النظام القانوني لحقوق الملكية الصناعية على ضوء التشريع المغربي والاتفاقيات الدولية
النظام القانوني لحقوق الملكية الصناعية على ضوء التشريع المغربي والاتفاقيات الدولية
من إنجاز الطالب سهيل كعباش KAABACH SOUHAIL
طالب باحث بسلك ماستر المهن القانونية والقضائية
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
ــ طنجة ــ
مقدمة
لا يخفى عن أحد اليوم الدور الهام الذي تلعبه الملكية الفكرية سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، من خلال حماية الحقوق الذهنية والحفاظ عليها والتي بدورها تنقسم إلى صنفين من الحقوق، حقوق أدبية وأخرى فنية صناعية، وبذلك كانت البوادر الأولى للملكية الصناعية في مرحلة العصور الوسطى وبادئ الأمر في القرن الخامس عشر حيث برزت حقوق متعلقة بحماية المخترعات في ظل قانون البندقية الصادر سنة 1474، إذ مع تظافر الجهود المبذولة ظهرت أنظمة قانونية خاصة تنظيم الملكية الصناعية الشيء الذي لم يأتي في فترة معينة وإنما نتيجة لتراكم سلسلة من الأحداث الزمنية.
وحقيقة الأمر مع ارتقاء المجتمعات ووعيها بأهمية الحقوق الذهنية وارتفاع الطلب على الحاجة، فتحت نافذة الإبداع الصناعي والتجاري، لأنه كما يقال؛ فالحاجة أم الاختراع، بالتالي كانت فرصة ملاءمة للتحفيز على الإبداع والابتكار بشتى أصنافه.
وبغية النهوض بحقوق الملكية الصناعية فقد أكدت المنظمة العالمية للملكية الفكرية على الدول الأعضاء بضرورة سن قوانين داخلية خاصة كفيلة للإبداع الوطني، فمن هنا بادر المشرع المغربي إلى إصدار مجموعة من التشريعات بداية بقانون 1916 وصولا بترسانته القانونية عند قانون 97ـ17 المتعلق بحماية الملكية الصناعية المعمول به حاليا.
كما لا يخفى عنا في هذه المقاربة الأهمية التي يكتسيها موضوعنا هذا من خلال الانفتاح على العالم التكنولوجي وما يساهم فيه هذا الأخير في دفع حركية الاقتصاد الوطني والتنافس التجاري المشروع، فضلا عن الدعامة الإبداعية، لأن الملكية الصناعية هي كانت ولازالت تشكل محطة نقاش العديد من الفقه والباحثين في المجال الصناعي وذلك هو ما سنقف عنه في تحليلنا.
وبناء على كل ما سبق فإن موضوعنا هذا يثير إشكالية محورية يمكن الإفصاح عنها كالآتي:
ما مدى فعالية التوجه التشريعي الذي نهجه المشرع لحماية الملكية الصناعة سيرا على ضوء الاتفاقيات الدولية؟ وما هي أهم المحطات التاريخية التي قطعها نظام الملكية الصناعية إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم؟
ولا يسعنا في الأخير بعد أن برزنا الإشكالية إلا أن نطرح تشكيلة دراستنا أو تناولنا لهذا الموضوع، وذلك ما قاربناه وفق خطة ثنائية كما يلي:
المبحث الأول: التطور التاريخي لحقوق الملكية الصناعية في التشريع الدولي
المبحث الثاني: التطور التشريعي للملكية الصناعية في القانون المغربي والتشريع المقارن
المبحث الأول: التطور التاريخي لحقوق الملكية الصناعية في التشريع الدولي
رغبة من الفاعلين الاقتصاديين في ضمان الحقوق المرتبطة بالملكية الصناعية على الصعيد الدولي انضم المغرب بسيادته إلى عدة اتفاقيات ومعاهدات دولية كاتفاقية باريس المبرمة سنة بتاريخ 20 مارس 1883[1]، ومعاهدة لاهاي بشأن الإيداع الدولي للمنتوجات الصناعية لسنة 1925[2]، فضلا عن اتفاقية برن لسنة [3]1883، والاتفاقية الموقعة بمراكش لسنة 1994[4].
ومن خلال ما تقدم سنحاول أن نقسم هذا المبحث إلى مطلبين، نعالج في الأول التطور التشريعي لحقوق الملكية الصناعية على ضوء الاتفاقيات الدولية العامة، على أساس أن نتناول في المطلب الثاني التطور التشريعي في إطار الاتفاقيات الخاصة.
المطلب الأول: التطور التاريخي للملكية الصناعية في ضوء الاتفاقيات الخاصة
تتجلى الحماية القانونية للملكية الصناعية على المستوى الدولي في اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية (الفقرة الاولى)، و الاتفاقية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: اتفاقية باريس
على إثر انعقاد مؤتمر باريس الدولي سنة 1878 تمخضت عنه الدعوة إلى عقد مؤتمر ديبلوماسي لتحديد الإطار التشريعي للملكية الصناعية، حيث قامت الحكومة الفرنسية سنة 1880 بتحضير مسودة وأرسلت الدعوة لكل الدول لحضور المناقشة وبعد ثلاث سنوات من هذا الموعد وتحديدا في انعقاد مؤتمر باريس بتاريخ 20 مارس 1883 الذي حضره 11 دولة[5] تمت المصادقة على اتفاقية باريس بصيغتها النهائية وأخرجت إلى حيز النفاذ وبدأ سريانها بداية من 7 نونبر 1884.
فقد شكلت هذه الاتفاقية العمود الفقري لحماية الملكية الصناعية على المستوى الدولي وقد عدلت عدة مرات[6] وانضم إليها المغرب بتاريخ 30 يونيو 1917[7]، علاوة على تطبيقها على أوسع نطاق للملكية الصناعية إذ تشمل العلامات والأسماء التجارية ولا سيما حتى حفظ البيانات فهي تساهم في تعزيز التعاون الدولي في مجال الملكية الصناعية عن طريق توفير حماية أكثر ملاءمة وفعالية هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، تحمي مصلحة المبدع أو المخترع من كل أنواع الاحتكارات والمنافسات غير المشروعة التي من شأنها أن تضلل الحقائق وتعكسها.
وتعد المبادئ الأساسية التي أوردتها اتفاقية باريس بمثابة دستور دولي لحماية الملكية الصناعية الذي يسموا على قوانين الدول الأطراف في الاتفاقية.
ولعل المبادئ التي جاءت بها تتمثل فيما يلي:
- مبدأ المعاملة الوطنية: ويقصد به تمتع كل رعايا دول الأعضاء بالاتحاد بنفس الحماية القانونية ونفس المزايا التي تمنحها الاتفاقية دون الاخلال بالحقوق المنصوص عليها في نفس الاتفاقية[8]
- مبدأ الحق في الأولوية: وقد أخذ به المشرع المغربي عندما قرر في المادة السادسة من قانون97ـ17 المعدل والمتمم بقانون 13ـ23 على أن كل شخص مبتكر أو مبدع يستفيد من الإيداع بحق الاولوية خلال الآجال المنصوص عليه في المادة السابعة من القانون المومأ إليه.
- مبدأ الاستقلالية: مفاد هذا المبدأ أن شهادات التسجيل الممنوعة للمودعين على المستوى الوطني تستقل بها الدولة بغض النظر عن باقي الدول الأطراف في الاتفاقية
- مبدأ التعارض: بحسب المادة 15 من اتفاقية باريس فإنه يجوز لكل من الدول الأعضاء أن يبرموا اتفاقات خاصة شريطة عدم تعارضها مع المبادئ العامة للاتفاقية، والحكمة من ذلك هي زيادة التعاون بين الدول الأعضاء نحو توفير حماية ناجعة من الناحية التشريعية.
الفقرة الثانية: الاتفاقية المتعلقة بالجوانب المتصلة بالتجارة
تعتبر هذه الاتفاقية هي التي أسفرت عنها جولة أورغواي للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف[9]، علاوة عن كون هذه الاتفاقية تتألف من 73 مادة تستهدف تحرير التجارة العالمية مع الأخذ بضرورة التشجيع على الحماية الكفيلة والأكثر ملاءمة للحقوق الصناعية، وضمان أن لا تكون تلك الإجراءات والتدابير عائقا أمام التجارة الدولية في آن واحد.[10]
وقد أرست هذه الاتفاقية بمبدأين أساسين في مجال الملكية الفكرية، وهما مبدأ المعاملة الوطنية ومبدأ الدولة الأولى بالرعاية.
- مبدأ المعاملة الوطنية: ونصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثالثة حيث منحت لكل مواطني دول الأعضاء معاملة لا تقل عن تلك التي يتمتع بها مواطني بلدان الدول الأطراف في الاتفاقية، أو بعبارة أكثر وضوحا فإنه على كل الدول المنضمة إلى الاتفاقية أن تمنح مواطنوها حقوق وحماية مشابهة لتلك التي يتمتع بها باقي المبدعين في البلدان الأخرى.[11]
- مبدأ الدولة الأولى بالرعاية: ويعني ذلك هو منح كافة المنتمين إلى الدول المنضمة للاتفاقية فورا وبدون شرط أية مزايا أو حصانات أو معاملة تفضيلية للمنتمين إلى دول أخرى بخصوص حماية الملكية الفكرية[12]
ومن بين ما نصت عليه اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة هو اتخاذ مجموعة من الإجراءات الواجب اتباعها لتوفير الحماية المطلوبة من قبيل التزام الدول الأعضاء بتنزيل مبادئ الاتفاقية على مستوى تشريعاتها الداخلية، ولا يخفى عنا إقرارها لإمكانية رفع دعوى قضائية (المادة41) وكذا المادة 44 التي تلزم الدول بمنح استقلالية للقضاء أثناء النظر في النزاعات الرهينة بالملكية الفكرية عامة والصناعية على وجه الخصوص.
المطلب الثاني: الاتفاقيات الخاصة
تتمحور أهم الاتفاقات الخاصة بالملكية الصناعية في كل من اتفاقية لاهاي بشأن الإيداع الدولي (الفقرة الأولى)، ثم اتفاقية لوكارنو للتصنيف الدولي (الفقرة الثانية)، سيما وأن نقف في الأخير على اتفاقية برن المتعلقة بحماية المصنفات الأدبية والفنية (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: اتفاقية لاهاي بشأن الإيداع الدولي
تم توقيع اتفاقية لاهاي المتعلقة بالإيداع الدولي للنماذج الصناعية في 6 نونبر 1925 ودخلت حيز التطبيق في سنة 1928، كما عدلت هذه الأخيرة عدة مرات، فأولها كان في لندن سنة 1934، تم كان آخر تعديل للوثيقة التكميلية في سنة [13]1979.
وجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية أتت لحماية حقوق المودع للعلامة أو النموذج الصناعي في كل البلدان اتحاد لاهاي الذي أحدث سنة 1970، وله جمعيات فرعية في مقر الدول الأعضاء هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فإن الاتحاد تدخل لتحديد مجموعة من الشروط الضرورية لقبول الإيداع الدولي والتي تخلف أثرا وذلك كما يلي:
- شروط الإيداع
لأجل قبول الإيداع يجب أن تتوفر مجموعة البيانات:
ـ اسم المودع إذا كان شخصا طبيعيا، وإن كان شخص معنوي فيجب تقديم الاسم الواجب بيانه
ـ عنوان المودع
ـ اسم وعنوان الوكيل في حالة وجوده
ـ إيداع نسختين من النموذج المراد تسجيله
ـ أداء رسوم التسجيل المستحقة
وبمجرد تسجيل الحق يترتب عنه ما يلي:
ـ اعتبار التسجيل قرينة على ملكية الرسم الصناعي في جميع الدول وينتج عنه حماية دولية
ـ سريان مدة الحماية من تاريخ الإيداع لدى المكتب الدولي للمنظمة الفكرية
ـ ويسري أثر الايداع الدولي على كل الدول المتعاقدة ما لم يقضي نص خاص بخلاف ذلك
الفقرة الثانية: اتفاقية لوكارنو بشأن التصنيف الدولي للنماذج الصناعية
تعتبر اتفاقية لوكارنو بشأن التصنيف الدولي للرسوم والنماذج الصناعية المصادق عليها في أعقاب المؤتمر الديبلوماسي المنعقد بتاريخ 8 أكتوبر 1968، والمعدلة سنة 1979 اتفاقية خاصة بمفهوم اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية كما اطلق عليها بعض الباحثين.[14]
وقد نصت على إنشاء اتحاد عام وإحداث فروع له في كل البلدان التي هي طرف فيها كما أن مسألة الانضمام إلى الاتحاد متاح لكل الدول الأطراف في اتفاقية باريس شريطة وضع طلب الانضمام لدى المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، وتتكون هيكلتها من 32 قسما و 223 قسم فرعي وتشمل أيضا على قائمة أبجدية للمنتوجات المشمولة بالحماية التي من بينها النماذج الصناعية علاوة على اعتبار عناوين الأقسام الفرعية تبيان وتوضيح للمنتوجات المشمولة بالحماية، ولكل قسم رئيسي أقسام فرعية فمثلا إذا كان القسم الرئيسي له رمز 1 فإن القسم الفرعي سيكون رمزه هو 1ــ1 .
الفقرة الثالثة: اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية
أبرمت اتفاقية برن في 9 شتنبر 1886 ونفذت سنة 1887 إذ خضعت لتعديلات عدة من بينها في باريس سنة 1886، وبرلين 1908، ثم برن 1914، وروما 1928، وبروكسيل في سنة 1948، وإستكهولم في 1967، ليكون التعديلين الأخيرين في باريس في كل من سنتي 1971و1974، وجدير بالملاحظة هنا أن الاتفاقية لم تكن باستطاعتها الفصل بين الأعمال الفنية المحضة من جهة، والنماذج الصناعية من جهة أخرى.
وشملت الاتفاقية على مجموعة من الأحكام المتعلقة بالدرجة الأولى بالحد الأدنى للحماية الواجب منحها للمبدع، كما وضعت أيضا مبادئ أساسية تميزها على غرار غيرها من الاتفاقيات التي سبق وأن أشرنا إليها لذا فإننا سنقتصر على ذكر المبادئ الثلاث فقط وهما مبدأ المعاملة الوطنية، ومبدأ استقلالية الحماية، ثم مبدأ الحماية التلقائية[15].
وقياسا على ما سبق فإن المشرع المغربي سار على منوال نهج الاتفاقيات الدواية مما يمكن استخلاصه من المادة الثانية من قانون 00ـ2 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة المعدل بموجب قانون 12ـ79 “إن هذا القانون يسري على المصنفات الأدبية والفنية” ونص أيضا في نفس السياق قانون 97ـ17 على أن لكل نموذج صناعي حماية قانونية ويخول القانون صراحة لصاحب النموذج الاستئثار من حقوق ابداعه.
المبحث الثاني: التطور التشريعي للملكية الصناعية في القانون المغربي والتشريع المقارن
تلعب التشريعات الوطنية والمقارنة دورا فعالا في تكريس حماية للملكية الصناعية لما لها من ارتباط وثيق بتعزيز آفاق الاقتصاد الوطني إذ أن هذه التشريعات اعتبرت بمثابة المحرك المنظم للعلاقات بين الأفراد كما ساهمت في نفس الوقت في حماية حقوق الابداع والابتكار الصناعي مما ينعكس ايجابا على دفع عجلة التنمية الاقتصادية للبلاد، فضلا عن تطوير الأفكار وتحفيز الإبداع والنهوض بالقطاع التكنولوجي وتشجيع الاستثمار الداخلي منه والخارجي[16].
وعليه فإننا سنحاول في هذا المبحث استعراض أهم التشريعات الوطنية التي نظمت أحكام الملكية الصناعية وأولتها بعنايتها، على أساس أن نتطرق في المطلب الأول إلى التشريع المغربي، في حين سنخصص المطلب الثاني لبعض التشريعات المقارنة.
المطلب الأول: تطور الملكية الصناعية في القانون المغربي
لم يعرف القانون المغربي ذلك المخاض الطويل الذي عرفه القانون الفرنسي الذي سنأتي على ذكره، لتبلور قانون واضح للملكية الصناعية، وذلك راجع لاختلاف الظروف فمن الناحية الاقتصادية، المغرب لم يعش حقيقة الثورة الصناعية، ومن الناحية القانونية، كون المغرب كان يأخذ بنظام الفقه الإسلامي قبل دخول الحماية الذي لم يعرف نظاما للملكية الصناعية لسبب بسيط وهو أن الأمر يتعلق هنا بقانون حديث يمس بمجال حديث صادف ظهوره فترة ركود وتخلف في العالم الإسلامي.[17]
ومن هنا فإن قوانين الملكية الصناعية التي عرفها المغرب إنما ظهرت مع فرض الحماية الأجنبية عليه، لا سيما وأنه كان منتعشا بالصناعة اليدوية التي عرفتها بعض مدن المملكة مما كانت تغني تراث البلاد، الشيء الذي اتجه نحو منحى آخر حددته الظرفية المزرية التي مر منها المغرب، بالتالي فسنميز هنا بين مرحلتين أساسيتين.
الفقرة الأولى: مرحلة ما قبل صدور قانون 97ـ17
إن ما ميز هذه المرحلة هو صدور قانون الالتزامات والعقود المغربي في 12 غشت 1913 الذي كان أول قانون يكرس حماية قانونية للملكية الصناعية إذ نجد الفصل 84 منه يقضي بإعطاء الحق لصاحب الرسم الصناعي برفع دعوى مدنية ضد كل مزور أو مقلد للحق المحمي، كما قد يصل الأمر إلى المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت صاحب الحق جراء الاعتداء.[18]
فيما تدخل المشرع المغربي بموجب أول قانون منظم للملكية الصناعية في 23 يونيو 1916 المتعلق بالمحافظة على حقوق الملكية المتعلقة بالمصانع (كان يطلق عليه اسم ظهير)، الذي اقتبس من القانون الفرنسي لسنة 1857، مع مراعاة بعض التعديلات البسيطة التي تناسب المغرب لأن هذا القانون وضع من طرف المستعمر الفرنسي وكان من شأنه توفير نفس الحماية الفرنسية في منطقة المغرب ليضمن حقوق المعمرين الاجانب ومصالحهم.
مما لا ريب في هذا القانون أنه وضع بطبيعة الحال ليعمل في إطار منطقة الحماية الفرنسية فقط دون غيرها، وقد ظل العمل به إلى بعد حصول المغرب على استقلاله، أو بعبارة أخرى إلى أن أجرى نسخة بدخول القانون الجديد للملكية الصناعية حيز التنفيذ بتاريخ 18 دجنبر 2004.[19]
ومن مميزات هذا القانون أنه نظم جميع جوانب الملكية الصناعية التي كانت معروفة في تلك الفترة مخصصا لكل حق باب وهو ما كان يتوافق مضمونا مع القانون الفرنسي مع بعض الاختلافات الشكلية البسيطة ومراعاة بعض الخصوصيات.
وقد خضع (قانون 1916) لعدة تعديلات نجد أولها في 12 غشت 1918 عندما صدر القرار الوزيري المتعلق بالحماية المؤقتة للاختراعات المقدمة لأول مرة في المعارض، الذي ألغي لاحقا بظهير 1 أكتوبر 1920[20]، ثم صدر ظهير 7 أكتوبر 1918 بشأن توقيف العمل بمقتضيات ظهير 1916 لتزامنه مع التدابير المتخذة للحرب العالمية الأولى.
ونفس الشيء تقرر بالنسبة للحرب العالمية الثانية عندما صدر ظهير 14 مارس 1940[21] القاضي بتخويل حق تملك كل الاختراعات أو التصرف فيها على سبيل الكلفة في كل الأقاليم المغربية.
ومباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال فإن ما كان ينبغي النظر فيه هو الترسانة التشريعية وذلك هو ما أتقن فعله المشرع المغربي حيث عمل على إصدار ظهير 31 ماي 1958 لتمديد العمل بمقتضيات ظهير 1916 المشار إليه أعلاه على كافة تراب المملكة، باستثناء منطقة طنجة[22] التي لها قانون خاص ينظمها على اعتبارها منطقة دولية.
فيما صدر بعد اثنا عشرة سنة من الاستقلال وتحديدا في سنة 1970 الظهير الشريف رقم 135ـ97ـ1 بتاريخ 29 يوليوز 1970، بشأن الملكية الأدبية والفنية الذي يسمح بحماية النماذج الصناعية متى كانت تتوفر فيها شروط الحماية المطلوبة.
الفقرة الثانية: مرحلة ما بعد صدور قانون 97ـ17
لمواكبة التطورات والمتغيرات التي عرفها المجتمع الدولي في ميدان الملكية الصناعية، وفي إطار استكمال ونهج الترسانة التشريعية المتكاملة والفعالة التي كانت متسمة بالقصور والغموض نوعا ما في هذه الحقوق، فقد آن الأوان ليتدخل المشرع المغربي لمسايرة المتطلبات الجديدة سواء في مجال الصناعة والأعمال أو بالأحرى في المجال التكنولوجي.
ولعل ما ميز هذه الحقبة الزمنية هو صدور العديد من القوانين المتتالية من قبيل مدونة التأمينات، وكل من قانوني شركة المساهمة، والقانون المنظم لباقي الشركات، علاوة على مدونة الضرائب، وقانون إحداث المحاكم التجارية ، فكل هذه التشريعات شكلت حدثا زمنيا لاستدراك النواقص في التشريعات الداخلية من جهة، وترسيخ مبادئ الملكية الصناعية ونجاعتها من جهة ثانية.
وصدر في سنة 2000 الظهير الشريف رقم 19ـ00ـ1 القاضي بتنفيذ القانون رقم 97ـ17 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، الذي بدوره يتكون من 239 مادة موزعة على تسعة أبواب، حيث تضمنت مقتضياته مختلف جوانب الملكية الصناعية من نطاق للتطبيق، وشروط للحماية، كذا تحديد طرق استغلال الإبداع والبراءة سيما وأن أحكامه شملت حتما حتى مقتضيات تخص التقاضي وتحديد على من يقع عبء الإثبات، وفي الأخير بعض الاحكام الانتقالية الختامية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن قانون 97ـ17 جاء مراعيا لخصوصية الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المغربي الذي يعود له الفضل في وضع الحد للازدواجية التي كانت تعرف في ميدان الملكية الصناعية، وتماشيا من التغيرات في نفس السياق خضع لتعديلين أساسين؛ فالأول كان في سنة 2006 بموجب القانون رقم 05ـ31 الشيء الذي اتضح من خلاله للمشرع أننا لازلنا في حاجة إلى تعديلات أخرى ليكون القانون أكثر فعالية ولضمان نتائج مرضية، وهو ما استدركه بموجب التعديل الثاني بقانون 13ـ23 بسنة 2014 خاصة وأن دور هذا التعديل جاء لتكريس فعالية لحماية الملكية الصناعية وتوحيد قانونها.
وكانت النقط التالية من بين الأهداف التي جاء بها قانون حماية الملكية الصناعية:
ـ الإيداع الإلكتروني لطلبات التسجيل والرسوم والنماذج الصناعية طبقا لمقتضيات اتفاقية لاهاي بشأن التسجيل الدولي للعلامات التجارية.
ـ نشر طلبات تسجيل الرسوم والنماذج الصناعية.
ـ إصلاح الشامل والوطني لنظام الملكية الصناعية وتوحيده.
المطلب الثاني: التطور التاريخي للملكية الصناعية في التشريعات المقارنة
ترجع النشأة الأولى لحماية الملكية الصناعية إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر، حيث أثبتت الدراسات ان الملوك في أوروبا دأبوا على منح امتيازات للمبدعين والمبتكرين التي تخولهم احتكار واستغلال إبداعهم لمدة محددة[23]، غير أن التطور الاقتصادي في دول أوروبا وأمريكا أبان عن الكثير من النواقص التي كانت تشوب نظام الملكية الصناعية، فمن تم جاءت الحاجة الماسة إلى التمييز بين الامتيازات العادية التي كانت تمنح لجميع الأفراد، وتلك التي كانت تقتصر على تجار ونبلاء البلاد التي تقتصر على المبدعين دون غيرهم.[24]
واستنادا على ما سبق فقد ارتأينا أن نعالج في مطلب هذه الدراسة دور بعض التشريعات المقارنة في تكريس نظام الملكية الصناعية، وذلك من خلال مقاربة وجيزة لكل من التشريع الفرنسي (الفقرة الاولى)، والتشريع الانجليزي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التشريع الفرنسي
اشتهرت مدينة ليون الفرنسية منذ عدة قرون بكونها إحدى المراكز العالمية الرائدة في صناعة الحرير مما أدى إلى ضرورة صدور أمر من طرف الملك لويس الحادي عشر بإنشاء مصنع للحرير سنة 1466، إلا أنه سرعان ما اختفت هذه الصناعية بسبب تقل كاهل الضرائب المفروضة، وتوثر العلاقة بين القناصل والملك، الأمر الذي كان سببا في إصدار هذا الأخير أمرا بالإغلاق يشمل كل المصانع.
وأمام الازدهار الصناعي المتزايد والفراغ التشريعي الذي كانت تعاني منه مدينة ليون تم المصادقة على أمرا في سنة 1711 بمقتضى قرار لمجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 1 مارس 1712، كما تم بمقتضى قانون أكتوبر 1737 المصادقة على الأمر القاضي بمعاقبة كل من قام باستنساخ رسوم صناعية مسجلة للغير[25]
أما في سنة بعد صدور قانون 1987 فلم تعد تلك الانشطة مقتصرة فقط على مدينة ليون بل امتدت إلى باقي المدن الفرنسية لتشمل عدة مناطق حيث جاء هذا القانون بتحديد مدة حماية الملكية الصناعية في 15 سنة، أما بالنسبة للنماذج الصناعية فقد صدر تصريح ملكي في 15 مارس 1771 الذي قضي فيه بضرورة إيداع سري لنظير من النموذج بمكتب الجمعية المهنية المحدثة.[26]
وفي هذا الصدد فقد كانت البدايات خجولة ومحتشمة بعد الثورة الفرنسية، حيث تم إلغاء العديد من الامتيازات التي كانت سائدة سابقا وتم إصدار قانون شامل للملكية الصناعية سنة 1793 المتعلق بالملكية الأدبية والفنية، إلا أن هذا الأخير سجل عنه أنه كان يهدف لحماية الفنانون، مما كان السبب في تمهيد توطئة حول نقاشات القانون المتعلق بحماية الرسوم والنماذج الصناعية في 18 مارس 1806.
وإن كانت فرنسا أبدعت في إصدار القانون المومأ إليه في الفقرة السالفة فإنه عمليا لم يكن الأمر سهلا من حيث التطبيق وذلك راجع لعدم وجود معيار محدد للفصل بين ميدان الفن المحض والصناعة، مما دفع بها إلى إصدار قانون 1902 الذي مدد تطبيق الحماية على حقوق المبتكرين الذي يزاولون الفن التطبيقي والنظري بحماية مزدوجة.
فكما هو معلوم حاولت فرنسا القضاء على الازدواجية بقانون 12 مارس 1952 الذي يفيد بحماية المبتكرات الصناعية الموسمية الخاصة باللباس والزينة، حيث بعد ما يقارب عقدين من الزمن وبالضبط في سنة 1990، بدأت تروج عملية التمهيدات الأولى لإصدار مدونة موحدة ذلك ما تم تكرسه في سنة 1992، بإصدار مدونة الملكية الفكرية التي تتوفر على نصوص شاملة للملكية الأدبية والصناعية والتي عدلت بصفة جوهرية في سنتي 1995و1996.
الفقرة الثانية: التشريع الانجليزي
برز أول قانون في سنة 1710 لحماية المؤلفات المطبوعة تم لحق عليه صدور القانون الأساسي الخاص بحقوق الملف في دجنبر 1711، الذي تضمن في حيثياته حماية قانونية للمصنفات الأدبية والفنية وكذا أعمال الهندسة، وبالرغم من الركاكة التشريعية إلا أنه مع بداية القرن العشرين صدر قانون 1907 لحماية الملكية الصناعية الذي اشترط مجموعة من المعايير المرتبطة بالشكل والموضوع كما حدد مدة الحماية في خمس سنوات قابلة للتمديد مرتين[27].
ولعل التغيير الجدري هو الذي شهد في سنة 1949 أي بعد سنة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، وقد شكل هذا الأخير الأرضية الديموغرافية المناسبة لصدور قانون 1968 بشأن براءة الاختراع والنماذج الصناعية والذي سمح بالحماية المزدوجة للحقوق،[28] لأن قانون 1949 كان يستثني الرسوم والنماذج الصناعية من الحماية وهو الأمر الذي تم تداركه.
خـــــاتـــمة
وخلاصة لما سبق فإن الملكية الصناعية منذ القرن الحادي والعشرين شهدت تطورا ملحوظا على الصعيدين الدولي والوطني، لأن لها دور في تحقيق التنمية الاقتصادية وتحفيز الإبداع العلمي ودعمه مما، لا يخفى عن علمنا أيضا أن الحضارات تبنى بالعلم والإبداع، فضلا عن القوانين الخاصة التي تعد مكونا جوهريا لدعم المبتكرين في المغرب من خلال المقتضيات التشريعية التي تمنع الاعتداءات والمنافسات غير المشروعة.
ونتيجة لتطورات المجتمعات التي تواكب التشريع مسارا فإن معظم الاتفاقيات الدولية ألزمت الدول النامية على تحديث قوانينها الداخلية المتعلقة بالملكية الصناعية على وجه الخصوص والفكرية بوجه عام، وكذا توفير الحماية اللازمة للتصدي لكل الخروقات والمنافسات غير المشروعة.
كما أنه لن نجد فرصة أوفر من هذه التي بين أيدينا كي يتسنى لنا التنويه بمجهودات المشرع المغربي الجبارة بخصوص مراجعة ترسانته القانونية بكل المجالات، ونخص بالذكر مجال الملكية الفكرية عامة والصناعية على وجه الخصوص، ذلك ما يظهر من خلال التعديلين المحورين على قانون 97ـ17 لسد كل الثغرات التي يلتجئ إليها سيء النية.
إلا أن الإشكال الذي يثار في هذا السياق هو هل فعلا كانت هذه التشريعات كفيلة لتشمل كل جوانب الملكية الصناعية ؟ وما مدى نجاعة القضاء في التطبيق السليم لمقتضيات هذا القانون أثناء البت في النزاعات المعروضة أمامه ؟
[1] صادق المغرب على هذه الاتفاقية بمقتضى الظهير الشريف الصادر في 25 شتنبر 1918 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 11 أكتوبر 1918.
[2] أصبحت سارية النفاذ بالنسبة للمغرب بتاريخ 20أكتوبر 1930.
[3] صادق المغرب عليها بمقتضى ظهير شريف بتاريخ 18 يونيو 1951 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2019 بتاريخ 6 يوليوز 1951.
[4] شارك المغرب بمفاوضات اتفاقية الغات يوم 18 ماي 1987، ورد عن محمد المحجوبي، النظام القانوني للمبتكرات الجديدة على ضوء التشريع المغربي المتعلق بحماية الملكية الصناعية والاتفاقيات الدولية، الطبعة الاولى، 2005، الناشر دار أبي رقراق، ص 110.
[5] الدول التي حضرت المناقشة: بلجيكا، البرازيل، السلفادور، فرنسا، غواتيمالا، إطاليا، هولندا، البرتغال، صربيا، اسبانيا، سويسرا.
[6] بروكسيل 1900، واشنطن 1911، لاهاي 1925، لندن 1934، لشبونة 1958، استكهولم 1967، والمنقحة في أكتوبر 1979.
[7] الظهير الشريف المنشور بالجريدة الرسمية عدد 316 بتاريخ 11 نونبر 1918.
[8] أنظر الفقرة الأولى من المادة الثانية من اتفاقية باريس.
[9] علاء شلبي، اتفاقية الجوانب المتصلة بالملكية الفكرية وانعكاساتها على الدول العربية، المؤتمر الوزاري الرابع للتجارة، الدوحة ـ قطر، نونبر 2001، ص1.
[10] وداد العيدوني، الحماية القانونية للملكية الادبية والفنية في التشريع المغربي والاتفاقيات الدولية، مطبعة سيلكي أخوين، الطبعة الاولى، 2019، ص 32 .
[11] وداد العيدوني، الحماية القانونية للملكية الادبية والفنية في التشريع المغربي والاتفاقيات الدولية، مرجع سابق، ص 33.
[12] محمد محجوبي، التطور التشريعي لحماية الرسوم والنماذج الصناعية، المجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية، عدد 13، سنة 2016، ص 192.
[13] أنظر الدليل الارشادي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، اتفاقية لاهاي الخاصة بالإيداع الدولي للنماذج الصناعية، جنيف 2000، ص 1.
[14] محمد محجوبي، التطور التشريعي لحماية الرسوم والنماذج الصناعية، المجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية، م س، ص198.
[15] وداد العيدوني، الحماية القانونية للملكية الادبية والفنية في التشريع المغربي والاتفاقيات الدولية، م س، ص 28 وما يليها.
[16] محمد محجوبي، التطور التشريعي لحماية الرسوم والنماذج الصناعية، المجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية، م س، ص 169.
[17] فؤاد معلال، الملكية الصناعية (دراسة في القانون والاتفاقيات الدولية)، الجزء الاول ـ الحقوق التي ترد على المبتكرات، مطبعة الامنية ـ الرباط، سنة 2019، ص 24.
[18] محمد المحجوبي، النظام القانوني للمبتكرات الجديدة على ضوء التشريع المغربي المتعلق بحماية الملكية الصناعية والاتفاقيات الدولية، دار أبي رقراق ـ الدار البيضاء، الطبعة الاولى، 2005، ص 108.
[19] فؤاد معلال، الملكية الصناعية (دراسة في القانون والاتفاقيات الدولية)، الجزء الاول ــ الحقوق التي ترد على المبتكرات، مرجع س، ص.24
[20] منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 أكتوبر 1920.
[21] منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 6 شتنبر 1940.
[22] كانت طنجة منطقة دولية تخرج عن الاستعمار الفرنسي والاسباني وكانت تتوفر على قانون ملكية صناعية خاص بها وهو قانون 4 أكتوبر 1938 (منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 25 يونيو 1938)، وكانت معالم هذا القانون مشابهة لظهير 1916 من خلال تنظيمه لكل حقوق الملكية الصناعية التي كانت متداولة في تلك الحقبة والتنصيص عليها في أبواب، اضافة الى تكريس مبادئ اتفاقية باريس، واستمر العمل بهذا القانون الى حين دخول القانون الجديد للملكية الصناعية حيز التنفيذ بتاريخ 18 دجنبر 2004.
[23] محمد محجوبي، التطور التشريعي لحماية الرسوم والنماذج الصناعية، المجلة المغربية للدراسات القانونية والقضائية، م س، ص 169.
[24] زكرياء بلكا، استقلال براءة الاختراع بالمغرب، رسالة لنيل رسالة الماستر في القانون الخاص، بجامعة محمد الخامس ـ أكدال، سنة 1998، ص 14.
[25] GEORGES BRY, LA PROPRIETE IMDUSTRIELL, LA 3eme EDICATION RECVEIL, SEREY, P 418 أورده محمد محجوبي، م س، ص 170 .
[26] محمد المسلومي، الرسوم والنماذج الصناعية وحمايتها، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، كلية الحقوق بالدار البيضاء، سنة 1996، ص 55.
[27] محمد المسلومي، الرسوم والنماذج الصناعية وحمايتها، مرجع س، ص 58.
[28] محمد المسلومي، الرسوم والنماذج الصناعية وحمايتها، مرجع س، ص 59.