في الواجهةمقالات قانونية

إشكالية الاعتقال الاحتياطي بالمغرب

 

                         إشكالية الاعتقال الاحتياطي بالمغرب

النصيري عبد الله
طالب باحث بسلك الماستر تخصص التقنيات البديلة لحل المنازعات المحمدية

 

مقدمة:

 

 

إن الإنسان ككائن اجتماعي، لا يمكنه العيش داخل المجتمع بمعزل عن الآخرين، الأمر الذي يحتم عليه نسج علاقات متنوعة مع باقي أفراد مجتمعه، لكن سرعان ما ينحرف عن جادة الصواب في تصرفاته، بفعل غريزة حب التملك واشباع رغباته المختلفة والمتأصلة في البشر، ومن هنا تظهر أهمية السلطة ومفهوم الدولة ومؤسستها التي تصهر على تنظيم وضبط المجتمع وحمايته من مخاطر الجرائم.

ومما لا شك فيه أنه إذا كانت أجهزة العدالة الجنائية تقتضي معاقبة مقترفي الجريمة، فإنها تقتضي أيضا المحافظة على الحقوق الأساسية للإنسان التي أقرتها المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، فبالتالي يواجه قانون المسطرة الجنائية في كل بلد صعوبة في التوفيق بين مصلحتين متعارضتين، من جهة مصلحة المجتمع في توقيع العقاب على الشخص المتهم الذي أخل بأمنه وسلامته، ومن جهة أخرى مصلحة الفرد “المتهم” في تأمين حريته وكرامته في حق الدفاع عن نفسه، هذه المصلحة التي أحاطتها الصكوك الدولية وكذا الدستور المغربي لسنة 2011[1] بسياج من الحماية حيث نص الدستور الجديد في فصله الثالث والعشرون على أنه ” لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون. الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري، من أخطر الجرائم، وتعرض مقترفيها لأقسى العقوبات.

يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت. ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقربائه، طبقا للقانون. قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان . يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية، وبظروف اعتقال إنسانية. ويمكنه أن يستفيد من برامج للتكوين وإعادة الإدماج.

ويحظر كل تحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف. يعاقب القانون على جريمة الإبادة وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان.”

ونظرا لخطورة هذا الإجراء وما ينطوي عليه من مساس بحرية المتهم، الأمر الذي دفعنا إلى مقاربة هذا الموضوع الذي يكتسي أهمية بالغة على المستوى الوطني وذلك وفق الآتي.

 

أولا: مفهوم الاعتقال الاحتياطي

 

على غرار معظم التشريعات الجنائية المقارنة لم يضع قانون المسطرة الجنائية المغربي تعريفا للاعتقال الاحتياطي، وإنما اعتبره بموجب المادة 159 من ق.م.ج تدبيرا استثنائيا يعمل به في الجنايات أو في الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية.

وعلى العموم يمكن القول بأن الاعتقال الاحتياطي هو عبارة عن تدبير سالب للحرية يرمي إلى وضع المتهم في السجن، خلال المدة التي يسمح بها القانون، والتي تمتد بين فترة افتتاح التحقيق فترة التحقيق الاعدادي في القضية المتهم فيها إلى حين صدور حكم فيها[2].  وفي هذا السياق نصت المادة 134 من ق.م.ج في فقراتها الأخيرة أنه :” إذا طالبت النيابة العامة في ملتمسها بفتح التحقيق بإصدار أمر بإيداع المتهم في السجن، وارتأى قاضي التحقيق أن لا داعي للاستجابة لهذا الطلب، فإنه يجب عليه إصدار أمر بذلك داخل أربع وعشرين ساعة، يبلغه فورا للنيابة العامة”.

والواقع أن هذا النص يبرر حدود صلاحيات قاضي التحقيق في التقرير في وضعية المتهم، حيث يمكنه على الرغم من ملتمس النيابة العامة بإيداع  المتهم في السجن أن يواصل التحقيق معه في حالة سراح وكل ما يتعين التقيد به فقط هو تعليل ما ذهب إليه خلافا لملتمس النيابة العامة بمقتضى أمر معلل داخل 24 ساعة ثم يتوالى تبليغه إلي النيابة العامة.

 

  ثانيا: شروط الوضع رهن الاعتقال الاحتياطي

 

الهدف من الاعتقال الاحتياطي هو ضمان سلامة التحقيق الإعدادي من خلال وضع المتهم تحت تصرفه ولتمكنيه من استنطاقه أو مواجهته كلما رأى محلا لذلك، والحيلولة دون تمكنه من العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجني عليه، وبوجه عام مساعدة المحقق على كشف الحقيقة[3].

ومما سبق يتضح أن الأمر بالاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي لا يصدر إلا عن قاضي التحقيق في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس دون غيرها وبعد استنطاق المتهم عنها، وعليه يمتنع إطلاقا وضع الشخص رهن الاعتقال الاحتياطي قبل إجراء عملية استنطاقه وبالضمانات التي يخولها له القانون.

ولا يدخل هذا التدبير في صلاحيات النيابة العامة أو الشرطة القضائية وإن كان للوكيل العام للملك وفق المادة 73 من ق.ج، و وكيل الملك حسب المادة 74 من نفس القانون الأمر بإيداع المشتبه فيه بجريمة تلبسية في السجن، ولضابط الشرطة القضائية توقيع الحراسة النظرية عليه وفق المادتين 66 و 80 من ق.م.ج. فهي تدابير لا تدخل في نطاق التحقيق الاعدادي وإن تشابهت مع الاعتقال الاحتياطي.

 

ثالثا: مدة الاعتقال الاحتياطي

 

نظرا للطابع الاستثنائي لتدبير الاعتقال الاحتياطي ومساسه بحرية المتهم التي هي أعز ما يملك فقد حرصت التشريعات المقارنة ومن بينها التشريع المغربي على تقييد المدة التي يتم إخضاع المتهم لها والتي هي نوعين:

  • النوع الأول: هو الذي نصت عليه المادة 176 من ق.م.ج أنه ” لا يجوز في القضايا الجنحية أن يتجاوز الاعتقال الاحتياطي شهرا واحدا.

إذا ظهرت عند انصرام هذا الأجل ضرورة استمرار الاعتقال الاحتياطي، جاز لقاضي التحقيق تمديد فترته بمقتضى أمر قضائي معلل تعليلا خاصاً، يصدره بناء على طلبات النيابة العامة المدعمة أيضا بأسباب.

لا يمكن تمديد فترة الاعتقال الاحتياطي إلا لمرتين ولنفس المدة.

إذا لم يتخذ قاضي التحقيق خلال هذه المدة أمرا طبقا لمقتضيات المادة 217 الآتية بعده، يطلق سراح المتهم بقوة القانون ويستمر التحقيق.”

  • النوع الثاني: نصت عليه المادة 177 من ق.م.ج ” لا يمكن أن يتعدى أمد الاعتقال الاحتياطي شهرين في الجنايات.

إذا ظهرت عند انصرام هذا الاجل ضرورة استمرار الاعتقال الاحتياطي، جاز لقاضي التحقيق تمديد فترته بمقتضى أمر قضائي معلل تعليلا خاصا يصدره بناء على طلبات النيابة العامة المدعمة أيضا بأسباب. لا يمكن أن تكون التمديدات إلا في حدود خمس مرات لنفس المدة. إذا لم يتخذ قاضي التحقيق أمرا بانتهاء التحقيق أثناء هذه المدة، يطلق سراح المتهم بقوة القانون، ويستمر التحقيق”.

وبالرجوع إلى مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية، نجد أن المادة 176 تنص على أنه ” لا يمكن تمديد مدة الاعتقال الاحتياطي إلا إذا كانت ضرورة التحقيق تستدعي ذلك بالنظر لعدم استكمال الاجراءات”. وربطت تمديد مدة الاعتقال بما جاء في المادة 175-1  والتي تنص على أنه ” لا يمكن الأمر بالاعتقال الاحتياطي إلا إذا ظهر أن هذا التدبير ضروري لأحد الأسباب الواردة في هذه المادة والتي هي تسعة، والتي يمكن اختزالها في ثلاثة أسباب هي:

–        الخشية من عرقلة سير إجراءات التحقيق .

–        وضع حد للجريمة أو منع تكرارها.

–        الحفاظ على الأدلة والحيلولة دون تغيير معالم الجريمة.

نفس الأمر ينطبق على الجنايات إذ نجد أن المادة 177 من المسودة قلصت من مدة التمديد إلى ثلاث مرات، إلا في الجنايات المشار إليها في المادة 108 من هذه المسودة.   لكن الاشكال الذي يطرح في هذا الصدد هو إلى أي مدى يتم احترام هذه المدد على المستوى العملي؟

إن الإحصائيات الرسمية للنيابة العامة تؤكد على أنه بلغ عدد المعتقلين احتياطيا سنة 2012 ما مجموعه 30083 معتقلا من أصل 70758 معتقلا، أي بنسبة بلغت 42.5 في المائة. وفي سنة 2013 بلغت 31133 معتقلا احتياطيا من أصل 72005 معتقلا. أي بنسبة بلغت 43.2 في المائة. ورغم أن نسبة المعتقلين الاحتياطيين ستشهد بعض الانخفاض ابتداء من سنة 2014، لتبلغ سنة 2016، 40.45 في المائة بمجموع 31840 معتقلا احتياطيا من أصل 78716 سجينا، و29097 معتقلا من أصل 78469 من مجموع الساكنة السجنية، بنسبة 37.09 بالمائة سنة 2017.

مما يدل على أن المشرع المغربي واع كل الوعي بخطوة تدبير الاعتقال الاحتياطي في حد ذاته قبل حجمه و ممارسته، لذا اعتبره إجراء استثنائيا وابتدع له عدة قيود.

إلا أنه في الواقع وباعتماد الإحصائيات أصبح الاعتقال الاحتياطي قاعدة وحالة مفرطة تستدعي إعادة النظر في هذا الاجراء الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة، حيث تؤثر على سمعة المتهم وتلحق به أبشع ضرر على المستويين المادي والنفسي، ولا يقف الامر عند هذا الحد، بل ويؤدي إلى اكتظاظ السجون.

وهذا يعني أن عدم ترشيد آليات تطبيق الاعتقال الاحتياطي و اللجوء إليه بطريقة  غير ممنهجة، تنتج ممارسة غير سليمة، بل وتلحق أبلغ الضرر وتوضح إلى أي حد هي مسؤولية طريقة تطبيق الاعتقال الاحتياطي في إهدار أموال طائلة يمكن بترشيد الاعتقال الاحتياطي أن تخصص لأغراض أخرى.

ويثور إشكال أخر عندما يتعلق الأمر بإلقاء القبض واعتقال شخص موجود بالخارج، وذلك بالاستناد إلى إجراءات تسليم المجرمين، يطرح التساؤل حول التاريخ الذي يبدأ فيه احتساب مدة الاعتقال الاحتياطي، هل يتم الأخذ بتاريخ الذي تم فيه القبض عليه بالخارج، أم عند تاريخ تسليمه إلى السلطات المغربية؟

الواقع أن مبادئ العدالة والإنصاف، تقضي بأن يتم احتساب أمد الاعتقال من وقت إلقاء القبض عليه، لا من وقت وتاريخ تسليمه إلى السلطات المغربية.  وقد عالج المشرع المغربي أحكام تسليم المجرمين ضمن المواد من 718 إلى 745 من ق.م.ج الجديد، وقد كانت هذه المقتضيات منظمة بالظهير رقم 1.58.057 وتاريخ 8 نونبر 1962 المتعلق بتسليم المجرمين والذي تم نسخه بالمادة 756 من ق.م.ج النافد في فاتح أكتوبر 2003[4].

 

رابعا: صفة قاضي التحقيق وعلاقته بالاعتقال الاحتياطي

 

تنص المادة 52 من ق.م.ج على أنه ” يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في المحاكم الابتدائية من بين قضاة الحكم فيها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل، بناء على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية.

يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في محاكم الاستئناف من بين مستشاريها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل، بناء على اقترح من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف.

يمكن خلال هذه المدة إعفاؤهم من مهامه بنفس الكيفية.

يباشر هؤلاء القضاة مهامهم وفق ما هو منصوص عليه في القسم الثالث بعده.

لا يمكن لقضاة التحقيق، تحت طائلة البطلان، أن يشاركوا في إصدار حكم في القضايا الزجرية التي سبق أن أحيلت إليهم بصفتهم قضاة مكلفين بالتحقيق “ّ.

يستشف من كل هذا أن قضاة التحقيق يعينون في المحاكم الابتدائية والاستئنافية من بين القضاء الجالس فيها، بقرار لوزير العدل، بناء على اقتراح من رؤساء هذه المحاكم – أي الابتدائية و الاستئناف-، ولمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.

ويعين في كل محكمة من المحاكم الابتدائية أو الاستئناف عدد كاف من قضاة التحقيق، إلا أنه إذا لم يوجد في المحكمة سوى قاض واحد مكلف بالتحقيق، وحال مانع مؤقت دون ممارسته لمهامه، فيمكن لرئيسها في حالة الاستعجال، بناء على طلب النيابة العامة، وفي انتظار زوال المانع أو صدور التعين بقرار نظامي، أن يعين أحد قضاة أو مستشاري المحكمة لممارسة هذه المهام[5].

 

وبالرجوع إلى المسودة نجدها جاءت بمقتضى جديد بهذا الخصوص واعتبرت من خلال المادة 52 أنه ” يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في المحاكم الابتدائية والاستئناف من بين قضاة ومستشاري الحكم فيها لمدة سنتين قابلة للتجديد، من قبل الجمعية العامة للمحكمة….(الباقي بدون تغيير)، ونتمنى أن يتدخل المشرع المغربي لتعديل مقتضيات المادة 52 من ق.م.ج، حتى تنسجم مع التوجه الجديد حيث تعيين قضاة التحقيق من لدن وزير العدل، في شكل قرار وزاري باقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الاول على مستوى محكمة الاستئناف، لا يضمن لهم الاستقلالية في أداء مهامهم، وفك الارتباط مع وزارة العدل. هذا الامر ينبغي تجاوزه في وقتنا الحالي، خاصة مع صدور القانونين  التنظيميين الجديدين المتعلقان بالنظام الأساسي للقضاة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية[6]. هذا من جهة ومن جهة أخرى يطرح الاشكال في الحالة التي يتم خلالها  عزل قاضي التحقيق وهو بصداد الانتهاء من التحقيق، بعبارة أخرى ما مأل ملف التحقيق في هذه الحالة؟

الواضح أن المشرع المغربي ذهب إلى التنصيص أنه في حالة العزل فإن الملف تتم إعادته من جديد وهذا في حد ذاته يطرح مجموعة من الاشكالات بخصوص الاجراءات التي وجها بها المتهم كالاعتقال إلى غير ذلك، لاسيما أن التوجه الجديد يصير على السرعة للبث في القضايا .

وكما هو معلوم فإن قضاة الحكم لا يحملون الصفة الضبطية واستثناء، منح المشرع المغربي بموجب المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية الحالي صفة ضابط شرطة سامي لقاضي التحقيق دون أن تحدد عما إذا كانت هذه الصفة لمدة تكليفهم بمهامهم أي لمدة ثلاث سنوات، أم تمتد إلى ما بعد ذلك وتبقى لصيقة بهم طوال حياتهم المهنية.

في اعتقادنا المتواضع أنها صفة وقتية يكتسبها قاضي التحقيق بمجرد تعيينه قاضيا للتحقيق، وتزول عنه بمجرد ما يتم عزله أو في الحالة التي لم يعود خلالها قاضيا للتحقيق .

صفة ضابط شرطة سامي الممنوحة لقاضي التحقيق، تطرح إشكالية ازدواجية مهامه وصلاحياته، فبالإضافة إلى صلاحيات تقدير الأدلة والاستماع للمتهم والشهود والأمر بالمتابعة، نجد أن صفته الضبطية هذه تضيف له عبئ البحث عن الأدلة والانتقال والتفتيش.

هنا يطرح التساؤل حول مدى تأهيل قاضي التحقيق لهذه الأعباء التي تنضاف لمهامه القضائية، خصوصا وأن مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية حافظت على نفس التوجه ولم تأتي بأي جديد.

وبالرغم من أن التحقيق الإعدادي يمكن وصفه بمشروع محاكمة، إلا أن صفة ضابط سامي للشرطة القضائية الممنوحة لقاضي التحقيق تجعل من صلاحياته تتداخل مع صلاحيات النيابة العامة وباقي ضباط الشرطة القضائية.

وبالرجوع إلى المادة 16 من قانون المسطرة الجنائية الحالي نجدها تنص على ” يمارس مهام الشرطة القضائية القضاة والضباط والموظفون والأعوان المبينون في هذا القسم.

يسير وكيل الملك أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذه.

ومن خلال الفقرة الثانية من المادة 16 المومأ إليها أعلاه نجد المشرع المغربي أعطى الصلاحيات لوكيل الملك بتسيير أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذه، ليطرح السؤال نفسه، هل يسير وكيل الملك أعمال قاضي التحقيق بدائرة نفوذه، بوصفه ضابطا للشرطة القضائية؟ ليلتقي مع سؤال استقلالية الوظائف القضائية، وتعاونها والمراقبة المتبادلة فيما بينها.

الإشكال والتناقض لا يبدوا من خلال هذه المادة فحسب، بل إن المادة 17 من قانون المسطرة الجنائية الحالي الذي وضع الشرطة القضائية في دائرة كل محكمة استئناف تحت سلطة الوكيل العام للملك ومراقبة الغرفة الجنحية بها، فهل يخضع قضاة التحقيق لهذه السلطة؟

إذا استسغنا التسيير والمراقبة القضائية على أعمال ضباط الشرطة القضائية خارج السلك القضائي إن صح التعبير وكذا السلطة الممارسة عليهم تحصينا لحسن سير العدالة الجنائية، كيف لنا أن نقبل بهذه السلطة أو التسيير لأعمال قضاة التحقيق الذي يعتبر صمام أمان المحاكمة العادلة ومصفاة لكل الإجراءات السابقة، ألا يعتبر هذا الأمر نسف لمبدأ استقلالية الوظائف القضائية؟

 

وفي اعتقادنا المتواضع نرى أنه بقراءة  المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية والتمعن فيها والتي تنص على أنه ” تضم الشرطة القضائية بالإضافة إلى الوكيل العام للملك و وكيل الملك ونوابهما وقاضي التحقيق، بوصفهم ضباطا سامين للشرطة القضائية” أن المادة المومأ إليها ساوت بين كل من وكيل الملك وقاضي تحقيق من حيث الرتبة والدرجة وبالتالي لا مجال للقول بخضوع قاضي التحقيق لوكيل الملك عند مباشرة أعماله بصفته هذه. وتداركا أيضا لهذا التداخل حاولت المسودة وبمفهوم المخالفة إخراج قضاة التحقيق بوصفهم ضباط سامين للشرطة القضائية من تحت سلطة الوكيل العام للملك، وأدخلت تعديلا بموجب المادة 17-1 وجعلت الشرطة القضائية تعمل تحت سلطة النيابة العامة بصفة عامة وقضاة التحقيق ولم تعد تقتصر على سلطة الوكيل العام للملك، بل أدخلت في دائرة ممارسة هذه السلطة قاضي التحقيق أيضا.

 

خامسا: اتصال قاضي التحقيق بالقضية  موضوع التحقيق

 

تنص المادة 54 من قانون المسطرة الجنائية الحالي، ليس بمقدور قاضي التحقيق وجوبا أن يضع يده على قضية والتحقيق فيها، إلا إذا توفر شرطان: أولهما ملتمس من النيابة العامة وثانيهما بناء على شكاية مرفقة بتنصيب المشتكي طرفا مدنيا[7]، وهنا تظهر لنا الصلاحيات الكبيرة لجهاز النيابة العامة على حساب مؤسسة قاضي التحقيق، حيث يمكن للنيابة العامة أن تحيل القضية مباشرة على قضاء الحكم باستثناء القضايا التي يكون التحقيق فيها إلزام[8].

وبالعودة إلى مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص في مادتها 83 جاءت بمقتضيات جديدة وذهبت الى التنصيص على أن التحقيق يكون اختياريا في الجنايات، أما بالنسبة للجنح لا يكون التحقيق فيها إلا بنص خاص.

لكن وبموجب المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية الحالي[9]، فإن حضور قاضي التحقيق بمكان وقوع الجريمة المتلبس بها، فإنه يتولى أمر القيام بجميع أعمال الشرطة القضائية شخصيا، بعد أن تتخلى له النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية عن القضية بقوة القانون، وبعد الانتهاء من القيام بأعمال ضابط الشرطة القضائية، يرسل للنيابة العامة جميع وثائق التحقيق ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر.

من خلال هذه المقتضيات نجد أنفسنا أمام تناقض يصعب معه استيعاب ما إذا كان قاضي التحقيق يقوم بأعمال الشرطة القضائية بوصفه قاضيا للتحقيق أو ضابط للشرطة، ولم توضح المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية ما إذا كانت الوثائق التي يبعث بها قاضي التحقيق تشبه الوثائق التي يبعث بها ضباط الشرطة القضائية أم لا، وهنا يطرح التساؤل من جديد، عما إذا كانت الغاية من بعث تلك الوثائق هي بسط مراقبة النيابة العامة على أعمال الشرطة القضائية؟ ويقودنا هذا إلى طرح تساؤل أخر هل العمليات التي يباشرها قاضي التحقيق هي عمليات بحث؟ أم إجراءات تحقيق؟

هذا التناقض حاول تداركه المشرع من خلال الفقرة الأخيرة من المادة 75 من قانون المسطرة الجنائية الحالي حيث أقر أنه في حال حضور قاضي التحقيق والنيابة العامة بمكان ارتكاب الجريمة فإن لممثل النيابة العامة أن يلتمس مباشرة تحقيق قانوني يكلف بإجرائه قاضي التحقيق الحاضر، ولو أدى ذلك إلى خرق مقتضيات المادة 90 الآتية بعده.

كل هذه التساؤلات، وفي محاولة محتشمة إن أسعفنا القول، تداركتها مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية واستبدلت في الفقرة الثالثة من المادة 75 عبارة “وثائق تحقيق” بعبارة “وثائق بحث” لتعيدنا هذه المسودة من جديد لطرح التساؤلات التالية:

 

  • إذا كان مقصد المشرع من قيام قاضي التحقيق بمجرد أبحاث ليس لها أي صفة قضائية، فهل سيخضع قاضي التحقيق لمراقبة وتسيير أعماله هذه من طرف النيابة العامة؟
  • إذ تدارك المشرع ما وقع فيه من خلط في قانون المسطرة الجنائية الحالي واستدرك ولو عن طريق مفهوم المخالفة أن قاضي التحقيق غير خاضع لسلطة النيابة العامة، هل يكون قد وقع في التناقض عندما احتفظ بصلاحية قاضي التحقيق بوضع يده على القضية في حالة التلبس إذا ما حضر بمكان وقوعها واستبدل لفظ التحقيق بلفظ البحث؟
  • ما الغاية من إضافة هذه الأعباء إذا كان سيحيل الوثائق القضائية إلى النيابة العامة؟ وما العمل إذا ارتأت النيابة العامة وفق سلطتها التقديرية حفظ القضية وقررت عدم المتابعة؟ أو إحالة ملف القضية مباشرة على قضاء الحكم؟

 

سادسا: الاعتقال الاحتياطي وسؤال قرينة البراءة

 

نصت المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية على اعتبار البراءة هي الأصل إلى أن تثبت إدانة الشخص بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية. هذا المبدأ يكرس ما تضمنه الدستور من أن المملكة المغربية تتعهد بالتزام ما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبتها بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا.

 

والجدير بالذكر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 دجنبر 1948 كان قد نص على هذا المبدأ في مادته الحادية عشرة على ” كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه “، وأكدته المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

 

وبالتالي فافتراض براءة الشخص موضع الاتهام أو الاشتباه هو إحدى الضمانات التي يقوم عليها مفهوم المحاكمة العادلة، وعليه يحتل مبدأ قرينة البراءة مكانة هامة داخل أي قانون إجرائي، فهو  يشكل قطب الراحة على اعتبار أن فلسفة القوانين الإجرائية يجب أن تنبني على ركيزة وحيدة هي حماية الأبرياء من الناس الذين شاءت الأقدار أن تضعهم بين مخالب جهاز العدالة، الشيء الذي يقتضي براءة الشخص إلى أن يثبت العكس، و معاملة المواطنين على هذا الأساس خلال كافة مراحل الدعوى[10]،  وبالتالي فإن هذا الحق يعتبر هو الحصن الذي يحتمي به المواطنون ضد أي إجراء قد يمس بحريتهم.

 

هذا ما كرسته  ديباجة الدستور في فقرته الثالثة والتي نصت على : “وإدراكا منها لضرورة تقوية الدور الذي تضطلع به على الصعيد الدولي، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا”.

 

مما يجعلنا نتسأل عن ماذا جواز اتخاد بعض الاجراءات كالاعتقال الاحتياطي في مواجهة المتهم إذا اقتضت ضرورة التحقيق ذلك؟

فالإجابة أنه في هذه الحالة نكون أمام قرنتين متنازعتين، احدهما قرينة على براءة المتهم، والأخرى متعلقة بارتكابه للجريمة، وكلتهما تحمي مصلحة أساسية هي المجتمع، فالأولى تحمي الحرية الشخصية للمتهم، والثانية تحمي المصلحة العامة، يتعين التوفيق بينهما.

 

فاعتقال المتهم إجراء خطير يمس بالحرية الشخصية للمتهم وبمبدأ افتراض البراءة في المتهم، وعلى الرغم من ذلك قد تقتضيه مصلحة التحقيق، لأن ترك المتهم حر طليق قد يعطيه الفرصة للتأثير في الشهود واللعب بأدلة الاتهام، بل قد يمتد الأمر إلى هروبه من الحكم الصادر ضده.

لذلك وللتوفيق بين مصلحة المتهم ومصلحة المجتمع أجازت القوانين هذا التدبير وفق شروط وضمانات حتى يمكن إيجاد توازن بين الحرية الشخصية للمتهم ومصلحة المجتمع.

 

سابعا: علاقة الاعتقال الاحتياطي بظاهرة اكتظاظ السجون

 

أثار موضوع  الاعتقال الاحتياطي اهتمام العديد من المنظمات الحقوقية نظرا لما يعرفه هذا الاخير من ارتفاع متزايد، وجدلا كبيرا في الآونة الأخيرة بين أوساط القانونيين والحقوقيين، لاسيما وأن الاحصائيات الأخيرة[11] وصلت إلى %37.09 من مجموع الساكنة السجنية، وهو ما يساهم بشكل كبير في ظاهرة اكتظاظ السجون.

 

ومن ضمن مبررات الأخذ بتدبير الاعتقال الاحتياطي الضرورة الملحة للبحث والكشف عن الحقيقة، والمساعدة على استقرار النظام العام وقد يمتد الأمر أحيانا إلى حماية مرتكب الجريمة من أخطار انتقام الضحية أو من لهم صلة بالضحية،  ويرجع ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين بالمغرب الى جملة من الأسباب التي يمكن بسطها فيما يلي:

 

   المبالغة في اتخاذ قرار الاعتقال الاحتياطي وسوء تقدير ضرورته، حيث يلاحظ أن لقضاة النيابة العامة والتحقيق سلطة تقدير واسعة في تقرير الاعتقال الاحتياطي من عدمه، وهي سلطة وإن كانت مؤطرة بالقانون إلا أن هامش الحرية المتوفرة للقاضي في إطارها يظل كبيرا جدا.

  عدم تفعيل التدابير البديلة للاعتقال الاحتياطي.

  محدودية التدابير البديلة للاعتقال الاحتياطي التي يتم تطبيقها على أرض الواقع والتي تقتصر على بعض التدابير فقط كالكفالة والتقدم بصفة دورية أمام مصالح الشرطة القضائية وسحب جواز السفر، علما أن المادة 161 من قانون المسطرة الجنائية يتضمن 18 تدبير آخر للمراقبة القضائية.

 

ثامنا: طرق مراقبة الاعتقال الاحتياطي

 

وتتم هذه المراقبة من خلال:

أ- المراقبة القضائية:

أوجب المشرع على قاضي تطبيق العقوبات ووكيل الملك أو أحد نوابه تفقد أحوال السجناء مرة كل شهر على الأقل، وذلك من أجل التأكد من صحة الاعتقال وحسن مسك سجلاته[12].

كما خول لرئيس الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف أو من ينوب عنه زيارة المؤسسات السجنية التابعة لنفوذ محكمة الاستئناف مرة كل ثلاثة أشهر على الأقل، ويتحقق من حالات المتهمين الموجودين في حالة اعتقال احتياطي[13].

كما ألزمه المشرع قاضي الأحداث بتفقد الأحداث المعتقلين وكذا الأحداث المودعين بالمراكز والمؤسسات المشار إليها في المادتين 471 و 481 من هذا القانون مرة كل شهر على الأقل[14].

نستشيف مما سبق أن المشرع عمد إلى تدعيم ضمانات الدفاع وصيانة كرامة المعتقل واستمرار الحماية القانونية والقضائية له.

ب-المراقبة الإدارية للاعتقال الاحتياطي:

خول المشرع الإجرائي المغربي حق ممارسة هذه المراقبة إلى مجموعة من الجهات الإدارية والقضائية ومن ممثلي المجتمع المدني والمتهمين بشؤون التأهيل المهني والصحي ثم الثقافي للمعتقلين. ولها أن ترفع لوزير العدل والحريات الملاحظات والانتقادات. التي ترى أنه من الواجب إبداؤها، وذلك من أجل احترام القانون وتكريس الضمانات الممنوحة للمعتقلين الاحتياطيين. وعلى رأس هذه الأجهزة  نجد مدير المؤسسة والذي يعتبر مسؤولا عن قانونية الاعتقال.

كما يجب عليه تبعا لذلك إشعار السلطات القضائية المختصة وإدارة السجون بالوضعية الجنائية لكل معتقل تبدو له أنها غير قانونية[15].  يتأكد من كون الاعتقال مستوفي لشروطه الشكلية المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية ومدى تطبيق مقتضيات القانون رقم 23.98[16]  سيما في شقه الخاص بالمعتقلين الاحتياطيين .

نشير إلى أن مدير المؤسسة ملزم بالسهر على تسيير وتنسيق جميع أنشطة المؤسسة السجنية، وعن الأمن والنظام والانضباط داخل المؤسسة[17].

 

تاسعا: كيفيات انتهاء الاعتقال الاحتياطي

 

يوضع حد الاعتقال عن طريق تمتيع الخاضع له بالإفراج أو السراح المؤقت بقوة القانون، أو بمبادرة من قاضي التحقيق، أو بطلب من النيابة العامة أو من المتهم أو من بعض الجهات التي حددها القانون[18].

  • الافراج المؤقت بقوة القانون

يفرج عن المتهم بقوة القانون عند انتهاء مدة الاعتقال الاحتياطي، انتهاء فترة التمديد دون اتخاد أي إجراء من إجراءات التحقيق[19]. كذلك عن إصدار قاضي التحقيق لقرار عدم المتابعة في حق المتهم عملا بالمادة 216 من ق.م.ج إذا تبين له أن الأفعال المتابع عنها تشكل مخالفة فقط طبقا للمادة 217 من ق.م.ج

ويتحقق الافراج كذلك عن المتهم إذا لم ويتم استنطاقه من طرف قاضي التحقيق أو من يقوم مقامه بعد إلقاء القبض عليه أو الأمر بإحضاره[20]. أو إذا لم تبث الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف في طلبات الإفراج المقدمة إليه داخل أجل أقصاه 15 يوما.

  • الافراج المؤقت بمبادرة من قاضي التحقيق

خولت المادة 178 من قانون المسطرة الجنائية لقاضي التحقيق، إمكانية الأمر بالإفراج المؤقت عن المتهم، وذلك مع التقيد بالشروط الأتية:

  • يجب ألا يكون الإفراج مقررا بقوة القانون.
  • يجب استشارة النيابة العامة.
  • يجب أن يتعهد المتهم بالحضور لجميع إجراءات الدعوى، كلما دعي إلى ذلك، وعليه أن يخبر قاضي التحقيق بكافة تنقلاته أو إقامته في مكان معين.

ويمكن تعليق الإفراج، على شرط إدلاء المعني بالأمر، بشهادة من مؤسسة عمومية أو خاصة للصحة أو التعليم، تؤكد تكفلها بالمتهم أثناء هذا الإفراج، كما يمكن أن يكون الإفراج مرفوقا بالوضع تحت المراقبة القضائية.

وأيضا يمكن أن يتوقف هذا الإفراج على وجوب تقديم كفالة مالية أو شخصية[21].

  • الافراج المؤقت بطلب من النيابة العامة

وذلك في أي مرحلة من مراحل المسطرة من خلال ملتمس تقدمه إلى قاضي التحقيق الذي يتعين عليه أن يبث فيه خلال أجل خمسة أيام من تاريخ تقديمه إليه[22].

  • الافراج المؤقت بطلب من المتهم

يتعين على قاضي التحقيق أن يبث في هذا الطلب بعد إعلام النيابة العامة لتقديم ملتمساتها. وذلك بأمر قضائي يصدره خلال خمسة أيام من تاريخ وضع الملف. مع إشعار المطالب بالحق المدني إن كان في أجل 48 ساعة. ويمكن للمتهم أن يجدد طلبه بعد الرفض وإلى غاية انتهاء القضية بصدور حكم نهائي.

ويمكن للمتهم في حالة عدم بث قاضي التحقيق في الطلب داخل الأجل المذكور أن يرفع الطلب مباشرة إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي تبث فيه داخل أجل أقصاه 15 يوما، وإذا لم تحسم في الطلب داخل الأجل المحدد وجب الإفراج عن المتهم بقوة القانون مالم تكن هناك ضرورة للقيام بإجراء إضافي للتحقيق. وتختص هيئة الحكم بالبث  في طلب الإفراج المؤقت إذا ما تمت إحالة القضية عليها،  ولا يقبل الأمر الصادر عن غرفة الجنايات أو الغرفة الجنحية في هذا الشأن أي طعن، أما إذا تم الطعن بالنقض ولم يفصل فيه بعد، فإن آخر محكمة نظرت في الموضوع تكون مختصة في طلب الإفراج المِؤقت ولا يقبل أي طعن[23].

وتطبق نفس الإجراءات إذا تعلق الأمر بصدور قرار بعدم الاختصاص، ولم يتم إحالة القضية على المحكمة المختصة، فإنه يعود لآخر محكمة نظرت في القضية النظر في الإفراج المؤقت، ولا يقبل قرارها أي طعن.

ووفقا للمادة 181 من ق.م.ج، فإن المقررات الصادرة عن المحكمة الابتدائية والمقررة لمنح الافراج المؤقت، تقبل الطعن بالاستئناف لغاية نهاية اليوم الموالي لصدورها، أمام غرفة الجنح الاستئنافية، مع استمرار اعتقال المتهم احتياطيا خلال أجل الاستئناف المخول للنيابة العامة سواء استعملت هذا الحق أو لم تستعمله في قضايا الجنح التي لها مساس بمقدسات البلاد أو بالإتجار غير المشروع في المخدرات، غير أنه يمكن أن يفرج عن المتهم حالا إذا وافق وكيل الملك على ذلك. ويبقى المتهم في حالة الاعتقال الاحتياطي إلى حين البث في الاستئناف بخصوص قرار الافراج المؤقت المقدم من طرف النيابة العامة.

وفي حالة تقديم الطعن بالاستئناف سواء من طرف المتهم أو وكيل الملك، يتعين تهيئ الملف المتعلق  بالقضية وتوجيهه إلى وكيل العام للملك داخل أجل الأربع وعشرون ساعة الموالية لإيداع طلب الاستئناف. ولا يترتب على هذا الاستئناف أي أثر موقف لسير الدعوى، بحيث تتابع المحكمة مناقشة جوهر القضية، ويتعين على غرفة الجنح الاستئنافية البث في الطعن ضد القرار المانح للإفراج المؤقت خلال عشرة أيام من يوم طلب الاستئناف بدون حاجة لحضور المتهم.

وتختص هيئة  التحقيق أو الحكم التي اتخذت قرار الافراج المؤقت غير المقرون بالوضع تحت المراقبة القضائية في تقرير إغلاق الحدود في حق المتهم، وسحب جواز السفر منه، أو أن تعين له محل إقامة إذا رأت ذلك ضروريا، ويحضر عليه مغادرته دون رخصة، غير أنه يتعين حجز جواز السفر وإغلاق الحدود إذا تعلق الأمر بمتهم أجنبي، وذلك قبل اتخاد أمر بعدم المتابعة أو صدور حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به في حالة تعيين محل للإقامة الاجبارية بالنسبة إليه.

هذا وإذا استفاد المتهم من الإفراج المؤقت وتم استدعاؤه للحضور ولم يحضر أو طرأت ظروف جديدة وخطيرة، فإنه يجوز لقاضي التحقيق أو هيئة الحكم المعروضة عليها القضية، أن تصدر أمرا قضائيا بشأنه قبل الحكم في الجوهر يقضي بإلغاء الإفراج المؤقت وإعادة اعتقال المتهم.

وبالرجوع إلى مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية نجد أنها أبقت على هذه الشروط ولم تأتي بأي جديد بهذا الخصوص.

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة

 

على ضوء ما سبق تبقى الغاية والهدف من الاعتقال الاحتياطي هي الحفاظ على الأمن الاجتماعي ومكافحة الجريمة في أخر المطاف، لكن هذا التدبير وإن كان استثنائيا تترتب عنه عدة آثار سلبية وخطيرة، على جميع المستويات وما إلى ذلك من الآثار، وهو ما يعرضه لانتقادات من مختلف المهتمين بالساحة القانونية.

ونختم هذه الدراسة ببعض الاقتراحات المتواضعة نرى أنها ستساهم لا محالة في التخفيف من حدة الاعتقال الاحتياطي :

 

  • ترسيخ مبدأ ” الاعتقال الاحتياطي” كتدبير “استثنائي” والتحسيس على أهمية التعامل مع تطبيق هذا التدبير على أنه استثناء لا يتم اللجوء إليه إلا في حالة غياب أي خيار أخر يكون بديلا عن الاعتقال.
  • الأخذ بعين الاعتبار الظروف الانسانية عند اللجوء إلى اتخاد قرار الاعتقال .
  • تغيير الثقافات السائدة في المجتمع والتي تنظر إلى العقوبة وبشكل أخص للاعتقال على أنه عنوان العدالة .
  • الانفتاح والتشجيع على الوساطة الجنائية بالنظر لما توفيره من تقريب لوجهات النظر طرفي الخصومة الجنائية في القضايا التي لا تشكل خطرا على النظام العام لمجابهة الكم الهائل للقضايا الزجرية البسيطة المعروضة على أنظار المحاكم و الحد من ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي.
  • تفعيل بدائل الاعتقال الاحتياطي وتشجيع الأطراف على الصلح، مع توسيع وعاء الجرائم التي تقبل الصلح .
  • سن عقوبات بديلة جديدة للعقوبات السالبة للحرية من طرف المشرع، من شأنها المساهمة في التخفيف من ارتفاع نسبة المعتقلين في المؤسسات السجنية ( العمل من أجل المنفعة العامة، الغرامة المالية، الحرمان من بعض الحقوق…).

 

 

 

 

 

 

انتهى بعون الله

 

[1] – الظهير الشريف عدد 1.11.91 الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011 بتنفيذ نص الدستور، نشر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 30 يوليوز 2011.

[2] – عبد الواحد العلمي ” شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية”، الجزء الثاني، الطبعة السادسة 2018، ص: 96.

[3] – لطيفة الداودي ” دراسة في قانون المسطرة الجنائية المغربية وفق آخر التعديلات “،  المطبعة الوراقة الوطنية، الطبعة السابعة 2018، ص: 283.

[4] – الحبيب بيهي ” شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد ” ، الجزء الأول، دار النشر المغربية الرباط ، الطبعة الثانية 2006، ص: 201.

[5] – المادة 53 من ق.م.ج.

[6] – ويتعلق الأمر هنا بالقانون 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والقانون 106.13 المتعلق  بالنظام الأساسي للقضاة.

[7] – هذا التوجه هو نفسه الذي احتفظت به مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية التي لم تأتي بأي جديد في هذا الشأن.

[8] – المادة 83 من ق.م.ج

[9] – تنص المادة 75 من ق.م.ج على أنه ” إذا حضر قاضي التحقيق بمكان وقوع الجناية أو الجنحة المتلبس بها،

فإن الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وضباط الشرطة القضائية يتخلون له عن القضية بقوة القانون.

يقوم قاضي التحقيق في هذه الحالة بجميع أعمال ضباط الشرطة القضائية المنصوص عليها في هذا الباب. وله أن يأمر أيا من ضباط

الشرطة القضائية بمتابعة العمليات.

يرسل قاضي التحقيق إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الملك بمجرد انتهاء تلك العمليات جميع وثائق التحقيق ليقرر بشأنها ما يقتضيه الأمر.

وإذا حل بالمكان الوكيل العام للملك أو وكيل الملك وقاضي التحقيق في آن واحد، فلممثل النيابة العامة أن يلتمس مباشرة تحقيق قانوني يكلف

بإجرائه قاضي التحقيق الحاضر، ولو أدى ذلك إلى خرق مقتضيات المادة

90 الآتية بعده.

[10] – يوسف بن إبراهيم الحصين ” مبدأ الأصل في المتهم البراءة بين الشريعة و القانون”، بحث مقدم استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماستر في العدالة الجنائية، جامعة نايف العربية ص:116.

[11] – المنشورة على الموقع الرسمي لرئاسة النيابة العامة، يونيو 2017.

[12] – المادة 616 من ق.م.ج

[13] – المادة 249 من ق.م.ج

[14] – المادة 473 من ق.م.ج

[15] – المادة 21 من القانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.

[16] – الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.99.200 صادر في 13 جمادى الأولى 1420(15 غشت 1999)، الجريدة الرسمية عدد 4726 بتاريخ 199/09/16 الصفحة 2283.

[17] – المادة الأولى من مرسوم رقم 2.00.485 صادر في 6 شعبان 1421 (3 نونبر 2000)، تحدد بموجبه كيفية تطبيق القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، الجريدة الرسمية عدد 4848 بتاريخ 20/11/16 الصفحة 3029.

[18] – إدريس الحياني/ عمر أنجوم “محاضرات في قانون المسطرة الجنائية المغربي”، مكتبة قرطبة – حي السلام- أكادير، الطبعة 2018، ص 152.

[19] – المواد 176 و 177 من ق.م.ج

[20] – المادتان 156  و 147 من ق.م.ج

[21] –  الحبيب بيهي، مرجع سابق، ص: 203.

[22] – الفقرة الأخيرة من المادة 178 من ق.م.ج

[23] – إدريس الحياني/ عمر أنجوم، مرجع سابق، ص:154.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى