في الواجهةمقالات قانونية

تعليق على حكم المحكمة الادارية بالرباط عدد 875 بتاريخ 05/03/2019 في الملف رقم 1599/7112/2018 ( التعويض عن الخطأ القضائي ) 

 

تعليق على حكم المحكمة الادارية بالرباط عدد 875

بتاريخ 05/03/2019 في الملف رقم 1599/7112/2018 ( التعويض عن الخطأ القضائي ) 

بقلم الأستاذ خالد الهانــــــي منتدب قضائي  من الدرجة الثانية

                                          حاصل على الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة                                                                                       ماستر القانون والممارسة القضائية كلية الحقوق السويسي  الرباط-

الوقائع

تتلخص وقائع النازلة في الحكم الصادر عن المحكمة الادارية  بالرباط أن المدعي السيد ……تقدم بمقال بواسطة نائبه أمام المحكمة الادارية بالرباط عرض فيه انه كان يعمل بتقسيمة الضرائب المتعددة الاختصاصات بمدينة ………… كعون خدمة مكلف بالحراسة الليلية بالتناوب مع زميله المسمى …… , وانه بتاريخ 25/12/2005 تعرضت المصلحة التي يعمل بها الى السرقة , حيث تم الاستيلاء على مجموعة من الطوابع المخزنية توبع على اثرها من طرف النيابة العامة من اجل جناية اختلاس اموال عمومية عن طريق الكسر واستعمال مفاتيح مزورة اثناء قيامه بعمله وبسبب وظيفته وتبديد مستندات مالية طبق للفصل 241 من القانون الجنائي وهي التهم التي احيل من اجلها على غرفة جنايات الاموال لدى محكمة الاستئناف بالرباط التي اصدرت قرارها بتاريخ 03 يناير 2007 في الملف الجنائي عدد 9/06/33 القاضي بإدانته من اجل ما نسب اليه وتحكم عليه بخمس سنوات حبسا نافذا وغرامة قدرها 5000.00 درهم  ( خمسة الاف درهم ) مع الصائر والاجبار ……معللة قرارها بان انكاره تكذبه وتفنده ظروف القضية والقرائن المحيطة بها والمتعلقة بوجود اثار دمائه على احد الازرار الكهربائية بمسرح الجريمة وعلى تناقضه مع زميله من حيث اتصاله به على الساعة السابعة و 42 دقيقة وليس الساعة السادسة و 30 دقيقة وتصريحه لما صعد الى مسرح الجريمة استعان بولاعة الانارة  وليس بهاتفه النقال كما صرح زميله المذكور , وان هذا القرار تم تأييده من طرف غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 09 ماي 2007 في الملف عدد 03/2007/34  , غير ان محكمة النقض اصدرت قرارها بتاريخ 12/03/2008  في الملف الجنائي عدد 14882/2007 قضت فيه بنقض وابطال القرار المذكور وارجاع الملف الى نفس المحكمة  لتبث فيه من جديد حيث اصدرت من جديد قرارها بعد النقض بتاريخ 05 نونبر 2008 في الملف الجنائي عدد 7/2008/34 اعتبرت فيه ان القرار الابتدائي اقتصر على ذكر قرائن استنتج منها ادانة المتهم بأفعال انكرها من خلال جميع مراحل البحث والمحاكمة وبكونه مستخدم بالإدارة وكان يتحرك وسطها لصفته هاته بكل حرية ومن المحتمل ان يكون قد اصابه جرح وبدون شعور منه علق دمه بأحد الازرار الكهربائية وقتها وتصادف ذلك مع وقوع الفعل الجرمي المتعلق بالاختلاس , وان رجال الشرطة استغلوا هذه الواقعة كدليل للبحث ضده وانه امام انكاره وباستثناء القرائن المذكورة التي لا تعتبر قرائن قوية وقانونية يمكن الاعتماد عليها وحدها كدليل مادي لإثبات التهمة في حقه الامر الذي يستوجب الغاء القرار المستأنف وتصديا الحكم بعدم مؤاخذته من اجل مانسب اليه وببراءته منها.

وان هذا القرار اصبح حائزا لقوة الشيء المقضي به بعد ما قضت محكمة النقض برفض طلب النقض المقدم ضده من طرف النيابة العامة وذلك بمقتضى القرار الصادر عنه بتاريخ 24 يونيو 2009 في الملف الجنائي عدد 3146/2009 , ونتيجة لهذه الوضعية قضى رهن الاعتقال  الاحتياطي ما يناهز سنتين و عشرة اشهر  مما الحق به ضررا بليغا ناتجا عن اعتقاله  وحرمانه من حقه في الحرية وعن ظروف اعتقاله والحق ضررا بأسرته التي اضطرت للانتقال اسبوعيا لزيارته بالسجن المحلي بسلا طيلة مدة اعتقاله وان هذا الاعتقال ناتج عن سوء تقدير  قضاة الحكم لوسائل الاثبات المتوفرة لديهم وتخلفهم عن البحث في توفر  اركان الجريمة المنسوبة اليه واكتفائهم بسرد الوسائل التي اعتبروها كافية وقوية لإدانته وهو ما شكل خطأ قضائيا بمفهوم المادة 122 من دستور المملكة مما يستوجب تعويضه عنه لأجله يلتمس الحكم على المدعى عليهم (1-الدولة في شخص رئيس الحكومة بمكاتبه بالرباط 2- وزارة العدل في شخص وزيرها بمكاتبه بالرباط 3- الوكيل القضائي للمملكة بمكاتبه بالرباط 4- المجلس الاعلى للسلطة القضائية في شخص الرئيس المنتدب بمكاتبه بالرباط).

بأدائه لفائدته مبلغ 600.000.00 درهم جبرا للضرر الحاصل له جراء حرمانه من حريته طوال الفترة المذكورة مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وتحميل المدعى عليهم الصائر  وان المحكمة الادارية بالرباط اصدرت حكمها القاضي برفض الطلب وتحميل رافعه الصائر .

التعليق :

يثير هذا الحكم وكذلك موضوع الدعوى سؤالا عريضا يتعلق بالمسؤولية المفترضة للقاضي في ضوء الدستور والتشريع والاتفاقية الدولية التي صادق عليها المغرب.

لقد أقر الدستور المغربي لسنة 2011 في الفصل 122 منه : ” حق لكل متضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تمنحه الدولة .

فالحكم عدد 875 الصادر بتاريخ 05/03/2013 في الملف رقم 18/7112/599  ادارية الرباط لم يحسم في عدة نقاط قانونية وقضائية مهمة والتي تتعلق بمفهوم المسؤولية المفترضة للقاضي ,  وهل الخطأ القضائي المرتب للتعويض هل هو الخطأ الجسيم المغتفر او الخطأ الجسيم غير المغتفر الذي يقع فيه القاضي , وان الخطأ الذي لا يحتاج الى اثبات هو ذلك الخطأ المفترض في اطار تطبيق نظرية المخاطر والتي لا محل لتطبيقها على مستوى الخطأ القضائي .

لقد كان الاجتهاد القضائي الصادر عن ادارية الرباط هو رفض طلب التعويض الذي تقدم به الضحية جراء حصوله على البراءة بعد اعتقاله لمدة سنتين وعشرة اشهر.

وقد قرر الحكم الاداري بان تطبيق مقتضيات الفصل 122 من الدستور المغربي يقتضي صدور قانون خاص بالتعويض عن حالات الاعتقال الاحتياطي على غرار ما اقره المشرع الفرنسي او يحدد المقصود بالخطأ القضائي وكذلك يبين الحدود الفاصلة بين هدف كفالة حق التعويض للمتضرر وتكريس حقه في مقاضاة الدولة عن هذا الخطأ وضمان استقلال القضاء وبالتالي بيان حالات مسؤولية القاضي الشخصية والمسؤولية المرفقية القائمة على الخطأ , وتلك التي لا تحتاج الى اثباته باعتباره خطأ مفترضا في اطار تطبيق نظرية المخاطر. واضاف بانه لا مجال لتطبيق نظرية المخاطر في هذه الحالة لانعدام موجباتها لكون النص الدستوري يتحدث عن الخطأ او الغلط في تطبيق القانون ,وان الطلب الرامي الى التعويض عن الخطأ القضائي غير مؤسس ويتعين الحكم برفضه وتطبيقا للدستور والقانون رقم  90.41 المحدثة بموجبه المحاكم الادارية والقانون الجنائي قضى برفض الطلب وتحميل رافعه الصائر  ولذلك اعتقد ان الحكم الصادر عن ادارية الرباط قد بث في اشكالية قانونية دقيقة من شانها طرح الموضوع للاجتهاد.

وفي نظري المتواضع ان الحكم الاداري الصادر في القضية موضوع التعليق جانب الصواب حيث ان البث في الطلب يستوجب بالضرورة بيان اساس المسؤولية عن العمل القضائي وتجدر الاشارة الى ان المسؤولية الادارية عموما تستند في أساسها على نظرية الخطأ الناتج اهمال الا في حالات استثنائية تكريسا لمبدا سيادة الدولة وحجية الامر المقضي به , الا ان مجال المسؤولية الادارية قد تجاوز هذه النظرية الثقليدية اذ أصبحت مسؤولية الادارة  واردة على اساس المخاطر  التي يمكن ان تنتج عن نشاطاتها غير المشروعة بغض النظر عن أي خطأ  قد ترتكبه في اطار قيامها بالمهام المنوطة بها .

اعتبارا فقط للمخاطر المتصلة بطبيعة المرفق القضائي الذي تضطلع بتسييره او بالنشاط الذي تقوم به , وبهذا توج المغرب مساره الحقوقي والقانوني بالاستجابة للمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب بدون تحفظ ومن بينها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية , وكذا مبادئ احترام حقوق الانسان وكذا الضمانات الحمائية لحقوق المتقاضين كما هي متعارف عليها دوليا , وبذلك أقر مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي الذي يعد من اهم المستجدات التي جاءت بها المادة 122 من دستور 2011 وبذلك شكل الحدث ثورة نوعية في المسار التشريعي المغربي.

كما أن مقومات الدولة تقوم على مبدأ التوازن بين حقوق المتقاضين وواجباتهم في تحمل الاعباء وتحقيق مبدأ التكافل الذي نص عليه الدستور في الفصل 40 منه فان الدولة تكون بالمقابل ملزمة بتحمل مخاطر الاضرار التي تسببها اعمالها ونشاطاتها وان مسؤوليتها عن ذلك تندرج في اطار المسؤولية عن المخاطر التي تتحقق بمجرد حصول الفعل الضار  وإثبات المتضرر كون الضرر الذي لحقه ناتج عنه مباشرة بصرف النظر عن وقوع الخطأ من جانب الادارة من عدمه ومدى جسامته وتوفر الدولة على الامكانيات الفعلية لتجنب الفعل الضار من عدمه ويعد ذلك بمثابة تكريس لمنطق العدالة الذي يحتم رفع الضرر عن المتضرر مهما كان مصدره بدون الالتفات الى خطأ الدولة وكذا تطور موضوع المسؤولية عن الاخطاء القضائية الذي كرسه دستور المملكة المغربية .

لذلك فان مسؤولية الدولة قائمة على الضرر اللاحق بالضحية المتضرر والمتمثل في اعتقاله وقضائه مدة محددة في السجن تصل سنتين وعشرة اشهر رغم براءته بدون ما حاجة الى ضرورة اثبات الخطأ من جانب الدولة.

ويبقى تقدير التعويض للسلطة التقديرية للقضاء الاداري بناء على وقوفه على مدى حجم الاضرار المادية والمعنوية المطلوب التعويض عنها من خلال الحجج والمؤيدات المدلى بها وكذا الشواهد الطبية المدلى بها أو حتى اللجوء الى اجراء خبرة قضائية لتحديد الضرر الذي تعرض له صاحب الطلب .

وهناك قرارات قضائية تؤسس لذلك نموذجا القرار الصادر عن محكمة الاستئناف الادارية بمراكش تحت عدد 335 بتاريخ 19 فبراير 2015 في الملف عدد 1642/1914/2013 وكذا القرار  الصادر عن الاستئناف الادارية بمراكش ايضا بتاريخ 04 اكتوبر 2017 في الملف عدد 415/7114/2017 .

هذا الاتجاه تبنته أيضا المحكمة الادارية بمراكش من خلال الحكم رقم 223 الصادر بتاريخ 28 فبراير  2018 في الملف رقم 1318/7112/2017 الذي اسس لقاعدة مفادها :

اولا : أنه يحق لكل متضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة طبقا لمقتضيات الفصل 122 من دستور المملكة لسنة 2011.

ثانيا : أن مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي تعتبر مسؤولية بدون خطأ استنادا الى نظرية المخاطر القائمة على مجرد حصول الضرر وبغض النظر عن وجود اي خطأ قد يرتكبه مرفق القضاء باعتباره مرفقا من مرافق الدولة.

وهذا الاتجاه سلكه المشرع الفرنسي عبر اقراره لقانون خاص بالتعويض عن حالات الاعتقال الاحتياطي , لكن الاجتهاد القضائي الفرنسي ذهب الى ابعد من ذلك حيث اعتبرت محكمة فرنسية ان طول اجراءات التقاضي انكار للعدالة وحكمت للمتضررين بتعويض قدره 476 الف يورو  ( اربعمائة وستة وسبعون الف يورو)  وهو الحكم الذي اعتبرت من خلاله المحكمة الابتدائية لمدينة مو   Meaux  , الواقعة في الشمال الشرقي للعاصمة باريس ( الحكم الصادر بتاريخ 22 مارس 2017 تحت عدد 319/2017 ) أن التأخيرات الطويلة جدا والغير المبررة التي عرفتها جلسات نظر دعواهم امام محكمة الشغل يشكل انكارا للعدالة.

وقد عللت المحكمة قضائها بان انكار العدالة يكون قائما عندما لا تستطيع الدولة وضع وسائل وادوات العمل الضرورية امام العدالة لحسم النزاعات في اجال معقولة وان نزاعات الشغل تقتضي صدور احكام سريعة لا يجب ان تتعدى سبعة اشهر والحال ان المسطرة في الملفات موضوع الادعاء تجاوزت السنتين وان بعضها وصل الى خمس سنوات.

ولذلك أدانت المحكمة الدولة الفرنسية وحكمت عليها ان تؤدي لكل متقاض من 120 تعويضا حددته في مبلغ يتراوح ما بين 3000.00 اورو ( ثلاثة الاف يورو ) و 4500.00 يورو ( اربعة الاف وخمسمائة اورو ) حسب الوقت الذي استغرقته قضيته وينتظر ما ستسفر عنه القرار الاستئنافي بعد استئناف الدولة الفرنسية للحكم .

اذن فالاتجاه الفقهي الحديث ينادي بوجوب التعويض عن المسؤولية المفترضة للقضاء نظرا لما تمليه المقتضيات الدستورية والتشريعية والاتفاقيات الدولية.

وسأكتفي بهذا التعليق المتواضع أملا في أن يسهم باقي الزملاء والاساتذة الافاضل بإسهاماتهم القيمة في هذا المجال وذلك قصد تسليط مزيدا من الاضواء على هذا الموضوع الهام والدقيق والله ولي التوفيق .

 

المصادر والمراجع المعتمدة :

  • العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
  • الدستور المغربي لسنة 2011.
  • القانون رقم 41-90 المحدث للمحاكم الادارية .
  • القانون الجنائي المغربي.
  • قرارات واحكام قضائية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى