في الواجهةمقالات قانونية

لجان التنسيق كآلية لتعزيز منظومة التكفل بالنساء ضحايا العنف

 

لجان التنسيق كآلية لتعزيز منظومة التكفل بالنساء ضحايا العنف

سفيان شاوش خريج ماستر قضاء الأسرة بكلية الشريعة بفاس

يأتي سياق إحداث لجان التنسيق للتكفل بالنساء والأطفال كمرحلة أولى من خلال ما أفرزه التقييم المركزي لتجربة الخلية القضائية، بعد مضي ما يقارب الست سنوات من إحداثها، الذي أبان عن  جملة من العوارض المؤثرة على أدائها طيلة مسار التكفل، يرجع السبب في معظمها إلى طبيعة ومستوى التنسيق القائم بين المتدخلين المتصف بالمحتشم والمحدود، ما دفع الوزارة إلى اتخاذ المبادرة لإيجاد آليات لتأطير وعقلنة التنسيق البين قطاعي، قائمة على أسس خدماتية تشاركية مندمجة ترسخ الوعي بأهمية إشراك المجتمع المدني، وذلك بموجب دورية صدرت عن السيد الوزير عدد 20س/3بتاريخ 12/10/2010 ، حث فيها كافة ممثلي الخلايا بالمحاكم إلى العمل على إحداث لجان محلية على مستوى الدوائر القضائية للمحاكم الابتدائية، وأخرى جهوية موازية على مستوى الدوائر القضائية الاستئنافية، تضم ممثلين لجميع المتدخلين المعنيين بغية تحقيق حماية شاملة بأبعاد ثلاث، قبلية، آنية، ولاحقة. تعمل وفق أجندة مقترحة من قبل ممثل الخلية القضائية، قوامها توحيد الرؤى وانسجام الممارسات، تنخرط كافة مكوناتها في العمل على تحديد وحصر المعيقات وإيجاد السبل الكفيلة بتذليلها خلال اجتماعاتها الدورية المنعقدة بحضورهم.

ليأتي قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي سيشكل مرحلة ثانية في سيرورة إحداث لجان مشتركة بين القطاعات للتكفل بالنساء ضحايا العنف، وذلك من خلال وضعها في إطارها القانوني من جهة، فضلا عن إحداث اللجنة الوطنية لأول مرة، باختصاصات مهمة على مستوى ضمان التواصل والتنسيق على المستوى الوطني.

وبالرجوع إلى المقتضيات القانونية المنظمة لهذه اللجان؛ نجد أن أهم جديد جاء به قانون محاربة العنف ضد النساء والمرسوم التطبيقي الصادر بشأنه على مستوى التأليف؛ هو توسيع دائرة المتدخلين على مستوى الدائرة القضائية لكل محكمة ابتدائية واستئنافية، إذ تم الانفتاح على بعض الهيئات المساعدة للعدالة، كالمحامين والمفوضين القضائيين، بحيث أصبح حضور ممثليهم لأشغال اللجنة إجباريا، وذلك إلى جانب متدخلين آخرين كالمصالح الطبية ومصالح الشرطة والدرك الملكي من أجل ضمان تكفل ناجع، فضلا عن تطرق المرسوم التطبيقي لبعض ممثلي الإدارة؛ ممثلين في القطاعات الحكومية المكلفة بالصحة والشباب المرأة.

إلا أن الذي يلاحظ على هذا التأليف؛ وإن كان يسمح بتقييم متبادل لأداء كل مكون من مكونات هذه اللجنة بشكل أفقي، ويمثل بتنوعه فرصة لمكونات المجتمع المدني الفاعلة محليا للوقوف على طبيعة صلاحيات هذا المكونات القطاعية وحدود إمكانياتها؛ فإن ما يؤخذ عليه – في نظرنا- هو محدودية إشراك المجتمع المدني بالرغم من أهميته في التقييم، حيث لم يحظ بإلزامية الحضور على غرار المتدخلين الآخرين، بل ولم يتم ترك الباب مفتوحا حتى لإمكانية حضوره التلقائي، وبقي بذلك خارج تشكيلة اللجنة؛ إذ أن إمكانية حضوره متوقفة على توجيه الدعوى إليه من قبل اللجنة المحلية أو اللجنة الجهوية.

على الرغم من ذلك، قد أحسن المشرع عندما حدد بشكل دقيق تركيبة اللجان المحلية والجهوية، إيمانا منه بأهمية البعد الجهوي في التنسيق، إذ لم يعد خيارا أو ترفا بل بات ضرورة واقعية ملحة تفرضها التوجهات الدستورية الداعية إلى تجاوز صبغة التمركز والسعي نحو العمل اللامتمركز بتبني نظام الجهوية المتقدمة في كافة المناحي العامة بما فيها العمل القضائي، ما يدعو بل يفرض استحضار هذا التوجه خلال وضع مسار التكفل القضائي التشاركي المندمج، الهادف إلى توفير الحماية في مفهومها الشامل لمختلف أبعادها القضائية، الاجتماعية من أمن، صحة، تربية، وتعليم

كما أن نجاح عملية التنسيق لا يمكن أن تتحقق إلا بالعمل المتكامل والمشترك  واستحضار كافة المتدخلين لروح التشريع، وهو ما يستلزم وجود أطر مؤهلة قادرة على التوجيه والبناء الإيجابي، تمتلك تصورا واضحا ورؤيا محددة وموحدة حول أفضل وأنجع الطرق لتعزيز الحماية القانونية للمرأة والطفل، مجسدة فعلا وحقيقة غايات المشرع.

لكن أشغال اللجنتين المحلية والجهوية مهما كانت إيجابية ومتقدمة، لا يمكن أن تساهم لوحدها في الارتقاء بالتكفل، دون العمل التشاركي المتكامل، الذي ينقلها من التنسيق الأفقي إلى تنسيق عمودي، وهو ما تبناه المشرع عبر آلية اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف من خلال قانون محاربة العنف ضد النساء لأول مرة، حيث حدد بدقة تأليفها من خلال المادة 11 من المرسوم التطبيقي، ضمت مختلف القطاعات الحكومية، فضلا عن التمثيلية القضائية والأمنية، برئاسة شخصية يعينها رئيس الحكومة.  والتي بدون شك سيشكل إحداثها تعزيزا لمأسسة آليات التنسيق بين المتدخلين في مجال مناهضة العنف ضد النساء وحمايتهن، باعتبار الصلاحيات الهامة التي أسندت إليها، بموجب القانون، خاصة على مستوى ضمان التواصل والتنسيق بين مختلف التدخلات لمواجهة العنف ضد النساء والمساهمة في وضع آليات لتحسين تدبير عمل خلايا التكفل على صعيد التراب الوطني.

في الأخير، ومن المؤكد  أن الظرفية الحالية – الموالية لصدور ق 103.13 – في حاجة مستمرة لمزيد من تحمل للمسؤولية من قبل جميع المتدخلين، على المستوى المحلي والجهوي والوطني، وينبغي في هذا الصدد على اللجان المذكورة العمل على:

  • التزام كافة الأعضاء بالحضور، على اعتبار أن اجتماعات اللجنة ليست عملا صوريا؛
  • تفعيل مقترحات الحلول المنبثقة عن اجتماعات لجان التكفل؛ وإيجاد وسائل ناجعة لمواكبتها وتتبعها تحت إشراف ممثل النيابة العامة المكلف بالخلية القضائية، ونقترح في هذا الصدد وضع نقطة في برنامج أشغال اجتماع اللجنة، لمناقشة وتقييم مدى الالتزام بالاقتراحات والمبادرات المعلن عنها في الاجتماعات السابقة؛
  • الوعي بأهمية الترافع؛ من خلال التقارير المقدمة إلى السيد الوكيل العام للملك على صعيد الدائرة الاستئنافية في الاجتماع الجهوي الذي ينعقد مرتين في السنة القضائية وصولا إلى اللجنة الوطنية، إذ ينبغي طرح جميع الإشكالات التي تحد من التكفل بالنساء المعنفات، ؛ قصد تحقيق الغاية من وجود هذه اللجان كآليات للتنسيق والعمل المشترك، لأن مجهودات النيابة العامة لا يمكن أن تعطي ثمارها، إذا لم تتوفر على وسائل العمل الكافية من موارد بشرية ولوجيستيكية، فتبقى هذه الاجتماعات فرصة حقيقية لتجاوز المعيقات التي تحول دون السرعة المطلوبة في التكفل القضائي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى