم 58/2003 [12] تظهر لنا مبدأ التحفظ في المسائل الضريبية نظرا لحساسيتها فالدولة هي صاحبة الولاية و الاختصاص بحكم القانون و البرجوع الى قواعد المادة 133 من الدستور يستشف أن السلطة الأصلية التي تثبت لها صلاحية فرض الضرائب هي الدولة حصرا ومن جهة أخرى يحق لمجتمعات الحكم الذاتي و الكيانات المحلية الحق في فرض الضرائب وفقا لدستور ) الفقرة الثانية من المادة 133 ( وفي هذه المادة ايضا تبرز خارطة التملك و الكفاءة للمجتمعات الاقليمية المختلفة لإنشاء الضرائب.
تبقى الدولة هي من لها الحق في اقرار اي ضريبة باعتبارها المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية و برغم من صلاحية الدولة في سن الضرائب طبقا لدستور إلا أنه لا يحق لها أيضا أن تتدخل في هذه الضرائب نظرا لوجود قوانين خاصة تنظم كل ضريبة على حدى )الضريبة على الدخل أو الشركات او الميراث إلخ…. (،ومن هنا يجب أن تمارس سلطة فرض الضريبة داخل إطارها القانوني المعقول مع احترام المبادئ المنصوص عليها في الدستور، حدود ذات طابع مادي تتجلى أساس في الصبغة الواقعية لفرض الضريبة و حدود الطابع الرسمي المستمد من مبدأ الشرعية.[13]
وبهذا يتضح أن البرلمان لا دور له في المجال الضريبي فهو لا يقترح و لا يناقش ولا يفرض أي ضريبة غير أنه يوافق على القوانين التي تحدد الاطار العام لفرض الضرائب يمكننا القول ان دور البرلمان الاسباني في هذا المجال قاصر و محدود وغير فاعل برغم من مكانته كهيئة تشريعية حارسة على المال العام.
ثانيا : حدود صلاحية البرلمان في المعاهدات الملزمة لمالية الدولة و في المخططات التنموية
عمدت الدساتير الديمقراطية على استثناء الاتفاقيات و المعاهدات التي من شأنها ترتيب أثار مالي في حالة موافقة رئيس الدولة وحده، وجعلتها من اختصاص البرلمان حتى وإن كان تدبير شؤون الخارجية يبقى حكرا على رئيس الدولة.
و تشكل المعاهدات الدولية أحد الخصوصيات التي تمتاز بها السياسة الخارجية لدولة، ممثلة في السلطة التنفيذية ويعود دالك الى الرغبة في تركيز العلاقات القانونية الخارجية لدولة في يد سلطة واحدة، الى توفير الامن القانوني لدول الاخرى بمعرفتها المستقلة للسلطة المختصة في المجال،[14] و على غرار ذالك فإن الممارسة البرلمانية العالمية تؤكد محدودية السلطة التشريعية في مجال السياسة الخارجية عموما رغم تطلع هذه الاخيرة الى تقوية حضورها و يعزى ذلك الى العديد من المحددات المرتبطة بخصوصية السياسة الخارجية، او بتعقيد مجال اشتغالها، او صعوبة ادراك اعضاء البرلمان لخباياها فامن الواضح أن البرلمان بحكم مركزه ليس مؤهلا لأن يعلب دورا أساسيا في صنع السياسة الخارجية،[15] غير أنه لا يمكن أن يترك البرلمان بعيدا عن نشاط الدبلوماسي لدولة.[16]
ويتضمن الدستور الاسباني شأنه شأن باقي الدساتير الاخرى مجموعة من القواعد والمقتضيات التي تنظم هذا المجال، حيت نص الدستور على أنه يجب أن تبدي الدولة موافقتها على الالتزام بواسطة معاهدات أو اتفاقيات إلى إذن مسبق من البرلمان، وتحديدا المادة 94-1من الدستور الاسباني حيت نصت على أن المعاهدات و الاتفاقيات التي يترتب بموجبها الالتزامات المالية على الخزينة العامة تبقى حصرا من اختصاص البرلمان، غير أن الحكومة تتدخل بين الحين والآخر عبر طلب ترخيص من البرلمان طبقا للمقتضيات الواردة في النظام الاساسي لمجلس النواب، وتحديدا المادة 154 تنص على أن إبرام المعاهدات و الاتفاقيات التي بموجبها يعزى لدولة ممارسة السلطات المستمدة من الدستور، يتطلب موافقة مسبقة من قبل البرلمان في الحالات المنصوص عليها في نطاق الفقرة الاولى من المادة 94 من الدستور الاسباني[17] .
تنص الفقرة الثانية من المادة 155 من النظام الاساسي لمجلس النواب، على أن الحكومة تطلب الإذن من البرلمان وفقا لمجموعة من القواعد و الاجراءات بحيث يجب عليها أولا أن تبرير الطلب و تتقدم الحكومة بطلب منح الإذن إلى مجلس النواب قصد إقرار مقابلة في اطار مجلس الوزراء مرفوقة بنص المعاهدة، ويجب على الحكومة في هذه الحالة أن تدلي بكل التحفظات إن وجدت، وهنا يتعين على مجلس الشيوخ أن يصدر قرار بشأن منح الإذن و صياغة التحفظات التي تقترحها الحكومة بعد الموافقة عليها[18]، وفي نفس السياق تنص الفقرة الثالثة من المادة 155 من القانون سالف الذكر أن الحكومة تتقدم إلى مجلس الشيوخ بالطلب المشار إليه في الفقرة السابقة، في غضون تسعين يوماً بعد موافقة مجلس الوزراء، وهي فترة يجوز تمديدها، في الحالات المبررة، إلى مائة وثمانين يوماً. وفي هذه الحالة الأخيرة، وبعد انقضاء التسعين يومًا الأولى ، ستكون الحكومة ملزمة بإرسال رسالة إلى مجلس الشيوخ تتضمن الأدلة المبررة للتأخير. [19]
و تعترف أغلب التشريعات بدور البرلمان في ما يخص المعاهدات و الاتفاقيات التي تلزم مالية الدولة، كما هو في اسبانيا ولكن بطريقة تمتاز بازدواجية التدخل بين الحكومة و البرلمان، وتبرز المادة 158 من القانون المنظم لمجلس النواب التباين بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ، على منح الإذن في المعاهدات أو الاتفاقات المشار إليها في الفقرة الاولى من المادة 94 من الدستور، حيت جاء فيها؛ يتم اعتماد قرارات البرلمان المنصوص عليها في المواد 94 في نطاق الفقرة الأولى و المادة 145 في نطاق الفقرة الثانية من الدستور و المادة 158 في نطاق الفقرة الثانية عن طريق موافقة الأغلبية داخل مجلس الشيوخ، وفي الحالة الأولى توكل المهمة لمجلس النواب، وفي الحالتين المتبقيتين لمجلس الشيوخ وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ، تشكل لجنة مختلطة مكونة من نفس العدد من النواب ومن أعضاء مجلس الشيوخ هدفها الوصول إلى اتفاق بين مجلسي البرلمان، وتقدم اللجنة نصاً يصوت عليه مجلسا البرلمان. وإذا لم تتم المصادقة على النص السالف ذكره كما هو منصوص عليه يبت مجلس النواب في الأمر بموافقة الأغلبية [20]، وفي هذه النقطة يتبين أن الدستور الاسباني قد منح تفوقا لمجلس النواب على حساب مجلس الشيوخ في ما يتعلق بإقرار القوانين التي يجب وبضرورة أن تحضى بموافقة مجلس النواب في حالة الخلاف، وذالك فيما يخص المعاهدات ذات الطبيعة السياسية أو العسكرية التي تؤثر على السلامة الإقليمية للدولة، والحقوق والواجبات الأساسية المنصوص عليها في الباب الأول من الدستور، والتي تنطوي على التزامات مالية للخزانة العامة نذكر على سبيل المثال :
- اتفاق بين المملكة الإسبانية ومنظمة حلف الشمال الأطلسي، بالمقر العام الأعلى لقوات الحلفاء في بأوروبا، بشأن الشروط الخاصة المنطبقة على إنشاء المقر العسكري الدولي واستغلاله في الأراضي الإسبانية، وذالك في مدريد بتاريخ 28 فبراير 2000، أقر الكونغرس هذه المعاهدة في جلسة عامة بتاريخ 5 أكتوبر 2000، و وافق عليها مجلس النواب في جلسة عامة بتاريخ 16 نوفمبر 2000.
أو تلك التي تقف على تعديل أو إلغاء أي قانون أو طلب تدابير تشريعية لتنفيذه. وبمجرد منح التفويض من قبل المجلسين، يتم إبلاغ الحكومة أنه من تلك اللحظة، يمكنها المضي في التصديق عليه. وأخيراً، بالنسبة للمعاهدات المتبقية، التي لا تخضع للإذن، فإن الدستور يقتضي فقط إبلاغ الدوائر بإبرامها طبقا ” للمادة 94-2 من الدستور و المادة 146 النظام الاساسي لمجلس الشيوخ ” وتتشابه معالجة التفويض في مجلس الشيوخ مع الإجراء التشريعي في بعض خصائصه الفريدة و الأكثر تميزا، فالمعاهدات التي تمت معالجتها بموجب المادتين 93 و 94-1 هي أنها غير قابلة لتعديل المقترحات فقط بشأن عدم التصديق (التي تخضع لأحكام اقتراحات و حق النقض بما يستلزم الحاجة إلى الأغلبية المطلقة للموافقة)، وفي ما يخص تأجيل التصديق أو التحفظ تنص المعاهدات صراحة على هذه الإمكانية أو أن محتواه يعترف به إذا تم تقديمها إلى لجنة الشؤون الخارجية، والتي ترفع رأياً أو مقترحًا مسببًا خلال الجلسة العامة حول ما إذا كان يجب منح الإذن أم لا.
وهذا الامتياز الممنوح لمجلس النواب على حساب مجلس الشيوخ لا يقوي من صلاحية البرلمان بل يضعفه ويدعم اختصاصات الحكومة عن طريق العقلانة البرلمانية، فإذا كانت أغلب التشريعات قد اعترفت بالدور المحوري للبرلمان فيما يتعلق بهذا النوع من الاتفاقيات غير أنه لا يعكسه الواقع، فالحكومة تبقى لها صلاحية طلب الإذن وتذيق الخناق عن البرلمان في ممارسة اختصاصاته الدستورية[21].
ومن جهة أخرى تشكل المخططات الاقتصادية للتنمية كما أشار لها بعض الدارسين ” سونيا بينيتو هيرنانديز”، أحد أهم المرتكزات التي تقوم عليها التنمية في إسبانيا[22]، وبخصوص التحضير للمخططات الاقتصادية تنفرد الدولة بصلاحية اعتماد هذه المخططات وبتدخل أجهزة مختلفة و متنوعة حسب نوعية المخطط ومداه الجغرافي، والتي تتمثل في المصالح المركزية و الادارات والمؤسسات بالإضافة إلى جهات اقتصادية أخرى.
مثال على هذه المخططات :
- مخطط 1991-1984 خاص بالطرق العامة
- مخطط 2007-1993 يخص البنيات التحتية
إن هذه الخصوصية التي تنفرد بها الحكومة على البرلمان في مجال التخطيط الاقتصادي للتنمية يجد صداه في نطاق المادة 131 من الدستور الاسباني، التي تنص صراحة على أن للدولة الحق بمقتضى قانون أن تخطط لنشاط اقتصادي عام[23]، بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل متساوي بين كل مكونات المجتمع الاسباني، وفي نفس السياق تنص الفقرة الثانية من نفس المادة واستنادا على المادة 128 من الدستور الاسباني، على أنه تعمل الحكومة على تهيئ مشاريع المخططات الاقتصادية بناء على التوقعات التي تمده بها مجتمعات الحكم الذاتي وفقا لمبدأ الاستشارة والتعاون بين )النقابات، والهيئات المهنية، وكدا هيئة خاصة بأرباب العمل ( ، ويحدث لهذه الغاية مجلس يحدد تشكيله بقانون، ونستشف مما سبق أن الحكومة هي من تعد المخططات وهي من تسهر على تنفيذها، غير أن البرلمان يقف مكتوف الأيدي فلا حق له في إعداد هده المخططات ولا تنفيذها غير أنه يوافق على مشروع هذا المخطط بعد دراسته و التصويت عليه.[24]
وفقا لتفسير مونتسكيو الذي اعتبر أن البرلمان يملك فقط سلطة المنع وليس له سلطة التقرير و الفصل، ويقصد بالمنع أحقية البرلمان في التصدي الى القوانين و القرارات التي تتخذ من لذن سلطة أخرى أما سلطة التقرير فتعني أخد المبادرة لتقرير شئ ما أو تصحيح ما تم اتخاذه من لذن سلطة أخرى.[25]
وعلى هذا الأساس يكون من قبيل الخطأ الشائع أن البرلمان يصادق على المعاهدات، فهو لا يصادق عليها وإنما يعطي فقط الموافقة التي بمقتضاها يقوم رئيس الدولة بالتصديق. وفي مستوى أخر يمكن اعتبار أن البرلمان لا يتدخل في المسائل المالية بشكل محدد دستوريا، وإنما يتدخل لإضفاء طابع الشرعية على ما تم إقراره من قبل الحكومة، فمحدودية البرلمان في المجال المالي نلمسها أساسا في عدم قدرته على إعداد مشروع قانون المالية، ولا إعداد المخططات التنموية بشكل منفرد لضعف الكفاءة و محدودية إدراك النواب، كما لا يحق للبرلمان فرض أي ضريبة فهو حق مكفول للدولة، وللبرلمان أن يوافق فقط ، كل هذه الأمور تتيح للحكومة صلاحية الانفراد على البرلمان في ما يخص الجانب المالي في إطار العقلنة البرلمانية.
وبهذا نقول أن البرلمان لا يشكل سلطة فعلية في المجال المالي نظرا لمحدوديته من حيث المبادرة و الاقتراح ثم التعديل، وكذا قصور دوره في مجال الضرائب و المخططات الاقتصادية و المعاهدات الملزمة لمالية الدولة، إلا أنه يبقى حاضرا من خلال أدواره الرقابية.
لائحة المراجع:
الكتب:
- صبح الله الغازي، النظم الدستورية النموذجية في العالم المعاصر، دون مطبعة، دون طبعة
الاطروحات و الرسائل:
- الهبري الهبري، الاختصاصات المالية للبرلمان، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق وجدة، السنة الجامعية 2005- 2006.
- محمد سكلى، التدبير المالي العمومي ومتطلبات الحكامة المالية، أطروحة لنيل شهادة الدكتو اره في القانون العام ، جامعة محمد الخامس، أكدال، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية 2013 – 2012
المقالات:
- د.الحسن بوقنطار، السياسة الخارجية المغربية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة ، عدد 72 ، سنة 2014، ص46
النصوص التشريعية و التنظيمية
الدستور الاسباني لسنة 1978 المعدل سنة 2011
- Reglamento Del Congreso De Los Diputados
- Código de Legislación Financiera
المواقع الالكترونية :
- الموقع الرسمي لمجلس النواب الاسباني، http://www.congreso.es
- الموقع الرسمي لمجلس الشيوخ الاسباني، http://www.senado.es
- الموقع الرسمي للجريدة الرسمية لإسبانية، https://www.boe.es
- مركز الدراسات المالية في اسبانية، https://www.fiscal-impuestos.com
[1] صبح الله الغازي، النظم الدستورية النموذجية في العالم المعاصر،ص47
[2] 134-6 من الدستور الاسباني لسنة 1978 المعدل سنة 2011.
[3] Art. 111,Capitulo II, Del procedimiento legislativo común, Reglamento Del Congreso De Los Diputados
[4] Artículo 3-28,Código de Legislación Financiera
[5] Artículo 1-2-37,Código de Legislación Financiera
[6] نفس الفصل، الفقرة الثالثة من الدستور الاسباني
[7] نفس الفصل، الفقرة الرابعة من الدستور الاسباني
[8] congreso de los diputado, www.proquoabogados.com, Tiré, 02/11/2018
[9] نفس الفصل، الفقرة الخامسة من الدستور الاسباني
[10] reglamento del senado de la república españa.
[11] Agencia Boletin Oficial del Estado, https://www.boe.es , Tiré 03 /11/2018
[12] Introducción, https://www.fiscal-impuestos.com, Tiré 03 /11/2018
[13] El poder tributario, https://www.fiscal-impuestos.com,Tiré 03/11 /2018
[14] الهبري الهبري ،الاختصاصات المالية للبرلمان المغربي ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ، جامعة محمد الاول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، وجدة،2005-2006،ص 130.
[15] د.الحسن بوقنطار، السياسة الخارجية المغربية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة ، عدد 72 ، سنة 2014، ص46
[16] الهبري الهبري، مرجع سابق، ص 130.
[17] Art 154, reglamento del congreso de los diputados, 24 de febrero de 1982
[18] La même loi, Art 155-2, reglamento del congreso de los diputados, 24 de febrero de 1982
[19] La même loi, Art 155-3
[20] الفصل 74، الدستور الاسباني
[21] Senado español, http://www.senado.es, Tiré, 02 /11/2018
[22] سونيا بينيتو هيرنانديز،عن مجلة الدراسات التعاونية،جامعة كومبلوتنسي بمدريد.
[23] المادة 131 و 128 من الدستور الاسباني
[24] قراءة في الدستور الاسباني،الصفحة الرسمية لمجلس النواب الاسباني، http://www.congreso.es
[25] محمد سكلى، التدبير المالي العمومي ومتطلبات الحكامة المالية، أطروحة لنيل شهادة الدكتو اره في القانون العام ، جامعة محمد الخامس، أكدال، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، الرباط، السنة الجامعية 2013 – 2012،ص 136