رقابة المحافظ العقاري للرسوم المدعمة لطلبات التشطيب
ملخص باللغة العربية:
حاولت في البداية التعريف بمؤسسة التشطيب وذلك من خلال التمييز فيما بينها وبين عدة مصطلحات بعدها تحدثت عن التطور التاريخي لها، ثم بعد ذلك للإطار القانوني الخاص بها ،دون أن ننسى الأهمية المزدوجة العلمية و العملية للموضوع، التي بتضافرهما تتشكل أهمية الموضوع التي ينبغي إبرازها، وهذه الأهمية تقودنا لطرح الإشكالية الرئيسية التي تتمحور حول الدور الرقابي للمحافظ العقاري للرسوم المدعمة لطلبات التشطيب في المرحلة المصاحبة لتأسيس الرسم العقاري واللاحقة لهذا التأسيس؟
ويبدوا وجيها لدراسة هذه الإشكالية، تقسيم الموضوع إلى مبحثين معتمدين على المنهج التحليلي، وكذا المنهج المقارن. و نختم هذا التلخيص بتحديد خطة العمل للموضوع، إذ تم تحديدها في:
مقدمة ممهدة، ومبحثين، يتعلق الأول بالتشطيب على التقييدات المصاحبة لتأسيس الرسم العقاري ،وهو بدوره مقسم إلى مطلبين،خصص الأول للحديث عن ارتباط مفعول الأثر التطهيري بسبب التشطيب ومجاله ،بينما الثاني ترك لدراسة الأثر التطهيري لتقييد المحاضر شبه القضائية ، أما المبحث الثاني فتعلق بالتشطيب على التقييدات اللاحقة لتأسيس الرسم العقاري ، حيث قسم بدوره إلى مطلبين ،تبلور الأول في التطرق لرقابة المحافظ العقاري للرسوم المدعمة لطلب التشطيب على الحقوق العينية، فيما تعلق الثاني برقابة المحافظ العقاري للتشطيبات على التقييدات الإحتياطية،وفي الأخير سنختم الموضوع بأهم الإستنتاجات و الخلاصات التي توصلت إليها الدراسة لاستجلاء الغموض وتوضيح المفاهيم المتعلقة بموضوع المقال.
Résumé:
Premièrement j’avais essayé de définir la radiation à travers le discriminer avec d’autres termes, ensuit j’avais présenté leur développement historique, leur propre cadre juridique, son importance scientifique et pratique.
Cette dernière nous amènerons à exposer la problématique majeure suivante : le contrôle du conservateur foncier des titres prises en charge pour les demandes de radiation pendant et après la constitution du titre foncier ? Pour bien traité cette problématique, nous aurons divisé ce sujet par deux chapitres principales, basées sur deux types de méthodologies, analytique et comparatif.
En conclusion, nous annonçons le plan suivant ; une introduction, deux chapitres, le premier sera consacré pour la radiation des inscriptions simultanées avec l’établissement du titre foncier, cette dernière sera divisée en deux sections. La première section va traité le lien entre les effets de purge à cause de radiation et leur domaine, on va étudier par la deuxième les effets de purges pour l’inscription des pv (procès-verbal) quasi judiciaires, quant à la deuxième chapitre on parlent de la radiation des inscriptions résultant l’établissement du titre foncier ,celle ci doit diviser aussi par deux section. Par la première ont été étudiées le contrôle du conservateur foncier des titres prises en charge pour la demande de radiation des droits réels, et en ce qui concerne la deuxième section on a analysé le contrôle de conservateur foncier les radiations des demandes des prénotations provisoires, nous conclurons cette article par nombreux résumés, conclusions et recommandations les plus importantes.
يمثل التشطيب ركيزة أساسية في مجال حماية الملكية العقارية و استقرارها، ويحض بمكانة بالغة في مجال تداول الحقوق المرتبطة بها، ويشكل ضمانة قانونية بالنسبة للغير المتعامل على أساسه.
بالرغم من هذه المكانة التي يحتلها التشطيب في منظومة التحفيظ العقاري ،إلا أن المشرع المغربي لم يتحمل عناء وضع مفهوم دقيق له، بل اقتصر فقط على وضع نصوص متفرقة ([1]) يمكن من خلالها فقط استفادة إمكانيته .
وبالتالي فاستجلاء الغموض عبر تحديد مفهوم التشطيب في ظل غياب نص قانوني محدد ، لن يتم إلا بوضعه في سياق مفاهيم أخرى مشابهة له من قبيل التصحيح و التعديل ، وكلها مفاهيم تشترك مع التشطيب في نفس الهدف وهو ضبط المعاملات داخل السجل العقاري، ومطابقة الواقع المادي مع الواقع القانوني للحق العقاري المقيد.
لكن مع اختلاف في المهام و طريقة الإجراء يتم إضفاء طابع تميز كل عملية على حدة، بحيث أنه عند تمييز التشطيب عن التصحيح من حيث المساس بالحق المقيد ، نجد بأن التصحيح حسب مقتضيان الفصل 29 من القرار الوزاري المؤرخ في 3 يونيو 1915 المتعلق بتفاصيل تطبيق نظام التحفيظ العقاري ، يوضح أن إرادة المشرع المغربي اتجهت نحو قصر التصحيح على الأخطاء المادية ([2]) التي لا تغير جوهر الحق.
وتجدر الإشارة إلى أن الأخطاء التي ترد في الرسم العقاري على إثر اتخاذ قرار التحفيظ لا تدخل في نطاق الفصل 29 المذكور ، وهو ما أكد عليه المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا-في أحد قراراته ([3]) و الذي جاء فيه ما يلي :” استثناء المحافظ على الأملاك العقارية تلقائيا مباني و مقالع من ملكية أرض بعد تحفيظها و تسجيلها باسم الغير لا يدخل ضمن صلاحياته….”.مما يستنتج معه أن التصحيح يقتصر على الأخطاء المادية الصرفة المتسربة إلى الرسم العقاري و التقييدات اللاحقة المضمنة به، ليختلف بذلك عن التشطيب الذي يرمي إلى تغيير الحقائق الموضوعية للحق المقيد أو إلغائها بالمرة وفق شكلية محددة.
أما التشطيب فهو يهدف إلى إلغاء الحق المقيد و إنهائه بالمرة، دون إضافة أي حقوق أو تغييرات أخرى إلى الرسم العقاري، عكس التعديل الذي يضيف ولا ينقص.
و عليه يقصد بالتشطيب إلغاء المحافظ العقاري ما ضمن بالسجل العقاري ، وهو حسب الفصل 91 ([4]) من نفس الظهير يكون إما بموجب عقد صحيح وهو ما يعرف بالتشطيب الإتفاقي أو بموجب حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به ، وهو ما يعرف بالتشطيب القضائي ، ويضاف إلى الحالتين حالة أخرى و يتعلق الأمر بالتشطيب التلقائي ([5]).
ولفهم أي موضوع لابد من معرفة مراحل تطوره عبر التاريخ، ومن بينها موضوع التشطيب، إلا أن هذا الأخير لا يمكن الحديث عن مساره التاريخي بعيدا عن السجل العقاري، على اعتبار أنه جزء لا يتجزأ منه ،و الذي تعود أصوله إلى القانون الفرنسي القديم ، وخصوصا قانون 23 مارس 1855 الذي أقر تقييد جميع التصرفات الناقلة للملكية بحيث لا تنتقل الملكية من البائع إلى المشتري إلا بالتقييد ، وقد اعتبر هذا النص كبداية رسمية لوضع نظام شهر التصرفات العقارية ، لكنه لم يرق إلى مستوى تطلعات التنظيم المحكم لهذا المجال، لأنه كان يعتمد على التنظيم الشخصي للسجل العقاري([6]).وبعده جاء نظام جديد يعتمد على التسجيل العيني سنة 1858 و الذي ظهر في استراليا على يد واضعه- روبر توارنس- الذي كان يشغل مدير التسجيلات باستراليا الجنوبية و سمي هذا النظام باسمه – أي نظام تورانس- وهو يعتبر نظام أصيل لجميع أنظمة الشهر العيني حاليا([7]).
والذي أوجب ضرورة تقييد كل التغييرات و الانتقالات و الإسقاطات الطارئة على الحقوق المتعلقة بالعقار وكذا تضمين كل التغييرات المادية و تلك المتعلقة بأهلية المالك و أصحاب الحقوق العينية و ذلك بشهادة الملكية ، حيث تكون دائما مطابقة للوضعية القانونية و المادية الفعلية للعقار المقيد بالرسم العقاري.
لكن الجدير بالقول في هذا الموضوع، هو أن التشطيب يبقى دون جدوى إذا لم يتم تنظيمه بالشكل الكافي الذي يسهل إجراءه حتى يساهم في بلورة أهمية السجلات العقارية بصفة عامة و المطابقة بين الواقع و القانون بصفة خاصة في المجال العقاري.
و على غرار التقييد فقد نظم المشرع المغربي التشطيب في ظهير التحفيظ العقاري ، حيث خصص له الفصول من 91 إلى 95 منه ، وقد حاول المشرع المغربي تنظيم هذه المؤسسة تنظيما يتلائم مع الظروف الاجتماعية و الاقتصادية التي يعرفها المغرب ، فنظم حالاتها و المبررات التي تستند عليها و كذا شروطها و إجراءاتها.كما نظم المشرع المغربي في الفصول من 96 إلى 100 من نفس الظهير،دور ومسؤولية المحافظ إزاء إغفاله لعملية التشطيب أو ما يرتكبه من أخطاء أثناء عملية التشطيب.
لذلك ففعالية نظام السجل العيني رهينة بدقة التشطيب نظريا و تطبيقيا.
الشيء الذي يغري بالتحليل و الدراسة و يضف على الموضوع أهمية مزدوجة علمية و عملية بتضافرهما تتشكل أهمية الموضوع التي ينبغي إبرازها.
وعلى هذا الأساس فان للموضوع أهمية علمية تكمن في ضرورة استجواب النصوص القانونية المنظمة للتشطيب ، وذلك لمعرفة الوضع القانوني الذي تدور في فلكه هاته العملية، لأنها تمثل نهاية حق عيني عقاري لفائدة شخص معين بالطرق التي حددها القانون، ويدخل بذلك تاريخ العقار عبر السجل العقاري، ليسهل على المتعاملين الجدد مع العقار التعرف على جميع الوقائع التي تحملها بشكل سابق.
وبالتالي المساهمة في تداول الحقوق بصورة واضحة التي من شأنها أن تخلق الاطمئنان في نفوس الأشخاص، وتقلل من المنازعات التي يمكن أن تحدث في هذا المجال على المستوى العملي.
وهذه الأهمية تقودنا لطرح الإشكالية الرئيسية التي تتمحور حول الدور الرقابي للمحافظ العقاري للرسوم المدعمة لطلبات التشطيب في المرحلة المصاحبة لتأسيس الرسم العقاري واللاحقة لهذا التأسيس؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية من قبيل:
متى يمكن طلب التشطيب؟ ما هي الحقوق التي تكون موضوعا للتشطيب؟
مدى تأثر المقيد عن حسن نية بالآثار الناجمة عن التشطيب؟
تأثير ازدواجية الجهة المختصة بمباشرة التشطيب(القضاء و المحافظ العقاري) على فعالية التنفيذ؟
ويبدوا وجيها لدراسة هذه الإشكالية تقسيم الموضوع إلى مبحثين معتمدين على المنهج التحليلي الذي يربط بين النصوص القانونية و الإجتهادات القضائية و الآراء الفقهية ، وكذا المنهج المقارن من خلال المقارنة بين مختلف الأنظمة التشريعية لبعض الدول كلما لزم الأمر ذلك.
المبحث الأول : التشطيب على التقييدات المصاحبة لتأسيس الرسم العقاري
المبحث الثاني: التشطيب على التقييدات اللاحقة لتأسيس الرسم العقاري
المبحث الأول : التشطيب على التقييدات المصاحبة لتأسيس الرسم العقاري
تحت مبرر قاعدة التطهير و التي يقصد بها:” تطهير العقار من جميع الحقوق التي كانت عالقة به قبل التحفيظ، ولم يطالب بها أثناء مسطرة التحفيظ” ([8]). و بالتالي ينتج عنها أثر تطهيري مركب من قاعدتين:الأولى تفيد أن الحقوق المترتبة على العقار وقت التحفيظ ، والتي لم يأذن بها المحافظ بتأسيس الرسم العقاري تعتبر لاغية.والثانية تتعلق بالحقوق العينية المقيدة التي تعد صحيحة حتى ولو كانت ناتجة عن سندات معينة.
مما يطرح معه فرضية أن التشطيب لا مجال له في هاته المرحلة المصاحبة لتأسيس الرسم العقاري أي قبل صدور قرار التحفيظ.و بالتالي تتطلب دراستها التطرق إلى مفعول الأثر التطهيري ارتباطا بسبب التشطيب، وكذا مجال هذا الأثر(المطلب الأول)، وذلك بتحديد معيار التشطيب على التقييدات من خلال معرفة مدى شموليتها بالأثر التطهيري،ثم تحديد التشطيبات على الإيداعات في(المطلب الثاني).
المطلب الأول : ارتباط مفعول الأثر التطهيري بسبب التشطيب ومجاله
سنبدأ بالحديث عن مدى ارتباط مفعول الأثر التطهيري بسبب التشطيب في (الفقرة الأولى)، ثم لمجال هذا الأخير في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : ارتباط مفعول الأثر التطهيري بسبب التشطيب
يعد تأسيس الرسم العقاري بمثابة حالة مدنية للوضعية القانونية و المادية للعقار، يمنحه حجة تامة وقوة إثبات و تطهير من جميع الحقوق المدلى بها أثناء جريان مسطرة التحفيظ بالمرة.
فالمالك تثبت له ملكية عقاره مطهرة و نهائية و غير قابلة للطعن بمجرد صدور قرار التحفيظ من قبل المحافظ العقاري وفقا للفصل 2 و 62 من ظهير التحفيظ العقاري. فهذان النصان مترابطان يكمل أحدهما الآخر و يفسر ذلك أنه ومن خلال مقتضيات هذين الفصلين ، يستنتج أنه يترتب على قرار التحفيظ تطهير العقار من جميع الحقوق السابقة عليه أي السابقة على قرار التحفيظ، واكتساب رسم الملكية المنجز من جانب المحافظ العقاري وبقرار منه صفة نهائية غير قابلة لأي طعن كيفما كان نوعه.
ولئن كان مبدأ التطهير يرمي إلى تخليص الحقوق تنفيذا لقرار التحفيظ من العيوب التي يشوبها، ويحصنها من كل ادعاء بالإبطال و التشطيب، فذلك راجع لمسطرة التحفيظ الطويلة ([9]) التي تستعمل كل الوسائل للوصول إلى معرفة حقيقة الحق الذي يضفى عليه مناعة مطلقة إزاء الكافة بتطهيره من كل النزاعات قبل الإقدام على تحفيظه.
وذلك ما أكد عليه القضاء المغربي في أكثر من مناسبة، فقد جاء في إحدى القرارات بالمجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- على أن:”…إقامة الرسم العقاري له صفة نهائية لا تقبل الطعن و يحسم كل نزاع يتعلق بالعقار، ولا يمكن الاحتجاج بأي حق عيني سابقا على التحفيظ لم يسجل على الرسم العقاري…”([10]).
وجاء في قرار آخر له أن :” الفصل 2 من ظ.ت.ع يتضمن قواعد آمرة مرتبطة بالنظام العام العقاري، ومن تم يجب أن تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها كلما تبين لها أن الحق المدعى به تطهر منه العقار نتيجة التحفيظ” ([11]).
وعليه فجميع الحقوق التي لم يتضمنها الرسم العقاري تعتبر غير موجودة ،حتى ولو كان سبب إغفالها هو تعمد إلحاق الضرر بصاحبها و استعمال وسائل تدليسية في ذلك؛ إذ أن سوء النية لا يكون سببا في طلب إلغاء الرسم العقاري الناتج عن التحفيظ وهذا ما صار عليه الاجتهاد القضائي المغربي عندما لم يمنح إمكانية إقامة دعوى التشطيب بناءا على مخارجة أقيمت وقت عملية التحفيظ ولم يقع فيها التعرض وإنما يكفي أن تقام بها دعوى تعويض إذا تبث التدليس في عملية التحفيظ ([12]).
وهكذا فمفعول الأثر التطهيري هو نهائي و غير قابل للطعن، وبالتالي لا مجال للحديث عن التشطيب و أسبابه في هذه المرحلة، لكن الجدير بالذكر هو أنه إذا كان الأثر التطهيري يرمي إلى تخليص الحقوق المقيدة تنفيذا لقرار التحفيظ من العيوب التي تشوب صحتها ،فإنه لا يتجاوز إدامتها و أساس ذلك أن الحقوق بصفة عامة باستثناء حق الملكية، تعتبر مؤقتة أي قابلة للإنتهاء والإنقضاء بتحقق أحد الأسباب القانونية حيث يتعين التشطيب على هذه الحقوق المنقضية من السجل العقاري ولو كانت محصنة من الإبطال بفعل التطهير.
أما عن مجال الأثر التطهيري ،نجد بأن إمكانية التشطيب تحدد بمعرفة إن كان الحق مشمولا بالمفعول التطهيري أم لا، فإن كان يشمله تعذر تشطيب التقييد ،وإن كان لا يشمله أمكن ذلك، وفي الواقع فإن مجال المفعول التطهيري هو مجال ثنائي موضوعيا ، ثم زمنيا (الفقرة الثانية).
الفقرة الثانية : مجال الأثر التطهيري
فمن حيث الموضوع ، إذا كان الأصل في قاعدة التطهير أنه بمجرد تأسيس الرسم العقاري يصبح العقار مطهرا من جميع الحقوق العينية و الإرتفاقات العقارية غير المدلى بها أثناء مسطرة التحفيظ، فهذا الأصل ترد عليه استثناءات، إذ أنه بالرغم من ورود رسم الملك خاليا من التنصيص على بعض الحقوق إلا أنها تبقى قائمة يواجه بها صاحب الرسم العقاري.فقد يكون الحق غير مقيد بالرسم العقاري و لكنه موجودا واقعيا ([13]) ، وذلك لاعتبارات قانونية تتصل بالمصلحة العامة غالبا .
و بذلك فالعقارات الآتية بيانها لا يمكن أن تكون محلا لتصرفات ناقلة للملكية، وبالتبعية عدم خضوعها لقاعدة التطهير و التملك النهائي المنصوص عليها ضمن مقتضيات الفصلين 2 و 62 من ظهير التحفيظ العقاري المتمم و المغير بموجب قانون 14.07؛ وهي العقارات التي تدخل ضمن الملك العام ،كعقارات الأحباس، الحقوق المنجمية ، الحقوق المائية العامة،أراضي الجموع.
إذ أن مثل هذه الحقوق لا تتأثر بالتطهير الناتج عن الرسم العقاري وأن من شأن إخضاعها لمجاله فيه إضرار بأصحاب تلك الحقوق، مما يعتقد معه أن المشرع المغربي بإعفائهم من التقييد يكون قد أباح لهم ضمنيا نوعا من السرية،و بالتالي فهم غير ملزمين بإعلان حقوقهم في مرحلة التحفيظ ، وينتج عما تقدم أن الحقوق التي تخرج من مجال الأثر التطهيري يمكن التشطيب عليها إن قيدت ، ولا تعتبر لاغية إن لم تقيد.
هذا عن مجال الأثر التطهيري من حيث الموضوع أما عن مجال هذا الأثر من حيث الزمن ،على مستوى هذا المجال الأخير يطرح التساؤل التالي،هل يقتصر الأمر على الحقوق التي كانت موجودة وقت تقديم مطلب التحفيظ أم يمتد ليشمل حتى الحقوق الناشئة خلال فترة التحفيظ؟
إن الإجابة عن هذا التساؤل ينبغي التمييز بين فترتين:
الفترة السابقة على تقديم مطلب التحفيظ و تكون الحقوق العينية الناشئة خلالها خاضعة للأثر التطهيري.
ثم الفترة الفاصلة بين تقديم مطلب التحفيظ وصدور قرار التحفيظ،ويقصد بها الحقوق الناشئة خلال فترة التحفيظ، وقد وقع خلاف بشأن استفادتها من الحجية المطلقة الناتجة عن الأثر التطهيري.
ففريق ([14]) يرى بأن الحقوق التي يعلن عنها قرار التحفيظ و التي تظهر على الرسم العقاري وقت تحفيظه تكتسب حجية مطلقة، لا يهم ما إذا كانت هذه الحقوق قد تضمنها مطلب التحفيظ أم أنشئت بعد البدء في مسطرة التحفيظ مادام الحد الفاصل بين الحجية المطلقة للتحفيظ و الحجية النسبية للتقييد هو الرسم العقاري.ويستدل أصحاب هذا الرأي بالفصل 52 من ظ.ت.ع الذي ينص على انه:” كل تحفيظ يقتضي من المحافظ على الأملاك العقارية تأسيس رسم عقاري يتضمن لزوما:..3. الحقوق العينية العقارية المترتبة على العقار؛…”.
وهكذا فإن المشرع المغربي في هذا النص لم يفرق بين الحقوق التي تضمنها مطلب التحفيظ و بين الحقوق التي نشأت خلال المسطرة، وهذا يعني أن كلاهما يكتسب حجية قانونية مطلقة غير قابلة للطعن.
في حين يرى فريق آخر أن الضمانات التي تحيط بالتقييدات الملازمة للتحفيظ تبرر تبريرا ناقصا ،لأنها لا تخضع لشكليات الإشهار السابقة التي يخضع لها التحفيظ ([15])،إذ لا يكفي أن ينص الرسم العقاري على حق يكتسب حجية مطلقة بل لابد أن يكون قد مر بمرحلة كافية من الإشهار .
ويفهم أن إيداع الرسوم الناشئة في هذه الفترة لدى المحافظة العقارية و الإذن بتقييدها لا يمنحها من الحجية إلا تلك التي تكتسبها الحقوق المقيدة بعد التحفيظ،لأن تقييد الحقوق في سجل التعرضات وجد لحفظ رتبة الحق كما هو الشأن بالنسبة للتقييد الاحتياطي الذي يكون في المرحلة اللاحقة للتحفيظ، ولذلك فلن تطهر من العيوب التي تشوبها بصدور قرار التحفيظ، بحيث يجوز إبطالها و التشطيب عليها إن قيدت و لا تعتبر ملغاة إن لم يؤذن بتقييدها أو لم يصرح بها.
وما يؤكد هذه الملاحظة قراءة الفصل 84 من ظ.ت.ع التي يفهم منها، أن جزاء عدم الالتزام بما ورد فيه يقتصر على عدم إمكانية مواجهة الغير بتلك الحقوق الناشئة خلال مسطرة التحفيظ، مما يجعل معه أن تقييدها لاحقا ممكنا.وعليه فإعطاء جميع الحقوق التي نشأت قبل أو أثناء عملية التحفيظ قوة تطهيرية مطلقة غير قابلة للطعن إذا ما تم تضمينها بالرسم العقاري ،واعتبارها غير موجودة و لاغية إذا ما تم إغفالها فيه إجحاف كبير بأصحاب الحقوق وفيه خروج كذلك بشكل صريح عن مبدأ العدالة التي هي مناط القانون بشكل أساسي.
و تأسيسا لما سبق، يتبين أن الحقوق المشمولة بالأثر التطهيري تكون غير قابلة للتشطيب ،أما تلك التي تكون غير مشمولة بالأثر التطهيري فيمكن التشطيب عليها، وتبقى أهم الحقوق هي تلك التي يتم إيداعها طبقا للفصل 84 من ظ.ت.ع بعدها تظهر أسباب تبرر ضرورة التشطيب عليها حماية للمراكز القانونية (المطلب الثاني).
المطلب الثاني : الأثر التطهيري لتقييد المحاضر شبه القضائية
– محضر بيع العقار في طور التحفيظ بالمزاد العلني ومحضر إيداع مبلغ الشفعة نموذجا –
يعد حق الملكية أهم حق يكتسبه الراسي عليه المزاد،وبذلك تصبح له جميع امتيازات وسلطات المالك في إدارة و استغلال العقار والتصرف فيه إلى جانب تحمل تبعة هلاكه.إلا أن انتقال ملكية العقار للمشتري بالمزاد العلني لا تتضمن سوى ما كان للمدين من حقوق على العقار المبيع ، وبذلك فإن انتقال الملكية من المنفذ ضده إلى المشتري ليس منشئا لملكية جديدة لمصلحة هذا الأخير ،لأن المشتري يعد خلفا خاصا للمدين المنفذ ضده المنزوعة ملكيته.ولا تنتقل الملكية إلى الراسي عليه المزاد إلا بتقييد محضر إرساء المزايدة بالرسم العقاري هذا بخصوص العقار المحفظ، إلا أن الفقرة الثانية من الفصل 480 ([16]) من ق.م.م قد خالفت هذا المبدأ حينما أوردت بأن محضر إرساء المزايدة يعد سندا للملكية لصالح الراسي عليه المزاد،وهذا الافتراض يعتبر صحيحا حتى بالنسبة للعقار في طور التحفيظ، حيث يتم تقييد محضر بيع عقار في طور التحفيظ بالمزاد العلني طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظ.ت.ع كما عدل وتمم بالقانون 14.07 مثله مثل باقي العقود و التقييدات المصاحبة لمسطرة التحفيظ، فهل الأثر التطهيري المترتب عن تقييد محضر البيع بالمزاد العلني المشار إليه في الفصل 220 ([17]) من م.ح.ع و المتعلقة بالعقار المحفظ يشمل كذلك العقار في طور التحفيظ؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فما هو الأساس القانوني المعتمد لتطهير العقار في طور التحفيظ الذي هو موضوع البيع بالمزاد العلني(الفقرة الأولى)، وتحديد وقت تدخل المحافظ العقاري بالتشطيب على الرهون السابقة المودعة بسجل التعرضات.مع بيان الإشكالات التي تثيرها ممارسة الشفعة في العقار في طور التحفيظ (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الأساس القانوني للأثر التطهيري بناءا على تقييد محضر البيع بالمزاد العلني للعقار
في طور التحفيظ
وإذا كان لبيع العقار المحفظ بالمزاد العلني له أساسه القانوني المتمثل في الفصل 220 من مدونة الحقوق العينية، فهل يمكن أن يشمل هذا الأساس حتى العقار في طور التحفيظ؟
إذا كانت التصرفات الواردة على العقار في طور التحفيظ تخضع من حيث تقييدها لمقتضيات الفصل 84 ([18]) من ظ.ت.ع كما عدل وتمم بالقانون 14.07 ،فهذا يعني أن التقييدات التي تتم في إطار هذا الفصل تخضع لنفس القواعد التي تخضع لها التقييدات الواردة على العقار المحفظ،سواء من حيث المبادئ أو الحقوق القابلة للتقييد ،لاسيما أن المشرع المغربي أدرج الفصل 84 من ظ.ت.ع ضمن القسم الخاص بالتقييدات الواردة على العقار المحفظ،وهذا ما دفع بالبعض إلى القول على ضرورة شمول مقتضيات الفصل 220 من م.ح.ع للعقار في طور التحفيظ ، مادام أن محضر البيع بالمزاد العلني يبقى سندا للملكية ينقل لفائدة الراسي عليه المزاد أي المشتري ملكية العقار عند تقييده من قبل المحافظ العقاري بمطلب التحفيظ عملا بمقتضيات الفصل 84 من ظ.ت.ع كما عدل وتمم بالقانون 14.07.
وعليه فإن الأساس القانوني للأثر التطهيري الناتج عن تقييد محضر البيع بالمزاد العلني المتعلق بالعقار المحفظ المحدد في المادة 220 من م.ح.ع يشمل أيضا العقار في طور التحفيظ.
ومن خلال مقتضيات المادة 220 من م.ح.ع يتضح بأنه يترتب عن تقييد محضر إرساء المزايدة من طرف المحافظ العقاري بالرسم العقاري، تطهير العقار من جميع الحقوق و الإمتيازات ،كما يؤدي إلى التشطيب التلقائي للرهون المقيدة على العقار و بالتالي انتقال ملكية العقار إلى المشتري خالية من كل رهن وامتياز،وذلك بمجرد تقييد محضر البيع بالمزاد العلني من قبل الراسي عليه المزاد العلني طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظ.ت.ع، حيث يطهر العقار من هذه الحقوق سواء حصل الوفاء بها جميعا أو لم يحصل ذلك، ويبقى الدائن الذي لم يستوفي دينه المطالبة بالحق الشخصي في مواجهة دينه.إذا أراد الراسي عليه المزاد متابعة إجراءات التحفيظ ،على المحافظ العقاري التشطيب على الرهون السابقة المودعة بسجل التعرضات و ألا يشير إليها عندما يتخذ قرار التحفيظ تحت مسؤوليته.
ولا بد من التنبيه إلى أن الحقوق التي تودع طبقا للفصل 84 من ظ.ت.ع لا حصر لها، فإلى جانب تقييد محضر بيع العقار في طور التحفيظ بالمزاد العلني بموجب هذا الفصل الذي يعد من بين المحررات شبه القضائية، نجد أيضا محضر مبلغ الشفعة التي يتم إيداعها إما في إطار الفصل 83 ([19]) أو 84 من ظ.ت.ع المغير والمتمم بموجب قانون 14.07، وما تطرحه من إشكالات بالنسبة للعقار في طور التحفيظ (الفقرة الثانية).
الفقرة الثانية : الإشكالات التي تثيرها ممارسة الشفعة في العقار في طور التحفيظ
إن الأخذ بالشفعة في العقار في طور التحفيظ تثير مجموعة من الإشكالات تنصب أساسا على الجانبين القانوني و العملي ، لاسيما أن العقار لم يأخذ بعد وضعه القانوني القار و الثابت هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فإن المسطرة المختارة من طرف المفوت له تطرح بدورها إشكالات تختلف بحسب سلوك مسطرة الفصل 83 أو 84 من ظ.ت.ع كما عدل و تمم بالقانون 14.07.
إلا أن أهم إشكالية هي إشكالية امتناع المشتري-المستفيد- على الشياع من إيداع شرائه- مبلغ الشفعة- إلى غاية انصرام الأجل القانوني للتعرضات قصد الإضرار بالشفيع و حرمانه من ممارسة حقه في الشفعة ، ومن تم فهل لهذا الأخير الحق في مقاضاة المشتري لإجباره على إيداع شرائه؟ و إلى أي حد يمكن اعتبار هذا الموقف الصادر عن هذا المشتري تعسفا في استعمال الحق.
نجد بأن الفقه انقسم بخصوص هذه المسألة ، بحيث ذهب البعض ([20]) إلى جواز الأخذ بالشفعة و لو بدون إيداع العقد ، لأن البيع ينعقد صحيحا بصرف النظر عن الإيداع الذي ينحصر أثره في ترتيب الحق عند تأسيس الرسم العقاري، في حين ذهب أحد الفقه ([21]) إلى القول بعدم جواز شفعة العقار في طور التحفيظ لعدم القيام بإجراء الإيداع الوارد في الفصل 84 من ظ.ت.ع ، وبصرف النظر عن الخلاف الفقهي فإن محكمة الإستئناف بالرباط سبق لها أن اعتبرت في مناسبة امتناع المشتري من تقييد شرائه أنه :” لا يمكن للمشتري على الشياع أن يمس بالمبدأ المطلق لتقييد الحقوق باعتراضه على تقييد عقد شرائه الذي يطلبه منه الشفيع ،بعلة أن عقد الشراء لا يعتبر هذا الأخير طرفا حتى يلزمه بالتقييد،وأضافت أن المشتري باستعماله حقه في عدم تقييد شرائه إضرارا بالشفيع بدون أي مصلحة مشروعة ،يكون قد ارتكب تعسفا يتحمل مسؤوليته بناءا على الفصل 94 ([22]) من ق.ل.ع وخلصت إلى القول أنه على المحاكم أن تضع حدا لهذا التعسف و الأمر بالتقييد تحت طائلة غرامة تهديدية ([23]) .وما يفسر لجوء صاحب الحق إلى إيداع حقه وفقا للفصل 84 من ظ.ت.ع المغير و المتمم بموجب قانون 14.07 أنها تعنى بالإشهار عكس الخلاصة الإصلاحية المنصوص عليها في الفصل 83 من نفس الظهير.
و بالتالي كان من الأولى حسب رأي أحد الباحثين ([24]) التنصيص صراحة على إجبارية سلوك مسطرة الفصل 83 من نفس الظهير وتوسيع دائرة الإشهار و النشر، و إبطال العمل بالفصل 84 حتى يتم تحقيق الإنسجام بين مختلف المبادئ التي بني عليها ظ.ت.ع.
كما تطرح إشكالية أخرى تتمثل في أجل ممارسة الشفيع لحق الشفعة على مستوى مسطرة الخلاصة الإصلاحية المنصوص عليها في الفصل 83 من ظ.ت.ع المغير و المتمم بموجب قانون 14.07.فهل هو أجل السنة من تاريخ أداء الرسوم للمحافظة العقارية أو من تاريخ نشر الخلاصة الإصلاحية في الجريدة الرسمية قياسا على أجل الإيداع في المادة 304 ([25]) من م.ح.ع ، أم أن تنصيص المشرع المغربي على أجل مسطرة الفصل 84 يفيد بأنها الطريقة الإجرائية الوحيدة لدى المفوت له في إشهار حقه الذي نشأ له أثناء مسطرة التحفيظ؟
وانطلاقا من مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري نجد هذه الأخيرة تكرس أحقية كل من نشأ له حق أثناء مسطرة التحفيظ في اختيار مسطرة نشر الخلاصة الإصلاحية الواردة في الفصل 83 أو مسطرة الإيداع المنظمة في الفصل 84 من نفس الظهير، وهذا معناه أنه لا يمكن حظر مسطرة الخلاصة الإصلاحية على المشفوع منه بدليل أن الأصل الإباحة، والمنع لا يكون إلا بنص ومادام مطلب التحفيظ في مرحلته الإدارية فإن الخيار بين المسطرتين يبقى قائما للمشفوع منه ([26]) ، مادام لم تتم إحالة مطلب التحفيظ بعد من طرف المحافظ العقاري على المحكمة للبت في التعرضات.
إلا أن الإجابة عن هذه التساؤلات تستلزم التمييز بين حالتين:
- إذا كان الإعلان عن انتهاء التحديد قد تم نشره بالجريدة الرسمية ،ثم وقع البيع بعد ذلك فإن أجل تعرض الشفيع للمطالبة بحق الشفعة في حالة سلوك المشفوع منه لمسطرة الخلاصة الإصلاحية هو شهرين تبتدئ من تاريخ نشر الخلاصة الإصلاحية بالجريدة الرسمية.
- إذا لم يتم الإعلان عن انتهاء التحديد بالجريدة الرسمية ،ثم وقع البيع و اختيار المشفوع منه مسطرة الخلاصة الإصلاحية، فإن أجل تعرض الشفيع للمطالبة بالشفعة هو أجل سنة تبتدئ من تاريخ نشر الخلاصة الإصلاحية بالجريدة الرسمية، وتنقضي لزوما بانصرام أجل التعرض الوارد في الفصل 24 من ظ.ت.ع المغير و المتمم بالقانون ([27])07.
كما أن ممارسة الشفعة قبل تقييد البيع ،تعرض الشفيع لبعض المخاطر ،فمادام البيع لم يقيد فقد يحجز خلال الفترة السابقة عن التقييد أو يباع بالمزاد العلني و يقيد بالمزاد،ومعلوم أن الشفعة لا يمكن ممارستها إذا تم البيع بالمزاد العلني ووقع تبليغ الشركاء بذلك ،ليتمكنوا من الحضور و المشاركة في المزاد.
أما في المرحلة القضائية للتحفيظ فإنه يبقى أمام الشفيع- المفوت له- لممارسة حق الشفعة ضد المشفوع منه في سلوك مسطرة واحدة و هي مسطرة الإيداع دون مسطرة الخلاصة الإصلاحية التي تقتضي وجود الملف بين يدي المحافظ العقاري ، مما يكون معه مطلب التعرض عرضة للضياع.
إضافة لكل ذلك فإن الواقع العملي أثبت أن جل التصرفات على العقار في طور التحفيظ تباشر في حقيقة الأمر بعد انقضاء أجل التعرضات، وعليه فإن مسطرة التعرض على الإيداع حسب رأي أحد الفقه ([28]) ، لا يمكنها أن تجب رفع دعوى المنازعة في الإيداع أمام القضاء حيث أن هذه المكنة تبقى مفتوحة و إلا فلا معنى لعمل المحافظة العقارية.لذا و حسب أحد الفقه ([29]) يتعين على الجهات المعنية بقطاع التحفيظ العقاري التدخل صراحة لحث المحافظين على عدم تلقي أي إيداع أثناء المرحلة القضائية للتحفيظ ، وذلك لضمان حقوق المتعرضين الذين تنشأ في تلك المرحلة، إذ أنه من غير المقبول أن يسمح بإنجاز الإيداع لفائدة المفوت له، وعدم قبول التعرض على ذلك الإيداع بعلة عدم اختصاص المحافظ العقاري طبقا للفصلين 24 و 29 من ظ.ت.ع المغير و المتمم بالقانون 14.07.
وهناك حالة يحق فيها للمحافظ العقاري رفض تقييد الشفعة التي صدر الحكم بشأنها لفائدة المشتري من الشريك على الشياع ، إذا وجد هذا الأخير صعوبة في ذلك تتمثل بالأساس في تفويت هذا الأخير ما اشتراه لمشتر ثان تمكن من تقييد شرائه طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظ.ت.ع أو بالرسم العقاري إذا تعلق الأمر بعقار محفظ،ففي هذه الحالة يصعب على المحافظ العقاري تقييد هذا الحكم .هذا عن التشطيب على التقييدات الواردة على العقار في طور التحفيظ، فماذا عن تلك التشطيبات الواردة على العقار المحفظ ؟ (المبحث الثاني).
المبحث الثاني :التشطيب على التقييدات اللاحقة لتأسيس الرسم العقاري
في المرحلة اللاحقة لتأسيس الرسم العقاري يتم إشهار الحقوق العينية بالتقييد في الرسوم العقارية التي تعد المثبت الوحيد لملكية العقار المحفظ، لتمكين كل من يهمه الأمر من الإطلاع على الوضعية القانونية للعقار المحفظ،وتتبع تطوراته عبر الزمن،والاحتجاج به بين الأطراف و في مواجهة الغير و لفائدتهم ، وبالتالي لكي يصبح الحق موجودا على المستوى القانوني يجب تقييده بالرسم العقاري ، وبهذه الصفة يصبح التقييد منشئا لهذا الحق.لكن،يشكل هذا الوجود القانوني للحق المقيد مجرد قرينة نسبية ،بحيث إذا اتضح أنه بني على سند غير سليم جاز لمن يعنيه الأمر طلب إلغائه و التشطيب على تقييده ليضع حدا لكل آثاره بعد رقابة المحافظ العقاري له و للرسوم المدعمة له،إلا أن هذه الرقابة لا تقتصر على الرسوم المدعمة لطلب التشطيب على الحقوق العينية(المطلب الأول)، وإنما تمتد أيضا لرقابة التشطيبات على التقييدات الاحتياطية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: رقابة المحافظ العقاري للرسوم المدعمة لطلب التشطيب على الحقوق العينية
إن التشطيب على الحقوق المضمنة بالرسوم العقارية ،لا تقل أهمية مادامت تؤدي إلى انقضاء الحقوق و زوالها، فإن المشرع المغربي نظم هذا التشطيب و خول للمحافظ على الأملاك العقارية إمكانية مراقبة صحة الرسم القاضي بالتشطيب (الفقرة الأولى) و قد يكون هذا التشطيب مبنيا على حكم قضائي-يطلق عليه بالتشطيب القضائي- و بالتالي يقوم بالرقابة عليه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: رقابة المحافظ للرسوم المدعمة لطلب التشطيب
إن المحافظ العقاري لا يقوم بتقييد الحق إلا إذا استند على رسوم تبرر له القيام بذلك وهو نفس الأمر بالنسبة للتشطيب، وهو ما ألزم به المشرع المغربي([30]). وعليه يمكننا أن نتساءل عن الحقوق التي يمكن المطالبة بالتشطيب عليها بناء على اتفاق؟
تجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز الإتفاق على التشطيب على حق الملكية، بل يمكن الإتفاق على نقله إلى الغير أو قسمته أو ترتيب بعض الحقوق الأخرى المترتبة على حق الملكية و التي أجاز المشرع المغربي التشطيب عليها و هنا تتدخل رقابة المحافظ العقاري .
فإذا تعلق الأمر بحق الانتفاع ، فإن المحافظ العقاري ملزم بالتأكد من تحقق أسباب سقوط الحق المنصوص عليها في المادة 79 من مدونة الحقوق العينية ، التي نصت على أن :”الانتفاع حق عيني يخول للمنتفع استعمال عقار على ملك الغير و استغلاله، وتنقضي مدته لزوما بموت المنتفع”.
أما لو تعلق الأمر بحق السطحية فإن المحافظ العقاري، يجب أن يتأكد من انقضاء الحق بالتنازل عليه صراحة، و باتحاد حق الملكية صراحة مع حق السطحية طبقا لمقتضيات المادة 118 ([31]) من مدونة الحقوق العينية.و إذا تعلق الأمر بالتشطيب على حق السطحية ،فإن المحافظ ملزم من التأكد فيما إذا كان التشطيب ينصب مبدئيا على الارتفاقات الواجبة التقييد و هي التصرفات الإرادية بفعل الإنسان ، وكذلك المتولدة بفعل التصرف القانوني.
الفقرة الثانية : رقابة المحافظ العقاري للتشطيب القضائي
تكون حالة التشطيب القضائي في الحالة التي يرفض فيها الدائن تسليم الإبراء أو القيام بالتشطيب، ففي هذه الحالة يجب على المدين الحصول على حكم قضائي حائز لقوة الأمر المقضي به – حسب مقتضيات الفصل 91 من ظ.ت.ع- يخوله القيام بالتشطيب يثبت انقضاء الدين، و بالتالي يلزم المحافظ العقاري التأكد من صحة الأحكام القضائية.و نظرا للصفة النهائية للتشطيب ، فإنه لا يمكن أن يتم إلا بحكم فاصل في الموضوع لكن الغريب أن هناك بعض الأوامر الإستعجالية قضت بالتشطيب على الرهن الرسمي ([32]) كحق من الحقوق العينية خاصة إذا تضمن ما يلي :
- إحالة الأطراف على قضاء الموضوع للبت في جوهر النزاع
- التشطيب على الرهن المقيد بالرسم العقاري
- أمر المحافظ العقاري بتقييد هذا الأمر
- شمول الأمر بالنفاذ المعجل
لاشك أن هذا الموضوع يضع المحافظ العقاري في حيرة من أمره، إذ أن تطبيق الأمر في حد ذاته فيه مساس بالموضوع كما أن الأمر هنا لم يرفق بشهادة عدم الإستئناف لكونه مشمولا بالنفاذ المعجل ، فالأوامر الإستعجالية لا يطعن فيها بالتعرض و لكن تقبل الإستئناف ،ثم هل المحافظ العقاري سيطبق أمرا استعجاليا دون مراعاة مقتضيات الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري و الذي ينص على حيازة الأحكام لقوة الشيء المقضي به و انقضاء الحق الذي أقيمت من أجله الدعوى ؟
إلا أنه من وجهة نظرنا المتواضعة نرى بأن المحافظ في هذه الحالة يجب عليه أن يطبق الفصل 91 شريطة:
- أن يكون هذا الأمر مرتبط بالحجز أو الإنذار بالحجز العقاري، بحيث أن المشرع المغربي اعتبر الأمر الصادر عن رئيس المحكمة نهائيا و نافذا فور صدوره ،و بالتالي فالمحافظ ليس بحاجة إلى المطالبة بشهادة عدم الإستئناف بمقتضى الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري.
- أن يكون هناك تراخي بعد القيام بالحجز ففي هذه الحالة و طبقا للمادة 218 من مدونة الحقوق العينية يحق للمحجوز عليه أن يتقدم بمقال إلى رئيس المحكمة المختصة بصفته قاضيا للمستعجلات ، للمطالبة برفع اليد على الحجز ، واعتبر هذا الأمر نهائيا و قابلا للتنفيذ بمجرد صدوره بعد تبليغه إلى الحاجز.
و في كافة الأحوال يجب أن تتوفر في طلب التشطيب الشروط المنصوص عليها في الفصل 93 من ظهير التحفيظ العقاري و يكون هذا الطلب معززا بالرسوم التي تبرر إجراء التشطيب كبيان إبراء أو رفع اليد أو حكم قضائي ، ففي هذه الحالة يتأكد المحافظ من البيانات التي يحددها طالب التشطيب و هي اسم العقار الذي يتعلق به التشطيب ورقمه بالإضافة إلى نوع التقييد المطلوب التشطيب عليه خاصة إذا كان العقار موضوع عدة تقييدات ، فضلا عن صحة السبب القانوني المدلى به من إبراء أو عقد أو حكم قضائي .وإذا تأكد المحافظ من الرسوم المدلى بها شكلا و جوهرا ومن كونها لا تتعارض مع ما هو مثبت في السجل العقاري ومع المقتضيات المقررة في ظهير التحفيظ العقاري بصفة عامة يعمد إلى إجرائه مع بيان تاريخ إجرائه ثم يوقعه تحت طائلة البطلان ([33]).كما لا تخلوا التقييدات الاحتياطية من تشطيب من قبل المحافظ العقاري بعد رقابته لها (المطلب الثاني).
المطلب الثاني : رقابة المحافظ العقاري للتشطيبات على التقييدات الإحتياطية
كما هو معروف أن مؤسسة التقييد الاحتياطي هي مجرد إجراء مؤقت يقوم به كل من يريد الحفاظ على حق عيني أو شخصي قابل لأن يتحول إلى حق عيني، في انتظار استكمال الشروط القانونية للتقييد النهائي في السجل العقاري أو صدور حكم قضائي نهائي يفصل في النزاع المعروض على المحكمة.
و حالات التقييد الاحتياطي إما أن تكون بناءا على سند أو بناءا على أمر قضائي أو بناءا على مقال في الدعوى،إلا أنه إذا كان التقييد الاحتياطي مجرد إجراء وقتي فإنه في أحيان كثيرة يعرقل تداول العقار المثقل به،لأن المستثمرين لا يرغبون في التعامل مع عقار موضوع نزاع، لذلك لا يمكن أن يبقى هذا التقييد مقيدا بصفة أبدية بل لابد من تقييد الحق نهائيا أو التشطيب عليه ،إذ وجدت مبررات ذلك.وعليه سوف نحاول في هذا المطلب الحديث عن أهم حالات التشطيب على التقييد الاحتياطي (الفقرة الأولى) وآثاره على كل من حقوق الغير والسجل العقاري، مع إبراز مظاهر تدخل المحافظ العقاري بمراقبتها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أهم حالات التشطيب على التقييد الاحتياطي
سوف نتحدث على مستوى هذه الفقرة لأهم حالات التشطيب على التقييد الاحتياطي المبنية بالأساس على أمر قضائي وكذا على إثر البيع بالمزاد العلني.
- التشطيب على التقييد الاحتياطي بناءا على أمر قضائي
انطلاقا من الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري كما تمم و غير بالقانون 14.07 على أنه:” …يمكن أن يشطب على كل ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أن بيان أو تقييد احتياطي بمقتضى كل عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يثبت انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين في مواجهة الأشخاص الذين يعنيهم هذا الحق”.
نستشف من الفصل المذكور أنه لم يتحدث عن التشطيب الذي يتم بناءا على أوامر قضائية، و قد تم تجاوز هذا الإغفال و الحسم في تضارب الآراء الفقهية و القضائية، بتضمين هذه الإمكانية في الفقرة الأخيرة من الفصل 86 ([34]) من نفس الظهير.كما يؤكد الفصل 91 من نفس الظهير أيضا، على ضرورة وجود عقد أو صدور حكم في الموضوع من أجل التشطيب على التقييد الاحتياطي، مما يجعل قاضي المستعجلات([35]) غير مختص بالتشطيب على تقييد احتياطي اتخذ بناءا على مقال الدعوى.
وعليه فإن التشطيب على التقييد الاحتياطي بمقتضى أوامر استعجالية ، تم تكريسه تشريعيا من خلال الفقرة الأخيرة من الفصل 86 من نفس الظهير سالف ذكرها،إلا أن الإشكال الذي يظل قائما حول مدى قانونية منح هذه الصلاحية لقاضي المستعجلات رغم تجاوز أحد أهم شروط الدعوى الاستعجالية، ألا وهو شرط عدم المساس بالجوهر.
كما يرى أحد الفقهاء([36]) ،أنه من بين الإشكالات التي طرحتها هذه الصلاحية الممنوحة لقاضي المستعجلات ،هو أن المشرع المغربي لم يحدد مصير دعوى الموضوع التي تكون رائجة أمامه ، و التي بني عليها التقييد الاحتياطي بمعنى آخر ،هل ستؤثر أم لن تؤثر على هذا الأخير، و العكس صحيح ، كالحالة التي يصدر فيها قاضي المستعجلات أمرا بالتشطيب على التقييد الاحتياطي المبني على مقال لاستناده على أسباب غير صحيحة أو غير جدية ، مما سيؤدي إلى وضع حد للدعوى التي ارتكز عليها التقييد الاحتياطي.ولربط التشطيب بالدور الرقابي للمحافظ على الأملاك العقارية ؛ فإن هذا الأخير بخصوص الأمر الإستعجالي الذي يقضي بالتشطيب على التقييد الإحتياطي المبني على أمر ، يكون ملزما بتطبيقه رغم معارضة أحد الفقهاء ([37]) ، الذي يرى في الأمر مخالفة لقواعد آمرة و ذلك على اعتبار أن المحافظ العقاري إذا كان ملزما و تحت مسؤوليته بمراقبة الرسوم المدلى بها شكلا و جوهرا ، فمن الأجدر أن يراقب مشروعية الأوامر الاستعجالية و مدى مطابقتها و مخالفتها لإحدى النصوص القانونية.كما يطرح تساؤلا آخر، وهو كيف يمكن إصدار أمر بإجراء تقييد احتياطي أساسا إذا لم يكن جديا لكي تتم بعد ذلك المطالبة بالتشطيب عليه بناءا على أوامر استعجالية؟
مما يتضح وجود تناقض([38]) واضح في الفقرة الأخيرة من الفصل 86 مع باقي فقرات نفس الفصل وخاصة الفقرة السادسة منه من نفس الظهير التي أكدت “…في جميع الحالات لا يصدر رئيس المحكمة الابتدائية الأمر بالتقييد الاحتياطي إلا بعد تأكده من جدية الطلب…”.
وبغض النظر عن هذه التناقضات خلاصة القول ،بما أن أوامر التشطيب بصفة عامة تعد أوامر استعجالية ، فالمحافظ على الأملاك العقارية لا يملك إمكانية رفض التنفيذ –ملزم بتطبيقه كما اشرنا سالفا-خاصة عندما يتعلق بأمر قضائي مشمول بالنفاذ المعجل بقوة القانون ، وإلا تعرض قراره هذا للطعن أمام المحكمة الإدارية المختصة. خاصة وأنه لا وجود لأي نص قانوني أو اجتهاد قضائي أو فقهي يسمح للمحافظ العقاري بأن يدفع بعدم تنفيذ حكم نهائي قابل للتنفيذ بدعوى مخالفته للقانون أو صدوره من جهة غير مختصة ، وإنما يمكن للجهة التي تضررت منه اللجوء إلى مباشرة طرق الطعن المسموح بها قانونا.
كما يتوجب التنبيه إلى أن ولاية القضاء المستعجل ليست مقيدة و لا محصورة ،و تشمل القضاء المدني التي تدخل فيها قضايا التحفيظ العقاري ، فلا تعارض بين الاختصاصين ، إذ أن عرض أصل النزاع على القضاء المدني لا يمنع القضاء المستعجل من البت في المسائل التحفظية و الوقتية ،التي لها علاقة بذلك النزاع شريطة التأكد من كون الأسباب التي استند عليها التقييد الاحتياطي غير جدية أو غير صحيحة.
- التشطيب على التقييد الاحتياطي إثر البيع بالمزاد العلني
كما هو معلوم أن التنفيذ الجبري هو آلية خولها المشرع المغربي للدائن لإجبار مدينه على تنفيذ التزامه في الحالة التي يرفض فيها التنفيذ بشكل طوعي ([39])، وما يهمنا في هذا الصدد هو التنفيذ الجبري المنصب على العقارات المحفظة و أساسا مدى تأثير بيع العقار بالمزاد العلني على التقييدات الاحتياطية المقيدة بالرسم العقاري ،هل يطهر العقار من كل التحملات المرتبطة به و بالتالي التشطيب على التقييد الاحتياطي أم لا؟
إن هذا الموضوع محل خلاف قضائي ، حيث اتجهت محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء([40]) إلى رفض طلب الراسي عليه المزاد بالتشطيب على التقييد الاحتياطي مستندة على مقتضيات الفصل 480 من ق.م.م ، كون أن محضر المزايدة يعتبر سندا للملكية لصالح الراسي عليه المزاد، وبالتالي فإن هذا السند لا ينقل إلا حقوق الملكية التي كانت للمحجوز عليه هذا من جهة ، ومن جهة أخرى الإستناد على مقتضيات المادة 211 ([41]) من قانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية التي جعلت التطهير ينصب على الرهون و الامتيازات و الحقوق الشخصية و لا يطال التقييدات.وفي المقابل قضت المحكمة الابتدائية بالحي المحمدي عين السبع الدار بيضاء بالتشطيب على التقييد الاحتياطي مستندة في تعليلها على مقتضيات الفصل 508 ([42]) من ق.م.م على أساس أن أصحاب هذه التقييدات هم الدائنون للمالك القديم ، وأنهم حضروا عملية البيع بالمزاد العلني كما حضروا عملية التوزيع بالمحاصة ([43]) .إن هذا المشكل القانوني لم يتم حسمه من قبل المشرع المغربي، ذلك أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 220 في فقرتها الثانية من قانون 39.08 المتعلق بم.ح.ع نجدها تنص على ما يلي:” …يترتب على تقييد محضر إرساء المزايدة بالرسم العقاري انتقال الملك إلى من رسا عليه المزاد و تطهيره من جميع الامتيازات و الرهون و لا يبقى للدائنين حق إلا على الثمن”.
من خلال مقتضيات هذه المادة يتضح أن تقييد البيع بالمزاد العلني لا يترتب عنه تشطيب التقييد الإحتياطي، لأنه لو كان المشرع المغربي يقصد ذلك لنص صراحة على ذلك ، بل التشطيب فقط على الإمتيازات والرهون.
ويمكن القول بأن تشطيب المحافظ العقاري على التقييدات الإحتياطية – وكما نعلم بأن التقييد الإحتياطي كإجراء مؤقت ينتهي حتما بمرور أجل معين حسب حالاته المنصوص عليها و التي سبق ذكرها في الفصل 91 -، يتم بنفس الحالات التي يتم بها التقييد بحيث يتم هذا التقييد بشكل تلقائي في مجموعة من الحالات ، إذا كان التقييد مبنيا على سند، فيتم التشطيب عليه تلقائيا بمجرد انتهاء أجل 10 أيام إذا كان بناءا على أمر من رئيس المحكمة فيتم التشطيب داخل أجل 3 أشهر ([44])، أما إذا ما كان مبنيا على مقال الدعوى بمرور أجل 30 يوما ([45])، لكن رغم ذلك لا تنقضي آثار هذا التقييد إلا منذ اليوم الذي يصبح فيه الحكم في النزاع حول الحق العيني نهائيا ، بحيث لابد للمستفيد من الحكم النهائي أن يطلب من المحافظ العقاري التشطيب و أن يرفق طلبه بنسخة من القرار النهائي لمحكمة الإستئناف و بشهادة عدم الطعن بالنقض أو بقرار من محكمة النقض، يفيد عدم قبول هذا الطعن بناء على ذلك يقوم المحافظ بالتشطيب بطرته من السجل العقاري ([46])ويتم ذلك ما لم يقع تمديد هذا الأجل ، لذلك يلزم المحافظ العقاري باحترام هذا الأجل وهو يقوم بالتشطيب .بالإضافة إلى أن هذا التشطيب يمكن أن يتم بناءا على عقد الصلح ([47])، بحيث يلزم المحافظ من التأكد من صحة عقد الصلح و ذلك عند إدلاء المستفيد بوثيقة تفيد التعبير الصريح عن التشطيب موقعة من طرفه شخصيا .وهناك آثار أخرى مترتبة عن التشطيب(الفقرة الثانية).
الفقرة الثانية: الآثار المزدوجة للتشطيب على حقوق الغير و على السجلات العقارية
بعد القيام بإجراء التشطيب وفق الكيفية التي حددها القانون،فإنه ينتج أثره شأنه شأن أي تصرف قانوني ،وعليه فأهم أثر ينتجه التشطيب هو زوال الحق أو انقضائه بين أطرافه،ليلقي بضلاله على الحقوق الأخرى،انطلاقا من إمكانية تعدد الحقوق المتصلة بالعقار وتنوعها،حيث إن التشطيب لا يمكن أن يتم بمعزل عن تلك الحقوق الخارجة عن أطراف العلاقة القانونية و المتعلقة بالغير،هذا الأخير الذي يتعامل مع السجل العقاري وفق كيفية مطلقة تخولها القيمة الإثباتية للسجلات العقارية.مما نتساءل عن آثار التشطيب المزدوجة تجاه حقوق الغير وكذا لآثارها على السجلات العقارية.
بالرجوع للفقرة الثانية من الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري نجده ينص على أن:”…لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة”.
كما تنص الفقرة الثانية من المادة 2 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي:” …إن ما يقع على التقييدات من إبطال أو تغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن نية ،كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر ،إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله…”.انطلاقا من مضمون هذين النصين القانونيين يتضح بأنهما يوفران للغير حصانة قانونية ،بحيث لا يضار بآثار التشطيب من حيث المبدأ ، وضامنة له من جميع الممارسات الغير المسؤولة و التي يمكن أن تعصف بحقوقه،بحيث لا يمكن الاحتجاج في مواجهته بالتشطيب أو إسقاط حقه المقيد تبعا له، حفاظا على الثقة المطلقة نحو بيانات السجل العقاري.ولكي يتمتع هذا الغير بهذه الحصانة القانونية التي خولها له المشرع المغربي يتوجب أن تتوفر فيه شروط ([48]) لكي لا يضار بآثار التشطيب، إلا أن الفصول سالفة الذكر حددت شرطا مهما يتجلى فيما يلي، يفترض في الغير أن يكون ذو نية حسنة ([49]).
فكل من اعتمد على تشطيب من السجل العقاري يتمتع بحماية القانون إلى أن تثبت نيته السيئة، أي علمه بعيب التشطيب الذي اعتمد عليه عند تقييد حقه ([50]).
ويبدوا أن تحقيق استقرار المعاملات وتشجيع الإئتمان العقاري ،هو المبرر الذي استند عليه المشرع المغربي لحماية الغير الذي اكتسب حقوقا على العقار المحفظ،واشتراطه حسن النية يعد بمثابة الضابط الذي يرمي إلى التوفيق بين مصلحة صاحب الحق الحقيقي و المصلحة العامة،بحيث يميل إلى تغليب المصلحة الأولى عندما يكون الغير سيء النية،لكونه لا يستحق حينه أية رعاية أو حماية ،وينحاز إلى تحقيق الثانية عندما يكون الغير المتعامل مع العقار حسن النية،حفاظا على الثقة المطلقة الواجبة نحو بيانات السجل العقاري.
إلا أنه يطرح السؤال عن الحدود الفاصلة بين مفهومي حسن النية وسوئها ؟
إن مسألة تحديد حسن النية أو سوئها هي حالة نفسية يصعب إثباتها،ومن هنا تظهر خطورة القوة الثبوتية للتسجيلات العقارية، حيث يفترض القانون حسن النية في كل شخص يتلقى حقا اعتمد فيه على تقييد غير سليم و يقيده باسمه.
وإذا كان من المتفق عليه فقها وقضاءا حرمان الغير سيء النية من الإستفادة من حجية التقييد، و بالتالي مواجهته بآثار الإبطال و التشطيب،فإن الجدل الحاصل يكمن في الشرط اللازم لإضفاء سوء النية على الغير،هل هو مجرد العلم بالعيوب التي تشوب التقييد أو التشطيب بالسجل العقاري المستند عليه وقت التقييد بالرسم العقاري كاف لإثبات سوء نيته،أم لابد من حصول تواطؤ بين الغير و الشخص المتصرف معه قصد الإضرار بالغير الآخر؟
وجوابا على هذا التساؤل،يمكن القول أن هناك توجهين فقهيين ؛التوجه الفقهي الأول يؤكد على أن العلم وحده غير كاف بل لابد من حصول تواطؤ ،ذلك أن التصرف المؤسس على التواطؤ لا يسري تقييده في حق الغير على اعتبار أن التقييد لم يقر لحماية الاتفاقات القائمة على الغش و التحايل([51]).
أما التوجه الفقهي الثاني ذهب إلى أن سوء النية تتوافر بمجرد علم المتصرف إليه بشوائب وعيوب التصرف وقت التقييد بالرسم العقاري،هذا العلم يؤدي إلى اعتبار المتصرف إليه سيء النية([52])،ويترتب عن ذلك حرمانه من الحق في التصرف.
أما عن القضاء المغربي بدوره لم يستقر على توجه فتارة ،يرى أن المتصرف إليه الذي يبادر بالتقييد لا يرتكب خطأ باستفادته من مزية يمنحها القانون ،بل لعله جدير بها لأنه أكثر حرصا ونشاطا ممن سبقه في التعامل على العقار([53]) ، لكونه لا يعلم بأن تقييد البائع مبني على أساس غير صحيح.بل تارة أخرى نجد بأن القضاء المغربي للتدليل على عنصر التواطؤ يعتمد على سبق العلم لدى المتصرف إليه الثاني،ويعتبره من القرائن المهمة التي تزيد من اقتناع القاضي من توفر سوء النية ([54]).ومادام أنه لكل قاعدة استثناء ،فإنه ترد على قاعدة “الغير لا يضار بآثار التشطيب “،استثناءات غاية في الأهمية، خاصة وأن مسألة حسن نية مفترضة حسب ما ينص عليه الفصل 477 من ق.ل.ع.م، ويعني هذا أن من يدعي عكس ذلك عليه بالإثبات ([55]).وعليه ،فالقرائن تحتل مكانة خاصة في مجال إثبات سوء النية،وبالضبط في الميدان العقاري،حيث ينفرد بحالات خاصة تتمثل في التقييد الإحتياطي والحجز الوارد بالرسم العقاري ، دون أن ننسى التدليس والتزوير وتعليق الحجية المطلقة للتقييد على أجل محدد.
فعن الاستثناء الأول المتعلق بالتقييد الاحتياطي بالرسم العقاري، يمكن القول بأن القضاء المغربي اعتمده كوسيلة إثبات قانونية واعتبره قرينة لنفي حسن النية([56]) ،ذلك أن كل شخص عمد إلى التصرف بالشراء أو غيره في عقار محفظ وكان ذلك العقار وقت التصرف مثقل بتحمل تقييد احتياطي ،فإنه لا يمكنه أن يتمسك بحجية التقييد في حالة ما إذا تقدم صاحب التقييد الاحتياطي بتقييد حقه مادام أن مفعول التقييد الاحتياطي منتجا لآثاره القانونية ،بل حتى لو لم يطلع عمليا على هذا القيد،لأن المشرع المغربي افترض علم الغير بالوضعية الحقيقية للعقار بعد إحداث القيد.لكن القضاء في قرارات أخرى([57]) لم يعتبر التقييد الاحتياطي قرينة مطلقة على إثبات سوء النية وإنما نسبية فقط لأنه مرتبط بمدد محددة إذا لم يتم داخلها تحويل التقييد الاحتياطي إلى تقييد نهائي،فإن سوء نية الغير تنتفي ويكتسب تقييده حجية مطلقة.
إلى جانب التقييد الإحتياطي نجد القضاء المغربي يعتبر وجود حجز عقاري بالرسم العقاري معيارا لسوء نية صاحب الحق المقيد،سواء كان الحجز تحفظيا أو تنفيذيا بالرسم العقاري فهو يمنع كل تقييد لاحق لتاريخ تقييد الحجز،فقد جاء في قرار([58]) لمحكمة النقض :”…لا يلتجئ المحافظ لتسجيل الحقوق إلا عند خلوها من النزاع،ولما كان العقار موضوع الدعوى مثقلا بحجز عقاري ومسجلا باسم الموصى له،فقد كان لابد من الإلتجاء أولا إلى القضاء لتطهير العقار من الحجز والإذن بتسجيل الحق عليه،إن المدعى عليه باعتباره خلفا عاما للبائع المطلوب لا يمكن له التمسك بقاعدة التسجيل بالرسم العقاري بحسن نية”.
من خلال القرارات القضائية المذكورة سابقا وغيرها يتبين أن القضاء المغربي تارة يتيح إمكانية التشطيب على التقييدات في حالة توفر قرائن يستدل بها على سوء نية صاحب الحق المقيد،وتارة أخرى يسير في اتجاه حماية المقيد حسن النية،ويرجع السبب في هذا التضارب إلى كون حسن نية مفهوم غامض،لأنه عنصر نفسي داخلي([59])، لذلك فإن استخلاص سوء النية مسألة تندرج ضمن السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، التي لا تخضع لرقابة محكمة النقض مادام الأمر يدخل ضمن سلطتها التقديرية.
لحماية الحق المقيد بحسن نية يتعين على القضاء المغربي من وجهة نظري المتواضعة أن يعتمد على وسائل قطعية في إثبات سوء نية الغير،وتحديدها في التدليس أو التزوير المرتكب من قبل الغير المقيد توافقا مع ما تضمنته مقتضيات المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية ،التي تعد استثناءات واردة على الحجية المطلقة لتقييدات حسني النية.
إن ثبوت التدليس أو التزوير أو استعماله من قبل الغير لا تتيح له إمكانية الإحتجاج بالحجية المطلقة لتقييده،كما أن عدم مضي أجل محدد في أربع سنوات من تاريخ التقييد لرفع دعوى الإبطال أو التشطيب على التقييدات في حالة ثبوت التدليس أو التزوير،لا تتيح له ذلك.
يعد كلا من التدليس والتزوير وسائل تنفي وجود حسن النية، ولقد نص المشرع المغربي على الأول كعيب من عيوب الإرادة التعاقدية في الفصل 52 من ق.ل.ع.م ،دون أن يحدد له تعريفا خاصا به إلا أنه يمكن القول أن التدليس هو استعمال وسائل احتيالية من طرف المدلس ساهمت في إجراء تقييد على العقار من طرف الغير حسن النية مما تسبب في ضرر لصاحب حق غير مقيد.وبالرجوع للمادة 2 من مدونة الحقوق العينية يلاحظ أن المشرع المغربي لم يوضح حالة التدليس كإستثناء من الحجية المطلقة للتقييدات،هل يقصد به تدليس المالك الأول للعقار أم تدليس صاحب الحق المقيد الذي يفترض فيه حسن النية؟
لتفادي مثل هذا اللبس يتعين تتميم المادة 2 من نفس القانون بما يفيد إعطاء مفهوم ضيق للتدليس حماية للمقيد حسن النية، وكذا حفاظا على استقرار المعاملات العقارية.
هذا عن التدليس أما التزوير فإن المشرع المغربي قد نص عليه أيضا في نفس المادة سالفة الذكر إلى جانب التدليس وقد عرف من قبله بموجب الفصل 351 ([60]) من مجموعة القانون الجنائي. وإذا كان كلا من التزوير و استعمال الورقة المزورة يعدان جريمة، فإنهما يختلفان عن بعضهما البعض بحيث أن التزوير هو تغيير الحقيقة بينما استعمال الورقة المزورة نظم المشرع المغربي أحكامها بموجب الفصول 356،359،360،365 من مجموعة القانون الجنائي،وكلتا الجريمتين تكون نتيجتهما إبطال تقييد الغير ولو كان حسن النية و التشطيب عليه من الرسم العقاري، وقد أقر القضاء ([61]) المغربي نفس هذا الموقف.
لكن في قرار([62]) صادر عن محكمة النقض، نجدها قد انتصرت لمسألة حماية المقيد حسن النية، حيث أقرت أن الغير يكتسي حجية مطلقة في مواجهة الكافة منذ تاريخ قيده بالسجلات العقارية الذي جاء فيه:”…أن التقييدات في الرسوم العقارية قرينة لفائدة الغير حسن النية على صحتها،وبالتالي فليس هناك ما يستثني حالة البطلان بسبب ثبوت التزوير في عقد وقع تقييده،و يبقى للغير المقيد عن حسن نية حق التمسك بمقتضيات الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري…مع ضرورة البحث في حسن أو سوء نية الطاعن باعتباره غيرا بالنسبة للعقد الذي ثبتت زوريته بحكم جنحي نهائي”.
ولتجنب مثل هذا التضارب ولتوحيد التوجه القضائي المغربي، يتوجب ضرورة تتميم المادة 2 من م.ح.ع بما يفيد إعطاء مفهوم ضيق للتزوير و اعتباره ضابطا يدل على سوء النية إذا ارتكبه المقيد،أما إذا ارتكبه المالك الأصلي للعقار أي المفوت،فهنا يجب مراعاة المقيد حسن النية الذي يعد غيرا أجنبيا-عن العقد المبرم بين المالك الأصلي للعقار و المفوت له غير المقيد-ولا دخل له في جريمة التزوير وهو الأولى بالحماية.
أما عن الأجل المحدد في أربع سنوات المنصوص عليه بموجب المادة 2 ([63]) من م.ح.ع،نجد بأنها تزاوج بين الحجية النسبية و المطلقة للتقييدات ؛ بحيث تكون لهذه الأخيرة حجية نسبية للمقيد حسن النية خلال أربع سنوات من تاريخ التقييد،و تقييدات لها حجية مطلقة بعد مرور هذا الأجل.
إلا أنه في جميع الأحوال يتضح بأن هذا الأجل يضعف من الحماية المقررة للمقيد حسن النية خاصة إذا تم تقديم هذا التقييد كضمانة عينية على عقار لإحدى مؤسسات الإئتمان الذي آل إليه خلال مدة تقل عن أربع سنوات ضمانا لمبلغ مالي،فهذه الضمانة تبقى مهددة تبعا للاستثناءات التي ترد على مبدأ الحجية المطلقة للتقييدات المضمنة بحسن نية.
وماذا عن المستثمر([64]) الذي اقتنى العقار لإقامة مشاريعه،فهل يتوجب عليه أن ينتظر مرور سنوات لوضع حجر الأساس ،لأن تقييده لما اشتراه معلق على شرط فاسخ وهو ظهور متضرر خلال هذه المدة التي أعطى القانون فيها لهذا الأخير إمكانية التمسك بإبطال التقييد للزور أو التدليس بغض النظر عن حسن نية الغير المقيد لحقه العيني على العقار من عدمه.لذا يتعين التخفيض من مدة أربع سنوات التي فرضها المشرع المغربي لرفع دعوى الإبطال أو التشطيب على التقييدات في حالة ثبوت التدليس أو التزوير،لتعزيز الثقة ،ضمان استقرار المعاملات العقارية، وحماية الائتمان العقاري . وعليه يمكن القول بأن حجية التقييد بين الأطراف تبقى حجية نسبية تعتمد على صحة التصرف من عدمه،فمتى ثبت عدم صحة التصرف وقرر القضاء إبطاله كان ذلك موجبا للتشطيب عليه ووضع حد لآثاره،بينما حجية التقييد بالنسبة للغير تختلف حسبما إذا كان هذا الغير قد قيد عن حسن أو سوء نية، ومختلف المعايير التي ابتدعها القضاء المغربي لتحديد هذه الأخيرة في مجال التقييدات.
يتضح بأن المشرع المغربي لم يضع قائمة للحالات التي يجوز فيها للمحافظ العقاري اتخاذ قرار تقييد حق عيني و نفس الأمر ينطبق على التشطيب ،بل أشار إليها على سبيل المثال، وهذا الأمر يؤكد السلطة الواسعة التي يتوفر عليها المحافظ العقاري في مراقبته كلا من طلبات التقييد و التشطيب ،إلا أن هذه السلطة التقديرية لا يحدها سوى مسؤوليته الشخصية و لجوء المتضرر للقضاء،الأمر الذي استلزم حمايته بالتخفيف من حدة هذه المسؤولية. كما أن البيانات المضمنة بالسجلات العقارية لا تحض بالقوة الثبوتية إلا بسبب وجود مراقبة تضمن صحتها،وبالمقابل فنظرا لأن هناك مراقبة مسبقة، الأمر الذي يجعل للتقييدات قوة ثبوتية هامة ([65]).من هنا يظهر بأن الرقابة تعد مدخلا أساسيا للأمن التعاقدي.
لابد من التذكير في الأخير بأن المحافظ العقاري يسأل شخصيا عن نتائج قراراته الإدارية –بما فيها تلك المتعلقة بالتشطيب- متى شابها خطأ جسيم أو تدليس([66])، وهذا ما يؤكده الفصل 5 من القرار الوزاري الصادر في 4 يونيو 1915 و المتعلق بتعيين نظام لإدارة المحافظة على الأملاك العقارية ،حيث ورد فيه ما يلي:” تكون العهدة جارية على المحافظين طبق الفصلين 79 و 80 من الظهير الشريف المتعلق بالالتزامات…”.أما إذا تم استثناء مسؤولية المحافظ العقاري في إطار الفصل 79 من ق.ل.ع ، فإن أي خطأ يصدر عنه يعرضه للمسؤولية الشخصية إذا كان جسيما أو مشوبا بتدليس، وذلك حسب مقتضيات الفصل 80 ([67])من ق.ل.ع. مما يتضح بأن المسؤولية هي مزدوجة إدارية و شخصية للمحافظ العقاري– خاصة عن أضرار التشطيب-و يمكن تصنيف هذه الأخيرة على الشكل التالي: المسؤولية الشخصية وفق القواعد العامة وكذا المسؤولية الشخصية وفق القواعد الخاصة.
وهذه التصانيف من المسؤولية ،تربط لنا النص العام بالخاص وهذا الترابط يرجع إلى كون الأخطاء المذكورة في الفصل 97 ([68]) من ظ.ت.ع المغير بقانون 14.07 محددة على سبيل الحصر و هي من قبيل الأخطاء الجسيمة إلى جانب التدليس المعاقب عليها شخصيا حسب الفصل 80 من ق.ل.ع.و مثل هذا التأويل سيفتح المجال لكل متضرر من قرار المحافظ العقاري من مساءلته شخصيا وفق القواعد العامة في حالة عدم وجود النص الخاص لذلك.وتجدر الإشارة إلى وجود إمكانية رفع دعوى على الدولة لمطالبتها بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن تدليس المحافظ العقاري أو خطئه الجسيم، إذا ثبت إعساره طبقا لما هو منصوص عليه في الفصل 80 من ق.ل.ع.
ولهذا السبب أنشأ المشرع المغربي صندوق التأمين ،كضمان لأداء المبالغ المالية التي قد يحكم بها لصالح الطرف المتضرر في حالة عسر المحافظ العقاري،وبطبيعة الحال لا يمكن مقاضاة هذا الصندوق بكيفية مستقلة عن الدعوى المقامة ضد هذا الأخير، بل يتعين إدخاله بصفة احتياطية منذ تقديم المقال الافتتاحي ([69]) .علاوة أن مال الضمان يمكن استعماله في تعويض الخسارة التي تكبدها من حرم من حقه بسبب التشطيب ، إذا كانت المسؤولية في ذلك غير موجهة ضد المحافظ العقاري ([70]).
ولإضفاء مزيد من الحماية للطرف المتضرر من عملية التشطيب أقترح مجموعة من النقط الأساسية التي يتعين أخدها بعين الاعتبار وهي كالتالي:
- توضيح سبب التشطيب في الفصل 91 من ظ.ت.ع المغير بموجب قانون 14.07 مع ضرورة التمييز بينه وبين مؤسستي الإبطال و الإنقضاء.
- تبيان كيفية التشطيب على التقييد المخالف لمبدأ الشرعية ولو تطلب الأمر حصر حالات المخالفة المقصودة، لعدم ترك مجال لإعمال السلطة التقديرية للمحافظ العقاري كدريعة للتشطيب كما أنها تخدم مصلحته هو أيضا في عدم إثارة مسؤوليته في هذا المجال.
- تفعيل إجبارية التشطيب بالعمل مثلا على تعميم مقتضيات الفصل 29 من ظ . ت.ع على كافة التقييدات التي انتهى أجلها أو التي سقطت بحدوث واقعة معينة.
- توضيح حالة التدخل القضائي في عملية التشطيب، بالتمييز بين الإمكانية التي تتم وفق القواعد العامة حسب الفصل 91 من ظ.ت.ع والأخرى التي تجري عند المنازعة حول قرار المحافظ العقاري طبقا للفصل 96 من نفس الظهير.
وأختم مقالي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر” والله المعين.
- باللغة العربية:
- محمد خيري:”الملكية و نظام التحفيظ العقاري في المغرب”، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الثانية،
“مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي”، دار نشر المعرفة، دون ذكر الطبعة، مطبعة المعارف الجديدة (CTP)-الرباط، 2013.
“حماية الملكية العقارية و نظام التحفيظ العقاري بالمغرب”، دار النشر المعرفة، الرباط، طبعة 2001.
- خير الدين الطاوس: “إشهار الحقوق المكتسبة خلال مسطرة التحفيظ وآثارها في ضوء مستجدات القانون 14.07″، الطبعة الأولى،سنة 2015.
- عبد العالي العبودي:” نظام التحفيظ العقاري و إشهار الحقوق العينية بالمملكة المغربية”،المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء،الطبعة الأولى2003.
- محمد بن الحاج السلمي :” التقييد و التشطيب بالسجلات العقارية على ضوء مستجدات قانون 14.07، مطبعة دار القلم، الطبعة الأولى – الرباط، سنة 2015.
- عبد الكريم الطلب:” الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية”،المكتبة الوراقة الوطنية دوديات ،الطبعة السابعة ، مطبعة الوراقة الوطنية ، مراكش، أكتوبر 2012.
- محمد الحياني :”المحافظ العقاري و المسؤولية التقصيرية – واقع و آفاق –”،مؤسسة النخلة للكتاب، وجدة، الطبعة غير مذكورة، 2003.
- محمد مهدي الجم:”التحفيظ العقاري في المغرب”،مطبعة النجاح الجديدة،طبعة الدار البيضاء،سنة 1996.
- عبد العالي الدقوقي:” الإلغاء و التشطيب في التشريع العقاري المغربي”،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ، الرباط أكدال ،السنة الجامعية 2001-2002.
- محمد خيري:”قرارات المحافظ العقاري بين الازدواجية في المسؤولية و الازدواجية في الاختصاص القضائي”،الندوة الوطنية حول الأنظمة العقارية في المغرب الني نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية و العقارية بكلية الحقوق،جامعة القاضي عياض بمراكش،يومي 5 و 6 أبريل 2002، المطبعة الوطنية،مراكش، 2003،ص 353.
- سلسلة الندوات محكمة الاستئناف بالرباط، العدد 3، 2011.
- مجلة قضاء محكمة الاستئناف بالرباط، عدد 3، سنة 2013. مجلة الأملاك، العدد المزدوج 11-12، السنة 2012-2013
- مجلة المغربية للدراسات القانونية و القضائية ، العدد 3 ماي 2010.
- المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد مزدوج 105-106 يوليوز – أكتوبر 2012.
- مجلة المحاماة، عدد 14، سنة 1979. مجلة رابطة القضاة، العددان 6-7، يونيو 1983.
- قضاء المجلس الأعلى، العدد 13، السنة الثانية، يناير 1970. مجلة قضاء المجلس الأعلى ، العدد المزدوج 57 -58 ، يوليوز 2001 .قضاء المجلس الأعلى، العدد 13، السنة الثانية، يناير 1970.
- مجلة الحقوق المغربية، سلسلة القواعد الموضوعية و الشكلية في مساطر المنازعات العقارية، الجزء الثاني، 2010.
- مجلة ملفات عقارية، عدد5، قضايا التحفيظ العقاري2015.
- باللغة الفرنسية:
- Mohamed EL Mernissi : « Essai sur la notion de la publicité foncière, étude de droit français et marocain comparé », thèse paris ,1973 .
- Mohammed Azami : « Portée de l’effet constitutif et de force probant », D.E.S.A, Université Mohammed V, Faculté des sciences Juridique économique et sociales, Rabat, 1987.
([1]) كما هو الشأن في الفصل 3 من ظهير 2 يونيو 1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة ، والذي جاء فيه بأن :” الرسوم العقارية وما تتضمنه من تسجيلات تابعة لإنشائها تحفظ الحق الذي تنص عليه ما لم تبطل أو يشطب عليها أو تغير وهي حجة في مواجهة الغير على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها…”.
([2]) يقصد بالأخطاء المادية تلك الأخطاء البسيطة التي لا تصل إلى الأخطاء الجوهرية التي تغير من أصل الحق كالخطأ في اسم المالك بالكامل الخ.
([3]) قرار صادر عن المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- ، رقم 5247 بتاريخ 99/11/17 ، ملف مدني عدد 96/1/1/1103 ، مجلة قضاء المجلس الأعلى ، العدد المزدوج 57 -58 ، يوليوز 2001، ص28.
([4]) ينص الفصل 91 من ظ.ت.ع كما عدل وتمم بالقانون 14.07 على ما يلي :” …يمكن أن يشطب على كل ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي بمقتضى كل عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يثبت انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين، في مواجهة الأشخاص الذين يعنيهم هذا الحق”.
([5]) نستخلص حالة التشطيب التلقائي من بعض الفصول المنظمة لظهير التحفيظ العقاري مثل الفصل 86 منه.
([6]) محمد خير:”الملكية و نظام التحفيظ العقاري في المغرب”، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الثانية، 1990، ص 40.
([7]) محمد خير:”الملكية و نظام التحفيظ العقاري في المغرب”، نفس المرجع ، ص 40.
([8]) حكم ابتدائية وجدة رقم 464/93، بتاريخ 4/5/1993، ملف رقم 1362/89، منشور بمجلة المناظرة، العدد الثاني، يونيو 1997، ص 149.
([9]) عبد الكريم الرغيني:” قاعدة التطهير الناتج عن تحفيظ العقار و تطبيقاتها العملية”،رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود و العقار،جامعة محمد الأول،كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ،وجدة، السنة 2007-2008،ص 14.
([10]) قرار المجلس الأعلى عدد 61، بتاريخ 4 يناير 2006، ملف مدني عدد 4299-1-1-2004، منشور بمجلة الأملاك، العدد الأول، ص 197.
([11]) قرار المجلس الأعلى في الملف المدني عدد 2075/87، بتاريخ 29 يناير 1992، منشور بمجلة الإشعاع، العدد 7، ص 69.
([12]) قرار المجلس الأعلى عدد 1401، الصادر بتاريخ 17يونيو 1987، في الملف المدني رقم 99219، قضاء المجلس الأعلى، العدد 41، نوفمبر 1988، ص 23.
([13]) عبد الكريم السرغيني:” قاعدة التطهير الناتج عن تحفيظ العقار و تطبيقاتها العملية”،مرجع سابق،ص 26.
([14]) يتزعم هذا الفريق :عبد العالي العبودي:” نظام التحفيظ العقاري و إشهار الحقوق العينية بالمملكة المغربية”،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء،الطبعة الأولى2003، ص 132-133.
([15]) Mohammed Azami : « Portée de l’effet constitutif et de force probant », D.E.S.A, Université Mohammed V, Faculté des sciences Juridique économique et sociales, Rabat, 1987,p 159.
([16]) ينص الفصل 480 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي:” يعتبر محضر المزايدة:
- سندا للمطالبة بالثمن لصالح المحجوز عليه ولذوي حقوقه.
- سند ملكية لصالح الراسي عليه المزاد.
يذكر المحضر بأسباب الحجز العقاري و الإجراءات المتبعة وإرساء المزايدة التي تمت.
لا يسلم المحضر مع وثائق المحجوز عليه إلا عند إثبات تنفيذ شروط المزايدة”.
([17]) ينص الفصل 220 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي:” لا تسلم كتابة ضبط المحكمة محضر إرساء المزايدة، إلا بعد أداء الثمن المستحق أو إيداعه بصندوق المحكمة إيداعا صحيحا لفائدة من له الحق فيه. يترتب على تقييد محضر إرساء المزايدة بالرسم العقاري انتقال الملك إلى من رسا عليه المزاد وتطهيره من جميع الامتيازات و الرهون ولا يبقى للدائنين حق إلا على الثمن”.
([18]) جاء في الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل و المتمم بقانون 14.07 على أن :”إذا نشأ على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه ، من أجل ترتيبه و التمسك به في مواجهة الغير ، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك.
ويقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات.يقيد الحق المذكور عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت إجراءات المسطرة بذلك”.
([19]) ينص الفصل 83 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل و المتمم بقانون 14.07 على ما يلي:”بغض النظر عن المسطرة المقررة في الفصل 84 من هذا القانون، يمكن لصاحب حق وقع إنشاؤه أو تغييره أو الإقرار به أثناء مسطرة التحفيظ أن يطلب نشره بالجريدة الرسمية بعد إيداع الوثائق المثبتة للحق بالمحافظة العقارية…”.
([20]) خير الدين الطاوس:”إشهار الحقوق المكتسبة خلال مسطرة التحفيظ و آثارها في ضوء مستجدات القانون 14.07″، الطبعة الأولى، سنة 2015،ص 124.
- رشيد بلاشو :” التصرفات التي تجرى على عقار في طور التحفيظ”،رسالة لنيل شهادة الماستر ،شعبة القانون الخاص،وحدة التكوين والبحث في القانون المدني،كلية الحقوق أكدال جامعة محمد الخامس،السنة الجامعية 2002-2003.
([21]) عبد العالي الدقوقي:” الإلغاء و التشطيب في التشريع العقاري المغربي”،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ، الرباط أكدال ،السنة الجامعية 2001-2002،ص 56.
([22]) ينص الفصل 94 في فقرته الثانية من قانون الالتزامات و العقود على مايلي:”…غير أنه إذا كان من شأن مباشرة هذا الحق أن تؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالغير وكان من الممكن تجنب هذا الضرر أو إزالته ،من غير أذى جسيم لصاحب الحق،فان المسؤولية المدنية تقوم إذا لم يجر الشخص ما كان يلزم لمنعه أو لإيقافه”.
([23]) قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 20 يونيو 1946، عدد 2850، منشور بمجلة محكمة الاستئناف بالرباط، سنة 1986، ص573.
([24]) خالد الفكاني:” تأملات حول المستجدات التشريعية المتعلقة بالتعرض و المقررة بمقتضى القانون 14.07″، مقال منشور بمجلة الأملاك، العدد المزدوج 11-12، السنة 2012-2013،ص 196.
([25]) تنص المادة 304 من مدونة الحقوق العينية على أنه:” يمكن للمشتري بعد تقييد حقوقه في الرسم العقاري أو إيداعها في مطلب التحفيظ أن يبلغ نسخة من عقد شرائه إلى من له حق لشفعة،ولا يصح التبليغ إلا إذا توصل به شخصيا من له الحق فيها،ويسقط حق هذا الأخير إن لم يمارسه خلال أجل ثلاثين يوما كاملة من تاريخ التوصل…”.
([26]) حسن فتوخ :” شفعة العقار في طور التحفيظ عن طريق التعرض في ضوء القانون 14.07و مدونة الحقوق العينية”،مقال منشور بجريدة الكترونية (Maroc Droit)، تاريخ الاطلاع 05/05/2020، على الساعة 18:44.
([27]) حسن فتوخ :” شفعة العقار في طور التحفيظ عن طريق التعرض في ضوء القانون 14.07و مدونة الحقوق العينية”،مرجع سابق،ص 6.
([28]) عمر أزوكار:” التعرض على مسطرة إيداع ، الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري”، سلسلة الندوات محكمة الاستئناف بالرباط، العدد 3، 2011،ص 46.
([29]) حسن فتوخ:”مسطرة إيداع دعوى الشفعة وآثارها بعد اتخاذ قرار التحفيظ”،المجلة المغربية للدراسات القانونية و القضائية ، العدد 3 ماي 2010،ص 56.
([30]) و تجدر الإشارة إلى أن الحقوق التي يمكن التشطيب عليها هي تلك التي تكون محلا للتقييد الصحيح، أما الحقوق المقيدة نتيجة غش أو تدليس أو سوء نية أو نتيجة عقد باطل، فإنها تكون موضوع إلغاء، و إذا كان الأمرين يتشابهان من حيث انقضاء الحق و زواله فإنهما يختلفان من حيث الآثار المترتبة، حيث ينتج التشطيب مفعوله من تاريخ إجرائه فانه بالنسبة للإلغاء يرتب أثاره بأثر رجعي.
([31]) تنص المادة 118 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي:”ينقضي حق السطحية:
أولا: بالتنازل عنه صراحة؛
ثانيا: باتحاده مع ملكية الرقبة في يد شخص واحد؛
ثالثا: بهلاك البنايات أو المنشات أو الأغراس هلاكا كليا”.
([32])وهو ما يوضحه الأمر المحفوظ بكتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بمكناس، القضاء المستعجل ملف رقم 973/8/2009، أمر رقم 1085، تاريخ صدوره 06/10/2009 (غير منشور).
([33]) محمد خيري:” مستجدات قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي”، دار نشر المعرفة، دون ذكر الطبعة، مطبعة المعارف الجديدة (CTP)-الرباط، 2013، ص 652.
([34]) تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 86 من ظ.ت.ع المعدل و المتمم بقانون 14.07 على ما يلي:” …يمكن اللجوء إلى رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرة نفوذها العقار، بصفته قاضيا للمستعجلات، للأمر بالتشطيب على التقييد الاحتياطي كلما كانت الأسباب المستند عليها غير جدية أو غير صحيحة “.
([35]) إلا أن منح قاضي المستعجلات صلاحية إصدار أوامر بالتشطيب على التقييد الاحتياطي المتخذ بناءا على مقال الدعوى من شأنه أن يعطي حلا لبعض التقييدات الاحتياطية التي تظل قائمة لمدة طويلة مما يعوق التداول العادي و الطبيعي للعقار،كما يؤدي كذلك إلى تفادي صدور تقييدات احتياطية بشكل تعسفي.
([36]) أحمد أجعون :” التقييد الاحتياطي على ضوء القانون 14.07 و 39.08 “، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد مزدوج 105-106 يوليوز – أكتوبر 2012، ص 80.
([37]) محمد بن الحاج السلمي:” التقييد و التشطيب بالسجلات العقارية على ضوء مستجدات قانون 14.07، مطبعة دار القلم، الطبعة الأولى – الرباط، سنة 2015، ص206.
([38]) كما نجد هذا التناقض موجودا أيضا مع بعض فصول ق.م.م –خاصة الفصول 149 و 152 من ق.م.م- ، على اعتبار أن اختصاص قاضي المستعجلات للنظر في الطلب رهين بتوفر عنصر الاستعجال و عدم المساس بأصل الحق الذي ألزم فيه قاضي المستعجلات بالتأكد من جدية الأسباب أو صحتها قبل إصدار أي أمر يقضي بالتشطيب على التقييد الاحتياطي، الشيء الذي لا يمكن القيام به دون المساس بالجوهر.
([39]) عبد الكريم الطلب:” الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية”،المكتبة الوراقة الوطنية دوديات ،الطبعة السابعة ، مطبعة الوراقة الوطنية ، مراكش ،أكتوبر 2012، ص 407.
([40]) قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالداربيضاء بتاريخ 04/02/2000 ، رقم 810/811/02، ملف رقم 2752/2/04،( غير منشور).
([41]) تنص المادة 211 من مدونة الحقوق العينية على أن :” للحائز الذي أدى الدين أو تخلى عن الملك المرهون أو انتزع من يده، حق الرجوع على المدين الأصلي في الحدود التي يقررها القانون”.
([42]) ينص الفصل 508 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي:”…يسقط حق الدائنين والمحجوز عليه إذا انقضى الأجل السابق ولم يطلعوا على المشروع ولم يتعرضوا عليه”.
([43]) حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالحي المحمدي عين السبع، بتاريخ 26/11/2001، رقم 1928، ملف رقم 01/2787(غير منشور).
([44]) أمر قضائي يقضي بالتقييد ثم بالتشطيب عليه، الذي يتعلق كليهما بنفس الطرف المستفيد، الأمر الأول رقم 402/2014/1، أما الأمر القضائي الثاني رقم 874/2014/1 ، بتاريخ 22/05/2014 (غير منشورين).
([45]) وهو ما تم بالفعل بموجب حكم رئيس المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان بصفته قاضيا للمستعجلات الذي قضى بالتشطيب على التقييد الاحتياطي المقيد بناءا على مقال بالرسم العقاري، رقم 272، المؤرخ 25/12/2014، ملف رقم 214/1101/14 (غير منشور).
([46]) ينص الفصل 92 من ظ. ت ع :” مع مراعاة أحكام الفصل 86 أعلاه يمكن أن يشطب على كل ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد أو بيان أو تقييد احتياطي بمقتضى كل عقد أو حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يتب انعدام أو انقضاء الحق موضوع التضمين في مواجهة الأشخاص الذين يعنيهم هذا الحق “.
([47]) حكم صادر عن ابتدائية فاس ، عدد 64، بتاريخ 10/02/14 ، ملف عقاري رقم 108/1402/13 (غير منشور).
([48]) هذه الشروط هي: أولا: أن يكون سند التقييد الجديد صحيحا شكلا و موضوعا ([48]) ؛(( فقد استلزم المشرع المغربي ضرورة إبرام التصرفات العقارية والوكالات الخاصة بها في شكل محرر رسمي أو ثابت التاريخ حسب مقتضيات المادة 4 من مدونة الحقوق العينية المتممة بموجب مادة فريدة من القانون رقم 69.16 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.17.43 في ذي الحجة 1438(30 أغسطس 2017)؛الجريدة الرسمية عدد 6604،بتاريخ 23 ذو الحجة 1438(14 ديسمبر2017)،ص5068.))
ثانيا: ألا يكون التصرف واردا على أملاك الدولة العامة – التي تخضع في تنظيمها لظهير فاتح يوليوز 1914 المتعلق بالأملاك العمومية-و الخاصة والمحبسة تحبيسا عموميا التي لا تقبل التفويت ولا التقادم؛ ثالثا : أن يكون التقييد الجديد باسم شخص ثالث لا علاقة له بأصل ذلك الحق المقيد بين طرفيه،حيث لا يعد الخلف العام-الوارث مثلا –شخصا ثالثا،لأنه يحل محل مورثه المقيد في حقوقه والتزاماته ،فإذا كان الحق المقيد باسم المورث معيبا قابلا للإبطال،فان الوارث يتلقاه على هذه الحالة ؛فهو يتلقى هذا الحق المقيد لأن الشرع خوله حق الإرث وليس بالاعتماد على التقييد.
([49]) لمزيد من التفصيل بخصوص الغير ذو النية الحسنة وشروطه يرجى الرجوع لمرجع مازن الجم:”الحقوق الخاضعة للتسجيل وفق نظام التحفيظ العقاري”،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص،جامعة القاضي عياض، كلية العلوم القانونية الاقتصادية و الاجتماعية،مراكش،السنة الجامعية 1411ه/1991م،ص 294-295. و لا يجب الخلط بين مفهوم حسن النية في مجالات أخرى لاسيما مجال العقود و الالتزامات مع حسن النية في مجال العقارات المحفظة لكل خصوصياته.
([50]) مازن الجم:”الحقوق الخاضعة للتسجيل وفق نظام التحفيظ العقاري”،نفس المرجع،ص294.
([51]) يتزعم هذا الاتجاه محمد خيري:”حماية الملكية العقارية و نظام التحفيظ العقاري بالمغرب”، دار النشر المعرفة، الرباط، طبعة 2001، ص 492.
([52]) أما عن أنصار هذا الاتجاه نذكر محمد مهدي الجم:”التحفيظ العقاري في المغرب”،مطبعة النجاح الجديدة،طبعة الدار البيضاء،سنة 1996،ص300.
([53]) قرار المجلس الأعلى- محكمة النقض حاليا-، رقم 688، بتاريخ 4 أكتوبر 1978، (رقم الملف غير وارد)، مجلة المحاماة، عدد 14، سنة 1979، ص208.
([54]) وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بطنجة في إحدى قراراتها،التي جاء فيها ما يلي:”…إن الموهوب لها السيدة( الغير) كانت على علم بأن العقار الموهوب لها من طرف زوجها هو مشترك على الشياع بين هذا الأخير و السيد الطاعن…واعتبارا لكل ذلك تقرر إبطال تلك الهبة و اعتبارها لاغية بالنسبة لنصف العقار الذي يملكه السيد (الطاعن) ثم بالتالي لا أثر لها إزاء هذا الأخير حتى ولو سجلت في السجل العقاري لكونها أبرمت تدليسا من السيد المدعى عليه وزوجته قصد إبعاد السيد (الطاعن) عن الاستفادة من حقه…”، الصادر عن محكمة الاستئناف بطنجة، رقم 43،بتاريخ 11/5/82،في الملف المدني رقم 10063،816/6، مجلة رابطة القضاة،العددان 6-7،يونيو 1983،ص 161 وما بعدها.
من خلال هذا القرار يتضح بأن، العلم وحده غير كاف كما أن التواطؤ لوحده غير كاف بل يستلزم أن يتم هذا الأخير على النحو سالف الذكر، لأنه قلما يكون المتصرف إليه الثاني بريئا في حالة علمه بسبق التصرف في العقار، وأن هذا السلوك وحده يكشف عن سوء نيته.
([55]) قرار صادر عن المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا-، رقم 275، بتاريخ 4/6/1960، (رقم الملف غير مذكور)، قضاء المجلس الأعلى، العدد 13، السنة الثانية، يناير 1970، ص37.
([56]) قرار محكمة النقض عدد 708، بتاريخ 15/02/2001، ملف مدني عدد 1226/1/9/97، جاء فيه ما يلي:”تقييد المشتري الثاني لعقده بالرسم العقاري وقد سبقه المشتري الأول الذي قيد عقد شرائه تقييدا احتياطيا، ينفي حسن نية المشتري المقيد الأول…”.
وفي قرار آخر لنفس المحكمة عدد 2055، بتاريخ 12/6/2002، ملف مدني عدد 483/00:”…التقييد الاحتياطي هو بمثابة إنذار بوجود نزاع في الملك، وإقدام المشتري الثاني على تقييد شرائه دليل على سوء نيته”، منشور بمجلة الملف، عدد 5، ص 246 وما بعدها.
ونفس التوجه أكدته ابتدائية تمارة في حكمها عدد 31،بتاريخ11/2/2009،ملف عدد 306/6/22،جاء فيه:”شراء المدعى عليهم للعقار المحفظ وتقييد شرائهم رغم وجود تقييد احتياطي لفائدة المدعي يفيد علمهم بوجود نزاع مما يجعل تمسكهم بمقتضيات الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري غير مؤسس اعتبارا لوجود تقييد احتياطي،لضمان رتبة حق عيني لفائدة الغير”.منشور بمجلة الحقوق المغربية ، سلسلة القواعد الموضوعية و الشكلية في مساطر المنازعات العقارية،الجزء الثاني،طبعة 2010،ص69.
([57]) قرار صادر عن محكمة استئناف بالدار البيضاء، عدد 2740، بتاريخ 13/07/1984، ملف مدني عدد 326/82، جاء فيه:”…لا يمكن اعتبار المشتري الثاني لعقار محفظ سيء النية مادام التقييد الاحتياطي للمشتري الأول تم في نفس اليوم الذي وقع فيه الشراء الثاني…”،منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال و المقاولات،عدد 10،ص130ومابعدها.
([58]) قرار صادر عن محكمة النقض عدد 911، بتاريخ 11/02/97، ملف مدني عدد 4939/91، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 53-54، ص84.
([59]) بوحامد عبد القادر:”حدود الحماية القانونية والقضائية للتقييدات بحسن نية”،الندوة الوطنية في الأمن العقاري،دفاتر محكمة النقض،عدد26،ص559.
([60]) ينص الفصل 351 من مجموعة القانون الجنائي على ما يلي:”تزوير الأوراق هو تغيير الحقيقة فيها بسوء نية، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون”.
([61]) راجع قرار صادر عن محكمة النقض عدد 4258، بتاريخ 12/10/2010، مجلة قضاء محكمة الاستئناف بالرباط، عدد 3، سنة 2013، ص 102.
قرار صادر عن محكمة النقض عدد 2691، بتاريخ 29/5/2012، مجلة قضاء محكمة الاستئناف بالرباط، عدد 3، سنة 2013، ص120.
([62]) قرار صادر عن محكمة النقض، عدد170، بغرفتين بتاريخ 20/3/2013، في الملف عدد 2820/1/1/2012، منشور بمجلة ملفات عقارية، عدد5، قضايا التحفيظ العقاري2015، ص238-240.
([64]) وما ينطبق على المستثمر ينطبق كذلك على الموثق،بحيث يلاحظ بأن مقتضيات المادة 2 من م ح ع تقيده بضرورة الاحتفاظ بالثمن إلى حين انتهاء أجل الأربع سنوات على غرار الاحتفاظ بالثمن في البيع الرضائي للأصل التجاري إلى حين انتهاء أجل التعرض المنصوص عليه في المادة 84 من مدونة التجارة ، تحسبا لكل منازعة مستقبلية مردها ما قد يحدث من طارئ خلال ذلك الأجل الذي فتحه المشرع المغربي أمام كل ذي مصلحة لتغيير مجريات الأمور.
([65]) Mohamed EL sur la notion Mernissi : « Essai de la publicité foncière, étude de droit français et marocain comparé », thèse paris, 1973, p204.
([66]) وبالرجوع إلى الفصل 79 من ق. ل. ع الذي ينص على ما يلي:” الدولة و البلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها و عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها.”
مما يبدوا أن المسؤولية الإدارية تضمن حالتين ، وهما :
- الأضرار الناتجة عن التسيير الإداري للمحافظة العقارية.
- الأضرار الناتجة عن أخطاء المحافظ المصلحية.
وقد اختلف الفقه في تأويل مقتضيات الفصل 79 من نفس القانون فهناك من اعتبر الشطر الأول من هذا الفصل الخاص ب –”الدولة و البلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها”-، يتعلق بالمسؤولية بدون خطأ انطلاقا ما يعرف بنظرية تأمين المخاطر، وأن الشطر الثاني من نفس الفصل –”الأخطاء المصلحية لمستخدميها”- يتعلق بالمسؤولية بناءا على الخطأ المصلحي اللازم الإثبات.
الحسن سيمو:” المسؤولية الإدارية من خلال قرارات المجلس الأعلى”،المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ، عدد 14،1998،ص 68 إلى 72.
عبد الله حارسي:” حول المسؤولية الإدارية، تطبيق الفصل 79 من ق.ل.ع من طرف المجلس الأعلى”، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد 14، 1998، ص 78 إلى 84.
([67]) جاء في الفصل 80 من ق.ل.ع ما يلي :” مستخدموا الدولة و البلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم…”.
([68]) ينص الفصل 97 من ظ.ت.ع على ما يلي:”إن المحافظ مسؤولا شخصيا عن الضرر الناتج ….”.
إن إقامة أية دعوى شخصية ضد المحافظ ، يتعين إثبات أنواع الخطأ الجسيم أو أعمال التدليس الصادرة من جانبه ، والتي يجب أن تدور حول الإغفالات أو الفساد أو البطلان في السجلات العقارية ، محمد الحياني :”المحافظ العقاري و المسؤولية التقصيرية – واقع و آفاق –”،مؤسسة النخلة للكتاب، وجدة، الطبعة غير مذكورة، 2003،ص 67 ، 78، 79.
([69]) محمد خيري:”قرارات المحافظ العقاري بين الازدواجية في المسؤولية و الازدواجية في الاختصاص القضائي”،الندوة الوطنية حول الأنظمة العقارية في المغرب الني نظمها مركز الدراسات القانونية المدنية و العقارية بكلية الحقوق،جامعة القاضي عياض بمراكش،يومي 5 و 6 أبريل 2002، المطبعة الوطنية،مراكش، 2003،ص 353.
([70]) وذلك حسب مقتضيات الفصل 58 من القرار الوزاري الصادر بتاريخ 4 يونيو 1915 المتعلق بتعيين نظام لإدارة المحافظة على الأملاك العقارية.