في الواجهةمقالات قانونية

الحركية التشريعية في زمن كورونا

 

الحركية التشريعية في زمن كورونا

محمد شعلول

طالب باحث السنة الثانية بسلك الماستر قانون أعمال

كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية أكدال ،الرباط

 

الكل يعرف  مدى أهمية وجود تشريع أو قانون في دولة أو مجتمع ما ،بحيث لا يمكننا أن نتصور  مجتمع بدون ترسانة قانونية تنظم العلاقات بين أفراده من اجل تحقيق الأمن والاستقرار المجتمعي المنشود،  بالتالي فالتشريع في غاية من الأهمية لذلك أسس له دستور 2011 قواعد وضعه والجهات المكلفة بذلك  والتي يجب أن تلاءم النظام التشريعي ليكون ملائما للمجتمع و تعديله كلما تطلب الأمر ذلك .  وبحكم ما يشهد العالم بأسره والمغرب من تغيرات مجتمعية واقتصادية وصحية بسبب تداعيات فيروس كورونا الجديد الذي حتم  على الدولة بكل مؤسساتها العمل من اجل تطويع هذا الوباء والسيطرة عليه بما فيها المؤسسات التشريعية، حيت في هذه   الآونة الأخيرة ظهرت إلى الوجود مجموعة من  التشريعات المنظمة والمؤطرة لعديد من المجالات ذات الأهمية البالغة، سواء كانت تشريعات خرجت إلى الوجود ونشرة في الجريدة الرسمية  أو لازالت تنتظر مصيرها للمناقشة والمصادقة ، أو كانت تشريعات تنظيمية صادرت عن السلطة التنفيدية من مراسيم أو قرارات أو مذكرات أو مناشير إلى غير ذلك . الشيء الذي لا يمكن معه إذن تغليب قانون على آخر من ناحية الأهمية، وبالتالي فهذه المرحلة مرحلة حالة الطوارئ الصحية عرفت حركية تشريعية نشيطة مما يدفعنا لتساؤل عن دوافع هذه الحركية  التي تعرفها المؤسسة التشريعية ؟  وكذلك مدى احترام المشرع للضوابط التشريعية المتعارف عليها في صناعة و إصدار النصوص التشريعية ؟

دوافع الحركية التشريعية التي تعرفها بلادنا في زمن كرونا

كثيرة هي الدوافع والمبررات التي تجعل الآلة الإنتاجية لتشريع تزداد في هذه المرحلة منها:

أولا:  وجود تغيير جدري يعرفه المجتمع المغربي بسبب تداعيات هذا الوباء بالتالي يحتم على المشرع المغربي التدخل من اجل مسايرة هذا التغيير.

ثانيا : وجود فراغ تشريعي، حيث ظهرت وقائع جديدة لم تكن قبل لذلك وجب تأطيرها  بقالب قانوني.

ثالثا عدم استطاعة القوانين السابقة مسايرة ما يخلفه هذا الوباء في هذا الظرف الاستثنائي، وهذا ما تؤكده التعديلات التي تعرفها مجموعة من القوانين كما هو الحال لتعديلات تهم قانون 49.16. وكذلك تعديل بعض المقتضيات على مستوى قانون 17.95 المتعلق بشركات المساهمة  إلى غيرها من القوانين ، أي انه ليس لدينا قوانين الأزمات  وبالتالي يجب مراعاة هذا المعطى في وضع النص التشريعي في ما بعد  هذا الوباء .

 رابعا : محاولة لتخفيف التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والمالية التي يخلفها هذا الوباء .

إذا كل هذه الدوافع جعلت السياسة التشريعية في هذه المرحلة  تتميز ب :
أولا: بالطابع الكمي لهذه التشريعات، أي تعتبر هذه الفترة من بين الفترات الاستثنائية  في إنتاج التشريعات ، هذا الإنتاج الكمي الذي اعتبرناه استثنائيا ، تؤكده مشاريع القوانين التي تم إعدادها وكذلك التي خرجت إلى حيز الوجود، ونشرت في الجريدة الرسمية ،حيث هذه الأخيرة بالاطلاع عليها نجد من تاريخ إعلان حالة الطوارئ الصحية  إلى حد الآن تم نشر مجموعة من القوانين والمراسيم والقرارات إلى غيرها ، والتي ترتبط بمجالات إستراتيجية لمواجهة والتصدي لهذا الوباء ومخلفاته ،وكان توجه المشرع  يصب نحو ما يتعلق بالجانب الاجتماعي من اجل تخفيف الضرر الاجتماعي الذي خلفته الجائحة   خصوصا على الفئة الشغيلة بحكم توقف اغلب المقاولات بسبب هذا الوباء ،وكذلك بالجانب الزجري بتجريم مجموعة من الأعمال مثل نشر الأخبار الزائفة وكذلك بمرسوم المتعلق بحالة الطوارئ الذي جاء بمقتضيات زجرية على مخالفيها وكذلك ما يتعلق بعدم احترام التدابير الوقاية ألازمة وكذلك بمراقبة الأسعار في الأسواق المحلية إلى غيرها. كذلك اتجاه الحركية التشريعية نحو الجانب الاقتصادي بحكم تسبب هذا الوباء في ركود اقتصادي  ولا يمكن حصر القائمة…، وهذا يعد دليلا قاطعا على الجانب الكمي الذي لا يعد في كل الحالات معطى إيجابيا، بل يعدو مع مرور الوقت حجة على التسرع والارتباك.

ثانيا :الطابع الزمني لهاته التشريعات، حيث أننا نعيش في ظرف استعجالي يحتم على المشرع التدخل بسرعة. لكن السرعة في صدور النص التشريعي ،قد يقول البعض أنها ميزة وليست عيبا ،وهذا ما يجعل  خروج نص ما والمصادقة عليه غالبا ما يكون يشوبه  الكثير من الأخطاء سواء على المستوى الشكلي أو المضمون، لان وضع نص هي مهمة جد معقد، لأنك تريد إعطاء تصور للواقع معيشي بكل حمولاته ومشاكله وقضياه .وهذا التصور يكون استباقي ويقوم على أساس توقعي، وبهذا يجب عليك التوفر على ثقافة قانونية واسعة ومهارة منهجية ودقيقة ، وهذا ما يأخذ الكثير من الوقت.

 

في ضوء ما سبق نسجل بعض النقاط السلبية على هذه الحركية:


 يتجلى في إنتاج قوانين ذات صياغة غير دقيقة، تتميز بالركاكة في الأسلوب، وفي المعنى، فصياغة النص من الأمور المعقدة والدقيقة والتي لا زالت تشكل عائق في تحقيق النص التشريعي لمبتغاه، حيث كثيرة هي النصوص التي تشكل غموضا للمهني وللباحث  في فهم محتواها مما يجعلها عديمة الفائدة  وبعيدة التطبيق ، بحيث وقع المشرع في تقييد كمي وزمني لم تتحمله جودة هذه التشريعات، وبالتالي نشوء قاعدة قانونية ميتة الوجود .بالتالي يجب مراعاة الضابط على مستوى صياغة النص التشريعي لأنه في الأهمية مما كان  لان الصياغة مرتبطة بفهم النص وبالتالي تطبيقه ، كثيرة هي القرارات التي يتم الطعن بها بالنقض وهذا دليل على وجود نصوص قانونية غير مفهومة ويختلف في تحديد معناها، لذلك يتم الطعن فيها لدى محكمة النقض ،باعتبارها محكمة قانون مهمتها تحديد مفهوم ومراد النص وهذا يضرب عرض الحائط مبادئ التي يقوم عليها الأمن القانوني.

– كذلك كثرة المصطلحات المرنة أو المطاطة  والغير محددا تحديدا دقيقا، والتي تؤثر على النص التشريعي. كما هو الحال بالنسبة للقانون المتعلقة بالأخبار الزائفة رقم 88.13 المتعلق بقانون الصحافة  نعم هو قانون على مستوى محاربة دوي النيات السيئة  جيدة لكن يضم مجموعة من المصطلحات المطاطة والمفتوحة مما قد يمس بحريات الأفراد دوي النية الحسنة فالنص يجب أن يكون بسيطا سهل الفهم وبمصطلحات مدققة. هذا ما يخالف النص الإنشائي، لأننا أمام نص يمس حرية وحقوق الأفراد والتي يحميها الدستور والمواثيق الدولية ، وأيضا استعمال مصطلحات جديدة على مستوى الحقل القانوني كمثال ” الحجر الصحي ” و ” حالة الطوارئ الصحية ”  دون تحديد معناها ،وهذا ما وضع المواطن في ارتباك في فهم هذه المصطلحات وفي التفرقة بينها .

-أيضا نسجل وجود قرارات تشريعية بعيدة التطبيق ولا تلامس الواقع  المعيشي وذلك بسبب غياب رؤية استراتيجية قبلية، وكذلك قراءة دقيقة لواقع و تتشكل صعوبات في تنزيل هذه التشريعات .بالتالي يجب وضع بنية تحتية ملائمة قبل إصدار النص وخروجه حيز الوجود  ، كما هو المثال القرارات الأخيرة للحكومة المتعلقة بتقديم مساعدات اجتماعية للفئة المتضرر من هذا الوباء حيث كثيرة هي الصعوبات التي عرفها  تنزيل هذه المساعدات لا من حيث التغطية للفئة المستهدفة أو من حيث بداية صرف هذه المساعدات وكذلك من حيث الشروط المجحفة والمساطر المعقدة والقيمة الضعيفة لهذه الإعانة .

-عدم التقيد بالإطار الدستوري في وضع النص ، فمجموعة من مقترحات القوانين  التي خرقت  الحقوق والحريات المنصوص عليها دستوريا كما هو الحال بالنسبة للقانون 22.20 والذي كان خلف نقاش على مستوى الرأي العام .

– كذلك هذا الوباء جعل مجموعة من المؤسسات تتغير طريقة عملها كما ،هو الحال بالنسبة للمؤسسة التشريعية التي أصبح تنعقد جلساتها بتقليص من حضور  أعضائها، الشيء الذي يدفعنا لتساءل عن مدى دستورية هذه الإجراءات السابقة الذكر؟ وكذلك اعتماد على التصويت بالتفويض  رغم أن الدستور في الفصل 60 أكد على وجوب التصويت الشخصي ، مما سيؤثر على قانونية انعقاد هذه المؤسسة بمجلسيها وبالتالي مدى شرعية القرارات والنصوص  التشريعية الصادرة عنها .ولا ننسى كذلك انعقاد الجلسات القضائية عن بعد ومدى مساس ذلك بمبدأ دستوري وهو الحق في المحاكمة العادلة .

– كذلك نسجل على الحركية التشريعية في زمن كورونا، على أن كل المبادرات التشريعية التي تعرفها بلادنا في هذه المرحلة من مبادرة من السلطة التنفيذية أي غياب المبادرة التشريعية من البرلمان ممثل الأمة والذي هو صاحب الاختصاص في الأصل، مما جعل بعض المختصين والمتتبعين لشان البرلماني يتساءلون عن وظيفة البرلمان أمام تنامي دور الجهاز التنفيذي على حساب السلطة التشريعية عندما اصدر الأستاذ اندري شاندير ماكور كتابا تحت عنوان : برلمان من اجل ماذا ؟UN PARLEMENT POURQUOI FAIRE  .

– وهنا نتساءل عن  دور المعارضة في صناعة واقتراح النصوص التشريعية في هذه المرحلة، وهل هو غياب أم إقبار لها بحكم الأغلبية الواسعة في قبة البرلمان والتي تسيطر على العملية التشريعية

– تغليب المصلحة السياسية أو اقتصادية خاصة في صياغة هاته النصوص وهذا معطى سلبي يؤثر بشكل كبير في بنية هاته النصوص، وإغفال بذلك مصلحة المواطن والوطن ، والتي لن تتحمل أي هفوة تشريعية، والذي سيتحمل تبعاتها لزمن بعيد، خصوصا أنها قوانين مهمة وستبقى قائمة عبر الزمن.

– عدم إشراك الجامعة في تقويم وتحليل النصوص وجودة ما يقدم،  فصياغة التشريع وفلسفته تحتاج من صاحبها الإلمام بالمنطق، واللغة، وكذلك العلوم الاجتماعية

– غياب نقاش عميق في صياغة القوانين مما يؤدي إلى أزمة في النسق القانوني المغربي، أي لا فعلية لهاته النصوص دون وجود نقاش عمومي، فالقانون يصنع من الأسفل لا من الأعلى.

عموما لا يجب اعتبار هذه الضرفية الحساسة التي تمر بها بلادنا مبررا لتمرير أو صناعة نصوص تشريعية مخالفة لضوابط الدستورية والحقوقية، وكذلك لضوابط المعتمد في صياغة نص تشريعي صحي ،والذي يحقق لنا الأمن القانوني الذي يجسد دولة الحق والقانون نتيجة  لهذا يجب التفكير في القانون ومآلته المتعددة متطلبا حاسما لإنهاء هاته السلبيات ، التي تؤثر لا محالة في مستقبل المغرب التشريعي وعلى جودته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى